ملامح الحياة الثقافية والصحفية في قطاع غزة بعد الاحتلال/ اكر فريد حسن


لا جدال ان قطاع غزة شكل حالة خاصة وفريدة ومغايرة عن الضفة الغربية ، وذلك نظراً لخضوعه تحت الادارة المصرية.

وقد تركزت اهتمامامات الناس آنذاك على توفير رغيف الخبز والبحث عن الاستقرار الاقتصادي والمعيشي اكثر من البحث عن الثقافة والادب، لكن رغم ذلك فقد تلمسنا بعضاً من حياة ادبية وثقافية بفضل الصحافة الثقافية والادبية المصرية التي كانت تصل القطاع بصورة منتظمة.

وكان قطاع غزة شهد بعد نكبة عام 1948نهضة ادبية وظهور ملامح لحركة ثقافية تمخض عنها صدور عدد من الصحف السيارة، التي غلب عليها الطابع السياسي، كالشرق واعلام والرقيب وغزة والوطن العربي واللواء والصراحة والعودة والتحرر واخبار فلسطين وغير ذلك. ولعل صحيفة "اخبار فلسطين" كانت من ابرز الصحف الغزية واكثرها انتشاراً وعمقاً وقيمة ثقافية ، وقد اهتمت بنشر نصوص شعرية ونثرية وادبية لمجموعة من المبدعين الشباب المهتمين بقضايا الثقافة والادب والفكر منهم : معين بسيسو وهارون هاشم رشيد ومحمد حسيب القاضي ومحمد جلال عناية ومحمد جاد الحق وفوزي العمري وخالد الهشيم وغيرهم الكثير.

وهذه الصحيفة الرائدة كانت لعبت دوراً كبيراً في تنشيط الحياة الثقافية والادبية الفلسطينية من خلال اقامة الندوات المختلفة ومناقشة الكتب الجديدة وتشجيع المواهب الادبية الواعدة ونشر انتاجها الادبي.

وجاءت هزيمة حزيران العام 1967لتلقي بظلالها على الوضع الثقافي في قطاع غزة، والضفة الغربية كذلك. وكان لها الأثر البالغ على مجمل الابداع الادبي الفلسطيني والحركة الثقافية والفكرية الفلسطينية ، حيث خيم جو من الصمت والسبات العميق . وظل هذا الوضع حتى السبعينات من القرن العشرين الماضي، حيث اخذت بالتبلور والانتعاش حركة ادبية مقاومة ونشطة من خلال الصحف والمجلات والدوريات التي صدرت في تلك الفترة منها مجلتي "العلوم" و"الاسبوع الجديد" للصحفي زهير الريس، ومجلة "الشروق" للصحفي محمد خاص، و"الشرق الاوسط" لجميل الشوا، و"البشير" لابراهيم حنظل وسواها من صحف ومجلات كانت تصدر بصورة غير منتظمة وسرعان ما احتجبت وتوقفت بعد اعداد قليلة ، ولم يكن لها تأثير ملموس ودور واضح في تأسيس حركة ادبية في القطاع ، ولذلك اتجه الكتاب والمبدعون الطالعون من بؤس المخيمات نحو صحافة الضفة الغربية مثل القدس والشعب والفجر والطليعة والميثاق وغير ذلك ، ومعظم هذه الصحف كانت يومية او اسبوعية اختصت بالسياسة والشؤون المحلية الا انها خصصت ملاحق ثقافية شكلت منابر مفتوحة لجميع الكتاب الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة .

وكان لصدور مجلات شهرية تعنى بالادب والثقافة والفكر الانساني اثر كبير في تطور الحياة الادبية والنهضة الثقافية والعلمية ، ومن اشهر وابرز هذه المجلات :" البيادر" و"الكاتب" و"الفجر التادبي" و"العهد" و"العودة" . وتعتبر "البيادر" التي بدأت بالصدور سنة 1976الأبرز بينها كونها اول مجلة ثقافية وادبية متخصصة في المناطق الفلسطينية المحتلة ، ونجحت في استقطاب جميع الاقلام الادبية في مختلف فنون وصنوف الادب ، ومن مختلف المشارب والمذاهب الفكرية، وادت دوراً ريادياً وطليعياً هاماً في نهوض المشهد الادبي والثقافي الفلسطيني تحت الاحتلال . ومن اهم الاسماء الادبية الفلسطينية التي عرفتها الحركة الادبية الفلسطينية في القطاع نذكر على سبيل المثال لا الحصر غريب عسقلاني ومحمد ايوب وعبداللـه تايه وزكي العيلة وصالح زقوت ووليد الهليس وصبحي حمدان وتوفيق الحاج وباسم النبريص وصقر ابو عيدة وفداء احمد (عبسان الكبيرة) وغيرهم .

مجمل القول ، لقد ولدت وترسخت في قطاع غزة ابان الاحتلال الاسرائيلي حركة ادبية وثقافية تقدمية مقاومة ومناهضة ضد الاحتلال ، تجسدت وتمثلت بالابداعات والاصدارات والاعمال الشعرية والقصصية والروائية والمتابعات النقدية . وقد عكس ادب القطاع هموم وعذابات الجماهير المسحوقة وواقع التشتت والتشرد والغربة والتصاريح وواقع المخيم وحياة ابنائه. ولا شك ان الواقع الذي فرضه المحتل هو واقع مختلف في الصيغة والاسلوب ، ولذلك فان تناول ومعالجة هذا الواقع المفروض والقدرة على تثويره وضعت امام كتاب القطاع وسيلتين هما التناول السردي والاقتراب من لغة الشعر وادواته ، اضافة الى الاهتمام بالواقع الاجتماعي والسياسي والاحتلالي للانتصار عليه.

قصص قصيرة جدا 20/ يوسف فضل


اجتماع عائلي
جلست في قاعة استقبال القادمين على جسر الملك حسين  منتظرا وصول ابنتي . لم اعرف أحدا منهم ! لكن أشكالهم تشبهني والتي بدت لي أكثر إنسانية وواقعية مما تعرضها القنوات الفضائية . إذ شممت رائحة روح الأرض الفخمة  من المنتجات التي يحملونها معهم . شعرت بالتناغم المذهل في لغة التخاطب العميق ،ورغبة التخلص من الألم  والابتلاء الاسرائيلي . خرجت من المتاهة وانزلقت إلى المعادلة المترفة أننا نرفض أن نتعفن من الداخل.

لا استئناف
احضر الخادم يرفأ سمكا من البحر.
خوفا من الله، عاتبة عمر الفاروق:
" أوأتعبت الدابة في طعام عمر".
لأنه يهتم بالتفاصيل،
أن لا محكمة استئناف في جهنم .

إصلاح
أراد الوالي أن يعيش يوما من أجمل الأيام . قاد حملة مساعدات إعاشة وزعها على فقراء الرعية .بقي هذا المشهد حكاية شعبية (ممتعة)  فائضة عن الحاجة . عاد جذلا ووزع الذهب سرا على خاصته وحمل الفقراء في أوعيتهم  اكتمال الوعي والتحرر من الخوف.

حل سحري
-ماذا قرر اجتماع أصدقاء سوريا؟
-استخدموا الحل  السحري الذي اسقط إسرائيل منذ عقود.
-ما هو ؟
-الإدانة!

برنامج انتخابي
حدثني من أثق به انه سمعت خطيب في تجمع انتخابي يقول: جاءني أخاكم المشهود له بالصدق من العمرة وأقسم لي انه تَقَيَّلَ في المسجد النبوي ورأي رؤيا ان النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليهم وسألهم عن مرشحكم للرئاسة هذا ... وقال أبلغوه أن الله راض عنه .....أبشروا ستكون بلدكم من  الدول العظمى .
 

فِي الذَكرى الرَّابِعَةَ عَشرَةَ/ هلال وَليد طه


هُنا.. عَلى عَتَبَةِ هذا اليَومـِ، تَحدوني رَغبَةٌ إلى نَحتِ تِمثالٍ بالكَلِماتِ تَخليدًا لِذِكرَى صَاحِبِ الياسَمينِ وَالفُلِّ وَالنَّرجِسِ وَوُرودٍ أُخَرَ ذَكَرَها الغالي في دَواوينِهِ، وَرَسَمَها بالكَلِماتِ. يُسعِدُني أن أرسُمَكَ أيُّها القَبّانِيُّ/ العَصرُ بِكَلِماتِكَ أنتَ الَّتي ألبَسَتني شِعرَكَ قَميصًا وَضَعَتْ جَميعُ الماركاتِ شِعارَها عَليهِ زورًا وَبُهتانًا عَظيمًا.
في مِثلِ هذا اليَومِ (30.04.1998) انتَقَلَ إلى رَحمَتِهِ تَعالى الشَّاعِرُ السُّورِيُّ بنُ مِئذَنَةِ الشَّحمِ في دِمشقَ نِزار تَوفيق قَبّاني عَن عُمرٍ يُناهِزُ الخَمسَةَ وَالسَّبعينَ عامًا في مَنفاهُ/ الجَنَّةِ "لُندن".
هُوَ نِزارُ الَّذي اقتَحَمَ قانونَ الانتِخابِ الطَّبيعيّ دونَ سِلاحٍ أبيَضَ أو أسوَدَ، دونَ نَظَرِيَّةٍ أو فَرَضِيَّةٍ، بَل بِعَشوائِيَّةِ الغَريزَةِ الَّتي تَنظُرُ إلى مَجهولٍ جَميلٍ لا تَعرِفُهُ الأقلامُ وَالنُّصوصُ والميتَافيزِقِيَّاتُ..
فَفِي فَترَةِ الإنتِدابِ الفَرَنسيِّ عَلى سورِيا (1920-1946) لَم يَحمِل قَلَمًا حُسامِيًّا وَوَرَقَةً فولاذِيَّةً، بَل حَمَلَ المَرأةَ وَأُنوثَتَها وَأشياءَها حَتّى يُطلَعَ الثّائِرينَ عَلى مَفهومِ "الحُرِّيَّةِ" الّذي كانَ يُؤمِنُ بِهِ.. لِيَحُثَّهُم على مَفهومِها الصَّحيحِ بِازدِواجِيَّةِ الحُبِّ وَالجَماليَّةِ الشِّعرِيَّةِ قبلَ أن تُعَلَّقَ الكَلِماتُ عَلى رُؤوسِ الرِّماحِ ثُمَّ نَسكُتُ تحتَ خَديعَةِ التَّحكيمِ. فَعِندَما كانتِ الرَّصاصَةُ تتَكَلَّمُ، كانَ "قالَت ليَ السَّمراءُ" تُلقي مُحاضَرَةً في الحُبِّ وَالجَمالِ، وَبَينَما كانتِ العَتمَةُ تَقولُ "هل مِن مَزيدٍ؟"، كانَ "طُفولَةُ نَهدٍ" يُلقي خِطاباتِ الجُمعَةِ في المَساجِدِ الَّتي شَبِعَت مِنَ المُؤمِنينَ، وَبَينَما كانَ الرُّوتينُ يَرقُصُ عَلى قُلوبِ المُواطِنينَ، كانَ "سامبا" يُعطِي دُروسًا في الرَّقصِ أمامَ هذا الرُّوتينِ وَأشياءِهِ..
فَنِزارُ لم يَذهَب كالآخَرينَ إلى دَواوينِ الالتحاقِ بِصُفوفِ الثَّورَةِ المَكتوبَةِ، وَلَم يَسعَ إلى الأفخاخِ الزُّمُرُّدِيَّةِ المُحَلَّاةِ بِطَعمِ العُروبَةِ وَتاريخِها المُستَحضَرِ الَّتي لا نُشاهِدُها إلَّا مِن خِلالِ شاشاتِ ال "L.C.D" في المَناهِجِ التَّاريخِيَّةِ..
لا أُريدُ أن أُرَجِّحَ كَفَّةً عَلى حِسابِ أخرى حينَ أضَعُ نِزارَ في الميزانِ، فَبِالإضافَةِ إلى هذهِ المُحَسَّناتِ المُتواجِدَةَ في شَخصِ وَشخصِيَّةِ نزارَ، أعتَرِفُ أنَّ هُناكَ سَلبِيَّاتُهُ أيضًا. وَلكنَّ هذهِ الأمورَ لا يُمكِنُ ذِكرُها فِي هذا المَقامِ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجودِ مُناسَبَةٍ ما لِذِكرِها، وَقد أورَدتُ ذلكَ لأنَّ الطَّريقَةَ الأمثَلَ لإعطاءِ الشَّاعِرِ حقَّهُ مِنَ التَّقديرِ وَالاحتِرامِ بعدَ ممَاتِهِ هِيَ تَناوُلُ آثارِهِ الأدَبِيَّةِ بالدِّراسَةِ المَوضوعِيَّةِ الحِيادِيَّةِ، ووَضعِها في مَوازينِ النَّقدِ دونَ نَقصٍ أو زِيادَةٍ، وهذا ما هُو مُتَّبَعٌ في الغَربِ. وَلأنَّنِي لا أريدُ أن أبحَثَ في نِزارَ كَشاعرٍ، بَل أهدِفُ إلى التَّذكيرِ بِهِ في ذكراهُ الرَّابِعَةَ عَشرَةَ ، فَسَوفَ أكتَفي بِهذا المِقدارِ، وَالسَّلامُ خِتامُ.

