الكابتن ماجد/ عبدالقادر رالة

 كان فصل الشتاء هو الموسم المفضل للعب بالكريات الزجاجية الصغيرة، وفصل الصيف موسم كرة القدم....وفي فصل الصيف تحتدم المنافسة في المباريات التي يشارك فيها الأطفال من جميع أحياء مدينتنا الهادئة....وفي كل موسم تمتلأ الملاعب الترابية بالتحدي ،الحماس ،الشجار والدموع... تسيل الدماء بغزارة... بسبب التدخلات العنيفة بين اللاعبين ،فلا تكاد مباراة واحدة تخلو من سقوط اللاعبين ،أو الارتطام العنيف بينهم  وتتدفق الدماء على أرض الملعب.. من الركب.. من المرافق...من الرؤوس...والأروع أننا ننسى كل ذلك بمجرد أن نشرب المشروبات الغازية والبسكويت التي يدفع ثمنها الفريق الخاسر ،ونشرع في التفكير في المباراة القادمة أما إذا أصر الفريق الخاسر على التحدي مرة أخرى لأجل الثأر فالثمن يتضاعف  التفاح والإجاص....
   هذا الموسم كان مميز جدا، وسر تميزه أن التلفزيون الوطني يبث المسلسل الكارتوني الكابتن ماجد الذي زاد الملاعب اشتعالا والتحدي عنفوانا....فملأنا حماسا، وصار كل لاعب يريد أن يفرض نفسه الكابتن ماجد في الملعب....وكل طفل يتخيل نفسه بسام!...وكل حارس مرمى يجزم بأنه رعد....!
   كان فريقنا فريق الخشة هو ثاني أقوى الأفرقة  الاثنا عشر ....لكن هذا الموسم كان صعبا علينا  بسبب تأثير الكابتن ماجد ورفاقه في لاعبي الأحياء الأخرى! هذه هي المرة الأولى التي يسجل علينا فريق "طريق الجامع" المتواضع ثلاث أهداف! بدون أن نسجل ولا هدف واحد....احتار هدافنا حكيم! و يأس الماحي! وقلق هواري....كل الفريق اهتز وتشتت تركيزه وامتصت الهزيمة لياقته!....كل مهارتنا وخططنا كانت تتحطم عند اللاعب الجديد الضخم مرزوق! مدافع عنيف يسقطك بدون أن يبذل جهدا وانما يتركك ترتطم به! أسقطني أربع مرات.....
    لم يستطع صديقنا فيصل تجاوزه ولما حاول أن يدفعه كاد مرزوق أن يسقطه...فيصل كان اللاعب الوحيد  الضخم في فريقنا.... تماسك ثم صرخ فيه غاضبا:ـ العب بتأني يا ابن الحركي!...   ابن الحركي!...توقف جميع اللاعبين عن الركض! بل الزمن نفسه توقف !كلمة جديدة لأول مرة نسمعها في الملعب تختلف عن كل الكلمات البذيئة التي كانت تملأ ملاعبنا!
 ـ ماهذا الكلام يا فيصل؟.....
ـ فيلعب بتأني! كاد أن يسقطني!
توجه اليه مرزوق  وضربه برأسية قوية ثم اشتبكا بعنف...حاولت أن أفرق بينهما....وجاء أصدقاء مرزوق واحشدوا وراءه....صرخت:
ـ لا...لا...ياجماعة...لا تفسدوا المباراة بالشجار!
قال أحدهم:ـ ألا تسمع ما يقول لاعبكم؟ انه يشتم صديقنا!
فرد فيصل بتوتر:ـ أنا لا أشتمه وانما أقول الحقيقة! هو إبن حركي...وأنا أبي دركي ..وان كنتم لا تعرفون ذلك فاسألوا أباءكم!...
 لم يستطع مرزوق السيطرة على نفسه فانقضى على فيصل...واسقطه أرضا...تبادلا اللكمات... كنا ننظر ولا نستطيع أن نفعل شيئا ..فإن تقدم أي واحد منهم أو منا فسيشترك الجميع  في العراك ويكبر فيفسد الاستمتاع بكرة القدم الجميلة...ويتحول الثأر من تنافس كروي الى عراك تافه!
  وفي الغد لما تذكرت العراك سألت والدي عن عرقوب هل فعلا كان حركي؟...
ـ من قال ذلك؟ اياك أن تذكر ذلك أمام أولاده!
ـ فقط أريد أن أعرف يا والدي!
ـ بعد الاستقلال فر الى فرنسا... ثلاث من أولاده ولدوا هناك...ولما هدأت الأمور عاد الى الوطن...زمن الحرب تعامل مع كل المعمرين والقادة العسكريين...وأهم عمل اشتهر به هو قيامه بإبطال مفعول قنبلة يدوية رماها أحد المتعاطفين مع الثورة في عربة ماسيو لا بروف الخبيث! وبما أنه ابن المدينة ..ونعرف والده وجده...لا نحاول أن نذكره بذلك...حتى اولئك الذين تعرض أباءهم واخوانهم للتعذيب أو استشهدوا بسبب وشايته....سامحوه...الحمد لله لقد استطاعت بلادنا أن تتجاوز جراحها...وقد مضى ثلاثون سنة على الاستقلال. .فيجب... وبالأخص أنتم...الأطفال...افتخروا بالأبطال ولا تنشغلوا بصراعات الماضي...انتم ..يجب أن تتطلعوا نحو المستقبل...يكفي الخونة ما يشعرون به من تأنيب ضمير....
ـ بالفعل هذا ما حاولنا جميعا قوله لزميلنا فيصل! لا يعنينا ما كان يفعل أباءنا.....
ـ فيصل ! والده دركي. ...لذلك يعتقد أنه الوحيد الذي يحب الوطن ويغار عليه! وأمثال والد فيصل كثيرون، لا يزالون يتوجسون من الحركى ولا يثقون فيهم...الذي خان بالأمس يخون اليوم وفي أي لحظة تتاح له...حتى وإن كان اعتقاده صحيحا... لكن ما كان عليه ذكر ذلك أمام أولاده...على الكبار أن يتركوا الصغار وشأنهم ولا يفسدوا عليهم الاستمتاع بالصداقة واللعب والمرح...,أيضا....
ـ حديثك شيق يا والدي!....لكن إني أسمع موسيقى شارة البداية الخاصة بالكابتن ماجد...
الكابتن ماجد
نجم خلاب متجدد
يعرف أن اللعب مهارة....

خصوصيّات بشريّة/ نعمان إسماعيل عبد القادر

قصة قصيرة

النساءُ في تلكَ القريةِ المستقلةِ وعاصمتُها شجرةُ السِّدرةِ الكبيرةِ، والَّتي تختلفُ عنْ باقي القُرى بكثرةِ نسائِها، وقوةِ أسنانِها، وطولِ ألسنتِها، لا تحبُ أنْ تأكلَ إلا اللحمَ الطازجَ.. ومنَ المسلخِ مباشرةً.. وهذا منْ خصوصياتهنَّ على حدّ تعبيرهنَّ. وكانَ الأطباءُ في القريةِ منْ أكثرِ الناصحينَ لهنَّ باتباعِ سُبلِ التغذيةِ المناسبةِ الصحيحةِ.. ومنْ أكثرهمْ حرصًا على مواصلةِ العطاءِ وتقديمِ النصائحِ والإرشادات والوصفاتِ الطبيةِ وطرقِ العلاجِ البديلةِ، وإعطاءِ المحاضراتِ وعقدِ الندواتِ، الدكتورُ عمرُ الزجّاجُ.. تقدمتْ منهُ إحداهنَّ ذاتَ يوم، وتدعى "لطفية"، عقبَ الانتهاءِ من سماعِ محاضرةٍ عنوانُها "خصوصيّاتٌ بشريّةٌ"، وقالتْ لهُ بازدراءٍ فاقعٍ: "يا عُميْرُ! عنْ أيِّ خصوصياتٍ تتحدثُ يا رجلُ؟! أتريدُ أنْ تُصلحَ ما أفسدَهُ الدهرُ؟ نحن نعيش اليوم في زمن العولمة.. لو أُتيحتْ لي الفرصةُ لأكلتُ لحومَ الميتةَ  مع عظامِها بالمقلوبة والمنسفِ ولصنعتُ منها ألذَّ وأطيبَ الأكلاتِ الشهية".. ومنذئذٍ صارتْ من أكثرِ أعدائهِ سخطًا عليه. لكنّهُ لم يستسلمْ بلِ انبرى يقدِّمُ لهنَّ النصيحةَ تلو الأخرى، فاستلمَ المنبرَ في المسجدِ، ثم انتقلَ إلى الصُّحفِ المحليةِ، وخَصَّصتْ لهُ  بعضُ المواقعِ الالكترونيةِ، ومواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، عبر الشبكةِ العنكبوتيةِ، صفحاتٍ خاصةً، ناصحًا فيها باتباعِ حميةٍ مناسبةٍ، والتخفيفِ من تناولِ اللحومِ، والإكثارِ من أكلِ النباتاتِ والفاكهةِ، مثلما يأكل الغربُ تمامًا.. وظل ينادي بصوته المجلجل: "ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه؟". وكانَ قد حذرهنَّ منَ السمنةِ الزائدةِ ومن تناولِ الحلوياتِ بعدَ تناولِ الوجباتِ الدسمةِ ومنْ مغبةِ حدوثِ أزماتٍ قلبيةٍ ومن انتشارِ مرضِ السكري الفاسِدِ الَّذي يؤدي في أحايينَ كثيرةٍ إلى بترِ الأطرافِ السفلى، وظلَّ يحاربُ هذهِ الظاهرةِ العجيبةِ حتّى كَلَّ لسانُهُ.. ولكنَّ الأمرَ لم يرقْ لهنَّ وقد وصفنهُ بالرجلِ المعتوهِ الذي ألزمَ زوجتهُ على لبسِ الحجابِ ووضعِ النقابِ بل وحرمَها من حريةِ إظهارِ زينتها أو إبداءِ رأيها في الأمرِ، ولهذا فقد قيّدَ حريتَها وصارَ في نظرهنَّ من ألدّ أعداءِ المرأةِ التي تحررتْ من براثنِ العبوديّةِ.. وكنَّ كلّما انتشرتْ أخبارُ الناسِ التي تتعلق بالطلاق وعمّ الغمّ في بعض البيوت وترقرقت منه العيون أو قل اغرورقت، فإنهن يسارعن بشماتة إلى الكسب الحلال، ويستمتعن في تناول اللحوم الدسمة مع إضافة بعض الأملاح وكثير من البهارات المستوردة حديثًا من بلاد المشرق..
ذات مساءٍ فوجئتْ لطفيةُ بمكالمةٍ هاتفيةٍ غير معهودة أتتها من السيّد "رفعت" أحد أصدقاء زوجها الأوفياء يبشرُها بأن زوجها قد تزوَّج عليها منذ مدةٍ دونَ أنْ تعلمَ بذلك.. زمجرتْ.. وتوعدتْ.. وهدّدتْ.. وقالتْ وهي تبكي وتندبُ حظَّها: "يا ويلي كمْ نصحوني أنْ أخففَ من أكلِ اللحومِ.. لقد صَدَقَ الدكتور عمر، كان هو على حقّ وكنا نحن على باطلٍ ليتني لم أتناولْ قطعةَ لحمٍ واحدةً.. ولكن ما شأن "رفعتْ" بهذهِ المسألةِ؟ إنها من خُصوصياتنا"..

