رواية رسالة منتظرة 3/ امل جمال النيلي

هرولت مسرعة هربا ً منه ، كل ما فعله لن يرجعني عن قرري ، وسام هو من تبقي لي ، لم أفز به حي لكني سأفوز به إن شاء الله في الحياة الآخر .. الموت هو الابتعاد عنه .
هكذا حملت حقيبتي وخرجت من منزل أبي لمنزل حبيبي وزوجي بالحياة الآخر ، لتبدأ حياتي برفقته لا غيره .
جلست بغرفة المكتب استمع للأشرطة إلي أن سمعت صوت جرس الباب :
ـ مرحبا جنة .. حينما أخبرتهم لم يستطيعوا الانتظار للغد .
سمر :
ـ يا إلهي أنها جنة .. ذوق وسام رائع .. لكي الحق بأن تتركينا وتأتي للعيش هنا .
ـ ليس هذا فقط ما دفعني .. ولكن تسلط أبي يقتلني .
ليلي :
ـ والدك لا يحب سوي المال .. راحتك في البعد عنه .. ليتك تركتيه منذ زمن .
ـ ليتني كنت أمضيت الوقت الماضي مع وسام .
منال :
ـ ليتنا نستطع معرفة المجهول .. كنا ارتحنا من العذاب .
روجينا :
ـ المجهول مغيب عنا لسبب .. لو عرفنا لتعذبنا أكثر .
سمر :
ـ المهم نعش حياتنا ونتمتع بها .. الآن أنتي براحة لا مثيل لها .. حبك لوسام سينمو هنا ولن يتوقف .. بحب وسام لن يتوقف قلبك عن السعادة .
منال :
ـ ماذا ستفعلِ ِ الآن ؟.. يا رب تكوني قررتِ ؟ .
ـ قررت أتمسك بالحياة لأخر لحظة .. سأترك نفسي لدوامة العمل تأخذني لبعيد .. لعلها تخفف الألم .. وأنتي أخبارك مع زوجك .
منال :
ـ الحياة كما هي دون جديد .. ليس فذ ذهنه سوي الأطفال .. يتمني يرزقه الله بأولاد .. لا أعرف ماذا سيحدث معي غدا ً .. أتعذب كل لحظة ولكن ليس بيدي شيء .
ـ الله وحده هو العالم بالخير لنا .. من يعرف أيهما خير لكي .. ربما هذا أفضل لكي .
ليلي :
ـ الحب هو أن تبقي بجانب من تحبي .. هنا بذل وسام مجهود ليبني قصر الأحلام .. قصر تعيشوا معا ً به .
سمر :
ـ سنتركك الآن لترتاحي .. وبعد يومان سنأتي لكي .. سننقل الاجتماع عندك .. ما رأيك ؟.
ـ هذا أجمل خبر .. لنحى فيلا وسام بدل من كونها صامتة .. لنبث الحياة فيها من جديد .. وسام معنا بكل جانب منها .. روحه المرحة ستظل متعلقة بنا .. طالما أحب صحبتنا .
روجينا :
ـ لطالما شعرنا أنه أخ وصديق لنا .. كان مثل النسمة .. دخل حياتنا فجأة وخطف قلبك .
ـ خطفه وأنا سعيدة .. خفق قلبي بحبه .. حب يفوق الحدود والأحلام .
منال :
ـ إلي اللقاء الآن زوجي ينتظرني .. إلي اللقاء .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


استيقظت علي صوت الموبيل ، هناك رسالة تذكير ، " يوم اللقاء " لقد مر عام علي لقاءنا .
ارتديت ملابسي ، وقطفت بعض الزهور من الحديقة ، كان يحب الزهور البيضاء ، سرت بسرعة ، وفي غضون خمس دقائق وصلت لمرادي .

ـ وسام .. حبيبي .. وزوجي الذي لم أحظي به .. أستكثرك الناس علي .. لكن في الحقيقة أنا من أستكثرتك علي نفسي .. لم أحظي بالحب إلا حينما قابلتك .

أذكر كلامك يتردد في أذني باستمرار ، وريقات لم تسقط بعد علي الرغم من سقوط الكثير ، لحظات لا تنسي ولا تفقدها الذاكرة .

كأنغام العصافير المغردة ، خفيف أشجار مشتاقة للقاء أحبابه ، كسحاب متناثر يستجمع نفسه ، عصفور في قفص الحب يغرد ، طليق علي الرغم من تواجد بداخله ، يغرد بأعذب الألحان .

اسمي جنة فؤاد، أقتن في عمارة تتوسط منطقة راقية، يتكون من خمس طوابق ، سكانه أصدقائي ماعدا المقابلة فارغة، لذا أترك نافذة غرفتي مفتوحة علي مصراعيه، لأرمق السماء بعين لا تعرف الحدود.

أعشق البقاء داخل جدران غرفتي ، أناس العالم الخارجي وحوش تنهش جسدي بوحشية ، فأفضل التواجد بداخلها ،أتذكر لحيظات الهنا ،أتعبني تشيد قصور لا تعرف سبيل لتحقيقها في الحاضر .

شجرة أسرتها فروعها قليلة ، تساقطوا جميعا ً لم يتبقي سوي عمي آدم ، يعمل صفحي لديه أفكار وأراء ذات معني ، دائما ً أشعر بأنه أعز عندي من أبي .

أما الجذع يعتلي عرشه أبي ، رجل أعمال مدير مصنع فؤادكم لأغذية ، قلبه عداد يرصد الصادر والوارد بدقة ، عقله كمبيوتر لا يتهاون في حقه برهة ،يحب اقتناء التحف أحبها لديه الأسلحة .

أحد فروعها أختي يارا المقهورة كما أسميتها ، هربت من الريح لبر الأمان بباريس ، تزوجت من زميلها شاب نال ما يكفي من قوة العاصفة ، يعمل مرشد سياحي .

الروح التي تمنحنا الحياة هي أمي، تملك بوتيك للملابس الجاهزة، عمرها لم يتجاوز اليوم سعادة منذ عرفت أبي.

أنا الفرع الأصغر علي الهامش، مجرد طيف في البيت، أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عام، أعمل مهندس معمارية في شركة وسام للمعمار.

بالنسبة لنصف المبتعد عني الآن وسام ، قلبي النابض بالحياة ، فرع لشجرة زرعها والده ، وحيد ويتيم بعدما تركه برفقة والدته ، عمره خمس وعشرين عام .

معرفتي بوسام تعتبر من أغرب الطرق ، طريقة فتاة مراهقة ، طالما سمعت عن ما يسمي بالالتقاء الروح بالعالم الآخر ، ربما كلامي صحيح ولست الوحيدة .

بأحدي الليالي كنت نائمة ، مستغرقة في نوم عميق ، أهرب به من مخاوفي ، رأيت نفس أفتح النافذة لأجده المقابل مفتوح ، فإذا بي أري شاب يمر أمامي يمين ويسار.

وجهه الساحر جذبني لأقف متصلبة بمكاني ، أحملق به لأسبح في عالمه الواسع ، عالم يخلو من الخوف والألم ، فإذا بصوت يوقظني من أروع أحلامي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا تري من أيقظها انتظروا لتعرفوا

رواية رسالة منتظرة 2/ أمل جمال النيلي

جسدي يرتعش بدون توقف ، ترددت في الدخول ،لم أستطع رأيت طيفه يشير بيده أدخل هيا ، أدخل لا تتوقفي ، دفعت البوابة ودخلت .
قال بصوت حنون :

"ـ الورود مزهرة مثل قلبك ... كل ليلة سأقطف لك وردة تزين شعرك .. وبعطرك ستفوح السعادة .. لتمتزج بعبير الورود لتجمل عالمنا .
انظري هناك .. الأشجار عالية .. ترسم منظر رائع .. هنا سأجري وراءك .. ألاعبك كطفلة في الخامسة .. وزوجة وحبيبة تداعب حبيبها .
بالوسط وضعت أرجوحة بيضاء .. تتسلقا الورود .. كي تكوني ملكة علي عرشها .. أدفعها وأستمع لضحكاتك تعلو الآفاق .
أما المفاجأة .. نافورة ملاك الحب .. يرقد علي زهرة متفتحة .. ويسيل من بين يداي الملاك مياه .. سأرشك بالمياه .. لترطب وجهك الملائكي .. هذا الوجه الذي سحرني .
ابتسمت له ثم توجهت نحو الباب، فتحته لأجد صورة لي ولوسام فقال لي:
" ـ وضعتها هنا كي تسامحني بمجرد رؤيتها ..لو أغضبتك .. لو .. وبالمثل أنا .. لنتذكر الابتسامة دائما ً . . ووضعت الزهور بكل مكان .. وهذا الأثاث إلي اخترناه معا ً.
الطابق السفلي فيه الصالون وأنتريه .. وفي الوسط سلم بالصالة .. هيا لتصعدي لأعلي .. أعدت لكي غرفة نوم رائعة الجمال .. أثاثها بني غامق .. وضعت لكي السرير بالوسط كما طلبتي .
علي الجانبان كمدنية .. علي أحدهم صورة لي والأخرى لكي .. هنا سأضع ملابسك .. أما علي هذه التسريحة ستقف وتتزيني لي .ز وضعت العطور التي تحبها .
هيا لغرفة الأطفال .. سريرين مرسوم عليهم حصان مجنح .. وفي الحائط مرسوم نفس الرسوم وعلي الدولاب .
ـ آه ه .. حلمنا يكون لدنيا طفلان .. نلعب معهم ونمرح .. نعيش أجمل لحظات العمر .. طفل يشبهني .. وطفل يشبهك .. آه .. هيا بنا من هنا للغرفة الأخيرة .
ـ غرفة المكتب مكتبتها مملوءة بالكتب .. والمكتب عليه صورة لكي .. وبجانب الشرفة وضعن طاولة الرسم .. لم أنسي الرسوم الهندسية لمشروعاتك المستقبلية .. وبجانبها وضعت طاولة عليها كاسيت .. ووضعت الأشرطة التي سجلتها خلال البعاد .
وضعت الشريط بالكاسيت :
"حبيبتي جنة .. حينما وقعت وفقدت نظري .. كان عذابي رهيب .. لم أتخيل أنني لم أعد أستطع رؤيتك مرة ثانية .
عذابي كان يتولد كل لحظة .. لم يتوقف قلبي عن الشعور بالألم والحسرة .. لكني لم أستطع جعلك تراني .. فضلت اقتصر العذاب لي وحدي .
فالحب الذي شعرت به وأنا معك .. حرمني من جعلك تتعذبي لرؤيتي علي هذه الحالة .. اجز لا أستطع الحركة بدون من يرشدني .. لم أعد وسام الحبيب ولا الصديق .. ولا المهندس البارع .
لم أعد أجري وراءك بالحدائق .. لم أعد أستطع رؤية عيناك وبريق السعادة يطل منها .. لم أعد أري شفتاك وهي تنطق باسمي .
معك ابتداء عمري من جديد .. كتبنا معا ً مسيرة حياتنا .. ولكننا لم نضع خطط للمجهول .. القدر فرقنا عن بعضنا .. هذه هي الحياة .. كلما شعرنا بالسعادة وتمسك بتلابيبنا .. يأتي الألم والعذاب والحزن بإعصار قوي .
استمعت شريط تلو الأخرى إلي أن وصلت لشريط الأخير :
" لم أتخيل يوما ً أنك ستكونيِ لواحد غيري .. وعدتني بأنك ستكوني لي وحدي .. وهذا ما دفعني للعلاج .. أبعدما أقطع شوط كبير بالعلاج تتركني وتصبحي لغيري .. مستحيل أتخيلك بأحضان أحد غيري .
لما لم تنتظرني ؟ ..لما ؟.. لم يعد هناك الكثير .. شرفت علي الشفاء .. قريبا ً سأجري عملية لأراكي مرة ثانية يا ملاكي الصغير .
سأستمر في العلاج .. وسأكتفي برؤيتك من بعيد .. فحبي لكي لن يتوقف أبدا ً مهما بعدتي عني .
ولكن كيف أتخيلها وهو يلامس وجهها .. يجلس بجانبها ويتحدث معها .. ويتزوجها ونكون له .. لا مستحيل .. مستحيل .
ولما لقد رحلت عنها ورفضت حتى التحدث معها .. ولكنها لم تتوقف عن طلب رؤيتي قط .. كما أن أمي أخبرتني أن والدها أجبرها علي الخطوبة .
من يعرف ربما مازالت تحبني .. ولو كانت بالفعل بتحبني سأكون أسعد مخلوق .. جنة أوفي حبيبة وصديقة . "
عدت للمنزل ودخلت غرفتي بدون كلام ، دخلت ورائي أمي لتجدني أخرج ملابسي من الدولاب .
ـ ماذا تفعلِ ِ ؟.
ـ سأرحل من هنا .
ـ ماذا ؟ ! .. سترحلي إلي أين ؟.
ـ إلي منزل ومنزل وسام .
فدخل والدي مقطب الجبين وقال بصوت عالي :
ـ وسام مرة ثانية .. وسام مات أتسمعني .. مات .. مات .
نظرت إليه في غضب وقلت :
ـ مات بالنسبة لك .. سيظل حي في نظري .
أمسك يداي وبدأ يهز جسدي بقوة :
ـ استيقظي .. لن أدعك تفعلي ذلك .
ـ لا يهمني .. أجبرتني علي ترك وسام في أصعب أوقاته .. أنت السبب .. فقدته حي وتريدني أفقده بعد مماته .. لن أسمح لك .
صاحت بصوت عالي وقالت :
ـ لن ترحلي .. كن نعيش في سلام وهذه الشقة خاوية .. منذ سكن بجانبنا وأنتي تغيرتي .. لن ترحلي .
ـ الآن استيقظي من نومك .. طول عمري أراكي مستسلمة لأبي .. لما ؟.. أنتي لستي عبدته .. أنتي إنسانة يحق لك الاعتراض .. لا يهمك أن كنت أحب وسام أو زياد .. لما ؟ .. فقدت كل شيء بسبب تسلط أبي وخضوعك .
مسكت يدي وهي تبكي وقالت :
أرجوكي أبقي معي .. الموت هو بعدك .. ظلي معي أرجوكي .
ـ آسفة بقائي معكم يعني الموت الحقيقي لي .. سأذهب لأبحث عن ما فقدته هنا .. وقفتوا جميعا ً تشاهدوا زياد يقتل وسام .. لم تفعلوا شيء .. وقفتوا كتماثيل.. تركتوه يفر بجريمته .. آسفة لم يعد لكم مكان بقلبي .
حملت حقيبة ملابسي وتوجهت نحو الباب ، مسك يدي وعينه محمرة :
ـ لن تخرجي من هنا .. وإذا خرجتي لن تصبحي ابنتي .. لن تدخلي هذه الشقة مرة ثانية .
ـ وأنا موافقة .
خرجت مهرولة وورائي أمي تنادي علي بحزن ولهفة لفراقي :
ـ جنة .. جنة أرجعي .. جنة .
وبينما كنت خارجة مسرعة قابلت روجينا :
ـ إلي أين أنتي ذاهبة ؟.. لما كل هذه الحقائب ؟ ! .
ـ سأرحل من هنا .. وسأنتقل للعيش بجنة وسام .. فيلا بالشارع المجاور .. سأنتظركم .. ستأتوا أليس كذلك .
ـ أجل جنة .. سنأتي غدا ً .. سنترك اليوم كي ترتبي أغراضك وترتاحي قليلا ً من ضجة والدك .
ـ حسنا ً إلي اللقاء .

