لماذا لم يكتمل الاحتضان 10/ محمود شباط

في ذلك الصباح الحزين المتلفع بألم الوداع وخدر البعد عن الأهل والأرض، قبيل انطلاقة زينو من قريته نحو بيروت، كانت الإذاعة اللبنانية تُرشد المواطنين إلى السالك والآمن من الطرقات المعقمة من ذئاب حواجز الخطف على الهوية. وتُحذّرُ من القنص على محوري الشياح وعين الرمانة وسائر المصائد البشرية الثابتة و"الطيارة".
كان زينو في تلك الأثناء ، وإلى أن يعود من مغتربه يتناول آخر فطور مع زوجته وطفله وأمه وأخوته، عيناه المغرورقتان تبثان غصة لو انفجرت لكتبت على حيطان البيت وساحة الدار : "آه يا أمي ! لو تعلمين كم كان خبزكم ألذ من كعكنا، و حداؤكم أعذب، وتينكم أطيب".
أقارب زينو الذين جاؤوا لوداعه كانوا يتحدثون بهلع عن الشياح و عين الرمانة، ويتحسرون كيف أصبحت تلك المرثاة على فم المذيعين بعد أن كانت أهزوجة معاوني "البوسطات" وسائقي سيارت التاكسي في ساحتي البرج والدباس يوم كان حمام العز والأمن والأمان يرفرف فوقهما. القرويون الهارجون يخشون على ضيعتهم من أن تصلها ذرات الهواء المثقلة برائحة البارود والنار والموت والدمار والخطف على الهوية، أو أن ينشر جسد ضيعتهم الصغير منشاراً كالخط الأخضر الذي يقص بيروت كمبضع يفصل توأمين سياميين. كان زينو في تلك الأثناء يعيش غصة حرمانه من زيارة قبر "أهله الجدد" ماما أديل وبابا اسكندر في المنطقة الشرقية ؟ في منطقة كانت قريبة حتى الأمس القريب. عز عليه افتقاد احتضانهما الروحي وتمنى لهما الرحمة.
زينو في طريقه إلى بيروت. في تلك الرحلة سوف يتفادى سائق التاكسي المرور في الكحالة والجمهور والفياضية والحازمية وغاليري سمعان. سوف يسلك طريقاً جديدة، تأفف أحد الركاب من طول وضيق و خطورة وصعوبة تلك الطريق التي فرضها على اللبنانيين من فرض الحرب عليهم ليعيد الفارضون كل خروف إلى قطيعه، ولكي يسهل جزر كل الخراف لاحقاً،السيارة تعبر عاليه، سوق الغرب، بشامون ثم إلى الطريق الساحلي "السالك الآمن" إلى بيروت. من هناك سوف يتجه زينو إلى مكتب السفريات. تمنى لو كان بإمكانه زيارة قبر أهله الجدد كما كان يفعل كل آخر شهر ووضع إكليل ورد عليه ولاستمرارية توأمة تراب ضيعته بتراب قبر ماما أديل وبابا اسكندر.
بعد استلامه لجواز سفره ممهوراً بتأشيرة بلد خليجي. شردت عينا زينو عبر نافذة مكتب السفريات في بيروت صوب غيمة تعوم بعيداً في الفضاء الأزرق، ناجاها تمتمة، تراءت له مسالمة كحكواتي عجوز طيب يضحك أكثر مما يحكي، تمتم المسافر الكئيب : "أعريني فرحك ليوم واحد أيتها الغيمة".
في البقاع البعيدة عن مسقط الرأس تستدعي الغربة مفردات مشابهة كالغروب والغراب والغريب. وكولادة الفرج من رحم الضيق تنفتح كوى انفراج احتضان الغريب للغريب حيث يقيم زينو مع زملائه اللبنانيين في العمل من كافة الأطياف السياسية والمذهبية. يتجادلون وتعلو أصواتهم ثم يتناولون العشاء معاً، يلعبون الورق ويتبادلون النكات وأخبار بلداتهم وقراهم معاً، ويتشاركون غرف سكن معقمة من خطوط التماس.
الغسق يكفهر في ذلك الأفق الزمني المفتوح. زينو ورفاقه يستعجلون العودة من غربتهم على وقع قرع طبل عملاق: عودة/لاعودة، هدأت الحرب/لم تهدأ، ستة أشهر أخرى، ستة أشهر أخرى ، ستة أشهر أخرى ..... ستة أ.... ويتماوج رجع الصدى فوق رمال الفيافي إلى أن يمتصه سرابها. أضحى زينو في غربته بوضع مقاتل متقهقر مشتت يقوده حذاؤه في مربع مقفل. يحده من الشمال والشرق والجنوب أحذية ثقيلة ومن الغرب رزمة تذاكر سفر وشجرة العائلة.
بين ستة أشهر وستة أخرى يفصل بينها دهور طويلة، يولد حدث أسود جديد يؤجل العودة ويستمر نحر ثواني العمر في الغربة. يتبادل زملاء المهجر الذين بدأ شعرهم بالمشيب قصص أطفالهم، حكى لهم زينو بغصة كيف نفر منه طفله حين عاد من الخليج ليقضي إجازته، وكيف بكى القلب النازف شوقاً لغمر فلذة كبده آن فر منه الطفل مبتعداً مرتعباً مستغرباً "الرجل الغريب". تحرج حياء وكاد يبوح لهم بمدى نمو خوفه على أشلاء روابط يدفنها البعد في فجوة سوداء تكبر كل ستة أشهر، بينما زينو يحكي كان كل من أصدقائه ينظر إلى الآخر ويرى في عينيه أسف ذوبان الشموع في مهب الريح.
خرج الشباب في هرجهم من إطار ألم الفرد إلى وجع الوطن. تحدثوا عن كبر هواجسهم على أوصال بلد تتناهشه أنياب الغرباء والأقرباء على السواء. وعن أحزاب تنبت كالعشب الضار، تتناسل كتكاثر الطحالب والطفيليات، وتتغذى على دم فراشة جميلة اسمها لبنان، وعبره على فلسطين المغتصبة من العدو و المضطهدة من الشقيق.
في تلك الأيام التي كان فيها لبنان كقاصر يتنافس للوصاية عليه شقيق وأخ ، ومض بارق انفراجة أخرى، وبينما الشباب المغتربون يحزمون حقائب السفر بفرح، سمعوا من الإذاعات بأن إسرائيل قد اجتاحت الجنوب اللبناني ففكوا الحقائب وأجلوا العودة إلى الوطن. كان ذلك في شهر آذار من العام 1978، صدر قرار الأمم المتحدة رقم 425 ولكن غطرسة القوة فرضت نفسها، جثمت إسرائيل وشكلت ما سمي بجيش لبنان الجنوبي فأصبح للبنان جيش جديد يضاف إلى عشرات الجيوش المنفلتة على أرضه.
كان "الجيش الجديد" ومواطنو الشريط الحدودي بنظر بعض المقيمين والمغتربين مجموعة من المغلوبين على أمرهم أجبرهم الحصار المفروض من الفلسطينين واليساريين على التعلق بحبل إسرائيل المجدول بألسنة الأفاعي، بينما اعتبره آخرون خيانة. هكذا وبشطحة لسان تعميمية.
لعب الشباب الورق، تبادلوا النكات وهجعوا كل على سريره المعقم من جراثيم خطوط التماس في انتظار غد آخر يحمل له ضوء أمل بعودتهم. ولكن صدمة جديدة كانت في انتظارهم هم وحقائبهم والذين ينتظرون عودتهم.
في صباح الرابع من شهر حزيران من العام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت إلى بيروت ثم انسحبت منها، التراجع لم يشمل أرضاً جديدة محتلة بلغت تلال قرية ينطا في منطقة راشيا، وأضحت طريق عام بيروت-دمشق ضمن مرمى الأسلحة المتوسطة ، ودمشق ضمن مرمى مدفعية العدو.
بينما جسد الوطن يتحلل تم انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. سادت ربوع الوطن المتوتر استرخاءة قصيرة، حزم الشباب المغتربون حقائبهم،لم يطل وميض أمل غير مناسب للعدو و غير مريح لطموحات الشقيق فقضى الرئيس الشاب في انفجار ووئد حلم التئام الجروح. فك الشباب الحقائب وجددوا عقود العمل لستة أشهر أخرى.
بين حزم حقائب وفك حقائب كان الشباب في مغتربهم يتجادلون بين مؤيد ومناهض حيال تشريع أبواب لبنان لليبيين والحرس الثوري الإيراني والشقيق والأخ. ويتناقشون حول ما تبقى من قوات الأخ الفتحاوي في البقاع اللبناني والشمال التي لم تستطع إسرائيل إخراجها منه فتولى الشقيق طرد الأخ إلى تونس بعد أن صفى قيادات وكوادر بالمئات.
خروج الأخ من طرابلس بقي نصراً منقوصاً في حسابات الشقيق ، كان على الأخير أن يمسك برأس الشقيق اللبناني كي يخضع كل الجسد، إذ كانت بيروت لازالت خارج مناطق تواجده لأنها ممنوعة على الشقيق والأخ معاً طبقاً لإتفاق "فيليب حبيب". وطالما أنه "لا بد من صنعا وإن طال السفر" فتح الشقيق باب قفصه للأوزة التي تبيض ذهباً ونفوذاً وأوراق تفاوضيه،يومها ولأسباب قيل بأنها تتعلق بالتوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني اشتعلت سلسلة من المعارك المحلية بدأت في قرية عيحا الحدودية ثم راشيا، مشغرة، العزونية، صوفر، شارون ، عرمون وتوقف المسلسل يستريح قريباً من الخط الساحلي بانتظار قطاف التفاحة الكبرى.
على تلك البقاع التعيسة الملتاثة بفقاعات القومية والإشتراكية وصراع العدو سوف يلطخ التاريخ جبهة العروبة المستعينة بمن كانوا في "جيش لحد" ، والذين ارتكبوا مجزرة مروعة ضد أبرياء في بلدة سحمر برعاية العدو وتخطيطه، احتضنهم الشقيق بعد انسحاب إسرائيل في شهر نيسان من العام 1985 من منطقة راشيا وتولى تسليحهم وتوجيههم بقيادة زعيم محلي.
بين معركة يشعلها الشقيق بدم اللبنانيين ويطفئها بدم اللبنانيين تأججت نار ما سمي بـ "معركة العلمين" في بيروت بين حركة أمل والحزب الإشتراكي يوم عيد العلم في لبنان، في تلك المحنة الصعبة كان البيروتيون على موعد مع الخطف والقنص والإخفاء. اشتعلت المدينة الوادعة الحلوة لمدة سبعة عشر يوماً إلى أن تمنى ساكنوها أن يأتي "القرد الأحمر" لتخليصهم من ذلك الجحيم فدخل الشقيق وأطفأ النار بالدم.
حين أمسك الشقيق مجدداً بالشطر الغربي من بيروت وامتداداته على الأراضي اللبنانية انفلشت رغوة السلم الأهلي فعاد عدد من زملاء زينو إلى لبنان ولكنهم هاجروا بعد عام. في الوطن المستباح كثر مداحو الشقيق ومتملقوه من كافة أطياف الأحزاب اللبنانية،ساوموا على دم شهدائهم وارتضوا لأنفسهم الالتحاق بركب القافلة. باعوا ماضيهم مقابل مقعد نيابي أو وزاري، أو وعد به، و جوائز ترضية بالمرور عبر الخط العسكري ومنح تعليمية في الجامعات ومعالجة طبية في المستشفيات لهم ولمن يزكونهم. استطيب بعضهم لقمة التهريب عبر مسالك برية يبيعها لهم ضباط ومتعاونون، هانت على تلك القيادات مبدئيتها السابقة وذابت في محلول القومجيين والمذهبيين. "يا حيف !! ". قيل لنا بأن هذا ما قالته صخور الجبال.
محمود شباط
الخبر في : 30/06/2012