الكرمل ونظرية الاستقبال في الأدب العربيّ!/ آمال عوّاد رضوان

منتدى الحوار الثقافيّ في مركز البادية- عسفيا الكرمل افتتحَ عامَهُ الجديدَ بلقاءٍ أدبيٍّ ثريّ، حول كيفيّة ممارسة المحادثة والحوار في تعزيز حرّيّة الإنسان، من خلالِ كتاب "نظريّة الاستقبال في الرواية العربيّة"، للباحثة د. كلارا سروجي شجراوي، المحاضرة في جامعة حيفا.
استهلّ اللقاءَ الشاعر رشدي الماضي  بكلمةٍ ترحيبيّة بعنوان" مع كلارا سروجي على قمّةِ الصمت:
الكلمة هي أمّ فنون القول العربيّ، رغم أنّها مرّت على امتداد العقود بأطوارٍ تتفاوت بين روعة المدّ، ولوعة الجزر والانحسار، ومرارة الانكسار. الحقّ أنّ الكلمة العربيّة تجتاز اليوم واحدًا من المنعطفات الحادّة في مسيرتها، تعكسه روح العصر، والإيقاع الحضاريّ السريع، ونبض التغيّر اليوميّ في الوسائل التقنيّة وثورة المعلوماتيّة ومستحدثاتها، وهو نبضٌ يلهث إنسان العصر وراءَه.
ولأنّ الكلمة هي ذلك النتاج الإبداعيّ الخلّاق، تصبح عمليّة القراءة بالنسبة لها، لا يراد بها تلك القراءة السريعة، بغية المتعة العابرة أو الاستطراف أو التسلية، كما لا يُراد بها استقبال تلك الكلمة استقبالًا تلقائيًّا، نابعًا من الذوق الشخصيّ وحده، بل يُقصد بها ذلك الجهد الواعي الذي تمارسه الذات المثقفة، حين تتلقى الكلمة كعمل أدبيّ، فتحاول إدراك العلاقات التي تربطه بمَثل أعلى خاصّ، كما تحاول اكتشاف كلّ أو بعض معطياته الجماليّة، نافذةً من خلال ذلك إلى إيماءاته النفسيّة والفكريّة، ومن ثمّ قد ترتقي عمليّة التذوّق إلى درجة النقد المنهجيّ، أو فنّ تمييز الأساليب، وهذا يُثري ساحتنا الأدبيّة بمناقشات نقديّة مستفيضة في مفهوم الأدب، وطرق استقباله وتقبّله، ليشكّل بالنتيجة الرائعةَ الحقيقيّة لتنمية وعي الإنسان ذوقًا وإبداعًا.
هذا الحوار برأيي المتواضع لم ولن يُحسم، وما كان له أن يُحسم، فالخلاف النظريّ حول قضيّة الاستقبال لم يُفضِ إلى اتفاق وجهات النظر والرأي حول مفهوم موحّد، أو شبه موحّد لهذه النظريّة في الأدب، وترتّب على هذا، أنّ مشكلة منهج التذوّق الأدبيّ ما زالت قائمة، فالعمل الإبداعيّ تدخّلُ في محاولات الوعي به تشكيلةٌ من العوامل النسبيّة، مثل ثقافة من يريد سبر أغواره ومعالمه، ومكوّنات ذوقه الخاصّ، وإلهامات زمنه ومحيطه الاجتماعيّ وانتماءاته المختلفة.. إلخ
هذا غيضٌ يسيرٌ من فيض غزير للأسئلة والتساؤلات حول نظريّة الأدب وكيفيّة استقباله، وهو مُحفّزنا الذي نادانا أن ندعو باحثة أكاديميّة بامتياز، لا يُرعبها الطير الأسود في ليل إبحارها في عباب العمل الإبداعيّ، بل يوقظها قاربًا وصارية وبوصلة، كزرقاء اليمامة رائية، لا تخشى أن تسكن خلال رحلتها السندباديّة، إن سكّن الصمت مجدافها، لأنّها شاء الصمت هذا أم أبى، ستواصل رحلة قراءتها للعمل الأدبيّ قراءة أوركستراليّة شاملة، لتضع باصرتنا وبصيرتنا على المنابع التي استقى منها هذا الإبداعُ روائعَه شكلًا ومضمونًا، ونحن حين نفتح وثيقة هُويّتها، سوف لن نجد اسمَها عنترة، بل كلارا سروجي شجراوي، الباحثة والمحاضرة الأكاديميّة في جامعة حيفا.
وقدّم د. فهد أبو خضرة محاضرة نوعيّة جاء فيها:
سأتحدّث أوّلًا عن منشورات مجمع القاسمي للغة العربيّة، من أجل الحصول على بعض هذا الإنتاج لمن يرغب، فقد أقيم المجمع القاسمي قبل أربع سنوات، وخلال هذه المدّة كان فعّالًا جدًّا، وقد أصدر حتّى الآن 22 كتابًا، كلّها من الأبحاث الجادّة جدًّا، وكلّ الإصدارات مُحكّمة، فكلّ كتاب يُرسل إلى قارئيْن على الأقلّ، وإذا وافق عليه القارئان المُتخصّصان يُنشر الكتاب، وإلّا عاد إلى صاحبه.
ومن الإصدارات الهامّة بالإضافة إلى كتاب "نظريّة الاستقبال لد. كلارا سروجي شجراوي"، أيضًا هناك قاموس يضمّ اللغة العربية المعاصرة واللغة التراثيّة المستعملة، وفيه بحدود ثلاثين ألف كلمة. صدر طبعة متوسّطة لأسباب نشر وغير أسباب التأليف، ولكنّه سيُنشر في لبنان قريبًا جدًّا، ومن هناك سيصل الينا وإلى الدول العربيّة. وكذلك هناك قاموس المصطلحات، الذي سيُصدر قريبًا جدًّا في البلاد، والذي يضمّ مصطلحات الأدب ومصطلحات اللغة العربيّة، فلمن يهمّه الأمر، يستطيع أن يتّصل بالمجمع القاسمي، لحصل على بعض المنشورات التي تهمّه، والتي ما زالت متوفّرة.
مجمع القاسمي أيضًا يُصدر "مجلة المَجمع" النصف سنويّة، وقد صدر حتّى الآن العدد السادس، وهيئة وإدارة المجلة تتقبّل دراسات في الأبحاث الجادّة والقيّمة، وأيضًا المجلة مُحكّمة. بالإضافة إلى الإصدارات، هناك مؤتمرات أدبيّة فصليّة كلّ شهريْن أو ثلاثة، وبحضور كبير ومدهش، يتعدّى المئتيْن والثلاث مئة.
بخصوص كتاب كلارا نظريّة الاستقبال، فأطراف العمل الأدبي ثلاثة: المبدع والنصّ والمُتلقّي. وقد بدأ النقد في أوروبّا في أواخر القرن التاسع عشر، بالحديث عن المبدع والعصر والبيئة وما أشبه، ممّا يُطلق عليه اليوم اسم "النقد الخارجيّ"، ولكن بعد ذلك في القرن العشرين، بدأ الاتّجاه إلى النصّ، وهذا أخد وقتًا طويلًا، وهو نقد له قيمته وأهمّيّته، وفي بداية الستين بدأ الاتّجاه الثالث نحو المتلقّي، أو نظريّة الاستقبال التي وصلت إلينا متأخّرا، ومن هنا أتحدّث عن قضيّة الأزمة التي نراها في بلادنا وفي العالم العربيّ، بالنسبة لحركة النقد، فهناك عندنا نقّاد ولكن ليس لدينا نقد، لأنّ كلّ النقد منذ أوائل القرن العشرين، بما في ذلك طه حسين والعقاد وغيرهم، فالنقد مأخوذ من مصادر غربيّة، ونحن نأخذ نظريّات غربيّة ونُطبّقها، فهذا ما حدث وما يحدث، وحتى في أحسن حالات النقد في سنوات الأربعين والخمسين من القرن الماضي، كانت كلّ النظريّات مأخوذة من الغرب، فطه حسين استخدم نظريّة فرنسيّة، والعقاد استخدم نظريّة إنجليزيّة، وآخرون كُثر، كنوع من الاحتلال النقديّ! النقد له قيمة كبيرة، فإمّا أن يرفع شاعرًا ما، أو يحط من قدر شاعر آخر، وأحيانًا بانتباهٍ وأحيانًا بغير انتباه، لأنّه ليس من نقدٍ غربيّ ينطبق على أدبنا العربيّ.
وملاحظة أخرى مهمّة، أنّ مدارس النقد كلّها وصلتنا متأخّرة جدّا، بعد ثلاثين وأربعين سنة، وكان الزمن أحيانًا يمتدّ أكثر، فمثلًا نظريّة الاستقبال ظهرت في أوروبّا عام 1960، وبدأنا ترجمتها في أواخر 1998، وهذه مشكلة! فلماذا يجب أن يسيرَ النقد العربيّ بأعقاب النقد الغربيّ؟
ولأنّ الأمرَ هذا يؤثّر سلبًا على الإبداع العربيّ، لهذا أقول، إنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى إعادة دراسة أدبنا المَحلّيّ مرّة أخرى، فكلّ الدراسات السابقة هي دراسات غير صحيحة، وفيها الكثير من التزييف، وكذلك الأدب العربيّ يجب أن يُدْرَسَ مرّة أخرى، فهناك أعلام ممتازون جدّا في العالم العربيّ لا يُذكرون، وهناك شخصيّات سخيفة جدًّا أخذت دورًا كبيرًا جدًّا، وما زالت أسماؤُها موجودة حتى اليوم.
التركيز برأيي يجب أن يكون على النصّ، لأنّنا درسنا الشاعر والبيئة والعصر والظروف الخارجيّة، ولكنّنا لم ندرس النصّ جيّدًا، وقبل أن نبدأ بدراسة قراءة النصّ، ظهرت لنا نظريّة الاستقبال، فقفزنا إليها، وأحسن النقاد لا يجيدونها ولا يعرفون عنها شيئًا، ويُطبّقونها بشكل سلبيّ لأنّهم لا يعرفونها جيّدًا، وهذا سيكون له آثارٌ سلبيّة جدًّا على نتاجنا الأدبيّ، لأنّنا نتعلّم عادة من نُقادنا، وقليل جدًّا منهم من يقرؤون المصادر الغربيّة، وإنّما يقرؤون ما يكتبه النقاد العرب.
التركيز الأساسيّ يجب أن يكون على النصّ أوّلا، كي نكمل الحلقة التالية من دراسة التلقي، فهذا لا يعني أنّ العرب لم يعرفوا التلقي من قبل، إنّما لم يعرفوا النظريّة، بل أشاروا إليها بلمحات بلاغيّة أو ومضات رومنسيّة، وعمليّة الانتقال من دراسة النصّ إلى دراسة التلقي أوقعنا في مشكلة، إذ لم نجد هذه ولا تلك، وهذا قد يقودنا إلى الضياع، فأرجو أن ينتبه الباحثون جيّدًا إلى هذه النقطة، وحبّذا لو أنّ د. كلارا تستطيع أن تتابع الموضوع عند النقاد، أي بحث نظريّة الاستقبال في النقد العربيّ مجدّدًا، حيث ستجد الكثير من النواقص عند هؤلاء النقاد، فأحدهم مثلًا حاول أن يُطبّق نظريّة الاستقبال على شعر المتنبّي، والأمر لا يخطر ببال، فلذلك وجدنا ثلاثة أرباع المادّة لا علاقة لها بنظريّة الاستقبال، وأقلّ من ربع الكتاب فيه بعض الملاحظات من هنا وهناك، من نظريّات التلقي والاستقبال.
في النقد الغربيّ، نجدهم يُركّزون على الدراسات النصّيّة، لذلك نجد المتلقّي للنصّ الأدبيّ هذا غيرَ محدود الأفق، وإنّما واسع الآفاق، يستطيع أن يُحلّل ويُؤوّل النصّ بشكل مناسب ويتفاعل معه، فعلينا أن نُطوّر قضيّة قراءة ودراسة ونقد النصّ بتوسّع، ومن ثمّ بعد ذلك، لا بأس من دراسة قضيّة الاستقبال، بعد أن يهضمها الناقد ويفهمها جيّدًا.