انتظروا الأحداث القادمة

أساتذة الطب جامعة المنصورة يدلون بآرائهم في الجمعية التأسيسية للدستور‏

كتبت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا 

بدعوة من أساتذة كلية الطب جامعة المنصورة لبت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا رئيس اتحاد كتاب مصر بالدقهلية الدعوة لمناقشة أحداث الساعة والتي تمثلت في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور, أكثر من عشرين أستاذا جامعيا تحاورور وتناقشوا في حوارات ساخنة كان أغلبها ضد مايحدث علي طول الخط عزيزي القارئ حاول أن تشاركنا في هذه الجلسة التي تحاورفيها هؤلاء:

أ.د سهير عباس حلمى

أ.د هناء عبد المنعم

أ.د هناء السروجي

أ.د سهير فريد

أ.د نسرين منصور

د جيهان الوكيل

د عمرو مدحت

د شيرين سمير

د لاشين سعد

د محمد عادل
كما حضرت اللقاء الأديبة سمية عودة

في البداية تحدثت الشاعرة فاطمة الزهراء التي أدارت اللقاء عن أهمية مثل هذه اللقاءات التي تعبر بحرية عن رأي جميع فئات الشعب, وأننا استفدنا من تجربة الماضي بأننا لن نهمش بعد اليوم , تعالت الآراء وتفاعلت , وانفعلت وعاشت ولادة دستور لا نعلم عنه شيئا , دستور مبهم , وقال الجميع كيف يضع الدستور تيار واحد تمثل في حزب الحرية والعدالة , وماذا بعد , تقول الدكتورة نسرين الإعلان الدستورى ليس مقدساً حتى لا يضاف إليه وليس صادرا من الشعب. وإنما هو صادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم يستفت عليه من الناخبين. وقد انتقل التشريع الآن إلى مجلس الشعب ولما كان الإعلان الدستورى من الدستور ومن ثم التشريع فإن مجلس الشورى يكون له أن يقرر رأيه فى هذه المعايير. وذلك من الأعضاء المنتخبين وغير المنتخبين من المجلسين., وتضيف د سهير حلمي:

والحقيقة الإعلان سكت عن وضع المعايير. وإذا كان من اللائق أن يصدر ملحقا للإعلان الدستوري فيكون من الواجب أن يتضمن هذه المعايير حتي يلتزم المجلسان بها. وإلا كان الدستور الجديد والدائم صورة طبق الأصل من فكر معين, وليس من فكر الرأي العام.وفي النهاية أكد الجميع أن الجماعة تسعى إلى إلهاء القوى السياسية عن معركة الدستور من خلال افتعال أزمة مع الحكومة والمجلس العسكرى، وإنما هى فى حقيقتها مناورة سياسية بين المجلس والإخوان
, آراء وخلافات لكن يبقي في النهاية مصلحة الوطن , وإن كانت المرأة قد توارت من البرلمان فإن دورها لازال قويا علي الساحة في كل الجبهات’لذا أكد الجميع تحميل المسئولية كاملة علي المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية

الخروج من الأزمة

الخروج من الأزمة أمر صعب وإذا استأثر الإسلاميون بالرأي ووضع دستور يخدم الأهواء الشخصية , فلن يكون هناك بديلا سوي الثورة مرة أخري مهما كلفنا الأمر

علبةٌ مِن ذهبٍ تُدحرجُها عيونُ الهُدى!/ آمال عوّاد رضوان


حين يكون الإبداعُ طريفا هادفا ومُوجّهًا للخير، وحين يكون عمادُه الحبّ والموسيقا والحرّيّة وجمال الطّبيعةِ والمصالحة السّلميّة بينَ الإنسانِ والمخلوقات، وتعزيز هذه هذه القيم في النفوس، من خلال الدّمج بينَ الخيالِ العلميِّ والواقع، فلا بدّ من التغني بهكذا إبداع، ولا بدّ من تداوله بإصدارات تتجدّد وتتكرّر، وها علبة من ذهب للشاعر الأديب وهيب نديم وهبة، تعود حروفها تتدحرج ثانية على مُعدّات الطباعة في دار الهدى، لتصدر الطبعة الثانية 2012 بنسخة جديدة وتنقيح جديد، ومباشرة بعد صدور كتابه "مفاتيح السّماء"، الذي نال الجائزة اللبنانيّة لهذا العام.

"علبةٌ مِن ذهب" قصّةٌ تُناسبُ الأجيالَ النّاشئةَ واليافعينَ، الطّبعةُ أنيقةُ الشكلِ بغلافٍ سميكةِ، والورقٌ سميكٌ ومصقولٌ، توشّي القصّةَ وتُحَلّيها رسومٌ ناطقةٌ ومُعبِّرةٌ وجذّابةٌ، أشرفتْ عليها الفنّانةُ الفارسيّةُ فاطمة بور حاتمي، وتولّى مهمّة المراجعةِ اللّغويّةِ الشاعر جورج جريس فرح، من إصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم (2001) م.ض، وهي طبعة ثانية مزيدة ومنقحة2012.

وجاء في خبر التعريف: ( الْقِصَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ رِحْلَةٍ إلَى أَقَاليمِ الْعَالَمِ السِّبْعَةِ، مُغَامَرَات فِي عَوَالِمَ خَيَالِيَّةٍ فِكْرِيَّةٍ فِي نَسيجٍ إنْسَانِيٍّ مُتَرَابِطٍ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَالْخَيَالِ ، وَتَوْظِيفُ الأُغْنِيَةِ فِي سَبِيلِ تَحْرِيرِ الذَّاتِ وَالأَرْضِ).

وأقدّم بعض المقتطفات التي كتبت ونشرت وقيلت عن الطبعة الأولى في "علبة من ذهب".

كتب الشاعر الدكتور فهد أبو خضرة عند صدور الطبعة الأولى يقول:

الكتابُ ينتمي إلى النّوعِ الأدبيِّ الّذي يُسمّى (الحكاية)،أمّا عمليّة التّحديدِ الدّقيق فليستْ سهلةً، وهنا يُمكنُ القولُ أنّ هذا الكتابَ يضمُّ حكاية إطار، أو حكايةً خارجيّةً تحوي في داخلِها سبع حكايات داخليّة.

الحكايةُ الخارجيّةُ والحكاياتُ الداخليّةُ كلُّها خياليّةٌ، أمّا الخيالُ الّذي تنتمي إليهِ فهو مُنَوّعٌ، منها خيالٌ علميٌّ، وخيالٌ تعليميٌّ، وخيالٌ أسطوريٌّ وخيالٌ خرافيٌّ.
حكايةُ الإطار تنحو نحو حكاياتِ السّحَرة والأميراتِ المسحورات، وتُشكِّلُ نوعًا مِن الخيالِ الخرافيِّ، أمّا الحكايات الدّاخليّة فتدورُ حول رحلاتٍ يقوم بها السّاحرُ والأميرة.

لغةُ الحكاياتِ أدبيّةٌ فصيحةٌ وجميلةٌ، بينما لغة الأغنياتِ عامّيّةٌ، أمّا مستوى اللّغةِ الفصيحةِ فيتراوحُ بينَ السّهولةِ والجزالةِ، وهو مُلائِمٌ للصّفوفِ العُليا في المرحلةِ الابتدائيّة.

قلتُ أنّ لغةَ هذهِ الحكاياتِ لغةٌ أدبيّةٌ جميلةٌ، وأستطيعُ أن أضيفَ الكثيرَ مِن الكلامِ في مدحِها، في الختام أعبِّرُ عن تقديري للأديبِ وهيب وهبة، وأقولُ أنّنا بحاجة إلى هذا النّوعِ مِن الكتاباتِ الأدبيّةِ الرّاقيةِ والأصيلةِ خيالًا وتعبيرًا، فإلى الأمام وإلى مزيدٍ من هذا الإبداع الّذي يُثري مكتباتِنا.