نســــــــــــــــــــاء...!/ نبيل عودة


منيرة ورائدة صديقتان منذ أيام الثانوية. ربط بينهما رابط صداقة إنسانية أشبه بتلاحم جبلين لا يمكن الفصل بينهما. طالبتان تتمتعان بجمال خاص.. منيرة سمراء لها سحر الشرق، رائدة شقراء لها سحر الغرب. الأهل يتندّرون ان الشرق والغرب لا يلتقيان ولا يتفاهمان الا بمنيرة ورائدة. مرورهما في الشارع من البيت الى المدرسة صباحاً او من المدرسة الى البيت بعد انتهاء الدوام، يكاد يصيب الشارع بجلطة دموية توقف حركته... حتى عجائز البلد لا يتذكرون روحين بمثل هذا السحر الصارخ للسماء تمشيان على الأرض.
فجعت البلد بنبأ وفاتهما في يوم واحد.
قال شيخ البلد: سبحان الله على حكمته. جعلهما صديقتين في الحياة وفي الممات!!
حكمة الله لا تناقش ولا اعتراض عليها الا من فاقدٍ للإيمان، البعض يثرثر سراً أن شيخ البلد قال مقولته بأجرة تزيد خمسة أضعاف ما يربحه في سنة كاملة.. لعلها أيضا من حكم الخالق!
ماذا يقصد الشيخ الجليل؟
هذه تفاصيل ما بقي في الذاكرة من سيرة الصديقتين... منيرة السمراء ورائدة الشقراء.
منيرة ورائدة تجلسان متلاصقتين داخل الصف، حتى مدير المدرسة لم ينجح في الفصل بينهما لتخيف الثرثرة أثناء الدروس.. فكان الانتصار الأول للصديقتين.
طيلة أيام العطل والصديقتان معاً. اذا نظّم أهل منيرة مشواراً ما، لا ترافقهم ابنتهم الا بضمان مرافقة رائدة لهم. والعكس صحيح ايضا. وهذا هو الانتصار الثاني.
هذه العلاقة وطّدت الصداقة بين العائلتين لدرجة التخطيط لمشاويرهما بشكل مشترك. وهذا النصر الثالث، وعلى الأغلب لا تتناول الواحدة طعامها الا برفقة صديقتها، وكثيرا ما كان تناول الغذاء في بيت واحدة والعشاء في بيت الأخرى. وهذا النصر الرابع والحاسم، لا ضرورة لانتصارات أخرى، لأن طلباتيهما باتت تنفَّذ على أكمل وجه.
انهما "توأمان لم يلدهما رحمٌ واحد". كما كان يقول الأهل بسعادة لهذه الصداقة القوية التي أبعدت البنات، كما يظن الأهل.. عن الاستجابة لمعاكسات الصبيان والرجال المسحورين بجمال الشرق وجمال الغرب لدرجة الحلم بجمع الشرق والغرب في سرير واحد.
الصديقتان تحدثتا بجرأة وعلى مسمع من الأهل عن معاكسات المسحورين بجمالهما، وكيف جعلتا من بعض الجريئين مضحكة أمام الناس.
هذا طمأن الأهل ان سيرة البنات "عال العال".وان الواحدة منهما تحرس الأخرى.
الوشوشة بينهما لا تنتهي بعودة كل صديقة لبيتها، فما ان يحطا ركابهما في منزليهما الا والتلفون يُحجز لساعات من اجل استمرار المداولات التي لا تنتهي لدرجة اثارت غضب الأهل لإشغال التلفون وقطع الاتصالات مع العالم الخارجي التي قد تكون هامة، من اجل ثرثرة بنات لا هم ولا غم يشغلهما كما يشغل الكبار من واجبات ومسؤوليات.ولكن تحرير التلفون من ثرثرتهما يحتاج الى خطة استراتيجية محكمة.
ترددت منيرة عندما تقدم أحد الشباب الناجحين لخطبتها. فكرت ان ترفض، ولكنه فتى أحلام عشرات البنات اللواتي كان يسحرهم بمظهره وسيارته الفارهة وبيته الذي هو أشبه بقصور الأمراء. صديقتها رائدة ألحّتْ عليها ألا ترفضه، لأنه "شاب رائع" كما قالت، وأضافت:" ولا يتوفر صيدٌ مثله كل يوم". عندما اختلت منيرة به صارحته بأنها متردّدة لأنها لا ترغب ان تصبح زوجة وتتخلّى عن صاحبتها. طمأنها ان رائدة ستظل أفضل صديقة لهما والبيت مفتوح لها على الرحب والسعة، وانه واعٍ لعمق العلاقة بين الصديقتين، "فهذا ليس سراً في بلدتنا الصغيرة".
منيرة اقتنعت بما قال وتزوجت وسعدت بزواجها وزوجها.
يبدو أن زواج الأولى، او "الفصل بين الجبلين" كما لاحظ الأهل، فتح الباب على مصراعيه أمام رائدة، فها هم العرسان المتنافسون على الزواج من الشقراء المغرية يتدفقون يوما اثر يوم، بخاطبات وغير خاطبات من رجال دين ورؤساء بلديات وزعماء سياسيين وشخصيات اجتماعية وعلمية هامة، من أجل إقناعها بقبول العريس ابن فلان وحفيد فلان المنتمي بقرابة لذلك الزعيم، او تلك الشخصية، وهذا كان يشعرها بالاشمئزاز. لم يكن الحديث عن العريس الا بصفته ابن فلان وقريب فلان وامه بنت فلان، و"خاله ابو ضراط كان فارس الفرسان" كما كانت تعلق رائدة ساخرة ومصرة على رفض كل من تقدم عبر احدى الخاطبات او الشخصيات وتضيف "لن أتزوج من سرّ مجهول.. انا لست صحّارة خضرة تباع بالكيلو.. لماذا حضرته لا يظهر أمامي ويخاطبني مباشرة بشخصه وليس بنسبه وأهله؟ هل يظنوني مجرد شقراء غبية تنتظر بغلاً تربطه بجانب سريرها لاستعمالها الليلي؟ "
كانت تشعر بالمهانة من "التقاليد البالية التي تعتبرها حلْيةً لتزيين غرفة النوم" كما تقول بغضب مندفع. لولا منيرة التي حضنتها ولم تتركها وحيدة في ساعات الشدة تلك، لطردت جميع الخطاب والخاطبات قبل ان يفتح أحد فمه بكلمة ولو كان رسولاً لدين جديد.
"ولكننا عرب ولا نطرد الضيف"، كان يصر والدها برجاء ظاهر... ويضيف مكسوراً أمام إصرارها: "نستقبلهم باحترام ونصرفهم باحترام".
كانت تقول لمنيرة وهي ترتجف ضيقاً وغضباً:
- هل يعتبروني بضاعة للبيع باوكزيون الزواج لمن يزيد في النسب؟ لن اتزوج بهذه الطريقة من نكره اسمه ابن فلان وحفيد فلان!!
في الواقع كانت رائدة تقارن من تراه من الخطاب بزوج صديقتها ومكانته، ولا تجد بينهم من يناسبها لتكون في نفس مقام منيرة وبمستوى اجتماعي ملائم لصديقتها وزوج صديقتها. وهذا أشعلها بنيران الغضب، بما بدا لها تقليلاً من قيمتها بأن يتجرأ من لا يسوى شيئاً ان يطلب يدها، لأنها "بنت أمّورة وجميلة وسيرتها حسنة". وكان ينقص ان يضاف بأنها "وجبة ليلية شهية للرجال..".
لكن لكل إشكالية حلاً. فها هو زوج صديقتها يسألها اذا كانت معنية بمقابلة زميل له في العمل، شاب جامعي مجتهد يتوقع ان يكون له مستقبل ناجح. رآها في حفلة عرسه هو ومنيرة، وذاب بسحرها وجمالها ولكنه خجول بطبعه، وعندما سمع ان العرسان يتدفقون لطلب يدها تشجّع ليلحق حاله "قبل ان تطير الشقراء من يده" كما علّق بابتسامة زوج منيرة، وكلف هو، زوج منيرة بدور المبادر و"إيّاك ان تسمّيني خاطبة" أضاف ضاحكاً.... وقال: "ها انا أجسّ نبضك، ما قولك؟.. الشاب لا يطلب يدك، ولن يرسل اهله او الخاطبات ويريد ان تتعارفا أولاً بدون أي التزام.. وكل شيء مفتوح، إما ان تواصلا او يذهب كل واحد في طريقه".
هذا العرض لقي استحسانها.
صمتت رائدة، وراحت تفكر.. سألت زوج صديقتها: "هل تنصحني به؟"
أجاب: "لو كانت لي أختٌ لوجدته أنسب الشبان. التقيه قد لا يعجبك، وقد لا تعجبيه رغم جمالك ورجاحة عقلك."
ابتسمت وقبلت ان تلتقي به.
كان اللقاء أكثر إثارةً مما توقعت. أعجبها بأناقته وهدوئه ورجاحة منطقه، وأسلوب حديثه، وتعليقاته الحرّاقة على العادات البالية، وكأنه يقرأ أفكارها، ومعرفته الواسعة او الموسوعية كما أيقنت من أول جلسة معه في بيت صديقتها. شعرت انها تجلس مع إنسان حضاري، يسحره جمالها بالتأكيد، ولكنه يبحث عن الزوجة المناسبة أيضا.
كان يتحدث بلا تكلّف. ببساطة وهدوء وبلا عنتريات. تحدث عن نفسه وخططه المستقبلية بمنطق ووضوح ولم يبن لها قصوراً في الجنة، بل طرح أمامها تحدّيات نابعة من التفكير بمسقبلهما المشترك. شدّتها ابتسامته التي تعطي لوجهه بشاشة وراحة لا يملّ الانسان من النظر الى وجهه. الأهم انها شعرت براحة نفسية وهي تبادله الحديث. وكانت متحمّسة لكي تلقاه مرة أخرى.
- صيد ثمين كما أشعر؟
علق زوج منيرة ضاحكاً. ولم يوضح مَن الصيد ومَن الصائد، ولكنها قبلت تعليقه بابتسامة وراحة نفسية لم تشعر بها منذ بدأ الخُطّاب يُخرجونها عن هدوء أعصابها..
تزوجت رائدة، ولكنها ثكلت زوجها بعد سنوات قليلة بحادث طريق أليم. صُدمت ورفضت كل عروض الزواج الجديدة التي وصفتها بأنها أشبه بوصفة طبية لمرض اسمه "الترمّل"، وهي لا تراه مرضاً ولا تنتظر شفقة رجال رغبتهم بمضاجعتها وليس ببناء حياة مشتركة معها.
كانت رائدة تزداد أناقة وجمالاً، بملابسها التي صارت أكثر احتشاماً من أيام المدرسة والشباب المبكر. لأول مرّة تنتبه منيرة ان الملابس الأنيقة الرسمية الى حد ما، لا تقهر الجمال، بل تجعله أكثر بريقاً.
منيرة احتارت كيف تصمد صديقتها بجمالها الذي "يلوي الرقاب" في كل محضر وموقع، بلا زوج يمتّع لياليها ويدفئ قلبها وهي تلك المرأة التي تشعّ جمالاً وإغراء لا يصمد أمامه الرجال؟
هل حقاً لا علاقة بين المرئي والمخفي؟ بين الجمال البراق ورغبات النفس المخفية؟
- لا أجد الرجل المناسب.
كانت ترد باقتضاب على من يسألها ولا تضيف.. بل تبتسم مثل الموناليزا ابتسامة ساحرة تقول أشياء كثيرة ولا تقول شيئاً بنفس الوقت.. مما يزيدها جاذبية أنثوية.
توثّقت العلاقات أكثر بين الصديقتين بعد وفاة زوج رائدة، لدرجة ان رائدة لم تكن تتردّد في قضاء بعض الليالي في بيت صديقتها. ولم يكن زوج منيرة يعترض، بل يقوم على خدمتهما ويحدثهما بآخر الطرف، ويمازحهما بلطافته المعهودة، بل ولا يتردّد ان يسبق زوجته للنوم مبكرا اذا كان على سفر او برنامج عمل او بسبب إرهاق العمل والمسؤوليات ويترك الصديقتين تثرثران حتى يرهقهما السهر.
الإشاعات بدأت تتردّد مستهجنة من هذه العلاقة. ولكن السمعة الطيبة لمنيرة وزوجها وخاصة مكانته الاجتماعية وأمواله التي تشتري البلد كلها اذا شاء، كانت كفيلة بإبعاد التعليقات والشبهات تماماً.
صدمت البلد إثر حادث مأساوي غريب.
توفيت الصديقتان في نفس اليوم بشكل غير متوقع وهما في قمة جمالهما. كانتا في قمة توهجهما الأنثوي. يبدو ان الشرق والغرب لا يفترقان حتى في المصائب، ومصيبة طرف هي مصيبة الطرف الآخر.
في استراحة السماء حيث يجري الفرز بين أهل الجنة وأهل النار وقعت المفاجأة الكبرى. التقت الصديقتان على غير موعد:
- رائدة.. ماذا تفعلين هنا؟
- متُّ متجمدةً يا صديقتي... وانت يا منيرة، ماذا حدث لك؟
- متُّ بنوبة قلبية.
- وتركتِ زوجك وحيداً؟
- انها مشيئة الله.
- وكيف أُصبتِ بالنوبة القلبية؟
- آه يا صاحبتي.. انت تعرفين زوجي ورغبته المجنونة بالنساء.. كنت أشك بان له علاقات مع غيري، صحيح اني صارحتك بشكوكي ولكنك قلت ان شكوكي غير واقعية، وقلت: "انه زوج مخلص وحضاري، انظري كيف يعاملك كملكة، ويعاملني كصديقتك مثل أميرة وليس مجرد ضيفة عندك؟" ومع ذلك يا صديقتي رائدة للمرأة مجسات حسية لا تخطئ كنت أشمّ رائحة المرأة الثانية في ملابسه، في أنفاسه، كان يعترف انه مسحور بجنس النساء، ولكنه منذ تزوجني لم يرغب بامرأة أخرى غيري، كان شيئاً يلحّ عليّ انه كاذب. عندما ننصهر لا يناديني باسمي. هل يخاف ان يغلط ويناديني باسم المرأة التي أحسّها بيني وبينه حتى ونحن في قمة لذتنا؟
كنت أحدثك لتساعديني ولكنك شككت بظنوني.. ووصفت شكوكي بانها أوهام..
استأجرتُ مراقباً، تلقّيت منه يوم نوبتي القلبية تلفوناً، يخبرني بأن عشيقة زوجي دخلت البيت وانه شاهدهما من نافذة البيت يتعانقان يتعريان ويدخلان غرفة النوم. ولكنة لا يستطع ان يؤكد قطعاً ما يجري في غرفة النوم. كما قال. فأثار غضبي لغبائه..
عدت الى المنزل مثل المجنونة لأضبطه في لحظة خيانته.
كان الباب مغلقاً. قرعت بقوة.... بعد دقائق خِلتُها دهراً فتح الباب وهو بمنتهى أناقته وملابسه ويمسك جريدته اليومية في يده. فوجئ لظهوري، ولكنه كعادته أراد ان يستقبلني بقبلة. دفعته وصرخت بوجهه:
- اين المرأة التي كنت تعاشرها؟
التفت إليّ متظاهراً بالبراءة:
- هل جُننتِ.. وهل لدي وقت لهذه المغامرات؟
صحت به:
- المراقب شاهدكما تتعرّيان وتدخلان غرفة النوم، بالتأكيد ليس للصلاة؟
ضحك وهو ينكر أي استعداد لخيانتي:
- هل أعد لك كوبَ شاي لتهدأ أعصابُك وشكوكك؟ يبدو ان مراقبك يحب الأفلام العربية والتمثيليات التركية..
كنت أصرخ:
- قل لي اين خبأتها؟
- سأبحث عنها في جيوبي.
قال ضاحكاً وساخراً وبدأ يقلّب جيوب بنطاله ويفرغها.
- هل رأيت، لا شيء. ربما هنا في جيب القميص؟.. وهل من امرأة تملك سحرك لأخونك معها؟
كنت واثقة انه كذاب. دفعته عني وركضت كالمجنونة داخل المنزل. بدأت أبحث في كل شبر من المنزل. وراء الأبواب، تحت الأسرة في الغرف، داخل الخزائن في الحمامات، في الساحات الخلفية، في الطبقة الثانية، في العلية، نبشت الأسرة لعلها مختبئة تحت الأغطية، أعدت التفتيش وركضت للطبقة الثانية صعوداً على الدرج.. ونزلت ركضاً، وخرجت للساحة، وأعدت الكرّة مرّات ومرّات وأنا ألهث بصعوبة من الإرهاق والغضب لأني على علم انها مختبئة في منزلي ولم تخرج كما أكد بقوة المراقب الذي استأجرته، ولكني لا أنجح في إيجادها. كنت أبحث وانا على يقين ان عشيقته مختبئة في مكان ما. المراقب أكد انها لم تخرج بعد ان اتصلت به للمرة العاشرة، وقال انه شاهدني أدخل وانه هو ما زال خارج المنزل وانه التقط صوراً لها للتأكيد على أقواله وسيعدّ لي نسخاً منها.. ويؤكد بشكل قاطع ان عشيقة زوجي لم تخرج من المنزل.. اذن أين اختبأت؟ عدت أجري من مكان الى مكان والتوتر يضغط على أنفاسي. وركضت صعوداً للطبقة الثانية، ومرة أخرى للغرف والخزائن والأسرة، تحتها وفوقها، وعدت أجري نزولاً للطبقة الأولى.. كنت أزداد قهراً وغضباً وتوتراً وزوجي جالس وكأن الأمر لا يعنيه، يقرأ صحيفته مما أشعرني اني قنبلة موقوتة ستنفجر وتنسف البيت وبما فيه... وفجأة لا اعرف ما جرى لي.. شعرت بوجع هائل في صدري، فارتميت فوق الأرض.. ولا اعرف ما جرى بعد ذلك.. ولكن قيل لي وانا أعبّئ أوراقي الثبوتية قبل الدخول لهذه الاستراحة، اني متُّ جرّاء نوبة قلبية، وها انا هنا معك.. رغم انك أفضل رفيقة ويسعدني وجودك معي دائماً... ولكني لا أتمنى لك الموت المبكر مثلي..
وانت يا صديقتي كيف تجمدت والدنيا صيف وفارقت الحياة؟
- آه يا منيرة يا صاحبتي، لو انك بحثت داخل ثلاجة التجميد لكنت اليوم أداعب زوجك بدل ان يظل وحيداً!!

