قصص قصيرة جدا 28 / يوسف فضل


مسغبة
اندفعت غيوم ملبدة فوق ارض الجفاف . خرج لها الناس والحيوان ورقصوا الفرح. استدارت وألقت ما في بطنها في البحر.

شحاذ
هربوا مبتعدين لكي لا يتعوجوا بصوت تَسَوَّلَه المقعد .
 
استغفار
بصوت مسموع، استغفر الرجل ربه بعد الصلاة. فاهت : ما بك تستغفر ، أكيد تزوجت علي.
 
عِشرة 
عاقر الخمرة . ضرب زوجه وأدخلت المستشفى بعوارض صحية ثم خسرت حياتها. وي!خط إفادته: أن دوافعه لارتكاب جريمته تعود إلى المسلك السيئ لزوجه.
 
تفهم
اعتذر النادل عن عدم السماح لهما بدخول الصالة العائلية في المقهى.
-      نحن عائله أيضا ، قالها من باب المزاح .
-      كيف؟
-      نحن مثليان.
-      تفضلا.
علم الآخر معنى مثلي  فلكم النادل وخرج .

قصص لمدينة/ هدلا القصار

كانت أفكاري تائهة مشلولة تتمايل كخريف الأشجار..
تتأرجح كغواصة في عمق البحر....
حين سمعت أصواتً من قبب المساجد تدعو للصلاة، بينما ارسم الحاضر بأصابع الذكرى وسط السواد، إلى أن استدرجتني الذاكرة حين أتيت للمدينة السرية، وللأمل الساخر حيث انسحبت أطراف التاريخ الذي عرفته، ليصبح الماضي كصوت البوق اسمع صفاراته....
التفتت ويدي! بحركة بليدة من خلف زجاج العربة أشير للوطن بنظرات متمايلة مودعة الذكرى...
كلما اقتربت القافلة من المدينة
كلما ابتعدت رائحة الصنوبر عني
وانتشرت رائحة الأزقة والشوارع
قيما تقطع القافلة أميالا وأميالا صحراوية، إلى أن  وصلت إلى هذه المدينة التي امكث فيها اليوم  .
هذه المدينة التي لم أكن اعلم عنها إلا القليل، أو بالأخص لم اعرف سوى تاريخها القديم . حيث وجدت نفسي كالحية أدفء نفسي بالطمأنينة بين خيالات الليالي التي تفتقد للفوانيس الملونة كما رأيتها في بعض البلاد التي زرتها، والتي كانت تضيء الليل لتحيي عشاق الكسل فيها .....
هنا استبدلت الفوانيس بالبشر الجالسين عند عتبات البيوت وهم يتكلمون بصوت مرتفع، معبرين عن سعادتهم بقدوم أبنائهم العائدين من الشتات، والموزعين بين المنافي العربية والأجنبية .
في هذه المدينة التي تحمل ألواح الموت على أكتافها كل يوم، لا تستقر فيها روح الطفولة، كما لو أنها أصابع العبقرية تولد لتموت .
بعد بضعة أيام ذهبت صباحاً لأزور قبر بعض الأشخاص من بين الذين سمعت عنهم ولم أراهم من قبل أو أتعرف إليهم فيما مضى، هنا في هذه المقبرة
لوحات لقبور ...
وقبور بلا ألواح
وقبور ليس لها حتى أسماء
أسوار محطمة
مخربشة
ومهدمة .....
شردت عيناي في القبور العارية، مما أثار خيالي حول سكانها، وكأن الأموات فيها سيخرجون أو يظهرون من نحت التراب عند أول عاصفة هوجاء تنسف الرمال من فوق جثثهم  .
هربت من خيالي، وعدت إلى المنزل في حالة من الاهتزازات الملم شرودي, او كالجراد حائرة ! أفكر بالوجوه الجافة والحزينة، وأسال نفسي كيف لو مت في هذه المدينة هنا من سيعرفني؟!
وهل سيأتي أحدً غيري يذكر العالم بمعاناة تلك المقبرة؟
إن الناس يعيشون هنا في حالة من الخوف والتساؤلات الدائمة.. .
جلست بتأملات واسعة ولاذعة.... أسال نفسي، كيف يمكنني أن أتغنى في خواطري وصوري؟! بهذه المدنية الغير صالحة للفرح .....
بينما كنت جالسة استنشق رطوبة الليل وأطلق لنفسي العنان، مستغرقة في ملاحظاتي... متكئة راسي على يدي... 
تعرق وجهي...
دمعت عيناي...
بكيت!  بكيت لحسابي وليس لحساب احدَ سواي، إلى أن رحل ضوء القمر من نافذتي لأغفو على أمل أن اصحوا على رؤية أشياء مفرحة فيما بعد  .
هنا في هذه المدينة حياة البشر ليست كالبذور تنمو لتعيش، أنهم مجرد تكملة للسابقين، كي يكتبوا على الجدران والطرقات العزاءات، والأفراح، والمستقبلين، والمودعين، والراحلين منهم  .
لم أكن اعلم أنني سأكتب يوماً عن هذه الأشياء لكنت احتفظت ببعض الأسماء المكتوبة على تلك الجدران، التي ما زالت كالخيال في راسي، لكني سأحاول حصر تلك المشاهد دون التملص حتى من الأشياء المحزنة والتي قد تلقي بي في غمرة أكثر حزناً....
إن تلك السياسات المأساوية التي تعيشها مدينة غزة تلغي الأمل من نفوس البشر....
 فالبعض منهم يتغني بالماضي،
والبعض الآخر يلعن الحاضر...
أن " هذه المدينة لا يمكث فيها زائر ولا يطأ فيها عابر"  كما قال بعض المواطنين اللذين لم يخرجوا من الوطن .
من داخل مربع الشارع في منطقة "الشيخ رضوان "اسمع صراخ الأطفال يأتي من خلف الجدران، كأصوات الفئران الصغيرة...، والطرقات تختنق بتنهدات
 المارة التي تكاد أعضائها تقص عليك قصص الآلام .....
عالم ممزق من الخلف ...
أصوات مرتفعة بحناجر الرفض..
عاطفة ممزوجة بقلق يعلو الوجه...
براءة ضئيلة تشير لك بالصمت...
أنوثة النساء تحجبها الألبسة الزائدة...
خشونة الرجال مطبوعة بمشاكساتهم اليومية.....
بينما تشعر بابتسامات النميمة تعلو مع تنقل نظراتهم البشر كما إن الجميع هنا متساويين في ملامحهم الحزينة، والمتصنعة بالفرح...
ما زلت ابحث عن الفرح داخل البيوت المدهونة بالألوان القاتمة، والثياب المعلقة على امتداد خطوط أسوار المنازل، وكأنها تحمل طباع أصاحبها ومزاياهم.. .
بينما آخرون يرقصون في صالات الأفراح المخصصة للمناسبات،  يحاولون إخراج أحزانهم مع ارتفاع صوت الموسيقى، يطلقوا عبارات نكاتهم، وكلماتهم المزدوجة المعاني، دون وضع حواجز لتصرفاتهم، يطلقون ضحكاتهم بما يناسب ملابسهم المزخرفة، محاولين صراخ بهجة أشكالهم من خلف المطابخ والمشاحنات اليومية .
قضيت أيامي الأولى بين الزائرين، والمتعارفين، والمتطفلين، والمتفرجين، وهم يتكلمون بأحاديث سطحية، وبنصف ابتسامة خاصة لأشكال البشر، والوجوه الغير المألوفة من العائدين، كان هذا ما يثير غضبي الداخلي  .
هربت في أحد الأيام من فوضى الجدران لأتعرف على بعض الأماكن في المدينة، وأقتل جميع الأسئلة التي أصبحت كاختناق البحر في هديره... .
ولأدخل فلسفة التاريخ، بما أن الإنسان عامة لا يرى كل الأشياء على الخرائط، وإنما بالمخالطة والتجارب . لذا قضيت عدة سنوات وما زلت أحاول التجانس مع طباع هذه المدينة التي ما زلت اجهلها وما زالت تجهلني... .
وبينما تسترسل الأسئلة في داخلي عن المخاطر التي تهدد هذه المدينة.... راودتني الأفكار عما يريد هذا العدو المحتل من الشعب الفلسطيني؟! والى اين يريد ان يصل ؟!ا وماذا يريد من هذا الشعب أكثر من ذلك !؟
ألا يكفي انه يمتلك سماء غزة، وثلث أراضيها؟؟!!
إلى أن تزاحمت الأسئلة في خاطري حول سبب مجيئي إلى هنا، كنت طوال الوقت اشعر أن أحداً ما وراء قراري،! نعم هذا ما شعرت به في هذه المدينة، بينما ابتعد أمتاراً عن رجلَ واحد أحببته كثيراً من بين أبناء هذا الشعب...
أحاوره دون أن يسمعني ...
يحاورني دون أن اكلمه....
يأمرني بالقناعة والصمود...
له سحرًَِ ألحقني به أينما ذهب ....
سمعته
 رايته
 دون أن أقف أمامه...
كانت صورته تطمئنني، تشحن في صدري قوة التحمل، كلما رايته عبر التلفاز، أو سمعته من خلال الإذاعات التي تبث هدير نبرة صوته في أرجاء جسدي، كلما تكور الخطر حول أبناء شعبه...
ترتجف الكلمات بين شفتيه...
تبرق عيناه المدورتان ...
تلوح يداه بإشارات الغضب...
كان هو رئيس شعب هذا الوطن "ياسر عرفات" القائد الذي لم يكن يعرف اليأس، ولا الاستسلام...
لم أكن اعرف عنه الكثير قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان... . كنت في ذلك الحين قد تزوجت رجلاً من شعب هذا القائد لأدخل عالم "الرقم الصعب" عالم الشتات والمعاناة كمن سبقني من النساء  .
كان زوجي طوال الوقت يحاول إن يشرح لي عن تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته...، هناك أشياء لم أكن اعلم عنها، وأشياء لم أكن استوعبها، لكن الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أتكلم عنه! هو ما رسخ في ذاكرتي من ذلك العدوان الإسرائيلي حينما فرض سيطرته على أهالي بيروت لإخراج هذا القائد وجنود أمته من لبنان من خلال حذف المناشير المرمية من طائرات العدو، الرافضة لوجود الشعب الفلسطيني في لبنان ....، وبالقصف المتواصل على مدينة بيروت ....
رويداً رويداً وجدت نفسي أتعاطف أكثرً وأكثر مع هذا القائد وشعبه حتى لو اختلفت مع البعض في بعض المسائل  .
لكن اليوم أصبحت ساعة الزمن أكثر وضوحاً بالنسبة لي، بعد حصار الرئيس في الضفة الغربية...،
في هذا الوقت حاولت أن اجمع جوانب التاريخ، ومعالم الأوضاع فيه، رسمت على وجهي ملامح الضياع بقلق شديد، حيث راودني حلم العودة إلى الوطن من جديد لو حصل مكروه للرئيس القائد ابو عمار، بعد محاصرته من قبل العدو المحتل، إلى أن أصبحت حياته مهددة ... هذا القائد الذي خرجت معه من لبنان إلى سوريا إلى قبرص وصولا إلى مدينة غزة  .
هنا رأيت جميع أنواع الصور، والتناقضات والخرافات الخ ، لكن  لم ينل من عزيمتي التحول أو الهروب ...، وما زلت احرص على نفسي وعلى هويتي....، لكني اليوم أحاول البحث عن طير يقودني خارج هذه الحدود  .
يكفي أن عواطف البشر قد جمدت
يكفي معاناتي التي قلدت بالأحزان كفراغ أصبعي من الخاتم  .
انتهي كل شيء بالنسبة لي هذا ما كنت من اكتئاب ذلك اليوم الذي أعلنت استسلامي فيه ... بعد أن حاصرت الحكومة الإسرائيلي الرئيس القائد الفلسطيني،  في مقره ومنعته من مغادرة مدينة رام الله في الضفة الغربية، إلى أن ساءت صحته والتزم فراش المرض المفاجئ بعد ان ظهرت عليه علامات التدهور الصحي الشديد كما اعلن أطباؤه، انه يعانى من ضعفاً عاماً .... مما أدى إلى ضعف جسماني كامل، وتم نقله الى باريس مستشفى بيرسيي 29 اكتوبر 2004  .

المهم أنني دخلت هذا التاريخ وهذه الحياة وانتهى كل شيء، إلى أن توقف كل ما ورد في خاطري في تلك اللحظة التي شعرت فيها بخطورة السنين القادمة... وكأن  أتاني شبحا ليخبرني ماذا سيحصل بعد سنوات عدة إذا توفي هذا القائد الذي يحمل صفة العجوز الشاب .... الرمز لحركة نضال الشعب الفلسطيني.. ياسر عرفات .
في هذا اليوم تحديداً 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، نهضت من سريري بين الوعي واللاوعي، ساعة أشعلت التلفاز دون هدف لأقتل قلقي وتوتير الذين أيقظاني، وساعة العب بأزرار المذياع... لكني لم اسمع سوى صوت الصمت صمت جميع المحطات وكأنهم في ترقب عام او صدمة أسكتت جميع المحطات التي زادت من قلقي وتساؤلاتي وشعوري بالخطر القادم .....!!
الى ان خرجت من المنزل دون هدف مترنحة النظرات دون تركيز انظر هنا وهناك....
فوجئت بصورة المدينة التي لبست  حلة السواد
أملئت السماء برائحة الحرائق المتصاعدة !
هنا تحمل الناس الإعلام الفلسطينية... !
وفوق أسوار الشوارع شرائط سوداء...!
أعلام تخرج من نوافذ السيارات..!
أعين الناس منتفخة من البكاء...!
نساء تمسح دموعها بأغطية رؤوسها ...!
رجالاً بذقون ذابلة..!
كانت الشوارع مكتظ بالبشر...  لم أرى منهم سوى وجوه محنية  في تلك اللحظة، كانوا  كالأشباح يلتفون بالحطات السوداء/
نظرات تائهة/
وجوه مختلفة/
مغتسلة بالتساؤلات/ 
المتاجر مغلقة /
والمحلات فارغة !
كانت صرخات البنادق تطلق من كل زوايا الشوارع والبلكونات والشبابيك ....في كل بقعة من مدينة غزة...
علمت أن قلب القائد قد توقف، كنبض محبيني في الشريان، ولم يعد يتكلم سوى حزن الرصاص والشوارع والسيارات التي كانت تسير سيراً  مترنحاً دون هدف ....
زحفت جموع البشر كالنمل التفوا حول مقر الرئيس القائد أبو عمار، في مدينة غزة
 ليتلمسون وجوده...
يشعرون برائحته...
 ليسمعون هدير صوته ...
جثته التي ما زالت  في باريس، وما ذلت انظر شرقا وغربا شمالا وجنوبا، إلى أن امتلأت الشاحنات التي لم أرى من نوافذها سوى البنادق المقوصة .....
سافرت عيناي لعام 1982، بصور متشابهة عندما كان وداع أبو عمار، في كل شارع من شوارع بيروت حيث الأهالي يودعونه بالزغاريد ورش الأرز، والرشق بالورود، على أمل اللقاء به يوما ما .
أما اليوم فالرصاص يطلق من اجل الوداع الأخير .
اليوم اغتيل من رسم في قلبي ...
اغتيل ما تبقى من فرحي ....
مع موت العزيز القائد ياسر عرفات
كان بكائي كاختناق الخنجر في الجسد.....
اليوم لحق أبو عمار بولدي الأول ..
كانت صدمة فراقه كفراق كل أحبتي الذين فارقوني وفارقتهم، وكأنهم اتفقوا جميعاً ومعاً على تركي وحدي أتعارك بقية عمري .
شعرت وكأن كل شيء قد انتهى، وان السياسة التي يريدها هذا الرجل لن تأتي....، لذا انتابني شعوراً بالخوف من المجهول  .
إن القائد اليوم يمضي إلى أعماق الأرض لنسمع أنين روحه.....، فكيف يمكنني  أن التحق بذيل كوفيته.... ! ؟
هل يمكن للإنسان أن يعلم ماذا سيحدث بعد اليوم؟
جلست أتأمل أدوات القتل التي يستعملها العدو والإسرائيلي !
من سينجح من بين هذين الشعبين؟
ومن سيلحق بالآخر؟
هل سيتحقق الحلم ؟ أم سيموت مع موت قائده!؟
هل سيصل العدو بعد ذلك  إلى أهدافه!؟
والى متى ستظل هيمنة الغرب على الشعوب العربية !؟
أنها مسائل معقدة، أحاول نسجها بين الواقع والخيال....
لكن ها هي المدينة اليوم تنتقل لمضاجعة السياسة من جديد، هذه المدينة التي كادت أن تنسى الاحتلال في عهد هذا الرجل..
كادت أن تعيش ملذات الحياة.....
كاد أن يزدهر فيها الاقتصاد....
أتخيل اليوم أنها ستدخل معارك السيطرة التنظيمية لتتعلق بعنقود العبودية،
بعد أن أصبحت المدينة كإغراء بدون ذكرى، ترقص بأثواب متعددة....
 تقف في مواجهة السيف الذي يغلق أبوابه.... .
2005