الغريب/ مصطفى سعيد


كان الشتاء حاضراً بصرامة, رياحٌ ثقيلة تهز المصاريع وتنثر كل ما يصادف طريقها, تتقاذف بها في السماء كأنها تراقصها رقصة إجبارية صاخبة على موسيقى الطبيعة والرياح..
حمل الرجل ابنته الصغيرة وخرج من البيت بائساً يلتحف بمعطفٍ رماديٍ داكن تغطي أقدامه جزمة سوداء مرتفعة حتى قبل ركبتيه, البخار يخرج من أنفه وأحياناً من فمه كأنما يدخن لفافةً موسمية لا تنطفئ إلا بانطفاء الشتاء..
كانت ابنته المسكينة بين يديه ترتعد ولم يفطن وهو يخرج مسرعاً أن يغلف رأسها الصغير بقبعة تحميها من حنق الرياح الباردة... يمضي في طريقه والغم لا يبارح هيئة وجهه, يتذكر الحديث الذي دار بينه وبين زوجته الجديدة التي رفضت أن تربي ابنته الوحيدة, يومها أدرك مصيبته وحينها أدرك الفاجعة بعدما سجل البيت الوحيد الذي يملكه باسمها عندما طلبها للزواج إذعاناً لشرطها...
 يتذكر وهو ماضٍ في طريقه زوجته الأولى, لم تكن يوماً تذكر له أي شيءٍ من هذا القبيل, ولم تكن تطالبه يوماً بما يقرب المستحيل, ماتت قبل شهورٍ عدة بعد صراعٍ مرير مع السل, لم يبق لابنته الوحيدة في الدنيا إلا هو وعمتها في مدينة بعيدة... يومها دخل البيت ليجد زوجته تنهال على المسكينة بالضرب وهي لم تكمل العامين من عمرها ويدها الصغيرة عليها علامات الحرق تشير إليها وتصرخ...
كاد أن يبكي لكنه حبس دمعته أمام زوجته التي طالما أرادت أن تهينه, عندما أبصر ابنته الصاغرة بتلك العينين العسليتين وهي تستنجد وقتما دخل قادماً من عمله, تهشم قلبه عندما شاهد يدها محترقة, كان يعرف لكنه يغالط نفسه, ويدرك أن زوجته كذبت عليه, وليست هذه المرة الأولى, قالت له أنها مدت يدها على المدفأة فحرقتها, لكنه تأكد من موضع الحرق أنه مفتعل وعلامة المكواة الكهربائية برأسها المدبب ظاهرةٌ على يد الصغيرة, لكن أين المفر من قلب الزوجة الأسود الصلد وحقدها يمكنهما أن يفعلا أكثر من ذلك..
عندما اقترب نحوها وخلصها من يدها الظالمة ظلت الصغيرة المسكينة متمسكة بلباس والدها محتضنةً يده كي لا يتركها وحدها مع ظلم زوجة الأب لها...
كل ذلك وهو يمضي... والفتاة ترتعد بين يديه, يكمل حديثه مع نفسه :
- حتماً سيكون ملجأ الأيتام أفضل من ظلمها...
ياه ... ما هذه الدنيا البائسة... لا يقدر المرء أن يفاوض القدر المتربص ليحتفظ بفلذة كبده تحت سماء الله ... مئة مرة قلت لها ... لم يرزقك الله بالأولاد بعد, أشرفي على تربيتها حتى تكبر وتترعرع ثم يبعث الله نصيبها... لا يقدر أن ينسى كيف كانت تجيبه وهي تصرخ :
- لن أكون خادمة لابنتك وابنة زوجتك الأولى... حتماً كنت تحبها ولا تقدر على نسيانها, لتبقى هذه الفتاة الذكرى الحية من خليلة قلبك...
وصل الرجل أمام الملجأ وتجمد للحظات, أيقظ شروده رجفة ابنته بين يديه طالبةً الدفء, كاد أن يكومها بين معطفه لكن في الوقت ذاته يدها المحترقة مشرعة للهواء ولا تقدر ضمها من شدة الألم...
دخل المبنى والعتمة تعلن هيمنتها على المكان, وضع الفتاة عند مدخل الباب, صارت الابنة تبكي وتصرخ, كانت تتشبث بلباسه بأظافرها الناعمة وهي تصرخ.. بابا.. بابا.. احتضنها.. وبكى.. واحتضنته هي وتوقف بكاؤها معتقدةً بفطرتها الطفولية أنه أعادها إلى حضنه ولن يستغني عنها...
فجأةً... وكأنه يريد الخلاص, كتب ورقة صغيرة وضعها على المقبض عليها اسمها الأول وتاريخ ميلادها, رمى بها أمام الباب وقرع الجرس ثم أدار ظهره ورحل, عندها صار البكاء والصراخ يصدح بالمكان, ذلك ما دفعه قبل أن يغيب ليختبئ خلف السور, سمع المشرفة في الملجأ متذمرة عندما استلمتها توبخها وتنهرها طالبةً منها السكوت...وظلت الطفلة تصرخ بحرقة...
بابا... بابا...
مرت السنون مسرعة, كان الرجل قد تعاقد للعمل في بلدٍ آخر, عاد بعد أن غطى الشيب رأسه, زوجته الظالمة أصابها مرضٌ أقعدها على كرسي متحرك ولم يرزقها الله بولد...إنها حكمة الحكيم الجبار...
لكنه ظل يحتمل سخطها وحقدها من أجل البقاء تحت سقف بيته, كي لا ترميه في الشارع كما كانت تردد عليه تلك الجملة مراراً, لم يخلص من مهاتراتها حتى بعدما قصد الغربة ليتخلص من بغضها, لم تغير  تلك السنون من حالها ولم تجعل قلبها يلين إلا بعدما بعث الله الشلل النصفي لجسدها, فقبلت وفي عينها نظرة ندم, وفي نحيبها نبرة حزن, وفي دعائها رضوخٌ وذل..
كانت الأيام التي قضاها في غربته جديرةً أن تنسيه ابنته, لكن الحنان والدم لا يغدو ماءً مهما طال الزمان, ظل يتذكرها كلما مر من مكانٍ كانت وهي صغيرة تلهو وتعدو فيه, كان ثمة حقيبة صغيرة فيها فستان لها من الحرير المزركش, حاكته الأم قبل رحيلها ولم تكمله, كان يفتحه كل يوم ويحرك الفستان ويتفحصه, ويبكي على زوجته المرحومة كلما مر من شوارع كنستها أقدامه وأقدامها التي غدت عظاماً منذ زمن ...
في يوم ٍمن الأيام كان جالساً في المقهى مع رفاقه القدماء يشاهد برنامجاً عن الناجحين, رأى السيدة التي أكرموها فيها شيء أضرم الحنان في قلبه وظل يحدث نفسه ويقول, ربما ابنتي أصبحت الآن بعمرها, كاد أن يسقط مغشياً عليه وقتما علم أنها دون أهل تخرجت من ملجأ الأيتام, وعندما كانت تتحرك شاهد الحرق الذي ظل مكانه ظاهراً على يدها...
أوصله أصدقاؤه لبيته بعدما ذبل الرجل أمامهم, ظل حبيس الفراش لشهورٍ عدة, وبدأت الأحداث الصارمة تتقاذف على رأسه, خسر آخر ما يدخره في تجارةٍ فاشلة, وتوفيت زوجته الظالمة وهي تنطق بعينيها أن يبحث عن ابنته ويطلب العفو منها, وغدا الرجل غارقاً بالديون بعدما رهن بيته الذي لا يملك غيره حتى يصرف على علاجه وعلاج زوجته الراحلة...
لم يرَ بداً من أن يجد نفسه ذات صباح أمام الملجأ ذاته, لكن كل شيء تغير وتبدل, حتى المشرفات, ومديرة المركز, لكنه استطاع أن يصل عن طريق السجلات بالتاريخ والاسم الذي تركه في تلك الليلة إلى العائلة التي تبنت ابنته الحبيبة, أمضى شهوراً في البحث والسفر حتى مثل أمام مكانٍ قالوا أن ابنته وزوجها يديرونه ويشغلونه في مجال التعليم, وتلك الحقيبة الصغيرة التي تضم فستانها الصغير بيده, كاد قلبه أن يهبط من بين ضلوعه وهو يدخل المكان والجميع يذكر اسم ابنته أنها صاحبة المكان الفاخر, وأنها كافحت وشقت طريقها في الصخر حتى صارت من أشهر المحاضرات والكاتبات المدافعات عن حقوق المرأة و الإنسان...
طرق باب مكتبها, كانت جالسة خلف طاولة منشغلة بأوراقها, وزوجها يتشاور معها, دخل الرجل وفمه يرتعش, كانت الخطا ثقيلة واللسان أيضاً, لكنه استطاع أن يستنطق كلمة لا غيرها..
ابنتي...
نظرت السيدة نحوه والدمع يملأ وجهها, لكنها كابرت وظلت مدفونة بمكانها لا تبارحه, سأله الزوج متعجباً : ما بك ياعم ... ؟
هل تحتاج للمساعدة؟ نظر بتعجب نحو ابنته وقال :
لا ... أريد أن ألقي التحية على ابنتي... أخرج الفستان الصغير ليضعه أمام ابنته ويقول بنبرة تصاحب البكاء, كانت أمك فرحة بكِ, أمضت كثيراً من الوقت وهي تحيك لكِ هذا الفستان, قالت إنه يناسب معلمة المستقبل, لقد أصاب ظنها وكان بمحله, وأنا خاب ظني عندما أبديت نفسي عليكِ... لا أريدكِ سوى أن تسامحيني...
وقف الزوج وحدق متعجباً, كانت السيدة مثلما كانت تكابر وتتحايل على الدمع أن لا يسيل, لكن الزوج بعد أن عرفه تقدم نحوه وضمه واحتضنه وربت على ظهره وهو يقول:

أين كنت يا عم كل هذه السنين, بحثنا عنك ولم نجد لك أثراً, كانت تريد دعوتك إلى عرسها لا غير...وكانت تريد أن تخرس عيون الناس التي كانت تظن أنها بنت بلا أصل, اخترتها من بين كل النساء لأني أعرف أنها نقية وصافية كالماء الزلال...
عندها صاحت السيدة من خلف مكتبها.... لا..!
أنا لا أب لي, كنت أبحث عنه لأجد الإجابة عن سؤالي...؟
كيف يترك رجلٌ ابنته أكثر من عشرين سنة, كنت أرى خيالك كل صباح أن تأتي عند الملجأ وتقول لهم إنني ابنتك, كان قلبي يرتعد وينقبض كلما جاء يوم الزيارة ويمضي دون أن يذكر اسمي, وأرى البنات حولي فرحين بمن أحاط بهم من أقارب وزوار, فقط لو ذكرت لهم أني صبيتك ولم تعد بعدها... فقط لو وضعتني على خانتك أمام الناس ولم تعد بعدها...
وقفت السيدة وهي تمسح دموعها التي سبحت على وجهها...لن أستطيع أن أنسى طيلة حياتي ابني عندما دخل البيت وهو يبكي لأن الناس قالوا عن أمه... يعني أنا... إنني بنت حرام ...وهذا هو الواقع المرير الذي تعايشت معه, أنا لا أب لي ولا أم, أشارت بيدها صوب زوجها, صار هذا أبي وأمي وكل شيء في حياتي..
تدخل الزوج بينهما, وأصلح شرخ الحال, وأقنع زوجته جاهداً أنه ليس من خيارٍ آخر كان الأب يمتلكه...
رضي الأب أن يعيش مع ابنته في ملحق بيتها في غرفة صغيرة خصصت للخدم, وبقى يقضي معظم وقته بين الخضرة و الأحفاد, لكن قلبه كان يتمزق كل صباح عندما كان يشاهد نظراتها التي ترجم اللوم لا ترحم...
وفي صباحٍ بارد مثل ذاك الصباح الذي أوصل به ابنته لملجأ الأيتام, أفاق الرجل مشحوناً بالهم على صوت الخادمة وهي تعطيه دثاراً ثقيلاً مهترئاً ومغلفاً فيه مبلغٌ من المال وورقة من ابنته كتب عليها...
لن ولم أقل لك أبي...
ليتك لم تأتِ ...
كلما نظرت نحوك وأنت تلاعب أبنائي تغمرني الليالي الفجيعة رغماً عني, حاولت لكن لم أقدر, بقيت أتظاهر بحبك لكنه بدا للجميع أنه مزيف, كما أنك لم تحبني وتحنّ لي يوماً, لا أستطيع أن أنسى أنك كنت قادراً على الحضور لساعاتٍ بعد عودتك من السفر, أو قبل رحيلك للمهجر, فقط لتسأل سؤالاً واحداً عني, ألا وهو... هل هي حية أم ماتت بعدما تركتها...؟
من السهل القول أنك كنت تشعر بتأنيب الضمير لذلك لم تعد...
سأجيبك, ماذا تريدني أن أشعر الآن, بعد هذه السنين, خسرت كل شيء وجئت تفسد عليَّ حياتي...

ربما تقول أنك لا تفسدها, وربما تتساءل في قرارة نفسك أنك طلبت السكن في غرفةٍ منعزلة, وأن حضورك وانصرافك خفيف الظل مثل وجودك, لكن... أيها الغريب ... ليتك لم تأتِ...!
لا أستطيع أن أتظاهر أمام أبنائي الصغار الذين يقنعهم الضحك البلاستيكي المقنع الآن, لكن إن كبروا وعرفوا وتذكروا كيف كنت أعاملك, وكيف كنت أشعر نحوك, كل ذلك رغماً عني, لا أريد لأبنائي أن يشعروا قدر ذرة أن أمهم كانت ظالمة مجحفة تجاه والدها, وإن حصل شيء لا أريده أمام أعينهم ربما يبدر مني يوماً رغماً عني...
كان لك دينٌ عندي أن آويتني لسنتين, أوفيت لك دينك وقضيت عندنا السنتين وأكثر...
اتصلت بالمحامي لينهي أوراقك ويعجل بدخولك لدار العجزة...
     وداعاً دون أن أراك أيها الغريب...
مصطفى سعيد
Mustafa.saeed1976@gmail.com
من مجموعة الظالمون ج1 صدرت عن دار الكفاح 2007
مدونة المجموعة: http://alzalemon.blogspot.com/

أيار والشعر/ شاكر فريد حسن

أيارهو شهر الطبقة العاملة الذي تحيي فيه عيدها العالمي والذكرى الماجدة لشهداء انتفاضة عمال شيكاغو ، الذين سقطوا وضّحوا بأرواحهم دفاعاً عن حق العمال والشغيلة في الحياة الانسانية الكريمة. هذا  العيد الذي أصبح رمزاً لكفاح العمال والكادحين ونضالهم المتواصل الدؤوب من اجل التحرر والبناء ، ويؤكدون فيه دورهم التاريخي والمفصلي الهام في صنع وخلق المجتمع التقدمي الانساني ، الخالي من الفوارق الطبقية والاستغلال والاضطهاد ، مجتمع الحرية والعدالة والاستقرار والتقدم في شتى الميادين ، مجتمع انتهاء صراع الانسان مع الانسان وتحويله الى صراع الانسانية مع الطبيعة.
وأول أيار هذا العام له طعم خاص ونكهة خاصة ومختلفة ، لأنه يأتي في خضم الانتفاضات والثورات العربية ، التي اجتاحت البلدان العربية بهدف التخلص من انظمتها القمعية الاستبدادية الطاغية ، وتحقيق المزيد من الحريات الديمقراطية والاصلاحات الجذرية الشاملة ، وانشاء مجتمعات جديدة وانظمة حكم تحترم رأي الشعب ،وتتفاعل مع نبضه، وتحقق له الرخاء ورغد العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
وأيار كان وسيظل مادة سحرية للشعراء والمبدعين الملتزمين الصادقين ، المنحازين للطبقات الشعبية المسحوقة والمعذبة . وشعراء فلسطين من أصحاب التوجه الثوري والميول الطبقية والالتزام السياسي الوطني ، تغنوا بأيار وكتبوا فيه ارق وأجمل الأشعار ، وهتفوا للعامل والفلاح، وأشادوا بالكفاح العمالي والطبقي الذي تخوضه الجماهير العمالية المطحونة والمستلبة ، ضد كل أشكال الفقر والجوع والقهر والاستغلال الفاحش.ونجد ذلك واضحاً بين ثنايا قصائد الشعراء الفلسطينيين المجيدين وبواكيرهم الشعرية ، وخاصة قصائد ابو سلمى وعبد الرحيم محمود وابراهيم طوقان وراشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وحنا ابراهيم وحنا ابو حنا وشكيب جهشان ونايف سليم ومحمود الدسوقي وحسين مهنا وسميح صباغ وعبدالرحمن عواودة واسعد الأسعد وعبد الناصر صالح ، وفي قصائد الشعراء الشباب عبد الحكيم سمارة وزياد محاميد واحمد فوزي ابو بكر ومحمد علوش وغيرهم .
فالشاعر الفارس عبد الرحيم محمود ، شاعر العمال والفقراء والثورة ، أكثر من التحدث عن الثورة الطبقية ، وفي قصيدته (يا عامل) التي نظمها بمناسبة الأول من أيار ، يبرز من خلالها الدورالعظيم والخلاّق للعمال وسواعدهم في بناء المجتمع الانساني الجديد ، انهم المصادر والموارد ودماؤهم الحمراء روافد للحرية:
نحن المصادر والموارد         وسلاحنا  قتل  الواعد
هاماتنا  للمجد     يرسو         حين   نبرعه   قواعد
وقلوبنا  نبع      المكارم        ليس ينضب والمحامد
ولنا    الأيادي   البيض      لا  ينسى الأيادي غيرها ماجد
وبنا اذا تدهى    الشدائد        كان     تفريج    الشدائد
أما يوليسيز الفلسطيني ، ابن قرية مصمص الوادعة ، وشاعر الالتزام الوطني ، الذي التحم بقضايا الناس والجماهير التحاماً عضوياً واصيلاً ثوريا ، ومات احتراقاً في غربته القسرية ، وعاد ليكيد العدا، فيقول في قصيدته الدافئة الحريرية (قصة أول أيار) :
وتثاءب التاريخ يفتح سفره     ومضى يسائل حائراً يستنطق
لمن الطاغوت وهو ممزق؟    ولمن أكف  الثائرين   تصفق
فأجابه أيار :انظر    فتيتي     اولست تسمع  صوتهم  يتدفق
نحن اشترينا عيدنا بدمائنا      فلواؤنا الخفاق  احمر   ينطق
وأما منيب مخول الآتي من البقيعة المتربعة على صدر الجليل ، وبلد الشعراء والزجالين ، العابقة بالاريج والشذى الفلسطيني المعطر. . هذا الشاعر اليعربي الذي" رسى أصله وطاول هامه سمواً زحل "ـ  كما يقول ، وعاش حياته شامخاً شموخ الجبل ، فهتف قائلاً في قصيدة (أخي أيار) من ديوانه (منزرعون) :
يا كف أيار امسح جرح آذار
          في شرعة الغاب واطفي النار بالنار
العامل الحر والفلاح زانهما
               اكليل شاش ضماداً ليس بالغار
بينما نجد الشاعر الراحل هايل عساقلة ،المولود في قرية (المغار) الجليلية والمتوفى عام 1989 ، الذي ينتمي لجيل الستينات الأدبي ،وصاحب (نار على الجبل) و(صباح الوطن) ، فيغني للراية الحمراء ، التي ترفرف في أول أيار ، وستظل خفاقة عالية، معلنة غروب ليل الفقراء وانبلاج فجر الحرية والانعتاق .. فيقول:
نداءات العلى زحف .. فنصر
                ورايات الصمود يد .. وصدر
جذور الشمس راسخة ستبقى
                يمجد طيبها في الأرض زهر
وانا للصمود نظل ذخراً
               وليس يصدنا  صعب   ووعر
وانا نرفع الرايات حمراً
               يلين لخفقها  ناب ،   وظفر
نفذ السير في الظلمات حتى
               يطل على جراح الأفق بدر
في حين يقول الشاعر الفلسطيني خليل توما ، صاحب المجاميع الشعرية (اغنيات الليالي الأخيرة) و(نجمة فوق بيت لحم) و(تعالوا جميعاً) في قصيدة له بعنوان (عمال أول أيار):
أيار يهتف من هنا
عبروا تعانقهم حبال المشنقة
طبعوا على وجه الطغاة نعالهم
وخطى الشموس الواثقة
وبموتهم شقوا طريق الانتصار
ويشب في اعماقنا شوق ويجرفنا
فنذكرهم
وعلى سواعدنا سيكتمل النهار
ونزوح نصعد في دروب الشمس
 نهتف في المحطات التي
حملت نزيف جراحهم
ونظل نذكر لحمهم ملء الشوارع
تحت أقدام الخيول
أما محمد القيسي ، شاعر الأرصفة والشوارع ، واحد الشعراء الصعاليك في عصرنا ، فيقول في رائعته (أيار والأحزان) :
لو مرة يا أيار تأتينا وفي شفتيك وعداً وبشارة
لو مرة تحنو ، تعانقنا ، ومن كفيك تمنحنا الشرارة
لو تطفأ ٍالأحزان في عينيك يا ذلاَ حملنا
في دروب النفي عاره
كنا ورغم الغربة السوداء نبسم ، نستفيق
يشع في كلماتنا نور العبارة
كنا هدمنا جسور الوهم ابحرنا الى عينيك يا وطني
كنا نسيناها اغاني السهد والحزن
كنا زرعنا الأفق يا أيار انغاماً
كانت مواويل العتابا ،ميجنا
تندي روابينا حنيناَ دافئاَ ، خصباً ، سلاماً
لكنما أيار أنت تثير بي شجني
وللشاعرة والمناضلة خديجة أبو عرقوب ، صاحبة الصوت الفلسطيني الهادئ الصادق والعفوي ، القادمة من دورا الخليل ، والتي قضت سنوات طويلة خلف جدران الزنزانة ، فلها قصيدة قديمة بعنوان (ميلاد الأرض) تحاكي فيها أيار الدفء والشمس، وتتحدث عن العامل والفلاح، صناع التغيير والمستقبل ، وعشاق الحياة ، تقول فيها:
تململ الفلاح ووجهه للشمس
ونهض العامل، وحمل الفأس
وفر الغلاء والفقر انتحر
عاش الكادحون شرفاء ، وقوفاً
حملوا الزم.. العمل نور يأتي
مع الفجر.. وينجرح الغروب
والعرق منا شرر
اصبر يا أحب الناس .. أيها الفلاح
انا الارض اعطيني البذر
الام انا .. لا ترحلوا
دماؤكم حملي في زمن كفر
وفي موسم المطر.. سقط المطر
وفي أيار .. دفء الشمس
هبّوا ..فقد سباني القوم
عيونكم حرس وأيديكم قدر
اخيراً، هذه باقة من الأشعار لملمتها  من حدائق الشعر الكفاحي الطبقي، مما كتب عن أيار شهر العمال ، الذين سينتصرون في النهاية ، وسيشيدون مملكة الحرية والعدل والفرح والمستقبل الجميل بدمائهم الذكية، وهاماتهم العالية وتضحياتهم الجسام.

