الحواضن السردية تحديد لأفق القراءة/ أمجد نجم الزيدي


إن التعامل مع عملية الكتابة بمختلف اجناسها، هو تعامل مع مستويين من التَشكل، المستوى الاول هو الوجود الحقيقي للنص قبل عملية القراءة، والذي قد رُكب وفق آليات كتابة مقننة، خضعت الى ظروف زمكانية خاصة بالكاتب وبيئة الكتابة.

أما المستوى الثاني فهو الوجود المتشكل من عملية القراءة، والذي يسير مع النص بصورة متوازية، ليستفز اشاراته المضمنة، أما بموائمة تلك الاشارات وجميع دوال النص مع مرجعيات القارئ، والتي هي شخصيته المعرفية والتاريخية، وبهذه العملية يظهر نص القارئ خاضعاً لمرجعيات النص الكتابي ومحدداً بأفقه. أو ان يتقاطع معها معيدا بناءها معتمدا على آلية القراءة التي تقوم بأستنطاق أشاراتها ودوالها ، ومحاولة التقليل من هيمنة مرجعياتها الكتابية، وتقديم مقترحات تزعزع الاستكانة البنائية للنص، لفتح أفق جديد لتلك الاشارات والدوال، أي تحريك سكونية النص، لينتج دوائر قرائية مختلفة الاحجام، فبهذه القراءة تتمرد الاشارات والدوال على وجودها الكتابي ومراكزه الاشارية والدلالية ، بأفق القراءة الذي يتحدد ربما من خلال تجمع وتوزع دلالات النص في عدة مراكز أو حواضن دلالية، ترسم أفق القراءة بعملية التفاعل بينها.

فلو أخذنا المجموعة القصصية (وتكور الحل عند ظفيرتها) للكاتب المبدع وجدان عبدالعزيز، الصادرة عن دار الينابيع ،2010 وتتبعنا تلك الحواضن المختلفة، التي تتشكل داخلها اشارات ودلالات النص،لرأينا كما في نص (تكويرة اللانظام)ص9، بأن هناك ثلاث مستويات دلالية تمور داخل حاضنة زمكانية، وهي( الشخصية ، الذكريات، البيت)، فالشخصية داخل القصة تنقسم أيضا الى ثلاث شخصيات مختلفة كـ(الشخصية الاولى ، لقى، فتاة كلية الاداب)، أن العلاقة التي تجمع هذه الشخصيات كمستوى دلالي أولي داخل النص مع المستويات الاخرى، فهي علاقة توليدية كما في العلاقة مابين الشخصية الاولى والذكريات (كان مستلقياً لوحده، مستغرقاً تماماً بأحلام وردية حملته كله مسافرا عبر مسافات الزمن البعيدة وهو يكتحل بمرور الذكريات)ص9، (يأخذه قارب النجاة بعيدا في شواطئ الحب والذكريات التي تبرعم دوما شذى وحبا أبديا) ص10-11، أما علاقة الشخصية الثانية وهي (لقى) فهي علاقة تصورية اندماجية (أخذت أصابعه تعبث بألبوم الصور، رأى لقى تبتسم مسد شعرها أخذ يقبلها بحرارة)ص10، (صورة لقى ابنته المبتسمة في بداية ألبوم الصور)ص12، أما شخصية (فتاة كلية الآداب) فهي علاقة استعادية /انفصالية (أسفي الوحيد أني لم أكن رساما لأرسم شناشيل البصرة أو ممرات كلية الآداب وذلك الشعر المسترسل الذي يدغدغ النظر والقلب معا لصاحبته..)ص10، (قعد مزهوا ما بين ثيل الحديقة يغازله كأنما يغازل فتاة كلية الآداب) ص11، أما العلاقة الأخرى التي تظهرها تلك الإشارات وهي علاقة (البيت) بالشخصيات، فعلاقته بالشخصية الأولى تعكس عمق الوحدة التي تشعر بها تلك الشخصية (كان مستلقيا لوحده)ص9، (يهتز ومحتويات البيت هزة منفعلة، يستيقظ على أثرها ليغطس بقارب النجاة في يقظة قصيرة أخرى، ويسافر من عالم الظلمة ووحشة الجدران حيث كان وحيدا منذ أيام)ص9، (في هذا المكان بالذات قد تطول الوحدة وتكثر الأحلام ووحشة الظلام وصمت الجدران) ص10، ( يتحسس المكان والبيت والمحتويات، لعب لقى، علب عطور وأدوات الماكياج)ص10، وترينا العبارة الأخيرة بأن البيت كان فارغا إلا من أثار الناس الذين كانوا فيه، وهذا تعميق للوحدة التي تشعر بها الشخصية، أما علاقة (لقى) بالبيت فهي علاقة ارتباط وفقدان بأن واحد، حيث إن (لقى) هي جزء من البيت في نظر الشخصية الأولى، لذلك تظهر هناك علاقة سببية بين فعلي رحيل (لقى) واستهداف البيت وتهدمه، أما فتاة كلية الآداب فهي علاقة انفصالية تحاول من خلال الشخصية الأولى التخلص من ربقة البيت الذي هو رمز للوحدة والعزلة والتعويض عنه بالأمكنة التي تجمعه بفتاة كلية الآداب (قعد مزهوا مابين ثيل الحديقة يغازله كأنما يغازل فتاة كلية الآداب، ثم قام يلملم قواه ويعانق أشياء ما تبقى من شق البيت المنتصب)ص11.

أما العلاقة بين الشخصيات نفسها، فعلاقة الشخصية الأولى بـ(لقى) هي علاقة ارتباط بالحياة، أما علاقتها بفتاة كلية الآداب فهي علاقة استعادية تعويضية عن الوحدة والخوف الذي كان يشعر بهما، ولا توجد أي علاقة مباشرة بين لقى وفتاة كلية الآداب سوى إنهما تشتركان بارتباطهما بالشخصية الأولى.

أما الإشارات التي تكتنزها تلك المستويات الدلالية للمكان فهي على التوالي: البيت يحمل إشارة ضمنية للامان والاستقرار والحياة، الحديقة فهي إشارة معززة للبيت، كلية الآداب والبصرة، فهي إشارة إلى ذاكرة والى الحب وحلم مستعاد.

أما نص ( يبدو إن الخطر كان عابرا)ص13 فقد استند إلى حاضنة مكانية توزعت مابين مكانين هما المكان الواقعي وهي ارض الجبهة ( مفازة موحشة يختلج صفير الريح في سمع نبضات الحركة فيها)ص13، (المنطقة رغم تلك الكثبان الرملية التي سرعان ما تنهار مع أسراب الريح تبدو صالحة لحركة الدروع، وقد تكون لحظات مكتنزة بالأسرار والمفاجآت)ص13، أما المكان الأخر فهو مكان افتراضي تعويضي (ما كان ليتحدث لولا ضغوطات حديث الحب للوجوه الغائبة وللقبرات المرتحلة وسواقي الذكريات التي طرز على شواطئها أجمل الأشواق، وازدادت رغبته وهو يدنو من الوصول أكثر ليوزع حبه وشوقه تمائما يعلقها على الأغصان وعثوق نخيل الشطرة ونهر الغراف وعلى تلك الشجيرات المتناثرة خلفه)ص14، ( الأصوات تتعالى وقد تقترب، القبرات مازالت تسرع نحو القرى المحروسة بآلهة الوطن المسكون بالعشاق والعذارى)ص14، وداخل هذه الحاضنة المكانية، يتحرك مستوى دلالي واحد، هو الشخصية التي تتوزع بصورة غير متوازية بين (عدنان) الشخصية و(نغم) و(الجنود)، فعلاقة (عدنان) بـ(نغم) هي علاقة استذكارية مرتبطة بالمكان الافتراضي (لم أهذي وسأبقى كذلك أطرز أحلامي ساقية عشق تتورد فيها أشجار قريتي فتبرعم ثانية أعمل او لا أعمل حفلة ميلاد لحبيبتي الصغيرة (نغم) )ص15، أما علاقة (عدنان) بـ(الجنود) فهي علاقة مباشرة متماهية مع صورة المكان (الجبهة)، وربما تكون في بعض الأحيان منطلقا إلى المكان الافتراضي، أما (نغم) و (الجنود)، فلا توجد بينهما علاقة مباشرة ولكنهما ربما يشتركان بارتباطها بالشخصية الرئيسية.

أما نص (أول فتاة في العالم)ص16، فأن الحاضنة التي تحتوي المستويات الدلالية للنص، هي الصيغة المجردة للمكان، أما تلك المستويات فهي الشخصية الرئيسية وهي الراوي، وأيضا (الغرفة) التي تظهر في النص كشخصية فاعلة وحركية (زحفت جدران الغرفة حتى ضاقت زواياها المبتلة بدموع الغربة وهي ترتدي الوحشة التي بصمت على الأبواب بقع الظلام)ص17، أما العلاقات التي تنشأ داخل تلك الحاضنة فهي علاقة الشخصية الرئيسية بالغرفة والتي تظهر بأنها علاقة تبادلية (تتكة الساعة تسرق السكون المخيم في الغرفة وتبرز كآبة الجدران الملفوفة بوحشة المساء، وقلب طير يرفرف في قفص الأضلاع)ص16، وهي أيضا فسحة لتشظي الذات (وأنا أتلوى من وحشة المكان وأذوب ألاف المرات بين أشيائي، واضطرب في اختيار أماكن الاطمئنان)ص16، ومع ذلك فأن تلك الذات تحاول الانعتاق نحو الخارج.

أما نص ( الغريب في الرحلة)ص45 فان حاضنته هي الذات المولدة للأفعال والصور، وعلاقتها بـ(أنا) النص هي علاقة استكشافية، بينما يأتي باقي الشخوص ومن بينهم الصوت الأنثوي والأخر صاحب الوصية والقوم النحاف والذين يأكلون الجيف..الخ، بصورة ثانوية، وتبدو علاقتهم بالذات الحاضنة علاقة وصفية جاءت لتعزيز الغرائبية التي تسيطر على المكان وأفعال الشخصية، فالمكان يرتبط بالذات بعلاقة توالد، وان بدت النظرة إليه في بادئ الأمر نظرة خارجية موضوعية مفصولة عن الذات، بيد إن ما أظهره النص من صور غرائبية، قرب المكان إلى النظرة الذاتية المتكيفة مع زاوية نظر الراوي للمكان الافتراضي (لما اشتد عزمي في الدخول انهمر الماء الذي شاعت منه رائحة طيبة على جسدي وألبست ثيابا غير ثيابي ثم في عالم غير هذا العالم الذي أنا فيه امتطيت فرسا غريبة الأطوار سريعة الجري)ص45.