قصص لمدينة/ هدلا القصار

كانت أفكاري تائهة مشلولة تتمايل كخريف الأشجار..
تتأرجح كغواصة في عمق البحر....
حين سمعت أصواتً من قبب المساجد تدعو للصلاة، بينما ارسم الحاضر بأصابع الذكرى وسط السواد، إلى أن استدرجتني الذاكرة حين أتيت للمدينة السرية، وللأمل الساخر حيث انسحبت أطراف التاريخ الذي عرفته، ليصبح الماضي كصوت البوق اسمع صفاراته....
التفتت ويدي! بحركة بليدة من خلف زجاج العربة أشير للوطن بنظرات متمايلة مودعة الذكرى...
كلما اقتربت القافلة من المدينة
كلما ابتعدت رائحة الصنوبر عني
وانتشرت رائحة الأزقة والشوارع
قيما تقطع القافلة أميالا وأميالا صحراوية، إلى أن  وصلت إلى هذه المدينة التي امكث فيها اليوم  .
هذه المدينة التي لم أكن اعلم عنها إلا القليل، أو بالأخص لم اعرف سوى تاريخها القديم . حيث وجدت نفسي كالحية أدفء نفسي بالطمأنينة بين خيالات الليالي التي تفتقد للفوانيس الملونة كما رأيتها في بعض البلاد التي زرتها، والتي كانت تضيء الليل لتحيي عشاق الكسل فيها .....
هنا استبدلت الفوانيس بالبشر الجالسين عند عتبات البيوت وهم يتكلمون بصوت مرتفع، معبرين عن سعادتهم بقدوم أبنائهم العائدين من الشتات، والموزعين بين المنافي العربية والأجنبية .
في هذه المدينة التي تحمل ألواح الموت على أكتافها كل يوم، لا تستقر فيها روح الطفولة، كما لو أنها أصابع العبقرية تولد لتموت .
بعد بضعة أيام ذهبت صباحاً لأزور قبر بعض الأشخاص من بين الذين سمعت عنهم ولم أراهم من قبل أو أتعرف إليهم فيما مضى، هنا في هذه المقبرة
لوحات لقبور ...
وقبور بلا ألواح
وقبور ليس لها حتى أسماء
أسوار محطمة
مخربشة
ومهدمة .....
شردت عيناي في القبور العارية، مما أثار خيالي حول سكانها، وكأن الأموات فيها سيخرجون أو يظهرون من نحت التراب عند أول عاصفة هوجاء تنسف الرمال من فوق جثثهم  .
هربت من خيالي، وعدت إلى المنزل في حالة من الاهتزازات الملم شرودي, او كالجراد حائرة ! أفكر بالوجوه الجافة والحزينة، وأسال نفسي كيف لو مت في هذه المدينة هنا من سيعرفني؟!
وهل سيأتي أحدً غيري يذكر العالم بمعاناة تلك المقبرة؟
إن الناس يعيشون هنا في حالة من الخوف والتساؤلات الدائمة.. .
جلست بتأملات واسعة ولاذعة.... أسال نفسي، كيف يمكنني أن أتغنى في خواطري وصوري؟! بهذه المدنية الغير صالحة للفرح .....
بينما كنت جالسة استنشق رطوبة الليل وأطلق لنفسي العنان، مستغرقة في ملاحظاتي... متكئة راسي على يدي... 
تعرق وجهي...
دمعت عيناي...
بكيت!  بكيت لحسابي وليس لحساب احدَ سواي، إلى أن رحل ضوء القمر من نافذتي لأغفو على أمل أن اصحوا على رؤية أشياء مفرحة فيما بعد  .
هنا في هذه المدينة حياة البشر ليست كالبذور تنمو لتعيش، أنهم مجرد تكملة للسابقين، كي يكتبوا على الجدران والطرقات العزاءات، والأفراح، والمستقبلين، والمودعين، والراحلين منهم  .
لم أكن اعلم أنني سأكتب يوماً عن هذه الأشياء لكنت احتفظت ببعض الأسماء المكتوبة على تلك الجدران، التي ما زالت كالخيال في راسي، لكني سأحاول حصر تلك المشاهد دون التملص حتى من الأشياء المحزنة والتي قد تلقي بي في غمرة أكثر حزناً....
إن تلك السياسات المأساوية التي تعيشها مدينة غزة تلغي الأمل من نفوس البشر....
 فالبعض منهم يتغني بالماضي،
والبعض الآخر يلعن الحاضر...
أن " هذه المدينة لا يمكث فيها زائر ولا يطأ فيها عابر"  كما قال بعض المواطنين اللذين لم يخرجوا من الوطن .
من داخل مربع الشارع في منطقة "الشيخ رضوان "اسمع صراخ الأطفال يأتي من خلف الجدران، كأصوات الفئران الصغيرة...، والطرقات تختنق بتنهدات
 المارة التي تكاد أعضائها تقص عليك قصص الآلام .....
عالم ممزق من الخلف ...
أصوات مرتفعة بحناجر الرفض..
عاطفة ممزوجة بقلق يعلو الوجه...
براءة ضئيلة تشير لك بالصمت...
أنوثة النساء تحجبها الألبسة الزائدة...
خشونة الرجال مطبوعة بمشاكساتهم اليومية.....
بينما تشعر بابتسامات النميمة تعلو مع تنقل نظراتهم البشر كما إن الجميع هنا متساويين في ملامحهم الحزينة، والمتصنعة بالفرح...
ما زلت ابحث عن الفرح داخل البيوت المدهونة بالألوان القاتمة، والثياب المعلقة على امتداد خطوط أسوار المنازل، وكأنها تحمل طباع أصاحبها ومزاياهم.. .
بينما آخرون يرقصون في صالات الأفراح المخصصة للمناسبات،  يحاولون إخراج أحزانهم مع ارتفاع صوت الموسيقى، يطلقوا عبارات نكاتهم، وكلماتهم المزدوجة المعاني، دون وضع حواجز لتصرفاتهم، يطلقون ضحكاتهم بما يناسب ملابسهم المزخرفة، محاولين صراخ بهجة أشكالهم من خلف المطابخ والمشاحنات اليومية .
قضيت أيامي الأولى بين الزائرين، والمتعارفين، والمتطفلين، والمتفرجين، وهم يتكلمون بأحاديث سطحية، وبنصف ابتسامة خاصة لأشكال البشر، والوجوه الغير المألوفة من العائدين، كان هذا ما يثير غضبي الداخلي  .
هربت في أحد الأيام من فوضى الجدران لأتعرف على بعض الأماكن في المدينة، وأقتل جميع الأسئلة التي أصبحت كاختناق البحر في هديره... .
ولأدخل فلسفة التاريخ، بما أن الإنسان عامة لا يرى كل الأشياء على الخرائط، وإنما بالمخالطة والتجارب . لذا قضيت عدة سنوات وما زلت أحاول التجانس مع طباع هذه المدينة التي ما زلت اجهلها وما زالت تجهلني... .
وبينما تسترسل الأسئلة في داخلي عن المخاطر التي تهدد هذه المدينة.... راودتني الأفكار عما يريد هذا العدو المحتل من الشعب الفلسطيني؟! والى اين يريد ان يصل ؟!ا وماذا يريد من هذا الشعب أكثر من ذلك !؟
ألا يكفي انه يمتلك سماء غزة، وثلث أراضيها؟؟!!
إلى أن تزاحمت الأسئلة في خاطري حول سبب مجيئي إلى هنا، كنت طوال الوقت اشعر أن أحداً ما وراء قراري،! نعم هذا ما شعرت به في هذه المدينة، بينما ابتعد أمتاراً عن رجلَ واحد أحببته كثيراً من بين أبناء هذا الشعب...
أحاوره دون أن يسمعني ...
يحاورني دون أن اكلمه....
يأمرني بالقناعة والصمود...
له سحرًَِ ألحقني به أينما ذهب ....
سمعته
 رايته
 دون أن أقف أمامه...
كانت صورته تطمئنني، تشحن في صدري قوة التحمل، كلما رايته عبر التلفاز، أو سمعته من خلال الإذاعات التي تبث هدير نبرة صوته في أرجاء جسدي، كلما تكور الخطر حول أبناء شعبه...
ترتجف الكلمات بين شفتيه...
تبرق عيناه المدورتان ...
تلوح يداه بإشارات الغضب...
كان هو رئيس شعب هذا الوطن "ياسر عرفات" القائد الذي لم يكن يعرف اليأس، ولا الاستسلام...
لم أكن اعرف عنه الكثير قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان... . كنت في ذلك الحين قد تزوجت رجلاً من شعب هذا القائد لأدخل عالم "الرقم الصعب" عالم الشتات والمعاناة كمن سبقني من النساء  .
كان زوجي طوال الوقت يحاول إن يشرح لي عن تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته...، هناك أشياء لم أكن اعلم عنها، وأشياء لم أكن استوعبها، لكن الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أتكلم عنه! هو ما رسخ في ذاكرتي من ذلك العدوان الإسرائيلي حينما فرض سيطرته على أهالي بيروت لإخراج هذا القائد وجنود أمته من لبنان من خلال حذف المناشير المرمية من طائرات العدو، الرافضة لوجود الشعب الفلسطيني في لبنان ....، وبالقصف المتواصل على مدينة بيروت ....
رويداً رويداً وجدت نفسي أتعاطف أكثرً وأكثر مع هذا القائد وشعبه حتى لو اختلفت مع البعض في بعض المسائل  .
لكن اليوم أصبحت ساعة الزمن أكثر وضوحاً بالنسبة لي، بعد حصار الرئيس في الضفة الغربية...،
في هذا الوقت حاولت أن اجمع جوانب التاريخ، ومعالم الأوضاع فيه، رسمت على وجهي ملامح الضياع بقلق شديد، حيث راودني حلم العودة إلى الوطن من جديد لو حصل مكروه للرئيس القائد ابو عمار، بعد محاصرته من قبل العدو المحتل، إلى أن أصبحت حياته مهددة ... هذا القائد الذي خرجت معه من لبنان إلى سوريا إلى قبرص وصولا إلى مدينة غزة  .
هنا رأيت جميع أنواع الصور، والتناقضات والخرافات الخ ، لكن  لم ينل من عزيمتي التحول أو الهروب ...، وما زلت احرص على نفسي وعلى هويتي....، لكني اليوم أحاول البحث عن طير يقودني خارج هذه الحدود  .
يكفي أن عواطف البشر قد جمدت
يكفي معاناتي التي قلدت بالأحزان كفراغ أصبعي من الخاتم  .
انتهي كل شيء بالنسبة لي هذا ما كنت من اكتئاب ذلك اليوم الذي أعلنت استسلامي فيه ... بعد أن حاصرت الحكومة الإسرائيلي الرئيس القائد الفلسطيني،  في مقره ومنعته من مغادرة مدينة رام الله في الضفة الغربية، إلى أن ساءت صحته والتزم فراش المرض المفاجئ بعد ان ظهرت عليه علامات التدهور الصحي الشديد كما اعلن أطباؤه، انه يعانى من ضعفاً عاماً .... مما أدى إلى ضعف جسماني كامل، وتم نقله الى باريس مستشفى بيرسيي 29 اكتوبر 2004  .

المهم أنني دخلت هذا التاريخ وهذه الحياة وانتهى كل شيء، إلى أن توقف كل ما ورد في خاطري في تلك اللحظة التي شعرت فيها بخطورة السنين القادمة... وكأن  أتاني شبحا ليخبرني ماذا سيحصل بعد سنوات عدة إذا توفي هذا القائد الذي يحمل صفة العجوز الشاب .... الرمز لحركة نضال الشعب الفلسطيني.. ياسر عرفات .
في هذا اليوم تحديداً 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، نهضت من سريري بين الوعي واللاوعي، ساعة أشعلت التلفاز دون هدف لأقتل قلقي وتوتير الذين أيقظاني، وساعة العب بأزرار المذياع... لكني لم اسمع سوى صوت الصمت صمت جميع المحطات وكأنهم في ترقب عام او صدمة أسكتت جميع المحطات التي زادت من قلقي وتساؤلاتي وشعوري بالخطر القادم .....!!
الى ان خرجت من المنزل دون هدف مترنحة النظرات دون تركيز انظر هنا وهناك....
فوجئت بصورة المدينة التي لبست  حلة السواد
أملئت السماء برائحة الحرائق المتصاعدة !
هنا تحمل الناس الإعلام الفلسطينية... !
وفوق أسوار الشوارع شرائط سوداء...!
أعلام تخرج من نوافذ السيارات..!
أعين الناس منتفخة من البكاء...!
نساء تمسح دموعها بأغطية رؤوسها ...!
رجالاً بذقون ذابلة..!
كانت الشوارع مكتظ بالبشر...  لم أرى منهم سوى وجوه محنية  في تلك اللحظة، كانوا  كالأشباح يلتفون بالحطات السوداء/
نظرات تائهة/
وجوه مختلفة/
مغتسلة بالتساؤلات/ 
المتاجر مغلقة /
والمحلات فارغة !
كانت صرخات البنادق تطلق من كل زوايا الشوارع والبلكونات والشبابيك ....في كل بقعة من مدينة غزة...
علمت أن قلب القائد قد توقف، كنبض محبيني في الشريان، ولم يعد يتكلم سوى حزن الرصاص والشوارع والسيارات التي كانت تسير سيراً  مترنحاً دون هدف ....
زحفت جموع البشر كالنمل التفوا حول مقر الرئيس القائد أبو عمار، في مدينة غزة
 ليتلمسون وجوده...
يشعرون برائحته...
 ليسمعون هدير صوته ...
جثته التي ما زالت  في باريس، وما ذلت انظر شرقا وغربا شمالا وجنوبا، إلى أن امتلأت الشاحنات التي لم أرى من نوافذها سوى البنادق المقوصة .....
سافرت عيناي لعام 1982، بصور متشابهة عندما كان وداع أبو عمار، في كل شارع من شوارع بيروت حيث الأهالي يودعونه بالزغاريد ورش الأرز، والرشق بالورود، على أمل اللقاء به يوما ما .
أما اليوم فالرصاص يطلق من اجل الوداع الأخير .
اليوم اغتيل من رسم في قلبي ...
اغتيل ما تبقى من فرحي ....
مع موت العزيز القائد ياسر عرفات
كان بكائي كاختناق الخنجر في الجسد.....
اليوم لحق أبو عمار بولدي الأول ..
كانت صدمة فراقه كفراق كل أحبتي الذين فارقوني وفارقتهم، وكأنهم اتفقوا جميعاً ومعاً على تركي وحدي أتعارك بقية عمري .
شعرت وكأن كل شيء قد انتهى، وان السياسة التي يريدها هذا الرجل لن تأتي....، لذا انتابني شعوراً بالخوف من المجهول  .
إن القائد اليوم يمضي إلى أعماق الأرض لنسمع أنين روحه.....، فكيف يمكنني  أن التحق بذيل كوفيته.... ! ؟
هل يمكن للإنسان أن يعلم ماذا سيحدث بعد اليوم؟
جلست أتأمل أدوات القتل التي يستعملها العدو والإسرائيلي !
من سينجح من بين هذين الشعبين؟
ومن سيلحق بالآخر؟
هل سيتحقق الحلم ؟ أم سيموت مع موت قائده!؟
هل سيصل العدو بعد ذلك  إلى أهدافه!؟
والى متى ستظل هيمنة الغرب على الشعوب العربية !؟
أنها مسائل معقدة، أحاول نسجها بين الواقع والخيال....
لكن ها هي المدينة اليوم تنتقل لمضاجعة السياسة من جديد، هذه المدينة التي كادت أن تنسى الاحتلال في عهد هذا الرجل..
كادت أن تعيش ملذات الحياة.....
كاد أن يزدهر فيها الاقتصاد....
أتخيل اليوم أنها ستدخل معارك السيطرة التنظيمية لتتعلق بعنقود العبودية،
بعد أن أصبحت المدينة كإغراء بدون ذكرى، ترقص بأثواب متعددة....
 تقف في مواجهة السيف الذي يغلق أبوابه.... .
2005

