السفير العراقي في استراليا ونيوزلندا يمنح رئيس مؤسسة المثقف العربي وسام الابداع / العراق

منح الاستاذ الدكتور مؤيد صالح سفير العراق في استراليا ونيوزلندا وسام الابداع / العراق للكاتب والباحث ماجد الغرباوي رئيس مؤسسة المثقف العربي، عرفانا وتقديرا لمنجزاته الفكرية والثقافية، ولدوره التنويري من خلال مؤسسة المثقف العربي وصحيفة المثقف (كما جاء في كلمة السيد السفير).

وكان الاستاذ الدكتور مؤيد صالح سفير العراق في استراليا ونيوزلندا والوفد المرافق له قد زاروا مكتب مؤسسة المثقف العربي في سيدني / استراليا، اليوم الجمعة 29 / 7 / 2011 وكان في استقباله رئيس المؤسسة.

وقد رافق السيد السفير كل من القنصل الاول في السفارة الاستاذ يعرب العنبكي والملحق الاستاذة نبال عبد الوهاب. كما حضر من جانب المؤسسة المدير المسؤول الاستاذ المهندس حيدر البغدادي، ومسؤول القسم التقني الاستاذ المخرج حسن موسى.
في بداية اللقاء رحب رئيس المؤسسة بزيارة السيد السفير والوفد المرافق له، واعتبرها خطوة تنم عن شعور بالمسؤولية تجاه الطاقات والنشاطات العراقية التي تزخر بهم المنافي.

في محراب الثقافة الكويتية المعاصرة !!/ عبدالواحد محمد


كتبت الثقافة الكويتية المعاصرة حروفها من ذهب بفضل مبدعيها ومؤرخيها الذين ترجموا كثير من الصور والقضايا الاجتماعية والعربية والعالمية لواقع عملي يؤكد قدرة العقل الكويتي علي الإبداع والتحرر من الخرافة والدجل ومسايرة العصر بوعي ومنطق منهجي ومن بين هؤلاء المجددين نصاحبكم في رحلة تاريخ !..
الشيخ عبدالعزيز الرشيد مؤرخا
.....................................
هو أحد رموز الثقافة الكويتية المعاصرة المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد ويعود مولده لعام 1887 بالكويت ودرس في بغداد كما تنقل بين مصر ودول الشام والحجاز وغيرهما من البلدان الإسلامية كما أشتهر بكتابه عن ( تاريخ الكويت ) والذي أجمع المؤرخين علي أهميته الكبري ومن بين هؤلاء الباحث الدكتور عباس الخصوصي مشيرا إنه ( مرجع أساسي ومهم لا يستطيع أي باحث عن الكويت الاستغناء عنه ) واللافت للنظر أن المؤرخ عبدالعزيز الرشيد جمع بين دفتي كتابه تاريخ الكويت بكل حيادية ودقة متناهية فيها كثير من الموروثات الأصيلة للشعب الكويتي كما كانت رؤيته للتاريخ واضحة وجلية من خلال تاريخ المسلمين وما لحق بهم في مراحل الضعف والهوان . وقد أطلع المؤرخ العراقي المعروف رفائيل بطي علي الكتاب فأعجب به وكتب عام 1926 ميلادي في رسالة للرشيد يقول عنه إنه ( أول تاريخ للكويت نشر باللغة العربية لذلك يعد فتحا جديدا في تاريخ الجزيرة .. وقد سلكت في تأليفه .. سبيلا يرضاه المؤرخين العصريون .. فتبسطت في ذكر أحوال الكويتيين الاجتماعية .. وإني لأحمد فيك النزعة الحرة المتمشية بين سطورك والصرخة الأليمة التي يسمعنا إياها كبار المفكرين الغياري مما ساد علي المجتمع العربي من الخمول والانحطاط وما يتبع هاتين العاهتين من التمسك بالخرافات والشعوذات التي تميت نفس الأمة وتداخلها في خبر كان )
والمعروف أن المؤرخ الكبير الرشيد قد أنتبه في سعيه لإعداد الكتاب إلي أهمية الوثائق الرسمية والتي وضعها الحاكم في خدمته . وكانت خير مرشد تاريخي كما استفاد الرشيد من الوثائق الأجنبية في كتابه الذاخر بالأحداث التي تؤرخ لدولة الكويت عبر مراحل وعقود زمنية هامة وحبلي بالتطور المعرفي والثقافي والتاريخي . ويعد الرشيد صاحب الفضل في أصدار مجلة الكويت في الفترة من عام 1928 وحتي عام 1930 ميلادي
ونجد أن الرشيد جمع في توجهاته الفكرية والاجتماعية عدة مدارس بين سلفية محافظة جدا وإصلاحية مستنيرة فهو مع الأولي في قضية المرأة مثلا ومع الثانية في الاستعداد لتبني المعارف والعلوم الجديدة . ولهذا لم يعاد الحقائق العلمية والمخترعات الآلهية ولم يتحمس لألوان التشدد الديني .
ومن ألمعيته التي تؤكد رؤيته الثاقبة للأحداث وتفاعله معها عندما وجد الكويت نفسها محاصرة في الجهراء عام 1920 بالمخاطر الخارجية المستندة إلي التزمت الديني . تولي الرشيد مهام رجل الدين المعتدل ومفتي البلاد الواثق من نفسه ودينه والرافض للتشدد والتعصب فجرد الخصم من امضي سلاح قائلا لممثل ( الأخوان ) الفقيه أبن غنيمان ( أنا عبدالعزيز آل الرشيد حنبلي المذهب سلفي العقيدة ولا أكتمك أنا سررنا أولا من إقبال الإخوان علي الدين ورجونا أن يكون علي أيديهم تقويم أوده ونشر الأخلاق الفاضلة .. ولكن خابت فيهم الآمال أخيرا لما أحدثوه من قتل النفوس وسبي الأموال .. والإسلام دين رفيق ولين ) ومن نافذة اخري نري قدر الرجل ومكانته كمؤرخ عندما قدمت محاضرتين حول الرشيد ألقاهما يوم 21/1/2001 في جامعة الكويت بالخالدية باحثان فاضلان ممن عرفوا ودرسوا الرجل حق المعرفة واحتفاء بمكانته ودوره الكبير..
أما المحاضرة الأولي: فهي بعنوان ( ريادة الشيخ عبدالعزيز الرشيد في تدوين تاريخ الكويت للأستاذ الفاضل د/ يعقوب يوسف الحجي صاحب المؤلفات العديدة في مجال تاريخ الكويت عام 1933 بتصدير من رئيس المركز الأستاذ الفاضل 1.د عبدالله يوسف غنيم .
أما المحاضرة الثانية : فهي للأستاذ يعقوب عبدالعزيز الرشيد أبن المؤرخ وهو جانب عمله الدبلوماسي السابق شاعر معروف كما أنه ساهم بالتعريف بتراث المرحوم الرشيد من خلال إعادة نشر كتاب تاريخ الكويت عام 1962 مع إضافات عن نهضة الكويت في الفترة اللاحقة لوفاة والده . كما بذل كل ما استطاع من جهد في سبيل إعادة نشر الطبعة الأولي من (مجلة الكويت ) عندما تولت إصدارها دار قرطاس بالكويت عام 1999. إن هذا المحتوي التذكاري الصادر احتفاء بمؤرخ الكويت الكبير في هذه المناسبة التاريخية مما كان له الأثر الكبيير في أختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية لعام 2001 والجدير بالذكر أن المؤرخ العربي الكويتي عبدالعزيز الرشيد يعد علامة مضيئة في تاريخنا العربي بفضل تلك الاسهامات الجديرة بالتوقف دوما حول رجل من نجباء عصره وأمضي الفترة الأخيرة من عمره في أندونيسيا وحتي رحل عن عالمنا عام 1938 ميلادي من القرن العشريني المنصرف ..
الشيخ يوسف بن عيسي القناعي فقهيا ومصلحا
.......................................................
يعود مولده لعام 1876 ميلادي لأب كان يعمل بالتجارة كما كان مالكا لسفينة ( شط العرب ) وهي من السفن الكبيرة التي كانت تستخدم في السفر ونقل السلع بين الكويت والهند وشرق أفريقيا .. والمعروف عن الشيخ يوسف القناعي أنه ألتحق بالكتاب لحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة علي يد الملا دخيل الجسار ثم تنقل بعد ذلك طلبا للعلم في مدينة الأحساء بالمملكة عام 1902 م وقرا ما تيسير له من العلوم الفقهية ومنها ألفية بن مالك كما درس النحو وحفظ المتنبي والبشير في الفقه الشافعي ثم عاد مرة ثانية للكويت بعد عام تقريبا ودرس علي يد علماءها من أمثال الشيخ أحمد الفارسي ..ثم تنقل بين البصرة ومكة طلبا للعلم والمعرفة ..
وللعلم قدسيته في حياته الثرية بالكفاح والمغامرة فقد أفتتح المدرسة المباركية عام 1921 م لتكون نواة لمنظومة تعليمية معاصرة كما ساهم في استكمال طلابه لدراستهم بالخارج وقد تحقق ذلك بإيفاد أول بعثة تعليمية للعراق سنة 1924 م كما يسجل له التاريخ مساهاماته في تأسيس المكتبة الأهلية التي فتحت أبوابها للقراء عام 1923 م
الشيخ برلمانيا : سعي الشيخ القناعي إلي تأسيس مجلس للشوري في الكويت ونقلت هذه الرغبة في حينها إلي الشيخ أحمد الجابر إثر توليه مقاليد الحكم في البلاد فوافق علي الاقتراح المقدم إليه وشكل مجلس من اثني عشر فاضلا من اعيان البلاد ..
وكان للشيخ الجليل الدور البارز في غنشاء المجلس البلدي حيث تولدت هذه الفكرة في ذهنه إثر زيارته للبحرين عام 1929 م وكان لهذه المساعي والجهود الجبارة تأسيس البلدية عام 1347 هجري وأنتخب الشيخ يوسف عضوا فيها
الشيخ القناعي قاضيا : بعد وفاة القاضي الشيخ عبدالله الخلف الدحيان تولي منصب قاضي القضاة رغم مشاغله الكثيرة وبدون أجر عرفانا منه بدور المثقف والفقيه في خدمة بلاده فرق بين عصر وعصور ؟ ورجل ورجال ؟
الشيخ أديبا : كما شغفه الأدب فكان له مجلس يلتقي فيه مع مثقفي عصره ليتواصلون من خلال لغة لاتقبل مساومة بأن المثقف ضمير العصر وكان الشيخ القناعي صاحب نوادر وبصيرة جذبت إليه كل من عرفه وسمع به كما كان ينادي دوما بالأصلاح والتجديد كأحد الدعاة المؤمنيين بالمعاصرة
الشيخ مؤلفا : وللشيخ عدة مؤلفات منها ( المذكرة الفقهية ) في الاحكام الشرعية وهي رسالة مختصرة جمع فيها أمهات مسائل الفقه الإسلامي وطبعت الطبعة الأولي من كتابه في بغداد عام 1343 هجري كما يوجد له كتاب آخر معنون بأسم ( الملتقطات ) حكم وفقه وأدب وطرائف وصدر الجزء الأول منه عام 1367 هجرية ثم طبع مرة ثانية عام 1965 م ومن بين كتبه ( صفحات من تاريخ الكويت ) سجل فيه تاريخ الكويت منذ نشاتها وحتي وفاة الشيخ مبارك الصباح عام 1915 م كما طبع الكتاب بمصر عام 1365 هجري
الشيخ شاعرا : كما له العديد من القصائد المنشورة في الصحف وتضم إبداعاته الشعرية ما بين مدح ورثاء وكذلك كثير من القضايا الاجتماعية .. ومن شعره
أبن لي فدتك النفس ذنبي ولا تخف
وما كان غير الحق قصدي وبغيتي
ولست نقصا علي من امرئ
يبين خلالي الناقصات وزلتي
فما المرء إلا عرضة أينما سعي
لنقص وتقصير وسهو وغفلة
علي أنني ما زالت أبحث جاهدا
عن السبب المفضي لهجر الأحبة
فلم أر حقا ما يبرر هجرهم
سوي صفر كفي وهو أصل بليتي
وذاك هو الذنب العظيم إذا بدا
لدي جامع الأمرين جهل وثروة
ولو كنت ذا مال ولم ولم تلك عالما
لقلت إذا من جهله اليوم قد أتي
ولكنني ماذا أقول وعلمكم
به كنت حقا مثل شمس منيرة
وكنت به تحمي الضعيف من الأذي
وكنت به تبني علالي الفضيلة
وكنت به ملجآ الكويت وأهلها
إذا ما الخطوب السود في القوم حلت
وهنا نري مدي وعي الشيخ القناعي في نقل رسالته كأديب مستنير بكل شفافية مكنته فيها ثقافته العربية الأصيلة من التعبير الجيد عبر كل مواقفه مع رفاق الدرب
ومن شعره الخالد في مناجاة الخالق نطل علي عالمه الخاص في نيل الرضا والعرفان بدوره فيما حققه من إنجازات كان لها أثر كبير في الكويت الماضي والحاضر والمستقبل .
أحنو إليك برأسي
تذللا وابتهالا
وأختشيك بسري
مهابة وجلالا
وذلتي لك تحلو
أما لغيرك لا لا
ولا مراء تحمل كثير من سطوره وتؤكدها مدي علاقة الشيخ بربه وتضرعه له كل مناحي حياته لنتوقف عند قصيدته والحبلي بتلك النزعة الصوفية
حسبي اطلاعك سيدي
بسريرتي وجلي أمري
فأنا المقصرفي الوري
أخفي القصور وأنت تدري
وأنا الذي ألبستني
حللا سمت عن حصر شكري
فا تمم جميلك ياجميل ........... الصفح عن ذنبي ووزري
ومن خواطره الشعرية في شهر رمضان الكريم
عليك سلام الله يا شهر إننا
رأيناك معني للزمان استندناه
وياشهر لا تبعد فأنت وسيلة
وذوقدم عند الحبيب أدخرناه
ويا شهر لا تبعد لك الخير كله
فيارب مطروح نجابك أواه
ياشهر لا تبعد لك الخير كله
فرب محب تحت ظلك ناجاه
عليك السلام شهر صيامنا
وشهر تلافينا لدهر أضعناة
تفوح ثغور الصائمين مساءه
فلا المسك يحكيها بنفحة رياه
عليك سلام الله شهر قيامنا
وشهرا به القرأن يزهو بقراه
تطيب به الأصوات من كل وجهة
وتعذب منه بالدراسة أفواه
كما كان الشيخ القناعي مؤيدا لدور المرأة في بناء مجتمعها الكويتي كفقيه ومصلح من طراز فريد وهذا كان جليا في شخصيته عندما نادي من خلال الصحافة الكويتية بفتح الباب أمام المرآة لتشارك في البرلمان ومنحها حرية التعليم والزواج بإرادتها فكان رائدا بحق ومنصفا وسباقا في مجال تحرير المرآة من الجهل متأثرا بالشيخين جمال الدين الافغاني ومحمد عبده و من دور لدور لا ينتهي نجد حياة الشيخ ثرية وحافلة بكل ما هو إصلاحي كان له كثيرا من الاسهامات التي غيرت شكل الحياة الكويتية حتي رحل عام 1973 م
عضو نقابة الصحفيين الالكترونيين
abdelwahedmohaned@yahoo.com