وكتبت آمال عوّاد رضوان:

عن مضمون القصّة (علبةٌ من ذهب)، إذ تبتعدُ عن خلْقِ عوالمَ ورديّة تُبعِدُ الفتى عن واقعِهِ، بل تُعالج موضوعًا ذا بعدٍ اجتماعيٍّ ونفسيٍّ، وتَعمدُ إلى غرسِ قيمًا خالدةً كالتّسامحِ والمحبّة والصّدقِ والتّعاونِ والتّآلفِ، فالقصّةُ طريفةٌ وهادفةٌ وموجِّهةٌ للخيرِ وللإبداعِ، وتستنبتُ في كيانِ اليافع انتماءَهُ للهويّةِ الإنسانيّةِ الشّاملةِ، وتدمجُ بينَ الخيالِ العلميِّ والواقع، وتُركّزُ على عنصرِ التّخييلِ الفانتازيا، إذ يُعدُّ حافزًا استراتيجيًّا في ثقافةِ الطّفلِ واليافعِ.

الشّاعر وهيب وهبة يُشكّلُ في القصّةِ عالمًا ديناميكيًّا خاصًّا وجميلًا، عالمًا عارمًا بالتّصوّرِ والأحلامِ المشروعةِ القابلةِ للتّحقّقِ، مِن خلالِ حُبِّ المغامرةِ والسّعيِ الدّؤوبِ دونَ كللٍ، فيُلامسُ كلَّ الضّفافِ بدون عناءٍ، فيُخبرُ عن عاداتِ الشّعوبِ وتقاليدِها، وطبيعةِ عيشِها، وأطوارِ وأنماطِ حيواتِهم المختلفةِ الّتي يُمارسونَها.

القصّةُ تتّكئُ على قبابِ السِّحرِ، وقد وشّحتْها اللّغةُ بسِحرٍ فاتحٍ، يُدخِلُ مَسرّةً للقلبِ والعقلِ!

بلغةٍ قريبةٍ مِن عالمِ اليافعِ، بلغةٍ ثريّةٍ ويسيرةٍ ووجدانيّةٍ ورقيقةٍ وبسيطةٍ يصوغُ الأحداثَ، مازجًا بينَ فنّيّةِ السّردِ المُشوِّقِ والتّصويرِ، وبعنايةٍ نابضةٍ بالشّعريّةِ والوضوحِ والبساطةِ، يُوظِّفُها بشكلٍ طيِّعٍ وبمهارةٍ دونَ تكَلُّفٍ، كأنّما استكنهَ دواخلَ وأسرارَ وخبايا عوالم اليافعين!

والأسلوبُ في القصّة سلِسٌ وشيّقٌ بعيدٌ عنِ الغموضِ، يتدرّجُ مِنَ السّهلِ إلى الصّعبِ، فقد صِيغتِ القصّةُ بأسلوبٍ يَشُدُّ القارئَ دونَ الوقوعِ في فخِّ الوعظِ، وتخلّلتها ممارسةٌ حضاريّةٌ تدمجُ بينَ الحِسِّ والوجدانِ، وبينَ التّعاملِ بالفِكرِ والجسدِ، فتجاوزتْ مِن الجزئيِّ إلى الكُلّيِّ.

أمّا الشاعر والرّوائيّ فهيم أبو ركن فكتب:

"علبة من ذهب" قصّةٌ بسيطةٌ، وكلُّ القصصِ العظيمة تعتمد على البساطة وعدم التّعقيد، وهذه القصّة توظّفُ البساطةَ إلى جانب رمزيّةٍ شفّافةٍ، لتقولَ الأشياءَ العميقةَ الّتي ترتبطُ بواقعِ حياتِنا، وبمصيرِنا كمجتمعٍ وشعبٍ وبني بشر. ويمكنُ أن نقرأها بنمطِها السّرديِّ والواقعيِّ والرّمزيِّ، فالأميرةُ الّتي تريدُ التّخلّصَ مِن سجن الحكايات، هي الأمّةُ العربيّةُ الّتي تريدُ أن تتخلّص مِن التّعلّقِ بأمجادِ التّاريخِ وسجنِ بعض التّقاليدِ الرّجعيّةِ!

إذن، الجميلُ في هذا الكتاب أنّهُ مبنيٌّ على ثنائيّةِ الظّاهرِ والباطنِ، إذ يمكنُ أن يُفسّرَ كما هو للأطفال، ويمكن تفسيرُهُ باطنيًّا ليُشيرَ إلى قضايا تهمُّ الكبار ومِن عالمِهم، وبأفكارِهم، قضايا تهُمُّ الإنسانيّةَ جمعاء. هكذا اصطادَ الكاتبُ عدّة عصافيرٍ بحجرٍ واحدٍ..

وربّما لا نخطئ إذا عرّفنا هذا الكتابَ بأنّهُ قصّةٌ للأطفال، يَقرأها الشّبابُ ويفهمُها الكبارُ، لها نهايةٌ سعيدةٌ تترجمُ تفاؤلَ الشّاعرِ وإيمانَهُ بجوهرِ الإنسانِ الخيِّر.

والأديب الإعلامي نايف خوري كتب:

استطاعَ وهيب وهبة أن ينقلنا عبرَ هذه العوالم الجديدة القديمة، والتي بسببها نظنّ لأوّل وهلةٍ بأنّنا نرى ونصادفُ حياةً أخرى مِن كواكبَ جديدة، وشخصيّاتٍ لا تمتُّ إلينا بِصِلة، فلا نعرفها مِن قبل ولا نُعيرها أيّ اهتمام، ولكن بعدَ إمعان النظر والتأمّل مليًّا، تتّضحُ لنا طروحٌ فكريّة هي بمثابة حياتنا اليوميّة، ونجد أنّ هذا العالم الأسطورة هو الفضاء الذي نعيش فيه، وهو محيطنا، كما أنّنا نتمنى أن نحيا فيه ونبني مستقبلنا في ثناياه، ولذا لا يتطلب الأمرُ منّا سوى رؤية واقعنا والانتباه إلى سلوكنا، والتطلّع إلى تصرّفاتنا وإعادة النظر في عاداتنا وتقاليدنا، فهذه القصة ليست وقفًا على الصّغار ولا حكرًا على الكبار، بل هي كسائر الأعمال العالميّة تخاطب الإنسان حيث هو، وإنّي كقارئ لم أستطع إلاّ أن أحبّ هذه الأسطورة وشخصيّاتها ومؤلّفها.

أمّا الشاعر والباحث الناقد بيان غضبان فكتب:

وهيب نديم وهبه، هو شاعرٌ وأديبٌ معروفٌ، تُرجمة كتاباته لأكثر من لغةٍ، وَوَصَلت معظم بلدان العالم. يحتضنُ الآنَ أدب الأطفال، ويتجلى توجُهُه هذا بكتابه "علبةٌ من ذهبٍ"، أبدعَ فيه الأديب الشاعر بكونه ينعتقُ من حوامة الدوران الذاتية، كما نراهُ عند كُتَّاب أدب الأطفال، فهم يصورون الطفل المتحدث عن نفسهِ، بنوعٍ من الرُبوطية البعيدة عن الانفعال الوجداني، وبكلماتٍ متكلفة نقرأها ونستمتع بها إلا أننا ننساها لبُعدِها عن النفس والشعور، أما "وهيب وهبه"، فيجعل الطفل أكثر ديناميكية، فالطفل عنده ليس مجرد قالب نُصِّبَ فيه كلماتٍ جافة وأحيانًا جوفاء، بل طفل يتصور، ويحلم ويسعى لتحقيق أحلامه. الطفل عنده ليس فقط جسرًا تعبر من فوقه كلمات ومعان نريدها أن تعبر وقد لا يريدها الطفل نفسه، بل الطفل عنده "كومبارس" رئيسي، يحلمُ ويناقش وينكر، إذًا هو يطبق عمليًا أفكاره التي يؤمن بها، في سلوك نقدي مُعاشى.

الأديب الشاعر، يحاول في كتابه هذا معالجة النفس البشرية وهي ما زالت بذرة، قبل أن تنمو وتتفتح، وتكبرُ وَتَستحوذُ عليها الأنانية وحب الذات، يُريد لهذه البذرة (الطفل) أن تنمو وتكبر ومعها تنمو وتكبر المحبة للآخرين، والتضامن معهم، بالسراء والضراء، وأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون الحرية، التي هي حلم كل حر يريدُ العيشَ بكرامةٍ وسلام.

والشاعر الأستاذ رشدي الماضي يكتب:

يظلُّ التّلاقحُ التّوالُجِيُّ بينَ الخيالِ والإبداعِ أبَ الينابيعِ الخصبة، الّتي ينهلُ منها "عمّال مصنع الكلمة"، مِن أجلِ أن تُواصلَ بناتُ أفكارِهِم الحمْلَ فالولادة. هذا ما تُجسِّدُهُ قصّةُ أديبِنا وشاعرِنا وهيب نديم وهبة، فمِن نظرتِكَ الأولى الّتي تُلقي بها على ثريّاها بمفتاحٍ تأويليٍّ، تنهضُ في خزانة ذاكرتِكَ نوستالجيا تعيدُكَ إلى ما يُعرفُ بأدبِ الخيالِ العلميِّ، بكلِّ أجوائِهِ وفضاءاتِهِ الشّائقةِ.



وأما الأديب الجليل الشّاعر والكاتب حنّا أبو حنّا فقد نوّهَ لنقطةٍ هامّةٍ، وهي قلّةُ أدبِ الأحداثِ واليافعين في الأدبِ العربيِّ عامّةً ولدينا خاصّةً، لهذا جاءت قصّة "علبة من ذهب" قصّة أحداث بامتياز، وأسلوب سرديّ غاية في الرّوعة والجَمال والدقّة.

لماذا يَلجأُ الشّاعرُ وهيب وهبة إلى القالبِ السّحريِّ في القصّة؟

هل لأنّ هذهِ القصصَ هي نتاجُ العديدِ مِن الثّقافاتِ وتلقى انجذابًا وشعبيّةً على امتدادٍ عالميٍّ واسعٍ؟
هل مِن الصّعبِ ارتيادُ وعبورُ الأحداثِ اليوميّةِ المزعجةِ والمُحيِّرةِ، إلاّ مِن خلالِ قالبٍ سحريٍّ يُمكِّنُهُ أن يرقى بخيالِهِ ولغتِهِ نحوَ آفاقٍ أرحبَ،أم أنّهُ يَرقى إلى عالمٍ سِحريٍّ، كي يوليَ الأحداثَ عنايةً أكبرَ، يستطيعُ من خلالها تجاوزَ الممنوعاتِ، فيَسهُلُ عليه أن يُبهِرَ اليافعَ بضروبِ الخيالِ والغرابةِ؟

هل هذا الكون السِّحريُّ الغريبُ يزيدُ مِن ديناميكيّةٍ معنويّةٍ ونفسيّةٍ، تولي إشكاليّاتِ الحياةِ حبكةً مشرقةً تفتحُ آفاقَ الأحلامِ والخيالِ؟
وهيب وهبة شاعرٌ مسرحيٌّ لهُ العديدُ مِنَ الأعمالِ الشعريّة والمسرحيّةِ:

"الملاكُ الأبيض"، "هدايا وقُبَل"، نَهْدُ أسواره، أنتِ أحلى، وقْعُ حوافر خيل، المجنونُ والبحر، نافذةٌ للموتِ وأخرى، خطواتٌ فوقَ جسدِ الصّحراء".
ومِن أجلِ هذا تمريرِ هذا الإبداعِ المسرحيِّ، نحتاجُ إلى فضاءاتٍ ترفيهيّةٍ، ودورِ شبابٍ ومسارحَ، ودورِ نشرٍ، تدعمُ وتشجّعُ المبدعين الشّباب، فعساها مجتمعاتنا العربيّة تسعى إلى الاهتمام بالحسّ الفنيّ الإبداعيّ لأطفالنا، والعمل على تنميته والاعتناء به في تربة إبداعية خصبة وصالحة، لتزهو فضاءاتنا بمبدعينا الأطفال ومبدعي المستقبل الزاهر.