ودائما النهاية كما عودها القدر/ إيمى الاشقر

قصة قصيرة

حينما كانت غارقة فى بحر الحزن والالم و امواج الندم المتلاطمة تحملها تاره الى شاطىء العذاب و تاره تلقى بها على  الماضى العنيد الذى التف حول عنقها و كاد ان يفتك بها و خيبة الامل عالقه ملتصقه بثيابها و دوامة الاحباط تجذبها بكل قوتها الى قاع بحر يأسها امتدت يده نحوها من المدى البعيد و كان اللقاء فى الفضاء بين الارض و السماء لم تتلامس الايدى و لم تتلاقى الاعين و من خلف السحب والغيوم الكثيفه تلاقت الارواح و تعارفت و اقتربت بقوه و امسكت بيديها الصغيرتين يده الكبيره الحنونه عشما ان تجد بها الحب و العطاء , منحها الحب و حاصرها بخوفه عليها و حرصه الشديد على قلبها و وعدها بكل مايسعدها , و بعد ان كان الجفاف يحيا و يسود جوفها اسقها حتى ارتوت و فاض عليها بالحنان كالشلال و انساب عطاءه الى وجدانها فاورقت و تفتحت زهور كيانها فغرقت فى بحر حبه و بات منبع الامان و الحنان فعاشت فى قلبه تحيا بروحه و حبه هو نبض قلبها و بات الدم يجرى فى وريدها بعد ان كاد الياس يحطم حياتها و كانت رغبتة فى فك رموزها و ازاحة الستار عن الماضى ترافقه مع كل لمسه حنونه من قلبه , كان كوكبا  يدور حولها ليل نهار راغباً فى  ازاحة الستار !! و لانها عشقته حقا فتحت قلبها له و تحدثت صدقا و سقطت سدائل الليل السوداء من امام عيناه و  انكشفت الغيوم و لم تعد مبهمه بالنسبة له و لم يعد شخصها رمزا لاسرار كيان غامض , فرحل الليل و اشرقت الشمس لتعلن نهاية قصة الامس و بداية يوم جديد تحيا فيه وحيده كما كانت فى الماضى قبل اللقاء و لم يكن يوما جديد على وجدانها فلقد عاشت مثل هذا اليوم مرات و مرات عده فالقصه لم تكن احداثها بجديده بل هى نفس الاحداث التى اعتادت عليها و بنفس النهايه , الوداع و الفراق هما الواقع المحتوم طالما ان اللقاء كان خلف الغيوم
 والتقط الزمان صوره لها و هى تائهه باحثه عن ضالتها و الصقها على جدار عمرها  لترافقها عند عودتها الى بحر العذاب من جديد , و ان اختلفت البدايات دائما النهاية كما عودها القدر .
إيمى الاشقر
مدونتى : لا استطيع النسيان http://emyalashkar.maktoobblog.com/

الرحيل/ عبدالقادر رالة

قصة قصيرة
   أمرت أمي أختي الصغيرة أن تنطلق الي خالتي وتطلب منها أن تسرع الي بيتنا الجديد، ستجد جدتي في انتظارها وأيضا ابن عمي.. وعليها أن تنظف غرفة المطبخ وصالة الضيوف جيدا بالماء...
   وما هي الا لحظات حتى سمعت أزيزا خارج البيت، لقد وصلت شاحنة خضراء اللون.. شرع والدي والسيد ميلود ينقلان اليها الأواني والأفرشة وكان سائق الشاحنة يساعدهما....
   أما الجيران فواقفون ينظرون بصمت...فرحين وفي نفس الوقت حزناء ،اليوم يرحل جارهم الطيب الى بيته الجديد...
   وصل الخصام بين والدي وعمي الى ذروته ، وصارا دائمي الشجار لسبب أو دونه ولولا تدخل جدتي بينهما لكان الخصام انتهى الى اقتتال بالمديات! فاقترح السيد ميلود أن يعطي والدي غرفة فارغة اضافية لا يحتاجها ، يسكن فيها حتى ينهى منزله الجديد...تردد والدي في البداية ثم رفض بشدة...كيف تعيش أمي في منزل رجل لا تعرفه؟ وكيف يسكن هو مع زوجة ميلود التي لا يعرفها! هذا غير جائز ولا يكون...ميلود مجرد صديق تعرف عليه أثناء الخدمة الوطنية ! لكن ميلود ألح عليه بشدة مرارا وتكرارا قائلا: أنا لا أعتبرك صديقا وانما أخا .. أخ حقيقي! ولا أنسى أبدا تلك الأيام الجميلة التي قضيناها في القبة و بوغار ..أنت انسان طيب لا أريد  أن يشمت بك! الغرفة واسعة ... تكفيك أنت  وزوجك وأمك وطفليك .. أرجوك اقبل.. وأنا متأكد انك سترحل الى منزلك الجديد قبل أن يكمل العام دورته!...
   وما أذهل والدي أن ميلود رفض بقوة أن يتقاضى ثمن الكراء ولو سنتيما واحدا، بل غضب لما مد له والدي مسبق ثلاث أشهر!.. كانت جدتي دائما تمدحه وتصفه بالإنسان الأصيل! وابن العائلة المحترمة، وتدعو له بالخير والبركة له ولأولاده!...
   تفقدت أمي، ليست في الغرفة ،أين ذهبت؟ تخطيت الحوش نحو الجهة التي يسكنها ميلود وعائلته... تناهى الي صوت أمي تبكي كأنها طفلة صغيرة! ونفيسة زوجة ميلود تكفكف لها دموعها...
ـ ألم أقل لك يا زينب ،سيكون لك بيتك الخاص لك ولأولادك! مثل كل النساء.. كنت دائمة التشكي من زوجك وخائفة أن لا ينهى بناء المنزل...ها أنت اليوم راحلة الي بيتك الجديد!
ـ يعز علي كثيرا فراقك يا نفيسة ! السيد المحترم زوجك كان أفضل من الأخ الذي ينجبه البطن الواحد! وأنت كنت أفضل من الأخت ..وأفضل من زوجة حموي .. مهما قلت ومهما فعلت فإني لن أستطيع أبدا أن أوفيك حقك!... ولا أعرف لا أنا ولا زوجي كيف نرد أفضالكما علينا وعلى ولدينا الصغيرين!
ـ لا تقولي مثل هذا الكلام ! لما أخبرني زوجي بأنه سيعطي الغرفة الفارغة لفلان...زوجك أعرفه ...أكثر الناس احتراما في المدينة...  هادئ و ودود...لم أعترض...وعلينا نحن الكبار دائما التفكير في الاطفال الصغار الذين لا ذنب لهم في الصراعات العائلية!...
دخلت الغرفة...فوجدتهما متعانقتان...نظرت إلي نفيسة :
ـ أنظر يا لطفي الى أمك بدل أن تبتهج فإنها تبكي!
 ارتميت بين أحضانها أقبلها ....
ـ أنا أيضا غير سعيد لأننا سنفترق! ..أنت...السيد ميلود.. بن علي ..كريم...خير الدين الصغير ...كنا عائلة واحدة... بن علي  أخي الأكبر.. وكريم أخي الأصغر... ما أصعب الفراق يا خالتي نفيسة!  حاولت نفيسة أن تحبس دموعا فلم تستطع .... 
ـ هذه هي الحياة يا بني! من يسمعك تتكلم يعتقد أنكم راحلون  الى فرنسا أو الهند! الحي الجنوبي  فقط...وبإمكانك أن تزورني في أي لحظة!
   لما عدت من الشارع وجدت السيدة نفيسة عندنا ... وقبل أن أحييها وأقبلها صرخت في وجهي:ـ أيها الذئب الصغير! نسيتنا بسرعة ! لماذا لم تزرنا؟  ثم توجهت بالكلام الي جدتي
ـ يا عمتي غنية! ما أصعب الحياة بدونكما ، أنت والسيدة زينب.. أصبحت وحيدة لما رحلت وتركتموني ،البيت كله مظلم !
اغرورقت عينا أمي بالدموع....
ٌقلت أنا :ـ سنعود الى غرفتنا القديمة...هذا الحي سيء ، الجيران أشرار غير طيبين !! وكذلك أولادهم...
 وانفرجت أسارير السيدة نفيسة على ابتسامة واسعة ....
عبدالقادر رالة/ الجزائر

خيالات الظلمة/ أمل جمال النيلي

فجأة بينما كنت جالسة أشاهد التلفاز انقطع النور ، الصمت ساد ، والظلام حالك ، اسمع صوت أنفاسي تدوي بأذني.
في البداية استهوني الجلوس في الظلمة ، دقيقة تلو الأخري لكني لم أعد أحتمل .
بحثت بين الأدراج عن شمعه تضيء ظلمتي ، الدرج الأول .. الثاني .. الثالث أخيرا وجدت الشمعة .
انرتها وجلست ، ما هذا الصمت ، أليس له من نهاية ، أمسكت هاتفي وشغلت الأغاني لعلها تخفف من هذا الصمت الكئيب .
لكنها لم تجدي ، مازال الصمت والظلمة هما السيدان ، وأنا عبيدة وقعة تحت سيادتهم .
بدأت الأوهام تجتح كياني ، بدأت مخيلتي في توهم الكثير من الأشياء .
حينما كنت صغيرة كنت أخاف الظلمة ، أخاف ثعبان الظلمة ، سيظهر وسط الظلام ويلتف حولي ويقتلني .
حاولت تخطي هذا الوهم الذي مازال يتعقبني ، حملت الشمعة وذهبت لغرفة النوم لأريح جسدي ، لعلي أرتاح من هذا الوهم ، أغلقت الباب وجلست علي السرير .
لمم أتصور يأتني خوفي الأكبر ، وحش الدولاب ، أيعقل بعد كل هذه السنين مازالت أخافه ترك باب الدولاب مفتوح .
أتخيل مصاص الدماء سيخرج منه ، سيسلبني روحي لأكون عبيدة له ، مخاوف لا تنتهي .
ـ لا تخافي سيأتي النور في أي لحظة .. سيأتي .
فجأة سمعت خطوات أقدام ، تقترب شيء فشيء ، تتقدم نحوي في ثابت .
أنفاسها تعلو ، أسمعها بوضوح ، لا شيء احتمي خلفه ، أيعقل تتحول مخاوفي لحقيقة .
فجأة توقفت ، يد تدير مقبض الباب ، يا إلهي ، يديره ببطء ، فجأة انفح الباب ، اغمضت عيني وصرخت بصوت عالي :
ـ لا .. لا تقترب .. لا ..
دقات قلبه اسمعها ، أنفاسه تقترب ، حاولت تهدأت نفسي ، 1-2-3-4-5.
ـ منة ماذا تفعلي في الظلمة ؟.
ـ ماذا ؟.
فتحت عيني لأجد مازن زوجي .
ـ ياالله .. كدت أموات من شدة الرعب والخوف .. اخفتني ..
ـ لما تجلسي في الظلمة ؟.
ـ انقطع النور بينما كنت أشاهد التلفاز ، أنرت الشمعة وجئت للغرفة لأريح جسدي .
ـ من الواضح أنك نسيتي تفتحي نور المصباح .
ـ ماذا ؟ ! ........

كيف يكون الفرار؟/ إيمى الاشقر


حينما كانت طفله صغيرة كانت رقيقة الملامح و الطباع راقيه فى جوهرها و اسوبها , عذبة الصوت , تختلف فى تركبيتها الظاهر منها و الباطن عن كل افراد عائلتها و كانها تنتمى لعائله اخرى !! , و رغم انها طفله بريئه الا ان عيناها كان يسكنهما حزنا كبيرا و كانها عيون امراه كبيره اكل الدهر عليها و شرب !! فلقد حرمها القدر من الاب .. لم يكن متوفياً بل كان على قيد الحياه لكن الانانيه كانت متجسده فى شخصه و الهمجيه و العدوانيه هما منبع اخلاقه و الام كانت مثال للسلبيه و ضعف الشخصيه و بينها و بين التخلص من سلبيتها بحور يليها سدود !! لقد زرعها القدر فى اسره تحيا بقانون الغابه و منطقها , فكان الكبير يفرض سطوتة على الاصغر منه و الصغير يظل تحت مظلة الخوف و الضعف حتى يصبح كبير فيمارس نفس الاساليب العدوانيه التى كونت الاركان الاساسيه لعقله فى الماضى مع الاصغر منه و هكذا ..! و كانت بينهم تائهه التعجب يحيا بداخلها و يسود ! كانت عندما تنزل الى الشارع كان الجيران يمزحون معها قائلين .. انتِ لستِ ابنة هؤلاء بل ابنة اخرين , لكن هذا الحديث لم يمر على اذنيها فحسب بل انساب الى وجدانها بقوه و كانها غارقه امسكت فى يدها القشه التى ربما تنقذها ؟! و سكن به و بات الحلم الذى تمنت بكل كيانها ان تراه على ارض الواقع يوما ما و مرت السنوات و هى تحلق فى سماء الانتظار و النفور و الاشمئزاز و الرغبه فى الفرار تعلو و تعلو حتى باتت جبال شاهقة الارتفاع تعلو فوق قلبها الذى احرقته نار الظلم و العدوانيه !! و لكن الحلم انساب من بين اصابعها كحبات الرمال فلقد ايقنت حينما انتُزعت منها طفولتها و اصبحت اكثر نضوجا ان حديث الجيران كان مجرد مُزاح لا اصل له الا انهم حقا يرون انها تختلف عنهم !! و لكنها لم تقتل الامل بداخلها بل باتت تحيا فى انتظار فارس الاحلام الذى ياتى و ينتشلها من هذا العالم الى عالمه الذى تجد فيه روحها التائهه  و تحيا بالحب فى قلبه , و لكن خيبة الامل هى نهاية كل امل شيدته على كل رجل اقتحم حياتها بهدف فك رموزها و إزاحة الستار عن ما بداخلها و ليضع يده على سبب الحزن الذى يملأ عيناها و لغة الصمت التى تحيا بها ,وحينما يصل الى هدفه يرحل عنها !! تاركها غارقه فى بحر بلا  شطأن من الياس و الاحباط , و مرت السنوات و رحلت عنها اجمل سنوات الشباب سنه تلو الاخرى وهى فى انتظار القلب الكبير الذى يحتضنها و العقل المستنير الراقى الذى يحتويها وبعد ان اختبئت اجمل سنوات عمرها فى طيات الزمن , الغيوم حجبت ضوء القمر , و طال الليل , و تلاشت شمس الامل فى الافق  و مازالت تتسأل .. كيف يكون الفرار ؟؟؟؟؟ .