عودة آمال عوّاد رضوان وهيام قبلان من الملتقيات الثقافية المغربية/ آمال عوّاد رضوان

آمال عوّاد رضوان وهيام قبلان تعودان من المغرب، بعد مشاركتهما في أربعة ملتقيات ثقافية في جرسيف، زرهون، مريرت وتيفلت، والفرحة عامرة في قلبيهما، والذكرى حافلة بجمال المغرب وحفاوة أهله!
 بحضور عدد كبير من الشعراء والتشكيليين والزجالين والأدباء والمثقفين من داخل المغرب وخارجه، وتحت شعار- الإبداع التزام واع ومتجدد- أقامت جمعية الهامش الشعري ملتقى جرسيف الدولي الخامس للشعر والتشكيل في المغرب بفضاء دار الطالب جرسيف، بعد أن تمّ استقبال المشاركين بفضاء فندق أطلس جرسيف.
قام السيد عامل عمالة إقليم جرسيف يرافقه وفد بافتتاح الملتقى والمعرض التشكيلي الجماعي "سفر على الهامش 5" في 5-4-2012 مساء، الذي شارك قيه كل من التشكيليين بوزيد بوعبيد– تطوان، ومحمد شريفي– الرباط، وداليزار شطورو– تونس، وعز الدين الدكاري– طنجة، ونتاشا نوفاك– ليتوانيا، ومصطفى الغزلاني– المحمدية، وأنس حمودان– شفشاون، ومحمد الدودي– طنجة، وبدر لمريزق– طنجة، ومحمد يتون– طنجة، ونبيلة السعيدي– وجدة.
بعد كلمة وزير الثقافة، تمّ تكريم الشاعر عبد الكريم الطبال مع شهادة في حقه، وكذلك تمّ تكريم الفنان التشكيلي بوزيد بوعبيد  مع شهادة في حقه، ومن ثمّ  كانت القراءات الشعرية للزجال "إدريس المسناوي" وأخرى للشاعر المحتفى به "عبد الكريم الطبال"، والشاعرة التونسية "ليلى الزيتوني".

بعد حفل الشاي على على شرف ضيوف الملتقى كانت الجلسة الشعرية الأولى بعرافة الزجال حفيظ المتوني، وقد شارك فيها كل من الشاعر عدنان الصايغ- العراق، محمد العياشي- مريرت، ريحانة بشير- الرباط، هيام مصطفى قبلان- فلسطين، زين العابدين اليساري- تيفلت، بوزيد حرز الله- الجزائر، الزبير افراو- جرسيف، فريال الدالي- ليبيا، محمد الزروالي- تازة، فوزي عبد الرحيم- ازغنغان واحميدة بلبالي- تيفلت.
كما أقامت جلسة شعرية بعرافة الشاعرة ليلى الزيتوني شارك فيها كل من: نعيمة قصباوي- خنيفرة، جمال أزراغيد- الناظور، آمال عوّاد رضوان- فلسطين، عزيزة احضية عمر- طانطان، محمد الراشق- الخميسات،  محمد العيوني- تاونات، صابرين الصباغ- مصر، عبد الحكيم ايت تاكنيوين- ورززات، ابراهيم قهوايجي- سبع عيون، محمد ضريف- بوجنيبة، مصطفى الغزلاني- المحمدية
وبعد استراحة الشاي كانت جلسة شعرية أخرى  بعرافة الزجال عادل لطفي شارك فيها كل من: أحمد السبتي- تيفلت، محمد اعشبون- هولندا، علال الحجام- ، سميرة جودي- مكناس، فرج عمر الأزرق- تونس، حفيظ المتوني- جرسيف، عبد الرحيم أويري- مرزوكة- محمد زرهوني – جرسيف.
وفي الجلسة النقدية حول الإبداع والالتزام، تولى العرافة الزجال سيّرتها الناقدة خديجة شاكر من سلا، والناقد محمد البدوي- تونس، وبنعيسى بوحمالة – مكناس
وفي مولاي ادريس زرهون احتفى المهرجان التاسع لربيع الشعر بزرهون بالشاعر المغربي الريفي المهاجر محمد أعشبون، والذي نظمته جمعية الأوراش للشباب فرع زرهون تحت شعار "الشعر وأسئلة الربيع العربي" بتاريخ 8-9-10 أبريل 2012.
افتتح المهرجان الأستاذ محمد الشرادي بكلمة ترحيبية للحضور وللجمعية التي تكرم وجها إبداعيا وإنسانيا يستحق التفاتة كبيرة؛ ابن الريف من الحسيمة محمد أعشبون، الذي هاجر إلى هولندا ولم يتخل عن القلم بل ظل وفيا للإبداع ومخلصا له ومواكبا للأنشطة الثقافية المقامة بالمغرب.
ثم أعقبتها كلمة ترحيب رئيس الجمعية عبد الرحيم الحليمي بالمشاركين من داخل الوطن المغربي والوطن العربي فلسطين، العراق، تونس، مصر، الجزائر، وتحدث عن المجهودات التي تبذلها الجمعية للوفاء بتنظيم هذا المهرجان سنويا، وشكر جميع الجهات الداعمة كوزارة الثقافة، والمجلس البلدي وساليدور وغيرها وكلمة رئيس المجلس البلدي أشادت بهذا النشاط الثقافي الراقي الذي تنجزه الجمعية بمعية شركائها والتي تجعل المدينة كل سنة محجا للشعراء والزجالين المبدعين من المغرب وخارجه وأهمية الدور الكبير للثقافة في تحقيق التنمية الفعلية والمساهمة في هذا الفعل الإبداعي الجميل.
كما انتقل الحضور الى حفلة شاي وإلى لحظات إبداعية تمّ فيها توقيع الدواوين الشعرية التي أصدرها الشعراء وهي على التوالي: "غنج المجاز" لجمال أزراغيد (الناظور)، "أناديك قبل الكلام" لإبراهيم قهوايجي (سبع عيون) ، وديوان "أقرأ  لتراني" لزين العابدين اليساري (تيفلت)، ثم ديوان "احتمالات السقوط" والمجموعة القصصية "المقبرة الشرقية" لمحمد أعشبون (الحسيمة/ هولندا)، وديوان "حين يتكلم الماء" لريحانة بشير (الرباط).
وعودة الى جلسة شعرية أدارها مدير المهرجان "حسن إمام"، وشارك فيها الشعراء الذين وقعوا دواوينهم فقط، وأعقبتها وقفة التكريم والاحتفاء بالشاعر والقاص المبدع محمد أعشبون، فقدمت له جوائز تقديرية من جمعية الأوراش للشباب، وجمعية الهامش الشعري بجرسيف، وجمعية المبدعين المغاربة بتفلت، وقد تخللت هذه الأمسية الافتتاحية وصلة غنائية لفرقة وليلي بمولاي ادريس زرهون.
ثم كانت الجلسة الشعرية الثانية بإدارة عزيزة احضية وجمال أزراغيد، وساهم فيها كل من:
عدنان الصائغ الشاعر العراقي المقيم بلندن، وعلال الحجام(مكناس)، عبد الحكيم تاكنوين (ورزازات)، آمال عوّاد رضوان (فلسطين)، وعبد العالي أواب (الشماعية)، وفاطمة الزهراء أمسكين(الرباط)، وصابرين الصباغ (مصر)، وعبد الرحيم أويري (قلعة مكونة)، وهيام قبلان (فلسطين)،واسماعيل الغربي (الجزائر)، ومراد العلاوي والزبير الخياط (زايو).
وفي الليل كانت أمسية شعرية وزجلية وفواصل موسيقية بادارة ادريس الشجاع والدكتور خالد لوكيلي شارك فيها: خديجة شاكر (سلا)، عليا الإدريسي (الرباط)، عزيزة حضية( طانطان)، سميرة جاودي(مكناس)، خالد لوكيلي (زرهون)، وفرقة الملحون وليلي بزرهون.
وفي اليوم الثاني كانت جلسة نقدية أدارها إبرهيم قهوايجي حول شعار الدورة: "الشعر وأسئلة الربيع العربي"، ساهم فيها د. محمد بدوي (رئيس اتحاد كتاب تونس)، ود. محمد الديهاجي اللذان أبرزا مميزات وخصائص الشعر الذي ظهر إبان الربيع العربي، والذي لم تكتمل صورته بعد.
وفي المساء كانت أمسية زجلية أدارتها الشاعرتان: عليا الإدريسي وفاطمة الزهراء أمسكين، شارك فيها زجالون مغاربة: ضريف محمد (خريبكة)، شيخ الزجالين ادريس المسناوي،احمد السبتي (تيفلت)، محمد مومر، عبد الحق طريشة (تاونات) مليكة فتح الاسلام (الشماعية)، خالد الموساوي (فاس)، أمينة الخياطي (زرهون)، عبد الكريم الينوس (الشماعية) وغيرهم…
وفي الصباح انتقل موكب الشعراء والزجالين إلى موقع وليلي الأثري للتعرف عليه وإلقاء قصائد الومضة في جو شعري احتفالي رائع.
وعبر ملتقاها الدولي الرابع للشعر بقاعة عدال/مريرت، نظمته جمعية "إيمولا" بالتنسيق مع المجلس البلدي لمريرت، وتحت شعار "فليخضر الأطلس شعرا"، بتاريخ 11 و 12 أبريل.
رحب الشاعر محمد زرهوني الحضور والمبدعين من المغرب، فلسطين، تونس، العراق، مصر، السعودية، القادمين للاحتفاء بهذا العرس الشعري، ثم كانت كلمة لإبراهيم قهوايجي (إدارة الملتقى)، فاطمة الزهراء الزرقاني (رئيسة الجمعية)، محمد عدال (المجلس البلدي)، الناقد محمد بدوي (كلمة المشاركة العربية)، والزجال حفيظ اللمتوني (كلمة المشاركة المغربية).
وبعد حفل شاي كانت أمسية شعرية بمشاركة:
عدنان الصائغ (العراق)، آمال عوّاد رضوان (فلسطين)، محمد أعشبون (هولندا)، إبراهيم قهوايجي (سبع عيون)، محمد زرهوني (جرسيف)، نجيب طبطاب (مكناس)، محمد العياشي (مريرت)، صابرين الصباغ (مصر)، إسماعيل زويرق (مراكش)، عبد الرحيم ايويري (قلعة مكونة)، سميرة جودي (مكناس)، محمد البلبال (تيفلت)، إلهام زويرق (مراكش)، لحسن عايي (الراشيدية)، أمينة حسيب (مراكش).
وفي اليوم التالي كان الاحتفاء بالناقد المغربي نجيب العوفي وندوة نقدية حول "تجربة الشاعر والناقد نجيب العوفي"، بمشاركة محمد الوالي، عبد السلام الفيزازي (أكادير)، بنعيسى بوحمالة (مكناس)، محمد بدوي (تونس) وكانت كلمة للناقد نجيب العوفي عبر فيها عن سعادته في رؤية تجربته في مرايا الاَخرين ومدى اعتزازه بكلماتهم، كما شكر الجمعية المنظمة ومريرت على هذا الاحتفاء
وفي المساء كانت أمسية شعرية وزجلية بمشاركة: ناجي حرابة (السعودية)، حفيظ اللمتوني (جرسيف)، هيام قبلان (فلسطين)، إسماعيل هموني (كلميم)، فتيحة المير (برشيد)، خالد الموساوي (فاس)، فتيحة رشاد (الدار البيضاء)، نعيمة قصباوي (خنيفرة)، أوحمو الحسن الأحمدي(تارودانت)، وقد تخلل الملتقى مشاركة الفنان الأمازيغي عبد الله زرزوقي وتوقيع ديوان "منابع الأشواق" لمحمد العياشي، و"أناديك قبل الكلام" لإبراهيم قهوايجي.
وفي قاعة دار الشباب 9 يوليوز بمدينة تيفلت بالمملكة المغربية وبشراكة بين اتحاد المبدعين المغاربة وجمعية الإشعاع الثقافي، الأمل للتنشيط الاجتماعي والثقافي وبدعم من المجلس البلدي للمدينة، كانت الدورة الثانية لملتقى تيفلت العربي للشعر.
وبتآلف حميمي بين الحضارة الامازيغية العريقة والوالعربية، وبتنظيم موسيقي شعري راق ومميز عنصره شباب وصبايا، وذلك بتاريخ 14-15-16 أبريل 2012، اختتمت آمال عوّاد رضوان وهيام قبلان زيارتهما الشعرية في ملتقيات المغرب الثقافية، والتي لا زال عبقها يخمر الذاكرة بحفاوة وبسمة وطيبة المغرب وأهله.
قدم الشاعر والقاص محمد بالخاوري رئيس اتحاد المبدعين المغاربة كلمة ترحيبية باسم الجمعيات المنظمة، وبدأت الأمسية الشعرية الأولى بعرافة علية الإدريسي وعبد الحميد شوقي بقراءات شعرية لكل من:
رجاء الطالبي،  إبراهيم الجريفاني من المملكة العربية السعودية، محمد أعشبون من هولندا، نزار سرطاوي من الأردن، زين العابدين اليساري من المغرب، والزجال احميدة بلبالي،  إبراهيم قهوايجي، محمد البلبال بوغنيم، ومحمد العناز.
وبعد حفل شاي كانت الأمسية الشعرية الثانية، بعرافة حميدة بلبالي وابراهيم قهوايجي، شارك فيها  كل من:  سعد الغريبي من المملكة العربية السعودية، عبد السلام الدخان، هيام قبلان من فلسطين، محمد مومر، محمد زرهوني، تم الاحتفاء بالشاعر الزجال إدريس امغار المسلاوي، عبد الرحيم تكانيونين وعبد الرحيم الحليمي وعبد الحميد شوقي.
وفي اليوم التالي صباحا كانت ندوة حول عنوان الحداثة ورهان الكتابة المعاصرة بمشاركة النقاد: محمد البدوي من تونس، محمد معتصم، محمد يوب، محمد رمصيص ونور الدين بوصباع.
وفي المساء كانت أمسية شعرية شارك فيها كل من: محمد بالخاوري، سليمان دغش من فلسطين، خالد الموساوي، فوزية العكرمي من تونس، عبد الله ايت بولمان، نور الدين بوصباع، الطيب هلو، عبد الرحيم أبو صفاء، الميلودي العياشي، أحمد السبتي، علية الإدريسي البوزيدي، حسن اعبيدو، نجاة ياسين من بلجيكا، فاطمة الزهراء امسكين، محمد الزرهوني، حفيظ اللمتوني وآمال عوّاد رضوان.