الذكرى السنويّة/ صبري يوسف

 قصة قصيرة

منذ سنوات خَلَت، كنتُ غائصاً بالهموم، وما أزال. الأصدقاء والصديقات من حولي يخفَّفون من لظى الأوجاع والهموم، طالباتي وطلابي أنفاسٌ جديدة، يخلخلون روتين حياتي، شيء ما كان يخنقني، حتّى الآن لا أعرف مصدره، ربّما أعيش عمري كلَّه ولا أعرف هذا الشيء الّذي أحسُّ وكأنّه يخنقني. لا يهمُّني أنْ أعرفه أوْ لا أعرفه، ولا أُتْعِبُ نفسي بهكذا أشياء متعبة أصلاً، وفي خضمِّ الدوّامات الّتي كنت أعيشها، فجأةً ودونما أيَّةِ مقدِّمات شعرتُ أنّني اكتشفتُ عدوَّاً لدوداً، غير الدوّامات المغيظة التي كانت تسربلني إلى درجةِ الاختناق بين حينٍ وآخر، بدأ منذ سنوات يفترس جسدي بهدوء مرير، ذُهلتُ واستخفَفْتُ بإرادتي وبداهتي وطاقاتي الكامنة في أعماقي، شعرت أنّني شخص مهزوم أمام عدوٍّ سخيف إلى أبعد درجات السخافة، ومكروه إلى أبعد درجات الكراهية، ومع هذا أراني ملتصقاً به وغير قادر على الفكاكِ منه، أجامله وأتعامل معه بلطفٍ شديد، لا أستطيع الوقوف في وجهه، عدوٌّ قزم جدّاً، بضعة سنتيمترات، لكنّه يفترسني وأنا لا أحرِّكُ ساكناً. نظرتُ إلى المرآة آلاف المرّات، رأيتُ وجهاً مهزوماً، والغريب بالأمر أنّني كنتُ أطرح نفسي وكأني فضحل عصري، أضحكُ بسخرية من هذا الشعور المضلَّل وأضحكُ على مَنْ يظنُّ أنّني ذلك الرجل الّذي لا يهاب الأعداء، لأنّني أعرف نفسي جيّداً أنني ضعيفٌ أكثر ممّا يظنّون، وغير قادر على مجابهة ولا مواجهة عدو لا يزن بضعة غرامات، قزم في طوله وعرضه. لا أخفي عليكم سرّاً أنني فكّرتُ جدّياً أن أعلن جبني على الملأ وأظهر مدى ضعفي وركاكة إرادتي وهشاشة جبروتي، هذا إذا كان لديّ جبروتٌ، علماً أنني لستُ من أنصار الرؤية الجبروتيّة ولا من أنصار القوى الغاشمة ولا من أنصار عداوة الآخرين، ولا أحبّ أن أخوض حروباً مع الأعداء، لأنّني من أنصار مَنْ يرفع لواء الكلمة، لواء الحقّ والعدالة والمساواة والحرية، من أنصار بناء إنسان مسالم بعيد كل البعد عن رفع لواء الحروب والعداوات والأحقاد، لأنني اعتبر أن الحياة قصيرة للغاية لا تكفينا كي نعيش حياتنا بهدوء لنتنعَّمَ بها بأفراحها واتراحها، محاولاً تقديم كل ما هو إنساني وخيّر عبر محطّات عمري وعبر جغرافيات الأمكنة التي تحضنني، ولكن مع هذا دافعٌ قويّ دفعني لأن أرفع فردة الرحى على عدوٍّ لم أستطِعْ أبداً أن أقنع نفسي بالانسحاب من هذه المعركة المصيريّة، فمهما طرح الإنسان نفسه مسالماً وخيِّراً، إلا أنّه يواجه في حياته أعداءً خطيرين، لو تركهم على راحتهم سيخنقونه تماماً، وهكذا ترعرع الحقد في قلبي تجاه هذا العدوّ وبدأتُ أخطِّطُ للجريمة بنوعٍ من الحكمةِ، ماذا قلتُ؟ نوع من الحكمة، ومتى كان التخطيط للجرائم حكمة؟! إلا أنَّ هذا النوع من الجريمة الّتي أخطِّط لها تحمل بين ثناياها حكمة الحياة، ولو لم تحمل بين ثناياها حكمة الأيام والسنين والشهور لما فكَّرت بها أصلاً، لأنّني أولاً وأخيراً لا أحبُّ الاجرام، ولكن هذه الجريمة التي أنوي الإقدام عليها هي جريمة لذيذة تحمل نكهة خاصّة، وفيها إستمتاع غريب وعجيب، فأنا قبل أن أنوي على التخطيط للجريمة قلبت الموضوع من كلّ جوانبه لهذا قرَّرت أن أقدم على هذه الجريمة عن سابق إصرارٍ وتصميم، ضارباً القوانين النافذة في بلاد الشرق والغرب عرض الحائط، طالما أنا مقتنع في الحكمة العميقة من الجريمة التي أنوي بكلِّ شراهةٍ أن أقدمَ عليها، وما أبلغتُ أحداً، لا من أفراد أسرتي ولا أصدقائي ولا صديقاتي، لأنّ هكذا إقدام على جريمة من نوعٍ خاصّ يتطلّب الحذر والحيطة وإلا سَتُحْبَطُ عملية إعدام العدو. خطّطتُ أن أقتلَ هذا العدو بالإعدام شنقاً حتّى الموت، لأنّه هو الآخر كان قد خطَّط لقتلي منذ أمدٍ بعيد، أحمله في جيبي بحنانٍ كبير وكأنّه من حميميّاتي، لم أُحْسِسْهِ بفتح باب الحرب عليه، أحببتُ أن تكون حيثيات المنازلة ذات فوائد عميقة، تحمل رؤى جديدة غير مطروقة على مستوى جغرافية الكون، وأحببت أن أكون أوّل إنسانٍ يرتكب جريمة إعدامٍ، تحمل حكمةً لا تخطر على بال. نهضتُ من نومي باكراً، تناولت فطوري وقبل أن أذهب إلى دوامي مررتُ على محلّات النجارة..
عندك مسامير فولاذ خاصّة بالإسمنت؟
أيوه عندي استاذ، لأيّ غرضٍ تريد هذا النوع من المسامير؟
همستُ، وهل يريدني أن أبوح له بسرّي والجريمة الّتي أنوي الإقدام عليها ..
ماذا قلت أستاذ؟
لا .. لا فقط أتمتمُ مع نفسي! ...
طيّب ما أجبتني لأي غرض تريد المسامير؟
بالحقيقة يلزمني مسمار واحد فقط يصلح لأن أثبّته في حائطٍ من الإسمنت.
ولأي غرض؟
كي أعلّق عليه أفكاري؟
ضحكَ، وأعتبرَ هذا نوع من الرمز، نقطة حمراء لا يجوز تجاوزها إلى أسئلة أخرى. قدّم لي عدة أحجام من المسامير الفولاذية، اخترت مسماراً بحدود ثماني سنتيمترات، بحدود طول العدو. مررتُ على الدوام شارد الذهن . كم كنتُ متلهِّفاً إلى تنفيذ حكم إعدام العدوِّ. أسرعتُ الخطى. صَدر غرفتي الفسيحة كان ينتظرني. استقبلني والدي. سألني، أراكَ مستعجلاً على غير عادتكَ، وعيناكَ تقدحان شرراً! .. أنا عيناي تقدحان شرراً؟ أيوه هكذا تبدو. لا .. لا أنتَ غلطان، كل ما في الأمر أنا تعبان من الدوام. عبرت غرفتي، كيف قرأ والدي وجهي، هل فعلاً عيناي تقدحان شرراً؟.. فكَّرتُ أن أذهب إلى المطبخ كي ألقي نظرة على وجهي في المرآة، لكنّي عدّلت عن فكرتي، تفادياً من إفساد مخطَّطي الّذي خططتُ له منذ فترة غير قصيرة وكلّ أدوات الجريمة جاهزة ولم يبقَ سوى حلول ساعة الصفر!
كانت تمطر مطراً ناعماً، اسدلت الستائر، كان جاكوجي الحديدي على الطاولة، ينتظرني بفارغ الصبر، أخرجت المسمار الفولاذي من جيبي، نظرت في صدر غرفتي، صعدتُ على كرسيٍّ صغير، قدَّرتُ منتصف الجدار وبدأتُ بتنفيذ مخططاتي بعيداً عن أعين الناس، أمسكت الجاكوج وبدأتُ أدقُّ المسمار بدقةٍ، نصفه بالحائط الإسمنتي ونصفه الآخر ينتظر الفريسة، لم يرنّ الهاتف، لأنّي ما كنتُ أصلاً أملكُ هاتفاً، كنتُ أتمنّى في تلكَ اللحظة أن أسمع رنين هاتفٍ عندي، حتّى ولو قطع عليّ مخطَّطي، فجأةً أجدني منجرفاً خلف فكرة الهاتف. تساءلتُ: اثنا عشر عاماً وأنا أنتظر دوري في حجز خطّ هاتف، تصارعت الفكرتان، فكرة الهاتف من جهة وفكرة مخطّطي في الجريمة الّتي كنت على وشكَ أن أنفِّذها، تغلّب عليّ هاجس أن يكون لديّ هاتفٌ في تلكَ اللحظة. يتوه الإنسان في خضمّ الصراعات الصغيرة والكبيرة، لا يعلم كيف يجد له أرضاً صلباً لتنفيذ مخطّطاته ومشاريعه في الحياة، تشتّتَ ذهني لكنّي كنتُ ما أزال أنزع نحو تنفيذ حكم الإعدام بعدوٍّ مخيف وخطير، نحّيت من ذهني الهاتف ورنينه ورميتُ الفكرة في جعبة النسيان، على أن أعود إليها يوماً وأنا في كامل لياقتي الذهنيّة خالياً من هموم الدنيا وبعيد عن مسامير الفولاذ وأعداء لا تخطر على بال، ثمَّ توجّهتُ إلى جاكيتي أخرجتُ عدوّي من جيبي، ماسكاً إيّاه من ياقته، نظرتُ إليه قائلاً، كم كنتُ مغشوشاً بكَ أيُّها العدو الليّن داعبتكَ طويلاً، كنتُ معكَ حنوناً للغاية، أقبِّلكَ يوميّاً عشرات القبلات، كيف فاتني أنّكَ تخطِّطُ لقتلي؟.. اليوم وبعد مرور سنوات عديدة أتذكَّر ذلكَ اليوم، كان الوقت مساءً، أمسكتُ عنق هذا العدو القزم وخنقته قبل أن يخنقني هو في مستقبل الأيام، ثمَّ ربطتُ دون رحمةٍ رقبته بخيطٍ من (الساطين) إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، شهقت شهيقاً عميقاً.
الآن تخلّصتُ منكِ أيَّتها اللعينة!.. اليوم يوم ميلادي، واليوم يوم ولادة موتكِ أيّتها العدوّة الطريّة، كنتِ تريدي أن تقهرينني وأنا في كامل قواي! نظرتُ إليها بتلذُّذِ المنتصرين، صعدت فوق الكرسي وعلّقت مشنقتها في مسمار الفولاذ المعدّ لها.
كانت صديقتها الأخيرة تنظر إليّ بارتجاف، أمسكتها وأشعلتها ثمّ وضعتها في منفضة عتيقة وتركتها تحترق في جلدها، يتصاعد دخانها دوائر دوائر، ابتسمتُ إبتسامة الظافرين، ثمَّ بهدوء نبرتُ قائلاً: ممسوحة أنتِ من شهيَّتي إلى الأبد!
أتذكَّر هذا اليوم وكأنّه حدث البارحة، مساء ( 25 . 03 . 1987 )، يصادف تماماً يوم غدٍ، وبعد مرور عام على شنقها، وزّعتُ بطاقات دعوة على الأصدقاء والصديقات، أدعوهم لحضور حفل خاص، بالذكرى السنوية، لولادة موت السيجارة، جاءني الأصدقاء. لم يتخلَّ أحد عن تلبية الدعوة، حتّى أن بعض الأصدقاء غير المدعوين عندما سمعوا بالخبر، كانوا غائصين بدراساتهم الجامعيّة، قطعوا دوامهم ووجّهوا أنظارهم إلى الحفل، قاطعين مئات الكيلومترات، يدردشون ويضحكون طوال الطريق، متخيِّلين المشنقة التي نفّذتُ فيها حكم الإعدام كبيرة، ودار حوارات عبر رحلتهم تخللتها نكات طريفة، وفيما كنّا في عزّ السهرة، نشرب، نرقص و نغنّي، سمعتُ أحدهم يقول لمحاوره بنوع من الدعابة، السهرة ممتعة جدّاً وفكرة الإعدام رائعة، لكن صبري بفكرته هذه خرّب بيتنا! فقال له محاوره، كيف خرّب بيتنا؟ فأجابه، يا شيخ انني مخروم على سيجارة ولا أتجرّأ أن أقترب منها لئلا يرفع صبري عليّ فردة (الرحّان! )، ضحكتُ في عبّي، هامساً لصديقٍ على يميني، ألا ترى أن لدي سطوةً محترمة على نعيم إيليا بشحمه ولحمه، بطل الجمهوريّة في الشطرنج، أضرب واطرح، لا يتجرّأ أن يُدخِّن سيجارةً أمامي، فما وجدتُ إلا أن خرج بعد قليل بطلنا إلى البلكون، وهناك أخذ إمتداده يناغي أخطر عدو في تاريخه، هازّاً رأسه قائلاً لصديقه، ما هذه الفكرة الغريبة العجيبة الّتي هبطت فجأة على بال صديقنا، المعروف بشراهته في التدخين، إنّه شخصيّة محيّرة ومبدعة حتّى في أبسط الأمور. السهرة عامرة، وقف أحدهم قائلاً: يا شباب هناك صديق لم يتم توجيه دعوة له، أجبتهم، لا بأس أن تدعَونه حالاً، فما نزال في مستهلِّ السهرة، لكنّه أضاف .. الموضوع وما فيه أنّ هناكَ هدية من الصديق الغائب، أقلامٌ مناسبة لكتابة القصص، رسالة قصيرة، معتبراً أن الفكرة هي براءة إبداع في طريقة الإعدام!
عشنا ليلة مطرّزة بالفرح والغناء، كانت السيجارة وما تزال شاهدةً علينا، ترمقُ إلينا صامتة صمتاً أبدياً.. ومنذ ذلكَ اليوم حتّى تاريخه، لم أدخِّن نَفَسَاً واحداً، لأنني لا أتعامل مع الموتى، إنّما احتفظ بهم في تضاعيف الذاكرة، واضعاً في الاعتبار الاحتفال بالذكرى السنوية لولادة موت السيجارة، يومٌ بهيجٌ ومنعطفٌ طيّبٌ في حياتي، أشبه ما يكون يوم ميلادي!