وفي محاضرة د. كلارا سروجي شجراوي بعنوان: نظريّة الاستقبال (Reception Theory) لهانز روبرت ياوس جاء:
ظهرت "جماليّة الاستقبال" (Rezeptionsästhetik) جنبًا إلى جنب مع "جماليّة الاستجابة والتأثير" Wirkungsästhetik))، أو ما عُرف بنظريّة استجابة القارئ، في جامعة كونستانس في ألمانيا الغربيّة، أواخر الستينيّات وأوائل السبعينيّات من القرن الماضي. أنشأ هانز روبرت ياوس (Hans Robert Jauss) الاتّجاه الأوّل في النقد الأدبيّ، بينما درس زميله في الجامعة فولفجانج إيزر (Wolfgang Iser) استجابة القارئ الفرد للنصّ الأدبيّ.
عُرف الباحثون والنقاد في جامعة كونستانس بتوجّههم الليبراليّ، وقد عملوا بالتعاون مع جامعات أخرى في ألمانيا، وشاركوا في أبحاث تتطلّب تفاعلًا وتبادلًا للمعلومات مع ميادين أخرى، مثل التحليل النّفسيّ، الأنتروبولوجيا، السوسيولوجيا، التاريخ، والفلسفة. كما كوّنوا علاقات عالميّة، خاصّة مع فرنسا والولايات المتّحدة.
من الصّعب الفصل بشكل حادّ بين نظريّة الاستقبال ونظريّة استجابة القارئ، فاستقبال العمل الأدبيّ يتناول أيضًا دراسة استجابة جمهور القرّاء، وتأثيرهم في تشكيل الذائقة الأدبيّة لحقبة ما. لقد عمل ياوس وإيزر في بداية طريقهما كطاقم واحد، إلّا أنّهما اتّخذا اتّجاهًا متباينًا فيما بعد. فالاثنان يريان أنّ العمل الأدبيّ هو حدث (event) وليس موضوعًا ثابتًا. ولكن، على عكس إيزر الذي يتمركز حول استجابة القارئ الفرد في مواجهته للنصّ الأدبيّ، فإنّ ياوس يشدّد على التجربة التراكميّة لجمهور القرّاء في زمن تاريخيّ معيّن، أو على استجابة الجمهور العامّة للأدب في عصر معيّن.
تعتبر نظريّة الاستقبال ثورة على أشكال البحث التقليديّة المحافظة، بدعوتها إلى إعادة تقييم النصوص في المعتمد الأدبيّ لشعب ما، وإعادة تأريخها من جديد، بعد دراسة لديالكتيك إنتاج النصوص واستهلاكها، ومن ثمّ التفاعل المتبادل بين النصوص وجمهور القرّاء عرضيّا وطوليّ،ا (سينخرونيّا ودياخرونيّا).
علاوة على ذلك، طالبت بمقاربة نقديّة تتغلّب على ثنائيّة الداخليّ/الخارجيّ، التي عانت منها الشكلانيّة الروسيّة والماركسيّة، مؤكّدة على أهميّة المزايا الفنيّة والشكليّة المجدّدة في النصّ، لكن دون أن تعزل العمل عن التاريخ الاجتماعيّ والسياسيّ والجغرافيّ والحضاريّ.
بالنسبة إلى ياوس، نحن بحاجة إلى استعادة الصّلة الحيويّة بين أحداث الماضي واهتمامات الحاضر، حين ندرس نصّا أدبيًّا في سياقه التاريخيّ. هكذا يكون تأريخ الأدب سيرورة ديناميكيّة ومستمرّة في التشكّل، فيه تواصُل مستمرّ بين النصوص التي قبِلَت في السّابق والنصوص الجديدة، ممّا يسمح بالانفتاح والتغيّر المستمرّين. إنّ تأريخًا جديدًا وناجحًا للأدب يقوم على دراسة التفاعل المتبادل بين النصّ وجمهور القرّاء، لأنّه تأريخ لعمليّة استقبال الأعمال الأدبيّة. هذا الأمر يستدعي، بشكل مستديم، إعادة النظر في الأعمال الأدبيّة المعتمدَة على ضوء التأثير المتبادل بينها وبين ما يستجدّ من ظروف وأحداث. عندها يُحقّق الأدب معناه وقيمته، باعتباره مصدرًا هامًّا يتوسّط بين الماضي والحاضر، من خلال سعيه الدؤوب إلى تجاوز الزمكانيّة التي نشأ فيها أوّل مرّة. 
إنّ أهمّ مصطلح تقوم عليه نظرية ياوس هو "أفق التوقّع"، الذي سبقه إليه عالِم الاجتماع كارل مانهايم. أخذ ياوس المصطلح من أستاذه جادامر(Gadamer)  الذي تكلّم عن "انصهار الآفاق"، فالفهم عند جادامر عمليّة يتداخل وينصهر فيها أفق الحاضر مع أفق الماضي. لم يقدّم ياوس تعريفًا دقيقًا لما يقصده بـ "أفق التوقع"، لكن يُفهم من مقاله “Literary History as a Challenge to Literary Theory”، بأنّه نسق من المرجعيّات يستحضره شخص افتراضيّ، حين يواجه نصّا من النصوص. يتوجّه القارئ إلى النصّ مُحمَّلًا بأفق توقّع ما، وبعد أن يقرأ العمل ويتفاعل معه، يتأثر به ويؤثّر عليه، قد يجد أنّ العمل يتناسب مع أفق توقّعه، أو يُفاجأ بأنّ العمل يتنافر، ويُخيّب أفق توقعاته.
إنّ ياوس غير معنيّ بالقارئ الفرد الواحد، كعامل مسيطر في عمليّة التواصل بينه وبين النصّ، إنّما بالقارئ الذي يعكس أفق توقّعات مَن حوله في بيئته وفي زمنه. لذا تأتي استجابة جمهور القرّاء لعمل أدبيّ ما وتأويلاتهم المختلفة له، في زمكانيّة واحدة مشتركة، "متوافقة" إلى حدّ ما، أو هي لا تتناقض مع بعضها البعض إلى حدّ التنافر الكلّيّ، بل تعكس ذائقة الجمهور العامّة في تلك الحقبة.
إنّ المصطلح الثاني الهامّ في جماليّة الاستقبال هو "المسافة الجماليّة" بين العمل والأفق. في حال حقّقَ العمل الأدبيّ أفق توقّعات القرّاء، بما يتناسب مع بيئتهم الثقافيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، فإنّهم يرضون عنه ويقبلونه، أي أنّ "المسافة الجماليّة" بين أفق التوقّعات والعمل قصيرة. لكن، إنْ تطلّب النصّ تكييفًا أو تغييرًا لتوقّعات القرّاء، فإنّ المسافة الجماليّة تكون ذات معنى، وتتميّز بدور فعّال. في هذه الحالة، تعمل "المسافة الجماليّة" كمقياس لتحديد القيمة الأدبيّة.
النصوص التي تخلق مسافة جماليّة طويلة، منتهِكة أفق توقع القرّاء هي التي تهمّ ياوس، لأنّها ذات وظيفة مفصليّة في تأريخ الأدب. التحديث والتجريب والانحراف والانزياح عن المعايير، الذي يُقدّمه أيّ نصّ أدبيّ جديد، يُشعر القرّاء بعدم اليقين، ويتركهم قلقين مضطربين، وبالتالي يُؤثّر على أفق توقّعاتهم. عندها يتحدّد موقف الجمهور من العمل الأدبيّ الجديد: إمّا أن يغيّر الجمهور أفقه، حتّى يكون العمل مقبولًا، (فتتحقّق مرحلة في التلقّي الجماليّ)، أو أن يرفض الجمهور العمل، فيبقى العمل مهمَلًا حتى يُقبَل في فترة لاحقة. هذا يعني أنّ حركة الانتقال هي من النصّ إلى القرّاء.
بهذا المفهوم، النصّ يسبق القرّاء في أفق توقّعاتهم، ويؤكّد على دور الأدب الفعّال في تغيير ذائقة الجمهور. فالنصّ الأدبيّ الذي لا يستجيب لأفق التوقّعات السّائد، يلعب دورًا فعّالًا عندما يضع الأعراف الاجتماعيّة موضع التساؤل، داعِيًا إلى تغييرها. للأدب قدرة على تغيير الواقع الموجود، فهو يؤثر على خبراتنا الحياتيّة، ويُغيّر من طريقة إدراكنا للأمور. لذا، ليس الأدب موضوعًا للجَمال الفنّيّ أو الاستطيقي فحسب، بل هو يؤثر كذلك على القيم الاجتماعيّة والأخلاقيّة.
بالنسبة إلى ياوس، هناك ضرورة لإعادة الحيويّة إلى التاريخ الأدبيّ، وذلك بالتخلّي عن النموذج التقليديّ القديم، الذي يرتكز على المؤلّف والنصّ، واستبداله بآخَر يُركّز على العلاقة الجدليّة بين الجمهور والنّصّ، عبرَ أجيال متعاقبة ومتزامنة. هكذا يكون الأدب مُفسِّرا للدلالتيْن؛ التاريخيّة والفنيّة اللتيْن هما في حالِ تَشكُّلٍ ديناميكيّ مستمرّ.
ملاحظة: لقد فضّلتُ استخدام مصطلح "جماليّة الاستقبال" على مصطلح "التلقي" (المألوف والمتداول في النقد الأدبيّ) كترجمة حرفيّة للمصطلح الذي وضعه هانز روبرت ياوس مؤسّس هذه النظرية، وهو: (Recepzionästhetik). وذلك لأنّ كلمة "استقبال" في اللغة العربيّة، تبدو مناسبة جدًّا للتعبير عن هذه النظرية. فمن نفس المصدر نشتقّ الأفعال قَبِلَ، أقبل، تقبّل. ومن الواضح أنّ ثمّة اختلافا في الدلالة بين هذه الأفعال. فـ "قبِلَ" تدلّ على قبول الشيء بسرور ودون تحفظ. أمّا الفعل "أقبل" فيدلّ على التوجّه والميل إلى شيء ما مع الرّغبة فيه. أمّا الفعل "تقبّل" فيدلّ على تأقلم مع وضع جديد، وقبول مشروط لا يخلو من تحفظ. تشترك هذه الأفعال جميعها، بأنّها تؤشّر على استجابة فرد أو مجموعة لشيء ما.
تحْمِل عمليّة الاستقبال بمعناها الإيجابيّ، قبولًا للآخر (بما في ذلك النصّ الأدبيّ)، بمتعة وسرور ورغبة به، حين تتناسب مع أفق التوقع، أو تدلّ، بمعناها السّلبيّ للاستقبال، على امتعاض ونفور من الآخر (النصّ)، وإغفال له حين يخرق أفق التوقع. وقد ينتج عن اللقاء بين الأنا والآخر (القارئ والنصّ مثلا)، تغَيُّرٌ يُفضي إلى تكييف الذات القارئة، كي تتقبّل وتتفهّم جماليّة النصّ الجديد، الذي يخرق المعايير السّائدة ويُخالفها، وبذلك يتغيّر أفق التوقع لوجود مسافة جماليّة (aesthetic distance) بعيدة المدى.
كلّ هذه الاستجابات الإنسانيّة الممكنة واردة أو محتملة في استقبالنا لعمل أدبيّ أو فنّيّ ما. كذلك تُبيّن "جماليّة الاستقبال" طبيعة التعامل بين طرفيْن: جمهور القرّاء والعمل الأدبيّ. والطرفان في هذا التعامل فعّالان بقدر ما، يتبادلان من تأثر وتأثير، ويتغيّران بعد فعل القراءة، وهذا أمر طبيعيّ في كلّ تفاعل متبادل بين طرفيْن. وعند استقبالنا لأيّ نصّ أدبيّ، تلعب الزمكانيّة وسياق الاستقبال دورًا مركزيًّا، على نحو ما يحدث في الواقع عند استقبالنا للآخرين.
لا نستطيع أن نعزل ذواتنا القارئة عن تاريخها وذاكرتها الجماعيّة، وعن ثقافتها وسيكولوجيّتها وزمكانيّتها، عندما تلتقي بالنصّ الأدبيّ، الذي له هو أيضًا بيئته الحضاريّة والتاريخيّة والاجتماعيّة والزمكانيّة الخاصّة.
نخلص إلى القول، إنّ هناك عواملَ كثيرةً قد لا نعيها دائمًا، تؤثر عند استقبالنا للعمل الأدبيّ، وكلّها تعمل في نشاط دائب ودائم.
الاختلاف في قراءات العمل الأدبيّ الواحد: يفسّر ياوس ظاهرة الاختلاف بين القراءات، مُعتمِدًا على مصطلَحَي "النموذج" و"أفق التوقّعات". حسب فيلسوف العلم كُون(T. S. Kuhn)  ، فإنّ العلماء في فترة زمنيّة معيّنة، يعملون بحسب نموذج خاصّ من الفرضيّات والأفكار. لكن، ما أنْ يَستنفذ النموذج ذاته، وذلك حين يجد العلماء أنفسهم في مواجهة مشاكل عديدة، لا قِبَل لهم على حلّها بحسب هذا النموذج، حتى ينشأ نموذج جديد.
بشكل مشابه، حسب ياوس، فإنّ القرّاء والكتّاب في فترة معيّنة، يقرؤون ويكتبون بحسب مجموعة من الفرضيّات والمُسلّمات التي تسيطر على ممارستهم هذه. تتضمّن الفرضيّات ما له علاقة بالأدب، مثل الأسلوب والشكل والجنس الأدبيّ، وما له علاقة بسياقات الأدب، مثل البيئة والعادات الكلاميّة والأحزاب السياسيّة والاجتماعيّة. إنّ القرّاء المعاصرين لعمل أدبيّ ما، يقرؤونه بحسب أفق التوقعات المسيطر في عصرهم. وقد يكون هذا الأفق مشترَكًا للقرّاء وللمؤلّف. فإنْ كان كذلك سَهُل فهم المؤلف وتأويله. لكنّ تباعُدَ الزمن بين المؤلّف وقرّائه، قد يُصعّب عمليّة الفهم والتأويل، وذلك بسبب اختلاف أفق القرّاء الحاليّ المعاصِر عن أفق المؤلّف، البعيد زمنيًّا عنهم بمجموعة فرضيّات مجتمعه ومسلّمات عصره. وقد يحدث العكس، عندما يكتب كاتب ما بطريقة يُخالف النموذج المسيطر في فترته. عندها يجب أن تنتظر أعماله الأدبيّة جيلًا لاحقًا من القرّاء، لكي يفهموها ويُقدّروها. إذن، هناك نصوص تُساهم في تشكيل أفق توقّعات لاحق.
من هنا كانت نظرية ياوس معنيّة بتفسير التغيّر والثورة في التاريخ الأدبيّ. ولكن، كيف يمكن لقارئ اليوم أن يفهم عملًا أدبيًّا قديمًا؟ الجواب على ذلك يكون في متابعة هذا القارئ للقراءات المختلفة في الفترة التي سبقت زمنه، ليجد التفسير الذي يتناسب مع تفسيره، وليكتشف بدوره ما يُمكنه أن يُضيف إلى هذا النصّ بقراءته الخاصّة.
هنا نعود لمفهوم جادامر (Gadamer) عن "انصهار الآفاق". فمعنى النصّ غير محدود بمقاصد المؤلّف، بل هو يتمدّد ويتوسّع بشكل مستمرّ في القراءات اللاحقة للعمل. وبالتالي، يؤكّد جادامر على التمَوْضُع التاريخيّ للقارئ. فكلّنا مخلوقات تاريخيّة نجلب معنا هويّاتنا المرتبطة بزماننا في كلّ ما نقوم به. وكلّ موضوع ندرسه لا يُمكن أن نفصله عن ذاتيّتنا، ومن هنا لا يُمكن أن ننفي انحيازنا، فالحياديّة مجرّد وَهْم.
كلّ ما يُمكن أن نصل إليه عند دراستنا لتعاقب الآفاق والقراءات المختلفة لعمل أدبيّ ما، هو "انصهار" هذه الآفاق. فقراءتي تتحوّل إلى تأكيد أو إلى أداة مُنَظِّمة في خِضمٍّ من المنظورات المعقدة للآفاق. والانصهار بين الآفاق المختلفة يتمّ بشكل حتميّ، إمّا عن وعي أو دون وعي. من هنا تأتي أهميّة تأريخ الأدب من خلال دراسة متعمّقة للنصوص الأدبيّة، لأنّ للأدب قدرة في تشكيل معاييرنا وقيمنا الاجتماعيّة والأيديولوجيّة.
كيفيّة تطبيق النظريّة على القراءات المتزامنة والمتعاقبة: تمثّل كلّ قراءة نقديّة جمهورًا أو فئة من القراء في زمكانيّة ما. على الباحث الذي يدرس ظاهرة القراءات المتزامنة والمتعاقبة، أن يحدّد أوّلًا التوجّه الأساسيّ للقراءة النقديّة، بمعنى؛ ما هو السؤال الرّئيس الذي تجيب عنه.
على سبيل المثال في دراستي لثلاثيّة نجيب محفوظ، اخترتُ عدّة قراءات نقديّة، وبعد ذلك قمت بكتابة قراءتي التي تناسبت في بعض الأمور مع القراءات السابقة، واختلفت مع قراءات أخرى. فقرّاء محفوظ في الستينات من القرن الماضي، لا بُدّ أن يختلفوا في قراءتهم للثلاثيّة عن قرّاء القرن الواحد والعشرين. وممّا يُلفت النظر وجود تشابه بين قراءات الفترة الواحدة، وهذا لا نكتشفه إلّا لاحقًا في فترة متأخرة. كما لفتَ نظري أنّ القراءات الأولى لمحفوظ قد خالطها الانفعال والانبهار، وكأنّ الثلاثيّة تقدّم أفق حلّ منشود لأزمة اجتماعيّة وسياسيّة، ولم تمنع هذه القراءات نفسها عن التعبير بإعجابها بهذا العمل، كفتح أدبيّ في الرواية كجنس أدبيّ، بينما ركّزت القراءات اللاحقة على بناء الثلاثيّة، وكان تناولها لها أكثر علميّة وعقلانيّة. وقارئ اليوم لن يهتمّ بحزب الوفد ولا بالحزب الشيوعيّ، بل سيهتمّ بحزب الإخوان المسلمين، لأنّه مرتبط بعصرنا. كما أنّ ثورة 1919 لن يكون لها دلالة، إلاّ كرمز لكلّ شعب يطالب بتحرّره من كلّ ظلم أو استعمار.
قمتُ بعرض ستّ قراءات قد اخترتها بشكل مقصود، فكلّ قراءة تحاول تسليط الضوء على جانب من جوانب الثلاثيّة بشكل خاصّ، ولكنّنا مع ذلك سنجد التشابه بينها في بعض الأمور، كأن تكون شخصيّة كمال انعكاسًا لشخصيّة المؤلّف وأفكاره ووفديّته، أو أن تكون العائلة هي البطل، أو التأكيد على دوْر الزمن في تغيير الأسرة والمجتمع. أمّا قراءتي فتناولت ناراتيف الحبّ بأنواعه ودلالاته المختلفة في ثلاثيّة نجيب محفوظ، كلّ قراءة تعبّر عن موقف فئة محتمَلَة من فئات جمهور القرّاء. فنجيب سرور الذي سافر إلى الاتحاد السوفياتي ليتلقى تعليمه، يمثّل كثيرين من شبّان تلك الفترة الذين رأوا في الدولة الاشتراكيّة خلاصًا من الظلم وانتصارًا حتميًّا، بحسب الجدليّة التاريخيّة لطبقة البروليتاريا. آمنوا بمساواة المرأة بالرجل ونادوا بها، وهم مشرّبون بأفكار انجلز وماركس، مؤمنون بها كأنّها حقيقة مطلقة، دون أن يعملوا على كشف  الثغرات في النظريّة.
أمّا غالي شكري المسيحيّ، فقد تُفهَم قراءته على أساس أنّها تعبّر عن لهفة الأقباط في مصر لتغيير في النظام السياسيّ، لا يُنظَر فيه للمواطنين على أساس دينهم. وَعْيُ غالي شكري بفشل حزب الوفد (الذي ضمّ الأقباط)، جعله يركّز على الحزب الشيوعيّ كأن فيه الحلّ/البديل المنشود.
أمّا نبيل راغب فهو يمثل جماعة من النقّاد العرب، الذين يدّعون استقلاليّتهم وتحرّرهم من المناهج والمصطلحات والمعطيات النظريّة، التي وضعها النقاد الغربيّون، كي يحرّر النقد العربيّ من هيمنة المقاييس الغربيّة. إلاّ أنّه، في الواقع، يستخدم نفس مصطلحات الغربيين: الوحدة العضويّة، التشكيل الدرامي، الصراع الدرامي والحبكة.
إنّه يهدف إلى دراسة العمل الفني كوحدة حيّة مستقلّة بذاتها، بعيدًا عن نظريات وضعها الغربيّون عن الرّواية، كجنس أدبيّ وعن أنماطها المختلفة، بينما هو ينهج نهجهم دون أن يذكر مصادره الأجنبيّة. فهو يميّز في أعمال نجيب محفوظ أربع مراحل شكليّة أساسيّة، يخصّص لكلّ مرحلة فصلًا. هذه المراحل هي: المرحلة التاريخيّة، المرحلة الاجتماعيّة، المرحلة النفسيّة المبتورة، والمرحلة التشكيليّة الدراميّة.
يتساءل الناقد حميد لحمداني بحقّ: كيف استطاع نبيل راغب أن يتوصّل إلى هذا التصنيف، دون أن يخضع لمقاييس جاهزة عن مفهوم الرّواية الرّومانسيّة، ومفهوم الواقعيّة ومفاهيم علم النفس ومفهوم الشّكل الدّرامي؟
قراءة ساسون سوميخ تمثل جماعة المثقفين اليهود، من أصل عربيّ (عراقيّ) الذين أتقنوا اللغة العربيّة، باعتبارها لغة الأم الأولى لهم، كما اكتسبوا ثقافة أجنبيّة غربيّة. لذلك استطاعوا تناول الأعمال الأدبيّة العربيّة بحسّ لغويّ مرهف، وعقل نَهَلَ من الثقافة الغربيّة دون أن تفقدهم اتصالهم بجذورهم الأولى التي جاؤوا منها. لذا جاءت قراءته تمتاز بنظامها العلميّ المدروس والمكثف، دون أن تفقد نشوتها الجماليّة بالعمل الأدبيّ لغويّا وبنائيّا.
قراءة سيزا قاسم القيّمة للثلاثيّة تُمثل أحسن تمثيل جماعة النقاد، الذين يتّخذون لهم تيارا نقديّا غربيّا محدّدًا، يحسنون دراسته، ثمّ يحاولون تطبيقه على عمل أدبيّ ما. دراستها تعتمد على البنيويّة، ولذلك جاءت قراءتها مرتبطة بالعمل الأدبيّ، في مكوّناته الداخليّة فقط، دون النظر إلى السّياق التاريخيّ والجغرافيّ للعمل. بسبب اختيارها للمنهج البنيوي جاءت قراءتها بعيدة جدّا عن أيّ لمحة ذاتية، وبدون إطلاق أحكام تُقيّم العمل، فاتسمت كتابتها بالموضوعيّة الجافة، التي لا تُشعر القارئ بجمالية النصّ الأدبيّ المدروس.
أمّا فيصل درّاج، الناقد الفلسطينيّ، فقد آلمني الطابع السوداويّ الكئيب الساخر اللاذع، الذي يغلّف به جوّ الثلاثيّة. هل يمكن اعتبار المعاناة المتواصلة للشعب الفلسطينيّ عاملا في رؤية العمل الأدبيّ، كتعبير عن ألم كلّ إنسان ومعاناته، في هذا الكون المتأزّم الذي يغلي بشروره ومصائبه؟ ألا يُثبت ذلك أنّ انتماءنا للوعيّ الجماعيّ الخاصّ بشعبنا، لا بُدّ أن يؤثر في نظرتنا إلى الأشياء وتفسيرنا لها؟
موديل لتطبيق نظريّة الاستقبال: لقد وضع ياوس ذائقة الجمهور في أساس قياس نجاح العمل الأدبيّ، ورواجه في زمكانيّة معيّنة. إلاّ أنّ ما كان ناقصًا في نظريّته هو كيفيّة قياس هذه الذائقة ميدانيّا.
لقد اهتمّ ياوس بالمعايير النصيّة الداخليّة، باعتبارها مؤشّرًا على معالم نجاح النصّ الأدبيّ، معتمدًا على الدراسات النقديّة التي سبقته حول نصّ يريد معالجة رواجه ونجاحه، قبل أن يقدّم قراءته هو للنصّ الأدبيّ. لكنّ نظريّة تضع في أساسها جمهور القرّاء، يجب أن تأخذ بالحسبان الهُويّات المختلفة للقرّاء، كما يجب أن تقدّم موديلًا يسمح بفحص ردود الفعل الموضوعيّة الخارجيّة على العمل الأدبيّ.
التقصير في هذا الجانب يجعل نظريّة الاستقبال ضعيفة في الممارسة التطبيقيّة، وذاتيّة الممارسة كغيرها من النظريّات الأدبيّة. في هذه الحال لن تكون قادرة على تقديم جديد في هرمنيوطيقا العمل الأدبيّ، خاصّة وأنّ بذور نظريّة الاستقبال كانت موجودة في المناخ الفلسفيّ لألمانيا قبل أن يطوّرها ياوس.
من هنا يأتي إسهامنا في تحويل نظريّة ياوس إلى منهج يصلح تطبيقه بشكل عمليّ، على عيّنات أدبيّة.  يتميّز الموديل المقترح بالمرونة، لأنّه يتعامل مع العمل الأدبيّ ككائن حيّ، له خصوصيّاته التي يتفرّد بها، إلى جانب الملامح العامّة التي يشترك بها مع الأعمال الأخرى. الدراسة الحاليّة تطبيق لهذا الموديل الذي استطاع أن يُحوّل نظرية ياوس، ذات الطابع الفكريّ التجريديّ، إلى ممارسة فعّالة تساهم في تقديم قراءة جديدة للروايات المدروسة، كما ينجح في دراسة العمل الأدبيّ كمنتوج له سوقه الخاصّ من المستهلكين، الذين يُقبلون عليه أو يرفضونه أو يتجاهلونه.
معايير نصيّة داخليّة:
الشّكل: نفحص ما يلي: بناء الشخصيات، الرّاوي وأشكال التبئير، الزمكانيّة، انغلاق النصّ وانفتاحه، اللغة، خطاب العنوان وسيمياء الغلاف.
المضمون: نفحص ما يلي: الحوار، الوصف، الأفكار والمشاعر والمواضيع، الأحداث.
القراءات المتزامنة والمتعاقبة للنقاد، والقراءة الأحدث الآخذة بعين الاعتبار ناحيتي الشّكل والمضمون.
في نهاية اللقاء كانت مداخلات للزملاء والزميلات، ثمّ احتفالاً بأعياد ميلاد كلّ من د. بطرس دلة وآمال عواّاد رضوان وآمال أبو فارس، الذي صادف 16-1-2013.
للتوسّع انظر: كلارا سروجي شجراوي. نظرية الاستقبال في الرّواية العربيّة الحديثة: دراسة تطبيقيّة في ثلاثيّتيّ نجيب محفوظ وأحلام مستغانمي. باقة الغربيّة: أكاديميّة القاسمي، 2011.