رواية رسالة منتظرة 8/ أمل جمال النيلي

ذهبت للسيد جواد وعرضت عليه التصميم وبعدما انتهيت ذهبت للشركة :
ــ تولاي مهندس وسام ينتظرني .
ــ عندي علم .. تفضلي .
طرقت الباب ودخلت فقال وسام حينما رآني :
ــ أرجو يكون التصميم نال القبول .
ــ أجل .. الحمد لله وافق عليه بشرط السرية التامة .
ــ لما ؟ .
ــ يريد أن تكون هدية عيد زواجه لزوجته .
ــ أروع أن يحب الرجل زوجته .
ــ أصبح الأمر نادر .
ــ أوراءك مشوار بفترة الغذاء؟ .
ــ لا .. لما ؟ .
ــ ممكن نذهب معا ً لتناول الغذاء بأي مطعم .. وإذا رفضتي عرضي لن أغضب أو أفصلك .
ــ لما أرفض أنت جاري ومديري .
ــ لهذا السبب وافقتي ؟ .
ــ لا .. لم أجد سبب للرفض .. أنت إنسان مهذب وبالتأكيد لن يصدر منك تصرف غير لائق .
خرج كلاً منا بسيارته ، سبقني ولحقت به ، وأمام المطعم سألني :
ــ في البداية لم تروقني الفكرة .. ولكن عندك حق .. لا يعرف من بالشركة أنك جارتي .. وحتى لا تذهب عقولهم لبعيد .
ــ الألسنة تتكلم بلا توقف .. بالخير أو الشر .. كل ما في الأمر لدي موعد مهم بعد الغداء .
ــ إلي أين ؟ .
ــ لقد طلبت بعض البرامج من شركة الكمبيوتر وموعد استلامها اليوم .
ــ أكل وقتك عمل .. لا راحة غير النميمة ؟.
ــ هذه البرامج فيها للترفية وأخري للعمل .. أهوي الجرافيك .. لذا قررت تعلمه بإتقان .. وسأستخدمه لتوضيح تصميمي .
ــ طريقة مثالية لقضاء الوقت .. ماذا تطلبي ؟.
ــ سآخذ رستو فلتو .. وأرز .. وخضار سوتيه .. وعصير برتقال .. وأنت ؟
ــ كستليتة فرنسية .. وأرز .. وسلطة فرنسية وعصير برتقال .
ــ لم أتخيل أنك تحب الأكلات الفرنسية .. معظم الرجال تحب الأكلات الشرقية .
ــ الأكلات الشرقية لا يعلي عليها .. ولكن التغير مطلوب .. متى ستحضرين أغراضك للرحلة ؟.
ــ بمجرد عودتي للمنزل .. ألم يخبرك أحد عنها ؟.
ــ أخبرني مهاب .. لم أقرر بعد .. مهاب معتاد التكلم معك بهذه الطريقة ؟.
ــ أستاذ مهاب اعتبره أخي الأكبر .. أو بمعني أخر جزء من العمارة .
ــ أ يعيش بمفرده ؟ .
ــ أجل .
ــ أليس له أقارب ؟.
ــ بلا .. عائلته وزوجته بباريس .
ــ مهاب متزوج ! .. ولما يعيش بمفرده ؟ .
ــ منذ خمسة عشر عام سافرت عائلته لباريس.. لقد نقل عمله والده لهناك .. أكمل مهاب دراسته لفن التشكيلي .. تعرف علي زميلته نيكي وتزوجها . . شعر بالحنين وأراد الرجوع لكنها رفضت المجئ معه .. أصر علي قراره وعاد بمفرده .
ــ ولما لم يتزوج ويكمل حياته ؟.
ــ يحبها بجنون .. طيفها لا يفارقه .. يأمل رجوعها في أي لحظة .
ــ ما أغرب عالمنا ! .
ــ عفوا ً الوقت سرقنا .. اتسمحلي بالانصراف .. وشكراً الغذاء معك ممتع .
ــ الكلام معك لم يشعرني بالوقت .. لا داعي للرجوع للشركة .. انتهي مشروع السيد جواد .. وأنت ِ تحتاجي للراحة ولو لساعات قليلة .
ــ هذا كرم منك .
ــ ليس بيننا هذا .. إلي اللقاء .
ــ إلي اللقاء .
                                               *********
                         
                                                 إلي اللقاء لنعرف ما حدث بالرحلة

لقطات زوجية - قصة قصيرة/‏ ماهر طلبه

فى يومها الأول ، طلبت مهلة ربع ساعة ، لكنه بعد أن مل الانتظار ، طرق عليها الباب .. فأجابت وكأنها لا تعرف  من بالخارج  .. ثم ظهرت متوارية فى الخجل .
***
فى يومها الثالث .. مرت من أمامه شبه عارية .. فتذكر وزفر بصوت عال وضحك .. فنظرت وتذكرت وضحكت .. لكن لحظة الخجل العابرة على عينيها كانت كافية كى يذهب بها إلى السرير .
***
فى خروجها الأول ، حين وقفت أمام المرآة تنظر حسنها ، خلفها وقف .. ضمها إلى صدره ، وهمس فى أذنها .. فرمت ببسمة صغيرة على أرضية الحجرة العارية قبل أن تواجهه وتترك على شفتيه قبلة وتسرع خارجة .
***
لم ينهِ طعامه البارد اليوم .. انفرد بالحجرة .. لم ينتظرها ...
متعب .... قال
العمل .... قال
واسند رأسه إلى مخدته ونام ، بينما ظلت عيناها معلقة بالشاشة البيضاء التى تنقل مشهدا ساخنا .
***
اصطدم بها فجأة وهى خارجة من الحمام .. سقطت من عليها الفوطة .. غطاؤها الآخير .. أو ربما تعمدت هى اسقاطها لتستعيد صورة جسدها فى عينيه .. لكنه كان منشغلا عنها بمطاردة أوراق الجريدة - التى انفلتت  أوراقها منه - قبل أن تلمس الأرض المبلولة بماء "الحموم "
***
هاتفها من خارج المنزل ، سأتأخر قليلا ..
صمتت .. وانشغلت بالسؤال الدائم
"هل ملنى " ..
وأُغْلق  الخط على سؤالها فظل معلقا فى السلك البارد بلا رد .
***
اليوم احتفلا بعيد زواجهما الأول ..
عاد من عمله متأخرا .
انهت عملها فى المطبخ قبل وصوله بقليل .
لم تجد سببا لدخولها الحمام .
لم يجد سببا لشرائه شمعة .
فاكتفى بأن يقبلها قبل أن ينام واكتفت .
***
هاتفته من خارج المنزل ... أخبرته أنها راحلة
صَمَت
قالت أنها ستحمل له صورة ستضعها على طاولة - فى مخيلتها – بعد أن تحيطها بإطار مذهب يضفى على ألوانها – الباهتة – بعض من التألق والبهاء
صَمَت .
http://mahertolba.maktoobblog.com/

إحياء حفل تأبين أدبي كبير للأب يوسف سعيد في أربيل

رحلة صبري يوسف إلى أربيل، عشرة أيام حافلة بنشاطات أدبية وإعلامية وسياحية متعدِّدة
قراءة شعرية ودراسة نقدية تحليلية في حفل التأبين الأدبي الخاصّ بالأب يوسف سعيد
أمسية أدبية في قره قوش، تحدّث فيها عن تجربته الأدبية غطّتها قناة عشتار وسما الموصل
لقاءات تلفزيونية: أجرت قناة عشتار وسما الموصل لقاءات حوارية معه حول تجربته الأدبية
أجرى هو الآخر حواراً تلفزيونيَّاً مطوَّلاً مع الدكتور كاوه محمود، وزير الثقافة والشَّباب في الإقليم
رحلة بديعة إلى الجبال والأماكن الأثرية والأديرة المقدَّسة كدير مار متى ومار هرمز ومار يعقو
تلقَّيتُ دعوة من الروائي والقاص الدكتور سعدي المالح، المدير العام للثقافة والفنون السريانية في إقليم كردستان، للمشاركة في إحياء حفل تأبين أدبي كبير في أربيل/ عنكاوا، فلبّيت الدعوة مشكوراً.
عبرتُ البحار بعد غربة طويلة، استقبلني الأحبة بفرحٍ كبير، وفي اليوم الثاني من وصولي، افتتحت المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية حفل التأبين الأدبي بالوقوف دقيقة صمت على روح الشاعر الخلاقة في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين المصادف 16/نيسان2012، برعاية وحضور الدكتور كاوه محمود، وزير الثقافة والشباب في حكومة إقليم كردستان وعلى قاعة متحف التراث السرياني في عنكاوا، ثمَّ بدأت بتقديم حلقاتها النقاشية ضمن برنامجها الخاص بإحياء حفل تأبين أدبي كبير للشاعر المبدع الأب د. يوسف سعيد، وبمشاركة عدد كبير من الأدباء والكتّاب والشعراء والباحثين والنقّاد والمفكرين العراقيين من مختلف المدن، وبحضور نيافة المطران مار نيقوديموس داؤود متي شرف مطران الموصل وكردستان للسريان الأرثوذكس ونيافة المطران مار صليبا شمعون المستشار البطريركي للسريان الأرثوذكس والأب د. يوسف اسطيفان البنّا وعدداً من الآباء الكهنة، والأستاذ كريستوف يلدا عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني. وعدداً من المدراء العامين والمسؤولين الحكوميين ورؤساء الدوائر الحكومية في عنكاوا وأربيل، وممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ومجموعة من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.
بعدَ افتتاح حفل التأبين الأدبي بالوقوف دقيقة صمت حداداً على روح الشَّاعر الرَّاحل، ألقى بعدها نيافة المطران مار صليبا شمعون المستشار البطريركي للسريان الأرثوذكس كلمة تأبينية مؤثَّرة ومعبّرة جدّاً تحدَّث فيها عن دور الآزخيين السريان ودور السريان العريق عبر التاريخ وكان الأب الراحل واحداً من هؤلاء الشعراء الأفذاذ، وقد أشار إلى كتاب (آزخ أحداث ورجال) للكاتب الآزخي الشماس يوسف القس جبرائيل، مؤكَّداً على أن شاعرنا الرَّاحل ولد وترعرع في آزخ، تلك البلدة المعروفة تاريخياً. وأكّد على نبوغ الشاعر باللغتين العربية والسريانية وتطرَّق إلى ذكر سفر بطولات أبناء آزخ وما سطَّروه هؤلاء الرِّجال الأبطال من مواقف بطولية مشرّفة، مع أنَّهم كانوا قلَّة قليلة أمام جيش عرمرم مدجَّج بأحدث الأسلحة، حيث دافعوا باستبسالٍ غير مسبوق عن الحياة والقيم وعن أنفسهم وبلدتهم العزيزة آزخ، وأضاف: "إنَّ بطولة هؤلاء الرجال كانت تختزن في ذهن الفتى يوسف ابن الشهيد سعيد ولم تفارقه حتى تمخَّضت تلك المشاعر فولدت من رحم أفكاره، فكرة تتمثَّل باستبدال السيف بالقلم والبندقية بالكلمة متَّخذاً ممَّن تركوا أثراً واضحاً في تاريخ البشرية قدوة ونبراساً، الذين مهَّدوا الطريق أمام البشرية بسحر أقلامهم وفكرهم". وقال: "استلهمَ الرَّاحل شهامة وحمية آبائه الأبطال فسجَّل اسمه في سفر الحياة وليس في سفر آزخ فقط، فصال وجال في ساحة العلم والمعرفة وخاصة في ميدان الشعر الذي يدغدغ المشاعر الإنسانية، فاذا به يرفع لواء الشعر عاليا"، وأشار إلى زمالته معه في المعهد الكهنوتي واهتمامه بالشعر منذ ذلك الوقت.
أعقبتها كلمة معبّرة ومكثَّفة للدكتور كاوه محمود، وزير الثقافة والشباب في حكومة إقليم كردستان الذي قال: "اعتقد بأن هناك علاقة أزلية بين الشِّعر والدِّين، بالنسبة لي أنا لستُ شاعراً ولا روائياً ولكني مجرّد قارئ، ومن خلال قراءاتي، أعتقد أن هذه العلاقة تكمن في الابتعاد عن السطحية ما يمنحنا القدرة على ربط الشعر بالحياة والدين بالحياة هذا ما فعله الأب الشاعر يوسف سعيد، وما اكتشفته من خلال قراءاتي لبعض نتاجاته وعنه". وأضاف: لم يكن الشاعر الراحل الأب يوسف سعيد ابن الموصل فقط، بل كان أيضاً ابن كركوك، وذلك من خلال مساهمته الهامة مع شعراء وأدباء جماعة كركوك، فيحق لأهل كركوك بمختلف قومياتهم، أن يفخروا  بابنهم البارّ من خلال شعره وخدمته الرُّوحية ودفاعه عن قضية السَّلام. ولهذا أودُّ أن أختتم كلمتي بما قاله عنه الأديب ميخائيل نعيمة: "إنني لم أجد في حياتي كاهناً بهذه الرَّوعة الشعرية العميقة في الحياة".
ثمَّ ألقى الدكتور سعدي المالح كلمة المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، قدَّم في مستهلِّها باسم المديرية العامة تعازيه الحارَّة إلى أهل الفقيد وكنيسته السِّريانية الأرثوذكسية، مشيراً إلى الفراغ الكبير الذي تركه الأب الشاعر يوسف سعيد في الحياة الأدبية والثقافية العراقية، مشيداً بجماعة كركوك الأدبية التي كان الفقيد أحد مؤسِّسيها وروَّادها والتي كانت تضمُّ أدباء وشعراء من أديان وطوائف وقوميات وأفكار سياسية مختلفة مثل سركون بولص وجليل القيسي ويوسف الحيدري وجان دمّو وصلاح فائق وفاضل العزاوي ومؤيد الرَّاوي وزهدي الداوودي، ثم تحولت إلى أحد أهم التيارات الأدبية في العراق وأكثرها إبداعاً وتجديداً، مؤكّداً على الدور الكبير الذي لعبته هذه الجماعة الرائدة في إنعاش الأدب العراقي ورفده بالجديد والمنوّع والخلاق.
وأضاف: "في الحقيقة هذه ليست احتفالية تأبينية في ذكرى فقيدنا فحسب، بل احتفاء تكريمي ندين له به في حياته. اذ كان الاحتفاء به وهو حي بيننا أحد برامجنا في المديرية العامة بعد تأسيسها. لقد اتصلنا به ودعيناه لزيارة وطنه الأم، أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث المنصرمة، إلا أن طبيبه الخاص كان يمنعه من السَّفر في كلِّ مرَّة، فأصبح ذلك الحلم محالاً وحسرة في قلبه وقلوبنا".
واختتم كلمته بالقول: "نحن إذن نحتفي بالأب يوسف سعيد الشاعر الإنسان الذي سيبقى ماثلاً في ذاكرتنا كما كنَّا نحن والعراق زوَّادته في غربته الطويلة".
وألقى القاص هيثم بردى ممثل الأدباء السريان في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، كلمة الاتحاد، نقل للحضور في مستهلِّها، تحيات أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس المركزي للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق ممَثلاً برئيسه الأستاذ فاضل ثامر وأمينه العام الأستاذ الفريد سمعان، وتمنياتهم بأن يسدي هذا التأبين بعض الوفاء لعطاء الشاعر الأب د. يوسف سعيد، مؤكِّداً: "أنه ليس بغريب أن تبادر المديرية العامة للثقافة والفنون السِّريانية إلى إقامة هذا الحفل التأبيني عبر حلقات نقاشية متعدِّدة ومثمرة عن الشَّاعر الرَّاحل، فقد سبق وأن أقامت أيضاً حلقة دراسية موسّعة عن الشَّاعر الرَّاحل سركون بولص، وأخرى عن القاصّ والروائي إدمون صبري، وبمشاركة فاعلة ومؤثرة من نقّاد وقصاصي وروائيي وشعراء العراق، فضلاً عن ملتقيات ومهرجانات عديدة أخرى لا مجال لذكرها الآن". واختتم كلمته بالقول: "نحن في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق نثمِّن هذه الجهود المدروسة للمديرية العامة للثقافة والفنون السريانية ممثلة بمديرها القاص والروائي الدكتور سعدي المالح، ومجموعة خيّرة وساندة من المثقَّفين والإعلاميين من موظفي المديرية".
تلتها قراءة لبرقية مرسلة من اتحاد الأدباء الكرد فرع أربيل، جاء فيها: "باسم اتحاد أدباء الكرد فرع أربيل نحيي المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية لاحتفائها بالشاعر الأب يوسف سعيد، لقد كان الشَّاعر منذ أن عرفناه مخلصاً ووفياً لقضيَّة واحدة وهي قضية الشِّعر والقصيدة، واستطاع بجهده الشخصي الوصول إلى درجة راقية ومتميزة في القصيدة الحديثة. نحييكم ونحيي ذكرى شاعرنا الفذّ الأب الشَّاعر يوسف سعيد ".
ودمتم
ثم أُلقيَتْ بعد ذلك مجموعة من القصائد، استهلّت بعرض تسجيل قراءات شعرية للأب الرّاحل وهو يلقي مدخل قصيدة الطفولة من ديوان (السفر داخل المنافي البعيدة)، ضمن لقاء تلفزيوني، أجراه معه الأديب الشاعر صبري يوسف عندما كان مدير برنامج بطاقات ثقافية في فضائية سورويو، ثم ألقى الشعراء التالية قصائدهم الشعرية.
الأب د. يوسف اسطيفان البنّا، الشاعر زهير بهنام بردى، الشاعر شاكر مجيد سيفو، والشاعر صبري يوسف، مستلهمين قصائدهم الشعرية من عوالم وفضاءات الأب يوسف سعيد الفسيحة.
وتمَّ اختتام حفل الافتتاح بمداخلة من قبل نيافة المطران مار نيقوديموس داؤود متي شرف، أعرب فيها عن تقديره للدور الكبير الذي تلعبه المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في المجال الثقافي السرياني لا سيّما احتفاؤها الدائم برموز الثقافة السريانية وعمالقة الفكر والأدب والفن والموسيقى ومنهم الأب الرَّاحل، كونه حفيد مار أفرام السّرياني، ويعقوب السّروجي، واختتمَ كلمته قائلاً: "إن الأب يوسف سعيد، سيبقى خالداً في أفكارنا وقلوبنا، وأنا لواثق من أنه يشاركنا من السَّماء في هذه الفعالية فرحاً بالأشخاص الذين قرَّروا تكريمه".
وبدأتْ جلسات اليوم الأول على الشَّكل التالي:
بدأت الجلسة الأولى للحلقة النقاشية في تمام الساعة الخامسة من مساء الإثنين 16 نيسان 2012 بإدارة القاصّ هيثم بردى، حيثُ تضمَّنت دراسات تحليلية نقدية لكلٍّ من الأستاذ الباحث ياسين النَّصير والدكتور النََاقد محمد صابر عبيد والدكتور الناقد خليل شكري هيَّاس.