أما نص (كان سفري في إحدى عربات القطار)ص48 فكانت الحاضنة هي الصيغة الزمكانية، مع إن البنية الزمنية بدت خافته، ولكنها موجودة بصورة ضمنية محركة الشخصية الرئيسية، التي هي (أنا) في المكان الذي يتوزع طبقا لتلك الحركية (كنت وحدي بالضبط واعلم إن لا احد في الشارع سواي وقبلها كنت في الدار وحدي أتحسس أشيائي على ضوء شمعة قريبة إلى الخفوت ولم يكن هنالك غيري)ص49، أما علاقة هذه الحاضنة الزمكانية بالشخصيات، فهي عكس ما ظهرت عليه في نص (تكويرة اللانظام) حيث تكون الزمكانية فعلا توليديا، أو مولدا من خلال علاقته بالشخصيات، بيد إن هذا النص يأخذ فيه المكان إطارا موحيا للتغيرات التي تطرأ على الشخصية وحركيتها داخل الزمان المضمر (وحل وأمطار غزيرة وشارع ضيق والساقية الوحيدة فيه مختفية كما اراها من فوق سطح الماء، كنت اضع يدي فوق الهواء اقول كلمات فيها رائحة نفاذة من الحب فتتشظى في الاثير)ص48، (قريب جدا من حافة المصطبة الطويلة تحسست برودة الخشب)ص49، (حرت والطريق الموحل، برودة سرت قوية مع توازي الرطوبة، اقتربت من نعومة المساء، لم اسمع إلا صفير الريح والوحشة)ص49، أما علاقتها بـ(أنا) المتكلم الشخصية الرئيسية والراوي، فهي علاقة استكشافية، بينما علاقتها بـ(هي) هي علاقة وجودية، فللشخصية الرئيسية وجود داخل النص حيث يحرك دواله ويتناوب مع المكان في تعزيز إشاراته وتوجيهها، بينما (هي) فهي وجود مموه، وان حققت نوعا من الحضور من خلال الحوار، لكن النص يظهرها دائما (توارت)ص48، (ذابت أناملها في يدي)ص48، وأيضا (حين التقيها كمن أقبض على ريح)ص50، وكذلك (تغطت تمتما بشعر طويل)ص50.

إن العلاقة مابين (الزمان والمكان والحدث والشخصية) هي علاقة تبادلية، تتشكل نصوص المجموعة على وفقها، وربما نجد نصوصا أخرى لديها نفس المشتركات مع ما طرحناه هنا، وربما هناك ما يفارق طرحنا بيد إننا اكتفينا بهذه النماذج ظنا منا بأنها قد أجلت الفكرة التي أردنا توضيحها..

الحانوتي والحساب/ ماهر طلبه




فاكرين لما زمان قلت لكم إن النقاش* دا أهم واحد في الدنيا ، في الحقيقة أنا فعلا كنت فاكر كدا ، لكن إللي بان لي بعد العمر الطويل دا ، إن النقاش مش أهم واحد في الدنيا ، هتسألوا طبعا أُمّال مين ؟ .. هأقول لكم وهتستغربوا .. الحانوتي .. الحانوتي هو أهم واحد في الدنيا ده .. ليه؟ .. لأنه هو الوحيد إللي فعلا بيقدر ينقل البني آدم من دنيته الفانية لجنته أو ناره .. حياة دايمة .. علشان كدا ربنا ساب البني آدم يتعلم كل حاجة بنفسه إلا الدفن ، لما بعت لي " الغراب " صديقي العزيز يعلمني الحفر والردم ويمكن يكون رش ميّه - علشان يخضر دنيتي - بس أنا ساعتها ماخدتش في بالي ..

دلوقتي نبتدي حكايتنا .. من زمان .. زمان قوي .. عايش حانوتي .. محله صغير يميزه عن باقي محلات الشارع بيبانه السودا ويافطة كاتب عليها "نوصلكم ... نريحكم ... نحاسبكم " .. الناس كانت دايما لما تعدي من قدام دكانه .. طبعا بتتشائم دا العادي ، لكن كمان كانت بتستغرب قوي من حكاية " نريحكم ، ونحاسبكم " لأنهم كانوا فاهمين المقصود ب " نوصلكم " أو همَّ فاهمين كدا .

في يوم وهو قاعد ساعة مغربية على باب دكانه جاله راجل عجوز

- سلام عليكم

- عليكم السلام

- عايز أدفن .

- مين مات ؟

- أمي

- أمتى ؟

- من زمان .. بس النهاردا جت لي في المنام ، وطلبت إنها تندفن .

ماحتارش ولا استغرب .. هو عارف من كتر ما شال وحط إن مش كل الناس إللي بتموت بتندفن يوم موتها ، زى ما كثير من الناس إللي فاكرين نفسهم عايشين همَّ في الحقيقة ميتين ومدفونين كمان.

- وماله .. إحنا مالناش إلا راحتك وراحة الميت ... احك لي قصتك

- أبدأ منين ؟ .

- ابعد عن يوم ميلادك واحك من أى حتة .. المهم أبدأ .

- ما أقدرش أقول إن هى ده لحظة بداية الحكاية ، لكن أول كلمة أفتكرها لأمي .. لما كان يطول بىّ السهر.. دايما كانت تضحك في وشي وتقوللي

: يا ابني روح نام علشان النهار يطلع ، طول ما أنت سهران مش هيجي نهار ، مش هيتفتح باب للرزق ، هيموت حلمك مخنوق م الضلمة .

ماكنتش فاهم ، وكنت دايما أسألها .. فتحكي حكاية من حكايات واحدة اسمها شهرزاد بالنسبة لها كان النهار نجاة لإنه مكان نوم شهريار..

مرة رمت علىّ سؤال .. يومها كانت لسه راجعة من دفنة أبويا .. ماليها الحزن ومغطيها تراب القبر وملونها السواد ..

: تفتكر ليه الدنيا من بين كل الأشكال إللي اطرحت قدامها - من أول ما بدأ الكون – اختارت نص أبيض ونص أسود .. وليه اختارت اللغة لنفسها تنقسم نصين ... إما الفرح وإما حزن ؟ .

مش فاهمك يا أمّى ...

- أنت فاهم ؟

الحانوتي يهز الراس ...

- احك قصتك ..

أيامها .. كنت بحب الليل أكثر من النهار ، يمكن لأن صوت الباجور فيه بقى أوضح من أى صوت ، هتسألني وإيه جاب الباجور ؟ ... لازم هى .. أنا صحيت في يوم لقيته فوق رأسي .. "بيرغي " .. حكاياته إللي بدأها معاها .. الدوشة إللي كانت دايما تنقطع لما ميّتها تفور ، فيطفى ...

كنت باحبه ، رغم إن الطبيعة بتقوللي إنها بتاعتي أنا بس ، وإنها مش ممكن تقبل القسمة على اثنين ....

ويمكن لأن سما الليل الصافية كانت بتسمح للنجوم توصل لشباكي وتقف قصادي تشاور وتناغش وتلاعب لحد ما في يوم اتعلقت بواحدة منهم (قوي ) .. ساعتها قالت لي .

: يا ابني إللي بيتعلق بالنجوم يبقى بيحلم ، بيبقى متعلق في حبال دايبة .. إن ماكنتش خايف على قلبك خاف على راسك .

واختفت النجوم ، وفضيت السما ... وخسرت قلبي

- وبعدين .

كبرتُ ، وكبرتْ ... بعدتُ ، فبعدتْ ... مشي الباجور وسابها لوحدها ... زرتها مرة .. أفتكر مرتين .. يمكن ثلاثة .. في كل مرة كانت بتبقى قريبة قوي وكنت بأبقى بعيد جدا ... عايز تسأل عن الباجور ... سمعت مرة إنه هب فيها ، ومرة مالقتش ثمن الجاز علشان تولعه ، ومرة لمحته ولمحت جاره بتطبطب عليه .. ومرة ، ومرة ... سمعت ، لكن لحظة الفراق ماعشتهاش ولا حتى لون ، لكن كانت مرسومة على وشها خطوط.

طلبتني في مرضها الأخير .. أقول لك الحق ماكنتش فاضى .. أنت عارف مشاغل الدنيا والبيوت .. لكن لما ألحت رحت .. كانت اتغيرت خالص .. شفت ضحكتها ميتة جنبها على السرير ، وشها مكرمش كأن الأيام كانت بتعجن فيها ، بياض عينيها كان على وشك إنه يقهر السواد فيسود الظلام ... حاولت تشد الوش ، تلمع الصوت ، تدخل نور عينيها في عيني .. حضنتني ومسحت دمعة ، يمكن دمعتين .

" ليه اللغة حصرت نفسها في الفرح أو الحزن ، وليه القسمة بين الأبيض والأسود ؟"

كنت بحبها قوي بس لازم أمشي ... كنت مشتاق – قوي – لأيام زمان ، لكن زمني كان بيطاردني ... كان نفسي – قوي – أبكي في حضنها وأسمع ضحكتها ، لكن دموعي ضاعت مني وضحكتها ماحضرْتش حتى دفنتها ... قلت لها هاجي تاني .. وخرجت ونسيت .

" ليه القسمة بين .... وليه اللغة .... ؟"

أقول لك الحق .. مرة سألت نفسي إحنا ليه كدا .. هو الفراق قدر ولا إحنا إللي بنختاره ، لكن لما خبط السؤال بابي ، كان الصبح عايز يطلع والليل زهق مني فشدني للنوم .. للحلم .. وفي الحلم جت و سألتني ... وحكت حكاية لشهرزاد ...

أنا حزين لأني ماقدرتش أجمع حكاياتها في كتابي ، تعتقد هيجي إللي يقدر يجمع الحكايات ؟
-
- كنت متجوز .. مراتي ماتت من زمن أطول من زمن موت أمي
-
- أنا عمري ما دفنت حد، حتى قصة الحب إللي عشتها وضاع بسببها قلبي ، لسه شايلها جواه مادفنتهاش .. يمكن في يوم تاني أقدر أعدي عليك علشان ندفنها هى كمان .
-
- أيوه .. عندي ابن وحيد .. متجوز وعنده بنت فيها شبه كبير من أمي .. مدة طويلة مشفتهاش ..من ساعة ما كانت لسه طفلة بتدور على مستقبلها في الأرض وهى بتحبي
-
- بيزورني .. ما أقدرش أقول لا .. لكن من كام سنة .. قبل الخطوط ده ما تترسم على وشى ، والشعر دا ما يبيض ، وتقع منى اسناني والسنين .. ماجاش ...
خايف اضطر أبعت له بعد ما تموت ضحكتي إللي بدأت تخرج من عندي وتتوه ، فأدور كثير لحد ما ألقاها نايمة فى شارع أو مرمية في صفيحة زبالة .. نفسى أتأكد إنه هيقدر يرفع خشبتي ويشارك في دفني ، ويرش المية على تربتي (يمكن تخضر دنيتي ) ويقرا علىّ الفاتحة .. نفسي .