ستوكهولم: ليلة 24 . 03 . 2003

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

من اجل حركة نقدية فاعلة..!/ شاكر فريد حسن


لا احد ينكر دور العملية النقدية في تعزيز المستوى الادبي ورفع شان الحركة الثقافية . فالنقد احد ركائز الادب واهم مقومات ومؤثرات الحركة الادبية، وهو النهج الواعي والارادة العلمية التي يستطيع بها الناقد تصحيح مسار حركة الادب .وبدون النقد الموجه الهادف الذي يبغي البناء الواعي لا يمكن ضمان عدم الانحرافات والتجاوزات في مسار حركتنا الثقافية وضمان استمرار العطاء والابداع المتجدد . وتتمثل مهمة الناقد في قراءة النص الادبي والحكم عليه بالجودة او الرداءة وكشف عيوبه ومزاياه بموضوعية تامة ،بعيدا عن المحاباة والمجاملة . ولا يمكن ان نفصل النقد الادبي في رؤيته الشاملة المعارضة عن مجمل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ،بانماطه المختلفة والمتباينة .
وعلى الدوام كان النقد الموجه هو الرقيب على تراث الامم والشعوب وحضارتها والسيف المسلط على رقاب الدخلاء والمتطفلين ورقاب كل من تسول نفسه حرف المسيرة على امتداد التاريخ العربي الحضاري .كما ان النقد الادبي الموجه كان وسيظل بمثابة الكشاف الذي ينير الدرب وقنديل الزيت الذي يشكل خط زوال المزيفين من الكتاب وادعياء الادب والثقافة .
وللامانة والمصداقية اقول ان النقد المحلي في كل مراحله متواضع ومفرط ومفسر ،انه نقد الاطراء والمجاملات وتحكمه نوازع الصداقة او العداوة ووشائج العلاقات الفكرية والحزبية والعقائدية والتنظيمية ،وهذا الامر بات نهجا واضحا تثبته وتؤكده ما تمتلىء به الصحف والاوراق الثقافية والمواقع الالكترونية .
وما من شك ان غياب وانعدام حركة نقدية فاعلة ونشطة سبب رئيسي ومباشر وراء الفوضى اوالمهزلة الادبية السائدة، وهذا التدهور والانكماش الحاصل في الحياة الادبية والثقافية المحلية .وكذلك الضحالة والاسفاف الذي يميز الكثير من الاعمال والنصوص الادبية بمختلف اجناسها والوانها ،النصوص الخالية من البعد الاجتماعي والسياسي والمضمون الانساني الجمالي وخصائص العمل الابداعي الجاد والرفيع .فقد اختلط الحابل بالنابل والقمح بالزوان وانحسر الابداع الادبي الجميل والاصيل المؤثر المرتبط بقضايا الحق والحرية والجمال والعدالة والمعبر عن الالام والامال والطموحات الشعبية .
لقد كانت هناك اصوات واقلام نقدية قدمت لحركتنا الثقافية قسطا وفيرا من خلال ما كانت تكتبه وتنشره من دراسات في الصحف والمجلات ،لكن للاسف ان هذه الاصوات تراجعت وخفتت وصمتت وبعضها جف مدادها .وغني عن القول ان حركتنا الادبية ستظل تتخبط ان لم تتدخل موازين النقد في صياغتها وتحديد اهدافها .
وتاسيسا على ذلك هناك حاجة ملحة لحركة نقدية تاخذ دورها في معمعان الحركة الثقافية ،ودعوة الاقلام الناقدة العودة الى المرافئ القديمة لتسهم في دفع المسيرة الادبية واغنائها ،فوجود حركة نقدية فاعلة اصبح ضرورة موضوعية ومطلبا ادبيا هاما من اجل تقييم وتصحيح حركتنا الادبية وتجديد انطلاقتنا الثقافية والتخلص من حالة الشلل والترهل والبؤس والضمور الادبي الراهن ،وغربلة هذا الكم الهائل من الانتاج الادبي الرديء والغث الغارق في الذاتية والعدمية ،ولاجل اعادة الوهج والاصالة والاحترام والاعتبار للكلمة الادبية الجميلة المرهفة القادرة على اثارة المشاعر والاحاسيس الانسانية والعمل على التحريك الثقافي الحضاري الحداثي .

سندريلا - قصص قصيرة جدا/ ماهر طلبه

1- سندريلا

أسرعت هاربة فى اتجاه الباب .. أسرع خلفها .." الحذاء" .. صرخت ، ولم تملك الوقت للعودة ... فى يده .. تحول الحذاء إلى ثعبان يطاردها .

2- سندريلا والرمل

ظنها حين تركت آثار خطواتها على الرمال سندريلا فلاحقها ، متتبعا الخطوات .. لكن مياه البحر -التى كثيرا ما تغسل الدنس - كانت تمحو الآثر وتتركها للشمس رمال بيضاء

3- أمير الخفاء

فقط لأنه حين وقف أمام مرآته فى الصباح - وهو يحمل الحذاء المسحور - تشابهت عليه الصور .. ظن أنه المخفى ، فنزل سوق المدينة مطاردا للنساء .. يهتف على كل امرأة باسمها .. " سندريلا ".

في شهر المرأة الشاعرة فاطمة الزهراء شخصية العام الثقافية لمحافظة الدقهلية‏

فازت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا باختيارها الشخصية الثقافية النسائية في محافظة الدقهلية لعام 2012 , وقد تم اختيارها من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الشاعر سعد عبد الرحمن , وسوف يتم تكريم السيدات الفائزات في حفل كبير علي مسرح الجمهورية الأربعاء القادم 28/3/2012

السابعة مساء , ومن المعروف أن الشاعرة فاطمة الزهراء أول سيدة ترأس اتحاد كتاب مصر لفترتين متتاليتين , وقد أطلق عليها الشاعر الكبير ابراهيم رضوان لقب أم الأدباء في وجود عدد كبير من الأدباء والشعراء , وقد اتصل بها اللواء صلاح المعداوي محافظ الدقهلية مهنئا , كما اتصل بها الدكتور محمود الشافعي مدير عام الثقافةوعدد من القيادات
الشاعرة فاطمة الزهراء فلا


ولدت بمدينة المطرية بمحافظة الدقهلية لأب أستاذ أزهري علمها اللغة العربية وحفظها القرآن

تعلمت منه الشعر واللغة والتعرف علي مشاهير قراء القرآن أمثال البهتيمي وراغب غلوش ومصطفس اسماعيل.

كانت عاشقة للغة منذ نعومة أظافرها وكتبت أولي قصائدها في المرحلة الابتدائية.

حصلت علي الثانوية العامة ثم التحقت بكلية الحقوق ولم تنجح فيها فاتجهت لأحد المعاهد الفنية ودرست الشعر دراسة مستفيضة

تزوجت في إحدي قري مركز السنبلاوين وعملت أول أمينة مكتبة بمدرسة الزهايرة الاعدادية لتقرأ وتكتب بحرية.

أصدرت أول ديوان لها بعنوان هل يصدأ القلب ؟ وكتب مقدمته الشاعر أحمد سويلم .