دفن حماته...فقط!!/ نبيل عودة

التقى مع صديقه جميل ، تعانقا بمودة وشوق.
- اشتقت لك يا جميل.. تمضي السنوات بسرعة .. ما أروع اللقاء بك بعد هذا الإنقطاع الطويل .
- لا شيء يوقف الزمن الملعون. انا أيضا إشتقت لك يا طوني ولأيامنا الماضية، ليتنا نعود تلامذة مدرسة لا نحمل الهم ولا نعرف الغم .
- اراك غاضبا متوترا، ماذا حدث؟
- .....
لم يرد. نظر الى وجه جميل وهاله ما رأى، كان وجه صديقه شاحبا ومليئا بالكدمات ، وكأنه خارج من طوشة عمومية. عندما التقاه لم يلاحظ وجهه، ولم يفكر الا بعناق هذا الصاحب العزيز على نفسه ، والذي تربطه به ذكريات لا تنسى.
انتبه طوني ان الجروح تغطي ذراعي جميل وصدره ورقبته أيضا، قال لنفسه لا بد انها خناقة من خناقات جميل ، يبدو انها عادة أخلاقية ولدت معه ولازمته رغم تقدمه في السن.
منذ ايام المدرسة كان شقيا ومقاتلا ، ولا يتردد في الدخول الى معركة ضد من هم أكثر منه أو أكبر منه دفاعا عن صديق ، او شخص ضعيف، او زميل في الصف. وكان بسبب جرأته وإقدامه يفرض هيبته على جميع طلاب المدرسة كبارا وصغارا.
هل ما زال جميل بنفس الطباع؟
- ماذا حدث لوجهك اذن يا جميل؟ انظر لحالتك.. كلك مليء بالجروح، من ضربك .. ؟
- لم يضربني أحد.
- ما زلت تتورط بالعراك ..؟ لم تبطل عادتك؟
- أبدا ..لا شيء من ذلك. أنا لا اتعارك مع أحد .
- ربما لا يجرؤ احد على عراكك ، يعرفون انها معركة خاسرة؟
- لا يا طوني ، لم اعد اتعارك، عندي همومي وهي أكبر من العراك مع الناس..
- اذن من سبب لك هذه الجروح والكدمات.. على وجهك .. وصدرك .. وعنقك.. وذراعيك ؟
- لا شيء مهم .. اليوم قبرت حماتي ؟
- حسنا ، الله يرحمها.. ومن سبب لك هذه الجروح ؟
- أوه .. هذا بسبب رفضها الدفن .


أمسية من عرين الشّعر: زحلة/ سوزان س. هيكل


من زحلة يرحّب جوزف النّجار بإيلي معلوف في الدوحة "المعلوفيّة" ويلقّب جوليات أنطونيوس ب"إبنة الأرز" .
أحيا الشاعران إيلي جوزف معلوف وجوليات أنطونيوس لقاء شعريا في غرفة الصناعة والتجارة والزراعة – قاعة المحاضرات. حيث ابتدأ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني وتلته كلمة عريفة الحفل الصحافية سوزان هيكل التي وصفت فيها زحلة ب"حورية الكروم" و"الوطن"، حيث استحال التعبير عن مكنوناتها. وأضافت :" إن كان القليل من الخمر فيها يحيي القلوب فإن القليل من الشعر فيها ينشي ذات الإنسان" مختصرة بذلك ما لزحلة من جمالات وامتيازات تفردّت بها عن باقي المدن اللبنانية. ثم كانت كلمة الشاعر، أمين سر المجلس الرعوي العام للروم الكاثوليك في زحلة الأستاذ جوزف النجار الذي أثنى على الشاعرين قائلا:
"ها إنك تعود يا إيلي إلى زحلة مدينتك تحمل ديوان شعر هو جواز سفر إلى الدوحة المعلوفية والكوكبة الشعرية وتنضمَ إلى "ابنة الأرز " الشاعرة جوليات أنطونيوس وإلى قافلة الشعراء الذين تغنّوا بزحلة فغنَتهم وأغنتهم.."
أما عن ديوان "بيروت، أنثى عشقتها" فقال: "ديوانك، قواف فيها من اللوعة والحسرة على الفراق والبعاد... لبيروت مدحت وغنَيت، لوطنك، لأرزتك أنشدت فأعليت... للعرب والعروبة أطلقت كلمات جريئة وانتقادات موضوعية وواقعية... أين منها قصائد نزار قباني وعمر أبو ريشة..."
وعن ديوان خطيئتي فتحدَث مخاطبا:
" تكتب "ابنة الأرز" بقلم على وريقات مذهَبة
ترصفها بفكرها مع الآمال والطموحات
بالحبر تكتب..
بالدم تكتب..
بعفوية وشاعرية..
بعلى كأرز لبنان..
بشموخ، بمجد وطن وعنفوان..."
واختتم قائلا: " وحروفا صدَّرتها يا معلوف على سدرة أشرعة فينيقيا، إلى الكون منارة ورسالة... لنلقاك وشاعرتنا "ابنة الأرز" جوليات ... في بلدة الحسن وكوخ الشعر زحلة".
ثم تقدَم أمين السّرّ في مجلس النّوّاب، الصّحافي صبحي منذر ياغي بكلمة استهلَها ببيت شعر مميز:
" إجرح القلب واسق شعرك منه، فدم القلب خمرة الأقلام".
وأضاف:" إيلي معلوف .. يذكرنا بالروائي غبريال غارسيا ماركيز في روايته "مائة عام من العزلة" حين يقول لا ينتسب الإنسان إلى أرض لا موتى له تحت ترابها... ويعتذر المعلوف من أجمل المدن الاسكندنافية قائلا:
" كل شيء فيك جميل
كل الشوارع
كل البيوت
لكنني مغرم ببيروت..."
ثم يصل منذر إلى مملكة جوليات أنطونيوس التي لقَبها ب"ابنة الكورة الخضراء" مهنئا لها ب"خطيئتها" قائلا:" خطيئتك أنك أدمنت الكلمة والشعر فهنيئا لك بهذه الخطيئة" وأضاف عن الرومنسية في شعرها مسترسلا: " إنها تذكّرنا بقيس مجنون ليلى الذي ناجى قلبه قائلا:
"أليس وعدتني يا قلب إني إذا ما تبت عن ليلى تتوب
فها أنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذكرت تذوب"

ثم تلتها كلمة مدير المكتبة الوطنية في بعقلين الأستاذ غازي صعب، الذي قال أنّ ما كتبه الشّاعر إيلي معلوف فيه "ضروب كثيرة من سرور النفس، هو طائر يتوق إلى الطيران ويرفض العودة إلى قفص غادره...ويستقر طائعا بين أفراح الحياة... وكل ما سوى ذلك يتوارى خلف صفحات ديوانه الأنيق، ليعيد إلى الحياة الصاخبة زمنًا...إلى مجراها الناضج الطبيعي."
أمّا عن الشاعرة جوليات أطونيوس قال:" أنا مأخوذ بمعاني كلماتها الرائعة... أنسلّ إلى أعماق محرابها... ناسكة للحرف... شديدة المغالاة في العشق النقي... الذي يلامس شغاف القلب... يتضمَن ديوانها صنوفا من السحر... فترتدي جوليات الكلمة ويغدو الديوان مرآة نفسه... وتجتاحها الموسيقى، فتغرّد الأنثى الشاعرة كالهزار... وتمضي في هذه الوتيرة تصنع قصائدها ترصد الناس، والأرض والسماء تبعث الحياة في الشعر الأنيق الرقيق كمن يستنير الأدب، الأدب".