هز راسه وسابني .. قام فتح درجه .. خرج منه خشبة وحتة قماش بيضا قد الكف .. قعد قدامي .. طبطب علىّ وقاللي

- شوف أنا ما أقدرش أضحك عليك .. الدنيا كاس داير ، إللي تصبه فيه هو إللي هتشربه .. كمان مافيش إجابات جاهزة علشان تريح نفسك أو أريحك .. الدنيا مش كدا ، لازم تلاقي إجاباتك لنفسك ، هو دا الحساب إللي لازم تدفعه ... لكن أنا أقدر أقول لك إن هى عملت إللي عليها ، وإن أنت مطلوب منك إنك تعمل إللي عليك .. خد .. روح اعمل زى ما عمل أخوك .. احفر وحطها فى تربتها واردم ما تسبش لحكايتها في الدنيا أثر ، يمكن دا يخليها تبطل تطلع في حلمك ، وألحق إللي بيضيع ماتستناش لما الدنيا تكمل كرمشة وشك وتموت ضحكتك .. ابنك لسه مابقاش بعيد ، مابقاش حلم .

وضحك .. ضحكة صافية ، كأنها بحر بيغسل ويطهر ..

قام العجوز .. مسح على وشه بإيده ، نشف دمعته .. بانت له سما صافية .. شاف على البعد غراب طاير .. استعجب وبص للحانوتي .. وسأله ..

- لما هو لسه بيعلم .. بيحفر ويدفن ويردم ويمكن يكون بيرش مية .. أمّال أنت بتعمل إيه ؟ .. ليه ربنا بعتك ؟ ..

فشاور الحانوتي ليافطته .. وقفل اليوم

عارفين الحكاية ده مش زى كل الحكايات إللي كتبتها قبل كدا ، مش أغرب ، لكن مختلفة .. يمكن لإنها حكاية الحانوتي آخر واحد بنشوفه قبل ما يتقفل علينا القبر ويمكن لإن كتير مننا بيقضى كتير قوي من عمره ويمكن يموت كمان من غير ما يفهم أو يوصل إلى حقيقة إن الدنيا كاس داير وإن حسابك من كاسك ..وراحتك في إيدك .. أنت فاهمني .. ؟؟!!

* ترجع اهمية النقاش إلى أنه يستطيع تغيير شكل الدنيا عن طريق اعادة دهانها بألوان فاتحة .. يمكن العودة إلى المدونة لقراءة حكاية النقاش واللون .


خليل حاوي ينهض من قبره..!/ شاكر فريد حسن

في هذه الأيام الحزيرانية والتموزية نستحضر ذكرى صاحب "الناي والريح" و"بيادر الجوع" و"نهر الرماد" الشاعر اللبناني خليل حاوي ، الذي حمل صليب الكلمة ونحته بيديه وزرع فيه قبس من نور عينيه ، وارتحل في دمه الموصل الى دم الحياة والوطن والمستقبل ، ممتشقاً بندقية الصيد ومطلقاً النار على نفسه احتجاجاً على الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 والصمت العربي المتواطئ والمتخاذل مع العدوان الشرس. واليوم ينهض من قبره ويرى بأم عينيه سقوط انظمة الذل والعار المهترئة بفعل ثورات الربيع العربي ، التي أشعل شرارتها الاولى الطالب الجامعي وصاحب بسطة الخضار محمد بو عزيزي التونسي.
وخليل حاوي هو أحد شعراء القصيدة الحديثة، الذين احدثوا ثورة تجديدية في بنيتها وشكلها ومضمونها . وهو شاعر القلق الوجودي والمصير الانساني في شرقنا المحزون . في شعره نجد فكر وفلسفة وصوفية وقلق وجودي واغتراب نفسي ، وابتعاد عن الصياغات البلاغية القديمة المصطنعة والنبرات الخطابية الجوفاء والزخرف اللفظي والتقرير الذهني . انه يسبح في أعماق ذاته وتختلط نفسه بالوجود فيتسع أفق الخيال ، وتتداخل الصور ويلفها الضباب والسحاب ، فيهيم على وجهه كغجري بغير رقص وغناء ، وفي تشاؤم وزهد ابو العلاء المعري ونظرته السوداء القاتمة الى الوجود. ونحس بصوره الرهيبة، ونسمع أنين انسان تائه وضائع لا يهتدي الى بر الأمان ، غير أنه ينتفض ليعبر عن دعوته الملحة واصراره على بلوغ الاستقرار المشرق واستشراف الانبعاث الحضاري.
وفكرة الموت كانت من مقومات التجربة الأساسية في "نهر الرماد "، وعن ذلك قال ذات مرة :" كنت أحس الموت يجري مع الدم في عروقي كما أتمثله حقيقة راهنة وراء مظاهر الحيوية المتجددة . وكان هذا الاحساس يفرغ الحياة من المعنى . فتبدى لي باطله ولست ادعي سبباً لتحولي عن معاينة الموت ، ومعايشته كفكرة ثابتة ، غير أن التحول حصل تدريجياً ، وقد تلمحت بعض بشائره في نشيد "بعد الجليد" و"الجسر" من "نهر الرماد" ثم تم بيقين مبرم ، وكان انبعاثاً حضارياً في "الناي والريح".
وخليل حاوي هو شاعر العز القومي الذي شهد الهزائم والنكبات والنكسات العربية المتتالية ، وشاعر المقاومة والفروسية ـ كما نعته القاص والروائي الفلسطيني رشاد أبو شاور ، الذي قال عنه :" خليل حاوي هو شاعر مقاومة حضارية، انه ليس محرضاً آنياً . فهو صاحب رؤيا ورسالة ، ولذا كان أكبر من أن يحتويه حزب أو تيار سياسي ، وهذا ما جعل كثيرين من تيارات سياسية ، وفكرية، يرددون قصائده ، ما داموا قد انتدبوا أنفسهم للمشاركة في قيامة الأمة ". في حين وصفه الدكتور علي شلق بشاعر المحار والشواطئ البعيدة ، قائلاً عنه :" بين أسطر التاريخ ، والكلمة الفنية الرائية ، انطلق طائر خليل ليرى الوجود ، ليكمل نقصه ، ليبني عالمه الجديد في الغرب والشرق والانسان ، فهو كبير الرؤيويين في شعرنا المعاصر ، رافض كبير لتفاهة الحاضر ، مسيح كلمة غضوب جاء ليطهر الهيكل، عصاه بهلوانية تلعب لعبة العقل، والضمير في آن واحد. لكن تلك العصا كادت تنسى عهد الورق الأخضر فبدت صلبة، ذات رنين يعوض بنغمة ما فات من تذكارات الظلال".
وأخيرا، خليل حاوي سيبقى رمزاً للشهادة دفاعاً عن كرامة شعب وهزيمة أمة ، وسيظل حي بأشعاره وقصائده الرمزية ، التي تلهمنا حب الحرية ، وها هي روحه تنهض من جديد لتعانق ثورات الشعوب العربية الممتدة من تونس حتى سوريا.

من تاريخ الصحافة الفلسطينية في المنافي مجلة "الأفق" / شاكر فريد حسن


"الأفق" مجلة فلسطينية اسبوعية سياسية جامعة ، بدأت بالصدور، بعد الخروج الفلسطيني من بيروت ، عن شركة منشورات "الأفق" في نيقوسيا ـ قبرص . كان رئيس تحريرها محمود الزايد ومدير التحرير خالد عيسى. أما هيئة تحريرها فتشكلت من احمد دحبور وامجد ناصر وسليمان الفيومي وفاروق عبد القادر.
تميزت "الأفق" بالطابع السياسي والفكري وتبني وجهة نظر وموقف منظمة التحرير الفلسطينية تجاه الأحداث السياسية والقضايا الفلسطينية والعربية والعالمية ، ورغم صبغتها الفلسطينية الا أن موضوعاتها لم تنحصر في الشأن الفلسطيني فحسب ، وانما تركزت في الشأن العربي أيضاً.
وقد خصصت "الأفق" حيزاً من صفحاتها للجانب الثقافي وللمنوعات، وكرست زاوية ثابتة للشاعر الفلسطيني المعروف احمد دحبور بعنوان "حجر في الهواء" ،وأسهم الناقد الفلسطيني فخري صالح في كتابة المقالات والمعالجات النقدية، عدا عن زاوية "مدارات" التي كانت تتناول وتستعرض المطبوعات الجديدة والكتب الحديثة الصادرة في العالم العربي.
وظلت "الأفق" طوال مسيرتها ، التي توقفت في أواخر الثمانينات ، على عهدها واقفة بقوة وعناد الى جانب الشرعية والقضايا الفلسطينية ، وفاتحة صدرها الرحب للأقلام الصحفية الفلسطينية الحرة الملتزمة لتعبر عن مشاعرها النبيلة ومواقفها وأفكارها السياسية والوطنية والواقعية، بعيداً عن المزايدات والمساومات.
ويبقى القول، أن "الأفق" مجلة سياسية متنوعة وشاملة ، كانت تصدر بألوان زاهية وحلة قشيبة وورق ملون ناعم ورقيق . وقد واكبت الحدث السياسي ودافعت عن حقوق وقضية شعبنا الفلسطيني، وعملت على اشاعة الوعي السياسي ونشر الكلمة الوطنية والفكر الواعي والالتزام بقضية التحرير وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية ، وساهمت برفد المشهد الثقافي الفلسطيني بالاوراق الثقافية والادبية والتقارير السياسية والصحفية المنوعة.