nabiloudeh@gmail.com

قراءة لما بين السطور في أشعار الشاعرة عزة سلو: ميمي قدري/ صفي الدين ريحان


القول المسطور بين الجائز والمحظور وقراءة لمابين السطور في أشعار الشاعرة عزة سلو(ميمي قدري)
لشاعر الدقهلية الغنائي صفي الدين ريحان عضو اتحاد كتاب مصر
عضو جمعية المؤلفين والملحنين بباريس

صائدة الكلمات والحروف المنتقاه الشاعرة ميمي قدري- عزة سلو- صاحبة المفردات والجمل الشعرية الحريرية القادرة على فرج وتصغير الواقع بالخيال في سلامة ورشاقة تُحسد عليها.
تعرفت عليها من خلال قصائدها التي كانت تُلقيها في الندوات التي أقيمت في نادي الأدب بالمنصورة أو اتحاد الكتاب فرع الدقهلية وأدركت لحظتها أنني أمام شاعرة متميزة متفردة متمردة متجددة كنهر النيل ولكنها لم تأخذ حظها من الإنتشار رغم أنها تملك أدواتها وأنها مبدعة متحققة من العيار الثقيل
وتعجبت لأن أرض السنبلاوين المنجبة التي قدمت لمصر والعالم العربي قيثارة السماء كوكب الشرق أم كلثوم بحنجرتها البلاتينية وأدائها المُقنع الساحر حيث تأبى السنبلاوين اليوم الا أن تهدي لمصر وللعروبة أصلا الشاعرة المهندسة- عزة سلو- الصوت الأنثوي المبدع الآتي من وادي عبقر وبكل تواضع وإقتدار تقدم لنا الشاعرة الثائرة المثابرة الجسورة التي ينهمر الشعر منها كشلال جارف لننهل من نبعها السهل الممتنع الذي لا يفلح في فك شفراته وطلاسمه الا كل من لديه صبروفسحة من الوقت ليعكف على قراءة النص مرات ومرات و في كل مرة يخرج بتآويل جديد ذو دلالات وإسقطات لم تكن لتخطر على باله فيعيد قراءة النص مرات ومرات دون أن يعتريه ملل أو يصاب بضجر مستسلما للذة آسرة ولنشوة غامرة فتغتسل روحه برذاذ هذا النبع اللا انساني فلا يشعر الا وهو يردد أشعارها الآخاذة المبهرة متغنياً بها وفي الحقيقة انه يتغنى بجرحه وهو قد بدأ يتعافى ويبرأ من سقمه من خلال كلماته الشافية
أن- رنين الغياب-هذا الديوان الذي نشاركها اليوم أفراح حفل توقيعه بمقر حزب التجمع الوطني بالمنصورة في ندوة الأربعاء التاريخية المبجلة التي تُذكرنا برموز هذا الحزب الذي قدم لنا رموزاً من شوامخ الفكر والسياسة من أبناء الدقهلية الذين نحترمهم ونحتفظ لهم بكل الإعزاز والتقدير أمثال المفكر الاستاذ عبد الغفار شكر والاستاذ رأفت سيف عضو مجلس الشعب السابق والصديق الاستاذ محمد الضهيري وغيرهم مما لايسمح المجال بحصرهم جميعاً
ومما لاشك فيه أن شاعرتنا المحترمة قد بلغت مرحلة من النضج الفني مما مكنها من التعبير عما تشاء أن تعبر عنه شعراً بتمكن واقتدار وبساطة شديدة دون أي تكلف أو تقعر وخاصة اذا ما أخذنا في الإعتبار أنها حاصلة على بكالوريوس هندسة ألات زراعية بالإضافة الى ثقافتها العالية واطلاعها على مفردات التراث الإنساني فلا عجب أن تصبح شاعرتنا شاعرة البوح والنوح والشدو والشجو والتهجد والإبتهال وصاحبة المواقف التي لا يحدها مكان ولا زمان شاعرة الثورة _-عزة سلو- وهل الشاعر الا مواقف

أغنية -روشتة حب- (ممنوعة الصرف)
تأليف الشاعر الغنائي صفي الدين ريحان
مين الا قال ع الحب جنون
دا الحب سر عمار الكون
له في الحياة ميت طعم ولون
واللي مادقش مسيره يدوق
الحب دقة قلب حنون
لو قل حبه العمر يهون
مفتاح أمل وأمان مضمون
رقة وخفة ورحمة وذوق
تلقى الوجود في عينيك بستان
فيه كل شيء زاهي وفتان
والطير بيعزف ع الأغصان
لحن الوفاء بالصوت والضوء
فيه القمر والليل سهران
ويا النجوم وبتدور في أمان
والفرحه طاله في كل مكان
والدنيا تصفى معاك وتروق
نسمة هوا لمست خدين
والنخل ميل على الشطين
خضرة ومية تسر العين
بالحب تبقى أسعد مخلوق
الحب فرحة قلب حزين
من بعد هجر وشهور وسنين
وعد وانكتب بلقى الحبيبين
نصيب وراحة بال وهدوء
الحب دعوة وخير وسلام
خفة وعفة وطولة بال
فيه كل شيء حلو بينقال
فيه الخيال طار بينا لفوق
والغيرة فيه بتهد جبال
تطفي لهيب وحلاوة الشوق
واللي انحرم م الحب ياناس
يعرف طعم الإحساس
حيران وحيرته ماليها أساس
قلبه عليل مليان بالسوء

اهداء هذه الأغنية لشاعرتنا الرائعة ميمي قدري -عزة سلو- التي حققت مفهوم هذه الاغنية في ديوانها –رنين الغياب- ولعل السادة الحاضرين يتفقون معي

حيث أن الشاعرة -عزة سلو- تلك المرأة المصرية الحديدية ذات الإرادة الفولاذية لم يكن الشعر عندها وسيلة للإرتزاق أو ستاراً لأنشطة أخرى لا يعلمها الا الله ولم يكن أيضا مجرد هواية للتسلية او للوجاهة الإجتماعية ولكنه من الواضح في هذا الديوان –رنين الغياب – أن الشعر سلاحها الفعال في مواجهة الأخطار التي تحوطها من كل مكان ولأنها صاحبة قضية فقد استماتت في الدفاع عنها بقوة واستبسال فتوجت نفسها ملكة للمنظمة الآبدية الآزلية لحقوق الإنسان أنها صاحبة الجلالة والفخامة والسمو – الشاعرة –عزة سلو- (ميمي قدري)المسحورة الساحرة
شاعرة الصوت والصدى والأنين والرنين
القصيدة سفينتها التي تقودها بإقتدار في بحر بالأمواج والرياح والأعاصير والرعد والبرق والأمطار لتعبر بها من عوامل الإحباط واليأس الى شاطيء الأمان والرجاء


حبيبتي.. إلى أين؟؟!
حبيبتي رحلت وقت الأصيل
جاءها النداء من قصور الجن
لملمت أشياءها هداياها....
وقصص الدمع والعشق
الجميل

امتطت صهوة جوادها الحالم المطرز بالحروف
واعتذرت للورد ولأمواج القمح
الجارية خلفها...
ولأحلام الصبايا المسروقة من نبض العزيز
في تنهداتِ مسفوحة على أعتابِ الصروح

حثَّت الجري تسابق الريح
وشباكها تجر أذيال النجوم...
لم تُـبْقِ لأنفاسنا شيئاً غير الحريق تلو الحريق...
ولوعة الوحدة والفراق

فالأرض غدت من دون ربيع
ومن دون مطر يروي في ثناياها الحياة..

لارعد ,لابرق ,ولاحتى تعويذة للموت
أو لفصول من سبات...تعدني بأمل أن أصحو وفي أحضانها ...
أبات

صرختُ في امتدادات المدى المكلوم بجُرح السنين
دعوتُ أرواح الأنين
خلقت منهم جيشاً عرمرم ..لا يلين
وأشرت لهم بصلاة تُرضي الله

أيها القدوس الغفور القدير
أيها الرحيم الجميل
الذي نراه وهجاً وأبداً لانراه سراباً
رحل ملاكنا الحارس بدون مقدمات
أخذ في يمينه أقواس قزح
وأغاني العذارى
وابتسامات الشوق وكل الذكريات
أنحن معاقبون يالله بهذه النهايات
أيها العزيز الجبار
كل عِزة هي منك
وكل عطر ورحيق وشوق ولهيب عشق وحب
هي منك
أعدها لنا.
من غيرك يُطمئن فينا نبضات القلوب
نحن مساكين في أرض الخوف
نسمات أرواحنا فيها ليل نهار
من يُعانقنا في رحيلها
من يُبحر في أعماق عيونها ليُلملم سلالاً
من لؤلؤ الرغبة وجمالات الخلق.

وفجأة ً:........
لمع البرق كعواصف الربيع
وانحنى الغيم كسجاد يستعجل وقت الصلاة
وانبثقت عروس طهرها الله
وأشرقت في قلبي عنواناً جديداً
وعشقاً وحباً وأجيالاً
من فرح
هذه القصيدة الرائعة ذات البعد السياسي والخطير هي تضفير للخيال مع الواقع المعاش وربط بين الخط العام والخط الخاص بعد أن حاوطتها الأنواء والهموم من كل جانب برحيل ربيبتها المفاجيء
وبعد أن غلبتها الهموم والدموع والأنين. خلقت من الأنين جيشا جرارا من الأرواح وأشارت لهم بإقامة صلاة ترضي الله سبحانه وتعالى وأمت الصلاة بدموعها وفي حالة حتى الخشوع والإبتهال بدأت تناجي الخالق الأعظم وبدأت حالة من الحوار المهذب من إقصاء الشباب المباغت عن المجتمع خلق إشكالية خطيرة غير متوقعة على أرض الواقع ضاقت بها الأرض بما رحبت ... فإمتطت صهوة جوادها الحالم وهل كانت صهوة الجواد الحالم سوى الثورة بكل ما تعنيها الكلمة من معنى ذهبت حبيبتها لتُعيد حلم الصبايا المسروق حيث إنعدمت مقومات العيش في أرض تفتقد لمقومات الحياة الأساسية حيث لا ربيع ولا مطر ولا رعد ولا برق أرض بغير صبا والأحلام فيها مسروقة ما هي الا أرض للخوف ونحن فيها مساكين ولذلك ضاقت الأرض بما رحبت وتفجرت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأشرقت الأرض بنور ربها
كل الأمنيات الطيبة لشاعرة الثورة الأستاذة عزة
والى اللقاء أيها الاصدقاء في مؤلف من مؤلفاتها المبهرة

مع تحيات ا/ صفي الدين ريحان
عضو اتحاد كتا ب مصر
عضو جمعية المؤلفين والملحنين بباريس

من هرمونات الحركة الإبداعية الحديثة لجيل الشباب الهاربين من الأبيض والأسود الاجتماعي/ هدلا القصار

"أن كل التجارب تبدأ من الصفر، وتكبر إلى إن نمتلك العزيمة والرغبة الحقيقية للنجاح، كما كل تقنية وكل تطور حداثي يبدو في البداية غريب وشائك، ولكن السير فيه ليس صعبا ولا مستحيلا، نحتاج فقط أن نكون مستعدين للوصول . نتململ أحيانا، أحيانا أخرى تستسلم للظروف التي تحيط بنا وتفرض علينا فرص كسر طوق عزلتنا ودمجها في المجتمع وفق توجهات مخيلتنا وأفكارنا، لتناسب مع ميولنا، ولنتمكن من تنوع كتاباتنا الأدبية لكي نجد لنا موطئ قدم في هذا العالم القريب منا، والبعيد عن مجتمعنا الذي ما زل يراهن على جمالية أوراقنا الكتابية".
نحن نعيش في عصر السرعة والحداثة ولا بد لنا من المتابعة الحثيثة لهذه الحداثة بكل مستجداتها، لتنعكس على مستقبلنا ".
ومن اجل هذا المستقبل التقطنا حديثاً باقة من الكتابات الإبداعية للجيل الجديد، المبحر بحروفه المرصعة من حدائق أعماله الأدبية، كالتي وجدناها في كتاب " لذة البرتقال" الصادر عن مؤسسة تآمر للتعليم المجتمعي سنة 2011، المحلق بأجنحة المواهب الشابة، في إبداعات مواهب كتابات الجيل الناشئ .
أقتصر كتاب " لذة البرتقال" على تقديم اثنا وثلاثون نصاً، في 78 صفحة من المتوسط الطويل، لإحدى وعشرون كاتباً وكاتبة، لا تتعدى أعمارهم العشرين عاماً، سجلوا إرهاصاتهم النفسية ألمنطلقة من أصواتهم القلمية البكر، لنكتشف الصلات المرتبطة بإبداعات نصوصهم المزينة بلوحات ورسومات، سريالية تعبيرية ...، وصور فوتوغرافية لمواهب تبشر بانطلاقة عقول وأذهان مزينة بالأدب الشبابي، الموزع بين الفكر والفلسفة، وبين السخرية والجدية، وبين الخيال والواقع الخالي من الصنعة البهلوانية المفبركة، واضعين أنفسهم في مونولوج فاعل، ليقدموا للمتلقي ميزات مهاراتهم، وقوة تصميمهم على إبراز هموم المجتمع وتأثيره على البيئة والعائلة، ولنتعرف أكثر على ذاتية وخصائص هذا الجيل الشاب في مراحل نموه ألمرمي على دروب الحياة، لينافسوا أقلام بعض الكتاب المخضرمين اللذين ما زالوا يجترون أوراقهم البعيدة عن عقول مجتمعهم واتجاهاته الحديثة دون تخطيط منهم".