قدَّم الأستاذ ياسين النَّصير في بحثه قراءة نقدية عميقة بعنوان: (فضاءات الأب يوسف سعيد)، حيث يرى النَّصير أن الفضاءات (السماءات) الأربع التي يطرحها الأب يوسف سعيد في ديوانه الذي حمل نفس عنوان البحث، وهذه الفضاءات هي الأرض والتراب والسماء والماء، وهي عناوين أحادية بحسب تعبيره أي مفردة واحدة يجمع فيها الأب الرَّاحل الدِّين بالشعر ولا يحوم حولها بل يدخل في أعماقها ويفنِّدها ويجزؤها ثم يعيد بناءها بطريقة شعرية أخّاذة وفريدة،، مسلِّطاً الضوء على خصوصيّة تدفقات الأب يوسف سعيد، واسترسل في شرح هذه الفضاءات وتماسكها مع بعضها بعضاً، واصفاً الأب يوسف سعيد بالمنتمي إلى خيال المادة (الخيمياء) لأنه يمزج بين الثقافة الميثولوجية والثقافة العلمية، قدَّم الناقد دراسة تحليلة مثمرة ومفيدة في تسليط الضوء على الكثير من فضاءات الأب الراحل يوسف سعيد.
 
 أعقبه الدكتور الناقد محمد صابر عبيد ببحث هام وعميق من حيث الدلالات التحليلية التي قدَّمها حول قصيدة طويلة بعنوان الموصل، وقد أطلق على بحثه عنوان: (الموصل فضاءً شعرياً لدى الأب يوسف سعيد) أكَّد فيه على أن: " عتبة عنوان القصيدة "الموصل" للشاعر الأب يوسف سعيد من العتبة الكلية لعنوان الديوان "الشموع ذات الاشتعال المتأخر" وعنوان الديوان هو عنوان محيطي شامل تنتمي اليه القصائد جميعاً، إذ هو عنوان مهيمن يطغى على عناوين قصائد الديوان كلها ويستوعبها، هو ثريَّا تنشر تباشير ضوئها اللامع عليها ولعلنا يمكن أن نقدّر كقراءة أولى أن كل قصيدة من قصائد الديوان التي تعمل تحت مظلة ثريا العنوان هي (شمعة) تتسم باشتعال متأخر ومن ضمنها قصيدة الموصل التي هي أول قصيدة (شمعة) في ترتيب القصائد(الشموع) وتسلسلها داخل الفضاء الشعري"، ويعتبر الناقد قصائد الديوان بمثابة شموع مضيئة ومنبعثة من الحياة وتعكس حالات الشاعر المتلألئة من شموع الحياة التي رافقته عبر منعطفات عمره الحافلة بالإبداع.
 
وقدَّمَ الدَّكتور خليل شكري هيَّاس بحثاً تحليلياً بعنوان: (السَّفر داخل المنافي البعيدة- تجلِّيات الذات في مرآة الشعر) وقف فيه على نتاج آخر للأب يوسف سعيد وهو مجموعته الشعرية (السَّفر داخل المنافي البعيدة) حيث قال: "هي مجموعة في أحد أهم مظاهرها التشكيلية، تؤسِّس لشعريّة ذاتية، تسعى الذَّات الشَّاعرة فيه إلى الغوص عميقاً في الذاكرة ليستجلي ما هو ذاتي من التجربة، مسفراً من أجل ذلك عن كل الإمكانات الشعرية الغنائية في إضاءة مناطق حساسة من التجربة الذاتية، وعلى نحو يجعل من الشعر في هذه المجموعة خطاباً جمالياً مناظراً لحركة وجود الذات في هذا العصر ومستجيباً لمنطقها الحيوي في التدليل والتصوير والتمثيل". حيث سلّط الضوء على الرؤية الجوانية العميقة في ذاتية الشاعر الفياضة في بناء النص الشعري بطريقة وجدانية راقية، وتعكس حالات إنسانية من خلال تدفُّقات مشاعره الجانحة لعوالم الطفولة وجمالياتها وحميميات خصوبة الذات المتمركزة فوق أجنحة القصيدة. 
وقد تخلَّلَ بعد عرض البحوث التحليلية، مداخلات ومناقشات مستفيضة بين الباحثين والمشاركين في الحلقات، ممّا أغنى وعمّق في أبعاد البحوث والدراسات التي تم تقديمها على مدار الجلسات.
وبعد استراحة قصيرة تمَّ عرض الفيلم الوثائقي (حكاية عمر) الذي يتناول جانباً من حياة الأب يوسف سعيد وهو من إنتاج قناة عشتار الفضائية، إعداد الإعلامي نزار عسكر وإخراج الشاعر والاعلامي مروان ياسين الدليمي.
*****
وفي اليوم الثاني 17/4/2012، الساعة التاسعة صباحاً، أدار الجلسة الثانية الأستاذ الناقد ياسين النَّصير، وقدّم الأستاذ النَّاقد جاسم عاصي، الَّذي قدِّم بحثاً تحليلياً ثريِّاً بعنوان: (ما يتبدَّى من الشِّعر- قصائد "طبعة ثانية للتاريخ" أنموذجاً) قال فيه:" إننا أمام شاعر أولاً، وأب في الفكر الديني ثانياً. وهاتان الصفتان تجمعهما الخاصية الإنسانية في بؤرة واحدة كما القصيدة. فالشاعر الأب يجمع في تصوّراته الكوني والدنيوي في صورة واحدة يمثلها الإنسان. وهي التي ولدت لنا شعراً لإنسان يمارس مفاهيمه المختلفة ببعد واحد كبير ومكثف في إنسانية الإنسان، هذه الصورة في مفهوم (الإنسان- الأب- الشاعر) هي التي دفعت بالأب الشاعر إلى أن يكون إحساسه الشعري بالوجود تلقائياً منطلقاً من مستقر مبدئي".
وأضاف:" لعل النظرة الفاحصة لقصائد الديوان تستوقفنا أمام العديد من المحاور التي عالجتها قصائد هذه المحاور التي تُبأر في مركز واحد، هو إعادة النظر في الظواهر من خلال الانعكاسات الحسية التي تركتها على الذات الإنسانية متمثلة في ذات الشاعر، لقد راوحت القصائد بين قصائد قصار وأخرى طويلة نسبياً، وفي كلتا الحالتين، ثمة تحقيق لرؤى جديدة". وقدّم وجهات نظر جديدة حول قصائد الأب يوسف سعيد في ديوانه طبعة أخرى للتاريخ، تعالوا نتساءل مع الباحث والناقد جاسم عاصي هل كان الأب يوسف سعيد يرى الطبعة الأولى للتاريخ طبعة غير دقيقة فطرح علينا طبعة ثانية أو رؤية ثانية للتاريخ من منظوره هو! وهو القائل: " أيها الشعراء أنتم حكماء هذا العالم".
ثمَّ تلاه الناقد والباحث الأستاذ ناجح المعموري ببحثٍ فيه رؤية وتحاليل جديدة بعنوان: (الأصول الأسطورية في تجربة الأب يوسف سعيد الشعرية) بدأه بقراءة أبيات من قصيدة الماء.
"وأمّا أنتَ يا أيُّها المتوسِّد جذع شجرة قديمة
أنظر!
أسرابُ من عصافير الأرض
ترحل يوميَّاً
نحوَ ينابيع أنهارٍ مقدسة!..
(ص78 فضاءات الأب يوسف سعيد).
 واسترسل في تحاليله ووجهات نظره قائلاً: "لعبت ديانات الشرق دوراً مهمَّاً في المسيحية وأكثر العناصر بروزاً هي الآلهة الشابة المذكرة/ القتيلة والمنبعثة، وأهم هذه الآلهة اوزوريس المصري وأدونيس/ أتيس في أسيا الصغرى/ ميثرا الفارسي/ يوسف التوراتي/ وآخر النماذج زكريا النبي. وظَّف الأب يوسف سعيد أسطورة الإله الشاب القتيل التي تماهى معها يسوع". وأضاف: "في فضاء الأرض تصعد الأم الكبرى في ديانات الشرق إيقونة سردية محكومة بعدد من الأيقونات. وجميعها تبدأ بمفردة النمط العالي/ أو عنصر نظرية الخيال وكانت الأرض رمزاً للسيدة العذراء مريم وظهور الشجرة مثمرة هي تمظهرات الأم/ الأرض/ ومريم والشجرة رمز دال على السيد المسيح. وما قاله الأب يوسف سعيد يفضي على اوزوريس وأدونيس اللذين صعدا نحو فضاء يسوع. وأسطورة اوزوريس متماثلة مع مكونات يسوع ولا يمكن قراءة شخصية يسوع بعيداً عن نسق الإلهة الشابة القتيلة والتي كان القمح دالاً عليها". مشيراً الى "أن المشترك بين الإلهة الوثنية ويسوع، لم يبقَ ثابتاً، بل تحرَّك قابلاً بالارتجال والتحوُّل الواضح والبسيط مع حيازة جديدة لها دواعٍ موضوعية، مثل شخصية النبي زكريا الهارب في محاولة للخلاص من الاضطهاد واحتمال القتل مثلما حصل لابنه يحيى، احتمى بالبستان، استمع لصوت شجرة تنادي عليه: تعال يا زكريا. الشجرة هنا هي الأم الرمزية التي فتحت رحمها / جذعها واستعادته مرة ثانية".
إن قراءة الباحث والناقد ناجح المعموري تحتاج إلى قراءة جديدة بل إلى قراءات عميقة، من جانب المتلقّي أولاً، ومن جانبه أولاً وأخيراً، لأن هكذا دراسات تحليلية قائمة على رؤية إبداعية، اسطورية، دينية تحمل بين طياتها اسقاطات غير مسبوقة، وإن هكذا نوع من القراءات التحليلية لنص شعري يفيض بالرموز والصور والفضاءات الجامحة، تتطلَّب عمقاً مضاعفاً كي نستطيع الولوج إلى شيفرتي الشاعر والباحث معاً، وتتطلَّب أيضاً تعميق الرؤية والتحليل من جانب الباحث نفسه كي يشرح لنا اسقاطاته وتحاليله بشكل أعمق وأكثر دقةً وإقناعاً فيما يذهب إليه، لأن قراءته قابلة لتأويلات متعدّدة ويفسح المجال للمتلقي الوقوف عند الكثير من التساؤلات، ممَّا يضع النص يرفرف فوق روضة التحليل بشيء من الذهول، وكل هذا ناجم عن كوننا أمام فضاءات جامحة في تدفقاتها وتتطلَّب الكثير من التأمُّل والزهوّ والخيال، خيالُ القرّاء والنقاد والباحثين!
ثمَّ تمَّ تلاوة شهادة كلّ من الشَّاعر فاضل العزّاوي والشَّاعر زهدي الداوودي، وهما من روَّاد شعراء جماعة كركوك الأدبية، عبَّرت الشّهادتان عن عميق الأسى والحزن على فقدان علم من أعلام الأدب والثقافة والشعر، ليس في العراق والعالم العربي فحسب بل في العالم أيضاً، تلاها الأديب والشَّاعر السُّوري صبري يوسف (الذي أعدَّ هو الآخر حفل تأبين أدبي كبير للأب يوسف سعيد في ستوكهولم 11/3/2012)، وقد سرد الدَّكتور فاضل العزَّاوي في مشاركته جزءاً من ذكرياته العذبة مع الرَّاحل الكبير وأضاف:" لقد كسر الأب يوسف سعيد وكسرنا نحن أيضاً معه كل الحواجز التي تفصل ما بين البشر، باسم المذهب أو الدين أو السياسة، مؤكِّدين أخوتنا الإنسانية في الإبداع قبل أي شيء آخر. ولا أعتقد أنه جعلنا في يوم ما نشعر بأننا مختلفون أو أنه أقرب إلى الله منَّا، بل انه لم يكن يخطر حتى في بالنا أننا ننتمي الى قوميات وطوائف ومذاهب وأديان مختلفة، ألا يعبِّر هذا عن الرِّسالة الحقيقية التي أراد السيِّد المسيح إيصالها الى البشر جميعاً في كلِّ زمان ومكان؟، تلك الرِّسالة القائمة على المحبَة قبل أي شيء آخر".
أمَّا الشَّاعر الأستاذ زهدي الدَّاوودي فسرد في شهادته ومشاركته بعضاً من ذكرياته مع الأب الرَّاحل وتأثيره في نتاجه الأدبي فيما بعد مؤكِّداً أنَّ: " الأب يوسف سعيد كان أحد أبرز عناصر جماعة كركوك، أكبرهم عمراً وتجربةً ودرايةَ وتمرُّداً، كان طائراً يحلِّق على أبعد نجمة تاركاً سربه ومغرداً خارجه ومحاولاً أن يجعل من السَّماء والأرض منزلاً من الفردوس. وظلَّ يعيش مع هذا الحلم إلى أن غادرنا إلى الأبد"!.
وبعد استراحة قصيرة بدأت الجلسة الثالثة بإدارة الأستاذ بطرس نباتي وكان أوَّل الباحثَين الأديب صبري يوسف، حيث قدَّمَ بحثاً تحليلياً بعنوان: (رحلة فسيحة في بناء القصيدة عند الأب يوسف سعيد)، حيث يرى الشاعر صبري يوسف أن الأب الرَّاحل يوسف سعيد "يتميّز بخياله الجامح، فياخذكَ إلى فضاءات لا تخطر على بال، يخطُّ جملته الشعرية وكأنه يلتقطها من خاصرة السَّماء الصافية، ومن أهداب النجوم، ليقدِّم للقارئ خطَّاً شعرياً متفرِّداً ومتدفِّقاً بالإبداع".
 يمتلك لغة متدفقة بالصور الخلاقة، متميِّزة بمفرداتها، كما يتميَّز الشّاعر الراحل بالخيال الخلاق حيث يقود القارئ إلى فضاءات رحبة، يترجم مشاعره بكل عمق مركِّزاً على عوالمه الفسيحة ويعكس عوالم روحية صوفية وحياتيّة راقية.
وحول قصيدة الطفولة يقول أن الأب يوسف سعيد في قصيدة الطفولة " ..أسقط بين ثنايا نصّه دلالات فكريّة وحياتيّة واجتماعيّة دون أيِّ تحفُّظٍ وكأنّه يتلو في حالة انتشاء ترتيلته المفضّلة من أخصب وأنقى محطّات عمره، حيث كتب الشَّاعر قصيدته بكلِّ مشاعره وأحاسيسه وأحلامه وأعصابه، فهذه القصيدة هي أنشودته الروحانيّة الشَّفَّافة، حيث يقول:
" أتركُ نقاط دمي على جوانب محبرة، بعض هذه النِّقاط انساب كدهنٍ مهراق، ..
أشيِّدُ أعشاشاً لطيورٍ مصنوعة من دم الكلمات" .. " هذا العالم أعصابه من دماء الشِّعر، ..."   
يدهش الأب يوسف سعيد القارئ حيث يرى أن "الجملة الشعرية عند الأب يوسف سعيد، لا يمكن الإمساك بها، إنها جمل متشرشرة من أفواه النُّجوم ومنبعثة من ضياء الوجود وحفيف الأشجار!".         
وآخر البحوث قدَّمه الأستاذ بنيامين حدَّاد: (قراءة في الشِّعر السِّرياني للأب يوسف سعيد) الذي قرأ شيئاً من شعر الأب يوسف سعيد بالسريانية، ثم تحدَّث عن لقائه الأوَّل به في أحد مهرجانات المربد، منتصف الثمانينيات، ويرى أشعاره بالعربية غامضة مقارنة بأشعاره السِّريانية. 
كما يرى الباحث أن الشاعر: "كباقي الشعراء الحداثويين، يكتب شعره تحت تأثير معاناة مغرقة جداً بالذاتية، ولكن تبين لي أيضاً، أن ما يكتبه بالسريانية أقل غموضاً وأقل تغريباً. وأنه أقرب في شعره السرياني إلى ( الآخر) منه بالعربية.
وتلا الشاعر صبري يوسف شهادة الشاعر صلاح فائق الذي قدَّم في مستهلِّها تعازيه القلبية إلى أسرة الشاعر الأب يوسف سعيد قائلاً أن الأب يوسف سعيد:" لن يموت إنما انتقل إلى مكان آخر، ذلك لأنه كان و سيبقى حياً في حياتي، فهو معلِّمي الأول، حيث خدم كل من احتاج الى نصيحته وتضامنه في العراق وفي غيره من البلدان، وفي شعره يقف شامخاً كشاعر حديث ووطني في آن. العراق شعره وشعره العراق".
ثم فسح رئيس الجلسة المجال للحضور لطرح تساؤلاتهم واستفساراتهم وتقديم مداخلاتهم، وأجابَ المحاضران عنها، ولكي يطلّع الحضور على شعر الأب يوسف سعيد بالسريانية، تمَّ عرض تسجيل صوتي للراحل يلقي فيه بعض أشعاره بالسريانية، رافقه على العود الموسيقار الكبير منير بشير.
واختتمت الجلسة بكلمة المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية شكر خلالها الدكتور سعدي المالح
كل من ساهم من منتسبي المديرية في إنجاح هذه الفعالية، لاسيَّما قسمَي الإعلام والخدمات، كما شكر السَّادة المطارنة الأجلاء والآباء الكهنة الأفاضل على حضورهم ومساهمتهم في إغناء الحلقة النقاشية، كما شكر كل من تجشم عناء السفر من داخل العراق وخارجه لا سيما الأديب صبري يوسف المقيم في السويد والذي رفد متحف المديرية بمخطوطات ومقتنيات تعود للأب الرَّاحل، ليتم عرضها في جناح خاص به، فضلاً عن تزويدنا بدواوينه ومجاميعه الشعرية الكاملة.
صبري يوسف
أديب وفنّان تشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