إصدار جديد لصبري يوسف بعنوان: صراعُ الحضارات، قباحةُ القباحات

صبري يوسف ـ ستوكهولم

صدر كتاب جديد للأديب والشَّاعر السُّوري صبري يوسف عن طريق دار نشره في ستوكهولم بعنوان: "صراعُ الحضارات، قباحةُ القباحات"، ضمن سلسلة إصدارات "مقالات أدبيّة سياسيَّة اجتماعيّة" 2، ويتضمَّن الكتاب ثماني مقالات، حملت العناوين التَّالية:                                            
                                
"رسالة مفتوحة إلى رئيس أميريكا الجديد باراك أوباما"، "العراق بلد الحضارات، إلى أين؟!"، "أيّها الإنسان إلى أين؟!"، "عربٌ ما بينَ الهواءِ والهواء"، "فشلَ الرَّجل في قيادة الكون إلى برِّ الأمان!"، التَّواصل الفكري والإنساني معيار حضارة العصر"، "العراق، مرحلة ما بعد الجنون!"، "صراعُ الحضارات، قباحةُ القباحات.".                                                                       
أهدى الكتاب إلى العراق القديم وبلاد الشَّام
إلى بلاد مابين النَّهرين، إلى وادي الرَّافدين، إلى حضارة سومر وأكَّاد وبابل، إلى حضارة كلدو آشور السُّريان، وإلى الحضارة الآراميّة في بلاد الشَّام! وإلى كلّ إنسان حضاري يدافع على حضارات الإنسان على وجه الدُّنيا!

قصة سد الكوت/ صالح الطائي

نشأة مدينة
واسط التاريخية منطقة جغرافية شاسعة قديمة مأهولة منذ العصور السحيقة وتكاد لا تخلوا من البشر عبر التاريخ، فهي الناهضة النائمة الجالسة القائمة. فكم من مرة علا شأنها وكم من مرة استحالت خرابا وترابا.
أما في العصر الإسلامي ففي عام 78 هجرية قرر الحجاج بناء مدينة تتوسط المسافة بين الكوفة والبصرة ليجمع فيها جيوشه بغية التحرك لوأد أي حركة ثورية معارضة، وشاءت المصادفة أن يختار ذات الموقع التاريخي القديم، وأنجز بنائها عام 86 هجرية فتحولت إلى واحدة من أشهر المدن الإسلامية التي تركت بصمتها واضحة على التاريخ.
بعدها وكالمعتاد تاريخيا تعرضت واسط إلى الإهمال والنسيان فضمرت وماتت أو كادت، وتحولت إلى أنقاض وخراب، ولكنها لم تخل من مجاميع من السكان هنا وهناك.
في زمن الاحتلال العثماني الغاشم للعراق وبعدما أنشأت شركة لنج البريطانية خطها الملاحي لنقل البضائع بين الموصل والبصرة واتخذت لها موانيء في مناطق محددة على ضفة نهر دجلة، شاءت المصادفة أن يقع أحدها في منطقة الكوت المعاصرة، فبدأ أهالي القرى القريبة من الميناء يجلبون منتجاتهم الزراعية والغذائية لبيعها للبحارة وعمال الميناء ثم ابتنوا صرائف قرب الميناء يلجأون إليها أثناء الحر أو البرد والمطر وبعدها سكن بعضهم هذه الصرائف بعد أن جلبوا عوائلهم، ثم توسعت وتحولت إلى مدينة فطرية عشوائية بسيطة نمت وتطورت وتحولت إلى مدينة شابة فتية مثل كثير من مدن العراق من حيث البنية التحتية والتركيبة السكانية.
وبعد انهزام الترك وقيام الدولة العراقية الجديدة، استهوت الكوت ملك العراق المغفور له فيصل الأول الذي زارها في العاشر من نيسان سنـة 1922 واجتمع إلى وجهاء المدينة وشيوخها الذين تحدثوا معه عن شحة الماء وجدب الأراضي الواسعة بسبب عدم صعود مياه دجلة إلى نهر الغراف في أيام الصيهود الذي يحدث في منتصف العام ويمتد إلى موسم الخريف، فوعدهم خيرا وقال جملته المشهورة: (لا مشروع قبل الغراف) ومن هنا بدأت قصة بناء سد الكوت.
الموقع والمناخ
تقع الكوت على نهر دجلة الذي يحيط بها من الشرق والغرب والجنوب ليحولها إلى شبه جزيرة. وفي الكوت تتفرع من دجلة عدة انهار:
الغراف، وشط الشطرة، والدجيلي، وشط البدعة، معيكيط، نهر قيس، نهر زوفر، نهر ابو حمار، نهر الحسينية، نهر المزاك. فضلا عن أنهار أخرى جفت منذ زمن طويل مثل نهر سابس الذي ينسب إليه الإمام السابسي من أولاد الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام
الكوت منطقة سهلية مناخها انتقالي بين مناخ البحر الأبيض المتوسط والمناخ الصحراوي الحار والجاف. أمطارها قليلة وحرارتها عالية، وتبدأ الحرارة فيها بالارتفاع اعتبارا من شهر آذار وتبلغ ذروتها في شهري تموز وآب وصولا إلى أواسط أيلول. وبسبب الظروف الطبيعية والموقع الجغرافي تميز الري فيها بانقسامه إلى عدة طرق منها: الري سيحا، الري بالكرود والنواعير، الري الآلي: بالمضخات والمكائن، وأول ماكنة ري دخلت الكوت عام 1922 بقوة 15 حصان. هذا وقد أنقرض النوع الأول بسبب انخفاض مستوى الماء في دجلة، وانقرض النوع الثاني بسبب عدم جدواه وبسبب دخول المكننة الحديثة في السقي، وبقي القسم الأخير يستخدم بنفس الطرائق التقليدية القديمة التي تتسبب بهدر كميات كبيرة من المياه.
حلم الملك
أما سدها الكبير أو ما يعرف بسد الكوت أو (سد الغراف) فهو واحد من أهم السدود العراقية والعالمية نظرا لموقعه وتصميمه وطريقه إنجازه وقدرته على التحكم بحركة الماء. والسد لغة: هو الحاجز بين شيئين والبناء في مجرى الماء ليحجزه. والسدود بعضها يحمل صفة المذكر ويسمى (سدا) وهو السد الكبير الذي يبنى لخزن المياه وتنظيم سيرها وتوليد الطاقة الكهربائية في بعض الأحيان. وبعضها يحمل صفة المؤنث ويسمى (سدة) وهي أصغر كثيرا من السد ولكنها لا تقل عنه أهمية.
بتاريخ 29/ آذار 1939 أعترف الملك غازي في حفل افتتاح السد أن بناء سد الكوت كان حلم الملك فيصل الأول الذي صمم على إنجازه قبل أي مشروع آخر. أما لماذا أسماه الملك فيصل بهذه التسمية فلأنه يقع عند تفرع نهر الغراف الذي يتفرع من دجلة بعد مرور الأخير بالكوت
أهمية سد الكوت
سد الكوت واحد من مجموعة سدود ونواظم وبحيرات تم إنشاؤها على امتداد نهري دجلة والفرات لتنظيم حركة المياه وتلافي مخاطر الفيضانات التي كانت تتهدد المدن.  وتأتي أهميته من كونه:
1-  يتحكم بتقسيم المياه لأربع محافظات هي واسط وميسان وذي قار والقادسية
2- يوفر مياه الري لأكثر من 2.8 مليون دونم زراعي
3- يعد اكبر مشروع أروائي في جنوب العراق
4- يؤمن أرواء مشاريع نهر الغراف، وري الدجيلة والدلمج والجهاد والبتار
فكرة بناء السد تاريخيا
الظاهر أن فكرة بناء سد في هذه المنطقة الجغرافية فكرة قديمة جدا ترقى إلى عمق تاريخ الكوت وتعود المعروفة منها إلى أيام سيطرة الفرس على العراق، فقد ذكر الأستاذ محمد علي الصوري في كتابه (الإقطاع في لواء الكوت) أن كسرى أبرويز الفارسي أمر بتكسير دجلة عند (الخيزرانة) بعد أن أخذت تتحول نحو المجرى الغربي الذي يسير نحو واسط بغية إعادة المياه إلى المجرى الشرقي الذي يسير نحو العمارة .. ألا أن تيار المياه خرقته وجرت المياه في المجرى الذي أنشئت واسط على ضفافه" والظاهر أن هناك من سبق أبرويز هذا بالاهتمام بمسألة البثوق التي تحدث في هذه المنطقة، وهو ما تحدث عنه الدكتور احمد نسيم سوسة في كتابه تاريخ حضارة وادي الرافدين بقوله: " قباذ فيروز (488- 531م ) في عهده حدثت بثوق في ضفاف نهر دجلة اليمنى أدت إلى غمر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في جهة الغراف، ولما تولى ابنه كسرى انوشروان عرش المملكة الفارسية أقام سدودا في مواضع البثوق  عند الموضع المعروف بالخيزرانة لصيانة مجرى النهر الذي يتجه صوب العمارة وتحويل المياه إليه .
ثم عادت المياه تفتح لها ثغرات في اتجاه مجرى الغراف في عهد كسرى ابرويز (590- 628 م ) فحاول أن يسد هذه الثغرات إلا أن الفيضان الذي حدث سنة 627/628 م سبب حدوث ثغرات واسعة في الضفاف فانتهى الأمر إلى تحول مجرى نهر دجلة إلى جهة شط الغراف الحالي في جوار الخيزرانة وهو الموضع الذي كان يفترق منه المجريان مجرى العمارة ومجرى الغراف"
وفي نفس الموضع الذي أقام الفرس فيه سدودهم بنى العرب سدا على صدر مجرى الغراف على الضفة الشرقية من شط الدجيلة القديم ( شط الغراف الحالي ) لكي يحولوا قسما عن مجرى النهر إلى مجرى العمارة الذي انتابه الجفاف في موسم الصيهود وصار هذا السد يعرف بقناطر الخيزران. ولا يزال هذا الموضع معروفا باسمه القديم الذي كان يعرف به في العصر العباسي فهو يسمى اليوم تلول الخيزرانة
وقال البلاذري أن ابن رستة هو الذي سمى هذا الموضع "الخيزرانة"
وقد أورد البلاذري  في كتابه فتوح البلدان قصة تقول أن والي العراق الأموي خالد بن عبد الله القسري كتب إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (105- 125هـ / 723- 742 م)  يستاذنه في عمل قنطرة على دجلة وألح بطلبه فرد عليه الخليفة: "إن كنت متيقنا أنها تتم فأعملها وأعظم عليها النفقة" فلم يلبث أن قطعها الماء فأغرمة هشام ما كان أنفق عليها.
والظاهر أن الأنهار كانت تحول مجاريها بشكل مستمر مما يولد حاجة لبناء القناطر والسدود لإدامة الحياة في المناطق والقصبات والأحياء والقرى التي تم إنشائها من قبل على ضفاف الأنهار قبل تحويلها لمجاريها، ففي حدود سنة 525 هـجرية غير النهر مجراه مرة أخرى في هذه المنطقة بسبب الترسبات الغرينية فجف نهر الدجيلة مخلفا وراءه آثار مدينة واسط والنواحي المحيطة بها بعد أن هجرها أهلها بسبب الجفاف.

فكرة بناء السد الحالي
أما فكرة بناء السد الحالي في مكانه المعروف حاليا فتعود إلى أيام حكم العثمانيين للعراق، حيث كلفت الحكومة التركية مهندس الري الإنكليزي المعروف (وليم ولكوكس) بوضع تصاميم لبناء السد، فقدم تقريرا عام 1911 يقترح فيه إنشاء قناطر في هذه المنطقة لتنظيم الري، غير أن نشوب الحرب العالمية الأولى وانشغال الحكومة العثمانية بهذه الحرب ومن ثم سقوطها وتفككها ألغى الفكرة.  ونام المشروع منذ عام 1911 ولغاية زيارة الملك إلى واسط عام 1922 حيث طرح الوجهاء عليه فكرة إقامة السد.
ثم نام المشروع ثانية منذ عام 1922 ولغاية عام 1934 حيث وافق مجلس الوزراء العراقي بجلسته المنعقدة في السادس من أيلول 1934 على مقاولة بناء السد، أي بعد مرور أكثر من (12) عاما على تعهد الملك، وبوشر بالعمل يوم 10كانون الأول 1934  وأنجز العمل رغم المعرقلات والخسائر التي أصيبت بها الشركة المنفذة وأفتتح يوم 29/ آذار 1939 لتكون المدة بين التفكير ببنائه وإنجازه أكثر من (28) عاما
حركة التاريخ الواسطي
هنا أشير إلى ناحية مهمة وهي بطء حركة سير التاريخ الواسطي قديما وحديثا، فالمعروف تاريخيا أن الحركة البطيئة رافقت التاريخ الواسطي بشكل غريب في الأقل منذ بناء مدينة الكوت حتى هذا التاريخ، حيث نجد المدينة تكتفي لزمن طويل بجسر السد مع حاجتها الملحة إلى جسور أخرى فمنذ افتتاح السد عام 1939 ولغاية عام 1961-1962 لم يبنى فيها أي جسر، ثم بعد مرور (24) عاما على بناء الجسر الأول وافق الزعيم عبد الكريم قاسم على بناء جسر جديد للمدينة فتم بناء الجسر المؤدي إلى محافظة ميسان. ثم غفت المدينة مرة أخرى وبقيت تئن من مشكلة التنقل بين الضفتين إلى ما بعد التغيير في 2003 حيث تم بناء الجسر الثالث الذي أفتتح عام 2011 بعد مرور أكثر من خمسين عاما على بناء الجسر الثاني، والمدينة لا زالت بحاجة إلى جسور أخرى ولكن متى سيتم بناؤها إذا ما كانت مواعد التأخير تصاعدية بهذا الشكل المرعب؟
الكلفة والتنفيذ
شركة "بلفور بيتي" الإنكليزية هي التي أنجزت هذا المشروع العملاق بكلفة إجمالية مقدارها (1119430) مليون ومائة وتسعة عشر ألفا وأربعمائة وثلاثون دينارا بمدة تجاوزت الأربع سنوات، وكان آية من حيث التصميم والإتقان. ويقال أنها تعرضت إلى خسارة مقدارها مليون دينار وبالرغم من ذلك أنجزت المشروع بهذه المواصفات الجميلة الرائعة بينما نجد الشركات الوطنية العراقية المعاصرة التي ما إن تتعرض إلى خسارة بسيطة حتى تترك العمل وتهمل المشروع وتهرب إلى مكان مجهول دون التفكير بالألم الذي تلحقه بالمواطن العراقي والتأخير الذي تحدثه في مسيرة الإعمار والبناء.
المواصفات
يبلغ طول السد بين الضفتين (500) متر، وله ستة وخمسون فتحة طول الواحدة منها (6) أمتار وارتفاعها (9،5) متر  وهي عبارة عن بوابات تتحكم بحركة الماء من خلال أبواب فولاذية.
وقد روعي في بناء السد أن لا يعيق حركة الملاحة التي كانت ناشطة آنذاك بين البصرة وبغداد فجعلت له فتحة كبيرة متحركة لمرور السفن طولها (80) مترا وعرضها ما يقارب (17) مترا يتم التحكم بها آليا في الفتح والغلق مع الحفاظ على مناسيب المياه في مستوياتها.
الممر الواحد
كان تصميم طريق الســـد (الجسر) بممر واحد يستوعب مرور سيارة واحده وهذا ما كان يعيق حركة مرور السيارات عبر الضفتين حيث نصبت سيطرة في كل جهة تقطع السير من جانبها لتسمح بمرور سيارات الجانب الآخر، وبمرور الزمن ومع كثرة الحركة بين جانـــبي المدينة وازدياد عدد السيارات والعربات أصبحت الحاجة ملحة لتعريض طريق السد بما يسمح بمرور المركبات باتجاهين ذهابـــا وإيابا وفعلا نفذ المشروع في أواخر ستينات القرن الماضي وتم توسعة الممرات باستثناء منطقة بوابة ممر السفن والزوارق التي بقيت على حالها إلى  يومنا الحاضر لاستحالة توسعتها.
هنا تضرب لنا هذه الشركة مثلا رائعا آخر فحينما عرضت مناقصة توسعة الجسر على الشركات العالمية جاءت العطاءات بأرقام خيالية ترهق الميزانية العامة حتى أن الحكومة فكرت في إلغاء مشروع التوسعة ولكن شركة (بلفور بيتي) التي بنت السد تقدمت بعطاء يقل كثيرا عن عطاءات الشركات الأخرى وحينما استفسر منهم عن سبب ذلك قالوا أنهم يملكون مخططات للتوسعة وضعها المهندسون الذين صمموا السد متوقعين وجود حاجة مستقبلية للتوسعة فرسا العطاء عليهم وأنجزوا العمل كأحسن ما يكون. 
السد الرديف
هناك سد آخر يرتبط بسد الكوت هو  ناظم الغراف الذي يقع شمال سد الكوت بمســافة كيلومتر واحد ويقوم بتنظيم توزيع المياه لشط الغراف  وعمله يأتي مكملا لعمل سـد الكوت الذي يقوم يحجب مرور الماء مما يؤدي إلى رفع مناسيبه بما يسمح بمروره في نهري الغراف والدجيلة اللذان يرويان مساحات زراعية كبيرة جدا.
وتبقى الكوت مدينة عراقية أصيلة تعتز بعراقيتها وأصالتها، وتعمل على تجاوز المعوقات للنهوض من جديد.