من خلال هذه المؤسسة التي عملت على مصادرة هذه الكوكبة من المبدعين الناشئين، لتأصيل ثقافة الجيل الحضاري، وللاستفادة من استنطاق الحالة الوجودية لكل كاتب، أو قاص، أو شاعر لديه نبوءة بكثير من التفكير بعمل يمتلكه الإنسان بدون سبب واضح، حتى إذ بحثنا في مشروعهم الحداثي سنجد فيه رموز معبرة عن حياته، وحاجاته العمرية ... بما أن هذا الجيل هو المثال المحرك لملامح مجتمعه، وواقعه، وانتمائه الوطني، وتاريخ تكونه، ووجوده في الشارع، وعلاقته الإنسانية، والوجودية، والاجتماعية المرتبطة بجميع تلك العناصر، المستخرجة بطرق سردية بسيطة تتكلم عن كل فرد في الحياة والمجتمع، كمادة حكائية لبلورة الواقع الحقيقي الذي يقع على عاتق نشأتهم التي تحمل بين طياتها معاناة جيل الشباب وكآبته المحيطة بهذه الروابط الشائكة، المنتجة كاميرات خيالهم الإبداعي، وعلاقة مع ما يجمع بينهم من مواقف وتوجهات مشتركة في تجربة الحياة الحضارية بالشكل والمضمون، من خلال رؤيتهم، واصطدامها في براءة أحلامهم التي أخرجوها للمتلقي في مكاشفتهم جوهر مشاعرهم، وروح كتاباتهم، لنرى في أقلامهم تجسيدا لبراعتهم الفنية وإبداعاتهم التلقائية، وتصوراتهم المقتطفة من لحظة حركة الحياة بطريقتهم الخاصة، منطلقين من الفروق الفردية بين الأفراد من حيث الخصائص وميول الشخصية ومتطلبات الفرد في المجتمع
سنحاول في هذه المساجلة أن نلقي الضوء على بعض من أعمال هذا الجيل ومهاراته الفكرية ونضج ألوانهم الوردية في الحياة .

لنبدأ بورقة طفل المعجزة يحيى عاشور،
ابن الحادية عشر، الذي كانت أسنانه اللبنية في حالة تبدل في ذلك الوقت، قدم للمتلقي نصا سرديا في غاية الروعة والجمال الأدبي مقارنة بمن في عمره، بعنوان "حلم " فمن وجهة نظرنا، إذا كان نصه آتي من نتاج هذا الحلم المحتمل!؟ سوف يكون بالفعل هو حلم حقيقي وهو حلم الشعر أو الكتابة الإبداعية، كأي شاعر أو مبدع تأتيه ومضة المخيلة بين الصحو والغفوة .
لكن يحيى عاشور أوحي له الشاعر الفلسطيني محمود درويش رحمه الله " حين أتاه ليخبره برفع شانه الشعري، وليستكمل مسيرته، وقول ما كان يريد قوله قبل وفاته، لنستعرض بعض المقتطفات من وصية شاعرنا الكبير محمود درويش في حلم، يحيى عاشور حين قال له:

(( قل لهم أني عدت إلى الحياة،/ حاربتهم وحققت ما أريد،/قل لهم أني أخشى يوماً في المستحيل ألا تحبوا أشعاري . / قل لهم أني مت مرتين،/ المرة الأولى مت ساهياً عن قبلي،/ حـاولت النهوض ونهضت لأجلكم . قل لهم أن يشعروا بالحكمة عندما يغنون لي ولأشعاري،/قل لهم أن ما أردت أخباركم به كتبته على ورق ولم يجف الحبر بعد،/ قل لهم أني أحببت ارضي،/ التي حلبت لي شعور الأم والحب لها ./ قل لهم أني لم أكن عدوا لأحد منكم،/قل لهم في المرة الأخيرة، أحسست بتوديع الأرض الطيبة الحنونة ./ قل لي أيضاً تصبح على وطن وليصبح وطني على وطن مشمس واعد،/ سلام يا بني الآن حان موعد غيابي أيها المشتاقون .))

ونحن نسال المتلقي؟ ألم تشعر بأنفاس شاعرنا محمود درويش، بسجعه وعنفوانه وقوة كلمته بين أجنحة هذا الطفل، الذي تمكن من إبراز هويته الإبداعية مبكراً، ليشبع رغبته الملحة على فطرته وانفعاله الجميل الممزوج بموسيقى عواطفه، ولغته ومضامين خياله، وتصرفاته التي تقوم على المحاكاة وتقليد افقه الذي بث الاختلاف الفاصل بينه وبين الآخرين، في استعمالاته لعرض خصوصية أسلوبه في صوره العفوية المتصلة بعالمه، وقدرته على مواصلة البناء العقلي وإقباله على الحياة .
لنستنتج أن ذلك الفيضان الغير محدود، أتى نتيجة تعامل العقل الناتج عن انطباعات وومضات فكرية تصاحبها انفجار رغبة سحرية، يكون فيها الكاتب تحت السيطرة التي تتجلى على نرجسية العالم الذي يصنعه حلم الإنسان في قول ما يريد قوله في يقظة العقل ....
على خلاف هاني البياري،
حيث ترك للقارئ حر ترجمة حلمه بعنوان " مرة أخرى كانت" الذي حدد معالمه من خلال أسئلته "لصديقة " !! التي لم يحدد ملامحها إلا بعد أن تواجد مع مشاعره باللاوعي في حوار مع الذات وبراءة روحه الشابة، المسابقة لهاث صوره... وكأنه يريد أن يمسك أولاً بمشاعره الحقيقية بالحياة التي تعني المرأة، بما أن المرأة ترمز للعطاء الإنساني المتكامل ...، وربما تكون هذه المرأة هي أنثى حلم الشباب، أو ربما تكون هذه المرأة والدته، وهي بالأساس الشخصية الرئيسية في محور رؤية مخيلته الحاضرة، والمضيئة كالقمر على أوراقه، وهي سبب نمنمات لهفته، وفراشات كلماته الملهمة لالتقاط لحظاته المقتحمة سبر مكامنه المخبوءة في تصوراته الناتجة من حركة عواطف البشرية المتواجدة في طبيعة الفرد .... انه الكاتب الشاب هاني البياري، الذي التقط اللحظة وحملها سبر أعماقه .
(3)
سرا قابلها فب المقهى، التحفها الزجاح، لكن عصفوراً خفيفاً قدم لهما القهوة، وراح سريعا يشعل صوت فيروز ،
يا صديقة لا تصمتي في ميلادك الجديد، غني لي اولى، وفجأة افتجي لي بابا في النسيان لاطل قليلا غبى نفسي، لاقصد صديقا في دمي، وامراة احبها غاليا ساسميها امي ويعد عامين اذكريني لندخل المقهى كما نحن، ونوقف المارة ونقتل بعض الحسرة .
(4) يا صديقة اصابني الصدأ، هل انت مفاجأة العيد؟ ، البارحة نمت في متاهة، فوقي سماء قرمزية..، ازعجني صمت المدينة، لا صوت هنا، لا تنسيني كثيرا، علنا نتقابل على القمر في نسخته الارضية، قمرنا الجديد لونه ابيض، يشبهني ويشبهك، اين انت ؟ ومن انا؟
ونحن نعتذر من القارئ لعدم سة الاوراق هذا النص .

أما عبد الحكيم زغبر، خرج عن الأناة الدائخة واتجه لسياسات الموقف واتانا بنص مختلف بعنوان " طريق غـزة " الذي مشط طريقها، وجسد تاريخها في الحاضر، وقام برسم لقطه جانبية لتاريخ تلك الطريق الذي يقطعه يومياً، حيث استرجعته الذاكرة أشواطاً إلى تاريخ تلك المنطقة، عبر مركباته التخيلية المتسارعة، لمعانق التاريخ الذي جعل من غزة هاشم ضحية حسب رؤيته ... أثناء ذهابه وإيابه من الشارع الذي يفصل بين المنزل والمدرسة، وما بين الذاكرتين، لاشتباكات أحداث هذه المنطقة، التي عادت بانسياب مخيلته في سرد استرسال الزمن وما يربطه بالحاضر، في تعدادات إحداثيات التاريخ وأثار أحداثه المختمرة في ذاكرته، والترابط بين سياسة الماضي وسياسة الحاضر المؤثر على تاريخ هذه المدينة المتعبة من وضعها الساخر المسجل بعبارات قهرية في وصفه لمدينة غزة التي سجل تاريخهه بـ 24 سطرا يقول:


(( الطريق إلى غزة هو دخولك للتاريخ حافياً عارياً/، واستكتابك بكل اللهجات المأخوذة من قرى الجهات الأربع/ ورسمك خارطة بحبر كلنا يعرف لونها ورائحتها / الطريق إلى غزة يعني انغماسك بالحنين ومرضك بالسراب أينما سرت،/ وهو افتقارك للمرادفات وإنصاتك للمعالم )) .
هل يمكن لكاتب من الجيل القديم أن يكتب لنا تاريخ منطقته أو شارع دون مبالغة او حشو لغوي وخيال مفبرك ... كما فعل عبد الحكيم زغبر، الذي لم يتجاوز الـ 20 من العمر .

أما مجد أبو شاويش، تكلم عن الجانب الاجتماعي والسياسي لمدينة غزة، وتصدعها جراء الحروب المتتالية، وسخرية الاقتتالات الفارغة، والمؤثرة على مدينته أكثر من غيرها، في نص يصف فيه وجعها بعنوان " غزة وجع الطيبين" حيث حضرته الرؤية من خلال مشاهد الموت الذي طال عددا لا باس به من المجتمع الفلسطيني، وتحديد في مدينة غزة، التي أصبحت حسب وصف الكاتب مجد أبو شاويش أصبحت " أرملة الظل :

((غزة أرملة الظل، الوحيدة في الليل، قميصها مرقع بالذكريات العتيقة، وضفائرها مشرعة للنسيان، أي نسيان فيك يا غزة؟، وفي كل سحابة ذكرى تبللنا، وفي كل جزء منك حكاية للموت الغريب، الموت! )) ثم يأخذه البكاء على الوطن "الأم " قبل أن يصحو على مدمع الظلم فيقول: (( غزة شقشقة الجرح في خاصرات الطيبين، ننام في غزة خائفين!، جميلة أنت يا غزة، حتى بكائك، ... حزينة أنت يا غزة، ونحن نقطف فتات أشلائك! ، تغيرت كثيرا يا غزة كثيرا، عدنـــــا لا نعرفك مذ صرت غزتيــــــــــــــــن .))
بكل سهولة يمكن للقارئ والشاهد، ومتتبع الأخبار المسموعة والمرئية والمقروءة، أن يستنتج أن هذا النص أتى نتيجة تأثر الكاتب الاقتتال والانقسام الذي حول غزة إلى غزتين .
لا أنكر أن الكاتب الشاب مجد أبو شاويش، ذكرني بروائي التقيت به قبل أشهر ليست بعيدة في ندوة أدبية، حين سألته كنوع من فتح باب التحاور، بينما يكتمل الحضور، عن ماذا تكتب هذه الأيام ؟ قال اكتب عن قرية احتلت عام 67 و...و.... ، فقاطعت استرساله بسؤال، الم ترى أن المجتمع بحاجة أن نكتب عن مشكلاته الحالية التي وصلت عنق الزجاجة ...؟
" أما آن الأوان أن تكتبوا، أو تطرحوا حلا لمشكلات كبرى تحوم حول رؤية الكاتب الأقوى إيصالا، ولماذا يتجاهل الكاتب ما يجول حوله على الساحة التي يعيش فيها ....؟! ولما ما زلتم تكتبون عن الاحتلال الذي لم يعد يستوعبه الجيل الجديد، أو عن أضرار ما سببه الاحتلال الذي ابقي مجتمع غزة في تفكيره القبلي ؟؟!! " فما كان من الكاتب سوى أن نظر إلي بعداوة لأنني وضعت يدي على الجرح الذي يهرب منه العديد من الكتاب، اللذين لم يخرجوا من النضالات التي انتهت ظروف واقعيته....

نعود إلى الكاتبة إسراء بدران، التي هربت من سياسة الاحتلال إلى سياسة الفرحة وممازحتها في ومضتان، الأولى " هلا أمطرت! " الذي أبرزت من خلاله جوانب من شخصيتها المتخفية خلف حواراتها الخائفة على أنوثتها من خشونة العالم من حولها، واستغلال مفاتنها ..، كما إشارات إسراء، ودخولنا ما بين السطور، وكما سبق ولمسنا على ارض الواقع تأثيرات المجتمع الذكوري، وآثار الكبت المجتمعي وسلبياته على كل الفرد .... إلى أن انتقلت الكاتبة إلى ومضتها الثانية بكل خفه ورشاقة في نص بعنوان "نسيان" المحمل بمشاعر كلاسيكية شاردة في سردها القلق على مرور الوقت الضائع بين فصلين، الأول: ذكرى يوم مولدها المصادف مع موعد المسابقة التي ستشارك فيها، وحيرتها بينهما!!، ولمن ترسم خطواتها أو تهيئ طريقها، ليتم اختيار ملابس تتناسب مع فرحتها بالمناسبتين اللتين أوقفوها أمام المرآة وقتاً طويلا إلى أن ضاع عليها الوقت ... أثناء شرود سردها باللاوعي عن تفاصيل مرور الوقت بطريقة سلسة وبسيطة جداً، لكنها لا تخلو من شذرات لعبة الكاتبة في مسألة الربط والتقارب والتباعد وما يجري بينهما من تفاصيل محببة ومشوقة .
إذا تمتلك الكاتبة إسراء، لعبة التنقل والإبداع المترابط بدون تقطيع في موضوعاتها المنتقاة من إحساسها بالأشياء التي تجول حولها، أو اللجوء إلى الحشو الذي يتوه استرسال حالة القصة المراد إيصاله للمتلقي، تقول:
هل يعيدني الشتاء مع اول هطولاً له ؟
هذا الصيف يصقع بشرتي كثيراً، يلكز كرات البلياردو التي اصطفت على شكل كروي في عقلي، يفتح عيني بملاقط الغسيل كي لا اغفوا في كومة البلادة ...