ولهذا قررت قص الضفيرة/ فاطمة الزهراء فلا‏


جميل جدا -رائع بشكل مذهل أن يكتب نزار قباني عن المرأة قصيدة رومانسية تغنيها نجاة الصغيرة , فيندمج شاعر المرأة مع صوت الحب لإخراج عمل فني يعيش مدي الحياة هكذا يجب أن يكون الإبداع ....لهذا أنا لا أتعجب حين تفسد كل أغنيات الفاكهة التي تغني بها سعد الصغير العنب والمنجه وخلافه , أعود لإبداع نجاة والقصيدة استمعت إليها في بداية السبعينيات وأنا طفلة في المرحلة الابتدائية أي منذ أكثر من أربعين عاما ومع ذلك فهمتها وتغنيت بها وفد ضبطني عمي عبده فلا متلبسة بغنائها علي درج سلمنا الخشبي القديم في دار العائلة الواسعة وأنا أقول لمن صبايا لمن ؟ شال الحرير لمن ؟ ضفائري منذ أعوام أربيها لمن ؟وساعتها جذبني من ضفيرتي الصفراء الوحيدة وقال في عصبية الرجل الشرقي الذي يخاف العار من الأنثي : بتربيها لمين يابنت الكلب , احمر وجهي واكفهر في آن واحد وتحسست ضفيرتي وقد كرهتها قليلا وغبت في ردهات الدار ولأول مرة أشعر بأن هذه الضفيرة علامة خطر للأنثي وسأت نفسي لماذا أربي هذه الضفيرة وأضع عليها الفازلين وزيت الزيتون وأقص أطرافها واغسلها بالصابون أبو ريحة خلسة , فالصابون أبو ريحة للضيوف فقط أما الصابون البوتاس فهو فقط من حقنا أن نستعمله, ومرت السنوات وفهمت الأغنية أكتر وعرفت أن الضفيرة تلعب دورا مهما في الحب بين الرجل والمرأة وأن الشاعر قديما كان يبدأ الغزل قائلا : يا حلوة يام الضفاير أو يقول من حاول فك ضفائرها ياولدي مفقود , وطالما وصلنا لعملية القتل يبقي الموضوع خطير ومتعلق بالشرف والأخلاق وكل الأفلام التي شاهدت فيها البطلات بضفائر انتهت نهايات مروعة من أول هنادي في دعاء الكروان إلي زيزي مصطفي في البوسطجي والبطل يفك ضفائرها ففهمت علي الفور أن الضفائر المتربية تفقد تربيتها علي يد الحبيب, لذلك أنا كنت متأكدة إن تربية الضفائر فيها إنة وربنا يبعدنا عن تربيتها خوفا من الوقوع في المحظور والفرق بين الغرب المتحرر والشرق المرعوب هوتربية الشعرر ’ فالغرب يجعل المرأة تقصه جرسون يعني زي الولد فتعتبر أنها بهذه القصة قد تخلصت من عار أنوثتها فهي أصبحت رجل ولم يعد يستدرجها رجل ليحل سروالها قصدي ضفائرها , لذا كنا نري الملوك قديما يختارون جواريهم بمواصفات خاصة جدا أولها ألا يقل طول الضفيرة عن متر حتي يستغرق الملك في حلها وقتا طويلا فيصاب بالملل والحباط وأحيانا الرباط فيلعن أبوها وينتقل لغيره وما حدث مع الأولي يحدث مع الثانية , لذلك كانوا يفضلون الغلمان بلا شعر بلا نيلة .

وأنا أعتقد أن نزار كان يروج لمستحضرات التجميل والكوافير ويعلن الحرب علي كل واحدة مالهاش شعر متعللا بأن من أرادت الحب عليها أن تقوم بتربية شعرها وبالتأكيد كانت له نسبة خاصة في شارع الحمرا ببيروت وبدأ الترويج للأمثال مثل الشعر نص الجمال والقارعة تتزين بشعر بنت اخته وياريت بختها زي شعرها وهذا الكلام جميل لكن أين أدوات القتل والقمع التي تواكب التربية من قمل وسبان وخلافه د أنا أربي كلبا ولا أربي شعرا ولكل ماتقدم قررت قص الضفيرةا

صدور العدد الرابع من مجلة بواكير

( من: شاكر فريد حسن)

عن قسم اللغة العربية في كلية "اورانيم" صدر العدد الرابع (حزيران 2011) من مجلة "بواكير" الحولية الادبية الثقافية .
كتب كلمة العدد المربي والكاتب مفيد صيداوي ، المحاضر في الكلية، منوهاً الى أن مواد هذا العدد بغالبيتها من ابداعات طالبات وطلاب الكلية ، وتنم عن مقدرة هامة لديهم ، وتدل على أن هذه البواكير ستشارك في المستقبل في الحراك الأدبي والثقافي في البلاد.
وتستضيف المجلة الاديب الشاعر والروائي المعروف حنا ابراهيم الياس ، الذي يتحدث عن حياته وتجربته الأدبية واعماله القصصية والروائية ونشاطه الثقافي، في حوار أجرته ياسمين سواعد.
ومن مواضيع ونصوص العدد نقرأ "في غياهب الروح" بقلم الاء سلامنه ، و"لو اتذكر وجه أمي" و"آه يا قيره" للاستاذ وفقي سلامنه ، مدير مدرسة الكعبية الثانوية وطالب في الكلية للدرجة الثانية ، و"وردة الحب" لسمر سالم ، و"بين رؤيا وحلم" لماجدة الحلبي المرعي، و"مصر تتحدث عن نفسها" لرهام اسعد، و"وقفة مع اللغة" لصبحيه حسن ، و"فنجان فارغ" لدعاء قصيني، و"الاستبداد " لدعاء قطيش .
هذا بالاضافة الى قصة للاطفال بعنوان "قالب الكعك" للكاتبة انتصار عابد ـ بكري، ومقال عن الشاعر والاديب جمال قعوار من أوائل من كتبوا للأطفال ، كتبه المربي مفيد صيداوي ، و"لغتنا العربية والمنهج" للاستاذ الشاعر علي هيبي .
يشار الى ان مجلة "بواكير" هي من تحرير واشراف الكاتب والمربي مفيد صيداوي ، وساهمتا في تحرير هذا العدد "الاء سلامنه " و"رهام اسعد ".

من ذاكرة الأيام: الشاعرة فدوى طوقان في عبلين الجليلية! شاكر فريد حسن

كان ذلك في أيار عام 1998 ، حيث نظمت كلية مار الياس في عبلين الجليلية المهرجان الثقافي الاول ، واختتم بعرس فلسطيني مطرز بالألحان والكلمات والأنغام . وكانت العروس الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الراحلة فدوى طوقان ، ابنة عيبال وجرزيم ومدينة جبل النار ـ نابلس.
وكانت الشاعرة طوقان اجتمعت بطلاب الكلية ومعلميها وضيوفها ، وتحدثت عن تجربتها الشعرية التي بدأتها بديوان "اعطنا حباً" وسردت مسيرتها مع الشعر والكتابة الأدبية والسيرة الذاتية وعلاقتها الانسانية والأخوية المتميزة والخاصة مع شقيقها الشاعر الفلسطيني الراحل ابراهيم طوقان ، الذي وقف الى جانبها وشاركها همومها وهواجسها واحلامها وعمل على تنمية موهبتها ومدها بالكتب ونشر قصائدها ورفع الغبن والظلم الاجتماعي عن كاهلها.
وجرى حوار أدبي شائق وممتع مع فدوى طوقان أجراه الأستاذ الياس عطااللـه . وانفعلت شاعرتنا المرهفة الحس وتأثرت كثيراً ودمعت عيناها حين قال لها الياس شقور أن أجمل هدية تسلمها خلال مكوثه في حضرة رئيس الوزراء الهولندي قصيدة "لن أبكي" للشاعرة فدوى طوقان . وهي قصيدة جميلة ومدهشة تعبر عن قومية هذه الشاعرة الرائدة ، وكانت أهدتها الى شعراء المقاومة في الداخل الفلسطيني ، هدية لقاء في حيفا.. ويقول مطلعها:
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور
بين الروم والشوك
وقفت وقلت للعينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار
وقد شارك في هذا المهرجان الشاعر فهد أبو خضرة والشاعر العبليني الراحل جورج نجيب خليل .اضافة الى جوقة الكروان العبلينية ، التي قدمت باقة من الأغاني الوطنية والتراثية العابقة برائحة الوطن والتراب وزعتر الجليل والكرمل ، ودغدغت مشاعر الحاضرين وامتعتهم وأطربتهم ونالت استحسانهم.
وهكذا انتهى اللقاء سريعاً كالبرق مع عروس المهرجان الشاعرة والأنسانة الهادئة الطيبة الراحلة فدوى طوقان ، التي تعطرت بدفء كلماتها وتشرفت بمعرفتها شخصياً . وبقي هذا الملتقى الذي جمع بين عشاق الكلمة والروح الشاعرية ، ذكرى حية في الوجدان وذاكرة الأيام ودفتر الذكريات . وطابت ذكرى عاشقة الوطن وشاعرة فلسطين الخالدة في واحة الابداع ـ فدوى طوقان ، التي تركت وراءها شعراً وطنياً وجدانياً رومانسياً طافحاً بحب الوطن وعشق الطبيعة وتمجيد الانسان ومعانقة الحرية .

ماريو فاغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود/ نمر سعدي


يحتلُّ الروائيُ البيروفي المبدعُ والمثيرُ للجدلِ الحائزُ على نوبل الآداب لعام 2010 ماريو فارغاس يوسا مكانةً عاليةً ومهمَّةً على خريطة الأدبِ العالمي الحديثِ.. ويحتفظُ بلمعانٍ الأديبِ النجمِ المشاكسِ الاستفزازي والمسائل أبداً على مشهدِ الروايةِ في أميركا اللاتينيَّة خصوصاً وفي العالمِ عموماً.

فهو في نظري الذي قد أختلفُ مع غيري فيهِ من أهمِّ خمسةِ روائيين عالميين أحياء وينضمُ إليهِ في هذهِ القائمة جابرييل غارسيا ماركيز الكولومبي وأورهان باموك التركي. وهو أحد أروع الكاتبين بالإسبانيةِ ذاتِ الجرسِ الجميل والإيقاعِ المتواتر على الإطلاق.. وبما أنَّ الشاعرَ التشيلي بابلو نيرودا أقربُ الشعراءِ العالميين إلى قلبي فإنَّ ماريو فارغاس يوسا أقربُ روائي عالمي إلى نفسي الباحثةِ في رواياتهِ عن استيهاماتِ الحبِّ في مدلولهِ الجسديِّ.. وعن الجمالِ الصارخِ في كلِّ تهويماتهِ وإيحاءاتهِ ورموزهِ ويقاسمهُ أحياناً هذهِ المنـزلة الساحرُ بطريقةِ سردهِ التخييلي الكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز.

وبما أنَّ يوسا أستاذٌ في الأدبِ الإيروتيكي الذي أخذَ بالرواجِ في الفترةِ الأخيرةِ فقد اعتبرتهُ الأبَ الروحيَّ والمرشد للكثير من الأدباء والروائيينَ العرب الذينَ ركبوا هذهِ الموجة لحاجة في نفسِ يعقوب ومنهم المغربية فاطمة المرنيسي الباحثة في تاريخِ الجنسِ عند العربِ وصاحبة كتب شهيرة في هذا المجال.. والسورية سلوى النعيمي صاحبة " برهان العسل" والسوداني رؤوف مسعد صاحبُ "بيضة النعامة" والمغربي محمد شكري صاحب رواية "الخبز الحافي" الجريئة والصادمة الضاجَّة بالألمِ البشريِّ والبؤسِ الإنساني.