في أقاصي الكلام/ خليل الوافي

من عين الشمس ، تخرج البراكين عن صمتها ٬ تزين لون الحجر ٬ تفضح الحمم إشتعال المكان ٬ تثير سخونة الأرض ترسبات النائمة من إضاءة وجه السماء ٬ تحترق العيون النابعة من ثغر الحياة ٬ تتطاير القذائف خلف كواليس الجحيم ٬ شظايا النار الهاربة من مرجل الغضب ٬ وانفراد لون داكن الغبار يحدث رهبة كونية على خطوط النار ٬ تهوى على إسفلت حيث الطرق المسدودة تنتظر أفواج العائدين إلى مقابر النجاة و الخلاص من عقدة الإنتظار ٬ منازل تستحضر سقوطها الأخير على إرتفاع موجة الحر المفاجئ ٬ تعود الأشياء إلى طبيعتها الأولى ٫ يأخذ شكل الضوء الخائف من اندلاع الصخب في شقوق الصراخ المنسي تحت أنقاض حرب تجهل مذاق القتل؛ في الجهة المقابلة لأرض الموت ٬ ترتفع ألسنة اللهب كلما ابتعدت الشمس عن محيط الرؤية ، تتأجج في مهدها الأزلي ؛ ما تزال غاضبة من رطوبة الأجساد المشبعة بدماء الغدر ، يمتد شريط الإشتعال ٬ يلف قبضة الأرض و تنصهر أخاديد الأنهار في قعر سراب فلاة متعطشة لندى صبح صيفي فوق أشواك الصبار، تتكلم الأشياء من فرط ما رأت ؛ و تعاود الرؤية ؛ لا شيء يضاهي حجم الكارثة في انصهار اللحم و العضم و تبخر الماء عن ذاكرة مشلولة عن استرجاع الألم ، يختفي الماء عن العيون و تحت الشجر و الألوان الخضراء ، و السحب الحزينة في أعالي الجرح تنطفئ الشموع ، وتنقرض الضحكات في فلك الفرح ٠
ينزل مطر النار على الشمس المنطفئة في عيون من أوقدوا جبهات الحرب ؛ يختلط الهدير و الخرير بمسمع اللأرض و تنحذر الشمس عن مدار الشرق ؛ تعزف العواصف نشيد النهاية تحت وقع ضرب الطبول العاجزة عن إصدار حالة الحرب التي تعيشها قرى القصف ، تتأهب الطيور إلى فصل الوقوع في شرك هدنة الذئاب الجائعة و الفريسة المجروحة على مرمى الحجر ، تشتد غيظا مما هي فيه ؛ و إن تباعدت الشقة على من لا يرى الأشياء كما يجب أن ترى ؛ إلا إذا أمعنت النظر و تشابكت نقط التباعد في بؤرة واحدة توحي بفكرة الهجرة إلى أقاصي الكلام ؛ تأكد أنك أنت الخاسر في لعبة شد الحبل ، وإذا تأخرت قليلا ، يمكنك العودة من جديد ؛ حيث تودعك الآهات الصارخة على ميناء الإنتظار ، تعج الأرض بأشياءها الغريبة و يطمئن الفؤاد على قلب تهاوى في النهر أحدث ارتباكا واضحا في جداول تثير شفقة الماء على الصحراء البعيدة ٠
ماذا حدث لطائر البجع؛ وهو يبحث عن وكره القديم خلف التل ؟ أيعتقد المسافر الغريب أن الوطن بعيد المنال ، بعيد عن ملمس اليد ، و المسافات الفاصلة بين الصوت و الصورة تحاكي مخيلة العاجز عن فهم ما يجري ٠لا تبتعد كثيرا عن ظلك لكي لا تفقد حرارة جسمك بريقها المتهالك تحت ركام التراب الذي ينتظرك منذ ولادتك الأولى ؛ حتى آخر حفنة تراب تلامس وجهك البارد معلنا نهاية حياة ، و الخروج من تفاهت الأشياء التي كانت تسكن منازل المتاهة و الجنون ؛ يتلاشى كل شيء من سلة الفواكه الناضجة في موائد الزينة ، لا أحد يريد أن يدلي بدلوه أمام براءة الحقيقة من التهم المنسوبة إليها ؛ اختبأت الكائنات في أصداف النسيان و أعلن البحر عن تمرد في سواحل الطوفان ؛ يأتي المد سريعا على من يحدد ملامحه المعتادة كل صباح أو كل مساء ، تتغير ألوان الماء في المساحات المعزولة عن ضوء المساء ؛ ينتظر الوقت قيلولة مؤجلة على بعير القوافل الهاربة من سراب العطش ٠
ينشطر الظل على نفسه ٬ كي يحتمل أشعة الشمس التي تحرق ظهور الإبل ، و تمسح أديم الأرض بنهاية قريبة ؛ شمس لم تتعود أن تبتسم في وجه القمر٬ و لا أمام أرض ؛ ثمة مسافة حارقة بين الموت و ما تبقى من حياة ، و قد تكون علامة أخيرة لتحرك الكائنات على بساط أخضر ، يلف التراب أجسادا عارية نحو هضاب رمل تشق طريق الشرق ؛ يأتي التصحر سريعا يسابق زمن لا نعرف أوقات الرحيل المخضرم بنكهة الشوق إلى مواطن الإنصهار ؛ يختلط البكاء بجرعة الضحك ، و تستمر الحياة مكرهة على طابور الهاربين من أوطانهم نحو بلاد لم تستوعب ما حصل ؛ تسرع الخطوات الخجولة في اتجاه حذفها ، و تسقط الأجساد عن جلدهها في أحواض الملح و دوائر الجرح ؛ يسرق الضوء الباهث مواقع الجريمة ، و تنهار الدموع على خد صلد غابت عنه مياه دافئة ، تشعل مواقد الفرح ٠
سلمت أن البحر يأخذني إلى أعماقه ثانية ؛ أشعر أن هناك طلاسم كتابة تعرفني و رسائل عالقة في قنناديل التموجات الساخرة من شكل الحوت ؛ وهو يتغذى على أقرانه ، وحشية البحر في صمته الظاهر ، و صخب هدير مرادف لموجة الغضب ؛ تغرق السفن طواعية خوفا من النجاة على يد قراصنة الجزر المنسية من خريطة الهوية ، و تغير الريح وجهتها ـــ هناك ــــ حيث يكثر الصقيع ، ينبت العشب على جنبات الأرصفة و الأماكن الضيقة ؛ لا حدائق تروي عيون المدن العطشى ، تصطف الجدران و الصناديق الإسمنتية تغطي وجه الشمس ؛ لا حياة ممكنة في غياب أشعتها اللامعة في أطفال يلعبون في أضواءها ، يزداد الظل اتساعا ويسابق خطو صاحبه عساه أن يدرك شكل التودد لععشيقة عجزت أن ترسم على وجهها مساحيق القبول ، و الإثارة الساذجة من فتح الصدر ٠ تغيب الكلمات الصادقة من فم طفل تعود لسانه على الكذب ، و تحولت عيون البراءة إلى وقاحة نافرة في مجالس العائلة ٠
أرسم حدود نفسي قرب نفسي كي أحترم خطوط الطول و العرض في قياس حجم الكارثة ، و الحفاظ على ماء الوجه ؛ و انفلات الكرامة و العرض من قاموس البلادة الحائرة في وجه من استهوته مرآة تآكلت في الصدأ تعددت الوجوه خلفها ، و اختلطت الملامح في وجه من يرى نفسه خارج زجاجها المهترئ ؛ تضيع الأوقات التافهة في رصد متاهات التأمل الرخيص أمام باب الكتابة المحرومة من أضواء المكاشفة ، و اللحظة الهاربة من قبو العتمة ؛ تجدني هناك ألملم الحروف عن سباتها الطويل ، و أقترب من مدفأة الكلام كي تشتعل النار في الكلمات الجامحة ٠

ـــــــ كاتب و شاعر من المغرب
في طنجة بتاريخ : 28/10/2012
maroua-khalil@hotmail.com