اكره يوم اختفت إذناي واخذ عنقي بالتعرف اختناقا، ويوم ابتلعت أطراف أحلامي خوفاً من الغرباء الذين يدعون أنهم يشذبون عقلي وينحتون سمراء تشبه اله الجمال .
أي سموم بطيئة تجرعت كي ابدو على هذا الشكل الذي انا عليه !
أي لص انتشل عيني وهمومي الخفيفة التي سرقت لاجلها السنوات والشوارع،والكثير من البوظو، هل تتوقف الدوخة التي ركبناها انا واصحابي قريبا ؟
لانني معلقة في مدينة الملاهي انتظلا المظر


بينما الكاتبة آية رباح، ذهبت في سردها إلى ثقوب المجتمع في " الثقب" حيث قامت الكاتبة بالبحث المعلن عن ثقوب المجتمع والتفكير في سلبياته، وما يجول على الساحات، تبرز فيه نموذج لشكل العادات والتقاليد، وتأثيرهما على الفرد وما يخصها، بدءاً من ثقوب الرأس، " وهو بالأصح ثقوب رؤوس المجتمع"، والجسد/ وقبعة الوقت/ والسماء/والبحار/ والحمار/ والتراب/ والغباء/ والناس/ والحب/ والأضاحي/ والكون الخ....، فمن خلال مجموعة هذه التساؤلات عن فخوخ البشر، وفجوات ما ينتظرها في المستقبل القريب من الحاضر.....
نقول أن الفتاة آية رباح، التي لم تتجاوز الثامنة عشر من العمر، أعطت بهذا السرد للقصصي الاجتماعية الصامتة، قالبا وروحاً تتغذى على تساؤلات المجتمع، وعما يجول في الشارع وبين أعمدة المنازل .

أما مريم أبو سمرة، اختصرت مضامين ومضتها بقصه سردية بعنوان " إفادة " وهي بالفعل عبارة عن إفادة ذاتية تائهة في فجوات المشاعر المتناثرة في بحثها عما فقده الإنسان في براءة النفوس ...، واكتفت بوضع العديد من الرموز ، وهربت من التفكير بفوضى العالم، إلى فكرة تصاحبها السخرية، للتخفيف من وطأ صعوبة الإجابة عن أسئلتها، بإفادة مختصرة وقالت :

"أخبرني وميضٌ فرّ من رداء الليل، بأنني يجب أن أتوقف عن هرائي وأصنع شيئا نافعاً ينجيني، ويعبرُ بي فوق ساحل النهار دون أن يخدشني مخلب الحنين" .
وهكذا هربت الكاتبة من فكرة ومضتان: الأولى حوار مع الآخر، والثاني ردا على الإناء التي تعيش داخل حواراتها التي انتهت بالهروب من الواقع الذي لم تجد له جوابا يستغني عن أسئلتها الملتاعة في مكانها .... "

أما الكاتب مصطفى أبو فودة، استبدل النواح بالأطلال، والكبرياء، والرومانسية الموسيقية معاً، في نص شعري غزلي " أراك غزالي" الجامع بين الهجاء والمديح، وبين السجع والرقة، والخيال، والواقع، وجمعهم في لغته البسيطة، والبعيدة عن التكلف ... ليذكرنا الكاتب مصطفى، في السلم الموسيقي لكبار الشعر القدامى، وأسلوبهم السهل الممتنع :

(( وما كل ما يشرب المرء يروي / وما كل ألف بحب رواك/ وما كل من رسم الشعر فحلً .
وما كل شعر يكوي حشاك / وما كل من حمل السيف جسر / وما كل رام سهاماً رماك .
وما كل من أذرف الدمع يبكي / فادمع البكاء كدمع التباكي، / سألتك بالله لا تتركني / احبك وأهوى لظاك/ أطير بجرح رغاب وامشي قتيلا سكيراً / فقلبي اصطفاك،/ عستُ وقلبي عجي ونوحي بروحي يئن قتيل ضناك، / بالوصل جودي فأنت ملاكي./ عرفت الهوى مذ عرفت هواك، / وأغلقت قلبي عل من عداك .... . ))

في النهاية تبقى رؤيتنا الملخصة هذه مجرد نموذج للعديد من الكاتبات والكتاب اللذين جاءوا بديلاً لكتاب قصص البطولات .... وهذا ما كنا نبحث عنه في الأدب الفلسطيني الحديث، الذي يحدثنا عن تأثير الاحتلال والسياسة والمجتمع القبلي والعشائرية، وجميع عوامل فجواته وثقوبه، وتأثيرهما على الجيل الشاب الحديث، في الطرح والنقاش الذي ولد لديهم مثل هذه المشكلات الحية التي طرحها هذا الجيل، الذي حاول أثبات مكانته في الأدب باتجاهاته الفكرية، وبطريقته الإبداعية في تكوين النصوص التي طلب فيها الكاتب حلاً لمشكلاته، من خلال تواصله مع مؤسسة " تآمر" التي منحته فرصة معرفة الحوار والجدل والقراءة ونشر مهارته الفكرية العالية، التي صورت مشاهد عديدة لمجتمعهم في صور متحركة .

وما زال هناك العديد من المواهب الفتية، كما قال الأب الروحي لتلك الكوكبة الفتية الأستاذ أحمد عاشور، منسق " يراعات " التي تبنت العديد من أسماء ونصوص لا تقل أهمية إبداعاتهم أمثال: الكتاب الشاب موسى توفيق/ فادي الشافعي/ احمد عاشور/ نور بعلوشة/ محمد الصفطاوي/ سارة أبو رمضان/ حنين جمعة/ هديل فوزي/ محمود زغبر/ مصطفى زينو/ رهام الغزاي/ تمارا أبو رمضان، وغيرهم العديد العديد يحتاجون منا وقفة أخرى، فكل واحد منهم اتخذ طريقا مكملا للأخر، ولعل أهمية هذه النماذج الإبداعية هي سلطة تفرده بالقيمة الفكرية الكتابية المنطلقة في اللحظة الانفعالية المتدفقة عند الجيل الشاب .

نحن ندرك تماما أن ما زال هناك العديد من المواهب الفتية التلقائية من فريق يراعات، سجل رمزا من رموز حياته، وعلامات المجتمع من وجهة نظره وتفكير جيله الشاب، المتماري في نصوص متألقة، ليجدوا من خلال كتاباتهم أصدءاً لأنفسهم، وحالتهم المتشتتة بين الذات والمجتمع، وبين التاريخ واليوم الحاضر والمستقبل الذي يعيشه في نقل تساؤلات عصره، إلى المتلقي في اللحظة التي تعادل التعبير الذي منحوه بعداً ميتافيزيقياً، محررا من إيقاع التعامل مع الغموض وتعقيد بساطة الجانب الإنساني في نهضتهم، ورفع صوتهم المتحدي الواقع بأحلام جديدة، من خلال أوراقهم الموضوعة فوق خارطة الأدب المتاح لكل من يحسن الخطوات في بستانه، في سمة احتفالية متحركة، لنستشعر بوعي أقلامهم وروحهم، وومضاتهم الهاربة من خشونة الحياة، وتذمر الواقع في رسائلهم المرسلة عبر هذه المؤسسة، التي حمت رؤيتهم وحولت سرديات قصصهم إلى خطاب استدلالي مقارنة بالرؤوس الكبيرة، وحجم صراخ كتاباتهم .

إذاً يمكننا القول، لقد أصبح بين أوراقنا الفلسطينية، كتاب حقيقيون من الجيل الجديد، انتقلوا من عالم الطفولة إلى النضج، متحدين بأنفاسهم غليان الشباب اللذين جاءوا من فنتازيا عالم لا يمكن أن نتجاهل تجلي شطحاته الذهنية التي كشفت للقارئ تجربتهم الرؤيوية، والنفسية، والاجتماعية، والروحية المستندة على رسم الحياة بطريقتهم الديالكتيكية المعبرة عن قدسية الروح الغارقة في الظلام، ألا من نور أقلامهم المشعة من لهيب مصابيحهم المضطربة، كما اتضح لنا عبر برنامج مؤسسة تآمر، الأم التي أرضعتهم حليب التعبير عن الذات لتنمية قدراتهم الإبداعية، مثل الطلاقة، والمرونة، والتركيز، والتعرف على الأساليب والوسائل التي تؤدي إلى تحقيق الهدف الإبداعي في الزمان والمكان .

ليؤكد أن داخل كل فرد أشياء كثيرة رائعة، وما يصل إليه العقل الذي يستحيل أن يفصل الذات عن الموضوع، أو الفكر عن الشعور في الكتابة، أو التكلم عن ذلك الشيء الخفي الذي يستخرج تفكيرنا في الكتابات الإبداعية، والفلسفية، كنوع من التعبير عما يراودنا في الحياة، واثر جرحها على أوردتنا وجسد عقولنا وأحلام أعمارنا.... لذا يجب أن لا يتوقف هذا الجيل الشاب عن عطائه الإبداعي ما دام يعيش ضجيج الحياة .

كتالوج الأمومة/ إيمان حجازى

كنت قد جهزت أفكارى وإستجمعت كلماتى وجملى وتأهبت لكتابة مقال عن الوضع الحالى يتناول أول رئيس منتخب لأول جمهورية بعد ثورة 25 يناير التى هى الأولى من نوعها والتى أحدثت تغييرا للتاريخ المصرى المعاصر أو هذا ما نتمناه بالفعل وعندما جلست وإستعذت بالله من الشيطان وقلت بإسم الله

ترامى الى سمعى صوت بكاء طفل صديقتى , بكاء أى طفل بالنسبة لى يعنى أن هناك أم منشغلة مقصرة مهمومة بأى شىء غير هذا الصغير

بكاء أى طفل يجرح أعماقى , يصيبنى بحالة من الضبابية والشلل اللا إيرادى والغموض بل والحزن المؤدى الى الإكتئاب

يصعب على أن أرى أى أم لا تتوصل الى فهم صغيرها ولا تلبى حاجياته

فالطفل عندما يبكى ,, يغيب عن بعض الأمهات أنه ربما لا يكون بحاجة إلا لبعض الحنان لبعض الرعاية لبعض الإهتمام

ولم يكن منى غير أن توقفت عن الكتابة , فلم يعد فكرى ولا عقلى قادرين على تجاهل دموع وصراخ هذا الصغير الذى
لم يتعدى عمره الخمسة أعوام

ونظرت الى هذه الأم وطفلها فوجدتها تنظر الى ,, وبادرتنى بالكلام شاكية من هذا الطفل المدلل

سألتها عما يريد فأجابت بكلام هو تقريع للطفل وهى لا تدرى أنها بهذا تسىء إليه وتزيد حنقه أكثر فما كان منه إلا
أن إرتفع صوته بالبكاء أكثر

عندها تحركت من مكانى اليه وسألته بهدوء عما يريد فلم يجب

فأخذته الى صدرى وربت على ظهره فما كان منه إلا أن بكى ونهنه ولكن بدون صوت ونظرت عيونه الى إمه تملأها
الدموع وكأنها رسالة موجهة لإستعطاف قلب هذه الأم

فأشرت إليها أن تأخذه الى حضنها ,, وعندها صمت الطفل فى حضن أمه ولم يعد يبكى بل كان جسده النحيل
فقط هو ما يرتعش إرتعاشات متتابعة

الله سبحانه وتعالى يخلق بداخل كل أم كتالوج للأمومة - صنعة المولى جل وعلا - ولكن للأسف الشديد بعض
الأمهات لا يتصفحن هذا الكتالوج وأبدا يبدون غير مكترثات بما يحويه ويتعاملن مع اولادهن بدون وعى ولا إدراك

الأمومة هبة الخالق فى نفس كل أم , هى الدرة الغالية التى تزين القلب فتجعله يرجف بدقات عميقة متلاحقة
للإحساس بفلذة الكبد أينما كان

فعلينا جميعا أن ندرك أننا كأمهات عبارة عن كنوز من الرحمة والعطف والحنان فدعونا لا نبخل على أولادنا بهذا المنهل
وأن نهبهم منه كيفما أرادو وأكثر

ولنتذكر أننا لو لم نكن أمهات لما وضعت الجنة تحت أقدامنا ... فلنقدم للجنة القربان المستجاب


ألا هل بلغت اللهم فإشهد


دراسة تقريبية موَسعة لقصيدة (بيني وروحي) لسمر الجبوري/ ميمي أحمد قدري

(أولوية الروح المنهجية في شاعرية سمرالجبوري)
أولا: الحداثة والتجدد في نمطية الثقافة المقَدمة للشاعرة

بينما نقرأ ما نُفصل به القراءة الشعرية يصير حين نقرأ للشاعرة سمر الجبوري قاب قوسين من إننا يجب ان نلتزم بعدة أمور....أولها أن نتهيأ لأرسالنا للبحث عن بعض مكنونات كنتُ لأيام أظن إن الشاعرة تكتبها تلقائيا لكنني وعندما اقتربت منها وعرفتها من خلال عدة تجارب ومناقشات....عرفت وتأكدتُ أنها تَدُس هذه المعان الرخيمة بشكيمة رائعة يبدو لنا كل مرة نَص مختلف و جديد وكأننا لم يمر علينا مثله قبلا مما يجعلنا نشعر بكثرة تحرك دماءنا بين سطور قصائدها والى غير رجعة فالثقافة الكبيرة واستمراية التقدم في استقطاب شتى انواع التقديم ودراستهُ هي من الأمور المعروفة في قصائد وكتابات الشاعرة حيث رأينا تقدمها في المعنى الإجمالي لروح العذرية والغزل وطن كان أم حب...وأيضا ملفت انتباهنا في عدة قصائد حيث صار بيت الشعر سطرا بل تعدى السطر الى بعض سطور في بعض الحالات وأذكر بعض قصائدها :مثل:
1_آب الحنين
2_ شمعة الروح وطن
3_ حوليات دانيال الأسير
وغيرها حيث يمضي المعنى بالسطر تلو السطر لحتى تسكننا أمان الروعة الوافية....