يتبنَّى يوسا في كتابتهِ فلسفةً تحتفي بالجسدِ الأنثويِّ وتقدَّسهُ بصفتهِ أحدَ أهمِّ الرموز التي تستندُ عليها فكرةُ السعادة الأبديَّة وبصفتهِ ملاذاً للإنسانِ المعاصرِ من أتعابِ المادَّةِ وهموم الحياة.. فماريو يوسا كاتبٌ ماجنٌ أبيقوريٌ حتى العظمِ وهذا ما جعلهُ ينقلبُ بعدَ ذلكَ على أستاذهِ الأديبِ الفرنسيِّ جان بول سارتر.. ونراهُ في بعضِ كتبهِ يذهبُ بعيداً في فلسفتهِ تلك وتعريتهِ لمكنوناتِ الجسدِ كما حصلَ في كتابيهِ الحافلين بفن الإيروسيَّةِ " مديحُ الخالة" و" دفاترُ دون ريغو بيرتو" حتى يغوصَ إلى قرارٍ لا يفصل بينهُ وبين الأدبِ البورنوغرافي الإباحي سوى خيطٍ رفيع.

يوسا يختلفُ في أفكارهِ الماجنةِ عن الكثيرِ من الأدباءِ الذينَ تناولوا الإيروتيكيَّة في كتاباتهم. فهو يختلف عن هنري ميلر الكاتب الأمريكي مثلاً فهنري ميلر رغم علوِّ مرتبتهِ في هذا المجال إلاَّ أنَّهُ يبقى سطحيَّاً وعادياً في أغلبِ رواياتهِ الإيروتيكيَّة ولا يحمِّلُ السردَ فلسفةً راقيةً أو يستندُ إلى تناصٍ ثقافي تاريخي كما يحصلُ مع يوسا في مديحِ الخالة التي نشرها عام 1988 في غمرةِ عملهِ السياسي وسعيهِ لانتخاباتِ الرئاسة في بلدهِ البيرو بلد الحالمين وعاشقي الكواكب والجبال وشخصٍ يعدُّ المواطنين بالقمر.

هنري ميلر يضربُ على وترِ الجسدِ وترِ الغريزةِ والشهوةِ الجسديَّةِ بينما يضربُ يوسا على وتَريْ الروحِ والجسدِ معاً ولهذا السببِ يغوصُ إلى أعماقنا اللا متناهيَّة ويقنعنا بما يقول.. لا سيِّما أنَّ لغتهُ ساحرة ولا ينقطعُ خيطُ التشويقِ في كلامهِ بالإضافةِ إلى ثقافةٍ شاملةٍ مذهلةٍ تقتنصُ ما طابَ لها من التراثِ الجماليِّ الإنساني

فهو مثقَّف موسوعيٌّ يجمعُ إلى الثقافاتِ القديمة ثقافةً حديثةً طالما حيَّرتني.. لهذا السبب نجدُ في رواياتهِ خلفيَّات لموروثٍ هندي أو صيني أو شرق أوسطي ونلمحُ أثر ألف ليلة وليلة واضحاً في الكثير من شطحاتهِ الجنسيَّة .

يوسا كاتب ذكيٌّ بامتياز وواصفٌ ماهرٌ ذو ابتكارٍ عجيبٍ ومثيرٍ صاحبُ طريقةٍ ومدرسةٍ في علمِ الجسدِ.. وهو أيضاً ساردٌ قلَّ نظيرهُ ينتقلُ من صورةٍ إلى أخرى ومن مشهدٍ إلى آخرٍ ببراعةٍ أسلوبيَّةٍ نادرةٍ وخفيفةٍ على القارئ.. وأعترفُ أنني أقرأهُ بتروٍّ بالغٍ لكيْ أصلَ إلى ما تريدُ عبارتهُ المجنَّحةُ والشفَّافةُ أن تحملهُ لي من رعشاتِ كهرومغناطيسيَّة باذخةِ الطاقة.

وكم اعترفتُ لنفسي بأنَّ الكتابةَ عن عبقريٍّ بحجمِ يوسا صعبةٌ للغايةِ لتفردِّهِ في عالمِ الروايةِ وتنوُّعِ خيالاتهِ وأساليبهِ وأفكارهِ.. حتى قرأتُ مقدِّمةً ضافيةً كتبها الشاعرُ والمثقَّفُ اللبنانيُّ الفذُّ اسكندر حبش لروايتهِ " دفاتر دون ريغو بيرتو" التي صدرتْ في بيروت قبلَ بضعةِ أعوام بترجمة السوري صالح علماني.. فوجدتُ فيها ارتواءً سخيَّاً شافياً وعزاءً ما عن عجزي ووجدتُ أيضاً ما كنتُ أبحثُ عنهُ من ضالةٍ مفقودة. على ضوءِ تحليلٍ نقديٍّ يحسنهُ اسكندر حبش.

لا أعتقدُ أنَّ شغفَ يوسا بسارتر الأبِّ الروحيِّ للوجوديَّة قد أضرَّ بهِ كثيراً فسرعانَ ما عرفَ الشابُ طريقهَ وكوَّنَ ذاته الأدبيَّة متفلِّتاً من سطوةِ سارتر وفلسفتهِ الداعيةِ إلى الإلتزامِ بالقضايا الكبرى سياسيَّاً واجتماعيَّاً . فقامَ بإنشاءِ مدرسةً أدبيَّةً تسعى إلى تغييرِ الواقعِ عن طريقِ المتخيَّل والحلم.

عبرَ قراءةِ يوسا نجدُ تشابهاً ملفتاً بينَهُ وبينَ أدباءٍ باروكيينَ أو شهوانيين آخرين مثل الكاتب الفرنسي أناتول فرانس أو الروائي البريطاني غراهام غرين وغيرهم. يرجعُ هذا التشابهُ في نظري إلى إعجابِ يوسا بهؤلاءِ الكتَّابِ وبهذا النوعِ من الكتابةِ الإيروسيَّة التي أطلقَ عليها بعضُ النقَّاد مصطلح " الكتابة الوقحة " ولكننا الآن نطلقُ عليها مصطلح الكتابة "الإستفزازيَّة" أو الكتابة الجريئة المتحرِّرة.

طالما ردَّدَ ماريو يوسا في لقاءاتهِ وأبحاثهِ الأدبيَّة عبارة " الحقيقة عبر الكذب" ليعبِّر عن مناخِ رواياتهِ التي تأتي من مكانٍ ما هناك بعيدٍ ومتخيَّلٍ .. أشبهَ بفردوسٍ مفقود.. ولا أجدُ أصدقَ من هذهِ العبارةِ للتدليلِ على رواياتهِ.

زجاجة نبيذ لعيد الزواج/ نبيل عودة


أعددت مفاجأة لزوجتي . قلت لها ان لا تعد هذا المساء أي لون من الطعام، فانا سأدعوها الى مطعم فرنسي فاخر. سالتني باستغراب لا يخلو من استهجان:
- هل فزت في الياناصيب الذي تصرف علية ربع معاشك؟
نفيت أي فوز وأخبرتها انها مفاجأة .
نحن متزوجان منذ عقدين كاملين، وحان الوقت لاجراء تغيير ما يبعث التجديد في حياتنا. يشعرها انها ما زالت زوجة مرغوبة، لعل ذلك ينسيها مغامراتي المجنونة.
كانت المناسبة عيد زواجنا، ولكن لكثرة ما مرت من سنوات دون ان نتذكره، استقر في مكان ما ، منسي، داخل الذاكرة.
لم تفهم سر طلبي ان ترتدي بشكل جميل. يبدو انها حاولت جاهدة ان تكشف هذا التغيير في تصرفاتي.
وصلنا المطعم، الجو شاعري ولطيف، وضوء أحمر خفيف يلون جو المطعم،على خلفية الستائر السوداء التي تتدلى من جميع الحيطان، حتى السقف مدهون بالأسود، لأول مرة أكتشف ان هذا اللون ، الأسود، ليس لون حزن فقط، انما لون يبعث على الكثير من الشعور بالاسترخاء ، الذي يكسره الضوء الأحمر الخافت بخلق الإحساس بجو شاعري ..
كانت الطاولات مشغولة، بمعظمها ، أجلسنا مدير الاستقبال في زاوية هادئة، وصوت موسيقى هادئ ينطلق من السماعات دون ان يزعج ، بل يترك جوا مشبعا بالراحة والاسترخاء.
- ما المناسبة لهذا الكرم الطائي؟
- ما هو تاريخ اليوم؟
- ما العلاقة؟
- هل ضعفت ذاكرتك؟
بعد برهة من التفكير انتشرت ابتسامة عريضة على شفتيها:
- يوم زواجنا..كدت أنسى، عقدان لم نحتفل بهذا اليوم ، كيف تذكرته ؟
- يجب ان نبدأ بالاحتفال ، الأولاد كبروا، والآن يجب ان نتمتع ببعض ما نقدر عليه.
اقترب منا سفرجي، مبتسما بشكل اصطناعي:
- تفضلوا.. ماذا تطلبون؟
- اريد أولا زجاجة نبيذ ، بماذا تنصحنا؟
- والمناسبة؟
- عيد زواجنا.
اتسعت ابتسامته كثيرا وسأل:
- حسنا، قل لي أولا، هل جئتم للإحتفال ام للنسيان؟
عبستْ ، ولكن زوجتي انفجرت بالضحك الشديد !!

الراوية الفلسطينية بين استنساخ الماضي واستحضار الحاضر/ هدلا القصار

ابات الروائية والقصص الأدبية، هي العماد الذي تعتمد عليه لغاتنا في المنطقة، التي لا تخلو من التطورات. ولا شك أيضاً أن هناك كتابات لكتاب من الشرق والغرب كتبت منذ سنوات طويلة، وما زلنا نجري وراءها كلما فكرنا بإبداع الكتابة.