تبعته بديوان وشوشات الظلال ثم المرأة بركان ثائر , ثم انتفاضة أنثي

بعد ذلك انضمت عام 1990 لاتحاد كتاب مصر لتصبح أول سيدة في الدقهلية بالاتحاد

نظمت أول صالون أدبي باسمها (الزهراء ) لتجوب القري بأكبر الأدباء والشعراء

كتبت أكثر من خمسين كتاب نسائي يصدر عن دار جزيرة الورد

ظلت تجاهد وتناقش وضع المرأة في الأقاليم

رفضت أن ترشح نفسها في انتخابات الكوتة 2010 رغم شهرتها إيمانا منها بأن الانتخابات مزورة

رفضت بعد الثورة عملها في مكتبة مبارك لأنها شعرت بالحرية

نهايات العباقرة/ محمود شباط

شروق فسطوع فأصيل فمغيب. هلال فبدر فمحاق. طفولة فشباب فشيب فمغيب. هذه هي صيرورة الطبيعة والبشر، نحسّ بفضل دفء وضوء الشمس لما لهما من أهمية في حياتنا، ونشعر بفضل المميزين من الرجال بقدر ما تركوا من منجزات لتطور ورقي شعوبهم وللبشرية جمعاء، أو مبتكرات خلدت أسماءهم وأسهمت في التقدم العلمي والأدبي.
تكاد كتب التاريخ والمجلدات تغص بعدد أسماء العظماء. جلهم أعطى ومضى ولكنه ظُلِمَ لأن عطاءه لا يمس أمور حياتنا اليومية ولم يسمع به الكثيرون، ولكن من منا لم يسمع باسم أرخميدس الذي ولد في صقلية في العام 287 قبل الميلاد وتوفي في العام 212 قبل الميلاد. تخبرنا الكتب المدرسية عن أفضاله العلمية ولكنها لا تخبرنا كيف مات.
إضافة إلى إنجازه العلمي حول مسألة طفو الأجسام في الماء وقصة "يوريكا" المعروفة ، أنجز دماغ أرخميدس العديد من الابتكارات كالمنجنيق والأسطوانة الحلزونية لسحب المياه من الآبار وغيرها من الإختراعات. ذلك الدماغ ذاته ما قتل أرخميدس حين سأله الجندي الروماني عن اسمه ولكن دماغ أرخميدس عجز عن الرد لأنه كان مستغرقاً في حل مسألة هندسية على الرمل فقتله الجندي.
كثيرون منا مروا في حفظ وترديد بحور الشعر العربي التي ابتكرها الخليل بن أحمد الفراهيدي، سيد علم العَرُوض، والذي هزىء به ابنه حين كان الخليل يكثر وبهوس العباقرة من ترديد عبارتي "فعولن .. مستفعلن " متأثراً بما سمعه من طرق النحاسين على الأواني " طق .. طق" ثم طقق .. طقق " . وبينما الخليل منشغل باكتشافه الجديد يردده وهو يروح ويجىء في منزله ، يشغل أصابع يديه على ذلك الإيقاع الموسيقي لاحظ سخرية ابنه منه فتوقف ولامه بهذين البيتين :
لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني/أو كنتُ أجهلُ ما تقولُ عذلتكا
لكن جهلتَ مقالتي فعذلتني/وعلمتُ أنك جاهلٌ فعذرتكا
كيف مات ذلك الجهبذ ؟ يُروى بأن قدمه عثرت وفقد توازنه وهوى صادماً برأسه عموداً فشج رأسه ونزف حتى الموت .
سمعنا عن "بخلاء" الجاحظ أكثر مما سمعنا كيف سقطت عليه الكتب بينما كان يقرأ في دكان أحد الوراقين وقضى نحبه تحتها. و سمعنا عن روايات وروائع تشارلز ديكنز أكثر مما سمعنا عن عبارته التي قالها في لحظات فراقه للحياة والتي كانت آخر كلمات تفوه بها على المنبر : "إلى الأرض" وهوى العملاق، فاستجابت أمنا الأرض لطلبه وتلقفته بذراعيها ولم تتركه.

لقاءٌ شعريٌّ في قلقيلية أحيته آمال عوّاد رضوان وهيام قبلان

بدعوة من اتحاد شباب الاستقلال/ كتلة الاستقلال الجامعية، وتحت رعاية مجلس اتحاد الطلبة لجامعة القدس المفتوحة في قلقيلية، وفي مناسبة الذكرى الـ 22 لانطلاقة الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني، أحيت الشاعرتان آمال عوّاد رضوان من عبلين الجليلية، وهيام قبلان من عسفيا الكرمل، لقاءً شعريا في حرم جامعة القدس المفتوحة في مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية بتاريخ 19-3-2012، وقد حضر اللقاء الشعريّ جمع من الهيئتين الإدارية والتدريسية في الجامعة، ولفيف من طلبة وطالبات الجامعة المفتوحة، وضيوف من حزب فدا متمثلا بربى هلال وعلي هليل أعضاء المكتب السياسيّ، وممثل القوى الوطنية في محافظة قلقيلية عادل لوباني.

استهل منسق القوى الوطنية والإسلامية في مدينة قلقيلية عادل اللوبانيبكلمة ترحيب وشكر، لحضور الشاعرتين من الجليل المحتل، وقام بالتعريف على الجامعة وعلى مجلس الطلبة الذي استضاف النشاط الأدبي، وتحدّث عن الأوضاع الداخلية التي تمر بها مدينة قلقيلية المحاصرة.

وقدم الأستاذ أحمد جبر تحياته وتحيات الجامعة ومدينة قلقيلية للشاعرتين ورحب بالحضور، وتحدث عن تاريخ الشعر وأهميته في الحركة الثقافية على مر العصور، مُرحّبًا بهذا النشاط الذي اعتبره باكورة النشاطات الثقافية التي سترعاها الجامعة، ومُثمّنًا في الوقت نفسه الجهد الذي بذلتاه الشاعرتان للوصول الى قلقيلية، رغم الحواجز التي تفصل بين شقي الوطن.

ثم قام شاعر الجامعة أبو العربي بإلقاء قصيدة حملت البعد الإنساني في الشعر والشعراء، حيّى فيها الشاعرتين الجليليتين آمال عواد رضوان وهيام مصطفى قبلان، وتحدث عن مميزات وركائز القصيدة العموديّة والنثرية.

بدورها ثمنت الشاعرة آمال عوّاد رضوان دعوة حزب فدا لهذا النشاط، ورعايته لهذه الندوة الشعرية التي قدمت فيها قصيدتين من ديوانيْها "بسمة لوزية تتوهّج" و"سلامي لك مطرا"، فيما قدمت الشاعرة هيام قبلان قصيدتين عمودية ونثرية، إحداهما لامست الثورات العربية وما يجري في الوطن العربي.

وقدمت الطالبة آلاء زيد مشاركة، ليختتم اللقاء بقصيدة أخيرة الأستاذ أحمد جبر، شكر فيها الحضور والشاعرتين، متمنيًا تكرار هذه اللقاءات الثقافية بين أبناء الوطن الواحد، وتخطي الحواجز والحدود.

شخص عزمي الجدير بالكراهية في اتحاد كتاب الدقهلية

كتبت فاطمة الزهراء فلا‏
حالة من البهجة تسيطر علي اتحاد كتاب الدقهلية مساء كل سبت لعله يفرح بقدوم المبدعين , يرتدي ملابس الإبداع وتستعد الكاميرا لتد ور ويرن صوت المبدع وهو يقرأ إبداعه منتشيا قائلا في نفسه أنا ولا غيري يقرأ إبداعي وعلي المنصة هذا الأسبوع جلس الشاعر ابن بلدنا عزمي عبد الوهاب والناقد الشاب ابراهيم حمزة وزميلي عبده الرييس للاحتفال بهذا الشخص الذي أسماه عزمي بأنه جدير بالكراهية تري من هو هذا الشخص ؟ ولماذا هو جدير بتلك الكراهية , لغة حداثية لا يدركها إلا أصحاب العقول العميقة التي سئمت لغة المباشرة والسذاجة , في البداية قرأ الشاعر بعضا من أشعاره , في المناقشة التي أدارتها الشاعرة فاطمة الزهراء رئيس الفرع وناقشها إبراهيم حمزة , في قراءة جعلتنا نتوق لقراءة الديوان قال إبراهيم يقدم عزمي عبد الوهاب في ديوانه الجديد 'شخص جدير بالكراهية' حالة كاملة متوهجة،
تحمل خصائص شاعريته، وامتداد مشروعه الشعري الذي بدأ بديوانه 'النوافذ لا أثر لها'،
ثم 'الأسماء لا تليق بالأماكن' ثم ديوانه الثالث 'بأكاذيب سوداء كثيرة' ثم صدر له
عن دار ميريت 'بعد خروج الملاك مباشرة' وأتبعه بديوان 'حارس الفنار العجوز' .. في
كل ديوان تتألق تيمة تنداح من خلال القصائد، هذا الديوان يحتله السأم بلا منازع،
لكأن الإنسان في قصيدة عزمي عبد الوهاب يعيش حياة لا يحبها ولا يتمناها، بل ينفقها
مضيعا ساعاتها، خائفا قلقا نزاعا للموت ... ومن خلال هذه الحالة الرمادية تتجلى
أبرز سمات قصيدة شاعرنا ..
ـ قصيدة الضفدع اللذج :
يرى الشاعر الأمريكي
بيتر جونسون أن قصيدة النثر نوع مستقل genre of poetry - ويذكر في مقدمته لعدد من
أعداد مجلة باسم 'قصيدة النثر' أنه حين أهدى كتابا له عنوانه 'قصيدة النثر إلى أحد
النقاد، ارتد كما لو أنه ناوله ضفدعا لزجا، مؤكدا: أنه لا يوجد شيء اسمه قصيدة
النثر .. يبدو أن اعتبار قصيدة النثر نوعا أدبيا هو حل ميسر تماما لاتهام دائم لهذه
القصيدة، حول 'عوامل وجودها ومبرراته'، ولكن نحن بإزاء ديوان تجاوز فكرة التصنيف،
إلى التماهي الوجودي العميق، وإلى رصد حالات القلق الإنساني بشكل مغاير وبسيط
وصادق، وقد جعل مدخله تعبيرا عبقريا لديستوفسكي
(الحياة فوق الأربعين أمر بالغ
الحرج).
تكاد المرأة تطبع القصيدة بأنوثتها الغائبة أو المغيبة، بينما مضادها
الدائم الرجل يقضي العمر مشتاقا لرغبة مستحيلة، هذه التيمة التي تتطور عبر قصائد
عزمي عبد الوهاب بداية من قصيدة 'تنام الأشياء كما تركناها بالأمس' منشدا حالة
السأم الملازمة:
(.. وأنت واقفة / هكذا / تمشطين شعر غيمة / توقفي قليلا / تحت
سماء سوداء / بكت نجومها حتى النفس الأخير /انظري! الصورة ناقصة / فيها رجل / ابيض
شعره في الظلام ...)
هكذا تبدو المرأة الحلم، المشتهاة، المأمولة بلا طائل، هي
تصعد لسماواتها، بينما هو يضيع في حديقة البيت، رجل خارج الكادر المصور، وامرأة
الحلم، والسأم ثالث أركان الصورة، فأخطر ما يواجهه الشاعر (تلك هي المأساة / أن
تنام الأشياء كما تركناها بالأمس). هكذا يمهد الشاعر لتيمته المتكررة الموجعة عبر
تسع قصائد هي المكونة للديوان.
ـ غنائية مخنوقة ببوح مستتر:
رغم الغنائية
المنسابة عبر قصائد الديوان، إلا أن الشاعر يلجأ في بعض الأحيان لخنق هذه الغنائية
المترقرقة، وقصيدة 'حوار لم يكتمل' تأكيد لوجود المرأة التام وانقطاعها التام أيضا،
هذا الحضور الشائه، بين الوجود الغياب، يمارس الشاعر هذا الخنق للبوح ولغنائية
القصيدة بقصدية ذكية:
(اختبرني يا حبيبي / اختبر المارد / هل مات في قاع
القمقم، أم لا يزال هناك؟ /
ـ أعترف أن دموعي تتساقط / ـ لماذا تتساقط دموعك
الآن؟ / ـ لأنك هنا / ومتى تتوقف عن الجريان؟ / عندما ألتقي حبيبي / لكنها لا تلبث
أن تنهمرحين تقبلني / ـ ومتى تنتهي الرغبة؟ / لن تنتهي ولن تتحقق.
المرأة في
الديوان هي تتمة عذاب الزمن الوجودي، الذي يتسرب رغم حاجتنا لتوقفه، يمتزج المزاج
الرمادي العام الذي يقسو على الشاعر، بآلام الشوق الجسدي غير المتحقق، كأنها رعشة
الرغبة المستحيلة، فإن كان هناك زمن تقدم فيه 'الشعري' على 'الواقعي' بتعبير
كيركجارد فإن هذا الفصل يذوب هنا، فالشاعر يعبر عن موقفه، بلغته التي لا تتعالى،
ولا تنحاز لمجاز ما، ورغم حرص الشاعر على وأد لحظات الغنائية المتمردة عليه، من
خلال وقف التدفق السردي / الشعري، خاصة في 'حوار لم يكتمل' فإن القصائد التالية
تنحاز للبوح البهي، مجسدة لحالة الضعف الإنساني بعذوبتها العامة مهما اختلف الزمان،
وفي قصيدة 'حتى ترى آثار زفرتك الأخيرة' رغم شبقيتها البالغة، فهي تمثيل لشوق الرجل
للأنثى، التي تتحول إلى حلم مستحيل لا أكثر، بل يظل التذكار سيد الموقف (آه من نار
أشعلتِها في صدري / آه من أسنانك / وهي في سبيلها للانقضاض / آه من شفتيك / وهما
ترميان بقذائف اللهب / في وجهي ... )
فهذه اللغة الرومانتيكية، ببلاغتها
التقليدية عبر التكرار واستخدام صيغ تقليدية 'آه من' .. بهذه الرتابة ينتقل الشاعر
إلى صدمة جديدة، عبر استخدام لغوي جديد، حين نكتشف أن الحبيبة في الغياب وليست في
الحضور الشبقي المثير .. (غيبي كما تشائين / فالسلالم التي قطعِتها / درجتين درجتين
/ لا تزال تحتفظ / بدقات قلبك ..، وهذا الكرسي لا يزال / يحتوي عباءة / ألقيتها على
ظهره ..) , مع هذه اللغة أدركت أن الغموض رائع , وساح , وأن لغة الشاعر لها بحور لا يدركها ‘لا هو , وعلي الآخرين أن يتعبوا انفسهم ليغوصوا معه بداخلها