ومثلُ ذلك ماذكرهُ لنا الدكتور:(عبد المطلب جبر في دراسته للوعي النقدي وحدود التجديد في شعر علي أحمد با كثير) حيث يذكُر:

( عَجَبًا كَيْفَ لَمْ تَعْصفْ بِالدُّنَى زَلزَلة
كَيْفَ لَمْ تهوِ فَوْقَ الثَّرَى شُهُبٌ مُرسَلة
يَا لَهَا مَهْزَلَة
يَا لَهَا سَوْءَة مُخجِلة

وهي قصيدةٌ طويلة التزم فيها تفعيلة (المتدارك) مع تراوُح في عددها من سطرٍ إلى آخَر، والقصيدة من زاوية الموضوع تُعبِّر عن موقف باكثير الانفعالي من سياسة فرنسا في بلاد الشام، أمَّا من زاوية الوعي الفني فإنها تُعبِّر عن إدراكٍ واعٍ لتصدُّع الشكل الشعري القديم وإحلال السَّطر الشعري بدلاً من البيت، وإن لم تتحرَّر من مناخ (الخطابية) و(التقريرية) وتقصد (التقفية)، وغير ذلك ممَّا علق بالشعر القديم، فهو عبق من رُوحِه، كما يلحظ على القصيدة أنَّ وحدة السطر المعنويَّة تكاد تكون تامَّة، وبذلك انحسر مفهومُ التضمين الذي ألَحَّ عليه باكثير وأوضَحَه وهو يشرح مفهومه (للشعر المرسل) ووضع لفظه (المنطلق) تأكيدًا لتكنيك التدفُّق في هذا الشعر كما هو في نموذجه الوافد)مما يعني إنه بعد تراكم الخبرة وكم الثقافة المدروسة والمنتقاه....صار لا يلتزم الشطر أو البيت بأي وكيف الوزن....بل لا تحيره تناثر القوافي وتعداها إلى السطر الطويل بالنسبة للبيت...وبهكذا حالة حدد المدى الواصل بشاعرية الكبير (باكثير) بأن وحدة السطر المعنوية هي الغالبة والتقدمية على كل فصول كتابة الشعر التجددي .وهذا ما وصلتْ له وبهِ معنوية الروح عن شاعرتنا بالظبط
....حتى وصلتُ لوصف ربما أكون أول من يقوله.... وأمام قصيدها (بيني و روحي) أؤكد و وأؤكد :أن لا رجعة إلا بكل ما تريده الشاعرة من التأني ثم البحث وسبر الأغوار في منحنيات الروح والجسد حتى وصولنا للهدف المرجو وكأنها كتبتنا فصلا فصلا بكل كلمة وكل معنى.
وأبدأ رحلتي بين روح الشاعرة وبين جسدها الواقع ضمن مدى كلما أتعمق أراه يصير أكبر وأكبر حتى من معنى وموضوع قصيدة
وتذهب بنا لأقرب نقطة من لوم النفس للنفس حين تكتب....

_يا قاهر الحب شرودا ووحيد
أين ما تعني بأيام الرشاد؟
غارق في مكتب يبدو سعيدا
يعتريك الجن كي تعني السداد
تتلذذ في التهام المبهمات
والمعاني فيك أخفاها ألسهاد

هنا تصف الشاعرة مكان التحرك بالوحي وتأثيراته جسدا وروح بتكنيك الاستهزاء

الذاتي واللوم أمامَ ما يمكن أن يصل إليه المثقف والملتزم العربي خاصة مما يشعرهُ من روادع وتناقضات صارت من الأمور المُسلًم بها في وقتنا الحاضر.....التشتيت ألقسري وصعوبة التوفيق بين الحياة الدنيا وبين ممارسة الحرية الفكرية وغيرها من المواضيع المفروضة على الشاعر أو الكاتب من كل ما يحيط به من تحديات كانت وما تزال حجر عثرة أمام التطور الإنساني حيث توفقت شاعرتنا وبكل سلاسة وبكل ثقة بأنها بيَنت ذلك فأرجعت الحالة العامة واختزلتها بينها وبين روحها كمسودة تصفنا جميعا حال بعض الشرود والسؤال في: إلى أين يا حرية؟

ثانيا:فصل العشق الأبدي في روح :سمر الجبوري

وكما نعرف والمتعارف عليه في أيِ من نصوص الحب والغزل والترامي في أرض الشعر التكويني لتشخيصية الحب ووصفه واللحاق بكينونة فحواه.....نجد إن أكثر من وصفوه وصلوا إالى نتيجة أن لايمكن وصفة......والذي أعجبني في عشق سمر الجبوري إنها تتهادي وفي هذه القصيدة بالذات بين الأرض والسماء ..بين هذه الحياة والحياة الأخرى فتكمل ما بدأت من ذم شاعريتها فقط لتصل بالحب كما تريد هي وليس كما يريد المستنتجين
فباعتقادي الكامل إن ما طرحته لنا من مثول المعاني في تعبيرها //إعتراء الجن في المكتب السعيد.....والتلذذ في التهام المعاني الصعبة استدراكا للحصول الكامل والأوفى لمعناها المنهجي والروحي.....والعلامات التي بدت واضحة على ملامح الشاعرة من كثرة السهر....وحتى تجمد النظرات قيد حلم ما وبالكثير من الصبر واللامبالات للجراح المادية التي حتى وإن لم يتحملها جسد انسان وذلك لإختلاف مناسكه واصطدامه بشتى الافكار الغريبة والمرمية كرمي الحجر في طريق الشاعر والكثير مما وصفتهُ بتوضيح انفصال الواقع التام عن كينونه الراحة في قلب شاعر ...وكل ذلك لأجل :ربما يأتي كل هذا بلمحة أو صدفة من بادٍ عبر كل الفصول// ومن هذا نستدل على شيْ كنتُ أراه بعيدا عن التطبيق لكني لمسته هنا وبين هذه السطور..ألا وهو تتبع الإشارات الإلهية والصبر وأكثر مما ذكرنا :بل....لنكون

بِبُعدٍ يصل بنا إلى القبول والقناعة في الأرض....حتى وبإقلّ ما يبقى منا...لمبدأ وإيمانٍ ثابت وهو إننا سنستعيده وكل أحلامنا في السماء.......

_ظمئا لنظرة تبدو المحال
ربما يتلو ذاك الحيف باد
ألأن كنت تفكر بالوجود
آم إذا جاملت خالفت العباد
ينتفي العقد بطيئا في يديك
تحتسب والناس عمرو وسعاد
تحترف نيل القوافي والوعود
طفلك المكنون أعياه الرقاد
جل من يعنيك أرداه الروى
فابق ظمأنا إلى يوم المعاد
عل ما يشفيك موجود هناك
أن ما ترجوه في الأرض بعيد

ثالثاً .أحدوثة انتمائية روح الشاعرة كأساس ثابت وملهِم

ولأهمية هذا الفصل أكرر العجز الأخير(إن ماترجوه في الأرض بعيد)
وهنا لنشرح انتماء الشاعرة لأرض معينه وهي بغداد
ولا أريد هنا أن اصف ماهية هذه المدينه وأهميتها وجمالها بأصالتها وعصريتها رغم كل ما تعرضت له من مراحل أثّرت بنا نحن من بعيد مالا يسعنا وصفه فكيفَ بشاعرتنا؟
ولأختصر وأوضح من خلال هذا المصدر والمثل برأي الدكتور:( محمد عبد الرضا شياع)

في وصف انتماء ونوع انتماء شاعرية الشاعر اللبناني (محمد علي شمس الدين وألفة المكان الشعري) حيث يقول:( محمد علي شمس الدّين شاعر من الجنوب اللبناني، وأشدّد على الجنوب لاعتقادي بأنّ شمس الدّين ينظر إلى العالم بعين هذا المكان الذي انشغل بذرّات ترابه وبدخان قراه، وحتّى لغته الشّعريّة اكتسبت ميزتها من غناها بالرّموز والإشارات التي تحمل صيحات هذا الجنوب، ولا أغالي إذا قلت إنّ الشّعراء العالميّين أدركوا العالميّة من خلال الامتداد العميق لجذورهم في التّربة المحلّية، لذلك يتسنّى لقارئ محمد علي شمس الدّين تلمّس هذا الزّعم في أوّل قراءة لنصوصه التي تبدو فيها كلّ قرية من قرى الجنوب أمّاً لكلِّ القرى اللبنانية، وكلّ صخرة فيه أساس الكون.
من هنا أدركُ الغرابة التي تنطوي عليها إجابته عندما سألته عن المشهد الشّعريّ في الجنوب اللبـنانيّ حـين قال: (ابتـعد عن الغـابة الشّعريّة في الجنوب كثير مـن طـيورها، فقد اندلعت الحرائق في كلّ الجذوع وفي الماء والهواء أيضاً، ولم يبق سوى عشّاق هذه الحرائق المنذورين للذهاب معها إلى آخر الزمان. قد تفاجأ حين تعرف أنّ شعر الجنوب هو غير شعر الجنوب، حيث اندرج كثير من شعرائه في فانطازيا الكلام، وأهلكهم الابتعاد عن الأصل.. انشغلوا بالذهن عن حرارة التراب وبالقراءة عن حيويّة النصّ الأرضيّ) .
وهنا لأعود لشاعرتنا
حيث وكأن ما استقطبناه جزء مما هي بل لا أجد الصفة والمتسع الذي يصف انتماء شاعرية سمر الجبوري لأرضها التي جعلتنا كل من يقرأ لها يتوق لسُكنى ولو للحظات على تلك الضفاف.....ولأصل لهَدفي أقول كل الانتماء مع ما مرت عليه الأرض جعل من روحية الشاعرة هي الأزمنة والأمكنة التي تكتبها كما ذكرت في أحد لقاءاتها حين سئلت عن ماذا تفضلين من أنواع الأدب (الموزون أو الحر ..أو النقد أو...) فأجابت بكل هدوء وثقة :
_(هذا سؤال مغلوط بالطبع....ولستُ أدري كيف يقرر شاعر ما ؟أن تكون القصيدة الآتية على وزن كذا...أو ستكون الآتية حُرة أو إلخ...بل أبدأ والقلم وأوراقي ثم أنتهي لتقررني القصيدة أيان كنتُ وعلى أي هدى...أما النقد فيختلف طبعا والفارق بينه وبين الشِعر هو أننا نندمج حال إيحاء بموقف يمر أو حين قراءتنا لنص يمس

أرواحنا بما قدمه من تجدد وإبداع..فتبدأ القصيدة هذا للشِعر أما للنقد فبكل بساطه هنا لا ننجذب اندماجاً بل تحريكا لمديات الأسئلة التي تنتج عن قراءتنا للنص وبذلك نصير قاب البحث وإكمال الفكرة ثم الأجدر بنا...العطاء)
فإذا عند سمر الجبوري: إن القصيدة هي من يقرر الشاعر، والنص هو من يدفع الناقد وهذا هو اختلاف نمطية سمرالجبوري حيث تترك للروح حرية تتبع الإبداع بإشارة الثقة بالنفس وبما تجلى من ثقافة كبيرة اعتنت لتصبها بقصائدها فكان واضحا من لومها وعتابها المتضاد لقلب الشاعر وبهدف تبرئته من كل ما يحيطه من أخطاء وظلم....فاختارت ان تُسكِتَ الملامة في أن الشاعر وهو يفقد أشلاءه شيئا فشيئا على الأرض...إنما لربما سيجدهُ في السماء.....وهنا وبين البُعدين نستنتج أنها تقصد العكس فحيث وصفت نوع وأسباب التردي الذي وصلت إليه نفسية الشاعر هناك على تلك الأرض....وانها تستهزئ بالمريدين حيث يواصلون محاولة كتم الأصوات الحرة في ان(يجب أن يتكتمون ...لا يحبون...لا يكتبون...الخ ...فأشَرت بان ما سنفرح به ليس موجود هنا معكم ..وانما لربما سنجده في السماء....وفي عبورها للمسافة دون تمييز للحقبة ولدراستي تلك الحقبة وجدتُ إن شاعرتنا كانت خارج الوطن وأنها كانت تنوي الرجوع حينما كتبت هذه القصيدة.1....فيا لكي من شاعرٍ ويا لعراقك من سماء

رابعاً حتمية الوصايا في شاعرية سمر الجبوري

وبعد ان قرأنا وتمحصنا انتماءات روح الشاعرة وأسباب استهزاءها بواقع الأدب في ذاك الحين وأيضا قرارها بأنها ستجد ماخسرتهُ برجوعها للوطن ..يأتي فصل ادهشني بجمال انتقالة الشاعرة اليه وهو وبعد تقديمة من الشجن الرائع والحاد

الملامح تعود وكأنها ترى تلك الأرض المهيبة بكامل نهريها وزرعها وشاعريتها التي أنهكت العالم ولم يصلوا لمحتواها الجميل.....ترجع فتكتب وكأن الطريق صار أوضح ححيث يكشف عورة المصنفينَ فيه من العواق السياسي والإجتماعي والعاطفي ...وهنا تكمل القصيدة بنبرة الروح المتحدث للآخر الذي هو الإنسان الشاعر ....واللذي تصف له بأنه وصل الآن حيث كان يصبو وعليه ماعليه من تكليف رغم كل ما يتوالى عليه من ضرف ...موضحة كل مايمكن ان يتعرض له وهو يمشي هذ الطريق.....

_واعتلي الإلقاء قهرا وجمالا
رب ماتتلوه في الخلق يفيد
وأسال الناس جميعا لو رأوا
شاعر ينشد حرا بقيود
أم إذا مر زمان وأحبوا
وجدوا الحب بورد من حديد
شرع الأهون أحكام الهوى
أين ما تحكيه عن دفئ الجليد
بارعا في عزف لحن الكبرياء
ساكتا بل لاترى لاتستزيد
وتعيش الوحي والذكرى سراب
نظرة مرت على الدرب البعيد
وتقول الحب والحب وما
نلت من ذاك المحب ما تريد
باحث في كل حرف عن مدى
يبقيك في أمنية ليت يعود
علم الليل بنور المقمرات
لم تزل في روعة الوحي عنيد
ولتبقى دائما تبدو إماما
تسكن الأحرار في عقل العبيد

خامسا شمول العربية بجميع دولها كأساس في شاعرية سمر الجبوري

_مما لاشك فيه ومن خلال تعاملنا وقراءاتنا لمنهجية الشاعرة والتي يعرفها اكثر اقطارنا العربية نجد في الكثير من كتاباتها اضمحلال للحدود بين دولة عربية واخرى حيث تنسب الأدب لكل العرب حتى للأقليات المتواجدة في إطراف الوطن الكبير وتؤمن من غن الأدب رسالة تعبيرية وحقيقية تكتنز على أساس الوحدة من خلال اثبات وتقديم الكلمة الموحدة بعيدا عن توافه الفِرق والأحزاب والمجتمعيات المتكتلة على بعضها.....وفي هذا الفصل تدخل الشاعر مدخلا رُؤوِيا وحسيا متعامِدا على ما يحصل في وقتنا الحاضر من أزمات تحدد ألوانها الغامقة من خلال وصفها لقتل الأطفال في العراق ورهبة الموقف المتلاحق من التشتت الواقع على الوطن ككل وذلك من خلال كلمة التمني التي كتبتها بفعل أمر وكأنها تريد فتح المسرح الذي طالما أراد العدو التكثير من الستائر كي لا نسمع أو نرى أو نعطي رأيا......