ثم ألقى الشّاعرين باقة من أشعارهما واختتم الحفل بتوقيع الديوانين ونخب على شرف نجاحهما.

نص مشترك بين ميمي قدري والشاعر اليمني د.محمد الشميري


وحيّ السؤال..( حوارية: عاشقة الوهم)
*********
ميمي قدري:
الى متى الانتظار ؟؟!! الى متي اشعل فتيل الصبر... شراييني تستغيث!! فنار عشقك نبض يسري بدمي
اعتنقت حرقة وعدك باللقاء... فيسجد القمر
ويتلو آيات الأمل
فتصلب الروح على أبواب قلبك
وتحملني أجنحة الليل على مسارب الأنين
ياذا القلب لا تبالي!!!!!
فلتشهد السماء!!!
سوف امر من ثنايا روحك كعابر سبيل.. وأمضي ...أمضي الى الغياب...لن تتوب!!! ..عشقت أنت الوهم وعشقت أنا السراب....

محمد الشميري:
جلس حبك وراء القصيدة وأجلس وراء الصمت؛؛؛وكل ماأخشاه أن تظلِّي أمام المرآة وأنا وراء الغيب أجلس!!!!!!

ميمي:
وانا كل ما اخشاه ان اظل تائهة بين ثنايا الصبر والوهم..خائبة الرجاء باكية كل قصيدة كتبها عاشق
العطش .. عندما يتملكنا العطش تهفو الروح لنسمات من قيظ الشمس.. فنحترق!!!! وتحترق معنا أحلامنا... أسكب في أوعية الوهم عصائر الأمل.. فيزيد العطش ونذرف الدموع اشتياقا" .. نريد الرجوع ولا نعرف كيف!!!

محمد:
وجع السؤال يضج في أوردتي..
ويؤجل القدر احتضاري
لك غيمة حبلى بطعم النور بسمتُها
ولي انكساري
لك أن يشاء الزهر في خد المدى ألقا
ولي انتظاري
من يوقف الزحف القديم لشهقتي؟
ويلملم الأحزان من عرصاتها
ويؤذن رحلتي صوب النهارِ
من ينحت الصلف الطريَّ ببسمتي
ويقول مهلا ياصدى
هذا اخضرار الحلم في أوردتي
سينبت نخلة الإكبار في صدر العمارِ!!!!

ميمي:
أيقظتني من غيبوبتي. ودثرتني بتاج الحرف...ولكن السؤال يكبلني .. يحيرني !! هل تستطيع تكفين الحلم؟؟؟تقصي عيناك عن ضريحه... تبحر الى أخر العمر.. بدون ذرف دمعة شوق للحبيب؟!!

محمد:
المساءات المتخمة بشظايا السؤال المحاصر
الممنوع عن معانقة الحروف المبللة بالحضور؛؛
مازالت تتوالى...
تغرس في خاصرة الليل وردة من عتاب !!
كم يجلدها بعد المسافة بين غفوة الحلم وفجر القبلات...
يكتنفها غموض اللحظة ووضوح المستحيل
وبين تلك الفواصل لذة في عيون القصيدة!!
نظرت في مراياها المختبأة تحت شال الترقب
قرأت سورة الظل الممدد على ساحل الذكريات..
حين كانت كفُّه كتابا من حنان!!
تمرُّ الثواني باتجاه الفراغ لترسم وجعا يسمى الحنين!!!!!!!!

ميمي:
الحنين !!!أوها" يالييييييييييييل وهل يؤلمني غير الحنين!!!... تمتد حروفي على مساحات شاسعة من أنين الذكرى ... أفترش العبرات واتوسد أركان الوهم..فأسقط صريعة الحنين..أتلوى على جمر أتِ من فوهة بركان عشقي للقصيد

محمد:
أعشق الأوراق المبعثرة فقدا لرقصة الوجع اللذيذ!!!
أطوف بأبيات التشتت والفراغ
بحثا عن زمزم حرفك المصلوب على لوح قزح؛؛
كنتُ بعضا من شعاع خانه نزق الزجاجة فانكسر!!!
وكنتَ القادم من أحضان القصيدة البتول....
هل يعرف المستحيل طعم الوصول؟؟!!!
وهل تعود القبلة الأولى لتغرس طعمها في صدر المدى؟!!!

أطياف الرخام/ أحمد ختاوي


فصل من رواية

 
اللحظة توحي بالوقار ....

لكنها تشرب ماءها من تيهها ,,,تتسكع داخل خيط وهن يذوب كما الريح،كما "عمامات" الأعيان والوجهاء ، كما التبن داخل معتقدات عمر الباكسيست بعلامة مسجلة وبسجل تجاري معتمد..

عمر الباكسيست لا يدفع أتاوي الزمن المفعم بالقيح والريع ... المعقّم ب"فائض السلالات "... ذاك الزمن الذي يرتجف ...

يرعى

غيّه على وقع الصفقات المشبوهة ... وعلى وقع اللحظة التي تسكب الوقار ,,,

ونعرات العشائر.

يتثاءب وظنونه على وقع نوق القبائل ونعرات العشائر والصفقات المشبوهة أيضا,,تجف همزة الوصل لديه بين دفات التداول على السلطة وإدارة الأحزاب , وريع اليناصيب وصلة الرحم .

اللحظة ترتجف لديه لترقص أختها بالتداول على الريع ...وعلى صلة الرحم .

أنت من عرشي ,,,إذن أنت من دمي وليصلى الوطن حمأ الجحيم ...

تسكب اللحظة في غي أختها زبد البحر وكيد الزمن وتقاسيم اليناصيب ,,,ودم الضب لأنه يشفي مرض الربو ويطرد الشياطين وخزي الجيران والفضوليين

وولائم المناسبات والأفراح .وتطل من هناك "لالاة مغنية " من مرقدها بجبل " عنتر " بالمشرية ....لحظتها يعج شارع " الحمام البالي " بالغواني وبزفرات " شاكلو " و'مهابيل "ولاد عالي ..."

لالاة حامة باعلي ,,,تنشر الفلفل القادم من بوسمغون وكذا الرمان ...تنشر الزمن في وحل الزمن ليجف الأرق من بعد وليصْلى ظهر عمي لهلال المحدودب بحر الهجير .

خيرة الندابة" تطعم المآتم بدموعها في ولائم "الربعينيات" وما تلاها...

والمشرية ترزح تحت وطأة عمر الباكسيست

سيدي لهلال كان دائما يقول .: الدوام يثقب الرخام

قال مرة / أربطوا أحزمتكم ، المشرية ستطير ،،،ففنده من هناك " الطويرطو"وهو قابع على صهوة خيال ، عفوا على صهوة رخام

وما يفتأ عمر الباكسيست يردد:

Je ne fais que mâcher mes tendances

Secouer mes secrets

Nourrir mes anges

تناسل الوجع من أضلعه كما الأمل المنشود ، المنبوذ في مواجعه وتطلعاته ....تسربل الخيط الرمادي,السرمدي، الوردي من أطياف رخام المدينة / الرمز ، القرية .

شعوره المتدحرج بين أوج العقيدة وأوج الماركسية التي عشقها حد النخاع ....حد النهيق والتيه .

يصعق ظنونه ومعتقداته .

عمر أسمه المعنوي بامتياز ...لم يمنعه من تعاطي المشروبات الكحولية ، لم يمنعه أيضا من أن يؤم الناس ويعصف ببؤس الأيام...

...المشرية المدينة التي تؤويه وتؤرقه ، تتفرج من على قمة لالاة مغنية على أوجاعه...تؤازره في السراء والضراء...يختلي بها غالبا عشيقة ومعشوقة ..وبئرا لا ينضب ,,,

صديقه ـ لكواطرو "ولد مانويل " ما يفتأ يغازل بؤس " رأس المال لماركس " على ضفة خيال ,,,يخزه طيف رخام رخو ...

يقول عمي علي لهلال / "ياك قلت الدوام يثقب الرخام ."..

حينها ظلت تعج حنجرة "لالاة حامة نباعلي" بأغرودة هذا مطلعها /" ألالاة مغنية جيناك بالبركة ، جيناك بالحناء والجاوي ، وبركة سيدي أحمد التيجاني "،،،

قالت لالاة مغنية من رمسها ، من مرقدها /;

أختي في الرضاعة,,,, أختي في الدم الرّقو، امنحيني سطلا من الدم القاني أمنحنك عفو العشيرة

راه ليك ألالاة مغنية،راه ليك ألالاة مغنية "

_ إنه لك ,,,,إنه لك من قلبي وجوارحي ,,,وبجاه سيدي أحمد التيجاني ,,,

وقالت خيرة الندابة " أتبرادي "

حينها لم يتمالك عمي علي لهلال غيظه ، فصرخ وهو قابع على كرسي رث بالبريد العتيق صرخ بالفرنسية حيث كان يكتب رسالة لمعطوب حرب ، هذا جزء منها /

Si tu ne m’envoie pas ma pension complète je te tire par les oreilles ; tu as compris mon général ; j’attends la réponse

تتسكع المشرية بين جوارحه ، يومها كان "بريبيش " قد نذر للجزائر بنينا بررة لا يبرحون المساجد ،،،وهو لم تبرحه الوطنية الفذة إطلاقا .

بريبيش طيب الله ثراه عاش سكيرا ،،،عربيدا .





وعاشت اللحظة رعشتها وعنفوانها ، وكبرياءها ،،،في دهاليز فرحك ... عاش الولع في أوصالك يا عمر الباكسيست

المشرية تزف أوجاعها إليك عروسا في عز الولائم ...تنقر كالاسكافي على حذائك غطاء الأيام ومواجعها لتنقر خزيك المتواصل عبر أزمنة الصقيع ،ونزيف الدف ء وولائم " بلة "

"قم تر" أغرودة أندسية بدون إيقاع ،،، هذه الاغرودة التي كنت تعشقها ...اجذبها من ذيلها ليسكن العجاج على مشارف الازقة .

لالاة حامة تنقر هي الأخرى على الطبل كما الاسكافي أيضا أغرودة " لالاة مغنية " جيناك بجاه سيدي أحمد التيجاني " ألالاة مغنية ....

تستوي المشرية على أطياف رخام وعلى أطباق الحناء ,وأهازيج " قورارة"... ملحها يتطاول على قامتك يا عمر الباكسيست ، ألا تثور كما الثيران ، أم بك وهن اللحظة التي توحي بالوقار ؟

أم لديك مسافة الوجع والولع عند " جول لورونار

Jules le Renard

كم كان عمرك عندما اعتلاك الولع والتيه لأول مرة ؟

قد تشنقك اللحظة وقد ترتطم بك ، وقد يؤازرك صديقك " لكواطرو " وقد يرتطم خلدك بالصدّيقين والتابعين ، وأولي الألباب وأولات الأحمال.

المشرية يحملها ثور على قرنيه ، يحملها ولعك على هودج ولعك ، فترتطم بك لتتسكع وإياها على ضوء القمر.على نفحات " الكيف المميع "

على صياح الديكة قرب كوخ أولاد عالي ،،،جارك الحميم ،،،، وجار مواجعك .