دروس سعدي يوسف كل يوم/ أسعد البصري

سعدي يوسف يعلمك أن تكتب كشاعر
تتمرن على الحرية و تطلق الأرواح من كل محظور
لا تكتب كما يفعل قس أو مفكر أو عالم
نحن في الحقيقة
لا نهتم لتبشير الناس أو إقناعهم أو برهان حقيقة أو محبة
سعدي يوسف يقول أنت شاعر
إذن عليك أن تصدم القاريء أحياناً بكل قوتك
هذه الصدمة هي الحرية وهي كذلك
من المضحك أن زوجتي نفسها تغضب
و تصرخ في وجهي أحيانا
بلا سبب سوى صفحتي هذه
سعدي يوسف لم يلهمني أفكاري
نحن مختلفان و لا شك
لكن دراستي له
جعلتني أخجل من نفسي
سعدي يقول لك بمليون طريقة
الشاعر يكون شجاعا أو لا يكون
إن اصطدام فخري كريم ب سعدي يوسف
له دلالة رمزية كبيرة
هو اصطدام العراق العربي كله
بالعراق الشعوبي كله
شيء مذهل حقاً لو رآه ميشيل عفلق نفسه
لاشترى زجاجة عرق ابتهاجاً
الدرس الأول الذي تتعلمه من سعدي يوسف
هو أن الكاتب يهدد و يخيف و يشتم و يتهم وليس السياسي
تتعلم من سعدي إن الكاتب لا يخاف القاريء بل العكس هو الصحيح
إنني أقدم هنا الشخصيات الثقافية
التي تساعد على توضيح أفكاري و نشر مبادئي
ولا أقدم شخصية شيوعية لأن أحدهم اتهمني بالبعثية
كما لا أقدم شخصية شيعية لأن أحدهم اتهمني بالطائفية
هذا النوع من السياسة الثقافية والموازنات الرخيصة
لا أقوم به أبداً أنطلق دائماً من مبادئي
ولا أبالي بظنون الناس
أنت كاتب ولست طبيب أمراض قلبية
تذكر ذلك دائماً
الثقافة المريضة معدية
ويجب دائماً الحفاظ على مسافة منها
على المثقف أن يكون صاحب عقيدة و موقف من التاريخ
أو على أقل تقدير عليه أن يمثل شيئاً ما
وإلا لماذا يكتب ؟؟
اقرأ للكبير سعدي يوسف :
(( مرّت عقود من ضخ أفكار تافهة عن ضرورة إبعاد الشعر عن السياسة
فالشعر ينبغي أن لا يكون معنيا بالشأن العام أو القهر
هذه المسألة أخذت وقتا طويلا جدا في المنطقة العربية
وقد نجحت في إبعاد الشعر عن الحياة
وفي إقامة قطيعة شبه تامة بين النص الشعري وبين الحياة.
لذا من حق الناس أن تبتعد عن النص الذي لا يُعنى بها.
نرى الآن الكثير من الدواوين تُطبع والناشرون عندما يأخذونها إلى المعارض
ويدفعون أجور نقلها يتفاجأون بأن لا احد يشتريها
ويتحملون مجددا دفع الأجور، لنقلها إلى المخازن أو الإلقاء بها في البحر
على سبيل المثال قصيدة النثر كانت رغبة في أن تكون قصيدة قريبة من الشارع
ولكن للأسف عندما ولدت قصيدة النثر العربية كانت تقوم على فكرة كيف تبتعد عن الشارع
وهكذا أصيبت الثقافة العربية بطعنة حقيقية في ابتعاد الشكل الجديد عن الحياة
وعن نقد الحياة العربية
في الوقت الذي كنا نأمل فيه أن يكون هذا الشكل
هو أكثر الأشكال ديمقراطية وتأهيلا ليعبر عن الحياة..
انقلبت الآن المسألة تماما وأصبحت قصيدة النثر هي شكل العبث
أنا لا أستطيع أن أعمم. رغم ما ورد عني من موقف سلبي تجاه قصيدة النثر
أرحب بها باعتبارها شكلاً، لا أقول جديداً، لأنها موجودة منذ القرن الـ19 في أوروبا
وفي الولايات المتحدة. أرحب بها كشكلٍ يضاف إلي أشكال التحديث الأخري
في القصيدة المعاصرة
اعتراضي أن قصيدة النثر عند «بودلير» في فرنسا،و«والت ويتمان» في أمريكا
كانت من أجل إنزال الشعر من برجه العاجي، والاهتمام بأحوال الناس
فـ»بودلير» ارتبطت قصيدته بفتح ميدان «البوليفار» في باريس
الذي أتاح للناس أن تمشي أكثر في الشوارع
وسلط الضوء في أول قصيدة نثر علي ناس فقراء
وهذا كان يعني شيئاً كبيراً.
و»والتويتمان» في الجهة الأخري من العالم أيضاً
اهتم في عمله الشهير «أوراق العشب» بناس عاديين في أمريكا
أما قصيدة النثر العربية في أكثر نصوصها
فليست لها علاقة بالشارع وإنما بهواجس ذاتية
وتهويمات شخصية، ليست لها علاقة بالناس، وإنما بالفرد
وهذا الشيء أبعد قصيدة النثر العربية عن الحياة
بدلاً من أن يهتم الشاعر بحياة الناس
الأوربيون يفضلون شعر التصوف العربي ويهتمون بترجمته
ويهملون القصائد التي تعبر فعلاً عن مشكلات مجتمعنا
وتاريخنا والموقف من الثقافات الغربية
و كأن الشعر العربي هو فقط شعر التصوف
إشارتي بأنني لا أعتد بشعر التصوف
سببها أولاً أن المتصوفة مؤمنون
ثم لأن الشعر نفسه ضعيف فابن الفارض مثلاً مقلد
وشعر التصوف الإسلامي محدود هو مجرد تمجيد للخالق
وليست لديه أسئلة
والفن دائماً يثير أسئلة
(( هنا ملاحظة هامة هذا الرأي تجميعي الشخصي
لآراء متفرقة للشاعر الكبير سعدي يوسف
أرجو أن يسمح لي بهذا التجميع / أسعد البصري ))

حرير و ذهب/ أسعد البصري

شقيقاتك الحوريات ابتلعن الأعشاب السامة
غسلن دموعهن بالماء المالح
طاف بهن الموت بعد الموت في البحار الميتة
لماذا تنفخين في صدور الموتى
هذا حب الحياة لا رغبة بالعناق
لماذا كلما كتبتِ شعرا يسقط من شفتيك العراق
لماذا تخرجين من الماء
كل شتاء حاملة رمح أبي عليه آثار دمي
لماذا شَعركِ الأبيض في الريح يترنم كسهام ضالة من أوتار تعوي
أيتها الحامل بالقمر أين ستنجبينه
وإذا أنجبتيه ماذا ترضعينه
وقد يبست الكلمات لا ضرعٌ ولا كلأٌ في عشيرتنا
بماذا تعديني وأنا أقرأ طالعك في الظلام بعينيك اللامعة
هل جلبتِ لي صَدَفَة الحظ لأسألها عن قريتنا العاثرة
هل جلبتِ دواء لعينيّ
هل عندك يدٌ قوية تَمسك يدي المرتعشة
لماذا لم تجلبي لي معك من البحر صاحباً من مرجان
فأصحابي يغدرون بي و يأكلونني بسبب الحصار
أنا أشعَرُ المحاربين على هذا الثغر من بلادي
فهل عندك دواء لجراحي
هل عندك كأس طافحة بالحب
اجلسي يا إنعام هنا على هذا الشاطيء الوحيد المنقوع بالغربة
وخبّريني ماذا يقول البحر عنّي ؟
هامش /// النص يصغر إذا يقرأه عقل صغير
.....................................
يقول أدونيس بأن النص دائماً يأخذ حجم قارئه
لو قرأت القرآن بعقل صغير فإن القرآن سيصغر ويصبح غبياً
لا يوجد نص كبير بمفرده ، فوق التاريخ و تطور العقول التي تقرأه
وبلغة ماركسية نقول كل نص هو نص تاريخي يتبدل بتبدل البشر والزمن
هذه معاناة نص عظيم كالنص القرآني المقدس المحترم
فتخيلوا معاناة شاعر يعرف حجم نفسه و اختلافه عن غيره
لكن عليه أن ينتظر شهادة العقول الصغيرة
المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعر فن بمعنى الكلمة
لكن هذا الفن يستخدم اللغة كمادة للتعبير
فهو لا يستخدم الآلة الموسيقية ولا الأصباغ ولا الصورة أو الطين والحجر
إنك تستخدم اللغة التي يستخدمها الجميع و تصنع منها فنا
في فترات الإنحطاط والعقول الصغيرة تتساوى اللغات
ولا يعود هناك فرق بين المادة التي هي فعلا فن أو تلك التي هي لغو خالص
إن الشعر في النهاية هو حسن ظن شديد بالبشر والحضارة
الشعر عكس النقود التي تمتلك قيمة واضحة بمعزل عن رأي البشر
الشعر كالدين حين تختفي الروحانية ينتشر وباء ديني مزيف في كل مكان
وبدلا من الرهبان والقديسين النادرين تجد في كل شارع رجل دين مزيف
وحين يظهر شاعر حقيقي في تلك العصور المظلمة يتوجب عليه الصراخ
ذلك الوجع الجوهري يتحول إلى ضحك
و تهمة بالحسد في أفواه الظلاميين والعقول الصغيرة
دكتورة إنعام الهاشمي لسبب غامض تترك أبوب الجامعات الأمريكية العالية
وتتجول بين الظلاميين الغوغاء الذين ينهشونها بلا سبب
وبلا سبب تتحملهم صديقتي إنعام الهاشمي ولا ترد على قلة أدبهم

تدشين رابطة المبدعين و المثقفين الدولية بـ أمريكا


دشن مجموعة من الكتاب و المثقفين و النشطاء المصريين بالخارج رابطة أطلق عليها اسم رابطة المبدعين و المثقفين الدولية حيث قام الناشط والشاعر الدكتور عبد الحليم عبدالحليم الذي _ يتولي رئاستها _ بـ إشهارها في الولايات المتحدة الأمريكية ,
كما قامت الناشطة السياسية جيهان جادو بـ إتخاذ كافة الإجراءات القانونية لإشهار الرابطة في فرنسا و اوروبا . وفي تصريح خاص قال الدكتور ابراهيم سماحة أحد مؤسسي الرابطة و نائب الرئيس: إن فكرة الرابطة إنطلقت عبر صفحات التواصل الاجتماعي فيس بوك و من خلال التواصل مع العديد من أدباء و كتاب و مثقفي العالم العربي طرحت عليهم الفكرة التي لاقت ترحيبا و اسعا و من ثم شرعنا في تحويلها من مجرد فكرة و حلم إلي و اقع ملموس و كيان نسعى أن يكون له بصمة و حضور مؤثر في الوسط الثقافي العربي و العالمي ,
حيث تضم الرابطة نخبة مميزة من الكتاب و الأدباء و المبدعين من جميع الأقطار العربية و منهم علي سبيل المثال لا الحصر آيات عرابى رئيسة تحرير مجلة نون النسوة بـ امريكا ومقدمة البرامج فىart و صفاء أمين الصحفية بجريدة وتليفزيون صوت مصر بـ امريكا والدكتور هاشم التنى ناشط سياسى و دبلوماسى ومرشح محتمل لرئاسة السودان ورئيس جمعية سلام سودان ,والأديب الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب العرب والدكتور صلاح هاشم استاذ التنمية و التحطيط وكذلك الأديب الدكتور حسن الدراوي السفير بالأمم المتحدة و الكاتبة الصحفية أوعاد الدسوقيو الكاتبة والناشطة السياسية ليلى حجازى و عن أهداف الرابطة قال الدكتور عبد الحليم : إن من أهم أهدافها إعادة المثقف الي دوره الفاعل و المؤثر في المجتمع و تحريره من عملية الإستقطاب و الإستلاب الواقع تحت تأثيرها مما أدي الي تراجع دوره ,
خاصة في السنوات الأخيرة بوجه عام لصالح انظمة ومؤسسات ثقافية رسمية ليس لها من مبرر للبقاء والوجود سوى إنها وضعت نفسها في خدمة الدول الكبرى وسياساتها و استراتيجياتها الغامضة ،التي تخدم مصالح تلك الدول على حساب مصالح مجتمعاتنا العربية والإسلامية و من ثم قررنا إنشاء رابطة بالتعاون مع كبار مثقفي العالم العربي لمناقشة كافة الأمور الهادفة التى تخدم وطننا العربي و إثراء الحياة الثقافية و الحراك الإبداعي من خلال الحوار البناء و التعاون بين المبدعين و المثففين وتبادل الأفكار و الخبرات و تنقيح الوسط الثقافي من كافة الدخلاء الذين يضرون المجتمعات و يشوهون الذوق العام بما يقدمونه من اعمالا لا تمت للحياة الأدبية و الثقافية و الإبداعية بصلة.
وقد و جه د. سماحة الدعوة للمثقفين و الأدباء و الشعراء و الصحفيين و الإعلاميين العرب للإنضمام للرابطة متمنياً أن يكون تدشين هذه الرابطة بمثابة عودة المثقفين و المبدعين لدورهم الرائد في خدمة مجتمعاتهم .
_________
د.اوعاد الدسوقي المنسق الإعلامي لرابطة المبدعين و المثقفين الدولية بـ أمريكا
0

يومٌ ثقافيٌّ فنيٌّ في الرامة الجليليّة!/ آمال عوّاد رضوان


مِن منطلق الوعي الثقافيّ وتشجيع المطالعة في مدرسة البطريركيّة اللاتينيّة في الرامة الجليليّة لدى طلابها في جميع مراحلهم، ومِن أجل التعرّف على شعرائنا وأدبائنا المحليّين، بادرت إدارة المدرسة بمديرها الأب الإداريّ إيلاريو أنطونياتسي، والمدير التعليميّ الشمّاس جريس منصور، إلى عقد سلسلة من النشاطات الثقافيّة والفنيّة لكافّة طلاب الصفوف الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة، وذلك بتاريخ 19-10-2012، وبتنسيقِ كلٍّ مِن مُركّزات ومربّيات اللغة العربيّة، وأمينة المكتبة، ومُركّزة التربية الاجتماعيّة، ونائب مدير المدرسة الأستاذ أكرم شحوك وكادر الهيئة التدريسيّة، بهدف تفعيل المكتبة وإثراء الطلاب وتثقيفهم وربطهم بعالم الكِتاب، وهذه النشاطات جزء من سلسلة فعاليّات ونشاطات كثيرة أخرى لا منهجيّة تنسّقها المدرسة على مدار العام الدراسيّ، وكانت هذه الفعاليّات الأشبه بخليّة نحلٍ ثقافيّة، مُقسّمةً في حلقاتٍ وقاعاتٍ ثلاث خلال اليوم الدراسيّ، وقد استضافت المدرسة كلّ مِن:
الكاتب جريس عوّاد: وقد قامَ بلقاء طلاب صفوف السوابع، ثمّ طلاب صفوف الثوالث حتى السوادس في قاعة المدرسة، فقام بعرض كتابه بعنوان "الصدى"، وقرأ بعض القصص منه، وأظهر العِبَر في الدروس الأخلاقيّة في قصص كتاب "الصدى"، مع التركيز على أهمّيّة القراءة وتأثيرها مستقبلاً على المسيرة التعليميّة للطلاب، ومن ثمّ عرَض باقي إصداراته الأدبية: "موردُ الأمثال"، "تعابير ومصطلحات"، وإصداره الأخير "إبداعاتٌ وشخصيّات"، كما كانت هناك مداخلة هامّة للمهندس نادر سروجي، الذي واكب جميع إصدارات صديقه الكاتب جريس عوّاد، مُرَكّزًا بدوْره على أهمّيّة القراءة وجعلها عادة مُحبّبة لدى الطلاب، ليردّ بعدها الكاتب جريس عن أسئلة واستيضاحات من قِبل الطلاب وبعض الأهالي الحاضرين، فكان اللقاء ناجحًا وفعّالاً، نال استحسانَ الطلاب والهيئة التدريسيّة.
أمّا الكاتب والفنان عفيف شليوط فقد حلّ ضيفًا على طلاب الصفوف الثانويّة، وتحدّث في هذه اللقاءات عن مسيرته الأدبيّة والفنيّة، وتوقّف بشكل خاصّ لدى حديثه عن كتابه "جذور المسرح الفلسطينيّ في الجليل"، وتطرّق للفصل الذي أعدّهُ عن الحركة المسرحيّة في قرية الرامة، مُبْرِزًا أهمّ محطّاتها، كما تحدّث عن مسرحيّته "اعترافاتُ عاهرٍ سياسيّ"، التي حازت على جائزة أفضل مسرحيّة في مهرجان مسرحيد في عكا عام 2002، والتي تُرجمت إلى اللغة العبريّة، وعُرضت في مهرجان تياترنتو في يافا تل أبيب، ثم عرَضَ لجمهور الطلاب مقطعًا من هذه المسرحيّة، وتحدّث عن تجربته الخاصّة في لندن، لدى مشاركته في ورشة الكُتّاب المسرحيّين في المسرح الملكيّ البريطانيّ، وقرأ قصة "عالم ذكور" من مجموعته القصصيّة "جرس الإنذار"، ثم ناقشها مع الطلاب .
وفي إطار هذا اللقاء قدّم مداخلة عن المسرح، وعن عمليّة ترجمة النصّ المسرحيّ من عمل أدبيّ مكتوب إلى عملٍ فنيّ، وقد تخلّل هذه المداخلات ألعاب وارتجالات مسرحيّة شارك فيها جمهور الطلاب، ممّا أضفى رونقًا خاصًّا على هذا اللقاء، وفي نهاية اللقاء طرح جمهور الطلاب أسئلتهم واستفساراتهم، وقام الكاتب والفنان الضيف عفيف شليوط  بالإجابة عليها. 
أمّا الأديبة الروائيّة فاطمة ذياب، فقد تواكبَ على محاضراتها في جانبٍ آخرَ مِن قاعات المدرسة ثلاثُ فئات من طلاب المرحلة الإعداديّة والثانويّة، فتحدّثت عن سيرتها الذاتيّة ومسيرتها الأدبيّة، ومُنتجها الأدبيّ، ومواضيعها الاجتماعيّة التي تناولتها وتحدّت بها المجتمع، ومواضيع عديدة تعكس واقع المجتمع الذكوريّ المجحف بحق المرأة والأنثى، وتفضيل الذكر على الأنثى، وقضايا التحكّم بها وبمصيرها منذ ميلادها حتى الممات، وقضايا الميراث والشرع، والقتل على خلفية شرف العائلة، وتأثير الاحتلال على مكانة المرأة سلبيًّا، إذ بسبب مصادرة الأراضي الفلسطينيّة صودرت حقوق المرأة في الميراث والتعلم، كما تحدثت عن طفولتها وشقاوتها، فأضفت مزيجًا من البسمة والدمعة في عيون الطلاب والطالبات المشدودين إلى كلامها وسردها الشيّق، وفي نهاية اللقاء أجابت على جميع تساؤلات الطلاب وتفاعلهم.
وختمت د. راوية بربارة؛ الأديبة مفتّشة ومركّزة الأدب العربيّ في وزارة التربية والتعليم اللقاء، وذلك باجتماعِها مع مُركّزي ومركّزات اللغة العربيّة في مدرسة البطريركيّة اللاتينيّة في الرامة الجليليّة، بعد أن انتهت فعاليّات الطلاب الثقافيّة.