_وتمنى يا عسى يوما سيأتي
تلتقي أرائكم رغم الحدود
واوهم السامع أن ما عاش ظلم
أنما جبران قد مات سعيد
وانتق من كل حقل زهرة
واعتمر إكليلها وقت السجود
واسكن الإلهام دمع صامد
في مدى جديلة
اجتزها الموت على ذاك الصعيد
ثم قل أن الصحارى أينعت
من صدى خالد من أل سعود
علكم من غزل ألحان الهوى
تطفئوا بالهمس أصوات القرود

تواصلنا بأسلوبها المنفرد في وصف ما يتمناه العدو من جز ضفائر الطفلة في بلاننا الى تهميش العدل والإتجاه الحقيقي للأدب في بحر قلب الشاعر جبران خليل جبران والى تضمين الشعر البدوي والنبطي الذي فرض جماليته وأصالته وفرضتهُ الشاعرة سواسية مع الشعر الفصيح وذلك بتذكير الشاعر للممنوع مع المُصَرح حيث أن ننتقي من كل بلد نموذجا وسنجد الكثير مع المثلين الرائعين اللذان أعطتنا بأمل ...وهو توكيد آخر جاء مصاحبا لعكس النمط على الروح في كلمة(ربما)وهنا تعني لنذهب بكل ما فينا بأدلة ما موجود على الأرض من كل ما ذكرنا و لربما سنصل لما نريد يوماً...مع استمرارية النمط الأول البادئ والذي يدل أولا و آخرا :إن النص روحي موجه للجسد في أن يواصل ماهيتهُ للآخِر.....

1_(بيني وروحي) إحدى أروع قصائد ديوان (سوار التيتانيوم) للشاعرة سمر الجبوري والذي صدر في أنقرة 1998م وقدمتها لنا على موقعها في (فيس بوك) بتاريخ 6/يوليو/2010م
ميمي قدري
23/6/2012م

البحث عن العريس/ عبدالقادر رالة

بحث عنه أصدقاءه في كل مكان...

ـ أين اسماعيل؟ أين العريس؟

ـ بعض المدعوين يبحثون عنه يريدون تهنئته!...

ـ موكب العرس سينطلق بعدلحظات!

ـ بحثت عنه في كل مكان!

ـ في صالة الرقص؟

ـ لا يوجد! والدوش عاد منه منذ الساعتين!

ـ سيارة صديقه نور الدين الحمراء غير موجودة!

ـ اتصل بنورالدين !.....أخرج هشام الهاتف النقال واتصل.....

ـ نعم، نور الدين! هل اسماعيل معك؟..

ـ نعم!

ـ وأين انتما؟ موكب الزفاف سينطلق الأن!............

قطب هشام حاجبيه ذاهلا ،فأثار ذلك حيرة أصدقاءه والمدعوين....

ـ أين هو؟....سأل أحمد....

ـ في المقبرة!

قالوا في آن واحد:ـ المقبرة!!

ـ المقبرة في يوم فرح!

انزوي نورالدين بعيدا واقفا بجانب سيارته.....

وقف اسماعيل أمام أحد القبور.....

ـ اليوم هو يوم زفافي أيها الصديق العزيز ولا تعتقد أني نسيتك! الآن جئت لكي اخبرك ،أعرف أنك تسمعني ولا تستطيع أن ترد! لا أزال وفيا لصداقتنا وللأيام الجميلة التي قضيناها معا...وأول مولود إن شاء الله سأسميه باسمك! ..إذ كان طفلا....لازلت أتذكر تلك الأيام الجميلة لما كنا في أيام أعياد الفطر نرتدي البدلتين السوداويتين الجديدتين، والقميصين الأبيضين ...وربطتي العنق...والحذائين الأسودين...يثير ذلك حنق كل زملائنا في المدرسة....يقولون عنا العريسين!

صمت قليلا وحاول أن يمسح دموعا...

ـ تقول أنت، نعم زميلين وصديقين وعريسين ولما نكبر سنتزوج في يوم واحد! ونرقص في صالة واحدة، ونتعشى في بيت واحد....ويباركنا والدانا في يوم واحد....أنا اليوم أرتدي بدلة سوداء وقميصا وحذاء...ولم أنساك فجئت لكي تشاركني الفرحة...وكأنه عرسانا نحن الاثنين! أتمنى أن تشاركني! فرحتي بدونك ناقصة! ....

ـ ولماذا يذهب الى المقبرة؟...آه تذكرت ...صديقه الأثير والمفضل عبد الودود...كان أعز أصدقائه بل صديقه الوحيد.. توفي في حادث سيارة...الله يرحمه لم يكن يفرق بينهما إلا الليل!

ـ ما أروعها من صداقة! حتى في يوم عرسه لم ينسى صديقه المتوفى ....اسماعيل شاب رائع...ندعو الله أن يبارك له في عرسه وعروسه!

ـ أمين

الجزائر

 

صبري يوسف يتخرَّج من جامعة ستوكهولم، باختصاص فنون جميلة

صبري يوسف ـ ستوكهولم

فجأةً وبعد أن تخرّجَ من جامعة دمشق، قسم الدِّراسات الفلسفيّة والإجتماعيّة، شعبة علم الاجتماع، قبل أكثر من ربع قرن، خطر على باله أن يلتحق بجامعة ستوكهولم، بعد أن كان قد اجتاز في السَّنوات الأولى من قدومه إلى السُّويد بدراسة المراحل الإعدادية والثَّانوية لمادَّتي اللُّغة السُّويدية والانكليزية، ممَّا أهّله الالتحاق بجامعة ستوكهولم لدراسة تخصُّص معيّن، يتعلّق بتدريس مادَّة معيّنة أساسيّة، ومادّتين فرعيتين، فاختار المادّة التخصُّصية الرَّسم (فنون جميلة)، واختار مادّتي اللُّغة السُّويدية والرِّياضيات كمادّتين فرعيتين، وقد نجح في كافّة المواد بما فيها رسالة التَّخرج لمادَّة الفنون العام الفائت صيف2011، إلا أنّه ما كان قد اجتاز امتحانات مادّة الرِّياضيات، حيث كان قد نجح في جزء من المادّة عام 2011 وظل جزءاً آخر، فأجَّله لعدّة اعتبارات، حيث وجد بعض تلك الاعتبارات في حينها أهم من ألف دراسة جامعيّة، منها على سبيل المثال إعداد حفل تأبين أدبي للأب يوسف سعيد، واشتراكه في حفل تأبين أدبي آخر في أربيل في نيسان الفائت، حيث تفرّغ لمدة أربع شهور تقريباً لهذا الأمر، لأنَّه يرى أنَّ كلَّ ما قدّمه من حفلات تأبين، ومتابعة ما هو مطلوب منه لما بعد التأبين من كتب حول ما قيل وما كُتب عن الأب الرَّاحل يوسف سعيد من نصوص شعريّة وشهادات أدبية ودراسات نقديّة تحليليّة وضمِّها إلى كتب، أهم بكثير من الدِّراسات الجامعية والَّتي ممكن تأجليها، وفعلاً تقدّم في نهاية أبريل/ نيسان الماضي إلى الجزء الثاني من مادة الرِّياضيات ونجح فيها وبهذا يكون قد تخرَّج من كافّة المواد والنقّاط/الدرجات المطلوبة منه للعمل كمدرِّس لمادّة الفنون، ومادة اللُّغة السُّويدية والرِّياضيات. وبنفس الوقت يشتغل منذ شهور على نشر كتبه عبر دار نشره في ستوكهولم، ويعمل على تبويب وإعداد الكتب الخاصة بالأب يوسف سعيد، لأنّه بصدد إعداد كتابين حول تجربة الأب يوسف سعيد وكتاب ثالث: رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الأب يوسف سعيد، كما سيتم نشر كل دواوين الأب يوسف سعيد مع كافة مخطوطاته على نفقة المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في أربيل بإدارة الدكتور سعدي المالح.
يذكر أن صبري يوسف، كان قد درس الصَّف الخاص في محافظة الحسكة، آخر دورة من نظام السَّنة الواحدة، ثم التحق فيما بعد بجامعة حلب قسم اللغة الانكليزية، بعد أن تقدَّم لامتحانات الثَّانوية العامّة، القسم الأدبي للمرّة الثَّانية، لأن نظام الامتحانات في سورية في حينها كان يقتضي أن يحصل على الثَّانوية العامّة/ القسم الأدبي كي يتقدَّم الطالب إلى فرع جديد ومعهد جديد، وهكذا تموت الثانوية الأولى بالتحاقه بالصف الخاص، وبعد أن انتقل إلى السّنة الثّانية بجامعة حلب قسم اللغة الانكليزية، خطر على باله التَّوقّف عن متابعة هذا الفرع نظراً لأنّه كان يتطلَّب الدوام أو التفرُّغ الكبير، ولهذا قرَّر أن يغيِّر فرعه إلى قسم الفلسفة. والمؤلم بل المفلق في الأمر أن الطالب الذي كان ينتقل من السنة الأولى إلى الثانية ما كان يحق له أن يغيِّر فرعه، ولهذا تطلَّب منه أن يعيد الثانوية العامة للمرة الثالثة، والأغرب والأنكى من هذا، صدر في تلك الفترة قراراً من وزارة التعليم العالي، ينصُّ على عدم السَّماح للطالب أن ينجح أكثر من مرّتين في الثَّانوية العامة من نفس القسم، أي لا يحق للطالب أن يحصل على أكثر من ثانويتين أدبيتين، لأنَّ فرص النَّجاح كانت لمرَّتين فقط، وهكذا أُغلِقَتْ كل الأبواب في وجهه، كأنَّ القدر نفسه كان ضدَّه، وكأنّ القرارات كانت تُسنّ ضدَّه، فلا يحق له تغيير فرعه، ولا يحق له إعادة تقديم الثانوية العامة للمرّة الثالثة، وظلَّ يرواده حلم متابعة دراساته الجامعية، ولم يبقَ مكتوف الأيدي، لأنَّ طموحه ـ على ما يبدو ـ كان أقوى من قرار وزارة التعليم العالي، وهكذا فكَّر أن يخرق القانون بالقانون، لكن قانونه هو! وفعلاً خطّطَ ونفَّذ قانونه، ونجح نجاحاً باهراً في خرق القوانين السائدة، وكان يرى أن قانوه هو الأهم، والأصح، والأسلم والأرجح، والأرقى، طالما لا يتعدّى على غيره ويسعى إلى تطوير وتنوير نفسه وبالتالي تطوير المجتمع الذي فيه! وتبيّن منذ نشأته الأولى وصباه أن تركيبته المزاجيّة تجنح نحو تطبيق أفكاره مهما تطلَّب الأمر من نتائج ومغامرات، حتى ولو ظلَّت قوانين الكون برمَّتها في طريقه، خاصَّة عندما يرى أن هذه القوانين جائرة بحقّه وبحق الإنسان ـ المواطن والوطن، وهكذا توغَّل في ثغرات القوانين، حيث وجد أن كلّ القضية ممكن معالجتها بأن يتقدَّم بأوراقه لتقديم الثانوية كطالب حرّ، على أساس أنّه حصل على الإعدادية فقط، وليس كإعادة تقديم الثانوية وهكذا انطلى الأمر على مديرية التربية، وبما أن هناك في أروقة ملفاتها وأضابيرها دخل الحابل بالنابل ولا يمكن كشف الموضوع بكبسة زرّ، فلم يتمكَّنوا من كشفه لأنَّه أصبح له إضبارتان، إضبارة كمعلم ومتابع دراساته في الأدب الانكليزي ثم إضبارة جديدة مستقلة كطالب حرّ حصل على الإعدادية ويتقدَّم للثانوية كطالب حرّ، وعندما ذهب إلى القامشلي للتقدم لإمتحانات الثَّانوية للمرَّة الثالثة، بلّغ كلّ أهله وأصدقائه على أنّه سيتقدَّم للإمتحانات الجامعيَّة، ثم التحق بعد نجاحه بجامعة دمشق، دراسات فلسفيَّة واجتماعية، وتخصّص في السَّنة الثَّانية، علم الإجتماع وتخرَّج عام 1987 بتقدير جيِّد كطالب حرّ ولم يداوم محاضرة واحدة على مدى السَّنوات الأربع! والأطرف من كلِّ هذا الطُّموح، هو أنَّه بعد تخرّجه من جامعة دمشق وقدَّم مصدَّقة تخرُّجّه إلى مديرية التربية، وبإعتباره داخل الملاك فلا يحتاج إلا إلى تعديل وضعه من معلِّم إلى مدرّس، أي بنقل تعيينه من ملاك الإبتدائي إلى الثانوي، ولكي يتم زيادة راتبه بضع مئات من الليرات السورية، فلم يتقدَّم بطلب تعديل وضعه إلى مديرية التربية، وعندما سأله مدير التربية في إحدى لقاءاته، أجاب على تساؤل مدير التربية بأنني تابعتُ دراساتي الجامعية كنوع من الطموح وتحقيق الذات، وليس لتعديل وضعي التدريسي، وظلَّ فعلاً ضمن ملاك الإبتدئي كمعلِّم مجاز، ولم يتم نقله إلى ملاك الثانوي، لكنه ظلَّ طوال فترة عمله يعمل في الحلقة الإعدادية والثَّانوية كمعلِّم مجاز لتدريس مادة اللغة الانكليزية والتربية الاشتراكيّة ومواد أخرى، يقبض ساعاته الإضافية كمجاز وتعيينه كمعلّم، على شهادة الصف الخاص، ولماذا إذاً بذل كل تلك الجهود؟ الجواب هو مجرَّد طموح وتطوير الفكر والذات لا أكثر، ولو عدنا نسأله الآن نفس السّؤال، لماذا تابعت دراساتكَ الجامعية هنا بعد أكثر من ربع قرن من دراساتكَ الجامعية في دمشق، سيجيبنا أنّني تابعت دراساتي وتحصيلي العلمي والفنّي في جامعة ستوكهولم كنوع من الطموح وتحقيق الذَّات، ورغبةً منِّي في أن أصبح مدرساً لمادّة الفنون، وأكاديمي في دولة أقيم وأعيش فيها، ... هكذا تولد القصيدة مثلما تولد أية فكرة طموحيّة، وهو يرى أن كلَّ النَّجاحات الَّتي حقَّقها في مجال الدِّراسة والتَّحصيل العلمي، أشبه ما تكون نصوص شعريَّة وقصصيّة وأدبيّة، ولوحات تشكيليّة ساطعة على جبهة الحياة! وهذه المرّة سيتقدَّم بوثيقة تخرّجه للجهات المعنيّة كي يعمل بها في حال إذا تم تعيينه في مدرسة ما، لأنّه لا يملك بديلاً، ولا يوجد ما يستعيض عمَّا درسه هنا، ولكن تبقى كلّ الدِّراسات مجرَّد طموح في عالم الأدب والفن والإبداع، لأنَّه يهدف من خلال كلّ دراساته أن يعدَّ مشاريع شعريّة أدبيّة فنّية في المدارس التي سيعمل فيها، حول بعض المفاهيم التي اشتغل عليها فنّياً وأدبيَّاً منذ سنين، كالحب، والسَّلام والفرح، حيث يخطِّط لإعداد كتب عن طريق طلاب المرحلة الإبتدائية والإعدادية، كانطولوجيات صغيرة ثم يتوسَّع بها إلى أن تصبح كبيرة حول موقف الطّفل والفتى والمراهق من هذه المفاهيم الهامّة، الحبّ، الفرح السَّلام ضمن سياق شعري وأدبي ثم يقدِّم من خلالها بحوثاً حول تعميم ثقافة الفرح والسّلام والحبّ بين البشر كلَّ البشر، لأنَّه يرى أنَّ هذا الجَّانب مخروم في الكثير من بلاد العالم ولا بدَّ من التَّركيز عليه بجدية وبنائه منذ الطُّفولة والمراهقة والشَّباب مروراً بكلِّ مراحل الحياة، واعتباره محور هام في بناء المجتمع الإنساني الَّذي انحرف كثيراً عن جادة هذه المناحي الطَّيبة، لأنَّه يرى أنَّ البشرية بأمسِّ الحاجة لترويج ثقافة السَّلام والحبِّ والفرح في أركان المعمورة، أفضل مليار مليون مرّة من ثقافة الحروب والصِّراعات المريرة في الكثير من بقاعِ الدُّنيا!!!