مشاركات بعض الشعراء والشاعرات من داخل السويد في حفل تأبين الأب يوسف سعيد

افتتح الشاعر صبري يوسف مدير حفل التأبين الأدبي الخاصّ بالشاعر الراحل الأب يوسف سعيد بالوقوف دقيقة صمت على روحهِ الخلاقة. ثم قدّم المشاركين والمشاركات وقرأ بعض المشاركات الخارجية.
فيما يلي ننشر كلمة الافتتاح مع مشاركات بعض الشعراء والشاعرات من داخل السويد.
أيّها الأحبّة
أيّتها السيدات والسادة،
بإسمي وبإسم أعضاء لجنة التأبين (الشَّاعر صبري يوسف، الفنّان التشكيلي كابي سارة، الفنّان المسرحي وديع عمسيح، الشاعر د. كبرئيل أوسي، الشاعر ألياس عنتر والشاعر جوزيف قسطن)، نرحِّب بكم أجمل ترحيب بإحياء هذا الحفل التأبيني الأدبي الخاصّ بالأب المبدع الرَّاحل يوسف سعيد، تقديراً لهذه القامة الإبداعيّة الخلاقة والتي أعطَتْ للشعر العراقي والعربي والسرياني الشيء الكثير، من خلال تفاعلها العميق مع جماعة كركوك الأدبية، حيث رفدَ شعراء جماعة كركوك أرقى أنواع الشعر المعاصر والحداثة الشعرية الرائدة على الساحة العربيّة والعالمية، ومن خلال شهادات مجموعة من شعراء جماعة كركوك الأحياء، وبعض الكتاب والأدباء والنقَّاد، سنجد تأكيدهم على أهمية وفرادة التجربة الأدبية للأب الرَّاحل، حيث تميَّزَ بخياله الجامح، يأخذ القارئ إلى فضاءات فسيحة وخلاقة، يخطُّ جملته الشعرية وكأنّه يلتقطها من خاصرةِ السَّماءِ الصَّافية، ومن أهدابِ النجوم، ليقدِّم للقارئ خطاً شعرياً متفرّداً ومتدفقاً بالإبداع.
هناك توق شديد لدى الشَّاعر للارتقاء والسُّموّ نحو أحضانِ السَّماء، حيثُ تلوَّنت شفافية روحه بهذا النُّزوع نحوَ عالم السُّموّ والارتقاء، ربّما لكونه أبّاً روحيَّاً، عمل أكثر من نصف قرن من الزَّمن في عالم الكهنوت، جنباً إلى جنب مع عالم الشِّعر، المتعطِّش إلى سماء القصيدة، سماء الرًّوح، سماء الإبداع، سماء الأب يوسف سعيد، وسماؤه لها نكهة خاصّة، نراها مطرّزة برحيق الكلمة، المتطايرة من تعاريج الحلم!.. مستمدّاً من رحاب رؤاه الحلميّة بناءً مختمراً في ذاكرة الشَّاعر التواّقة إلى مزج الواقع بالحلم والخيال فتأتي القصيدة متفرِّدة في بنائها وأسلوبها، حيث يقول:
" انّي أستيقظُ في ظهيرة النَّخيل، أبحث عن مدنٍ متعرِّجة القلب، ...
انّي أحلم برائعِ نسكي، وتصوُّفي أرجوزة خالدة" ".. وحدها الفراشات تستريح على أجنحةِ البرق" ..
من قصيدة الطفولة، المنشورة في ديوان: السفر داخل المنافي البعيدة، ، الصادر عن دار الجمل.
sabriyousef1@hotmail.com

*****
فيما يلي مشاركات بعض الشعراء والشاعرات من داخل السويد:

الكاهن وبحار القصائد

قصيدة كتبت خصيصاً لتأبين الأب الشاعر يوسف سعيد

ألياس عنتر

أيها الشاعر المُجيد.
يا كاهنَ الكلمات السرمدية.
كنت دوما تستشعر وتُجيد.
بالنور والنار وتلك الثعابين التي كنتَ تراها
تتدلى من الأسقف دون أن تُحيد.

يا أبانا المُخضرم
يا وجهاً شامخاً
يومئُ لكلِّ قواميسِ الكلمات
يجمعُ الأشعارَ وصلبانَ الكنائس
وزيتَ القناديل.
لترتعدَ به روحَ المُريد.

قلتَ مراراً
"أراقبُ كوكباً كبيراً، متمنِّياً الإرتقاء إلى دياره"،
فها أنت ذا هناك.
في الكوكب الكبير
ترتقي وتسمو في دياره.
تكتبُ الأشعارَ حول أحواضه السماوية وزنابقه الغريبة.

يناديكَ دَجلة مع سرادقة في كل المساءات
لينامَ في سفوحك.
ماهذا الخيالُ الجامحُ الذي ينتشي في صدرك يا أبا غيث؟
أجل, بدأت العوالم الأخرى تناجيك.
لتنثرَ شجونَك هنا وهناك

لتفرُشَ عبقَ قصائدك المغموسة بمياه الأنهار.
لتحوّل وجهك الفراتي
إلى قوافلَ من الوشوشات والهمسات.

لن ننساك,
ولا نقوى على التخلص من صوتك الأجش
الموزون بمقامات الغناء ومناجاة السماء.

لن نُحيد عنك, بل سنناجي روحَك دوما في
سراديبنا المقدسة.

سنرسمُ تلك الملامحَ الشاعرية في دفاترنا.
سنهمسُ لك دوماً أجمل قصائِدنا.
وسنستمع إلى صوتِك القادمِ عبر الأثير.

لنعيشَ في تلك العوالم التي حلقنا فيها معاً
وننقشَ تواريخَ الذكرياتِ على أحجار المكان
فأنت الأرضُ والهضابُ والجبال.
ونحن نسمةٌ عابرة.. في هذا الزمان.

منْ وشمَ كلُ هذه الفسيفساءِ اللونية ِفي ذاكرتكَ
المعبأة بدهاليز التراتيل والصلوات؟..
المشتعلةِ مثل شموعِ الرهبان والراهبات.

كمْ من القصائد اتكأت على خاصرة رؤاك؟.
أي يَراعٍ نزفَ ونثرَ الأحرفَ في سماك؟.

يا قِديسَ الأحرفِ والكلمات
السَّفرُ داخلَ منافيكَ البعيدةِ توهٌ وضياعْ
تركُ نقاطِ دمِك على جوانبِ محبرتك،
تشبيهٌ بليغٌ كُلل بتاج الإبداعْ.
"بعضُ هذه النِّقاط تنسابُ كدِهنٍ مِهراق"،
بلاغة لم تدوّن بأي يراع.

لن أقول وداعاً..
لن أقول وداعاً..
لأن صوتَك المحشرج.
كلماتَك المقدسة.
حروفَك المرتعشة في الأرض.
تخترقُ الجدران
تسكن في الأسماع.
تُبلسمُ الأرواحَ
وتطيّبُ أشدَّ الأوجاع.


السويد: 10 آذار 2012
ألياس عنتر
كاتب وشاعر سوري مقيم في السويد

*****

أبونا يوسف سعيد أنشدَ الأشعار
1
كابي سارة

أبونا يوسف سعيد
طائرٌ حطَّ من السَّماءِ
أنشدَ الأشعارْ
في أيامِنا واستراحْ.

طائرٌ حطَّ من السَّماءِ
غردَّ الضّحَكات
فوقَ أرواحِنا واستراحْ

ملاكٌ حطَّ من السَّماءِ
وزَّعَ الورودَ في المنابرِ
والكنائسِِ
وبين الناسْ
فتركَ في جيوبِنا وقلوبِنا
وأرواحِنا.. وأيامِنا
حديقةَ وردٍ
وملائكةً يُنشدونَ صوراً ... وأشعارْ
وكلاماً طيّباً عن محبَّةِ اللهِ للإنسانْ

لِيُعلِنَ لنا:
وجودَ محبَّةِ اللهِ في قلبِ الإنسانْ .