تطاولت الأيام على الأيام ، سكبت اللحظة الموجعة ريقها من عنفوان القمر ، نطق عمر الباكسيست /

كوخ الملائكة أهون من خيط العنكبوت ، احتار المصلون وأتباع عمر من الرضاعة و الماركسية .


فدوى طوقان في ضيافة الشاعر اليافاوي جميل دحلان/ شاكر فريد حسن

كانت الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان زارت في السبعينات من القرن الماضي يافا ، مدينة البرتقال الحزين وعاصمة الثقافة الفلسطينية ومركز الاشعاع الأدبي والثقافي والصحفي الفلسطيني ابان فترة الانتداب . هذه المدينة التاريخية العريقة ، التي قال فيها الشاعر الفلسطيني شفيق حبيب :
يافا عشقتك روعة وجمالاُ
وعشقت بحرك عاصفاً زلزالاً
يافا ، عروس البحر صامدة على
مر العصور، تصارع الاهوالا
اهلوك اهلي ، نحن شعب واحد
ودم العروبة نابض اشمالا
وفي يافا حلت فدوى ضيفة على بيت الشاعر جميل دحلان ، وهو شاعر غنائي ناعم ورقيق عرف بأشعاره الوجدانية والغزلية والانسانية والوطنية وله ديوان شعر بعنوان "الطريق الى القلوب". وفي بيته العامر المطل على بحر يافا وشاطئها الساحر الخلاّب ، استقبلت بحفاوة وحرارة وترحاب خاص .
وقد دار بين طوقان ودحلان حديث طويل ومتشعب حول امور وقضايا ادبية وثقافية وشؤون حياتية وخاصة ، وفي اثناء اللقاء قال دحلان : ما رأيك يا آنسة فدوى بحديث معك اسجله على شريط للذكرى؟.
فردت عليه طوقان بالقول : لو تسجل لي قصائد فقط !!.
فقال : كما تحبين ، والتسجيل يقوم بدوره ، ولكن بعد الحديث اذا سمحت .
وتم تسجيل الحديث على الجهاز، وشاءت الاقدار ان ازور الصديق الشاعر جميل دحلان ، الذي ربطتني به علاقة صداقة ودية ، رغم فارق السن بيننا ، حيث اسمعني نص الحديث الذي تفضلت به شاعرتنا الرائعة فدوى طوقان . وقام دحلان فيما بعد بنشره في مجلة "صدى التربية" في عددها الصادر بتاريخ 31/10/1980.، ومما جاء فيه : " ولدت في مدينة نابلس ، وكان ترتيبي السابع بين عشرة اخوة وأخوات . درست في مدارس نابلس. وقد لمس أخي ـ الشاعر المرحوم ابراهيم طوقان ـ فيّ الميل الفطري للشعر .. فتعهدني ، وكان يعطيني دروساً بالنسبة للعروض ويوجهني . وبالمناسبة لم يكن أحد يؤمن لا في البيت عندنا ولا في الخارج أنني في يوم من الايام سأوفق في النظم لان الشعر ليس بالشيء السهل والبسيط. لم يكن أحد يؤمن بي سوى أخي ابراهيم وأنا .. وكان عندي إيمان كبير وقوي في نفسي .. وأخذت أسير وأدرس وأحاول كتابة الشعر .. وطبعاً كنت أتعثر.. ثم أكتب جيداً وأصبحت عندي ثقة اكبر بنفسي.
كنت أنظم القصائد وارسل بها الى النشر دون ان أعرضها على أخي ، فيتفاجأ بها منشورة في الصحف ، ويسعد ويسرّ كثيراً .. والغريب ان القراء كانوا دائماً يظنون أن أخي ابراهيم هو الذي كان يكتب هذه القصائد وأنا أضع اسمي فقط تحت القصيدة. حتى ان واحداً سألني مرة : "شو صار يا فدوى ! فات وقت طويل لم نقرأ لك .. ولا ابراهيم مش فاضي يكتب لك؟".
واستطردت فدوى تقول : ثم بعد ان مات ابراهيم أحسست أنني فقدت كل شيء في الدنيا . كان هو كل شيء بالنسبة لي .. وبدأت اكتب المراثي في ابراهيم .. وأذكر جيداً ان أول قصيدة نظمتها مرتبة فيه حين انتهيت من نظمها وبحالة شعورية قلت : آه .. يجب ان أريها لابراهيم وكم فوجئت وتأثرت الى حد كبير جداً .
واسترسلت فدوى في حديثها : سافرت الى الخارج ودرست الادب الانجليزي في لندن .. وشاركت في عدة مؤتمرات دولية .. وزرت كثيراً من مدن العالم وجميع البلاد العربية .
ثم قامت طوقان برفقة دحلان بجولة في ربوع ورحاب مدينة يافا ، وزارت المعالم الاثرية والتاريخية ، وكانت لهما وقفة عند شاطئ البحر ، فقال لها : يا آنسة فدوى .. ماذا تقولين ؟
فأجابت وفي صوتها بحة : ليس عندي الآن ما اقول .
وفي ختام الزيارة ودعت فدوى طوقان مضيفها على أمل اللقاء .. ولكن ! . وبقيت ذكرى هذا اللقاء عالقة في الذهن والذاكرة الحية .

نمر سعدي .. الرومانسي الجديد/ ثائر العذاري


لو كنت لا أعرف نمر سعدي لظننت أنه شاعر ستيني، فحرصه على تقاليد قصيدة التفعيلة حد التقديس يشجع على مثل هذا الظن..فضلا عن انتهاجه نهج الستينيين في محاولة غزل خيوط الواقع ونسجها في نسيج رومانسي يتخذ من عناصر الطبيعة وعاءً لقضايا الفكر.
للوهلة الأولى تبدو قصائد سعدي كأنها تقدم استعراضا للطبيعة، تتخذ فيه عناصرها سلطة مطلقة للفعل، ففي نص مثل (أغنية تحت أمطار أبابيلية) نلمح في العنوان عنصرين تقليدين من معجم الرومانسيين (أغنية – أمطار)، وفي القصيدة نقرأ:

في ليلةٍ ما عندما يصحو الندى
في حنطةِ الأيام ِ
سوفَ يضيئني وجعي الذي أدمنتهُ
زمناً ...وتركضُ في مفاصلِ وردتي
نارُ المجوس ِ.....
يحيلني ندمي
الى أنقاضِ فردوس ٍ
يحيلُ دمي
فقاعاتِ النبيذِ المُرِّ
في قلبِ إمرئِ القيسِ
المُعذَّبِ بالجمالِ الحُرِّ
أو بلحاقِ قيصرْ

إنّ (وجعي) لا (يضيئني) إلا (عندما يصحو الندى)، وهذا الفعل متوقف تماما على الشرط حتى أن الشاعر لا يعرف موعدا له (في ليلة ما)، الطبيعة هي الحاكمة بسلطتها القسرية التي تجعلها وحدها القادرة على التحكم بالزمن.
يحاول الشاعر في بعض قصائده الهروب من هذه السلطة المطلقة، ففي قصيدة (قلبُ الأسفلتْ) تظهر صورة شخصية لرجل يطغى صوت وقع خطاه على كل شيء:

أبداً ترنُّ خطاكَ في صُمِّ
الشوارعِ كالنقيرِ
ويصُدُّكَ الزمنُ المريرُ
عليكَ يوصدُ ألفَ بابْ
منفاكَ أرضُ سدومَ ...............
فأحملْ قلبكَ المسكونَ
مثلكَ بالمزاميرِ
القديمةِ .....أو صدى القبلاتِ
وأرحلْ عن زمانكَ
أو مكانكَ
في إغتراب

فعلى الرغم من كون هذا الشخص محاصر بالزمن، منفي إلى (سدوم) فهو يظهر وهو يفعل أو يمتلك قدرة على الفعل حتى لو كان الفعل محض صوت خطى عالية، ولكن هذا لا يستمر طويلا، فسرعان ما تدركه سلطة الطبيعة وتبتلعه أو تحيط به من كل صوب:
يا آخري المملوءُ بي
المحفوفُ بالأطيافِ أو قلقِ ألضياءِ
أو السرابْ
لأكادُ أسمعُ من بعيدٍ
رجعَ وسوسة الخمورْ
وأرى الدجى المُنسلَّ من
كهفٍ جليديِّ العصورِ
يلُفُّ أغربة َ المدينة في المدارجِ
بالضبابْ

هو ذا تلفه الطبيعة ضبابا وسرابا يخفيه ويسلبه القدرة المصطنعة على الفعل.
إن الإحساس بالعجز عن الفعل والذوبان في الطبيعة الطاغية عند نمر سعدي ينعكس في مظهر فني لافت للنظر، وهو كثرة ابتداء أسطره بصوت ساكن:

صوتُها لا أطيقُ إبتسامتَه الماكرة
ليعلّقَ أحزانها فوقَ أفراحِ قلبي
ويبرأُ من دمها.........
ألحزنُ ذئبٌ بعينيَّ أعرفهُ.........
ألحزنُ ذئبٌ بريءٌ يلاعبني
ويُمسّدُّ لي وجعَ الذاكرة
في السطرين الرابع والخامس يلاحظ ابتداء الشاعر بكلمة (الحزن) ولأن الهمزة هنا هنا همزة وصل فإن البداية الصوتية الحقيقية للسطر ستكون بصوت اللام الساكنة. هذه الظاهرة تكاد لا تخلو منها قصيدة من قصائد نمر سعدي:

الحياةُ كما أنا أفهمُها
لهفة ٌ لسماءٍ ملوَّنةٍ بالنداءاتِ
روحُ الينابيع ِ
تحملُني مثل عطرِ ألندى
زهوة ٌ للحصانِ ِ المُجنَّح ِ فيَّ
إحتراقُ الأباريق ِ في
قُبة ِ ألليل ِ

في هذه القصيدة يحاول الشاعر صياغة مفهوم ذاتي للحياة غير أنه يبدأها بصوت ساكن، وهذا طبيعي حسب عقيدته في تسلط الطبيعة، فهذا الذي يحاول صياغة مفهوم الحياة يفعل ذلك لأنه يراها (الحياة – الطبيعة) القوة الوحيدة القادرة على الفعل، أما هو فـ(ساكن) لا يقدر الا على التأمل ومحاولة الفهم.
في قصائد الشاعر نمر سعدي لا يستسلم وحده لسلطة الطبيعة، بل إننا سنكتشف كلما تقدمنا في قراءته إن المتكلم في قصائده ليس نمر سعدي بل ضمير الإنسان، فالجنس الإنساني كله مسحوق بجبروتها:
صرختُ من أبديّةِ
الأحزانِ في عينيكِ
يملأني إشتهاءُ الريح ِ
أين يكونُ عدلكِ
يا يبوسُ؟/
هنا على زهر السياج ِ
ظهرتُ في ثوبي
إنسللتُ كآخرِ الأزهار ِ....
خلف َ القلب ِ نافذة ٌ
من النعناع ِ
خلف َ مروج ِ نارْ
ما غير َ سيّدةٍ هناكَ
يشعُّ منها دمعها
قمرا ً ينامُ على المدينهْ
ذابت أصابعها على حجر ٍ
لتأخذ َ شكلَ نورسةٍ
حزينهْ
غنّتْ بلا معنى
وأتعبها الحنينُ سدى
فنامت في السكينهْ