نأتي بها لندفع أقلامنا تجري على الأوراق كأحصنة السباق. وهناك أسماء ما زالت منذ بداياتها تغذي موهبتها بطريقة أكثر ارتقاءً، مما جعلت أقلام النقاد والكتاب والمثقفون يجرون ورائها حتى يومنا هذا، لكن ليس على طريقة بعض نقادنا اليوم الذين استنفذوا طاقتهم ومواهبهم وهم يكتبون عن الكمية الأدبية، لهذا الكاتب أو ذاك، متلافين الاهتمام بإبداعات الكاتب أو تصنيف نوعية ثقافته . نستذكر رأي والأديب الفيلسوف، جان جاك روسو، الذي قال: "إن الإنسان يجب أن ينمو داخل الانتربولوجيا كما هي طبيعته العامة."لعل الناقد يستفيد من هذه المقولة، لان من السهل المؤكد أن نعرف أسباب الحرب والاحتلالات والثورة في المنطقة التي نريد أو تخصنا، من خلال عالم التكنولوجيا الحديث، لكن من الصعب أن نحدد مزايا المجتمع وعقائده، وتحركاته الاجتماعية، والحضارية، معرفة صحيحة عن هذا المجتمع أو ذاك الشعب إلا عن قرب، أو من خلال كتاب تدفعهم الأمور الحياتية للكشف عن المجاهل التي تعترض لها الحياة العادية، والأحداث الحية الكامنة بالمفاجآت، مستذكرين عبر كتاباتنا يوميات الواقع الإنساني وتأثيره على المجتمعات من حولنا، مخاطبين الفرد من خلال عالمنا الأدبي، ناقلين له تفاصيل الواقع، معبرين عن لحظات أوجاع مجتمعنا في موقعه الجغرافي، من خلال القصص والروايات، لتعديل عروض سيرها بعد عرضها على المتلقي والناقد المبدع الشاهد على مجتمعات تتعدد فيه الظواهر، كتعدد اللغات، والموضة، والديكور، والتصوير، والأفلام السينمائية، أو كالأنظمة التي تعكس اتجاهات شأنها شأن تلك الكاتبة أو ذاك الأديب، كما يدور هنا من خلف ستائر قطاع غزة، في حلقات الندوات المخصصة للعلاقات الدعائية التبادلية، بدل أن تبقى الصلات المفترضة مفتوحة بين المجتمع وبين الكاتب الأقوى إيصالاً.

و لو حاولنا الدخول إلى "مطاعم" الروايات والقصص الحديثة، واستعرضنا "مأكولات" أدباء الحرب في فلسطين، وتحديدا في نتاج مدينة غزة، لبعض الكتب الروائية والقصصية، لوجدنا العديد من منها مستنسخة من الماضي الاحتلالي أو النضالي، الذي لم تتطور أقلام أدبائه، إلا من عنصرية بعض اللذين ما زالوا يؤرخون في صفحات منشوراتهم، مواقع بلداتهم وقراهم على جغرافية الحاضر المستمد من تاريخ الاحتلال "الفيتو مينو لوجي"، الممزوج بالصراعات، والألم، وضياع الهوية، المؤسطر في منولوج صور حلم استرداد ما فقده الشعب على أيدي المحتل، من حكايات وقصص حبكت بأقلام رواد كبار الأدباء تسابقة أقلامهم فيما مضى على رسم أعمدة الأوجاع والتشرد والهجرة واغتصاب الأراضي، وعواصف خيبات قضيتهم من جنون التاريخ، لأدباء فلسطينيين سابقين أمثال: أميل حبيبي، وحسين البرغوتي، وغسان كنفاني، ومحمد أبو النصر، ومحمود شقير، وخليل بسيوني، وعبد الله تايه، وجبرا خليل جبرا، ويوسف الخطيب، وعبد الحميد الانشاطي، ونواف أبو الهيجاء، واحمد عمر شاهين، وعلي فؤاد، وسميح القاسم، وزكي العيلي .

وهناك العديد من هؤلاء الأدباء يتخوننا ذاكرة اسمائهم، لا يحتاجون لتعديل قصصهم عن القضية الفلسطينية، أو تكرار قصصهم وموضوعات رواياتهم. كما لم يعد المجتمع نفسه بحاجة إلى مطبوعاتهم الفوتوغرافية، المعروضة في المطاعم الأدبية، المنشغلة باستحداث أشكال كراسيهم وكراساتهم، التي اكتسحت مؤسسات النشر في الضفة الغربية وقطاع غزة، معتقدين "أن لكل قائل مجداً مجدداً."

لقد ترددت كثيرا قبل الدخول لمطاعم هؤلاء الأدباء الحديثين، الهاربين بخفايا واقعهم الفسيولوجي، والسيكولوجي، لموروثاتهم الذكورية المؤثرة على مجتمعهم الذي ما زال يغرق فيه الكثير من الكتاب المتغاضين عن معالجة أهداف شعبهم من تأثيرات ثقافة الماضي على حاضرهم الايديولوجي، المتكئ على سلم التاريخ البعيد عن حياة الناس، وتفكير المجتمع في الذات الإنسانية. ساهيين بعيداً عن تحرك تفاصيل الواقع المنعكس على الفرد الذي يتمزق في مجتمعه وأمام وجوده . واضعين المتلقي والمثقف في حيرة من إبداعاتهم الحديثة، المتشتتة المواقف والاهتمامات . حرزنا منهم 40% من هؤلاء الكتاب لم يبتعدوا عن تسجيل متابعتهم التفصيلية لتطوير أشكال الاحتلال، ومنهم 20% من الكتاب دمجوا قضايا الاحتلال بأساليبهم الملتصقة بعلاقتهم بالنساء اللواتي حشرن صورهن لمقارنتهن بنساء الغرب في كتاباتهم عن الاحتلال، متناسيين حضور المرأة الفلسطينية المثقفة الأديبة، وما وصلت إليه قدراتها الأنثوية المتألقة في حروفها، واستعانتها بإحساسها المفرط للأشياء من حولها، في إبداعاتها الأدبية، لإيجاد مخرج للدوافع والأسباب التي أدت إلى فوضى تلك العلاقات الاجتماعية والأسرية والعائلية والإنسانية، وأسباب تفكك أوصال تلك العلاقات، وأهمها علاقة الرجل والمرأة والعوائق المصيرية المتصدية لهما.

أعترف اليوم أن ما دفعني للتوقف أمام هذا العرض الملخص في مساجلتي هو صدق المحبة والغيرة على الأدب الفلسطيني في مجتمعه، وعن علاقته في أدبه الذي من المفترض أن يسجل كل ما يمر به شعبه، من توتر وتمزق إنساني متيقظ في يوميات حياته الفكرية والاجتماعية والعشائرية والقبائلية والإنسانية والعاطفية، من خلال ثقافة أيديولوجية مؤثرة، بدل أن يكشفوا للمتلقي عن إبداعات عالمهم الداخلي لتلافي الترويج المخصص لهؤلاء الأدباء السائحين، قبل أن يظل الأدب الفلسطيني الحلقة الأضعف بين الروايات والقصص على الساحة العربية والدولية والفلسطينية، مهما كثرت مكونات تذوق الصحف والمؤسسات والسينما والمجاملات والمراعاة والمحاباة، والتعاطف مع القضية الفلسطينية.

ففي أثناء تراجع الأدب الذكوري في فلسطين، سارعن بغفلة بعض من الأديبات الفلسطينيات اللواتي لم يتخطين نسبة 40% بانتفاضتهن المنطلقة من الضفة الغربية، وصولا إلى قطاع غزة، بخروجهن من بالونات الكبت والصمت إلى العالم باحاييلهن لتفريغ مخزونهن الإبداعي، واضعين صمتهن المتفجر في كتاباتهن الناتجة من تأثيرات الحالة النفسية والاجتماعية، لارتقاء أشكال نتاجهن النسوي، بعقلهن المتفتح، وبتأملهن الذي يخص صحوة الأنثى، التي كسرت بعضاً من الحواجز الاجتماعية المعيقة، بسعيها لإخراج صورتها الحقيقية وتفعيل حياتها من خلال استحضار معاناتها الجاهزة في إبداعها ضمن قواعد تجربتها المنسوجة من خيوط الحاضر المجتمعي في المربع الفلسطيني، كما هو على ارض الواقع، الذي لم يكن يخرج سابقاً من أعمدة المنزل المختص بمناجاة الذات .

فمن بين هذا الخليط الإبداعي، انتقينا من قطاع غزة تقنيات حديثة تحمل أصواتا نسائية متميزة في قصصهن الحاضرة من مشاهد الحياة الثرية بالموروثات، وبأسلوبهن المتعدد الجماليات الممزوج بمنولوج رواياتهن الميكافيلية، في وظائفهن الفنية المتكئة على أناة الذات بانفعال معاناتهن وبقلبهن العاطفي المستدعي لوعة المرأة وعلاقتها الجدلية بين التحرر الوطني، والتحرر الاجتماعي، المتمثل في المرأة الفلسطينية الحبلى بالأمل، المستعينة بالعمق والمنطق لاستفزاز حواسها وتعاملها مع المأساة الإنسانية الملموسة، لتعطي نموذجا مضيئا ومميزا في الإبداع المحلي، الآتي من فنتازيا العالم المرمي على ارض الواقع، لتشكل وحدة موحدة لصورتها المنبعثة من صوتها الأنثوي، الخاص بكل قوة وشفافية، وبقناعات رؤيتها النابضة من حيوية تجربتها المتألقة في بوحها الدقيق والعميق، الآتي من أوتار لغتها الرقيقة في مركبها المتعدد الرؤى، المتجسد في تجربتها واتجاهات تشكيلاتها الأدبية، لتدخل أفاق الثقافة العربية والغربية في مقارنة مع عالمها المرتبط بتقرحات المجتمع، باعتباره المصير الغامض للإنسان، وانعكاسه، وسهاده، وأفكاره، وفلسفته، وآماله المعبرة عن روح العصر، المنفرد في كتابات المرأة الفلسطينية الأديبة، التي جمعت الحياة بالشارع والجامعة، والأستاذ، والطبيب، والعامل، والموظف، والبائع والمحامي، والشاعر، والراوي، في تشكيل ظروفها كتعبير عن الروح الميتافيزيقية، لدوامة ألم الإنسان المصور بالأحداث المتناغمة بين الداخل والخارج، وبين الزمان والمكان، والمرأة والرجل، والخطأ والصواب، والحب والكراهية، والخير والشر، لتتماشى قصصها ورواياتها مع "كراكتر" تلك الشخصيات، كنوع من الثقافة الحديثة القائمة بالشرح عن ذات الأناة، وانتقادها لتطوير المجتمع وتقديمه على أفضل حال، أو كنموذج لمصدر حقيقي لطراوة قضية الإنسان في بساطة حياته، وما يجول في ساحاته التي فتحت أمامنا آفـاقـا جديدة لرؤية مضمون القصة والرواية الأنثوية الجديرة بالنشر والجدل التحليلي، لارتكازها على أغوار اليومي في أدق تفاصيله وحيثياته التي تهدف إلى عامة المتلقي أمثال: الروائية والقاصة المتميزة بتمردها سحر خليفة، وأحلام بشارات، وبشرى أبو شرار، ومي سلامة، ونهيل مهنا، وسماح الشيخ، وكوثر أبو هاني، وسما حسن، وهداية شمعون، وهند جودة، وأماني الجنيدي، وعدنية شبلي، ومايا أبو الحيات، وبسمة تكروري ويسرى الخطيب .