شيء ما عن الشاعر والكاتب المسرحي الفلسطيني الراحل الدكتور عبد اللطيف عقل/ شاكر فريد حسن

الراحل د. عبد اللطيف عقل هو شاعر واديب وباحث وكاتب مسرحي واستاذ جامعي ، ويعد من القامات السامقة في الادب الفلسطيني المعاصر والمشهد الادبي والثقافي تحت الاحتلال .
انه علم من اعلام الكلمة الحرة الشريفة ومن الجيل المؤسس للثقافة الوطنية التقدمية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث نشأت وتأسست وتبلورت حركة ادبية وثقافية مقاومة ورافضة تتحدى الاحتلال، وتحث على الصمود، وتحرض على التشبث والانزراع في الارض ، وكان عبد اللطيف عقل الشاعر الاكثر وضوحاً بهذا الشأن .
ولدالمرحوم عقل سنة 1943 في دير استيا القريبة من سلفيت ، حصل على ليسانس الآداب سنة 1961والماجستير والدكتوراة في علم النفس الاجتماعي من الولايات المتحدة الامريكية سنة 1977. اشتغل مدرساً في ثانويات فلسطين وفي جامعتي بيت لحم والنجاح الوطنية بنابلس وزرع في طلابه روح الامل والتطوع والتضحية ونبذ الاتكالية والعجز ، وساهم في بناء الشخصية الوطنية والذات الفلسطينية. وفي سنة 1998رحل عن عالمنا وهو في عز عطائه وتوهجه الانساني .
ظهر نجم عبد اللطيف عقل الادبي والفني بالسطوع وهو في جامعة دمشق عام 1964، حيث نشر بواكير قصائده واصدر باكورته الشعرية الاولى "شواطئ القمر"ثم توالت اعماله الشعرية والمسرحية بالصدور تباعاً وهي" قصائد عن حب لا يعرف الرحمة ، الاطفال يطاردون الجراد ، حوارية الحزن الواعد ، الحسسن بن زريق ما زال يرحل، بيان العار والرجوع ، المفتاح ، العرس، تشريفة بني مازن، البلاد طلبت اهلها " وغير ذلك.
شارك عبد اللطيف عقل بشكل مميز في الحياة الثقافية والفكرية الفلسطينية ، وكان للمعاناة التي عاشها على الصعيد الشخصي علاوة على البيئة التي ترعرع فيها الاثر الكبير على وعيه وتفكيره الايديولوجي وتشكل شخصيته الادبية والشعرية وتبلور ابداعه الذي لا يزال يسكن الذاكرة.
عاش عبد اللطيف عقل معاناة وهموم شعبه ووطنه ، وسلك درب الالتزام في معظم ما كتب . وقد وعى دور الكلمة في النضال والثورة وسخر موهبته وقدراته في سبيل الدفاع عن قضايا شعبه المصيرية .
وفي قصائده يتناول عقل الوطن المعذب السليب بهمومه السياسية وقضاياه الوطنية والثورية واحداثه اليومية ، وقد حرص كل الحرص على تقديم صورة الفلسطيني من خلال نماذج متعددة تتجسد في شخصية اللاجئ والسجين والشهيد . وفي شعره نجد صوراً سلبية للواقع العربي المهترئ وتعرية المواقف السياسية المتخاذلة للانظمة العربية الرسمية ازاء القضية الفلسطينية . كما انه يرسم القرية والمدينة الفلسطينية في لوحات فنية لها قيمة تاريخية وتراثية وحضارية .
يقول الكاتب والناقد الفلسطيني عادل الاسطه عن تجربة المدينة في شعر عبد اللطيف عقل :" تناول عبد اللطيف عقل موضوع المدينة في مجموعاته الشعرية ، ونظرة على حياته من خلال دواوينه توضح حنينه الى القرية ، فالشاعر عاش في جو القرية ثم انتقل الى المدينة ، ولذلك ظلت القرية حية في ذهنه ، ولا عجب ان رأينا القرية والمدينة تعيشان جنباً الى جنب في نفس الشاعر ، وما الالفاظ التي يستخدمها الشاعر مثل (التين، العوسج، البيادر، الدافور) الا دليلاً على ذلك . هذه الالفاظ التي يمكن ان تشكل قاموساً خاصاً عند الشاعر عقل عن غيره.
ويضيف قائلاً :" ان تجربة الشاعر مع المدينة ، دخلها غريباً وحاول اصلاحها لكنه يئس وعاد يشعر بالغربة من جديد . لم يستمر في مسيرته ، رغم انه يعترف انه مقصر ، لقد دار في دائرة مغلقة فانتهى الى حيث بدأ ، تمرد على وضع المدينة وحاول اصلاحها لكنه يئس دون ان يستمر ( مجلة البيادر، العدد السابع، السنة الثانية ، ايلول 1977).
غني عن القول ان قصائد عبد اللطيف عقل ذات دلالات متعددة وتعكس بمجملها الجرح الفلسطيني النازف والهم الوطني والسياسي الجماعي وتصور الواقع الفلسطيني المرير ، وهي تمتاز بالنفس الطويل والصور الفلسفية المستقاة من حكايا الاجداد ورحم الارض .
ختاماً ، عبد اللطيف عقل صرح ثقافي كبير تميز بالعطاء والابداع المتوهج ، شعراً وادباً مسرحياً ،واثبت نفسه يحضوره المميز . سبح ضد التيار وشارك في معركة التغيير لكنه رحل دون ان تتكحل عينه بحلم الدولة الفلسطينية .

الشاعر مروان مخّول في لوكسمبورغ

وقع اختيار مهرجان ربيع الشعر العالمي في لوكسمبورغ على أربعة عشر شاعرًا من دول وقوميّات مختلفة من العالم، تحقّق المهرجان في أمسيات شعريّة متفرّقة لكل من الشعراء المشاركين في مناطق الإمارة جميعها.
ومن ضمن البرنامج العام، وبرعاية المركز الثقافي "نيومينيستر" قَدّمَ مروان مخّول قراءات من قصائده الجديدة والمترجمة إلى اللغة الفرنسية في أمسيات شعريّة حضرها جمهور متنوّع.
شخصيّات ثقافيّة، سياسيّة ودبلوماسيّة أوروبيّة عديدة برزت من بين الحضور، ومن بينهم الأمير "ديك جون ده لوكسمبورغ" وليّ عهد ملك لوكسمبورغ.
وضمن البرنامج الثقافي العام للمهرجان ألقى كل شاعر من الشعراء المشاركين محاضرات تثقيفيّة حول الأدب في أكاديميّة العاصمة ومدارسها.
بحضور جمهور أوروبي كبير جمع البرنامج الثقافي الشعراء في لقاء ونقاش ثقافي وسياسي استُعرضت فيه وجهات النظر المختلفة للشعراء حول ما يحصل في دول العالم من تقلّبات سياسيّة وثورات شعبيّة.  
 اختتمت فعاليّات المهرجان في حفل تكريم الشعراء المشاركين في معرض الفنون التشكيليّة في مُتحف لوكسمبورغ الفنّي. 

رواية رسالة منتظرة 7/ أمل جمال النيلي


 منال :

ــ أعجز عن التفكير في الأمر .. زواجي الأول ألحق بي عقدة لا تنسي أبدا ً .. بالنسبة لي الرجال كلها واحد .. أخافهم كثيرا ً .. لم أنسي إلي الآن ضربه لي المستمر والمعاملة السيئة .

ــ منال الوقت مازال باكر علي الوحدة .. لم تتجاوزي الخمسة وعشرين .. تريدي الجلوس هكذا .. تنظري لكل يبني حياته وأنت ِ مكانك .. لن يتركك والدك أبدا ً .

 منال :

ــ اعتدت علي العيش هكذا .. عملي يتقدم كل مدي .. أتقابل معكم باستمرار .. أسفر .. فلما أضحي بهذا كله وأعود للتفكير في الزواج .. وأكون مسئولة عن رجل وبيت .

يا تري هذه المرة سيكون حنون ونعم الزوج .. أم سيكون كرجب .. نفرت من الرجال والزواج بسببه .

 سمر :

ــ حاولي آلا تفكري في رجب .. ليس كل الرجال مثله .. هناك رجال رائعين .. حنونين .. دافئين يشعروا المرأة بالأمان .. يقدسون الحياة الزوجية .. تري النيران تتدفق من عيونهم .. نيران الحب طبعاً كوسام .. أليس كذلك جنة .

ــ صحيح .. عيونه يتدفق منها نار العشق والدفء .. قلبه مفعم بالحيوية والحنان .. الأمان هو التواجد بجانبه .. ولكني لا أعرف سبب انجذابي نحوه .. ربما لإعجابي بشخصيته القوية ورومانسيته .

أتعرفوا لقد وافق علي تصميمي دون أن يغيره ..أخيرا ً وجدت من يقدر مواهبي وأفكاري .

 ليلي :

ــ أليس من النادر بأيامنا أن نجد شاب رومانسي وقوي الشخصية ؟!

 منال :

ــ آلا تعرفي أن كان معجب بك ِ أم لا ؟ .

ــ لا أعرف .. ربما هناك إعجاب بيننا .. لكني أخاف الحب .

 سمر :

ــ ولما تخافي منه .. الحب نبع الحياة .

ــ عندما أراه أشعر بجميع جسدي يهتز .. وضربات قلبي تزداد .. فالحب الذي حلمت به يفوق واقعنا .. أمن الممكن أن نقابل إنسان في عالم الخيال .. نحبه ونعشقه ثم نراه في عالمنا حقيقة .

أبعد سنوات الهروب أجده أمامي .. لا أعرف شعور الحب .. أهو فرح .. أم رغبة في رؤيته باستمرار .. أم الاستمتاع بنظر لعيناه . 

كلما نظرت في عينه .. أشعر بأني طفلة ضعيفة تحتاجه بجانبها .. أحببت كلام عيونه .. عشقت رؤية المبتسم والضحكة تداعبه ..الأحزان لا أتصور وجودها وأنا برفقته .

 روجينا :

ــ حينما يخفق القلب بالحب .. لا يري أمامه سوي السعادة .. ينسي أحزانه ويحلق في الأفق .

 منال :

ــ الساعة الواحدة صباحا ً .. هيا يا فتيات للنوم .  
                         ....................................
 في صباح يوم جديد ، فتحت الباب ونزلت لأجد وسام يتحدث مع أستاذ مهاب جارنا في الطابق الخامس فقلت  :

ــ صباح الخير مهندس وسام .. صباح الخير أستاذ مهاب .

 أستاذ مهاب :

ــ ليس هناك أجمل من رؤيتك كل صباح ..  أأنت ِِ بخير .. لما لم أراك هذا الصباح .

ــ لقد سهرنا بالأمس للواحدة فاستيقظت متأخرة .

 مهاب وهو يضحك :

ــ لهذه الدرجة النميمة كانت كثيرة .. أتستحق السهر .. الفتيات هم الفتيات .

 وسام :

ــ أسهروا في الخارج لهذا الوقت؟.

 مهاب :

ــ أي خارج .. هم سهروا في الروف .. قامت جنة بتصميمه .. جعلته رائع لمن يحب السهر والسمر بدلا ً من الخروج والبحث عن مكان كل مرة .. يصعد كل فرد حامل مشروبه أو طعامه .. وأحياناً نشاهد الأفلام أو نلعب .

 وسام :

ــ هذا رائع .. كل يوم اكتشف شيء جديد .

ــ أعتذر لدي موعد .

 وسام :

ــ مازال الوقت باكر علي العمل .. لما الاستعجال ؟ .

ــ لدي موعد مع السيد جواد .

 وسام :

ــ موعدك باكر جدا ً.. من وضع هذا الموعد ؟.

ــ جدول مواعيده مزدحم .. لم أجد سوي هذا الموعد .. أريد الانتهاء كي نبدأ في البناء بأسرع وقت .

 وسام :

ــ حسنا ً انهي الموعد علي راحتك .. وبمجرد وصوله لقرار أخبريني حين تصلي للشركة .

ــ حسنا ً إلي اللقاء .

 مهاب :

ــ حضري أغراضك الرحلة ستنطلق في السادسة صباحا ً .. ليس ضروري جلسة النميمة هذا المساء .. غدا ً لديكم المتسع لكل شيء .

ــ حسنا ً .