هذه السيدة صورة للآخر الذي يحس الاستلاب فيسلم أمره ذائبا في (قمر) و(نورسة) نائما تحت وطأة الإحساس باللاجدوى والطبيعة ذات السلطة الطاغية.
وتبلغ سلطة الطبيعة أحيانا حدا تنفصل معه (الذات) عن الضمير:

شجرٌ وراء غموضها الشفافِ
في المقهى
وقلبي نجمة ٌ أخرى
معّلقة ٌ على الأغصان ِ
لا مطرٌ يوافيني
بما ترثُ الأنوثة ُ من بهاءٍ
ناصع ِ التكوين ِ
أحلمُ بإنكساري
مثل نهر ِ الضوءِ
موسيقى يرّفُ ......
كحفنةٍ بيضاءَ من عدم ٍ
ومن ندم ٍ
يهدهدني لكي يغفو أنايَ

الحديث هنا عن الذات يبدو فيه كأن الضمير منفصل تماما عن الأنا المسحوق حتى يسقط في (العدم- الندم)، وعندها يكشف الضمير انفصاله عن الذات بعبارة جلية (يهدهدني لكي يغفو أنايَ).
وفي واحدة من قصائد الشاعر التي كتبها عام (2000) يصرح بفلسفته هذه، التي تقول بعجز الإنسان عن الفعل وخضوعه للسلطة المطلقة للطبيعة (على غير هداية):

بغير هدايةٍ أكتب ْ
بغير ِ هدايةٍ كالنهرْ
ركضتُ مع الحياةِ
لغير ِ ما هدفٍ ...وكان الدهرْ
ورائي مثل طيف الذئبِ
في قدميَّ قيدَ التبرْ
كثيرا ً سوفَ تقرؤني وتقرؤني
وتستغربْ
ولكنيّ كذلك َ حين أكتبُ
لوعتي والشعرْ
بغير ِهدايةٍ كالشوقْ
لأني عشتُ أيامي
بغيرِ هدايةٍ كالشوقْ
كآخر نجمةٍ سقطتْ
أو إنسبرتْ
بغور ِ العشقْ

والغريب أنه يحاول هنا أن ينسب حتى هذا الإحساس بالعدمية واللاجدوى الى الطبيعة فهو ليس الا (نهر) يركض في الحياة.

ناقد من العراق

أنثى المستحيلات جديد الشاعرة حنان الفاسي

صدرت نصوص انثى المستحيلات للاستاذة حنان الفاسي (حنين ادريس الفاسي) عن دار مديات ثقافية / دار الزيدي للنشر والتوزيع والاعلان بجمهورية العراق- والجدير بالذكر أن شاعرتنا حنان تعتبر من كتاب مجلة (الغربة) الذين تمكنوا من تزيين أدبنا الإغترابي، أينما كنا، بوهج أقلامهم المبدعة. نتمنى للصدبقة الفاسي كل تقدم ونجاح.

مختارات من الشعر الأمريكي/ د.عدنان الظاهر

( ترجمها الطبيب والشاعر السعودي شريف سعد بُقنة الشهراني )
أعرف أنَّ الدكتور شريف الشهراني شاعرٌ واعد إكتشف طريقه ومنهجه الشعريين الخاصين مبكراً منذ أنْ كان ما زال طالباً في إحدى كليات الطب في المملكة العربية السعودية . وكم تمنيتُ في حينه ، ولم أزل ، أن يواصل مسيرته الشعرية وأنْ يصرَّ على ذلك بثبات وثقة وأنْ يحاول إنضاج تجاربه في الفن الشعري وأنْ يتخلص مما علق بأشعاره الأولى من شوائب وهنات لا يفلتُ منها أيُّ شاعر مبتدئ . سبق وأنْ نشر ديوانين شعريين كان الأول ـ في نظري ـ قفزة مغامر جريء لا حدَّ لجرأته وإصراره على التحدي وخوض تجربة الشعر كأنه قال فيهما للشعراء ونقاد الشعر : يا رجال ! ها أنذا أمامكم أرى نفسي شاعراً قادراً أنْ يتفوقَ عليكم أو في الأقل أنْ يضاهيكم في شعر غير مسبوق لم تألفوه .
وجدته ، وكنتُ شديد القسوة بالحق معه ، صبوراً مؤدّباً تقبل نقودي بخلق كريم وحمولة طبيب ما زال في طور الإعداد والدراسة . نعم ، كنتُ أريده أنْ يصمد لصدمة النقد وصرامة رجل مثلي قضّى جُلَّ عمره بحثاً وتدريساً في سبع جامعات شرقاً وغرباً ووسطاً . لم يثبت الشاب شريف فوجد حلاً للصدمة إذْ انصرف للشعر المكتوب باللغة الإنكليزية وشرع بصبر أيوب يترجم بعض ما شُهرَ منه [ وهو الشهراني ] وفتح أبواب مدونته الخاصة أمام هذا الشعر المترجم وكنت أتابع هذه المدونة فأعجبتني بشكل خاص ترجمته لقصيدة توماس إليوت { الأرض اليباب } ولم تكن بالطبع الترجمة الوحيدة لقصيدة إليوت إذْ سبقتها ترجمات عدة لعدد من الشعراء والمترجمين . أرسلت له ملاحظات حول الأماكن التي ذكرها الشاعر إليوت في قصيدته هذه في كل من مدينة ميونيخ ، حيث أقيم ، وبحيرة شتانبركرزي
Starnbergersee
في ضواحي ميونيخ .. وهي بحيرة هائلة ماؤها حلو تحيط بها من شمالها جبال الألب المُغطاة القمم بالثلوج شتاءً وصيفاً وتحتضنها غابات كثيفة عالية الشجر من باقي جهاتها الثلاث . إنقطعت أخبار شريف عني لفترة غير قصيرة حتى فاجأني بكتابه الثالث الموسوم ( مختارات من الشعر الأمريكي ) .
ملاحظات حول هذا الكتاب :
أولاً / لماذا وقع اختيار الشاعر المترجم على عدد محدود معيّن من قصائد شعراء أمريكان معروفين دون سواهم من شعراء اللغة الإنكليزية ؟ عدد هؤلاء 17 شاعراً لا غير بينهم ست شواعر أي أنه عدل بين الشعراء وأنصف الأنثى فخصها بأكثر من نصف العدد [ ست شواعر مقابل 11 شاعراً ] . أحسنتَ شريف وإعجاب بكمال تربيتك الشخصية والبيتية .
ثانياً / في خيارات شريف شيء من الغرابة ! ماذا أعني ؟ بعض الشواعر والشعراء هنَّ وهم ليسوا أسوياء من الناحيتين النفسية والعصبية . إنتحرت شاعرتان في عز الشباب ( آن ساكستون و سيلفيا بلاث ) . أما الشاعر ألن غينزبيرغ فقد حوكم بعد نشر كتابه " عُواء وقصائد أخرى " بأنَّ فيه [[ آراء صريحة حول قضايا الشذوذ الجنسي والمخدّرات والإنفتاح بلا قيود مع الجيل القادم من الشباب / الصفحة 93 ]] . ليس كل الأطباء متعاطفين مع مهزوزي النفوس وضعاف الأعصاب غير أنَّ شريفاً أديب وشاعر قبل أنْ يكونَ طبيباً لذا فمحتواه الإنساني أسبق وأكبر من إعداده وتخصصه الطبي . هذا هو تفسيري لظاهرة شريف .
ثالثاً / الشاعر ألن غينزبيرغ يهودي إشتراكي متمرد فكيف جمع السيد شريف بينه وبين الشاعر اليهودي ذي الميول النازية السابق عزرا باوند ؟ لعل شريفاً لا يعرف تأريخ عزرا باوند وإلاّ فحسب تقديري لما جمع النقيضين في كتابه هذا . ثم إنَّ شريفاً تناول ( من بين قصائد أخرى ) إحدى قصائد عزرا باوند الضعيفة ، أعني القصيدة التي ترجمها هذاعن الفرنسية لشاعر ياباني للإنكليزية فترجمها شريف بدوره للعربية ولا أحسبها واحدة من بين قصائد عزرا باوند الواسعة الإنتشار ( قصيدة لي بو الصفحات 44 , 45 , 46 ) .
رابعاً / أصاب شريف وأحسن في اختياره مِن بين مَن اختار كلاً من الشاعرين الشهيرين والت ويتمان وتوماس إليوت . مرةً ثانية يجمع شريف بين النقائض الصارخة فوالت ويتمان شاعر يساري وربما شيوعي في حين أنَّ المعروف عن توماس إليوت أنه يميني محافظ شديد العداء للأتحاد السوفيتي . ترجم شريف لتوماس إليوت قصيدة الرجال الجوف وكنتُ أتمنى أنْ لو نشر ترجمته لقصيدة الأرض اليباب سوية مع هذه أو منفصلة عنها ففي تلك حياة طويلة عريضة وفيها إبداعات أدارت عقول شعراء ونقاد العشرينيات من القرن الماضي .
خامساً / بيّنَ المترجم رأيه وحلل مناهج هؤلاء الشواعر والشعراء بجدارة وتناول باختصار خصائص إبداعاتهم ومدرسة كل منهم . اقتبس بعض ما قال وأترك الباقي للقارئ المهتم بالشعر المترجم الجيد . قال عن الشاعرة هيلدا دوليتل على الصفحة 47 ما يلي :
(( ... تُعتبر من أوائل شعراء الحركة التصويرية، وقد جاءت قصائدها لتعكسَ التأثر العميق بعزرا باوند . يتميّز أسلوبها بتقنية حداثية ( حداثوية ) تجمع بين اللاشخصي المحسوس الحديث والطقوس الكلاسيكية التقليدية . يرى البعضُ أنَّ أعمالها الأخيرة تميلُ إلى الإنفعالية وإلى شيء من التفكك ولكنْ تبقى في النهاية نصوصاً واسعة المضمون والرمزية . النصوص المُنتقاة بمثابة البكارة للتقنية التصويرية الشعرية في أوائل القرن العشرين والخروج من جلباب الرومنسية نحو المباشر المُقتضب واللامتوقع. نصوص متناسقة متموجة تنسكبُ منها قوة الطبيعة الخلاقة )) .
هيلدا دوليتل 1886 ـ 1961
كما قال في ألن غينزبيرغ على الصفحة 93 :
(( يتميز شعر غينزبيرغ بالإنفتاح والتجديد المدهش موضوعياً والتمسك بالتقاليد الفنية والأصول التي تعود إلى والت ويتمان ووليام بليك. أضف إلى ذلك تأثيرات خلفيته اليهودية واهتماماته بالزِنْ { ؟ } والتقاليد البوذية ))
ألن غينزبيرغ 1926 ـ 1997
وقال عن جون آشيري 1927 ـ
(( تميزت أعماله الشعرية والنقدية بالأصالة والإنطباعية الساحرة وحضور الأجواء الغامضة والمظلمة أحياناً . بعض النقاد يعتبرون تجربته بمثابة لوحات تجريدية مرسومة بالكلمات / الصفحة 118 )) .
سادساً / لِكَمْ أتمنى أنْ لو ثبّت شريف النصوص بلغتها الأصلية ووضعها بإزاء ترجماته ليطمئن قلب القارئ إلى سلامة الترجمات . من جهتي ليس لدي ريب في قدرات شريف على الترجمة من الإنكليزية إلى العربية ففيما ترجم دقة ومرونة وبلاغة ومعرفة بخصائص اللغة الإنكليزية .
سابعاً / لم أقم بتحليل ونقد القصائد المترجمة فليس ذلك مسؤوليتي وليس من بين واجباتي وأترك هذا الأمر لسواي من المختصين بالترجمة ونقد الشعر باللغة الإنكليزية . ما كتبتُ اليوم إنما هو تقديم وتعريف بكتاب الدكتور شريف سعد بُقنة الشهراني فإنَّ هذا الشاب المخلص الدؤوب المثابر يستحق كل اهتمام وإعجاب وتشجيع خاصة وإنه طبيب مختص وشاعر يحتفظ أمام بيته بنخلة سامقة واحدة اعتاد أيام كان ما زال طالب طب الوقوف جنبها بسروال قصير دفعاً للحر وتاثيرات الشمس . قدّمْ يا شريف لقرّائك والمعجبين بكَ نمادج من تمور نخلتك وعرّفهم على نوعية هذه التمور فربما هي نخلة برحية !
*
مختارت من الشعر الأمريكي
إختارها وترجمها شريف الشهراني . الطبعة الأولى 2011 . دار الغاوون للنشر والتوزيع . لبنان ، بيروت ، الحمرا