هؤلاء الأديبات اللواتي تجاوزنا بعضاً من تأثير الموروثات السلبية الاجتماعية، بفرش أوراقهن فوق طاولات أدباء ما زالت ماركات أقلامهم تتغنى بأدوارها المصورة، علما أن هناك العديد من الكاتبات ما زلوا يعانيون في غزة من التحفظ على حقيقة أسمائهن، بسبب العائق الاجتماعي المترصد للمرأة الأديبة الكاتبة، فبالكاد استطعنا الدخول إلى موهبة بعضهن اللواتي لم يذكرن بالجريمة الأولى، بل بدأن من حيث بدأت النتائج المنعكسة على مجتمعهن سلباً . وبعضهن لم يتح لهن مجال النشر أو الإعلان عن وجودهن وظهورهن في الصالونات الأدبية الفلسطينية الغزيــة المحتكرة لاجترار وجوه كتاب وأدباء زهقنا التصفيق لهم، ومللنا حضور أسمائهم على أوراق الدعوات، أو عبر البريد الالكتروني. وهذا يقع أيضاً على عاتق كانتونات الساحات الإعلامية، المحتجبة انطلاقتهن المليئة من حرارة قصصهن وتفاصيل حياتهن ومعاناتهن، التي تحمل عدة سمات، أولاها الإحباط، والاتجاهات الرومانسية التي تنتهي بالكتابة المركزة لتعويض الذات مما تتعرض له في مجتمعها من تغيرات جسد الزمن، والضغط النفسي، والكبت الأسري، والسياسي، والمرأة والرجل، والظروف الموضوعية الأساسية بينهما .

من هذا المنطلق قامت بعض الأديبات بالتصدي لأقلام بعض الأدباء اللذين ما زالوا يتغنون بعلاقتهم بجسدها، وما يستفز غيرتها بـآرائهم المستوردة من الغـرب، الغير المروجة على ارض الواقـع خاصة في مجتمع شرقي حي، وتحديدا في مدينة غزة، قامت المرأة الكاتبة بتغير سير صفحات روايات الادباء باجتهادها النابع من شريان معاناتها، بسلاسة أسلوبها وتسلسل صور قصصها من تجارب الحياة، باستهلال تحرك رموزها التي دخلت إبداع رؤيتها للواقع القائم في مربع مجتمعها، دون أن تتجاهل إعطاء مساحة للجدل على أوراق قصصها الهاربة من الحاضر الساعي لقتل طموحاتها، وإجهاض رغبات بوح قلمها المتحدي المجتمع، مستغلة ثقافتها وخبراتها التكنولوجيا الحديثة، ابتداءً من مكانها وبكل من سجل مروره بمخيلتها الخصبة في نتاجها الأدبي، المتنوع في تقسيماته الإنسانية والاجتماعية، دون أن تتنافر من أوراقها الخالية من الترويج .

نقول لا بد من المؤثرات الحياتية والفكرية أن تترك بصمتها على إبداع الكاتبة بشكل خاص في كتاباتها القصصية المتوهجة من واقع اللحظة الحاضرة في خطواتها المزدحمة بالمفارقات، والمسؤوليات، لتطوير الجماعة، من خلال وضع مسائلتها على أوراق قصصهن المصممة للوصول إلى متطلباتهن، ورغباتهن، وطموحاتهن، لما ما بعد البوح الأول، في مركبات ذائقتهن الرفيعة التي لم تغلق أبواب رؤيتهن بعد نهاية كل قصه من رواياتهن دون كلل أو ملل، لا بل تركن نوافذ رؤيتهن مفتوحة على الحياة، والوجه الإنساني المترصد لجميع تفاعلات الصور المتغيرة على مجرى الأمور في نصفيه الوطني والأنثوي المتتبع علاقات المجتمع بأي تركيبة كانت: الزوج. الأب. المحب. المعشوق أو العاشق. الأخ. الصديق. الجار. المدرس. هو ذاك الرجل أو هذا الزوج، يبقى المحور قائما في كتابات المرأة مفتوحاً على جميع الاحتمالات.

لهذا نؤكد على أن لا يمكن إلا أن يكون وراء كل كاتب أو كاتبة دوافع جوهرية تذهب إلى أبعد من قضايا الإنسان في جميع تغيرات الحياة .

فمنهن من أجدن الهروب إلى منطقة الدفاع عن قضيتهن الشخصية والإنسانية والشرعية والاجتماعية بجميع أشكالها، ليثبتن هويتهن الفكرية والثقافية والأدبية المتحدي الأدب الذكوري الفلسطيني الذي لا يريد أن يكون في موقع التبادل والتجدد ألانتمائي. ومنهن من انفردن بتحدي الرجل الأديب من خلال تنوع تجاربهن اليومية بإشكاله المتعددة، للتواصل مع أصوات خلجات صدورهن، ومعاناة فكرهن من ألم مفاصل الموروثات، حيث العبء الثقيل واقع على تصميم المرأة، وهروبها من عقدة الخوف والانتقال إلى قول رأيها في الحقيقة المخبئة، عن أسباب تهتك العلاقات المجتمعية.

ومنهن من اتخذن طريق الواقعية التسجيلية والرمزية في تسجيل حكايات عن أسرهن في يومياتهن باللحظة. ومنهن من اخرجن المكبوت، وكشفن المستور عن أسباب انهيار الأعمدة المغطاة بستائر الصمت، وعن تناقضات المجتمع وأوضاعه، بطريقة إعلامية بسيطة وسلسة. ومنهن من حاولن إعادة تركيب طفولتهن، وتأثيرها النفسي والمعنوي على حاضرهن المرتبط بشخصية الزمن الحالي. ومنهن من تمردن بصوت عالي على الموروثات والتقاليد الواقعة على ظلم المرأة، ووجودها واضطهادها من قبل الزوج وما تتعرض له بين أسرتها، وعائلتها، ومجتمعها الذي ينصف الرجل ويتجاهل حق الزوجة في البوح.... ومنهن من كتبنا عن المحرمات الجنسية التي أبيحت للرجل على حساب الزوجة التي حجبت عن مطالبة اضعف حقوقها الإنسانية. وبعضهن كشفن عن تأثير الموروثات على واقعهن المقيد لحركتهن وتحررهن من قيود الرجل، دون أن يعتبرن متطلباتهن عائقاً لتطوير دورهن في المشروع الثقافي الفلسطيني الحديث .

لا يسعني بعد هذا العرض سوى التوقف والتمعن من جديد بأوراق تلك الأديبات الفلسطينيات الحديثات، اللواتي وضعن عفوية فطرتهن في وعاء وصالهن اللامع من أصابعهن، بعد أن اهتزت مسافة السنوات الممتدة من دفء جمرات قصصهن المخبئة، ليتحكمن بخروجهن من جبروت الاحتلال، والموروثات الذكورية، بأنامل تحيك ميلاداً جديداً من إبداعات أدب المرأة الفلسطينية في ثورتها الحديثة، التي أعطت أهمية مضافة لنهضة وثقافة المرأة الفلسطينية في الأدب المحلي حديثاً الجديرة بالاهتمام .

ولعل تلك الكاتبات الأديبات يصلن يوما ما في قصصهن إلى ما وصلت إليه الأديبة البريطانية درويس ليسنغ، أو الروائية والشاعرة الكندية مارجريت أتوود، أو الأديبة الفرنسية فرانسو ساغان، وغيرهن من أديبات الغرب اللواتي اشتغلن على ترميم الجراحات الإنسانية، والقضايا الاجتماعية في رواياتهن التي تؤكد على إن الأدب هو أدب إنساني بحت، ولا بد من قراءته وفق معايير سامية لا تساوم على الجودة، ولا تجامل على القوة.

هذا إذا تأملنا في قطاعات الحياة، فعندئذ سنكتشف كل يوم قطاعاً جديدا، يفتح أمامنا مسألة الواجب الأدبي الملحوظ الذي يستحق التوقف لما يمكن طرح نظرياته على الملأ، لننقب ما وصلت إليه إمكانيات الأدب الفلسطيني، كنموذج شاهد على أدق تفاصيل الحياة في صيغته الحديثة.

ومن الضروري لكتاب اليوم أن يخرجوا من رئة أدباء الحرب، و يتخلصوا من ترسبات الماضي، وان يكفوا عن دوراتهم العالقة بطواحين الهواء، كي لا يفقدوا شهية وتأثير القصة الفلسطينية في روايات مجتمعهم، وأن يشغلوا أنفسهم بما لديهم من أوراق شعبهم المستنزف من دم الواقع الإنساني المسيطر على مجتمعهم، من اجل أن يتاح للقصة الفلسطينية استقرارها المتحرك، لترسوا على ميناء تبادل الثقافة العامة لاعتدال واقعهم، ليتلافوا عيوب الاستنساخ وأغراض اتجاهاته المتخبطة في المتاهات والظلمات، قبل أن يضيع ما تبقى من الأدب الفلسطيني على الساحة الفلسطينية الغزية تحديداً، ويجب التعامل مع التغير الزمني، وليس مع الاجتماعي الثابت، "فالموظف الثابت غير الموظف المتعب."