                           ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                     هل سيوافق السيد جواد علي المشروع
 

الـــتـــعـــاون/ أنطوني ولسن

** الو .. صباح الخير..
** صباح النور ..
** مين حضرتك ..
** لا صدقيني .. مش واخد بالي .
بعد هذه المقدمة عرفت من هي . بدأ الحديث بيننا يتشعب والحوار يحمي وطيسه عندما تطرقنا موضوع الرجل والمرأة ، والزوج والزوجة والحياة الزوجية . اعرف عنها الجرأة المحببة . بعض من النساء جريئات . ولكن والعياذ بالله جرأتهن اعتبرها وقاحة . أما الجرأة الواعية  المتفهمه . فهي محببة وتشجع الأنسان على الأخذ والعطاء في الكلام ، ومناقشة موضوعات الحياة في حرية دون تحفظ .
مما ناقشناه وحمي وطيس النقاش فيه . موضوع الزوج وعمله . انها تعتبر نفسها مساوية للرجل . المساواة التي تعنيها ، انها تعمل مثلما يعمل . تكتسب من عملها مثلما يكتسب . تخرج في الصباح الباكر الى عملها وتعود بعد قضاء ساعات العمل خارج المنزل .
يعود هو مثلها ، كما خرج مثلها في الصباح . والفارق بينها وبينه . انه عندما خرج في الصباح لم يكن عليه اعداد الفطار للأولاد حتى يتناولوه قبل الذهاب الى المدرسة . لم يأخذ معه ابننا الصغير لتوصيله الى الحضانة . لم يتأكد ان كل شيء تركه في موضعه في المطبخ حتى لا يحدث للأولاد لا سمح الله من اي شيء ترك سهوا ويشكل خطرا عليهم . ليس له عمل في الصباح غير " حل ذقنه " ، ووضع العطر بعد الحلاقة والتأكد من ان " الكرافات "  يتماشى مع قميصه وحلته . الحذاء لابد وأن يكون لامعا . عليه ان يخرج وهو على " سنجة عشر " كما يقولون .
أما أنا ، فعلي ان اقوم بكل اعمال المنزل . اخرج بعد ذلك وقلبي غير مطمئن . أخشى ان اكون قد نسيت شيئا يحتاج اليه الأولاد . ما ان اصل الى العمل حتى اسرع بالإتصال بهم للأطمئنان عليهم وسماع مشاجراتهم ومتابعة بقدر الأستطاعة كل ما يدور عن طريق اذني . بعدما اضع السماعة اذا كان بالي مشغولا عليهم . لا ارتاح الا بعد الأتصال بهم مرة أخرى وأتأكد من أنهم على أهبة الذهاب الى المدرسة وكل شيء على ما يرام .
هكذا ابدأ يومي خمسة أو  ستة أيام في الأسبوع . اما  بعد ان انتهي من العمل . في طريقي الى البيت احضر ابننا من دار الحضانة ، وأدخل مباشرة الى المطبخ . لابد من اعداد الطعام . وأنا أعد الطعام أتقرب الى الأولاد كل بالطريقة التي اعرفها لأستشف منهم ما حدث معهم في يومهم . وما ضايقهم وما يحتاجون اليه .أبدأ في ترتيب البيت محاولة اشراك الأولاد معي بغض النظر عن الولد أو البنت .
ما أن يدخل هو ، حتى أستشف من نبراته هم اليوم كله الذي لقيه في عمله. أووف هذا وذاك وتلك . يخلع الحذاء في مكان ، والشراب في مكان آخر . أشكره على تواضعه ووضعه حلته في مكانها . بعدها يسألني في صوت خشن ليؤكد لي رجولته :
** متى سنأكل ..
أو يخاطبني بلهجة السيد الآمر :
** أنا داخل أنام .. لا أريد ان أسمع صوتا . بعد انتهائك من اعداد الطعام . أكون قد استرحت قليلا .
ينام هو .. وأنكوي أنا بالأولاد والتنظيف والطبيخ والزعاق ، واسكت ياواد واسكتي يا بت ، وطوا صوتكم أبوكم بسلامته نايم . بالله عليك هل تعتقد ان هذا صح ؟
فاجأتني بالسؤال . وددت ان أكون مستمعا فقط لا ادخل في نقاش معها . لأنني أعرف أنني الخاسر لأنه بالمنطق والعقل .. هي محقه في شكواها . لأنني حسب ما نشأت وتعودت . فأنا لست أفضل منه . على الرغم من أنني اقتنعت بأن المرأة هنا تعمل عملا مضاعفا وأحيانا اكثر من مضاعف . تعمل في الداخل والخارج وتربي الأولاد وترعاهم وترعاه هو .
بعد لجلجة مني اجبتها ، بأن الرجل والمرأة عندما يتزوجان تبدأ مرحلة جديدة من حياة كل منهما كما يقول المثل " الزوج كما عودتيه والإبن كما ربيتيه " فلا تأتي بعد طول العمر والعشرة وتطلبين منه ان يغير ما تعود عليه . لم تحمله أمه مسؤولية عمل شيء . وأنتِ في بداية حياتكما لم تطلبي منه تحمل أية مسؤولية أيضا . كيف بالله عليكي أن تطلبي منه الآن القيام بأعمال في قرارة نفسه هي خاصة بالمرأة فقط . فاذا قام بها سوف ينقص هذا من شخصيته امام ابناءه وامام نفسه . عن نفسي لا استطيع ان اتخيل نفسي ماسكا بالصحن وأغسله . أو أقوم بطهي الطعام . ربما لأنني لا أعرف كيف أطهو أو لأنني لم أتعود .
جاء ردها سريعا وقاطعا . أن لا أطلب من رجلي أو من أي رجل أن يقوم بأعمال المرأة في المنزل . انما أطلب منه فقط ان يتعاون مع زوجته . يوجد الكثير من الأشياء الصغيرة التي اذا قام بها تساعدني وتجعلني أشعر بأنني لست وحدي في المنزل . مثلا ماذا يحدث لو وضع حذاءه في مكانه . ماذا يحدث اذا جلس مع الأولاد يتحدث اليهم ويرعاهم ، بدلا من النوم . هل تقوم القيامة لو أعد مائدة الطعام ؟ انه بهذا العمل يضرب المثل لأبنائه عن معنى التعاون والمساعدة ، وأن البيت ليس من شأن فرد واحد بل هو مسؤولية الجميع .
قلت لها عندك حق . التعاون بين الرجل والمرأة في الحياة هو أهم شيء  . بعدها تحدثنا في أشياء أخرى الى أن انتهت المكالمة وأنا لسان حالي يقول .. يخشى الرجل التعاون مع المرأة .. لأنها ستطمع بعد ذلك فيما هو أكثر . سينقلب الحال كما هو مقلوب هذه الأيام .. تدخل هي لتستريح .. ويقف هو في المطبخ يعد الطعام .
*****
كلام .. له معنى
** أجمل ما في الحياة .. حلو ذكرياتها .
    وأحلى ما في الذكريات .. رؤية الأبناء يكبرون ، وأبنائهم من حولك .
** تحملت الأهوال بسبب قدرتي على رؤية الله في محنتي .
    فرأيت رحمته في عذابي . ونسيت عذابي في ايماني , ووجدت ايماني
    في شعوري الدائم بأن الله  معي .
    ** التجربة .. مدرس شاذ .. يمتحنك ثم يعطيك الدرس .

تمام الأكحل رسامة الفرح الفلسطيني/ شاكر فريد حسن

تمام الأكحل هي زوجة الفنان الفلسطيني الكبير والمبدع الراحل إسماعيل شموط ، وتعتبر من الأسماء البارزة المضيئة في حركة الفن الإبداعي التشكيلي الفلسطيني ،  إنها رسامة الفرح الفلسطيني والأعياد الشعبية الفلسطينية ، وأول فتاة فلسطينية تدرس فن التصوير في القاهرة .
وتمام الأكحل موهبة عظيمة انفجرت في الساحة التشكيلية الفلسطينية وارتبطت رسوماتها ارتباطاً واضحاً بالواقع وبراعة فنية في رصده. وما يميز لوحاتها هو الانسجام في النسق وتوظيف الفنون الإسلامية والتقاط الملامح الأصيلة لجيل الفلسطينيين القديم والكوفية التي يعتمرها ، والإيمان بقدرة الشعب على الإبداع والعطاء والانتصار على قوى البغي والعدوان والاحتلال ،و كذلك إبراز مظاهر الفرح والأعياد ومشاهد الأسواق في القرية الفلسطينية.

تستحضر تمام الأكحل الذاكرة وتستلهم الماضي وتصور المقاومة البطولية للشعب الفلسطيني دفاعاً عن كرامته وحريته ، وتعكس بهجة الفقراء والمقهورين وكادحي الأرض.

وتزخر رسومات تمام بالدلالات والإيحاءات، وهي ذات بعد إنساني عام ونظرة شمولية عميقة تؤكد التزامها الاجتماعي والسياسي الفكري ، ونلمس ذلك بوضوح في أعمالها "المسيرة ، الفردوس، أيام سعيدة في فلسطين، وجه فلسطين ، أم فلسطينية، مخيم فلسطيني، المطرزات، بورترية إسماعيل شموط" .

تمام ألأكحل تمثل الاتجاه الواقعي في الحركة الفنية الفلسطينية، الذي يلتصق بالتراث الحضاري الفلسطيني ويربط الماضي بالحاضر من أجل استشراف المستقبل، وفي لوحاتها يظهر الإنسان الفلسطيني مع معاناته وعذابه وألمه في أوضاع الحصار القاتل، وهي تحتل حيزها المميز في المسيرة الفنية الفلسطينية المقاومة والمناهضة للقهر والظلم واحتلال الأرض.