من اجل فن يخدم التقدم والسلام والحضارة الانسانية/ شاكر فريد حسن

نعيش في مرحلة عاصفة ومتناقضة ،مرحلة الهزات الاجتماعية العنيفة والانجازات العلمية التقنية ،ويتحدد جوهر هذه المرحلة بالتناقض بين عالم التغيير والتقدم والمستقبل وبين العالم السلفي الرجعي الذي يتشبث بأفكار ومعتقدات الماضي . ويتجلى الصراع بين القديم والجديد في ميدان الثقافة والفن الابداعي ،وهناك صلة عميقة بين الابداع والحياة ،والفن شكل من اشكال الوعي الاجتماعي وله قيمة عليا تكمن في تبيان روعة الحياة والارتباط بالقضايا الواقعية وخدمة الانسان وتثقيفه بروح استيعاب كل ما هو جميل ورائع وانساني وادراك جوهر العالم المحيط به .
والمواكب لمسيرة الفن في الوطن العربي يرى "انتعاشاً" و"ازدهاراً" للفن الاستهلاكي الرديء والساقط الخالي من القيم الفنية والجمالية ،فن التعري وابراز المفاتن والنهود والسيقان والاجساد العارية .وهذا الفن المسيطر والسائد في هذه الايام هو انعكاس للواقع العربي المأزوم وتعبير عن الحالة العربية الراهنة ،حالة الردة الايديولوجية والبؤس الفكري والتخلف والأميّة والفقر الثقافي .
ان الفن الراهن،الفن العجرمي والهيفاوي والأليسي ،هو فن تخديري مبتذل ورخيص يخدم اهدافاً سياسية وفكرية محددة ويستهدف اشاعة وتعميق العدمية الثقافية والفنية وتقويض الأبداع الفني المادي والروحي الشعبي . ومن الضروري في مرحلة التردي والسقوط والترهل ،مقاومة ومحاربة فن التعري الذي ساهمت في انتشاره وتوسيع رقعته الفضائيات العربية ،وذلك باعادة الوهج والألق للفن الأصيل الدافىء والراقي ،الذي يستلهم كنوز الابداع الشعبي الذي لا ينضب ،ويرتبط  بالواقع السياسي الوطني ونضال الشعب ومعاناته وأمانيه واحلامه ويجسد التقاليد الكفاحية والشعبية وتطورها ويلبي الحاجات الحقيقية للشعب بالقيم الفنية ، الفن التقدمي الأنساني الملتزم ، الذي يقوم بدور هام في الحركة الجماهيرية المناهضة للحرب والعدوان والاحتلال ،ويسهم في النضال من اجل السلام والتقدم والنهضة والحضارة الأنسانية . انها مهمة الأوساط الشعبية والفنية والادبية والقوى المؤمنة بالتغيير ،التي لن تسمح باستمرار التخدير وتشويه الذوق الجمالي الجماعي وتدفق هذا السيل من الأغاني التجارية الهابطة .

تكريم كوكبة من شاعرات وأكاديميات من الوطن الفلسطيني


 كرمت مؤسسة اسوار  عكا واتحاد الكتاب العرب في حيفا وبلدية سخنين كوكبة من الشاعرات والأكاديميات في احتفالٍ بهيج حضره حشدٌ من الادباء والكتاب والشخصيات الاعتبارية.
افتتح الاحتفال الدكتور بطرس دله وقد ابدع  في تقديم المتحدثين بلغة شاعرية جميلة.  
رئيس بلدية سخنين مازن غنايم     عبر عن اعتزاز مدينته  بهذه  النشاطات الثقافية مرحبًا بالحاضرين، مديرة اسوار عكا حنان حجازي  اهدت هذا التكريم لروح شاعرة فلسطين فدوى طوقان معلنةً ان اسوار عكا تعدُ  لإصدار مختاراتٍ شعرية    للفتيات والفتيان من شعر فدوى طوقان مزدانة بلوحاتٍ فنية رائعة للفنان ابراهيم هزيمه وخطوط الفنان ريحان تيتي، رئيس اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين في حيفا الشاعر سامي مهنا اكد حرص الاتحاد على دعم المبدعين والاحتفال بإصداراتهم الجديدة من خلال الندوات الادبية وتكريم يليق بالمبدعين داعيًا لمزيد من هذه   الفعاليات مستذكرًا    الشخصية الوطنية الهامة  الراحل جمال  طربيه  .
بدوره عبر موفق خلايلي مدير المركز الثقافي البلدي عن تقديره واعتزازه بالشاعرات والأكاديميات المكرمات.
وقدم مدير قسم المعارف في بلدية سخنين نبيه ابو صالح مداخلة ادبية شيقة،فيما اجادت الكاتبة عناق مواسي  في كلمتها مؤكدة دور الابداع النسوي في اثراء الحركة الادبية الفلسطينية.
وقدمت كلمة المكرمات الشاعرة والإعلامية المتميزة شوقية عروق منصور بكلمة شاعرية قالت فيها :" نحن ارخنا للحب والوطن، للزمن والمنفى والقضية الفلسطينية وقضايا ألحياة . اصابعنا كانت بحجم الصدق والوفاء للورق.."  ، والقى الطفل الموهوب براء دوخي غنامه باقة من قصائد الحب والمرأة ، وتم تكريمه بدرعٍ خاص.
ووزعت الدروع في جلسة التكريم برئاسة الاديب محمد علي سعيد وقد اجاد في تقديم لمحةٍ موجزة عن حياة وأعمال الشاعرات والأكاديميات المكرمات وهن: آمال عواد رضوان –     
د. رقية زيدان – د. روزلاند دعيم – شوقية عروق منصور – هيفاء مجادله – ورد عقل – ووفاء عياشي بقاعي.                          

تاريخ انتخابي/ عبدالقادر رالة

   "حذاري من عبد الباقي ...ومن مبروك" ...بالطلاء الاسود في كل مكان من مدينتنا الصغيرة كتبت بشكل سيئ وخط ركيك ،شوه منظر جدران المنازل وبعض المباني الحكومية.... أول مرة في مدينتنا الصغيرة يقرأ الناس كتابات حائطية سياسية !  
  في الماضي تعودنا ...على الحرف الاول من اسم  شاب والحرف الاول لإسم شابة وبينهما اشارة بلوس والنهاية قلب كبير ...كلام عاطفي و حب.... واعلان هذا الحب على الملأ حتى يفهم الأخرون من المنافسين أن الفتاة محبوبة.... ونجد ذلك فقط على أسوار الثانوية أو على جدران بعض البنايات في الطريق المؤدية اليها....  لكن أن نقرأ كتابات سياسية فذلك أمر عجيب ! ...و بصيغة  تحذيرية  ! 
مضى على الانفتاح السياسي سنة1988سنوات ولم يفعل أحد ذلك و سير هذه المدينة الصغيرة ستة رؤساء...الأول مع بداية الاستقلال ،القليلون هم الذين يتذكرونه ...الثاني يقولون  بأنه الاحسن ! وبعد انتهاء عهدته بسنين طويلة اغتيل في سيارته البيضاء اثناء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد ...والثالث مات على الفراش  حزنا وألما لأنه بعد انتهاء عهدته، لم يصر أحد يقول له السلام أو يحييه  ! وهو لم يكمل عهدته لأنه كشف في قضية كبيرة قام بها احد المناوئين له سميت بقضية الاسمنت.... رحمها الله...الرابع حكم لمدة طويلة لكن اليوم الناس كلهم يكرهونه ...ولأنه حكم في سنوات الأزمة الامنية، فالأكيد أنه أساء للكثيرين بقصد أو بغير قصد ...وهو الأن يعيش معزولا بعيدا ...يتعجب من الناس الذين صفقوا له كثيرا ثم انفضوا من حوله بمجرد أن غادر دار البلدية...البعض أسر لي بأنه مصاب بالسكري  !                                                                                               
 الخامس لما رُشح كل السكان فرحوا من قلوبهم وأنا من بينهم، لأن المترشح متعلم...وينتمى الى قطاع التعليم....غير أن  المتعلم  فعل ما لم يفعله الاميون من قبل أو أصحاب المستوى التعليمي البسيط  ! و صار الناس يترحمون على ايام الرابع والثالث....وكان أول واحد من الرؤساء الذين ينعت  بالحمار  ! وأنا كنت أحترمه لأنه كان جاري، ولأني أحترم رجال التعليم كثيرا...لكن كلمة سمعتها عنه جعلتني اكرهه واحتقره....قصدته ارملة مسكينة لأجل العمل،      فقال لها بكل وقاحة :" اعملي بما بين فخذيك !  لا تزالين صغيرة وجميلة "  وبكت المسكينة بحرقة...و انتهت عهدته لكنه لا يزال يأمل في الترشح هذه المرة..... سكان مدينتنا الهادئة مصممون على الرحيل جميعا لو زكي من طرف أمانة الحزب !  كلهم  مصممون على الهرب، الكبير قبل الصغير  ! والسادس ..أستاذ...درسني أنا بالذات ، وهو من الاساتذة الذين أحبهم واحترمهم ! وهو متحصل على شهادة جامعية في العلوم السياسية... ثم ترقى حتى صار مديرا...وكان عضوا في المجلس الولائي...وأنا ابتهجت كثيرا لما اعلن فوزه في الانتخابات .... فأستاذ في المتوسطة ليس مثل معلم  ابتدائي  ! وهو ذو عقل راجح وكثير الانتقاد  لسوء التسيير في الجزائر أوداخل الحزب الذي ينتمي إليه !   لكن عهدته كانت الأسوأ فالأستاذ المتواضع صار متكبرا متجبرا لا يتحدث مع أحد  ! و كل الناس يكرهونه وندموا لأنهم وقفوا معه وركضوا وراءه   ! ومدينتنا الصغيرة في عهدته لم تعرف ولا مشروعا واحدا، والناس لا يتحدثون الا عن مغامراته العاطفية !  التي صارت الحديث الخاص والعام، الصغير والكبير ،في البيوت والمقاهي...وهو رئيسنا اليوم عبد الباقي الذي كتب التحذير منه  ! أما مبروك فهو الأمين العام للحزب في مدينتنا الصغيرة....
  الناس الطيبون في مدينتي الصغيرة لا يريدون شيئا غير العمل، ولا يطمحون الى شيئ سوى عمل محترم حتى ولو كان الأجر زهيدا  ! وفي الحقيقة مصنع واحد يكفي لتشغيل كل الشباب ، ويحل المشكلة...الناس هنا يحبون الحزب ومرتبطون بالوطن ويحمدون الله على الأمن ولا ميول لهم للفوضى والتخريب ! حتى الاشخاص الذين سيروا مدينتنا الصغيرة لا يكرهونهم كأشخاص ، أو شخصيات أو أبدان وأنما كمسيرين....فعبد الباقي حكم خمس سنوات ولم يفعل شيئا....فلماذا يريد الحزب فرضه مرة أخرى؟ ماذا سيفعل ؟ الجميع يجزم أنه يستخذ عشيقة جديدة !
  ورغم أن مدينتنا الهادئة مليئة بالشباب الجامعي، وأغلب شبانها وشباتها ذو مستوى ثانوي !  وفي كل بيت هوائي مقعر وأكثر من جهاز تلفزيون....والاغلب يتابع النايل سات، والبعض يشاهد الفرانس تيليكوم....ورغم صغر مدينتنا فإن فيها ست مقاهي انترنت، بدون عد الانترنت الخاصة في المنازل... وأغلب الموطنين عندهم  شريحتي  أو ثلاث شرائح هاتف نقال ! واهم الجرائد الوطنية توزع عندنا..... ورغم كل مظاهر التحضر التي نسمعها ونشاهدها في كل مكان.... فإن العروشية المقيتة  هي التي تتحكم في مدينتنا الجميلة وتفسد علينا العرس الانتخابي ! كل عرش يتكتل وراء مترشحه،  مدينتنا تتقاسمها خمسة عروش...وكل عرش يتحدث عن محاسن وبطولات عرشه ويعيب العرش الأخر ! وأنا ذاتيا  في الغالب لا أحب الحديث المتعصب عن العروش، فغالبا لا أشارك في حديث أشتم منه رائحة العروشية، فكلنا أبناء هذه المدينة الصغيرة ونعتز بتاريخها ونحلم بمستقبل أفضل لها...وأنا لو مدحت عرشي  وافتخرت به امام الاخرين فانهم يشعرون بأني أذمهم واحتقر عرشهم ...وهذا شيئ محرج ! والعجيب أنهم جميعا يصرخون كلنا جزائريون...والمتدين منهم يقول مبتسما : كلكم لأدم وأدم من تراب !    

الناس هذه الأيام تشعر باليأس ويشعرون بالخيبة...لأن المدينة فُرض عليها خيارين...إما عودة عبد الباقي  عن طريق تزكية الحزب ونفوذه القوي في الأمانة الولائية!   والحزب محبوب في مدينتنا من طرف الصغار كما الكبار...أو ساعد المقاول الذي لا يمل  من الحلف بإغلاظ الايمان أنه رئيس البلدية المستقبلي !   فهو مقاول ذو أموال طائلة وسيشتري الأصوات ..... سيشتري أصواتنا...الرجل بــ1000دينار، والمرأة بــــ300 دينار  ! فهو يعرف جيدا أن النقود في كل الاحوال أفضل من لا شيئ!