2
أبونا يوسف سعيد رحلَ عَنَّا
في يومٍ شتائِيٍّ قارص
والأشجارُ عاريةٌ مِنَ الحنين

ودّعَ أميرَتَهُ وأولادَهُ
ودّعَ كُتُبَهُ .. أقلامَهُ .. وأوراقَهُ
بإِبتسامَتِهِ الحنونة
كرسمةِ طفلٍ في العاشرة
ودّعَ الأهلَ والأحبّة
الذين يَسرحونَ فوقَ حقولِ قلبِه
كغزلانِ البراري المتحرِّرة
من بنادقِ الصيادينْ

ودّعَ الأصدقاءَ والغرباءْ
كأطفالٍ يشربونَ دِفءَ الشَّمسِ
يفرحونَ ويمرحونَ بهدايا ومأكولات
ليلةِ عيدِ الميلادْ

ليُعلِنَ لنا :
رغمَ برودةِ شتائِنا القارصْ
وأشجارُنا العاريةُ من الحنينْ
دِفءَ محبَّةِ الإنسانِ لأخيهِ الإنسانْ

3

أبونا يوسف سعيد
عَرَفناكَ منذُ عشرين عامٍ أو أكثرْ
طفلاً مُدَلَّلاً نسيَ أن يكبر
إنساناً حنوناً
لم تثنِهِ أوجاعَ السنينْ
عن الرَّسمِ بريشةِ الحنينْ
وكتابةِ الأشعارِ بنبضِهِ الأبيضْ
فوقَ قلوبِنا الدَّاميةَ بأشواكِ السِّنينْ

أباًَ حكيماً يَهدي قلبه كلَّ حينْ
كوردةٍ بَيضاءْ
للمؤمنين
للمقرَّبينْ
والبعيدين

لتُعلنَ لنا
أنَّ المصلوبَ على قامةِ الشِّعرِ
والرَسمِ والدين
طفلاً مُدَلَّلاً نسي أن يكبر
ولكن يُقاتلْ بمحبَّةِ قدّيس
يقاتل ولا يُقهَر ... ولا يُقهَرْ

4
أبونا يوسف سعيد
نثرَ عبَقَ الإيمانِ في حياتِنا
نثرَ عبَقَ التاريخِ والأدبِ في دروبِنا
حدّثنا عن حكمةِ ابن العبري
وأشعارِ مار أفرامَ السريانيّ.
عن بطولاتِ رجالاتِ آزخَ
وشهداءِ الرُّها وطورَ عابدين

حدّثنا عن الشعراءِ المنبوذينْ
عن جبران والأفاعي المتدلِّية من سقفِ بيته
عن هُروبِ سركون بولص مشياً على الأقدامِ
من العراق الى بيروتْ.
وعبثيّة جان دمّو في السَّاحات
وآخرينَ شرَّدَهم سياطُ الفقرِِ والجلادين
كأنَّهُم رُهبانَ المغائرِ طيبين و متشرِّدين

حدثنا عن يسوعَ ابنُ الانسانْ
خبزُ الطيبينْ
شمسُ الحزانى
وراحةُ المتعبينْ
وقالَ: لماذا لمْ نفهمْ يسوعَ حتى الآن
رغمَ مرورِ الآفَ السنين؟؟؟
فعرفنا: أنَّكَ علَماً من أعلامِنا
وشهيداً أضاءَ لنا حياةَ الشهداءْ
نوراً وبهاءْ

5

أبونا يوسف سعيد
معاً أنشدنا الأشعارَ في الأُمسياتْ
معا تحدّثنا عن فرحِ الألوانِ
ونسمةَ روحِ الإنسان في اللَّوحات
معاً ضحكنا لنبعدَ الغيوم
غيومَ أوجاعِ السنين

وحينَ كنتَ تقرأ الأشعارَ
تُشرقُ الشمسُ فوقَ كرومِنا
وغربتِنا
وأيامِنا الحزينةِ الماضيةْ
ويركضُ الأملُ . نحوَ أيامِنا القادمةْ
كقدّيسٍ حنون
عزيزُ النَّفسِ، حضرَ بيننا
يُزيحُ بصوتِهِ همومَنَا ... وأحزانَنا
ليُعلنَ لنا:
أنَّ لقاءَ الفنِّ والإنسان
نوراً لجنّتِنا الأرضية القصيرة
6
طوبى لمن أحبَّ الناسَ وأحبُّوهُ
وكانَ قلبهُ بيتَ محبةٍ للمتعبينْ

طوبى لمن كانتْ يداهُ حمامةَ سلامٍ
وعوناَ للصديقِ والآخرينْ

طوبى لمن نثرَ فرحَ الرياحينْ
فوقَ أوجاعِ الطيبينْ

طوبى لمن بقيَ طفلاً صابراً
لم تثنِه أوجاعَ السنينْ
وابتسامته وسادةً للمسافرينْ

طوبى لمن جمعَ في إيمانهِ أزهارَ الجِنانْ
وقدّمها للذاهبينَ والقادمينْ

طوبى لمن رفعَ أعلامَ الصلاحْ
للقريبين والبعيدين

طوبى لمن كانت أشعارُهُ ثمرَ عفافٍ
و روحُهُ مائدةَ عشاءٍ للمغتربينْ ..

طوبى لمن احتضنَ في شخصهِ نورَ العالمِ
فكان نوراً لأقدامِ الآخرينْ ..

طوبى لمن كانت حياتُهُ
شجرةً مغروسةً في بستانِِ القدِّيسينْ
فأصبحَ صورةَ رجاءٍ للحاضرينْ

طوبى لمن عرف أبونا يوسف سعيد
لأنَّ السَّعادةَ لن تفارقَه الى أبدِ الأبدين
الى أبدِ الآبدين

كابي سارة
فنان تشكيلي سوري وشاعر مقيم في ستوكهولم

*****

صرخةُ رثاءٍ أُطلقيها في روضةِ الشُّعراءِ

سعاد اسطيفان


ما بينَ فرحِ السَّماءِ
وأنّاتِ حُزنِنا العميقِ
إنسابتْ مآقينا
تبكي شاعراً أبحرَ عميقاً
في مَروجِ الرُّوحِ

غاصَ بين حُقولِ الربِّ
وينبوعِِِِ ِالشِّعرِِِ
ضِحكتُه الوديعةُ ُتنضحُ
فوقَ ضياءِ القصيدة
مفعمةً ًبالمحبّة
بشوقِ الحرفِ إلى تيجانِ الأعالي
رفرفَ عالياً كأنّه
من بوحِ ِاليمامِ

صرخةُُ رثاءِ أُُطلقُها
في روضةِ الشُّعراءِ
في معراجِ العبورِ إلى كنوزِِ السَّماءِ
فمن شواطئِ ِالدُّفءِ
إلى زمهريرِِ ِالجليدِ
حيثُ بياضُ الثلجِ ِيزدادُ عبوراً
في ينبوعِ ِالقصيدِ

الأبُ يوسف سعيد
أيّها الغائبُ الحاضرُ
حروفُُكُم تغفو فوقَ شراعِ الرّوح ِ
في حنايا القلبِ
وعناقيدُ العنبِ تبرعَمَتْ
في كينونتكم
في دماءِ الشِّعرِِ

بفخرٍ تقفُ بنتُ السِّريان
في تأبينكم
آه ...أبونا يوسف سعيد
قلوبٌنا حزينة ٌ
ترنو إلى ضريحِكُم ُالمُسجّى
على أنغام ِالقصيدةِ

يا منْ غلبتُم ُالعالم
وامتطيتم صهوة َالمجدِ
كمْ سهماًتلقّيتُم في صدركُم???
والبسمةُُ ُمرتسمةٌ ٌعلى مُحيّاكم
لا يُغريكم سوى نورُ القصيدةِِ!

يا نجماً مشرقاً في بوح الخالدين
مِن خيوطِ الصبرِِ
نسجتُم أنفاسَكم
وبأسرجةِ الضياءِ
حزمتُم
إضمامةََ َإبداعِكم
وعلى أنينِ جِراحِنا
لحنَ الوداع عزفتُم

فوداعاً
وداعاً يا رسول الشعر وداعاً
فما مسكنك الآن إلآ في جِنان السماء
كمْ رفعتَ كأسَ الرب بينَ يديكَ
فاستحال دماً والخبزُ جسداً
ماهمّكَ صعوبة ُالدرب ِ
وأنت تسلُكَه
على صليب يسوعَ
كنت مُستندا

أنتَ الآن
في مجد العُلا تنعمُ
فاحفظْ لنا بقربك ركناً
إن أتيناك غدا
هنيئاً لك أبونا يوسف
جنانَ الخلدِ وطنا
عزَّ على الكثيرين
وأنتَ استوطنتَه أبدا


سعاد اسطيفان ـ بنت السريان
شاعرة عراقيّة مقيمة في ستوكهولم

*****

مُحارة القوافي

غسلت دموعيَ أوراقي
وَمالت نحو المغيب كُل أحلامي
وَأقلامي
وعِبرَ الغوص في أعماق البحار
في الزمنِ الدّوار
أبحثُ عَن جواهرِ الكلمات
في أصداف الشعرِ والأدبِ
في قلب الراحل السعيد
أبحثُ عن محارة القوافي
من آزخَ الى نورِ السريان
يوسف سعيد
رحلَ عنا في طلعةِ الفجر

هكذا شاءت الأقدار
أن تأخذ منا فنار الكلمة والقلم
رحلَ عنا
من بيننا
من حولنا
تارِكاً اللوعة في المداد
تاركاً الحزن في اليراع
حتى بَكتهُ أعمدة الشِّعرِ
وَروح الشعراء

وَلم يبقَ غير البكاء
غير نزر العطاء
ورحيل الدموع صوب الفضاء
وتركَ الأوراق جاثمة ... خجولة
في وحشة اللقاء
مُصابٌ جَلل
في دفترِ اللغةِ والكلامِ
وفضاءات يوسف سعيد
صارت ذكرى ووجل

كان قوس قزح مرتب الألوان
كخدِّهِ الوردي
يزهو في كلِّ مكان
وعباراته على مجاميع أشعاري
لا زالت تمرحُ في أغواري
كيفَ أنساكَ وأنتَ أستاذي
وَمدار شعري وأفكاري
كيف تنفصل روحك عن الجسد

كيف لا تنفصل من فراقك
السماء عن الأرض
والدموع هدّارة في المآقي
تصرخُ وداعاً يا سيَّدَ الشِّعرِ والأدبِ

يعقوب صومي
شاعر سوري مقيم في ستوكهولم

*****

قافية الجبل الأشم

لروح الأب الدكتور يوسف سعيد

يا قافية الجبل الأشم مهلا
يا مداد الأمجاد رفقا
يا مُحمّلا بالثمار تحنـّن بقافية
فمن بعدِكَ الشعر صارَ قفرا

يا سيد المربد
يا كاهن المعبد
تعال واستلقي عند الساقية النبية
واملأ من مدادك أسرار الأبَدية
قـُم ، فمن بعدكَ القوافي

صارت أرضاً بَورا
واليَراعُ صارَ يَلعب به العري المسكين
يسلبه شيطان الجفاف
ويهفو الأدب اليك
يغوص في حنانيك باحثاً عن كأس المُنى
عن فيض النقاء المنهمر من نضد يَديك
والشعر يصرخ في وجه الكون
من بعد يوسف السريان من أنا

من بَعدِكَ يا سيد الأشعار
صار اليوم يضغطً خطاه
خطوته صارت ألف عام
يَسير الشاعر فيه مًرتجف الأغصان
يَبحثً عن ثمر قدسي
عن شجر وأنوار
وعن موسم حصاد وشحرور
وفي غفلة يفيق من كـَبوَتهِ محملا بالهموم
بالوجوم
لا يعرف كم من الحزن تخطـّى
كم من دًنباه أخذ وأعطى
لكنه يعود إلى الربيع المذبوح
حيث التكريم بعد الممات
حيث النعمة ممنوعة في الحياة
والحياة فارغة حتى من الذكرى
والمنزل ضيقٌ كقبر مفتوح

حتى صرنا لا نعرف على مَن نبكي وننوح
ومطر السماء صار شوكاً بين أحداق الرثاء والذكرى

أفلا تنهض يا خالداً كالربيع
ألا يكفيكَ سفراً وبُعداً ورحيلاً
ألا تَنهض وتُنضد الكلمات نثراً وأشعاراً
وتملأ الفجر الضحوك أفكارا
ألا انهض يا فيلق الشعر
فصدر القوافي اليوم
برحيلِك يتـّمتَ وأبكيت

واصف عزو البرطلي
شاعر عراقي مقيم في ستوكهولم