في محراب الثقافة الكويتية المعاصرة/ عبدالواحد محمد

كتبت الثقافة الكويتية المعاصرة حروفها من ذهب بفضل مبدعيها ومؤرخيها الذين ترجموا كثير من الصور والقضايا الاجتماعية والعربية والعالمية لواقع عملي يؤكد قدرة العقل الكويتي علي الإبداع والتحرر من الخرافة والدجل ومسايرة العصر بوعي ومنطق منهجي ومن بين هؤلاء المجددين نصاحبكم في رحلة تاريخ !..
الشيخ عبدالعزيز الرشيد مؤرخا
......................
هو أحد رموز الثقافة الكويتية المعاصرة المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد ويعود مولده لعام 1887 بالكويت ودرس في بغداد كما تنقل بين مصر ودول الشام والحجاز وغيرهما من البلدان الإسلامية كما أشتهر بكتابه عن ( تاريخ الكويت ) والذي أجمع المؤرخين علي أهميته الكبري ومن بين هؤلاء الباحث الدكتور عباس الخصوصي مشيرا إنه ( مرجع أساسي ومهم لا يستطيع أي باحث عن الكويت الاستغناء عنه ) واللافت للنظر أن المؤرخ عبدالعزيز الرشيد جمع بين دفتي كتابه تاريخ الكويت بكل حيادية ودقة متناهية فيها كثير من الموروثات الأصيلة للشعب الكويتي كما كانت رؤيته للتاريخ واضحة وجلية من خلال تاريخ المسلمين وما لحق بهم في مراحل الضعف والهوان . وقد أطلع المؤرخ العراقي المعروف رفائيل بطي علي الكتاب فأعجب به وكتب عام 1926 ميلادي في رسالة للرشيد يقول عنه إنه ( أول تاريخ للكويت نشر باللغة العربية لذلك يعد فتحا جديدا في تاريخ الجزيرة .. وقد سلكت في تأليفه .. سبيلا يرضاه المؤرخين العصريون .. فتبسطت في ذكر أحوال الكويتيين الاجتماعية .. وإني لأحمد فيك النزعة الحرة المتمشية بين سطورك والصرخة الأليمة التي يسمعنا إياها كبار المفكرين الغياري مما ساد علي المجتمع العربي من الخمول والانحطاط وما يتبع هاتين العاهتين من التمسك بالخرافات والشعوذات التي تميت نفس الأمة وتداخلها في خبر كان )
والمعروف أن المؤرخ الكبير الرشيد قد أنتبه في سعيه لإعداد الكتاب إلي أهمية الوثائق الرسمية والتي وضعها الحاكم في خدمته . وكانت خير مرشد تاريخي كما استفاد الرشيد من الوثائق الأجنبية في كتابه الذاخر بالأحداث التي تؤرخ لدولة الكويت عبر مراحل وعقود زمنية هامة وحبلي بالتطور المعرفي والثقافي والتاريخي . ويعد الرشيد صاحب الفضل في أصدار مجلة الكويت في الفترة من عام 1928 وحتي عام 1930 ميلادي
ونجد أن الرشيد جمع في توجهاته الفكرية والاجتماعية عدة مدارس بين سلفية محافظة جدا وإصلاحية مستنيرة فهو مع الأولي في قضية المرأة مثلا ومع الثانية في الاستعداد لتبني المعارف والعلوم الجديدة . ولهذا لم يعاد الحقائق العلمية والمخترعات الآلهية ولم يتحمس لألوان التشدد الديني .
ومن ألمعيته التي تؤكد رؤيته الثاقبة للأحداث وتفاعله معها عندما وجد الكويت نفسها محاصرة في الجهراء عام 1920 بالمخاطر الخارجية المستندة إلي التزمت الديني . تولي الرشيد مهام رجل الدين المعتدل ومفتي البلاد الواثق من نفسه ودينه والرافض للتشدد والتعصب فجرد الخصم من امضي سلاح قائلا لممثل ( الأخوان ) الفقيه أبن غنيمان ( أنا عبدالعزيز آل الرشيد حنبلي المذهب سلفي العقيدة ولا أكتمك أنا سررنا أولا من إقبال الإخوان علي الدين ورجونا أن يكون علي أيديهم تقويم أوده ونشر الأخلاق الفاضلة .. ولكن خابت فيهم الآمال أخيرا لما أحدثوه من قتل النفوس وسبي الأموال .. والإسلام دين رفيق ولين ) ومن نافذة اخري نري قدر الرجل ومكانته كمؤرخ عندما قدمت محاضرتين حول الرشيد ألقاهما يوم 21/1/2001 في جامعة الكويت بالخالدية باحثان فاضلان ممن عرفوا ودرسوا الرجل حق المعرفة واحتفاء بمكانته ودوره الكبير..
أما المحاضرة الأولي: فهي بعنوان ( ريادة الشيخ عبدالعزيز الرشيد في تدوين تاريخ الكويت للأستاذ الفاضل د/ يعقوب يوسف الحجي صاحب المؤلفات العديدة في مجال تاريخ الكويت عام 1933 بتصدير من رئيس المركز الأستاذ الفاضل 1.د عبدالله يوسف غنيم .
أما المحاضرة الثانية : فهي للأستاذ يعقوب عبدالعزيز الرشيد أبن المؤرخ وهو جانب عمله الدبلوماسي السابق شاعر معروف كما أنه ساهم بالتعريف بتراث المرحوم الرشيد من خلال إعادة نشر كتاب تاريخ الكويت عام 1962 مع إضافات عن نهضة الكويت في الفترة اللاحقة لوفاة والده . كما بذل كل ما استطاع من جهد في سبيل إعادة نشر الطبعة الأولي من (مجلة الكويت ) عندما تولت إصدارها دار قرطاس بالكويت عام 1999. إن هذا المحتوي التذكاري الصادر احتفاء بمؤرخ الكويت الكبير في هذه المناسبة التاريخية مما كان له الأثر الكبيير في أختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية لعام 2001 والجدير بالذكر أن المؤرخ العربي الكويتي عبدالعزيز الرشيد يعد علامة مضيئة في تاريخنا العربي بفضل تلك الاسهامات الجديرة بالتوقف دوما حول رجل من نجباء عصره وأمضي الفترة الأخيرة من عمره في أندونيسيا وحتي رحل عن عالمنا عام 1938 ميلادي من القرن العشريني المنصرف ..
الشيخ يوسف بن عيسي القناعي فقهيا ومصلحا
.......................................................
يعود مولده لعام 1876 ميلادي لأب كان يعمل بالتجارة كما كان مالكا لسفينة ( شط العرب ) وهي من السفن الكبيرة التي كانت تستخدم في السفر ونقل السلع بين الكويت والهند وشرق أفريقيا .. والمعروف عن الشيخ يوسف القناعي أنه ألتحق بالكتاب لحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة علي يد الملا دخيل الجسار ثم تنقل بعد ذلك طلبا للعلم في مدينة الأحساء بالمملكة عام 1902 م وقرا ما تيسير له من العلوم الفقهية ومنها ألفية بن مالك كما درس النحو وحفظ المتنبي والبشير في الفقه الشافعي ثم عاد مرة ثانية للكويت بعد عام تقريبا ودرس علي يد علماءها من أمثال الشيخ أحمد الفارسي ..ثم تنقل بين البصرة ومكة طلبا للعلم والمعرفة ..
وللعلم قدسيته في حياته الثرية بالكفاح والمغامرة فقد أفتتح المدرسة المباركية عام 1921 م لتكون نواة لمنظومة تعليمية معاصرة كما ساهم في استكمال طلابه لدراستهم بالخارج وقد تحقق ذلك بإيفاد أول بعثة تعليمية للعراق سنة 1924 م كما يسجل له التاريخ مساهاماته في تأسيس المكتبة الأهلية التي فتحت أبوابها للقراء عام 1923 م
الشيخ برلمانيا : سعي الشيخ القناعي إلي تأسيس مجلس للشوري في الكويت ونقلت هذه الرغبة في حينها إلي الشيخ أحمد الجابر إثر توليه مقاليد الحكم في البلاد فوافق علي الاقتراح المقدم إليه وشكل مجلس من اثني عشر فاضلا من اعيان البلاد ..
وكان للشيخ الجليل الدور البارز في غنشاء المجلس البلدي حيث تولدت هذه الفكرة في ذهنه إثر زيارته للبحرين عام 1929 م وكان لهذه المساعي والجهود الجبارة تأسيس البلدية عام 1347 هجري وأنتخب الشيخ يوسف عضوا فيها
الشيخ القناعي قاضيا : بعد وفاة القاضي الشيخ عبدالله الخلف الدحيان تولي منصب قاضي القضاة رغم مشاغله الكثيرة وبدون أجر عرفانا منه بدور المثقف والفقيه في خدمة بلاده فرق بين عصر وعصور ؟ ورجل ورجال ؟
الشيخ أديبا : كما شغفه الأدب فكان له مجلس يلتقي فيه مع مثقفي عصره ليتواصلون من خلال لغة لاتقبل مساومة بأن المثقف ضمير العصر وكان الشيخ القناعي صاحب نوادر وبصيرة جذبت إليه كل من عرفه وسمع به كما كان ينادي دوما بالأصلاح والتجديد كأحد الدعاة المؤمنيين بالمعاصرة
الشيخ مؤلفا : وللشيخ عدة مؤلفات منها ( المذكرة الفقهية ) في الاحكام الشرعية وهي رسالة مختصرة جمع فيها أمهات مسائل الفقه الإسلامي وطبعت الطبعة الأولي من كتابه في بغداد عام 1343 هجري كما يوجد له كتاب آخر معنون بأسم ( الملتقطات ) حكم وفقه وأدب وطرائف وصدر الجزء الأول منه عام 1367 هجرية ثم طبع مرة ثانية عام 1965 م ومن بين كتبه ( صفحات من تاريخ الكويت ) سجل فيه تاريخ الكويت منذ نشاتها وحتي وفاة الشيخ مبارك الصباح عام 1915 م كما طبع الكتاب بمصر عام 1365 هجري
الشيخ شاعرا : كما له العديد من القصائد المنشورة في الصحف وتضم إبداعاته الشعرية ما بين مدح ورثاء وكذلك كثير من القضايا الاجتماعية .. ومن شعره
أبن لي فدتك النفس ذنبي ولا تخف
وما كان غير الحق قصدي وبغيتي
ولست نقصا علي من امرئ
يبين خلالي الناقصات وزلتي
فما المرء إلا عرضة أينما سعي
لنقص وتقصير وسهو وغفلة
علي أنني ما زالت أبحث جاهدا
عن السبب المفضي لهجر الأحبة
فلم أر حقا ما يبرر هجرهم
سوي صفر كفي وهو أصل بليتي
وذاك هو الذنب العظيم إذا بدا
لدي جامع الأمرين جهل وثروة
ولو كنت ذا مال ولم ولم تلك عالما
لقلت إذا من جهله اليوم قد أتي
ولكنني ماذا أقول وعلمكم
به كنت حقا مثل شمس منيرة
وكنت به تحمي الضعيف من الأذي
وكنت به تبني علالي الفضيلة
وكنت به ملجآ الكويت وأهلها
إذا ما الخطوب السود في القوم حلت
وهنا نري مدي وعي الشيخ القناعي في نقل رسالته كأديب مستنير بكل شفافية مكنته فيها ثقافته العربية الأصيلة من التعبير الجيد عبر كل مواقفه مع رفاق الدرب
ومن شعره الخالد في مناجاة الخالق نطل علي عالمه الخاص في نيل الرضا والعرفان بدوره فيما حققه من إنجازات كان لها أثر كبير في الكويت الماضي والحاضر والمستقبل .
أحنو إليك برأسي
تذللا وابتهالا
وأختشيك بسري
مهابة وجلالا
وذلتي لك تحلو
أما لغيرك لا لا
ولا مراء تحمل كثير من سطوره وتؤكدها مدي علاقة الشيخ بربه وتضرعه له كل مناحي حياته لنتوقف عند قصيدته والحبلي بتلك النزعة الصوفية
حسبي اطلاعك سيدي
بسريرتي وجلي أمري
فأنا المقصرفي الوري
أخفي القصور وأنت تدري
وأنا الذي ألبستني
حللا سمت عن حصر شكري
فا تمم جميلك ياجميل ........... الصفح عن ذنبي ووزري
ومن خواطره الشعرية في شهر رمضان الكريم
عليك سلام الله يا شهر إننا
رأيناك معني للزمان استندناه
وياشهر لا تبعد فأنت وسيلة
وذوقدم عند الحبيب أدخرناه
ويا شهر لا تبعد لك الخير كله
فيارب مطروح نجابك أواه
ياشهر لا تبعد لك الخير كله
فرب محب تحت ظلك ناجاه
عليك السلام شهر صيامنا
وشهر تلافينا لدهر أضعناة
تفوح ثغور الصائمين مساءه
فلا المسك يحكيها بنفحة رياه
عليك سلام الله شهر قيامنا
وشهرا به القرأن يزهو بقراه
تطيب به الأصوات من كل وجهة
وتعذب منه بالدراسة أفواه
كما كان الشيخ القناعي مؤيدا لدور المرأة في بناء مجتمعها الكويتي كفقيه ومصلح من طراز فريد وهذا كان جليا في شخصيته عندما نادي من خلال الصحافة الكويتية بفتح الباب أمام المرآة لتشارك في البرلمان ومنحها حرية التعليم والزواج بإرادتها فكان رائدا بحق ومنصفا وسباقا في مجال تحرير المرآة من الجهل متأثرا بالشيخين جمال الدين الافغاني ومحمد عبده و من دور لدور لا ينتهي نجد حياة الشيخ ثرية وحافلة بكل ما هو إصلاحي كان له كثيرا من الاسهامات التي غيرت شكل الحياة الكويتية حتي رحل عام 1973 م
عضو نقابة الصحفيين الالكترونيين