جولة قصيرة جدا في ديوان رنين الغياب للشاعرة ميمي قدري/ ابراهيم رضوان

(قديس أنت، بين حناياه الحنان
على أجنحة الطهر قلبه استكان)
و
(تحملني فراشات وجهك الصبوح
على أشرعة المنى
أصعد... وأصعد أدراج الأمل
أشتهي وأشتهي ماء الحياة بمقلتيك
أسطورة أنت
تُغرقني شطآنك
لا ظمأ يرتوي منك ,,فأحبك أكثر)
و
(جئت لطراوة قلبك
فاستعصت شرفات اللقاء
أبت أهدابي التنازل عن
تمتمات الشمس)
و
كل شيء في هذا الديوان يقول أن عطاء الشاعرة ميمي قدري لن يكون عقيماً خصوصاً أنها تتمتع بهذا الصوت الشلالي الهادر.... والموجات الصاعدة الهابطة والوهج الرائع.. المتألق في حروفها ... وهذه الحشرجة الشريفة المرتبطة بحبات النفس وأطراف الروح
(نُحر شجري اليابس
على ألم ساكن في عمق الحنين
أيقظت تنهيدة مترنحة
على وجنة حرف
سالت العبرات
والوريقات تناثرت
في هباء  النسيان
بخنجرِ لئيم)
وهكذا يستمر هذا التدفق في قلب الشاعرة ميمي قدري وديوانها (رنين الغياب ) لُيُجبر المتلقي على أن يعايش أشعارها أنغاماً وانفجارات نفسيه ... وعنفواناً انسانياً ... وتحرقاً ... وتمزقاً ... ونفحات عاطفية تُصيب الانسان بجمالها ... وتتحول من( نفحات) الى( لفحات) رائعة , ميمي قدري تسد جوعها الروحي بالرمز حتى تهب لنفسها هذا التوازن المطلوب في عالم يتمرجح بين ألاف الشعراء الذين لا يفقهون و............
(وداعا لروح مصفدة
ودمعة على وجنتيها مجهدة
تبعثرت أحلامك على وسادة
من أناتك,, خُبأت بمسام
دم القصيد
إنسكب كأس الحلم من يدي
أجهدني غيابك ...
تضمك أحلامي ممددة
على نجمة أثلجها عبث الرغبة
على شفاه السنين)
إنه الحوار المتصل بينها وبين كل الاشياء ... أحزانها القاتمة تمسحها في خُضرة الرمز حتى تكتب وتكتب , لا يحجب الرمز في عالم ميمي قدري  هذا العطاء المتدفق ... ولا يعبر عن انكسار القلب بشكل انشائي .... الشاعرة هنا تحمل صليب الخلق لتبعث لنا جثث القوالب المهشمة... فتتدفق في عروقنا أمواجاُ سحرية في باطن خُضرة الشاعره هذه النيران المتدفقة , تسير معها بين هذه الخلجات التي تمتلكها كما تمتلك هذه الازهار التي تخاف عليها من الموت  إن هي تنفست مايتنفسه الناس من صور عادية ومعتادة .... انها مملكتها الخاصة والمميزة ... تتحدث معها.. تأخذ على خاطرها من الروح المصفدة والدمعة التي تُعانق  الوجع ... تُخاصم مملكتها لكنها لاتخسرها....... تكتبها بعد أن  تتم  كتابتها هي من خلال هذه المملكه ... هذا هو حوارها الصامت أو حوارها المنفجر والذي يحدث دوياً في داخل النفس لا يسمعه الا ميمي قدري...... ولا يفهمه الا هي .... تمتطي صهوة الورق .... سيفها هذا القلم المملوء بالشجن
(هجرَت روحك
دنيا أضناها غفلة موحشة
أمطرت الغيمة
براعم وجهك العذب
فصفقت أجنحة السماء
لتلعق موسيقى الإنتظار)
قصائد الحب والعشق تعتمد بشكل مطلق على سهولة الانسياب وبساطة اللفظ ... وخاصية التعبير , الحب في دائرة الشاعرة ميمي قدري يكره التعقيد ويرفض   المرض    , تهرب الشاعرة من اللفظ البهلواني حتى لا تتحول الى( وسيلة ) للوصول من خلال قصائد مشبوهة , في قصائد الشاعرة يتراكب الشكل والفكر و يتحول الإيقاع الى خطوة رائعة في طريق الفكر.... حتى القوافي اللامرئية تتحول الى علامات منيرة لا نستغني عنها أبداً...
القصيدة في عالم ميمي قدري محيط متدفق يتراقص فرحاً وحزناً كلما عانقته (الروافد) , انها (نفس واحد)
(اتشحتُ بالألم
وبين يدي
احمل نهر دموعِ
تنزف بها القلوب
أرتل ..أصلي صلاة
الغفران
أريد الصكوك .... لكي تتوه الروح
عن معبر ينحدر منه رنين الغياب)
العشق في طريق الشاعرة ميمي قدري يحمل صوتاً خاصاً ... بعيداً عن الملل والرتابة ,يبعث الاشياء من الرماد الى السماء , لا نشعر معه بعبثية الكلمة لان الكلمة في عالمها (خلق) ,انه الجرس الذي يحدد لنا شطوط الرفض , ان اشعارها الرقيقة هي شاهد الحاضر ورؤية المستقبل , انها زادها اليومي بعيدا عن الحذر والخوف  الذي يسكنها بعد الكتابة لا قبلها.... لا يصلح شعرها الا للقراءة الهادئة الواعية.....
اللغة الشعرية تتحول في قصائدها الى لغة آخرى , تهضمها... ثم تكتبها بشكل جديد, انه الإجترار الشعري , أشعارها ليست (قوالب) جاهزة استعملها آلاف الشعراء... انها إعادة تشكيل للواقع النفسي والحضاري والإجتماعي  لهذه الشاعرة التي تنبض كلماتها بالحب والشعر والعطاء .. لُغتها لغة خاصة.... الألفاظ فيها مشحونة ... انها تملك هذا الطموح الذي يقودها الى توظيفها توظيفاً جديدا وفي شحن الحروف بألوان رائعة
(هذا البحر لك...
ألا يكفيك
إرتعاشة موجتي الذاهلة
ألا يكفيك عشق...يحطم الجبال!!
كيف ...كيف؟
لا تتّحد الروح والجسد!!
فيعانق وريدك وريدي
لا ترحل
بدونك تحترق...جدائل الياسمين
يتجرع القلب ...علقم الأنين
هاجر إ لي ولي...واسكُبني على جسدك
الحنين
وخذ يدي لتراقصني...رقصة حبلى باليقين
فأنا لك من بدء التكوين
لا ترحل
حبيبي ...عد لقلبُكَ لا ترحل)
ميمي قدري دائما مسيطرة على قصائدها حتى قادتها  -عن عمد- الى استخراج صور مغرقة في عدم مألوفيتها , ان أفضل مناهج التعامل مع القصائد الشعرية هو منهج الكشف عن حدود القصيدة ... منهج الإنارة الواعية حتى تكتشف حركاتها الداخلية... ودوائرها التعبيريه .... بذلك تستطيع بسهولة أو صعوبة استخبار كنوزها السرية ,  القصيدة الشعريه هي عمل تركيبي يُشارك في البناء والتكوين , انهما عنصران لا يلتقيان الا في (سنتر ) العمل ,البناء  لا يكون متسلسلاً وفق خطوات ترابطيه كمايحدث في القصائد العموديه , هنا نلمح البعد الأسطوري والبعد العاطفي في معظم قصائد الشاعرة ميمي قدري
(انتظرتك تعود
أشاركك دخان حيرتي
تشاركني كأسا مزاجها
قاتل
شك ويأس وصدود
أحبك أحبك
يا سيدي متى تعود ؟؟)
تستمد شاعرتنا ميمي قدري لُغتها من لغة الحياة العاطفيه اليوميه بعد أن تنصهر في بوتقة الصور والامواج والمصطلحات , تقدم أو تحاول أن تقدم سيرتها الشخصيه .. لا تبدأ من الصفر لكنها تبدأ من (القمة)أو( الذروة) اذا صح التعبير , الرمز المكاني في أشعارها له  هذه الدلالات التي تتجسد لنا كجزء هام جدا من حياة هذا الوطن, تتصادم مع الرفض ... ثم تتضافر مع الخطوات السريعه (سالبة كانت أم ايجابيه) ثم ... نسمع صرخات الوليد الشعري عندما تتبلور كل الصور مع كيان ووجدان المتلقي ... اللغة عند ميمي قدري تميل الى التوتر ... تنقلاتها لاهثة بسبب السرعة ... الإيقاع محسوس في كل الحروف , تنتقل دائما بنا الى مرحلة عرض التجارب الحياتيه لها , انها مرحلة الإحتكام والتحكم , تتحقق لها دائما الولادة , انها تحاول أن تحقق هذا النوع الواعي من التكامل القائم على التضاد ... أو بطريقة أصح المزاوجة بين هذه الخطوط العكسيه
(أتقن القلب إشعال فتيل النسيان
فأنار الدرب فرحة ابتسامة شمس الأمل
ونسج النهار من حبات ضوء الفجر عناقيد من نور
وبين فراغات السطور تألق الحرف
وتداعت حصون الخيبة ... فانتصر القلم
وتسارعت الكلمات تسابق الفواصل
لتُسطر.. أجمل القصائد)
اذا ترددنا أمام قصائد ميمي قدري ... اذا تريثنا وتوقفنا ونظرنا اليها بشكل محايد ..... سنفقد فورا نجمة الفجر التي تنادي وتتخلى عن الذين يحاولون السفر في قوارب الخبز والحب والرعد والشروق  , حاولتُ بقدر  الإمكان أن أتفادى اكتشاف أثواب القصيدة الشفافة لكنني ودون أن أدري .... دخلتُ في بعض  التفاصيل الخاصة جدا بالشاعرة .... الرمز الذي تطرحه ميمي قدري تدفعه لنا بإيحائيه بسيطة وعميقة في آن واحد ,تُعطيه لنا بلُغة شعريه لكنها بسيطة  في نفس الوقت .. بعيدة عن التقعر والتكلف , تحاول الشاعره اصطياد الصور المستحيلة وتنجح في ذلك كل النجاح متجنبة هذه الحركات البهلوانيه التي أفسدت شعرنا في الفترة الأخيرة
(أتلو تراتيلاً من اللهفةِ والحنين
أسكن بزهو كزهرة برية داخل شلال أعماقك الهادرة
ينبت على جسدى الرفض لأمواج شهب أحلامك
الناحرة لبراءة عشق
أثمر عن حراب التوبيخ التي استقرت على صرح سماء النفس)
الشكل والمضمون أوصلتهما ميمي قدري الى بر النجاه , وصلت بنا الى البناء المُقنع البسيط ... لماذا؟؟ لأنه لا يبقى الا المعمار الذي لا تتعمد فيه الزخرفة اللفظيه وتسقط معه في بئر  النثريه مهتمة بالمضمون فقط ,, تتفادى الشاعرة ميمي قدري التكرار  في المعنى وتحاول الحصول على جزء  كبير جداً من التركيز ,  في بعض الاوقات يكون التكرار هو (إلحاح ) حتى يصل بنا الى مرحلة الإقتناع بأن الضفاف الشعري الذي نراه بعيداً  لابد  أن نصل اليه مهما غرقت القوارب في الأمواج والعواصف و..... و.....
نرحل مع الشاعرة دائما في محيط الشجن والقلق والمعاناه والألم حتى نعثر على القصيدة (القصيدة)
(اقتربت منك ...وجدت العهد  هائماً تائها"
والأمل في حبك سرابا"
تهفو النفس مابين الفرقدين
يخفق القلب............
ينقش اسمك بين تعاريج السحب
لتُزهر نبضات عشقك
بين طيات دفاتري
يتألق شعاع الهمس
فتتوهج راية الحنين
على صفحات جبينك)
الميزة التي تتمتع بها ميمي قدري في أشعارها هي (النغميه ) التي لم تتركها لحظه .... الإيقاعيه التي ترافقها ... والموسيقيه الغير محسوسه التي أصبحت عاملاً مشتركاً نلمحه في كل قصائدها التي تتحلى وتتجلى بإشراق الكلمة وغزارة المفردات والتراكيب والصور بعيد عن هذه الألفاظ المتعمده ... والعبارات المصنوعه ... والمفردات الغير منطقيه  لذلك ....  وعلى ما أظن  .... ستبقى معظم قصائدها متمتعة بالعمارة الهندسيه المتينة البناء
(أذنت للخطيئة عن أشرعة الروح بالرحيل
لا تحتاطي.... فأنت بالنزع الأخير
ترجلي عن خطوط الليل المتدثر
بأبخرة نجوم الصمت والتائبين
تشقى النفس بك فتتسلق أغصان العفاف
المنتصبة على أسنة الضمير)
قصائد ميمي قدري بها جزءاً كبيراً من العمق المضموني رغم دخولها في منطقة الغموض التي تسكن فيها ملائكة الإيحاء والإبداع والحب والعطاء والشفافيه ... شاعرتنا في بعض الأحيان تشعر بالإنتماء المخلوط بالخواء والإندحار أمام دروب الخراب , ونظرتها الميتافيزيقيه تسيطر على أفكارها القصائديه المستمده من شوارع الحياه , في بعض الأحيان  تكون نظرتها شديدة الرومانتيكيه , صحيح أن الشعر لا يحتمل المحاكمات العقليه إلا  في حالة واحدة هي أن يطرح الشاعر مقولات عقليه نستطيع مصادرتها بشكل شريف على نفس هذا الأساس الذي بناه الشاعر
(تآسرني نظرات من تراتيل الزمن
يشتعل فتيل أشتياقي لأسطورة الجنون
تهفو ملامحي لصخب عشق يسافر
لسماء تتعطر بغيمة السكون
تنصهر بين جوانح نبضات الغياب
حروف وعناقيد من ثلج الكلمات)
لقد دخلنا في دائرة الغموض الشفاف الذي يغلف قصائد الشاعره ميمي قدري والذي يجبر القاريء على حب  قصيدته لانها لم تُسلم نفسها له بسهولة وسرعة وتمنعت وعذبته وجعلته يلهث خلفها  كما فعلت الشاعره وهذا هو سر البقاء في دائرة الإبداع الحقيقي وخلق دروب خاصة بها  , تستطيع أن تصل بها الى المتلقي الواعي
(حديث الليل أشجاني
وهذا السر أعياني
ملاكي تراني زاهدة؟؟
وهذا البوح أبكاني؟!!
أقاوم فيك إعِصاري
ملاكي حزن أمطاري
سأبحر دونما سفن
ساُبحر دون شطآني
سأُبحر فيك راضية
فساعدني .
فموج الشك أشقاني
أنا في الشوق راهبة
وصادقة
لماذا الشك يا أملا
حنين الوجد أرسمه
بفرشاتي
بمأساتي
بكل كلِّ ألواني)
في قصائد ميمي قدري تفقد الأشعار معانيها القديمه وتتخذ لها دلالات جديده  لها من الخصوصيه ما يجعلها دائما شامخة أصيلة , كل الدلالات لها خلفيات وظلال في نفس الشاعره , والأصالة هنا تُشكل صوراً شعريه مُغرقه في الغرابة الواعيه ,  من هذه الصور يتشكل لنا لوحات سيرياليه تطمح في توظيف (غرابتها) توظيفاً انسانياُ  مفهوماً ,الشاعره ميمي قدري تخلصت من ضغوط الشكل التقليدي وحتى من( جمالياته) ومع ذلك لم تقع تحت تأثير التوظيف الغير واعي للغه , إن قيمة الشعر بإعتبارها لونا من ألوان الخلق الغني  تعتمد على الوحده بين الشكل والمضمون , لا قيمة للشكل الشعري بموسيقاه  اذا كان يفتقد هذا المضمون الذي يتفاعل مع هذه الموسيقى
(تُصْلَبُ الروح على أنفاس القمرِ
فتموج مملكة الشمس
ويضيع بين ثناياها سِرك َ...وسري
إخفض جناحك لنعتلي درجات الآملِ
ومن خيوط الغيم أغزل سراَ
لفراش الكلماتِ
دعني أتنفس بوحي)
أقول لا أهمية للمضمون اذا لم يعتمد على شكل موسيقي تمنحه أنغام الحياه, الموسيقى عند ميمي قدري هي الجانب الثوري الذي يُطغي على كل أعمالها حتى لو كانت عاطفيه , انها تكتب الشعر (المستمر) وهو الذي تكون فيه قوة الإستمراريه واضحة ومكثفة في وقتِ واحد
(
فأنزف وأنزف وأنزف
ليتها الذكرى تبوح
أو تضمد ماتبقي من رماد الأمنيات
ثوانِ ... لحظات ........
وينتهي ولهي بالحرفِ
والفرح المؤجل
ويحي!!!! جفت الدموع
وبأناملي أوقفت النزف
فَكَيف بعد الأن أغفو؟؟!!!)
القصيدة في دنيا الشاعره ميمي قدري بلا بدايه وتنتهي بلا نهايه ... ورغم ذلك نلاحظ أن (الحدث) يتمتع بمجموعه كبيرة من الألوان , ليس بقصائدها أي خلل أو اختلال أو اضطراب في المشاعر لأن الحدث تحول الى استمرار يهتف بقوه على كل أركان المضمون , الشاعره رؤيتها عميقه مكثفه ... ونظرتها شموليه ... تتحكم في ألوان السطور .. تنتقي لوحاتها بمهارة شديدة , الرمز تكتبه بمنظور تراثي عصري وواقعيه جديدة ... وتجريد  تتحول معه اللفظه الشعريه الى أبعاد وأعماق تجعل الصور متتابعه بشكل عفوي
(رفقا" ... رفقا" ياحبيبي
اجعل من جسدك مملكتي
ومن دمائك.... أملأ محبرتي
يا أغنية كُتبت على مرآة الغيبِ
أوصل بين وريدك ووريدي
الحبل السري
وأبديةُ قَدَري)
تبحث شاعرتنا ميمي قدري عن الإنسان الذي دمره الفراق ... الذي حطمته الظروف والطغيان , الإنسان الذي يلتمس أصالته في التعبير العاطفي عن نفسه , القصيده هنا تتنفس .... الحرف يتنفس .. وربما يفرح ويقتل ويحول الدم الى (حبر) .... الشاعر شيء أخر .... إنه الفكر , إن شاعرتنا تُناصر الإرادة الإنسانيه من جهة العاطفه حتى تنتصر على الفوضى بالحرف الشريف الغامض مثل الحياه, إنه انبعاث الجسد , تمشي ميمي قدري خلف من يحملون اللغز في أيديهم باحثة عن مفاتيح جديده للغه , مفاتيح الحب التي تفتقده وتمتلكه في نفس الوقت
(أيا عاشقاً
غارقاً في الظنون
وتدعي وتدعي الجنون
أيا راحلا
على أجنحة الهوى
مسافرا
يلوح  من شراعــه  على زوارق العدم
فقاتلا ومرة ً يخون ْ
ومرة يقايض الزهور بالمطر
ويفرش بشرفتيه للنـــدى
مخامِــلا ً
لكي أكون
يتركني دون هـــدى
يتركني لحيرتي ،
أعاقــــرُ الشجــون ْ)
العبره ليست بما نكتب ... العبره باللغه الخاصه ... الخلاقه .... التي كما فعلت ميمي قدري ... تقتنصُ فيها العالم بكل لُغاته, إنها موسيقى غير التي تعودنا عليها , الحرف الذي يجرح ... يؤذي ... يُرث الصراع الذي يحس معه المتلقي بأن وجوداً جديداً يتدفق من وجدانه  إن شاعرتنا تعزف على أوتار الكلمه (الومضه).. الضفاف الذي يُقال عنه رمزاً , ليس الرمز هو الشيء الذي يُفسر ... الرمز ينبغي أن يتضمن هذا الغموض الساحر الذي نُصادفه في كل قصائد الشاعره ميمي قدري, في أشعارها يصرخ العطش.... يرتجف الجوع ... تنطق الأشجار بعد أن تُحادثها وتُحادثها, إنها سيمفونية البحث عن الشبع والإرتواء , الفجر الذي تحاول أن تسحبه من ظلمات البحر الذي تشبع بالجثث , إن الشاعره لا تتحمل الزحام ولا التجمعات إلا في شعرها المشحون والذي يدفعنا دوماً الى الخروج من قوقعة الصمت... لنستوعب .. .. ونقرأ وفي معظم الأحيان ... لنكتبُ قصة جديدة
(فانظر لما  بين الجفون ْ
أودعتني  الكحل
فغارت
من مرايايَ العيون
بجبهتي  اثر السجود
يا عاشقي لا لن أعود
أنني أحتمل منك الأذى
و الإشتهاء
أقرأ  بعينيك نداءات المساء
لست أنثى
أنا يا سيدي امرأة  تشبه   حُسن
السماء)
نحن أمام قصائد ميمي قدري أمام شكلين من أشكال التعبير:
الشكل الأول:: هو (الأنا)    أو السرد الذاتي , في قصائدها التي تعتمد على هذا الشكل تستعرض تاريخها مع الحبيب
و الشكل الثاني:: هو هذا الجو الأسطوري الذي يُغلف قصائدها ويعطيها صياغة جديده , يلتحم – شخصيات –  بالقصيده, يرتبط بها  في محاولة اندماج مع المتلقي , يُسرع في الخطوات التنقليه  محافظا على القاريء , يحقق قدرا رائعا من( الموضوعيه) التي تسري في كيانها مع هذه (الكهرباء) الرقيقة والعتيقة
(لن تموت بين ذرات ثرى جبال الغياب
ياساكني ... ياساكني !!
سرك يغفو بين الأهداب ويتقدمني بين عيوني
يهدهد الأمل ويرفض العتاب!!
صيحة الآه تشق صدى الليل
تسري بالجسد العليل
تغتسل بين الأجفان.....و تنهمر شلال روعي
لتوقظ صهيل الحنان)
قصائد الشاعره ميمي قدري متوحدة معها رغم خطوطها العكسيه , إنها هذه (الوحده) القائمه على( التضاد), إننا هنا أمام شاعرتنا نحاول الكشف عن (خارطة ) لقصيدتها التي تبدو في أحيان كثيره شامله , نحاول الكشف دون الدخول في التفاصيل , نراقب سير البناء المركب ... والتجربه التعبيريه التي أوصلتنا –دون أن ندري- إليها , لقد أوصلتنا ميمي قدري الى ضفاف التأمل والبحث عن كنوز سريه بين الكلمات العاطفيه والمعاني والصور
(أسكب على جسدك ماء السهر
أداعب النجوم بأهدابك
فالسحر لوحة ...ألوانها من مقلتيك)
ظلم للقصيدة وكاتبها أن نضع تقييماً لها في وقت قصير مستنجداً بكل  قواميس النجده حتى نكتب بدايه ونهايه لدراسه شعريه عند شاعره تحاول امتطاء صهوة الشعر الحقيقي  بعد أن بذلت جهداً في معاناة المخاض وعذابات الإبداع المتصل , أغرتني ميمي قدري أن أنظر الى قصائدها بعد أن اكتشفت أنها صوت خاص من أصواتنا الشعريه المعبره عن الواقع العاطفي والغير عاطفي, نحن نبحث عن امتداد العطاء في الديوان وفي رحلة البحث نكتشف أن القصيدة تمتلك أوتارها الشفافه... وأمواجها الدافئة ... وصوت نغماتها التركيبيه المُهندسه , أتوقف مع الشاعره بعد أن عانت القصيدة العموديه والحديثه والنثريه من تقعر وتغريب وتعقيد وتضليل  وتهويم واحداث أو محاولة احداث (اشتعال للكلمات) من خلال القش المبلول والمخلفات القديمة والصور البهلوانيه واندحار جذوة النغم والإيقاع وكل مايرتبط بالشعر الحقيقي, لا يوجد حل  للازمه الا بالعوده الى ينابيع الشعر الدافئه والتي انطلقنا منها مع ميمي قدري التي تكتب  من خلال هذا التيار الواعي بحيث تخلط الأصالة مع المعاصره لتقدم لنا  مزيجا صافيا من الاشعار
(اندلق العطرُ
وضممتني
تشقى وتشقيني
وبنبض الروح يا انت تنهيني
القلب طوعك في الشوق و يعصيني
من حــرر الروح من لغتي
والسر تفشيه
من علم القلب
أن الشوق يُنهيــــه
أن الغدر يُلهيه
ان الحب يُشقيه
يا من أطلقت الموت بشراييني
وتدعـــي
أنك تحييني)
عندما نبدأ الترحال  أو ننهيه مع قصائد الشاعره ميمي قدري يكون القلب نفسه حريصا على اكتشاف خباياها ... ورفع الحجاب السري عنها حتى يراها بوضوح ... حتى ولو كانت تفتقد هذا الوضوح ... انه الغموض المُعبر .. الموحي ... الذي يشبه هذه الستائر الشفافه التي تُشقي المُتلقي حتى يكتشف ماتُداريه عنه وتمتد قرونه الإستشعاريه حتى يلمس أسرار جمالها بعد أن يشعر بهذا العذاب الجميل
(تتنفس من ليلِ أشجاه السهر....سفرا لعينيك...
يهاجر الألم ليعتلي بحراً أدماه الغياب
تنبت أجنحة الروحِ لتُحلق فوق صحراء
رمالها!!
تحركها الأشواق
تحكي وتحكي لتُثمر النخلات سر الحكايه)
وهكذا نكتشف من البدايه للنهايه أن أشعار الشاعره ميمي قدري واضحه جداً بل في بعض الاحيان تكون أوضح مما ينبغي ...لا  .. لأنها بسيطة  في مضمونها المكنون (البساطة  لا تُعتبر خصماً .. للشعر ... بل هي  دائره إيجابيه مكشوفة الرموز) ولكن لأن الشاعره تُبحر معنا من خلال قوارب الرمز ,  جمال قصائدها يكمن في هذا العناق التلقائي بين البساطه الشعريه التعبيريه والرمز المضموني العميق , الرمز في قصائد ميمي قدري يُقلقنا ويجعلنا دائما على استعداد تام لاكتشافه والتكهن به, لكننا نُدركه ونصل اليه ونستبقيه في أرواحنا سراً من أسرار لغة الشعر ولا نبوح به حتى لا تحترق المعاني وتفقد سحرها , ننتهي مع الشاعره ميمي قدري في طريق الشطوط الشعريه التي تحتضن هذا الضفاف الذي لا ينضب ... مبتعدين  معها عن طريق الموانيء الرخيصه , الطريق محفوف بالمخاطر ولكن القلب المُخاطر كقلب الشاعره قادر على الوصول الى قمر التلاقي ... ونجوم الخلق الخاصه بها محققه هذا الإنتصار الرقيق من خلال ديوان له عالمه الخاص وأمواجه المتميزه
الشاعر /
ابراهيم رضوان