إثبات حق الشاعرة نازِك الملائكة بإضافتها بحرا جديدا يُضاف الى أبحر الشعر العربي/ سمرالجبوري

يُعد استبيان نوع وتحري تأليف القصيدة العربية على عدة أمور اعتدنا على قراءة مضامين وطرق تتبعات أهل العلم والأساتذة في أن يطابقون البيت على أحد البحور المعروفة في تاريخ الشِعر العربي  بمنطقية لا تخلو أحيانا من أن تترك بعض التساؤلات و الإستفاهامات طي ضمير المتلقي من العامة والنقاد سواء......وهنا وبعد أن نوهنا إالى قصيدة الأستاذ الشاعر(محمد حرب الرمي) والموسومة (بلقيس تغرق في دمي والياسمين) وبعد حثيث من البحث والتطبيق وجدنا إن القصيدة تتفرد إضافة لجودة معناها الترف والمتجدد ..بأنها تثبِت مما لايقبل الشك بأحقية  الشاعرة الأستاذة(نازك الملائكة ) في احتفاظها ونجاحها بإيجاد بحر جديد يضاف الى بحور الشعر العربية......
ولنُبين هنا بعض تفاصيل البحث...ولنبدأ من بعض الأسس الاولية لبحور الشعر العربي....
( ففي كتاب (القسطاس  في علم العروض للعلامة جار الله  الزمخشري) جاء جزء جميل وسلس لكل متلق حيث أورد في ج(تركيب بحور الشعر):
(تركيب بحور الشعر
وقد سلكوا في تركيب بحور الشعر، من هذه الأجزاء الثمانية، أربعة طرق:
أحدها: أنهم كرَّروا الجزء الواحد بعينه، من غير أن يُصحِبوه غيره. وذلك في جميعها، ما خلا واحداً وهو  مفعولات:
ف فعولن ثماني مرات يسمى المتقارب.
و فاعلن ثماني مرات يسمى الرَّكْض.
و مستفعلن ست مرات يسمى الرَّجَز.
و مفاعيلن ست مرات يسمى الهَزَج.
و فاعلاتن ست مرات يسمى الرَّمَل.
ومتفاعلن ست مرات يسمى الكامل.
ومفاعلتن ست مرات يسمى الوافر.
والثاني: أنهم أزوجوا بين جزأين، كأنّ كل واحد منهما هو الآخر. وذلك إزواجهم بين مستفعلن ومفعولاتُ، لأنهما على نسق واحد، في تقدم السببين، وتأخر الوتد. لا فرق بينهما إلاَّ أن وتد ذلك مجموع، ووتد هذا مفروق. وهذا بمنزلة تكريرهم الجزء الواحد، كما هو. ف مفعولات وإن فارق سائر الأجزاء، في أنْ لم يكرّر وحده، فقد كِرّر مع جزء لا يكاد يبُاينه.
ومستفعلن مستفعلن مفعولات مرتين يسمى السَّريع.
ومستفعلن مفعولاتُ مستفعلن مرتين يسمى المنسرح.
ومفعولاتُ مستفعلن مستفعلن مرتين يسمى المقتضب.
والثالث: أنهم أزوجوا بين خماسيّ وسباعيّ، لو حذف من السباعيّ ما طال الخماسيّ لم يتباينا، في الوزن. وذلك إزواجهم بين فعولن ومفاعلين؛ ألا ترى أنك لو حذفت لُنْ من مفاعيلن وجدت مفاعيل جارياً على فعولن. وبين مستفعلن وفاعلن؛ ألا ترى أنك لو حذفت مُسْ من مُستفعلُن وجدت تَفْعِلن جارياً فاعلن. وبين فاعلاتن وفاعلن؛ ألا ترى أنك لو حذفت تُنْ من فاعلاتن جرى فاعلا على
فاعلن
 ف فعولن مفاعيلن أربع مرات يسمى الطويل.
و فاعلاتن فاعلن أربع مرات يسمى المديد.
و مستفعلن فاعلن أربع مرات يسمى البسيط.)
 وعليه ولو نظرنا لقصيدة الشاعر الرمحي لوجدنا:
إنه  أتم  مستفعل  فاعلن في  أكثر بدايات أبيات القصيدة  .وهذا هو الدليل على إن القصيدة بدأت  على بحر البسيط:
(في الليلِ مُتسعٌ):/مستفعلن/والتشديد على التوين
لضوءٍ حمامةٍ بيضاءْ
ليدٍ تُسافرُ ..
(في خُصَلِ الغيومِ) مطرْ/مستفعلن/وغبن الكسرة في الغيوم مع المطر:وبذلك تم تسريع نطق الموسيقى
(لأصابعٍ تبكي) الوداعَ لقاءْ/مستفعلن/ مع التشديد على التوين
(مُدي ذراعُكِ فوق ذاكرتي
عريشةَ ضوء)تفعيلة مَد /تزحيف الصوت ليتناسق مع المقام في نطق مَد النَفَس اثناء القراءة بالإلقاء وعليه يُعد مُلحَقاً بالشطرالذي قبله.
(مُدي حنانكِ) في قناديلي ،/مستفعلن/مع التشديد الخيف على حرف الدال
جديلةَ ماء
(كلُ الصبايا ف/ي ثريات الرؤى ،/مستفعلن/بدون انقطاع تقديم الشهيق بالإلقاء
حُلماً قديم
وهكذا نكون قد أثبتنا ابتداء القصيدة على بحر البسيط ولكن هنا القصيدة تمددت الى تفعيلة واضحة لتكمل السبب والنسب فكانت كما يلي:
(في الليلِ مُتسعٌ/ لضوءٍ حمامةٍ/ بيضاءْ ليدٍ/ تُسافرُ ..)/مستفعلن فاعلن فعولن /ثم تمديد التفاعيل ...الخ
وهذا مانتج عندنا في قراءة بحر القصيدة الأساسي...وتبين فيما بعد إنه (بحر المُخلّع البسيط) كما يسميه بعض المفسرين لعدم ثبات اليقين في البت في أمره.....ثم رجعتُ للأسباب التي أدت للتشكيك في هذا البحر فوجدت عدة أراء أهمها وأعندها هو رأي الدكتور (عمر مخلوف ) من خلال مؤلفهُ(أزواج في أفياء) الذي يجتهد في الدفاع عنه بشجاعة  وشروحات ومحاضرات طويلة  حاول اثبات ان المخلّع ماهو إلا احد تفعيلات البسيط فقط وبإثباتات نحترمها.
لكن و حيث كان الأستاذ الدكتور (سليمان أبو سنة قد تابعَ بعض الحوارات مع الدكتور مخلوف فكاد هو الآخر أن يقع بنفس الشك....حيث قال:( وممن تحدث عن هذا الوزن أيضاً؛ الأستاذ سليمان أبو ستة في دراسته القيّمة عن العروض، حيث تابع نازكاً الملائكة في تسميته "الموفور"، مشيراً إلى ذِكْر الجوهري والقرطاجني له، وإلى قصّة انبعاثه مرةً أخرى على يد نازك الملائكة. كما أشار أبو ستة إلى إمكانية وروده على الضرب (فالِن /ه/ه) دون أن يضع له المثال، وإلى إمكانية وروده على الضرب (فاعِلانْ)، مستشهداً بقول محمود درويش:
الطفلة احترَقَتْ أمّها = أمامَها ، احترقتْ كالمساءْ
منبّهاً إلى سَبْق درويش لنازك الملائكة بالنظم على هذا الوزن، حيث صدر ديوانه " أحبّك أو لا أحبّك" عام (1972م)، أي قبل رسالة نازك إلى د.بدوي بعام واحد.
وسنلاحظ بعد قليل أن لسيد قطب قصيدة موشحة على هذا الوزن تسبق قصيدة نازك بما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً، حيث يعود تاريخ نشرها إلى عام (1937م). بل لقد وجَدْتُ قصيدةً لعبد الباقي العمري (-1278هـ)، سبقت هؤلاء جميعاً، إذ يزيد عمرها على مئة وأربعين عاماً، خلطت بين المخلّع واللاحق. بل وجدت موشحة على وزن اللاحق لابن سناء الملك (608هـ)، وأخرى لابن خاتمة الأندلسي (-770هـ)، غير مستبعدين طبعاً أن يكون هنالك آخرون كتبوا على هذا الوزن قبل ذلك أو بعده.))// وثمَ بعد فترة يعود الدكتور(سليمان أبو سته ليؤكد جزمه في إن بحر المخلّع هو بحر تام ومنفصل بذاتيته المتكاملة من باقي البحور.....ويستشهد بذلك على دراسة الأستاذ الدكتور(مصطفى حركات) حيث يقول:( أن د. حركات كان أحد الذين تنبهوا إلى استخدام هذه الدائرة في توليد بحور كالسريع ومجزوء البسيط والمديد بشكله المستعمل ، ومما قلته :" ومع ذلك فقد كنت أود لو تابعت كل جديد في علم العروض واطلعت على كتاب "العروض" للدكتور مصطفى حركات الذي اطلعنا فيه على بعض نتائج رسالته للدكتوراة في فرنسا وكان قد استخلصها من دراسته لعلم العروض الخليلي، ومن المعروف أن الدكتور حركات قد دخل في علم العروض من بوابة علم الرياضيات التي كان يحمل فيها شهادة الماجستير، وهو الآن استاذ للعروض بإحدى جامعات الجزائر. لقد اهتدى هذا الباحث الذي لا يُعرف عنه أنه دعا ، كما دعا الخليل، أن يرزقه الله علما لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه.. اهتدى في باريس إلى دوائر جديدة تقبع بين دوائر الخليل ولها عنها ميزة هي أنها في معظمها بحور مستعملة، يقول د. حركات: "واتجهنا اتجاها آخر في دراسة الدائرة، فبعد تعريفها النظري واستنتاج ما يمكن استنتاجه من مقولات، بحثنا عن علاقة الدائرة بالواقع الشعري، ودققنا في القضية التي وضعها البعض كبديهية لهم ، وهي أن الدائرة شيء اصطناعي لا علاقة له بالواقع ... وبما أن الدائرة اتهمت بإنجاب أوزان غير شرعية مثل المديد والهزج والمضارع والمقتضب والمجتث التي لا تستعمل على شكلها الناتج عن التدوير، فإننا بحثنا عن العلاقات الموجودة في أشكال الأوزان المستعملة، وكانت النتيجة فوق كل ما كنا نتوقع: نعم إن هذه الأوزان خاضعة للتبديل الدوراني . وقادنا هذا إلى اختراع دوائر جديدة مثل دائرة المديد حسب شكله المستعمل أي حسب الوزن : (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ) في كل شطر، فإنك لو انطلقت من الحرف السادس لقرأت وزن الرجز المجزوء ، ولو انطلقت من بداية التفعيلة الأخيرة ، راجعاً دائرياً إلى نقطة البدء ، لقرات وزن الرمل الثاني:
(فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ) ، ومن الحرف الثالث من الجزء (فاعلن) تقرأ :
( مفاعيلن مفاعيلن فعولن ) وهو أحد تحقيقات الوافر، ومن آخر مقطع من الشطر تجد:
(مستفعلن مستفعلن فاعلن) وهو وزن السريع حسب الاستعمال ... فنحن إذن أمام دائرة جديدة، دائرة تضم المديد ومجزوء البسيط والرمل والسريع على اشكالها المستعملة ... وهناك دائرة أخرى خاصة بالمجتث إلخ.( ...".ثم يؤكد ذلكَ بثبات حين يقول والقول لأبوسته: مخلع البسيط ليس بحرا منفصلا فحسب ولكنه من دائرة منفصلة لا تنتمي إلى أي من دوائر الخليل الخمس. وليس لهذه الدائرة اسم يميزها سوى ترتيبها بين الدوائر (في غير نظام الخليل) وهو الرابع، وإذن فيمكن الاطمئنان إلى تسميتها بالدائرة الرابعة حين نأمن اللبس بدائرة المشتبه وهذه أيضا هي الرابعة عند الخليل. وفيها بحران مستعملان هما الثاني والثالث . ومكوناتها على النحو التالي:
الرموز : ( و = وتد ، س = سبب )
1-4 و س س س
2-4 س س س و
3-4 س س و س
4-4 س و س س
شاهد البحر الثاني قول البارودي:
املأ القدحْ ** واعص من نصحْ
وارو غلتي ** بابنة الفرحْ
وهو مبني على تفعيلة وحيدة هي : مفعوليّتن ، انظر الرابط التالي :
 وتجد أن حركته الإيقاعية لا تخرج عن النسق التالي:
[س]<س>[س] و
حيث [س] سبب ملتزم البسط ، <س> سبب ملتزم القبض .
ويمكن أن يأتي بعلة الإذالة في ضربه (مفعوليتانْ)، شاهده قول الشاعر محمد على أحمد الذي ورد في كتاب "في عروض الشعر العربي" للدكتور محمد الطويل ، وهو:
جئت من طريقْ ** بحره عميقْ
يسلب النهى ** سره العميقْ
وأما البحر الثاني فقد استخدمه أبو نواس مفردا على النحو التالي:
يا من لحاني
على زماني
اللهو شاني
فلا تلمني
وهو مبني على تفعيلة وحيدة هي : (مستفعلاتن).
واستخدمه مزدوجاً كثير من الشعراء ، وسموه مخلع البسيط ، ومنه قول أبي العتاهية:
الله أعلى يدا وأكبرْ ** والحق فيما قضى وقدّرْ
وهو كما وضع تجزئته حازم القرطاجني ، على هذا النحو :
مستفعلاتن مستفعلاتن ** مستفعلاتن مستفعلاتن
وحركته الإيقاعية لا تخرج عن النسق التالي:
س س و [س] س [س] و س
ثم إن هناك من استخدم البحر الرابع ، الذي عددناه مهملا ، حيث وجدته عند الدكتور عمر خلوف من قول الشاعر أمين الجندي:
ماسَ كالغُصْنِ=في رُبى الحُسْنِ
آهِ لو يـدري=قُـرّةُ العَيْـنِ
كما أورد منه للعقاد ضربا مسبغا (فاعليّاتانْ)، شاهده :
ليتَـهُ يجري=يا أبـا الأنهارْ
مثلما تسري=في حِمى الأقدارْ
ولم أجد أحداً استعمل هذا البحر مزدوجا ، ومن شاء فليجرّب ، كما ليجرب من شاء النظم على البحر الأول من هذه الدائرة وتفعيلته: (فعاليّاتن) ، وأرى أن حركته الإيقاعية لن تخرج عن النسق التالي : و [س]<س>س(الموضوع منشور في موقع شبكة الفصيح) وفي كتاب :محاضرات الأوزان والبحور في شعر العرب لنفس الكاتب)