الميت يتذوق قهوة وتمر أجره/ نبيل عودة


قصة :
النظرات في عيني الطبيب لا تكذب، رغم ان كلماته لم تنقل ما ينعكس في عينيه. لو قال بوضوح ان الحالة ميئوس منها، لما فاجأ أحد من أهل البيت، كان واضحا ان مرض أب البيت في مراحله الأخيرة.. و رفض أن يموت في المستشفى..وأصر ان يموت في بيته.
كان يفلسف اقتراب موته بقوله ان الموت يشكل أحد أهم تحديات الحياة، وانه لا يختلف عن تحديات الولادة.وهو يريد ان يواجه هذه التجربة في بيته، هناك ولد وهناك سيسلم روحه.
وقال ربما لو قيل لي قبل سنوات ، وانا في نشاطي وحيويتي ان موتي قد حان، لشعرت بالرعب،أما اليوم ، وأنا أرى نفسي جسدا مشلولا موجوعا، فاني أرى الموت مكسبا. لا أريد ان أرى حزنا حولي. اتركوني أغمض عيني ألاغماضة الأخيرة وانا وسط أبنائي وأحفادي.. هذا هو ما كسبته من حياتي، وهو لا يقدر بثمن. الحياة ليست بدون نهاية، وما يريحني اني أنجزت حيوات كثيرة ، تحيطني اليوم بالحب .
كان يعرف حالته، ويعرف ان حياته على الأرض وبين أهله ، هي لحظات قد تقصر وقد تطول بعض الشيء، ولكنها لن تتجاوز الأيام القليلة ما دون الأسبوع أو أكثر قليلا.
وضعوا سريره أمام التلفاز لعل ذلك يسري عنه بعض الشيء.ولكن ضجيج التلفاز كان يزعجه حين يواجه الامه الحادة. كانت غفواته أكثر من صحواته، وطلباته تستجاب ، ودائما يجد حوله أهل البيت.. زوجته، أولاده وزوجاتهم، بناته وأزواجهن، أحفاده.. هذا ما أراده بالضبط، أن يموت بين أحب الناس إلى قلبه. كان يشعر بالراحة انه وسط من أحبهم وأحبوه، رغم يقينه أن حياته بيولوجيا قد انتهت . ويسعده ضجيج أحفاده حوله، وطالبا من زوجته إلا تزجرهم وتتركهم على طبيعتهم يمرحون ويضجون، وان تصور لهم غياب جدهم القريب كانتقال من حالة المرض الشديد والآلام القاسية، التي كانوا شهودا لها إلى حالة الراحة.. وترتفع الابتسامة على شفتيه وهو يسمع أصواتهم ويشاهد ألعابهم، لدرجة انه ينسى آلام جسده.
لم تعد نفسه ترغب بشيء خاص ، لذا قليلة هي طلباته ،على الأغلب بعض الماء ليرطب حلقه الجاف، ولكن زوجته لا تكف عن الإلحاح عليه، تخيره بعشرات الاقتراحات عن الطعام والحلويات والشراب لتعدها له، وكان يكتفي بهز رأسه رافضا وهامسا ان لا شيء في نفسه .
كان الحزن يتغلغل ولا يفارق قسمات وجه زوجته، ولكنها تكابر على نفسها حتى لا يرى ما بها.. ودائما تقول له:"غدا ستتحسن"، وكان وقع هذه الجملة في أذنه لا يختلف عن وقع:" غدا ستموت ونتخلص من تعبك"، ولكن الحق يقال، كان يسمع نشيجها ليلا، تبكي بصمت، كان متأكدا من ذلك، وآثار الدموع لا تُخفى.. وأشد ما يؤلمه شعوره انه أصبح عالة مرهقة على أهل بيته وأولاده .. ينتظرون بصبر ان يسلم وداعته لربه، ليعودوا إلى حياتهم التي توقفت في مكان ما ، منذ صار واضحا ان مرضه العضال لا شفاء منه.
زوجته تجلس قرب سريره كل ساعة تقريبا، متوقعة ان يطلب شيئا ما أو خدمة ما، ويكتفي بأن يبتسم لها رغم آلامه الشديدة ،ويشكرها على ما تقوم به لخدمته، وانه يشعر بصعوبة حملها وما يمر عليها، ويردد بصوت يكاد لا يسمع:" لا شيء في نفسي إلا الراحة الأبدية".فتغادره مسرعة حتى لا يرى دموعها.
بعد زيارة الطبيب الأخيرة شعر أن الحركة في البيت ازدادت، كثر الزوار من الأقارب والأصحاب والجيران، هل جاؤوا لوداعه؟ وانتبه أن وعاء كبير وضع على الغاز لإعداد كمية كبيرة من القهوة. لا شك انها قهوة سادة، ليوم أجره وأيام التعزية بوفاته. كانت رائحة القهوة تملأ البيت . إذن لا بد أن الطبيب أخبرهم أن أجلي قد حان.. وإنهم باتوا على علم أكيد بأن ما يفصله عن تسليم الروح، صار يعد بالساعات.
رائحة القهوة السادة تفتح النفس. حتى الميت يعود إلى الحياة إذا تنشق هذه الرائحة الطيبة المليئة بالهيل .. أراد أن يتذوقها، ولكن صوته كان أضعف من أن يسمع في هذه الجلبة التي دبت في البيت. انتظر أن تمر به زوجته ليطلب ان منها ان يتذوق القهوة. وربما يكون قد غاب في غفوة.. لا يعرف، استيقظ، أو كان مستيقظا، لم يعد يميز غفواته من صحواته، أحفاده يحيطون به ، واجمين وكأنهم يدرون ما سيحدث بعد ساعات.. ربما بعد يوم على أكثر تقدير.. ورائحة القهوة تعبق بجو البيت. و يتمنى ان يتذوقها.
شعر بآلام حادة اضطرته إلى التركز بنفسه والأنين بصمت من الألم. حاولت زوجته ان تحركه لعل الألم يخف.أحفاده وقفوا متأهبين للمساعدة.. ابنه سارع يستدعي الطبيب تلفونيا، كان واضحا، كما قال الطبيب انه عدا أدوية التخدير لا شيء يساعده إلا قرار ربه.
حضر الطبيب على عجل وحقنه وجبة مضاعفة، وقال ان هذا الحل الأفضل لما تبقى له من وقت، سمع هذا بوضوح، ويبدو ان الطبيب كان على ثقة انه مريضة غائب عن الوعي.. وشيئا فشيئا غاب عن الوعي ورائحة القهوة تستفزه برغبة مجنونة لتذوقها.
فتح عينيه شاعرا بإرهاق شديد ، وعدم وضوح في الرؤية. يبدو انه تأثير المخدر.. ولكن رائحة القهوة تشتد وتشتد ويتمنى لو يقدر ان يقول ان له رغبة بتذوقها. يشعر ان لسانه قد تيبس. أحضرت له زوجته كوب ماء، رطب لسانه وحلقه، وتمتم بضعف وبصوت يسمع بصعوبة متمنيا الموت السريع خلاصا من عذابه وعذاب أهل بيته معه.
في داخله كان يعرف ان أمنية الموت ليست خياره ، إنما خيار واقعه الذي لم يعد فيه إلا العذاب. خيار الخلاص من الألم والغيبوبة المتواصلة.. وهمس :"هل لي بتذوق القهوة ؟"
أصيبت زوجته بمفاجأة .. لم تتوقع انه متنبه لما تعده. شعرت بألم أن تكون قد سببت له الإزعاج في آخر ساعات حياته. قالت:" الآن سأعد لك أحسن فنجان قهوة". رد بضعف:" أريد مما أعددتيه".
رطبت القهوة سقف حلقه، وانتشر سحرها في أنفاسه متنشقا رائحة الهيل الطيبة وطعمه الساحر.
كان الوجوم يخيم على زوجته ، لشعورها أنها ارتكبت خطأ بإعداد القهوة في البيت ، كان عليها ان تكلف إحدى بناتها ان تعدها بعيدا عن انف زوجها. هل فهم أنها ليوم أجره ؟
شكرها على القهوة. وأغمض عينيه على رائحة الهيل .
عندما استيقظ لمح زوجته ترتب فواكه مجففة على الصواني، ولاحظ كيف ارتبكت وسارعت تغطيها بشرشف أبيض ، اقتربت منه بوضعية الاستعداد لأي خدمة، وسألته:" هل احضر لك شيئا تأكله؟" . قال :" نفسي بحبة تمر ، لعلها تزيل مرارة فمي وحلقي". وأضاف:" لا تقلقي واصلي تحضير ما ترينه مناسبا، أرجو من الله أن لا أعذبكم أكثر".
نظرت إليه حائرة، ويبدو أن إبليس قد لخبط عقلها:" ولكن يا زوجي هل نفسك أن تأكل منه.. نعده ليوم ...؟"
ولم تكمل جملتها!!
nabiloudeh@gmail.com