من يعرف؟ ربما يكون رئيس بلديتنا السابع ساعد المقاول ، وهو موضوع جيد لكي ننشغل به في المقاهي وأحاديث النميمة، لأننا كلنا نعرف تاريخه وتاريخ أمه المغري بالنميمة ! 

   

ميمي أحمد قدري تفوز بجائزة الملائكة

فازت الاديبة المصرية ميمي أحمد قدري  بالجائزة التقديرة لمسابقة القصة القصيرة جدا ((نازك الملائكة)) لعام 2012، ولو كنت من المشرفين على الجائزة لمنحتها جميع الجوائز، تظراً لما لقصتها من أبعاد إنسانية تبشّر بغد عربي مشرق، تذوب بنوره الفوارق العرقية والمذهبية وتشرق شمس التعايش الالهي.
صحيح أن قصة ميمي قصيرة بعباراتها، ولكنها رحبة جداً جداً بأبعادها ومعانيها، وكأنها، لجمالها الانساني، قد فازت بجائزة الملائكة، فقرعت السماء أجراسها وارتفع صوت الآذان.. ليبشّر الأمة العربية بربيع لم تره من قبل. 
وإليكم القصة:
عاشقة من وراء الستار
توسدَتْ صدره برأسها.. همست إليه بصوتِ خافت أن يضمها بشدة، أحاطها بذراعيه كاد أن يجعلها تلجُ داخل قلبه التحم الجسدان كما التحمت روحاهما منذ فترة مرَتْ من الزمن، استيقظت من سكرات النشوة مُحدقة بصورة العذراء الأم وهي تحمل الابن المسيح عليهما السلام.
وبدون أن تشعر تحسست المصحف المُرافق لها ولجيدها منذ الصغر...
عندها ارتفع صوت الآذان.

بغداد عاصمة الثقافة العربية كيف؟؟/ أسعد البصري

(( بغداد عاصمةً للثقافة العربية 2013 ؟
الرقم 13 مشؤوم . يليق ببغداد المستعمرة الأميركية.
رئيس الجمهورية : كرديّ مجرم.
رئيس الوزراء : إيرانيّ عميل.
هل بغداد عاصمةٌ عربية؟ )) / سعدي يوسف
الصحف الجزائرية والمغرب العربي كله يحتفي بالكبير سعدي يوسف هذه الأيام
القامات العالية المغاربة الفاتحون
أشرف من الذين حاصروه في وطنه و أهله
مثقفون حقيقيون يعرفون الفضل وأهله بعيدا عن منة الجهلة والأميين
بعد المصريين الحكماء الذي كرموا سعدي بجائزة نجيب محفوظ
يقوم أهل المغرب المرابطون بمقاسمة الشرفاء شرف تكريم أكبر شاعر عربي حي .
كما قال سعدي يوسف شعوبيون يكرهون كل عربي
يمسكون الوطن والثقافة  . لا أريد منهم أن يطبعوا دواويني
ولا أن يوجهوا لي دعوة في مهرجان أو فضائية
لا أريد وظيفة أو راتب أو معجبات  . كل ما أرجوه
أن ينشروا لي  في موقع من مواقعهم الصالحة للتغوط
بلا مقابل ، حتى هذا غير ممكن
قال بغداد عاصمة للثقافة العربية قال
رزگار عقراوي صاحب موقع الحوار المتمدن
الذي لا يتكلم عربي يحذف مقالاتي عن سعدي يوسف
طز بالعرب إذا هؤلاء يقررون مصير الثقافة العربية
بالمناسبة الحوار المتمدن مكب نفايات مؤسسة المدى
كل يساري لا يريده فخري  كريم يرميه على موقع العجزة
والمتقاعدين الحوار المتمدن  ليناقش في تاريخ أوربا الشرقية
وهل فخري كريم عربي ؟؟؟
أين هم العرب في العراق ؟؟
ما هو رقم صندوق بريدهم ؟؟ ما هو عنوانهم ؟؟
هل عندهم حزب ؟ مؤسسة ؟؟ صحيفة ؟؟
لا يوجد عرب لا شيء
كما ردد سعدي الكبير يوما بيت مضاض بن عمرو
(( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثرُ ))
إن العزلة وحدها تكشف لك الطريق
الإختلاط بالخنازير الضالة يقودك إلى الحضيرة
إن الفكرة التي قتلت هادي المهدي والتي كان يكررها في الفضائيات
هي التأكيد على رفض عزل العراق عن محيطه العربي الطبيعي
ومقاومة ربط العراق بإيران قسرياً
هذا هو سبب الرصاصات في رأسه
حين يعود الرجال الصيد من السفر والهجران
إلى بلادهم سيحتاجون كلماتي هذه

اصدار العدد السابع من مجلة "الاصلاح" الثقافية

من : شاكر فريد حسن

اصدرت دار "الاماني" للطباعة والنشر والتوزيع في عرعرة العدد السابع من المجلد الحادي عشر - تشرين الاول 2012- من مجلة "الاصلاح"الشهرية المستقلة للادب والثقافة والتوعية والاصلاح، وقد تنوعت مواضيعها الادبية والثقافية والاجتماعية والسياسية والتربوية، وتصدر غلافها صورة للكنيسة والمسجد من مدينة اللد.
ويكرس رئيس التحرير الكاتب مفيد صيداوي كلمة العدد" العروة الوثقى" لمحاولات النيل من رموز الديانة الاسلامية من خلال الفيلم المسيء للرسول العربي الكريم(ص) مؤكداً ان رد العرب والمسلمين يجب ان يكون ملتصقاً بالحضارة الاسلامية التي اعطت البشرية علوماً ما زال البشر يستفيدون منها في الطب والهندسة والفلك والحرية الفكرية ، وليس المزيد من التطرف والهرطقة والتدمير الذاتي بعيداً عن الحضارة الحقيقية.
واحتوى العدد على كلمة سليمان سعيد طربيه التي القاها في حفل تأبين شقيقه المرحوم جمال طربيه، وكلمة رثاء اخرى للاستاذ احمد محمد طلال بدران .
وكذلك رسالة تربوية خالصة للاستاذ حسني بيادسة ، ومقال عن الاستيطان- السرطان الذي يقضم امكانية السلام للكاتب عزت فرح ، ومتابعة نقدية للشيخ غسان الحاج يحيى حول كتاب "طرائف معاصرة" لعبد العزيز ابو اصبع ، ومقال عن "القوامة" للمحامي محمد غالب يحيى، ومقال "امريكا والمسلمون" للدكتورحسن عبد الفتاح متاني ، ومساهمة للصحفي نسيم ابو خيط بعنوان"لماذا نحن منهزمون" ، وحكاية عشق للكاتب فتحي فوراني عن المرحوم فؤاد خوري المعلم الأول.
اما في مجال الشعر والقصة فهناك اسهامات للشعراء والكتاب رشدي الماضي وصفاء ابو فنة ومحمود ريان وايمان قعدان ويوسف الجمال.
ويحتوي العدد ايضاً على مقابلة مع البروفيسور اوري ينون اجراها معه الكاتب مفيد صيداوي ، وحلول مسابقة رمضان واسماء الفائزين، وغير ذلك من المواد والزوايا الثابتة.

اسئلة ُ الى حبيبتي/ عيسى القنصل

لا ادري يا حبيبتي  لماذا كلما رايت ُ وجها ً هنا , تذكرت ُ وجهك ِ هناك ..وكلما سمعت ُ صوتا ً يتحدث ُ معى , او لاحد جانبى   تذكرت ُ صوتك ِ  تتحدثين معـــى او لاحد ٍ كان يجلس ُ معنا فى جلسة ٍ ما .. وتذكرت ُ فى عنف ٍ واشتياق ٍ صوتك ٍ الساحر والذى كان يشدني دائما مجنونا ً  الى دنيا الدهشة  وعالم الانسانيــــــــة والتي كنت ٍ انت حاكمة له  وفى كل سحر ومهارة وذكاء .
لا ادرى لماذا  يا حبيبتي , كلما امطرت الدنيا هنا .. واشتدت الريح فى غضبها ,, والرعود ُ فى ضجتها والعواصف فى هديرها .. وسمعت ُ حبات المطر  تتساقط ُ فى عنف ٍ فوق سقف بيتي الخشبي , او على نافذة سيارتي وانا فى طريقي للعمل .. لا ادري لماذا اتصور ُ ان هذه الغيوم ُ سوف تذهب دائما اليك ِ .. لتبلل وجهــك الابيض الناصع المشع  بضؤ ونور الحب والايمان ؟؟  وكاننى اشعر فى لسعـــات البرد التى تصيبني هنا  ترعش ُ جسدك ِ هناك .
لا ادري يا حبيبتي , لماذا كلما تحدثت ُ عنك لمن حولي ..اشعر ُ فى كبريـــــــــــاء رجولتي .. وارتقاء دائم فى الافتخار فيك ..وكم احاول دائما ان اقارن  بين مــــــا يحدث ُ لى هنا ..وما كان يحدث ُ لى هناك بين يديك ..احاول ُ ان اقارن بين مـــــنْ اتعامل ُ معه هنا ..وبين اصدقاء العمر هناك والاهل لديك ..فاشعر ُ فى خجل حــاد وغريب من محاولتي  لانك الاقوى دائما ً  والاثبت ُ وجودا ً .
لا ادري يا حبيبتي ؟؟  لماذا كلما سمعت ُ بحادثة ٍ هنا ..او طالعت ُ حكاية ً طريفة او غريبة ..او رايت ُ شيئا جديدا ً غريبا ً هنا ..لا اشعر فى اكتمال او سرور  او قناعة تامة الا بعد ان احاول ان احكي لك  ما رايتُ ..ما شاهدت ُ وما فعلت ُ ؟؟؟
كانني لا زلت طفلا ً صغيرا فى مدرسته الابتدائيه  يود ُ ان يروى مفتخرا كــــل حكاياتهوقصصه لاستاذه ؟؟
لا ادري يا حبيبتي لماذا لا زلت ُ اشعر ُ , اننى لا زلت صبيا ً صغيرا ً لم يكبـــــر يوما واحدا ً منذ اغترابه عن عينيك ..فلا زلت ُ ذلك الانسان الذى يركض ُ الـــى درجة الارهاق من اجل بسمة  من شفة الاخرين  قناعة وصداقه ..لم يجرنى مال ُ الى دنيا لا احبها ..من اجل ان احصل عليها ..لم ابدل اسمي ..عنواني ..وهويتي كما يفعل ُ الكثيرون هنا ..فلا زلت ُ اعشق كاس الشاي فى المساء ,,واغنياتـــــي العربيه القديمه ..فما تعلمت ُ حتى اليوم اغنية ً من اغانيهم هنا ..ولا اسرعتُ حقا يوما ً ما الى احضان الشوارع لنظر ُ الى مهرجان ما ..او لاشاهد احداث هـــــــذه المدينة ُ التى لا تنام .
لا ادري يا حبيبتي ؟؟ لماذا كلما فتحت ُ جريدة الصباح هنا .. ابحث ُ فيها عـــــــن اخبارك انت  قبل ان ابحث عن اخبار هذه المدينة التى انام وعائلتي فيها ؟؟ابحثُ عن اخبار فصل الشتاء والصيف لديك ..وحين يقلقني خبر ُ ما او حادثة  ما ... ترفض ُ عواطفي ان تنام هادئة ً حتي اطمئن  عن احوالك ِ من ثغر زميل عبـــــــر هاتف ٍ .. او اطالع اخبارك من بطاقة  صديقة او صديق يعيش هائنا  بين ذراعيك .
تركتك ِ يا حبيبتي قبل ثلاثة  وعشرين عاما ..ولا زلت ُ اشعر فى رائحة مطبخ بيتنا القديم .. واسمع ُ صوت مزاريب حارتنا  الهادئة ..ولا زلت احلم ُ فى صحــن العنب الصافي  فى صباح الصيف مع حبات من التين فوقه ..وكلما عدت اليــــك ِ ابحث ُ فى تعب ٍ عن حبة تين .. قطف عنب ..واغنية قديمة لنجاة ..
هل تعلمين  لماذا كل هذا يا حبيبتي ؟؟ لانك يا (مادبا ) انت الامس الجميل الذى قد حملته معى يوم ارتحلت مقهورا ً حزينا ً  وعاريا ً من حب من احببت ؟؟هذا الامس لم يزل معي ..لم يمت .. لم اقتله ..لم احرقه رمادا وارميه فى سله القمامه بل وضعته فى هيكل ما فى البيت .. وفى زاوية ما فى قلبي ..واصبحت ُ اعود اليه كل يوم وكل لحظة ..اطعمه ُ واسقيه من الذكرى بعض القطرات .. لذا لا زال حبك قويا خالدا وحيا .
نعم يا (مادبا ) انا ادرى ما هو السبب ..انا مؤمن به  قانعا كل القناعه  فى قوتـــه وفى عمق ولائي له ..فى طهارة رونق الثمر الذى ياتى من شجرة العطاء فيه ...
فما عدت اليك ِ يوما ً  الا وزدت ُ قناعة ً بانك اعظم من عرفت ..واجمل من قد احببت ..فما اعظمك ِ يا حبيبتي ..اواه وما ارقاك ِ يا (مادبا )

اتحاد كتاب الدفهلية يستعيد ذكريات أكتوبر

كتبت فاطمة الزهراء فلا‏

نظم اتحاد كتاب الدقهلية ودمياط  بتواجد فرج مجاهد ومصباح المهدي وعبده الريس احتفالية كبري تم فيها دعوة اتحاد كتاب الشرقية والقناة وسيناء ليعزف الجميع لحن الانتصار في ذكري أكتوبر وأكتوبر في عيون مصرية ليشارك فرحة الانتصار  محمد الهادي وابراهيم عطية وعبد الله مهدي ومحمد ناجي  وعطية الشواش و أكثر من مائة شاعر وأديب وصلت مشاعرهم بالحناجر إلي عنان السماء شارك في الاحتفالية التي شارك فيها استاد المنصورة برئاسة المحاسب جلال غازي والمركز العربي للإبداع برئاسة شريف الفار وأدارتها الشاعرة فاطمة الزهراء فلا رئيس فرع الدقهلية , وقد بدأت الاحتفالية بكلمة للأستاذ محمد الهادي رئيس فرع الشرقية والقناة وسينا بكلمة شملت بروتوكول تعاون بين فرعي الدقهلية والشرقية وكانت بنوده كالآتي:
1-التوأمة بين الفرعين بالإعداد لندوات مشنركة في المناسبات الهامة تعقد في نفس الأسبوع في كلا الفرعين.
2- مشاركة الفرعين في مؤتمر اليوم الواحد بحيث يخصص لكل فرع يوم أحدهما في المنصورة والآ خر في الزقازيق بحيث يكون الدعم مادي مشاركة بين الفرعين ويكون لكل فرع الحق في اختيار رعاة المؤتمر ويكون المحور واحد للمؤتمرين
3- إصدار بيانات مشتركة بمشاركة الفرعين تمثل الرؤية للأعضاء تجاه المواقف والقضايا والأحداث الجارية التي تستدعي ذلك.
4- توجيه الدعوة للأعضاء بالفرعين للمشاركة في الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات والاعتصامات في الأحداث التي تستدعي ذلك.
5- تشكيل لجنة مشتركة من أعضاء الفرعين تكون مهمتها طرح رؤي جديدة لتطوير لائحة الفروع والأنشطة المصاحبة لها.
6تقديم الدعم المناسب لمرشح أو أكثر من مرشحي الفرعين لعضوية مجلس إدارة الاتحاد بالقاهرة في من يتوسم فيهم التمثيل المشرف