وبذلك اثبتنا صحة بحر المُخلّع لكونه بحر منفصل وجديد يضاف الى بحور الشعر العربية
والآن لنأتي على الفصل الأهم وهو العلاقة بين حق الشاعرة نازك الملائكة و وبين ماتحتويه (القصيدة الرمحية) وأقصد قصيدة الشاعر محمد حرب الرمحي......
أولا واختصارا للسبب الذي جعل بعض الأساتذة يشككون في كون البحر مجرد تدويرة عن البسيط هو هكذا....:_
قراءة المخلع (مستفعلن فاعلن فعولن) ، هي نفس القراءة (متفعلاتن متفعلاتن) ، لا تختلف في أي شيء ، الخلاف يكون اذا وردت التفاعيل (مُسْتَفْعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلاتُنْ) ، وهي هنا ليست المخلع بل اللاحق ، الذي استحدثه حازم القرطاجني ووضع اسمه.
ولأسنِد هذا الجزم أرجع لقراءة البحر ضمن عدة بحور بشكل آخر وهو الترقيم والذي يعتمد عليه الكثير من اساتذة الأدب في تطبيق القصائد على البحور.....ولأكتهنا بيتاَ يحتمل الشك بالعديد
* والله يامن تهتدي بي...هدي الرواحل بالنجوم
وللننظُر......
حكاية مخلع المنسرح :
المنسرح :
مستفعلن مفعولات مفتعلن   2 2 3 2 2 2 1 2 1 3=
من الأوزان التي انسرح منها المنسرح هذا الوزن :
مفاعلن مفعلات فعلن   1 2 3 2 3 1 2 2=
و هو وزن الشطر :
  والله يامن تهتدي بي  2 2 3 2 3 1 2 2 =
والآخر.....************

البسيط  2 2 3 2 3 2 2 3 2 3=
مجزوء البسيط   2 2 3 2 3 2 2 3=
مستفعلن فاعلن مستفعلن
يجوز في ضرب البسيط و عروضه أن تأتي 2 2 3 = 2 2 2 = مفعولن
و مفعولن بدورها يجوز أن تتحول إلى 3 2 = فعولن
و هذا هو وزن صدر أول بيت :
  والله يامن تهتدي بي   2 2 3 2 3 3 2=
والنتيجة =
النتيجة :
  = 2 2 3 2 3 3 2 = مخلع البسيط

  = 2 2 3 2 3 3 2 = مخلع المنسرح و سمي أيضا المكبول و الوجيز ..
وعليه وهنا بالظبط ظرب البعض أوتاد شكهم مستندين على اختلاف الزحف والتمديد والغبن والإدغام المورود اثناء وزن نطق القصيدة على تقاطيع البحر......

((وهنا أرجو من القاريْ الإنتباه))
وحين رجعت إالى نازك الملائكة وقصائدها وجدت انها كتبت قصيدتين فقط على وزن بحر المخلع البسيط/كما يسمونهُ والأوضح منهما هذه الأبيات في قصيدتها:
 (( جزيرة الوحي) وهي مشروع حوراية الندم والتبرير ، فاستغرق البيت الرابع الزمن الموسيقي نفسه إذ أدى الطي حذفاً لساكن متوسط بين وتدين أولهما مفروق والثاني مجموع ، وكأن الشاعرة حاولت اغناء القصيدة وفك أسر الرتابة وإثارة الرغبة مخضعة تشكيلاتها " للمعنى الذي تصدى له الشاعر ولالوان الزخرفة التي يتطلبها الفكر والاحساس " ( ) ونجد بيتين في المقطع أصاب الخبن تفعيلة الشطرين الاولين توافقاً مع الحاجة الى السرعة النسبية :
وملّ مجـدافك الـمعنى
 تقلب الـموج والـعباب
متفعلن   فاعلن     فعولن متفعلن   فاعلن    فعولن
مغيم في  موجه اضطـرابي
متفعلن     فاعلن     فعولن واين يا  زورقي رغابي
متفعلن    فاعلن    فعولن
*********
ففي هذا المقطع وردت ( مستفعلن) سبع مرات مخبوبة ( متفعلن) ومرتين مطوية (مستعلن) ومرة واحدة مقصورة ( مستفعل) :
وهنا لننتبه(عد بي يا  زورقي اليه (*)
 قد حان يا  زورقي  ايابي )
مستفعل    فاعلن    فعُِلن مستفعلن    فاعلن    فعُلِن
*********
انظروا كيف تمَ للأستاذ الناقد هنا أن يحسب البحر على البيت بالتمام .....وذلك(بحساب شدة دون الفتحة )  :عُد بيّ يا زورقي قد حانَ يا زورَقيْ إيابي)))
وبهذا عَبَر إلى ما فوق جفاف القراءات الكلاسيكية الى الحداثة وعدم إغفال أي شأن مهما كان صغيراً وذلك لمعرفته يقينا بأن ذلك سيؤدي إلى اختلال موسيقى النطق لو خففت / الياء/ ولو خففناها :سيؤدي ذلك  االى عدم حساب  هدوء السرعة وانخفاض الصوت حتى أدنى نقطة بين الياء في /بي/وبينَ الياء في/يا/والتي ستُقرأ بعدها بسرعة أكثر وبدون توقف في البيت:وهذا هو الصحيح  وذلك  لورود النص في مراحل متعددة من غبن الحرف المحرك او تمديد احرف العلة وما إلى اخره ومن ثم قراءة الوزن بالشكل الصحيح
ولنرجع الى القصيدة الرمحية
حيث في البيت  التالي:
في الليلِ متسعٌ/ لكأسِ أنوثةٍ /ونبيذَ شِعرْ
مستفعلن فاعل فعلِن
وعلى هذا الرائع من بناء الحداثة وإثبات الجدارة وحين ثبت التنوين كأنه حرف من الصوان
حينها فقط نتأكد مما كانت الشاعرة ترمي إالية وهو الإشارة على قراءة البحر على أوجهه الكاملة دون نقصان بحيث أعطت لموسيقى القراءة أولوية وأهمية قصوى حين التأكيد في التطبيق ومثلُ ذلك ..
(وينسجم طول القصيدة ونفسها النغمي والدلالي مع ما توجهت اليه الشاعرة في عدم الالتزام بقافية واحدة، وحرف روي واحد لما يسببه من ضرر في تقليص المعاني وارهاق الشاعر والمتلقي معاً فهي تقول " ومن ثم فان الاسلوب القديم عروضي الاتجاه يفضل سلامة الشكل على صدق التعبير، وكفاية الانفعال، ويتمسك بالقافية الموحدة ولو على حساب الصور والمعاني التي تملأ نفس الشاعر ، وكل هذا إيثار للاشكال على المضمونات بينما يريد العصر ان ينشغل بالحياة نفسها. وأن يبدع منها أنماطاً تستنفد طاقته الفكرية والشعورية الزاخرة" ( ) كما ترى أن القيود الثقيلة تغيظ الشاعر وتحاصره وتؤدي الى النفور وتعطيل الطاقة الانفعالية في التعبير والتوصيل والتلقي ، ومن هنا كانت بدايات ( نازك) في النظم على معمارية البنية المقطعية ( العنقودية او السلسلة ) .
ولما كانت التجربة معبّرة عن الحزن والتشاؤم ، منطلقة من الاتجاه الذاتي والجماعي في تفسير الحياة الذي كان سائداً، وهو ما نظم عليه ( علي محمود طه، ومحمود حسن اسماعيل، وابراهيم ناجي ، وابو القاسم الشابي ، وشعراء المهجر) فان مخلع البسيط يكون مناسباً امتداداً وموسيقية لمثل هذا المضمون ، وبخاصة الامكانية الايقاعية لتفعيلته الاولى ( مستفعلن) أو(مستفع لن) المؤلفة من سببين خفيفين بينهما وتد مفروق ، تمكن من خلق تغيرات وزنية مضافة (*) /والقصيدة على الرغم من خاصية تنويع القوافي والروي وجعلها على وفق البنية العنقودية ـ السلسلة ـ فان " كل بناء جديد من أنقاض ما هو قديم لا بد أن يحمل من خصائص القديم من جهة ويظهر معنى جديداً للاشياء المتشكلة من جهة ثانية )1
وعليه فقط وبكل ثقة اقو لان ماجائت به نازك الملائكة وماانطبق على القصيدة الرمحية ماهو تثبتاً لبحر جديد ليس له علاقة بغيره من بحور الشعر العربي وهو بالتمام ماينتمي بكل مافيه لشاعرتنا العرب(نازك الملائكة في بحرها(الموفور) فحين تم لنا حساب الإيقاع الخارجي ظهرت الفوارق التي أزاحتها تمامات قراءة الأحرف بالتشديد والتنوين ومد أحرف العِلة حين القراءة وتهدئة انسيابية الصوت تارة وارتفاعهُ تارة أخرى يجعل من مناقيص وغبن الكلمات بأواخر حروفها مميزات تفي النسق الكلي للبحر ووزنه......
 أتوجه بخالص الإحترام للأستاذ شاعر العرب (محمد حرب الرمحي ) لما جادَ علينا من جنة الإبداع ولمجد وكم ثقافته واستدراكه لتلقائية الحداثة بدرايةٍ وثقة تؤكد لنا كل يوم كم العطاء والجمال فيما يعطي لطلابه وأصدقاءه من  الشعراء الأدباء من حوله.
 وأشكر أستاذنا الباحث والشاعر جعفر محمد التميمي لاستدراكه تيسير المعلومة وجودة روحه الأدبية بيننا

 ( )     كتاب المنزلات ( منزلة الحداثة) طراد الكبيسي ، دار الشؤون الثقافية، بغداد ، 1992م، ص 9.
سمرالجبوري
18/تموز/1012م
وإليكم قصيدة الشاعر الأستاذ محمد حرب الرماحي
~ بلقيسُ تغرقُ في دمي والياسمين ~
 --------------------------------------------
في الليلِ مُتسعٌ
لضوءٍ حمامةٍ بيضاءْ
ليدٍ تُسافرُ ..
في خصل الغيومِ مطرْ
لأصابعٍ تبكي الوداعَ لقاءْ
مُدي ذراعُكِ فوق ذاكرتي
عريشةَ ضوء
مُدي حنانكِ في قناديلي ،
جديلةَ ماء
كلُ الصبايا في ثريات الرؤى ،
حُلماً قديم
بلقيسُ وحدُكِ بينهُنَ ،
مليكة الأضواء
بلقيسُ أنتِ حبيبتي ،
وحبيبتي .. عِطرٌ إلهيٌ ،
وبعضُ تلاوةٍ من ياسمين
طفلٌ تعمدّ رافديكِ رضاعةً ،
بقصيدتينِ من الحليبِ
وحلمةٍ ملساءْ !
الشِعرُ ليسَ حبيبتي شِعراً
إذا ما كانَ مسكوباً ..
من الأثداء
بلقيسُ إن لم تعلمي ، فلتعلمي
حين اعتمرتُكِ
قُبلتينِ من الحريرِ على القمر
كان الوريدُ أمامَ نبضي حافياً ،
ودمي مسيحْ
وقصائدي كانت تراودني
على استحياء
في الليلِ متسعٌ
لكأسِ أنوثةٍ ونبيذَ شِعر
ولنهدِ نجمٍ
إذ يصبُّ لِبانَ ضوءهِ بيننا
كرضاعةِ العنقاء !
بلقيسُ خليني
أُحيكُ لكِ الفراشة بالشموع
وأُعيدُ وجهُكِ عارياً ،
لرؤى المرايا في ثيابِ هواءْ
كوني على وعدِ احتراقي
كلما أشعلتِني
فأنا أُحبُّكِ غيمةً ...
تمشي على قدمينِ من صحراءْ
قالوا السنينَ تجارةُ الموتى
وما الذكرى سوى حنفية الماضي
تصبُ على الحنينِ بُكاءْ !
لم يرفعوا تابوتَ شمعتنا
على أكتافِ عتمتهم ،
ولم يستقبلوني فيكِ بيتِ عزاءْ !
بلقيسُ ،
سورةُ مريمٍ لم تنتهي
الهيكلُ العظميَّ تحت لحومنا
سراً يُعَلِقُنا على الأمواجِ ،
يُغرِقُنا ببحرِ دماءْ
في الليلِ متسعٌ
لقنديلٍ ضرير
لفراشةٍ عمياء
يا الأنتِ فهرسَ لاشعورِ قصائدي
يا الأنتِ خارطة الحياةِ لمولدي
يا الأنتِ ، يا بلقيس ،
يا سبط الهوى
لي في هواكِ حبيبتي
تُفاحتينِ من الحنين
وكتابُ شِعرٍ ينحني بالتوتِ ،
كلَ شِتاءْ
لي أنتِ حين أبوسها
يتصفحُ الحلوى امرأةْ ..
بالمنِّ والسلوى فمي
ويصيرُ طعم الشهدِ
يقطُرُ فيكِ
من عسلِ النساءِ نساءْ !
لي نهدُكِ النعنعْ
ولي من سُكرِ الشفتينِ
طعم القُبلةِ الأولى
وطعمَ اللسعةِ الأولى
وأولُ آهةٍ خرساءْ !
لم يتسِع صدري لغيركِ ،
فانجلي
قمحاً يُصلي الخُبزَ
بينَ سنابلي
وتشهّديني في رِضا الفقراءْ !
في الليلِ متسعٌ
لقولِ قصيدةٍ حُبلى السكوتْ :
بلقيسُ تغرقُ في دمي والياسمين
تبكي على ميلادِ موتي والحنين
وتلومُ جعفرَ كلما ،
نامت بتختِ مدامعي الخنساءْ
بلقيسُ ،
لا تبكي يدي الـ بُتِرَت بسيفْ
ما زالَ عندي بعضُ كفْ
ما زلتُ أُشرِعُ للحنانِ قصيدتين
وأعانقُ الأمواجَ ريحاً
كيفما النبلاءْ
يا نكهةً من كستناءِ الشِعرِ
لا تبكي الرحيلَ
جميعنا غُرباءْ !
لكنَّ حُبُّكِ لم يزل
طاووسَ شِعرٍ من قُزَحْ
وأنا بحبُّكِ سوفَ أبقى
سيد الشعراءْ !
في الليلِ متسعٌ
لخمرِ أنوثةٍ حمراءْ
ولكأسِ امرأةٍ من التفاحِ
شامبانيا
نهدانِ من ورقِ العِنَبْ
شفتانِ من ما لذَ
من طيبِ القَصَبْ
قدمانِ تكتُبُ خطوها حنّاء
في الليلِ متسعٌ
لعودةِ عازِفِ اللحنِ الأخيرْ
ولشمعدانْ
ولرقصةٍ تشتاقُ زوربا
قبلَ آخرِ كأسَ خمرٍ
كاد يسقطُ من يدِ الحسناءْ !
في الليلِ متسعٌ
لتابوتٍ مُذَهَب بالستائرِ والحرير
لعروسِ جنٍ من أساطير القبور
ولطرحةِ السرطانِ والكيمياءْ !
بلقيسُ لا تبكي
أنا الماضي وأنتِ غداً
ومن يبكي على الماضي
يضيقُ عليهِ قبرُ الليلِ ، كلّ مساء !