أنا المبعثرُ إلى( جان دوست)/ عبداللطيف الحسيني

هذا الواقِفُ أمامَكم صنعَه الشارعُ الذي ألقى عليه ظِلالاً أو طبعاً ملائِكيّاً , تنفّسَ مِنَ الحياة أجملَها منذ أربعةِ أشهر, حتّى ظنَّها ضرباً تخييليّاً هَدَرَ أمامَه ليودّعَه بعدَ برهةٍ , كان فيما سبقَ من عمره المقصوف ضائِعاً- طائِعاً (أكثرَ من أربعين عاماً عجافاً مرميّاً ) يصادقُ جارَه العربيّ ليكسوَه اللغةً هي الأفصحُ من بين الرطانة التي شابت الحديثَ . صادق المسيحيَّ مراحلَ شبابيّةً , و ارتاحَ معَه , وأراحَ كتفََه جنبَ كتفهِ الموشوم نقشاً أزرقَ :(أدرْ خدّكَ الأيمن إنْ صُفِعَ الأيسرُ), بل دخلَ معَه كنيسةً ليتعرّفَ العالمَ من الجديد أجدَّ , كان اليزيديُّ خليلَه في ليالٍ هي الأكثرُ ابتهاجاً في إحدى القرى مُصَاحِبَاً صديقاً (غائِباً الآنَ) يضربُ كأساً نبيذياً بكأس مَرَح الحياة . هكذا لملمَ الواقفُ أمامَكم حياتَه , فلا تبعثروه مجدّداً , ففي تبعثره عمرٌ قد لا يجيءُ إلا ومعَه خرابٌ روحيٌّ . اتركوه يغنّي في الطرقات كما شاءَ له الغِنَاءُ شجيّاً , ومتى شاء له الطريقُ وأفاض .
الواقفُ أمامَكم تركَ شهقةً في كلّ مدينةٍ : لربّما سلّم على "المغنّي" دونَ أنْ يعرفَه , وبارك لحَنجرةٍ صدّاحةٍ تفورُ غناءً راقصاً في كلّ زاويةٍ أو منعطفٍ يضجُّ بظلالٍ متعطّشة .
الواقفُ ها هنا تعدّديٌّ , وزّعَ نَفَسَه في النفوس نابضةً, ووزّعت النفوسُ فيه تلك المَحبّةَ الشاسعة حين يتملّى وراءَه ليرى الدربَ شوكيّاً قابلاً للتخطّي مهما بدا ب(مسافاته الطويلة) .
الواقفُ لن يمَلّ , وإنْ لاحَ أمامَه كلُّ غدّارٍ أومكّارٍ أو خوّان .
alhusseini66@gmail.com

سعود الاسدي والعلاج بالشعر..!/ شاكر فريد حسن

عرف الانسان على مر العصور والحقب التاريخية العديد من العلاجات الطبية ، منها العلاج التقليدي الشعبي، والعلاج الكيماوي، والعلاج بالاعشاب، والعلاج بالطاقة ،والعلاج بالطب البديل، والعلاج بالسحر والخيال، والعلاج بالفنون والموسيقى، والعلاج بالفيزوترابيا والتنويم المغناطيسي وغير ذلك.
وهنالك علاج آخر احدث نتائج ملموسة وتقدماً كبيراً في مجال الطب النفسي وهو العلاج بالشعر ، حيث يستخدم ويوظف الشعر في التهدئة النفسية والحد من الضغط النفسي .
وهذا الصنف من العلاج يؤمن به الشاعر الفلسطيني السامق باشعاره سعود الاسدي ويداوي به قراءه ، وهويقول في مقابلة اجريت معه ونشرت في ملحق "عيش وملح" الاسبوعي ، الذي كان يصدر عن صحيفة "الاتحاد" الفلسطينية العريقة في عددها الصادر يوم الجمعة 16تشرين الاول عام 1998:" ان بيتاً من الشعر يهدئ من روع الانسان " مؤكداُ " ان جميع اشكال الفنون من شعر وموسيقى وغناء ورقص ورسم ونحت وتمثيل ، وهي قديمة العهد في التراث الانساني ، لها دورعلاجي كبير في حضارات اللغة . فالشعوب القديمة استعملت الشعر والموسيقى والغناء والرقص للتأثير على الانسان ، بدءاً من الحضارات البابلية والمصرية والفرعونية ثم الى اليونانية والرومانية والحضارة العربية الاسلامية".
اما عن العلاج بالشعر فيستطرد قائلاً :" ان الشعر اساساً كلغة غير عادية كان مواكباً للسحر وذلك لما في الشعر من موسيقى في الاوزان وايقاع في التفاعيل وانشاد صوتي وحركات ايمائية لدى الالقاء امام ناظر المتلقي.وكانت مهمة الشعر اساساً ، وربما لآخر الدهر التأثير . هذا التأثير يكون نتيجة الاثارة او التحميس او التهدئة او التفكير والنظر العميق الى آخر الحالات التي تعتري الانسان. وقد عرف تأثير الشعر بأنه ذاتي ، وجداني وانفعالي واستخدم في المناسبات ، من افراح واتراح، وحالات من سلم وحرب. وقد مارسوه بغريزتهم واستعملوه لغايات تأثيرية علاجية لذواتهم ونفوسهم ، جراء التخلخل النفسي والتوتر الشديد الناتج عن صدمات الحياة من موت او فاجعة".
كذلك يرى الشاعر سعود الاسدي ان للقصة ايضاً دور كبير في علاج حالات نفسية مختلفة ، وهذا ما يسمى بلوطرافيا، فالمشاعر المكتئبة تنجم عن عدم الاتزان والثقة بالنفس ، وهنا يأتي دور القصة لتربط وتتفاعل بين الصور التي تطرحها والاحاسيس الكامنة في العالم الداخلي للانسان.
حقاّ ان للشعر فعل وتأثير كالسحر على النفس الانسانية المعذبة القلقة ، ولذلك فكل من يمر بحالة نفسية صعبة ويعاني اضطراباً وتوتراً وقلقاً واكتئاباً نفسياً نتيجة ضغوطات الحياة وهموم العصر فما عليه الا اللجوء للشعر وقراءة غزليات ووجدانيات وتأملات شاعر الحب والجمال سعود الاسدي ،الانسانية والوجدانية والغزلية والصوفية والتاملية والتراثية ، المفعمة بالمشاعر الدافئة والاحاسيس الملتهبة والعواطف الجياشة القوية ، التي تنعش الوجدان وتملأ الروح نشوة وبهجة واملاً وحباً للحياة وتفاؤلاً بالغد الآتي ، ففيها علاج ودواء وشفاء.

يا شوف شفتيها: من اغاني التراث الشعبي الفلسطيني/ شاكر فريد حسن

لكل شعب تقاليده وتراثه واغانيه الشعبية ، وشعبنا الفلسطيني له تراثه العريق الاصيل واغانيه الشعبية الخالدة ، التي تردد على الالسن والافواه وشفاه الناس وتغنى في الاعراس والمناسبات الوطنية . ومن اشهر هذه الاغاني "جفرا" و"وزريف الطول" و"ع الاوف مشعل" و"غابت الشمس يا بن شعلان " وغيرها الكثير.
وفي حقيقة الامر ان الاغنية الشعبية الفلسطينية هي اكثر انواع الأدب الشعبي استجابة لتصوير وتسجيل الاحداث والظواهر البارزة والمواقف السياسية والموضوعات الاجتماعية والوطنية والوجدانية ، وتعود هذه الاستجابة لسمات الاغنية الشعبية الفلسطينية من عفوية وبساطة ورقة وجمالية وجماعية .
ومجمل الاغاني الشعبية الفلسطينية تنسجم مع الواقع وتعبر عنه وتتفاعل مع قضايا الناس. وقد لامست عمق الجرح الفلسطيني وتناولت اغتصاب الارض وسلب الهوية وفقدان الوطن ، وصورت العذاب والالم والمعاناة الفلسطينية في خيام اللجوء والتشرد ، والاحساس بالغربة ، وجسدت الثورة والتحرير والاستقلال ، ومجدت انتفاضة الحجر وشهدائها الابرار.
ويستخدم الزجالون والقوالون والشعراء الشعبيون الفلسطينيون جميع الوان واشكال الغناء الفولكلوري، من عتابا وميجنا وشروقي وطلعات زجلية وزريف الطول والدلعونا وغير ذلك.
ومن اغاني التراث الشعبي الفلسطيني اغنية جميلة وهي "يا شوف شفتيها " التي يقول عنها الشاعر والزجال والباحث في التراث الفلسطيني الاستاذ سعود الاسدي انها سبقت اغنية "جفرا" .. ومن ردات هذه الاغنية :
يا شوف شفتيها ، ع البير نشاله
ومزنرة بالكمر ، وفوق الكمر شال
يا ريت يغيب القمر، تاسلمك حالي
وتكون ليلة عتم ، والسرج مطفية
* * *
يا شوف شفتيها، بتحصد في ارض الدير
والسر اللي بيننا شو وصلوا للغير
وانكان ما بي ورق لاكتب عاجنح الطير
وانكان ما في حبر هلوا يا عينيا
* * *
يا شوفه شفتيها ، من هون لعنّا
وجمال بنت العرب ، ومحملة حنا
ريتك يا العريس الزين، بالعرس تتهنا
وتجيب لأمك ع البيت ، احسن جفراوية

وما يميز هذه الاغنية هو الدفء الانساني الوجداني العاطفي ، وتلك السلاسة والوضوح والعفوية في استدعاء التعبير الفني، واللغة الجميلة التي تفيض بالمحسنات البلاغية والمزينات اللفظية والمفردات الخلابة والصور البليغة .