"ما يضر الكون لو أبقى حيا" الاصدار الشعري الجديد للشاعر الفلسطيني سعيد الشيخ

صدر مؤخرا الديوان الشعري " ما يضر الكون لو أبقى حيا " للشاعر الفلسطيني المقيم في السويد سعيد الشيخ. وذلك عن دار سندباد للنشر والاعلام بالقاهرة.
الديوان عبارة عن قصيدة واحدة طويلة ضمها جميع صفحات الكتاب البالغة 110 صفحة من القطع المتوسط.
قصيدة فلسطينية بامتياز أرادها الشاعر ان تكون بيانا للحياة، تتشارك بالقائه جميع الكائنات التي وجدت نفسها فريسة للملقيات الفوسفورية في عملية "الرصاص المصبوب" الاسرائيلية ضد قطاع غزة عام 2008 بالاضافة الى بعض "الفلاشات" التي تعود الى اجتياح لبنان عام 1982.
وعلى الغلاف الاخير كتب الناشر: قصيدة سعيد الشيخ تشبه نفسها، اذ تؤسس فرادتها من مفرداتها وسطورها لتصنع اطارها التركيبي المنفلت من قوالب جاهزة لتمضي الى مقاصدها القريبة والنائية.
ومن أجواء الديوان:
على ذراعي نقطة دم
وفي السماء بقعة ضوء
وكنت أنجو.
كنت أنجو/ لأمرّ على وردتي المختبأة بين الركام
وأقول لها: صباح الخير أيتها الباقية
ايتها المنتصرة على الحطام.
الجدير ذكره ان هذا الكتاب الشعري هو الثالث للشاعر بالاضافة الى مجموعتين قصصيتين.

لماذا لم يكتمل الاحتضان 9/ محمود شباط

ما عاتبَ الحرَّ الكريمَ كنفسهِ
والمرءُ يصلحهُ الجليسُ الصالحُ
لُبَيدُ بن ربيعة
بعد سنين ضياع ومراهقة في رياض بيروت. أفاق زينو المقطوف من شجرة طفولته على ضرورة إعادة دوزنة مسيرته، تَمُورُ في دخيلته هواجس التوق إلى الفوق. تمنى لو يتجاوز مستنقع الهوان والجهل ونتن الجسد، لكن على شراعه أن ينتظر هبوب الريح.
بين النية والإمكانية، بين التطلع ومحدودية قدرات من لم يتجاوز الخامس ابتدائي كان قبس الفجر يومض ويغيب. تمنى زينو لو كان من معدن أصلب، ولو كان يجيد من الانكليزية أكثر من مفرداته المعدودات. أو بقدر ما يعرف صديقه مصطفى على الأقل.
بخط بياني شديد التعرج يُحَمِّلُ وزرَ أميته لضعف إرادته ، وأحياناً يُحَمِّلُ وزرَ ضعفِ إرادته لأميته. وظل ينتظر هبوب الريح.
في إحدى إجازاته جاءت جارتهم "أم أسعد" كي تُسلمَ على الفتى المغترب إلى بيروت، أخبرتها أم زينو بنشوة بأن ابنها يعمل "نيتواييه" ، لفظتها بالفرنسية كما سمعتها من ولدها ومصت شفتيها كمن لعق ملعقة عسل، شهقت الجارة تعجباً، وحسداً ربما لحصول زينو على تلك الوظيفة التي لم تعرف بأنها ليست سوى عامل تنظيفات وعقبت بأن ابنها بدوره سوف يدخل الجامعة وسوف يحصل على وظيفة مثل من وظيفة زينو.
أطرق زينو إشفاقاً على سذاجة السيدتين وخجلاً من نفسه ويتساءل: كيف سيعوض الغاطس حتى أذنيه في رغوة الرغبات ما فاته : أينك أيها الريح ؟.
ضاقت الدنيا به في غرفته في وادي أبو جميل، خرج إلى السطح، عبارة "سوف يدخل الجامعة" ترن في أذنيه كطنين سرب نحل. فرد شراعه واستدعى الريح . قرر النهوض من كبوة طالت واستطالت، لن يستطيع البناء على مداميك هشة تزعزعها الفساتين القصيرة، كز على أسنانه، صمم أن ينتصر على ذاته، عاد إلى الغرفة، شَخْصَنَ الخيرَ والشرَّ بشكلين رسمهما على الحائط: شكل ملاك وشكل شيطان.
في خضم تلك التجربة كان زينو كمن يعوم في بحر هائج، يتراوح طعم موجه بين حلاوة حليب الأم وملح مياه البحر، تراوده ذاته السفلى بنزوة فيستغيث بذاته العليا ويقاوم ، فإن تمكنت ذاته العليا من هزيمة السفلى رسم تحت صورة الملاك ملاكاً، وإن هزمت السفلى العليا يرسم شيطاناً تحت صورة الشيطان ويخبط الطبشورة أرضاً. وفي آخر كل مساء يعمد إلى إجراء جردة حساب لأصعب وأعقد عمليات المحاسبة المتمثلة بمحاسبة الذات.
في ذلك اليوم هب الريح من تلقائه وفاجأ البحار الغر أثناء عمله في مطعم في رأس بيروت، كان على زينو التواصل بالإنكليزية مع الزبائن الأجانب. طلبت منه إحدى السيدات وجبة غير مذكورة في قائمة الطعام فاتجه نحو رئيسه، نقل له بتعثر ما طلبته السيدة، حدجه الرئيس شبه الأمي باستعلاء : "تأتون من خلف البقر والماعز وتتطاولون على الإنكليزية ! " ثم شد زينو من يده وسحبه خلفه نحو الزبونة، استفهم المعلم عما ترغبه السيدة ثم كتب الطلب بخط يده الركيك، سلمه إلى زينو ودفعه على كتفه كي يحضر الطلب بسرعة.
في طريقه إلى المطبخ كاد يبكي ، ندم ابن الثامنة عشر على ما هدره من ساعات وشهور وسنين في السينمات والمسارح والمسابح والنوادي الرياضية، رصاصات "المعلم" فجرت القرار الكامن المتذبذب في دخيلة زينو فقرر أن يتعلم الإنكليزية في مدرسة ليلية.
كالظامىء في الصحراء كان زينو يعب المفردات والقواعد، حل في المركز الأول في دورة الثلاثة أشهر الأولى فمنحته إدارة المدرسة شهر دراسة مجاني. تكرر الأمر في الدورتين الثانية والثالثة، ومع انصرام العام الدراسي الأول طلب مدير المعهد من زينو أن يُدَرِّسَ المبتدئين أثناء غياب المدرس الأصيل في إجازة مقابل ثلاث ليرات في الساعة الواحدة. أجاد زينو في عمله المؤقت الجديد فتعاقدت معه المدرسة لمدة ستة أشهر بعد عودة المدرس الأصيل. ولكن دون أن يترك عمله في المطعم.
تم ترقية زينو إلى "كونترولر" لجودة لغته الإنكليزية، ولكنه سيبقى كطير بجناح واحد دون لغة عربية فعكف على قراءة القصص والروايات وقواعد اللغة. نهوض الفتى دفع برئيسه للتقرب منه ورجاه أن يعلم أولاده الثلاثة اللغة الإنكليزية. قال له زينو بأن الذين يأتون من خلف البقر والماعز لا يجيدون تكلم الإنكليزية ولا تعليمها. ابتسم المعلم بخجل اعتذاري ولم يجد الكلام المناسب ، أكمل زينو بألم المنتصر بأن جروح الجسد تندمل بأسرع من اندمال جروح الروح، تؤلم وتوجع أكثر حتى بعد أن تندمل، و تترك ندوباً لا تستطيع أنامل الزمن أن تمحوها.
في تلك المطاعم والفنادق والحانات التي كان يرتادها الغربيون كانت الخمرة تطلق زمام الألسنة في أواخر السهرة، هذا ينتقد الفلسطيني واليسار اللبناني وذاك يؤيد الجيش واليمين اللبناني. كان على زينو أن يساير الزبائن كل على هواه، ويرى بخوف غيوم النار تتجمع في أفق الوطن. سيما بعد حدوث المناوشات الأمنية في العامين 1968 و1969 بين الجيش والمقاومة الفلسطينية.
في العاشر من نيسان/أبريل 1973 أفاقت بيروت على خبر اغتيال قوة كوماندوس إسرائيلية لثلاثة قادة فلسطينيين في منطقة فردان في بيروت، لم يكن حدث بحجم قتل كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ليمر دون أن يترك شرخاً جديداً في جسد الوطن، انفجر الوضع على شكل مناوشات عنيفة ودخل لبنان في أزمة أمنية وحكومية لا سابق لها حتى ذلك التاريخ، ثم هدأت الأوضاع كسكون الجمر تحت الرماد.
في أواخر ليل من ليالي منع التجول كان في المطعم زبونان فقط وثالثهما زينو، الزيونان من سكان العمارة التي يقبع المطعم في ملجئها ، كان "مستر بوب" قد تعتعه الخمر ، حمل كأسه ومشى مترنحاً صوب "الدكتور عماد" وسأله دون سابق معرفة :
- هل تصدق ما يقال أنكم كنتم جزءاً من سوريا ؟
تجاهل الدكتور سؤال المخمور ونظر إلى الجهة الأخرى .
كرر مستر بوب سؤاله فرد عليه الدكتور : نعم ! لأنه حقيقة ! ماذا تريد بعد؟.
التفت مستر بوب نحو زينو وكرت ضحكته.
توالت الحرائق الصغيرة،من يشعلها يشعلها حين يريد، ويطفئها حين يريد، في 4 تموز/يوليو من عام 1974 خطفت جهة مجهولة معلومة الصحافي اللبناني في صحيفة النهار ميشال أبو جودة. الجهة الخاطفة أشاعت بأن الفلسطينيين هم من خطفوه بهدف إثارة حزب الكتائب اللبناني ضد "حركة فتح" الفلسطينية، تداركها الحكماء ولم تنشب المعارك بين الطرفين كما كان يخطط له الخاطفون وليتدخلوا كحَكَمٍ للتحكم والسيطرة كما فعلوا لاحقاً.
في تلك الأجواء الملبدة بغيوم عدم الاستقرار تزوج "زينو"، كان في وضع حرج مالياً لدفع إيجار الشقة وما تبقى من أقساط الفرش، رزق بطفل فزادت المصاريف، أطلت الفتنة برأسها مرة أخرى حين تم اغتيال النائب الناصري معروف سعد في شهر شباط/فبراير 1975، حمي وطيس المناوشات والمظاهرات وبدأت في 13 نيسان من ذلك العام أسوأ حرب شهدها لبنان في تاريخه الحديث. دفع ثمنها شهداء وجرحى ومخطوفون من جميع فئات المجتمع، واضطر مئات الآلاف للنزوح من منطقة لبنانية إلى أخرى، ومع كل جولة قتال كان موج التهجير يرتفع و يرتفع معه عدد المهاجرين من لبنان، "زينو" كان في عداد أولئك الضحايا حيث هُجِّرَ وهاجر.
استمر عبث العابثين بخصوصيات الوطن الصغير الجميل كي يهيمنوا عليه ويمسكوا بمفاصله يوماً ما لتعيين الرئيس والوزير والنائب والمختار والناطور وبواب المدرسة، تلاعبوا بالفكر والثقافة والسياسة والقيم والتاريخ والجغرافيا، عبثوا بأرض خصبة مبللة بزيت الطائفية و ملتاثة بلعنة ملحقين بقومجية تسلمُ العدو المزعوم رقبة وطنها ومواطنها باليمنى وتستلم صك الحكم الأبدي باليسرى.
ملاحظة : على موعد معكم في الحلقة القادمة "زينو 10).