تم

المرأة والرجل: علاقات إنسانية/ إيمان حجازى


رغم إنى أعالج الكثير من المشاكل الأسرية والعائلية والتى تختص بالمرأة بشكل عام إلا أنى وجدتنى عاجزة عن التصرف حيال تلك الحالة التى أبكتنى وكادت تشل تفكيرى لأنى أعرف تماما صاحبتها وأعرف أنها شخصية معقولة هادئة رزينة وواقعية ولا تهيم محلقة فى سماء الخيال كثيرا
حينما قررت قريبتى هذه الزواج إختارت إنسانا عاقلا ناضجا فتقابلا عقلا ونضجا وحكمة وكانا يعالجا مشاكلهما فيما بينهما ولم يشعر احدا بهما سواءا فى محيط الأسرة أو الأصدقاء , وكانا يبدوان فى غاية السعادة أو هكذا أرادا ان يراهما الناس
إتفقت إرادتهما على هذا التوصيف الزواجى الذى كان يبدو للكثير وأنا واحدة منهم انه زواج مثالى ,, لم
تهتز هذه الصورة إلا اليوم عندما زارتنى باكية منهارة فى حالة لم أرها عليها قط
قالت لى وكأنها تحدثه هو ..............تصدق إن أصعب حاجة على الزوجة عندما تطلب من زوجها كيف يعاملها , وعندما تطالبه بأشياء تسعدها ثم تفتعل أنها أسعدت مما يقوم به حيالها ,, وإستطردت قائلة - تكلمه أيضا - تصدق رغم إن ده صعب إلا إنى عملته كنت بطلب منك تحبنى , كنت بطلب منك تسأل
عليا , تكلمنى بالتليفون تقول أى حاجة , كنت بطلب منك تقول وحشتينى , تهتم بحاجة أنا بحبها , تصدق كنت بطلب منك تقول كل سنة وإنتى طيبة ف عيد ميلادى أو أى مناسبة ............. تصدق إنى كنت بعمل ده !!!!!
تصدق إنى برغم إنك فى كثير من الأحيان - وبرغم تأكيدى عليك - وربرغم وعدك , كنت بتنسى , وكنت بلتمسلك اعذار !!!!!
وتصدق لما فعلا كنت بتوفى كنت بكون بجد سعيدة لدرجة كنت أقبل يديك وجبينك وأهمس فى اذنك بصدق ربنا لا يحرمنى منك !!!!!!!!!!
++++++
بغض النظر عن تكلمة وحقيقة مشكلة قريبتى والتى يبدو انها سوف تستغرق أيامى القادمة , إلا أنى
 أريد أن أهمس بدورى فى أذن كل رجل يحب خطيبته أو زوجته , المرأة إنسان رقيق ضعيف أبسط
 الأشياء تسعدها وأقل الكلمات ترضيها فتعطيك حبا كثيرا ربما لا تقدر على تحمله
عزيزى الرجل الحب ليس سرا ولا عيبا لنخفيه عن العيون أو نداريه , ليس مطلوبا منا أن نحب بعيدا عن الأنظار , الحب هو حقنا فى الحياة فدعونا لا نسرق حقوقنا بل يكفى أن نعرفها وندركها ونمد اليد لنحصل عليها فى وضح النهار وتحت أشعة الشمس وطبعا بما لا يخالف شرع الله
عزيزى الرجل الحق مستحق , والحق أحق أن يتبع , والرسول صلى الله عليه وسلم قال تبسمك فى
 وجه اخيك صدقة ولن تجد أقرب أخوة لك من زوجتك التى تعانى معك مشاكلك وتشاركك أفراحك
وتواسى أحزانك وهى اليد التى تمسح دمعك وعرقك ,,, والرسول صلى الله عليه وسلم كان يطعم
 زوجاته  - فى الفم - ولنا فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر
ألا هل بلغت اللهم فإشهد 

التماهي مع الخطاب القرآني في مجموعة يحيى السماوي "تعالي لأبحث فيك عني"/ صالح الطائي

قراءة في ديوان (تعالي لأبحث فيك عني) للشاعر الكبير يحيى السماوي

قد يكون للغربة تأثيرها على بنيوية سلوك الإنسان ولكنها قطعا لا يمكن أن تصنع شاعرا حتى ولو كان يتغنى بالغربة في قصائده.
وقد يكون للألم تأثيره على نوع تعامل الإنسان مع الحياة ومع الآخرين ولاسيما المعذبون والمقموعون منهم بما يجعل من الإنسان ناجحا في علاقاته الاجتماعية ولكنه بالتأكيد لا ينجح في خلق شاعر.
وقد يكون للتربية، للموهبة، للإحساس المرهف، للدراسة والتعلم، للقراءة البحث والمتابعة، وطأتها على ثقافة الإنسان فيترجمها نصوصا تستهوي ولكنها لا ترقى إلى مصاف الشعر.
ولكن لو اجتمعت هذه العوامل كلها في شخص ما فسوف تخلق منه بكل تأكيد شاعرا عظيما لا يشق له غبار، ولا أبالغ إذا ما قلت أني من خلال معرفتي بيحيى السماوي أجدها قد اجتمعت عنده وفيه فخلقت منه إنسانا شاعرا وشاعرا إنسانا، وغالب الناس ليسو شعراء، وكثير من الشعراء تبرأوا من إنسانيتهم يوم وظفوا موهبتهم لمدح الطغاة أو للحديث عن أسرار السرير والليالي الحمراء والأجساد المعروضة للبيع في سوق النخاسة.
يحيى السماوي ليس مجرد رقم في طابور شعراء الجيل وإنما هو جيل لوحده. يحيى السماوي طابور شعر لم تصلنا بعد سوى بداياته وطلائعه أما الأسرار الكبرى والحشد الأعظم فهو لما يزل في الطريق يزحف نحونا ببطء يسير بغنج ودلال كدَلال الصبابا الساكنات في أحشاء القوافي، أو كدِلال عامرة برحيق الكرم وانس المضائف والعشيرة تنتظر الوافدين.
يحيى السماوي تجربة فريدة بالرغم من كثرة ما كتب عنها إلا أنها لما تزل تسرف مقيدة بطقوس أسرارها وتأبى البوح بمكنون ضميرها لا تحرجا ولا كسلا وإنما تمنعا من أجل انتقاء ما يدهش الناس ويأسرهم فلا يستطيعون فكاكا.
يحيى السماوي يكتب في الحب والحرب والفلسفة والتصوف والوطنية والنضال ويكتب في الدين أيضا ولكن بأسلوب حداثوي، ويتوغل إلى عمق مشاعر الآخرين فيستبيحها بهدوء الكلمات ورصين المشاعر، فيعشقونه حد الثمالة، ويطربون لحديثه حد البذخ الفكري، ولكن لا هو يبوح بما في خلجات قلبه ولا هم يعرفون سره الدفين، كيف لا وهو يأبى أن يقول: حكاية حبيبتي، أو حكاية سلمى أو ليلى، وإنما يقول: (حكاية التي صارت تسمى) أما من هي التي صارت تسمى؟ وهل كانت من قبل لا تسمى؟ ولماذا؟ سؤال عند السماوي جوابه، فهو الذي يقول لها: تعالي لأبحث فيك عني.
يحيى السماوي لا يبوح بلواعج نفسه إلا عند الهيمان والتيه في مواجع الذات فهو صوفي توحد مع هواجسه وشطحاته فبات يشعر أن إله الشعر أو شيطانه متوحد في دنياه مع غنج مراراته ودلال عذابه فالدلال عند السماوي فن يمتاز بالحركة في عالم مسكون بالسكون الأبدي، والغنج في دنيا السماوي لا يعني تمايل المرأة في مشيتها ترفا وغواية وإنما يعني تلوي المذبوح لا حبا بالرقص ولكن من شدة الألم:
مرت بك الأعوام أيسر يومها
قهر غدا فيه النمير صديدا
إن التجارب المريرة التي عاشها السماوي خلال عمره المترع بالمخاطر ولاسيما وأنه:
قد غادر النهرين وهو فتى
صافي المرايا كالندى خفرا
حملته قسرا عن شواطئه
زمر ترى الظلم مجد ذرى
اجتمعت تلك التجارب لتلون حياته بألوان قوس قزح ثم تداخلت الألوان فبات الفرح جيرانا للحزن، والترف رفيقا للفاقة، والطيش رديفا للإيمان، وبمجملها كانت عبارة عن (حين) كبيرة، والحين: وقت من الدهر مبهم طال أو قصر:
ربما قد سمعت بي تائه المقلة
حينا التقي أبرهة الضليل في الحانة
حينا ألبس الجبة والقفطان
حينا أرتدي ثوب أبي ذر الغفاري
وأحيانا أغذ السير أعمى الخطو
مشدودا بحبل
من فتون
إن التقلب بين السكر والصحو يمثل حالة صوفية فريدة المعنى وظفها السماوي ليعلن نوع التغيير الذي حدث:
فانا كنت رميما
لم أكن أعرف للمحراب معنى
وكؤوسي لم تكن تنهل
إلا
من ينابيع الضلال
كيف أصبحت إماما!؟
ومن أفياء هذا الامتحان الصعب كان وليد السماوي الجديد صعبا عصيا، كيف لا وهو التائه الذي كان يريد أن يبحث عنه فيها، أو كما أبدعها يراعه "تعالي لأبحث فيك عني"
يبحث فيها عنه لأنه قادر على ذلك ولذا يقول عن نفسه:
إنني أسمع حتى همسات الريح
إن مرت
على سعف التي تدعى بقاموس فؤادي
نخلة الله ببستان عيوني
أسمع الضحكة بين الطين والجذر
وقد أسمع
حتى صمتها آخر الليل
وإن كنت خلف العالم الأرضي مرمى
لقد وظف السماوي في مجموعته الشعرية الرائعة هذه كل تجاربه الحياتية والأدبية الماضية في زمني التيه والهدف، اللاانتماء والإيمان الكامل، الشك واليقين، اللهو والجد الرصين وظفها بأسلوب جديد مبتكر قائم على التناغم مع النص القرآني المقدس، وكأنه أراد أن يستوحي من قدسية الخطاب القرآني قدسية لخطابه. ولذا نجد في المجموعة الشعرية صورا غاية في الإبداع
فالأخوة الذين القوا يوسف (ع) في الجب هم الأصدقاء الذين القوا السماوي في الجب:
(ألقي بي الأصحاب في الجب * صراخي جاء بالذئب)
 والهدهد الذي جاء لسليمان النبي (ع) من سبأ بنبأ يقين ينتظره السماوي ولكن ليأتيه بمطر:
(وأنا انتظر الهدهد أن يأتي ببشرى مطر)
والنخلة التي تساقط على مريم العذراء رطبا جنيا تساقط على السماوي الفرح:
(تساقطت عليا فرحا من نخلة الله جنيا)
وتتحول عنده إلى مصدر للشهد والتبسم:
(إن تطلبي الرطب الجني وشهده
هزي بمبسمك المطيب مبسمي)
وقوله تعالى:{يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد} يوظفه السماوي ملجأ يتخلص به من أشواك عمره:
(النار جائعة فهل أطعمتها
أشواك أمسي في الزمان القدم)
وقد أقسم الله سبحانه بـ {الضحى والليل إذا سجى) فأستعار السماوي القسم ليقول:
(والضحى والليل
ما أشمس صبحي دون عينيك)
ويوظف قوله تعالى في سورة الرحمن: { فبأي آلا ربكما تذكبان} ليقول:
(فبأي آلاء أكذب حبها
وبأي آلاء أصدق محربا
وبأي آلاء أنادم غيرها
وبأي آلاء تسامر معجبا)
والنداء الذي جاء للنبي موسى (ع) :{أخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوى}
يتحول عند السماوي إلى عملية انسلاخ من الأمس:
(فأخلع أمسك الداجي)
ويتحول إلى تبجيل لأرض شب في مرابعها:
(ها نحن في وادي السماوة * فاخلعي الخوف القديم)
وحديث القرآن عن عيسى النبي (ع) {سلام عليه يوم ولد}  يتماهى عند السماوي بألوان أخرى:
(يا نخلة الله
السلام عليك يوم ولدت من قلبي بتولا
والسلام عليك
يوم أموت فيك مضرجا
بلظى الصبابة والتغرب
والسلام على جذورك يوم ابعث في الفسيلة)
وقوله تعالى: {جنة عرضها السماوات والأرض} يتحول عند السماوي:
(في جنة
من فوقها الأقمار تجري
عرضها روحي وقلبي)
ورأس نبي الله زكريا (ع) الذي اشتعل شيبا يشتعل عند السماوي هياما:
(كيف اشتعل الرأس هياما)
وعلى مدى سعة صفحات المجموعة تتكرر الإشارة للخطاب القرآني، وتتكرر الاستعارة المجازية:
(يعاد فيه السلسبيل) (وأبن السبيل) (أبرهة الضليل) (بك يا ذات الجلال) (بشيرا بالمواويل نذيرا للأحاييل) (سورة الفرقان)
لقد أفلح السماوي ونجح في توظيف جزالة النص القرآني لخلق نصوص جزلة قوية تعبق من ثناياها روائح الإيمان مسكونة بالتجديد والإبداع.
خمسة وعشرون قصيدة انتظمت كحبات لؤلؤ في خيط صيغ من الذهب الخالص ورصعت بشذرات من لوحات الفنان المبدع الدكتور مصدق حبيب لتصنع رائعة من روائع الأدب العربي الحديث بعنوان "تعالي لأبحث فيك عني" صدرت المجموعة عن مؤسسة المثقف العربي في استراليا في مبادرة هي الأولى من نوعها لمؤسسة عربية تقوم في المنفى وتهتم بنشر النتاجات الأدبية والفكرية إسهاما منها في توعية الأمة وخلق نوع من التواصل رغم بعد المسافات 

وا حقيقة، إنّنا غرباء: عباس علي مراد في باكورة أعماله الشعريّة/ شوقي مسلماني

"دارتِ الرأسُ بين البياض والجنون" و"إلى القلب الذي يسمعُني ويفهمُ معنى صمتي". على هذا النحوِ يتكلّمُ الإعلاميُّ والشاعرُ عبّاس علي مراد في باكورة أعماله الشعريّة "وا حقيقة، إنّنا غرباء" حيث على نهجٍ اختطَّه شعراء قَرَنَ المكان ـ الأرض ـ الوطن بالحبيبة، فأنّث وأنشد وناجى وهفا قلبُه واشتاق كثيراً، حيث يقول: "أناديكِ تعالي" ويسمّيها يا "صاحبة العطر الملكي" ويعظّمها "أنت للعزّ". فالحبيبةُ هنا هي عيترون، بلدتُه الجنوبيّةُ اللبنانيّة التي طالما عانت من إهمال الدولة، وطالما عانت من الإعتداءات الإسرائيليّة، وطالما تصدّت، وغنّاها الفنّانُ مارسيل خليفة. والحبيبةُ هي جبلُ عامل ـ جنوبُ لبنان شريكُ فلسطين في المعاناة والأسى الطويلين. وهي العاصمة بيروت، يقول لها: "نحن بانتظار بريدك". وهي فلسطينُ أو "لحنُ الريح والشجر" فلسطين التي يَسفُك فيها "رُسُلُ الموت" دمَ أهلها ويهجّرونهم ويستوطنونها. وهي أستراليا التي ضمّدتِ الجراح وأحسنتِ الوفادة. 
والواقعُ هو أن مجموعةَ ""وا حقيقة، إنّنا غرباء" هي سيرةُ مشاعر شاعرٍ مهاجر من الوطن الأوّل لبنان إلى الوطن الثاني أستراليا حبّاً غضباً سخطاً حنيناً تودّداً تألّماً تعباً وتأسّفاً. وإذا المضمون يفرض الشكل فالسرد النابع من القلب يأخذ مداه، وبسلاسةِ لغةٍ تكشفُ قسوةَ العالم وما تصنعه الحروب بالأوطان بشراً شجراً حجراً وكائنات حيث "الجمالُ يُحال إلى رماد" أو تُطفأ المشاعل وتبدأ دروبُ التيه والحياة في الإغتراب الذي لا ينتهي، والوقودُ أيضاً هو صِراع الهُويّة، فمن هو الشاعر؟ هل هو لبناني أم هو أسترالي؟ هل هو عربي أم هو أنكلوسكسوني؟ أم هو الكلّ معاً؟ أليس بسببٍ من هذا الصراع يستسمح الشاعر أستراليا إذْ يُكثر من مناجاة لبنان والحنين إلى المنشأ الأوّل والتراب الأوّل؟. نعم "عفوكِ أستراليا" يقول عبّاس، وأيضاً "عفوكِ أيّتها الغيورة" وكم سنحبّ هذه الصفةَ لأستراليا عندما نكتشف أنّها ليست سوى انعكاس لحقيقةِ تملّك أستراليا من قلب الشاعر حتى تقاسمتْه مع الوطن الأمّ لبنان وربّما زادت برضى الشاعرِ عن حقّ.
عبّاس علي مراد هاجر إلى أستراليا منذ أكثر من عقدين، عمل ويعمل على صناعة ذاته، أفكاره جريئة وأحلامه نبيلة، يكره العنصريّة والطائفيّة والظلم بإطلاق، وكلّما عصف به التشاؤم اعتصم بالألم، ألا يقولُ أن الأعياد تمرّ حزينةً ولكنّها في كلّ عام لا تخطئ مواعيدها علّنا نعيد إليها ألقَها في الفرح، في المحبّة وفي الحب؟. 
"وا حقيقة، إنّنا غرباء" مجموعة عباس علي مراد التي تزيّن غلافَها لوحةٌ معبِّرة للفنّان إبراهيم منصور هي للمكتبة اللبنانيّة العربيّة الأستراليّة كي تكون بحقّ أيضاً على ما يذهب الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: "أجمل الأيّام تلك التي لم تأت بعد".
Shawki1@optusnet.com.au