هذا وقد توالي الشعراء في تقديم أشعارهم في تتابع رائع الشاعر السناوي الذي شرف الدقهلية محمد ناجي ..فتحي البريشي , أحمد السرساوي .فاطمة عبد الكريم , طارق شعبان, عطيه الشواش , عادل العشماوي , سمية عودة , عادل العشماوي , حنان فتحي ,شريف الفار , جلال أمين, رشا الفوال , المتولي زيادة , علي عبد العزيز وفرقته عشان بنحبها , علي معوض , ومحمد صالح , وماهر عبد الواحد
هذا وقد تألقت المنصة بأبطال أكتوبر اللواء حاتم عبد اللطيف وصائد الدبابات ابراهيم عبد العال وذكريات الحرب والبطولةمظاهرة حب أراها في صالة النادي الاجتماعي أدباء وشعراء وجمهور وكأنه يري أكتوبر في ثوب جديد بعد الثورة...تحية شكر واجبة للعلاقات العامة بالمنصورة ..محمد زكريا ..وليد الرفاعي والسيدة ماجدة بدرة

صباحكم أجمل/ يا زهر الرمان../ زياد جيوسي

    كانت دعوة لطيفة من العزيز باسيل العابودي لحضور افتتاح مهرجان الرمان في قرية عين عريك يومي 27و28/9/2012، وفي الآونة الأخيرة اهتمت الكثير من البلدات الفلسطينية التي تشتهر بصنف معين من المحصول الزراعي بإقامة مهرجانات تحمل اسم هذا المنتوج، ولعل في ذاكرتي أنني حين عدت إلى الوطن بعد غياب قسري بسبب الاحتلال قارب على الـ 30 عاماً، أن أول مهرجان حضرته كان مهرجان المشمش في بلدة جفنا، لتتالى بعدها مهرجانات كثيرة بعضها حضرته، وبعضها لم أتمكن من حضوره لأسباب شتى، ولعل صعوبة المواصلات أحد أهم الأسباب، فكان مهرجان التين في بلدة تل، ومهرجان الخس في بلدة أرطاس، ومهرجان الجوافة في مدينة قلقيلية، وغيرها من المهرجانات.

   قرية عين عريك ترتبط في ذاكرتي منذ الطفولة، فهي قريبة من رام الله، وقبل العام 1967 وأثناء دراستي في بيتونيا، كانت الطريق المعبدة تمر من طرف المفرق المؤدي إلى البلدة وكان يحمل وما يزال اسمها، فما زال الكل يسميه: (مفرق عين عريك)، وإن كانت الطريق للبلدة في تلك الفترة غير معبدة، وما زلت أذكر أن أقرباء لوالدتي رحمها الله كانوا من سكان مخيم اللاجئين في البلدة، ولا أنسى العم (أبو سليم) الكهل الكفيف، الذي كان يأتي من عين عريك يومياً إلى باب مدرستنا الإعدادية في تلك الفترة، مدرسة ذكور بيتونيا، وكان يبيع الترمس في الصيف والحمص المسلوق (البليلة) في الشتاء، ولا أعرف إن كان من أبناء البلدة أم من أبناء المخيم، لكن ذكراه لم تفارق مخيلتي كرجل مواظب رغم عمره ورغم أنه كفيف، فلا يغيب يوماً عنا، نشتري منه ويلاطفنا جميعاً برقة وحنان.
   بلدة عين عريك قديمة بحكم وجود عيون المياه فيها، وإن كانت المعلومات عن تاريخها قليلة، وإن كان مثبتاً أن الصليبيين قد سموها (بيت عريك)، وهي محاطة بالعديد من الخرائب الأثرية مثل خربة كفر شيان، وخربة دوبين، وخربة الحافي.
   عرفت القرية عبر تاريخها بالتعايش الجميل بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية، فكان التكافل الاجتماعي فيها أنموذجاً كان ولم يزل، بغض النظر عن الدين، فالكل ينتمي للبلدة ويحبها، وتمازج دم الشهداء منها في سبيل الوطن مسلمون ومسيحيون.
   الطريق المعبدة والواسعة لقرية عين عريك جميلة رغم أنها لا تتجاوز سبعة كيلومترات عن مفرقها في بيتونيا، فهي تقريباً محاطة بالأشجار والتلال الجميلة، والقرية تعتبر ممراً للقرى التي تليها، ورغم ذلك أستغرب أنها لم تجد العناية الكافية والاهتمام الكافي لتحويلها إلى بلدة جذب سياحي، وأذكر أن مطعماً جميلا أفتتح في مدخلها اجتذب الزوار، ولكن منطقة الوادي أهملت كثيراً، ولعل دور الاحتلال الذي يصنف الوادي أراضي تصنيف (ج)، حدّ من إمكانات استغلالها بدون إقرار وموافقة من الاحتلال، والحصول على الموافقات من محتل يسعى لتفريغ الأرض من سكانها ليس بالسهل.

   مبادرة الشباب لأول مرة بإقامة هذا المهرجان كانت فكرة ممتازة، فلعلها تتمكن من جذب الأنظار لهذه البلدة شبه المنسية، وكون عين عريك اشتهرت عبر تاريخها بفاكهة الرمان، وكانت تزرع بأنواعها المختلفة العادي والحامض والحلو جداً (العسيلي)، وكانت عصب الاقتصاد لسكان البلدة، فكانوا يحملون الفاكهة على ظهور الدواب والحمير، وينقلونها إلى أسواق القدس واللد والرملة، وفاكهة الرمان معروفة بفوائدها الصحية، كما يستفاد من قشرتها في العلاج ودباغة الجلود، ويصنع من أنواعها الشراب ودبس الرمان.
   هو المهرجان الأول والتجربة الأولى، لكنها ورغم كل الملاحظات كانت فكرة جميلة ومهمة، والمفترض أن يجري تطويرها ليصبح المهرجان نقطة جاذبة في كل عام، وتصبح عين عريك نقطة جذب سياحي طوال العام، وحقيقة أن الأكشاك في المهرجان رغم قلتها إلا أن المعروضات والأشغال اليدوية كانت جميلة ومميزة، ولفت نظري المشاركات من أكثر من جهة، فقد لفت نظري منتوجات التراث لكل من مؤسسات: أسامينا والتي عرضت منمنمات فنية متميزة تحمل عبق التراث، وكنعانيات التي عرضت منتوجات فنية من خشب الزيتون وحلي وأزياء شعبية، وأناقتي التي عرضت أزياء تمازج التراثي بالحديث، وأيام زمان التي عرض فيها منتوجات شعبية وتراثية مثل أثواب مطرزة وأطباق القش.

  وقد سجلت بعض الملاحظات التي آمل الاهتمام بها في المهرجانات القادمة، فمن المدخل للمهرجان كان يجب أن تعلق ثمار الرمان على البوابة والأسوار، فهو مهرجان يحمل اسم الرمان فلا يجوز أن يكون الرمان غائباً، وكان المفترض أن يكون هناك أكثر من كشك لبيع وعصير الرمان، فالكشك الوحيد غير كاف، والعصارة اليتيمة غير كافية، وكان المفترض أن يتم التنبيه إلى ضرورة لبس القفازات لمن يتولى العصير، وكان سيكون جميلاً لو كان هناك كشك يعرض ويبيع منتوجات الرمان كدبس الرمان وغيره، ومضافاً إلى ذلك وهي ملاحظة طاغية على كل المهرجانات الثقافية والفنية في وطننا، هي تعداد الكلمات التي يلقيها الحضور الممثلين لمؤسسات مختلفة حكومية وبلدية وغيرها، والمتحدثون لا يراعون الحضور بشكل عام في وقتهم، فيأخرون الفعاليات الفنية والتي تمثل نقطة الجذب الأساسية للحضور، ويستطردون بالحديث في قضايا كثيرة معظمها قد ملّها الناس بالتلفاز والصحف والمناسبات، وأكرر دعوتي التي سبق أن تمنيتها بأكثر من مناسبة: اقتصروا المتحدثين على ثلاثة، وليكن الوقت محدداً..
   
صباح آخر من صباحات رام الله، أستعد فيه للذهاب إلى طولكرم بعد تعطل ذهابي بالأمس من أجل حضور المهرجان، أنظر من نافذة صومعتي وأتنشق هواء رام الله قبل أن تلوثه السيارات، أضع الحبوب والماء لزغلول الحمام الذي فقس بجوار حوض النعناع، ألتقط له صورة بعدستي ككل صباح، فقد بدأ يكبر ويستعد للطيران، وأستعيد ذكرى رحلة لا تنسى لزيارة مهرجان الرمان في قرية عين عريك برفقة صديق رائع وزوجته، ورغم أن وقتي كان محصوراً جداً في الزيارة، إلا أني تمتعت جداً بالمهرجان، والتقيت العديد من الأحبة والأصدقاء هناك، وخرجت وأنا اأردد شعار المهرجان المأخوذ من كلمات سميح شقير: (يا زهر الرمان.. آن أوانك آن)، وأستمع في هذا الصباح وطيفي الذي لا يفارقني مع فنجان قهوتنا لشدو فيروز وهي تشدو مع النسمات الأيلولية الناعمة: (ورقو الأصفر شهر أيلول، تحت الشبابيك ذكرني وورقو دهب مشغول، ذكرني فيك.. رجع أيلول وأنت بعيد بغيمة حزينة، قمرها وحيد بيصير يبكيني ... شتا أيلول) ..
فأهمس مع النسمات الأيلولية الناعمة: صباحكم أجمل أحبتي وزهر رمان.
(رام الله 28/9/2012)

من أين لي بفاطمة؟/ ضحى عبدالرؤوف المل


تذوّق الفن الأدبي فطرياً، ونميل الى ما يستثيره العقل من تحليلات نفسية ولغوية واستنتاجات تطرح تساؤلات صامتة، تجعلنا نكتشف الغاية من العمل الأدبي وأهدافه. إنه الفكر المجرد الهادف والخالي من السلبيات، فالعلاقة البنّاءة بين الروائي والقارئ تستفيق لتفتح أبواب الاندماج النفسي الهادئ، والممتع. هكذا جاءت رواية «اليهودي الحالي» للروائي اليمني علي المقري كتجربة عاطفية نفسية وكجوّ روحاني لطيف، وذلك بمفهوم عميق للفكر الايماني القائم على جوهر الدين في توليفة فطرية بين ذكر وأنثى.
حملت الرواية صيغة توجيهية وإرشادية مع تراكيب بلاغية أدبية تجسم المودة التي نشأت بين فاطمة ابنة المفتي واليهودي في اهتمام حسّي مع إشارة محبّبة لفارق العمر بينهما، «أحياناً تأخذ رأسي بين يديها، تضمه الى خصرها، او تنحني الى مستواه ليلامس صدرها». شخصية أحادية منحوتة لا يمكن ان تحقق الواقع المعيشي الذي نطمح اليه، ولا البعد التاريخي والديني، لكنه استطاع توليد حركة سردية لغوية تناولت موضوع التوحيد الكوني في قالب عاطفي ودلالات إيحائية.
محو أمية نحتاجها ثقافياً لنزداد معرفة بالأديان او بجوهر الحياة الروحية، فكلنا من آدم وآدم من تراب واليهود أبناء الله في فلسفة حملت عناوين «ابن رشد» و«محي الدين بن عربي» ولكن!.. في رسم فني لم يتساو فيه البطل مع الراوي، بل اهتز الفكر المنطقي في سرد لم يخلق أدباً صادقاً، إنما حمل حكاية ذات تراكيب بلاغية في حبكة مركّبة لم تخل من حمل مفاهيم حياتية نحتاجها في زمن لا يمكننا فيه إيجاد بديل للوطن.. «فاطمة لم تكن وطني، بل هي بالنسبة إليّ البديل من الوطن».
يقول آرشو: «لعل التوجيهات الخاصة المحددة لرسم الشخصية أشبه بتلك القواعد التي ينصح باتباعها قصار القامة من أجل ان يصبح طولهم ستة أقدام». فهل ينصح «علي المقري» بإعادة النظر الى وضع اليهود في العالم؟ وهل هي نغمة تشجيعية لفن روائي يحمل مفاهيم إلغاء الهوية القومية في عصر العولمة والانفتاح نحو الفن الواحد ولو حمل هذا الفن الفساد الاجتماعي؟ وهل يجمع الزنا اليهودي والمسلم ويفرقهما الزواج؟.. «فلم يمر سوى يومين فقط حتى اجتمع يهود ومسلمون لينفّذوا حدّ الزنا برجم المرأتين الأخريين بالحجارة حتى الموت». وهل يقاوم منطق الحكاية عاشقاً يهودياً أعلن إسلامه ومن ثم يتحدث عن خداع من حوله بوعده لهم كل يوم سبت؟ «أعدهم من سبت الى آخر، ولم ينتبهوا الى ان اليهود لا يعملون في هذا اليوم». فهل استطاع «علي المقري» ان يقدم لنا سرداً موضوعياً.. وأدباً صادقاً منسجماً مع نظام السرد في كلام مشحون فقدنا فيه العناصر المنطقية الحسيّة المطلوبة؟؟ «الحب والمسامحة والسلام هذا طريقها. شعرت باطمئنان إذ استعدتها، تذكرت حكاية روتها لي عن محي الدين ابن عربي، كما تسميه».. «عندنا الولد يتبع أباه، لا يتبع أمه يهودي ابن يهودي» تأثيرات عاطفية ابتعدت عن المعاني العقلية في ألفاظ انفعالية انصهرت تدريجياً وتلاشت في نفس القارئ...
إنفصال ظاهر ضمن ملحق حوليات اليهود اليمانية اعتمد على إبراز أحداث تاريخية في عمل سردي اعتمد الوصف في بانوراما وثائقية اقتحمت الذاكرة في مقاييس روائية تقطّعت فجأة عند حفيد اليهودي الحالي ابراهيم «فأنا من فاطمة واليهودي الحالي، واليهما أعود، هما أصلي القديم، وسلالتي القادمة»، فهل السلالة القادمة هي العلمانية الابراهيمية؟..
يقول عبدالمنعم تليمة: «إن الفن لا يقف عند الواقع في معطياته الخارجية المباشرة، إنما يتخطى هذه المعطيات الى إدراك جديد لها فيبدو الواقع في صورة جديدة له: صورته الفنية».. صورة فنية أخفق في إبرازها معنوياً وتاريخياً ليحقق التعاطف الديني، فمن أين لنا بفاطمة أخرى، بأناس يشبهونها بإسلامهم.. ويهودي يتذبذب في شخصية مهتزة فقدت صفاء التوحيد الابراهيمي وتبحث عن روح الايمان في شخصية ابنة المفتي ليصرخ في عمل حكائي أين لي بفاطمة؟؟؟..
وأنا أصرخ متى يتحرر العمل الروائي العربي الحر ليقدّم لنا أدباً صادقاً مجرداً من مقاييس بوكر هزيلة؟.