آه منك أيتها الذكريات/ مها الرواس


اليوم تتزاحم الذكريات الى رأسي
متسارعة تحملني الى عالم الآلم وكأني أنا نسيته!.
انه هو الذي يسكنني ..لا انا اسكن فيه .
اليوم صورتك لا تفارق مخيلتي في كل الساعات والثواني انك امامي بكل ألمك .. بكل الآلم الذي يسكن كل انحاء جسدي .
في هذه اللحظات قبل خمسة أعوام كنت أطير فرحا",وارقص طربا على انغام دقات قلبي وصوتك في مسامعي كنا نتكلم أكثر من مرة في الساعة ونعد أنفسنا للقاء بعد ساعات قليلة.
قلبي يرتعش , أطرافي ترتجف , يتدفق الدم في عروقي بشكل غريب !
كل شيء كان غريبا" وجميلا"أعدالدقائق لأجدك امامي فأنا لهذه اللحظة لاأصدق ما يحصل ها انا آرى نفسي اسافر في طريقي اليك
أصل في السابعة صباحا" اجلس في الفندق أتحدث معك على الموبيل لانصدق كيف ستمر هذه الساعات! وكيف سنلتقي بعد ثلاثون عاما"!.
وكيف ستراني بعد كل تلك السنين.
اشياء كثيرة فينا تغيرت .. بل كل مافينا قد تغير الا حبي لك وخفقان قلبي باءسمك لم يسكت حتى هذه اللحظة.
ذهبت (للكوافير ) سرحت شعري..وارتديت اجمل ما رأيته امامي من أجل هذا اللقاء.
بطريقي للمطار شعرت ان المسافات لاتنتهي..ولااصدق اني سأراك بعد قليل وكيف سأنظر في عينيك لأول مرة مرة بعد ثلاثون عام ؟
ترى ماذا سنفعل؟.
.هل سأدعك تضمني بين ذراعيك تلك الضمة التي حلمت بها ولم أذق طعمها من قبل ؟
هل سأدعك تقبلني في خدي الذي حلم ليالي طويلة بملامسة وجهك؟
ألف سؤال وسؤال في فكري لاادري كيف تتسارع تلك الأسئلة والأفكار في خاطري وشعرت بأني سأهرب حين آراك تخرج من باب الوصول وكنت أحاول ان اختبىء خلف الناس المنتظرين احبائهم مثلي كم تمنيت ان اصرخ بأعلى صوتي ليعرف الناس هنا قصتنا
وفي هذه اللحظة رأيتك وعرفتك فورا وكأننا كنا معا بالأمس هذا انت..
هذا شعرك الأسود مع قليل من الشيب.. وهذه اللحية لم تكن في الماضي
لماذا انت ضعيف ونحيل كل هذه الأسئلة تدور في رأسي..وانت تبحث عني بعينيك الحبيبتان ..وانا احاول ان اختبىء خلف الناس قدر الامكان
كي تتأخر لحظات قليلة عن عن الوصول الي لأول مرة بعد كل تلك السنين.
ومرت ثواني ووجدت نفسي بين ذراعيك تضمني بقوة
وكأننا لم نفترق.. وكأنه لم يكن هناك الاف الليالي عشناها وكل واحد مننا لوحده بعيدا عن الآخر.
امسكت بيدي وانت تنظر الىي كأنك تريد أن تتحول بركان حب و شوق
آه منك ..بل ألف آآه انظر الى يدي بين يديك ..انها حقيقة وليست خيالا
لحظات حقيقية أعيشها..لحظات كم تمنيتها..وكم حلمت بها
منذ ان كان عمري خمسة عشر سنة وحبك يفتك بقلبي وجسدي.
لحظات لااستطيع ان اصفها ولا أصف شعوري فيها
الكلام قليل جدّا أمام عظمتها.. ورهبتها
وفي هذا الوقت بالذات وجدت نفسي أتذكر شعر نزار قباني وغناء نجاة الصغيرة
حمل الزهورا
الي كيف ارده
وصبايا مرسوم"على شفتيه
ماعدت أذكر والحرائق في دمي
كيف التجأت أنا الى زنديه
خبأت رأسي عنده وكأنني طفل أعادوه الى أبويه
نعم صبايا مرسوم على شفتيك و زنديك وتحت قدميك
نعم صبايا تحت قدميك .. وقد داسته أقدام عابرة كثيرة عابرة خلال تلك السنوات العديدة
ما عدت اعرف نفسي هل أحبك حتى الموت؟ ولماذا أحبك كل هذا الحب ! وانت كنت سببا في موتي كل تلك الاعوام
الآن عدت لتزيل تراب الزمن ..ولتراني من جديد تلك الفتاة الصغيرة التي عرفت الحب باكرا معك
مستحيل ..أنا أصبحت في الخامسة والأربعين,وأنت على أبواب الخمسون, وداريت خواطري ونهضت لأعدلك القهوة وعيناي لا تتوقفان عن النظر اليك,وأنت الفرح يتطاير من عينيك كالآلعاب النارية في ليلة الميلاد, و رأس السنة.
أنت أمامي بكل مافيك كما عرفتك, شيء واحد لم يكن موجودا فيك في ذاك الزمن, تلك البصمات التي تركتها النساء الذين قابلتهم بعدي تلك البصمات, أراها أشعر بها, تملأ أنحاء جسدك
أي مجنونة فيك أنا.
آي حب حملته لك كل هذا العمر, لا..لاأريد أن أتذكر هذه الآشياء الآن
نعم أيها الحبيب اريد لهذا اليوم أن أعيش ذكرى تلك الآيام بساعتها وثوانيها الجميلة فقط.
أذكر..وأذكر فأنا لم أعد أملك سوى الذكريات
نعم ايها الحبيب الراقد تحت تراب الزمن الحقيقي
لازلت أعيشك..وسأبقى أعيش على كل تلك الذكريات.
ولن يحجبك عني هذا الكوم من التراب

 

لم تكن تعلم ما يخفية القدر/ إيمى الاشقر

قصة قصيرة

كانت تسير على طريق الحياة و يملؤها الامل و ترى امام عيناها غدا
بازهاره الوردية و سمائه الصافية و طريقه الذى رسمته طموحاتها الجاده
الذى نهايتة النجاح و التالق فكم كانت مجتهدة صبوره لا تعرف معنى اليأس
و لا اليأس يعرف اليها طريق , و لكن فى يوم من الايام و بخطة مرسومة مسبقا ممن تكرهها و يملؤها الحقد و الغيرة منها سقط فوق راسها احمق يرتدى عباءة الانسان !! اقتحم عالمها القوى المستقل , فاشتعلت نار الغيرة  منها بداخله و الحقد  عليها  .. حاولت ان تاخذة الى عالمها لتجعله حقا انسان فحاول جاهدا ان ياخذها الى عالمه المعوق , الذى فيه الانسان بلا عقل او كيان !! ثارت و اختنقت و لم تعد تقوى على تحمل هذا الجبان , فزادت عزيمته فى القهر و العذاب كالجان حينما يلتبس انسان فيجعله اما يكفر او يحرق جسده بالنيران , و بعد ان استنفذت كل طاقتها و فارقها الامل قررت البعد و التخلص من هذا  الطوق الحديدى الذى التف حول عنقها و ضاق عليها حتى اختنقت و كادت ان تزهق روحها و تصعد الى خالقها لتشتكى له حالها و تطلب منه الرحمه و الخلاص .. تركته بعد ما فقدت الامل فى ان تصنع منه انسان و سقطت العباءة , و رات ما ينوى عليه هذا الشيطان المريض الذى له تاريخ ثرى فى المرض النفسى !! تركته و ابتعدت عن عالمه , و تركت له رسالة حفرتها الذكرى على جدار الزمن و ستقرئها له الايام بعد فوات الاوان ..
كُتب علينا الفراق و لكنى نادمة لاننى تاخرت كثيرا فى اتخاذ القرار , و الندم سيكون عنوان ايامك ليس الان و لكن حينما تنظر بين يديك و ترى نصفك الاخر فسوف يكون مثلك و هذا افضل انتقام .
إيمى الاشقر

ديوان شعري جديد لسعيد الشيخ/ ابراهيم الشيخ

وكأن القصيدة تصبح فيلما توثيقيا
صدر مؤخرا ديوان شعري للشاعر والقاص الفلسطيني سعيد الشيخ  المقيم في السويد بعنوان «ما يضر الكون لو أبقى حيا»الكتاب عبارة عن قصيدة طويلة موضوعها واحد وهوعبارة عن مشاهد مأساوية متلاحقة توثق حياة الانسان الفلسطيني وليس الانسان فقط وانما الكائنات المحيطة بهذا الانسان من زرع واغصان الاشجار وحتى الورود التي اختبأت بين الركام.
معظم اجواء القصيدة الطويلة مأخوذة من وحي عملية الرصاص المصبوب نهاية عام 2008 على قطاع غزة التي قام بها جيش اسرائيل المهووس بقتل الاطفال والنساء والذي يمتلك هواية تدمير الحجر وقلع الشجر.
  ان القصيدة عندما تعبر عن مأساة وطن وشعب يتعرضان لابشع انواع القتل والاقتلاع فهي تبقى خالدة لاجيال قادمة ويمكن الرجوع اليها في المستقبل لتذكرنا بصور ووقائع الجريمة من خلال الابيات الشعرية وكأن القصيدة هنا تصبح فيلما توثيقيا
ولان الشاعر يعبر دائما عما لا يشعر به الاخرون فالصورالتي تتراءى له أو التي يراها هي غير الصور التي يراها الانسان العادي، لان الشاعر يعطي للحدث ابعاد اخرى  يبث فيها روحا ويبعث برسائل انسانية بعيدة عن الابتذال، فالقتل اصبح في زماننا حدثا عاديا وعابرا نشاهده على شاشات الفضائيات وذلك لكثرة ما يتكرر هذا المشهد ان كان ذلك في غزة ومناطق اخرى من الارض الفلسطينية او ما يجري من قتل تحت شعارات مختلفة على رقعة هذا الوطن العربي الكبير، لكن هنا يبدع الشاعر ويصف لنا صور القتل بمشهد شعري مؤثر يؤثر فينا ويثير فينا الانسان ويثيرالانسانية للذي قتل الانسانية في ذاته. فالشاعر هو الأداة لايصال ما يتعرض له اطفال شعبه وشجر وطنه وكل الكائنات التي لم تسلم من الة التدمير الى العالم، من خلال القصيدة يريد ايصال مشاهد قذائف الفوسفور الابيض وهي تنهمر لتقتل الانسان الفلسطيني  الذي لا يجد من  يشعر بحياته في ظل حصار يعيشه من كل  الجهات فما بالك بموته الذي لا يأبه به أحد.
 هذه القصيدة موجهة الى الذين يدعون ويتشدقون بالانسانية وحقوق الانسان والحرية وهم انفسهم يمارسون الانتقائية والتمييز بين البشر وموتهم. هنا الشاعر بصورة مليئة بمشاعر النقد للغرب الذي صم اذانه عما يتعرض له الاطفال والنساء والارض والاشجار والطيور  وكلالكائنات الحية التي لم تسلم من الة الفناء الحديثة التي ابتدعها الغرب نفسه لقتل الانسان والانسانية ليسود منطق القتل والتدمير. ومن اجواء القصيدة :
 لا أتحدث عن إمرأة مبقورة
عند حافة الساقية
اتحدث عن حقوق المرأة
لا أتحدث عن طفل جعلوه درعا بشريا
في الشوارع المزدحمة بالجنود
أتحدث عن حقوق الطفل
لا أتحدث عن شجرة خضراء منذ الاف السنين
وصارت رمادا في الحريق
 اتحدث عن البيئة
لا اتحدث عن الحديد والنارفي حالة الهبوب
اتحدث عن أحوال الطقس
لا أتحدث عن الشواء الادمي
اتحدث عن فن الطبخ
أتحدث عن عملية الرصاص المصبوب
ولا أتحدث عن تزاوج الصهيونية مع النازية
بل أتحدث عن المثلية
هذه القصيدة الطويلة هي عن الحياة والموت عن البقاء والفناء عن من يواجه حمم قذائف الدبابات بجسده العاري القصيدة ترصد لنا مشاهد الفوسفور الابيض الذي اذاب اجساد الاطفال والنساء دون ذنب.
 نلمس في هذه القصيدة  بعض الومضات  من  احداث مر بها الشعب الفلسطيني في لبنان عام 1982  عندما  اجتاحت  الة شارون العسكرية لبنان، وما عملية الرصاص المصبوب الا امتدادا لهذه الحرب المعلَنة منذ زمن ضد الانسان الفلسطيني الذي تُرِك وحيدا يواجه مصيره.
 عندما يتكلم الشاعر في قصيدته عن  مشهد  يوغل في الحداثة  لم  يأت  به حتى جنود هتلر هنا نتكلم عن حداثة القتل التي لم تستخدم من قبل انما تعني ان يقتل الفلسطيني بأحدث اسلحة الموت التي صدرها الغرب لاسرائيل التي تمارس  شتى انواع الحقد والتعذيب والقتل لشعب اخر، فعقدة ذنب العالم الغربي باتجاه دولة تصادر حقوق الاخرين هو الذي يساعد في استمرار  بقاءها دولة فوق القانون. وهذا الدعم اللامحدود يشجعها على قتل الاخر الذي هو الانسان الفلسطيني الذي اصبح لا يعني شيئأ  في معادلات المصالح الغربية.  فمحاولة الغاء الانسان الفلسطيني ما زال مستمرا ثقافيا وحضاريا وطمس كل ما يمت له من تاريخ متأصل بتراب هذه الارض وعندما يفشل العدو بذلك  يعمد الى الغاء هذا الانسان جسديا، ويزعجه مجرد  بقائه حيا.
 ويريد  هذا العدو من هذا الانسان الضحية عدم التفوه بكلمة اه لان مجرد قول هذه الاه يعتبرها تمردا ويصادر حتى هذه الاهات ولا يريد ان يسمعها وأن يُسمِع صوت الانسان الفلسطيني للاخرين  لانه يعتبرها ادانة له وفضح لجرائمه.
 وما عنوان هذه االقصيدة الا تعبيرا عما يحتوي هذا الكتاب من ابيات شعرية تنضح بالصور المنتقاة باعتناء لايصال عما يحس به الشاعر من واقع اليم يعيشه ابناء وطنه  وتصميمهم على على الحياة ويعبر ايضا عن ان عدو الانسانية الدولة التي تسمى اسرائيل يزعجها بقاء الفلسطيني حيا يتنفس الهواء ولو كانوا قادرين على حجبه لما تأخروا على فعل ذلك.
صدر الكتاب عن دار سندباد للنشر والاعلام بالقاهرة.كما صدر للشاعر مجموعتين شعريتين الاؤلى بعنوان"كما تفكر صحراء"عن دار الفارابي عام 1998 في بيروت والمجموعة الثانية بعنوان "أرى صورتي في الغمام"صدرت في القاهرة عام2010 عن دار شمس للنشروالتوزيع   بالاضافة الى ذلك صدر للشاعر مجموعتين قصصيتين.
كاتب وصحفي فلسطيني