النشاط الثقافي والأدبي الفلسطيني تحت الاحتلال/ شاكر فريد حسن

بعد النكسة وهزيمة حزيران عام 1967 بدأت بالتبلور في الأراضي الفلسطينية المحتلة حركة ثقافية جديدة مناهضة للاحتلال، استطاعت أن تشق دربها الى الجماهير بالموقف الواضح الملتزم والكلمة الوطنية الواعية والمضمون الكفاحي والنضالي .
وقد نمت هذه الحركة وترعرعت وصلب عودها وشهدت انتعاشاً ونهوضاً واسعاً في السبعينات من القرن الماضي ، من خلال الشعر والقصة والرواية ،وصدور الصحف والمجلات الأدبية والفكرية والثقافية الفلسطينية، وتأسيس دور النشر الوطنية، وتوسيع دائرة المنشورات والمطبوعات والمجموعات القصصية والروائية والدراسات التراثية علاوة على انطلاق وانبعاث المؤسسات والجمعيات الثقافية (دائرة الملتقى الفكري وجمعية الدراسات العربية ، مثلاً) وازدهار المسرح والفنون التشكيلية والغناء الوطني الملتزم، وتنظيم الفعاليات والأنشطة الأدبية والثقافية ومعارض الكتب والفن التشكيلي، واقامة الندوات الأدبية والثقافية والفنية .
أما التتويج الجماهيري فكان المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة المنعقد في القدس (15 ـ 18 ـ 1981).
والواقع أن الحركة الثقافية الفلسطينية لعبت دوراً نضالياً وكفاحياً هاماً في مواجهة المحتل وفضح ممارساته القمعية ، والتصدي للحصار وحواجز الطرق وحظر التجول ، واستطاعت تعزيز وتكريس الشخصية الوطنية الفلسطينية عبر أدب نضالي وكفاحي مقاوم وملتزم امتاز بطابعه المتفاعل مع نبض الشارع والوجدان الفلسطيني والواقع المعيش تحت ربقة الاحتلال .
ونتيجة لهذا الدور التعبوي قامت سلطات الاحتلال بتوجيه سهامها نحو المنتجين والمبدعين والناشطين الثقافيين الفلسطينيين . كذلك قامت باعتقال الكثير منهم ووضعهم تحت الاقامات الجبرية وابعاد البعض منهم خارج حدود الوطن ، ونذكر من بين المعتقلين على سبيل المثال لا الحصر : جمال بنورة وخليل توما وعلي الخليلي ومحمود شقير وأسعد الأسعد واكرم هنية وعبد الناصر صالح ومحمد أيوب والمرحوم زكي العيلة وغريب عسقلاني وعصام بدر وعطا القيمري وسواهم.
Iهذا بالاضافة الى مصادرة الكتب والمجلات واللوحات الفنية التشكيلية وشطب الكثير من الأشعار والقصص من الصحف والمجلات من قبل الرقابة العسكرية، ومنع معارض الكتب والرسم والندوات الأدبية والثقافية . وكل ذلك بهدف محاصرة وتطويق الوعي والثقافة الوطنية الفلسطينية التقدمية الملتزمة واغتيال فكر المقاومة وضرب الحركة الثقافية في الصميم ، التي نما وتصاعد دورها الكفاحي والنضالي وشكلت دعامة أساسية من دعائم النضال الوطني التحرري الفلسطيني من أجل الإستقلال.
وعندما انفجرت انتفاضة الحجر الفلسطيني أحدثت منعطفاً حاسماً وأساسياً في حاضر وواقع الثقافة الفلسطينية، وكان لها الدور الرئسي في تغليب المصلحة العامة على الخلافات الهامشية داخل روابط واتحادات الكتاب والتشكيليين الفلسطينيين ، وعلى تطور المضامين الابداعية وارساء سياسة ثقافية مضادة منحازة الى الجماهير والى مثل الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، علاوة على تعبئة الناس وجماهير الشعب وحثها على الانخراط والمشاركة في الانتفاضة الشعبية ضد المحتل.
وجاءت النتاجات الثقافية والأدبية الجديدة ابان الانتفاضة في ضوء الواقع السياسي العربي والفلسطيني الراهن واسلوب تعاطيه مع الانتفاضة ، وحقيقة موقفه منها ، ومن حركة الجماهير الفاعلة فيها ، ومن اهدافها وتأثيراتها المختلفة على الصعيدين الفلسطيني والعربي. وتشكل ما يسمى بـ "الأدب الانتفاضي" أو "أدب الحجارة" الذي أشاد بالانتفاضة ومجد الحجر وهتف للمقاتلين والمناضلين الفلسطينيين ، الذين كان سلاحهم الحجر والمقلاع في مواجهة الدبابة والرصاصة.
وفي التسعينات اعترى الوضع الثقافي الفلسطيني في الأرض المحتلة ضموراً بارزاً نتيجة الأحداث والتغيرات التي طرات على الساحة العالمية والشرق اوسطية ، فتشتت النشاط الجماعي الفلسطيني وسادت الشللية وتراجع دور الجامعات والمؤسسات الثقافية الفلسطينية في العملية الثقافية الابداعية .
وبعد اوسلو ومجيء السلطة الوطنية الفلسطينية نشأ واقع جديد تكرس فيه الادب السلطوي المؤسساتي ، واقيمت الدوائر والمؤسسات الثقافية الممولة من قبل السلطة، وانخرط الأدباء والكتاب الفلسطينيون في مؤسسات السلطة ودوائرها . ونتيجة ذلك طرأ تراجع وانحسار في ثقافة الالتزام وأدب الرفض والمقاومة ، وتلاشت المؤسسات الثقافية الوطنية المستقلة، وتعطلت النشاطات الثقافية المختلفة، وتعمقت البيروقراطية الثقافية ، وسادت الخلافات والانشقاقات بين المنضوين تحت خيمة اتحاد الكتاب والادباء والصحفيين الفلسطينيين . زد على ذلك افول شمس الصحافة الادبية الفلسطينية وغياب المجلات الثقافية الشهرية ودور النشر الوطنية ،التي تعنى بطباعة وتوزيع الكتاب المحلي الفلسطيني.
وعلى ضوء ذلك هنالك حاجة وضرورة الى اعادة الوهج للكلمة الفلسطينية الحرة الواعية والمقاتلة ، والاعتبار والأصالة والاحترام للثقافة الوطنية والتقدمية الفلسطينية وللأدب الفلسطيني الطليعي الصدامي المقاوم ، الذي ينتصر للحياة والمستقبل والحرية وقضايا فقراء الوطن ، بديلاً للأدب السلطوي المؤسساتي الذي تبلور وازدهر بعد اوسلو.

جنى المستقبل/: المحامي جواد بولس

- كفرياسيف

لم يطرأ تغييرٌ لافت على حرم جامعة حيفا. بعد أكثر من ثلاثة عقود عدت إليها أبًا يصاحب "جناه" في يوم تخرّجها وحصولها على شهادة البكالوريوس.
بجانبي مَشَت، وعلى الرغم من أنٌها اعتادت إخفاء سعادتها بوجود أفراد عائلتها وبعض من صديقاتها المقرّبات، إلّا أنني لمست فرحتها المكبوتة في كل بسمة أطلقتها وعيونها التي كانت جميلة بشكل مميّز في هذا المساء.
كانت كالنحلة، كثيرة الحركة، لا من قلق بل من طبع غالب "وعجقة" ترافق النهايات وأكثر عندما تكون تلك هي البدايات.
كلما خطوتُ خطوة فُتح شباك من ذاكرة تلك الأيام، التي كنا نتردد فيها على جامعة حيفا كنشطاء في الحركة الطلابية. ما أعجبه من دماغ، لا يمحو شيئًا بل يغلّف الذكرى بأكياس الضباب وهذه تنفك وتنقشع إذا لامسها مبضع الصدفة الحاضرة ورائحة المكان.
لا شيء تغيّر هناك على قمة الكرمل. مساكن الطلبة تروي وتحفل بقصص الفَراش وبالليالي تضيؤها أقمار لفت على نجومها. وحيفا يروي خليجها حكايات الأمل المفقود، حكايات عرائس ما زالت تنتظر فوارسها بعدما رحلت الجياد!
مبانٍ من الاسمنت تراصّت كمحطة قطار لا تنتهي. أدراج تأخذك إلى أعلى وأعلى وتتركك بلا حول وبلا نفس. وتصر أن تذكرك أن لا شيء هناك تغير وأنت أنت الذي مضت بك السنين، وبعضها، في زوايا المكان لاصق، يشهد عليك ويسخر: ما عدت ذاك الظبي يرقص كالبرق فالجأ إلى حكمة السلحفاة ودع الظباء تحيا وتكمل الطريق إلى أعلى.
مئات من العائلات رافقت أبناءها. كلهم فرحون، يمشون بوجوه تشعّ غبطة واعتزاز، فلا وقت لهمٍّ ولا فسحة لسؤال. إنّه الحاضر يتلألأ جنى لماضٍ مؤرق ومكلف، فلا بأس لو أرجئ التفكير في غم المستقبل إلى حين يزول دفء اللحظة والمشهد.
أحاول أن أشغلهم ببعض مما تهافت من ذكرى وذكريات تخثّرت في رأسي ودبَّت فيها حياة. يصغون من باب أدب لا تأديب فأعود إلى ما قالته "جنى" مرارًا: أنتم يا أبي بعيدون عنّا، إنكم موهومون ولا تتواصلون مع ما نعيشه ونخبره، في الجامعات وفي معمعان الحياة. هكذا واجهتني وصحبها في أكثر من حادثة ومناسبة. هكذا اتهمتني وجيلي. سهمها طُيّر صوب كل من يعمل في "السياسة" و"الشؤون العامة" وما شابهها.
حاولت مرارًا، وما زلت، أن أتحاور "معهم" وفي كل جولة أرمى بتحدٍ وبقضية. وبعدها أعي عمق ما تحفره الأيام من هوات تستدعينا لأكثر من أن نمارس أبوة يتيحها فائض "همومنا" الضاغطة أو تشاوف مسكر بأننا نحيط بكل علم وشاردة وواردة، خاصة فيما يتعلق بأولادنا وشؤونهم.
أبعد عن ذهني ما كاد ينغِّص بهجة رقص الفراشات حولي وطراوة النسيم الكرمليٌ المنعش. مع الحشود جلسنا وسمعنا ما تيسّر من خطابات محاضري الجامعة أتوا فيها على تعداد الانجازات وما بقي من أحلامٍ للمستقبل.
أخمّن أنٌ الخريجين أهملوا الإصغاء إليها وهكذا فعلت العائلات التي انتظرت سماع أسماء أبنائها يعتلون المنصات واستلام شهادة "العرق" المسفوك.
كان المساء جميلًا في حيفا، لولا رطوبة الجو كان مثاليًا. تحلقنا طاولة لنختم النهاية. وكمن خبر أنّ "مرآة العواقب في يد ذي التجارب" استقدمت هم الصباح وبين كل قهقهة وبسمة بدأت أفكر في البداية وفي غد "جنى" وجيلها. تمنيت أن تسألني عن نصيحة أو اثنتين تليقان بالمناسبة وبدور الأب المرشد العام!، ولكنها كالنحلة كانت فرحة برحيق النهاية وعطر الكرمل الفوَّاح.
رافقتها بنظري وهو كالسيف دائمًا، وودت لو تعرف أنني أخشى عليها وأنني "بصير بأعقاب الأمور إذا التوت/ كأن لي في اليوم عين على غد".
أنّها البداية يا "جنى" وأعرف أنه مهما تمنى جيلُنا الوداعة منكم وأن تسكني وجيلك الريح، ستمضون جيلًا يرفع راية المستقبل وهذه لن يرفعها إلّا من قَلِقَ وسَكَنَ على الريح!


من تاريخ الصحافة الفلسطينية في المنافي: مجلة "فلسطين الثورة"/ شاكر فريد حسن

شهدت الحياة الثقافية والاعلامية الفلسطينية في الشتات والمنافي القسرية صدور العديد من الصحف والمجلات والدوريات الثقافية والفكرية ، ومن بين هذه الدوريات مجلة "فلسطين الثورة" التي أنشأها في بيروت الأعلام الفلسطيني الموحد سنة 1973كمجلة اسبوعية مركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتزامن اصدارها مع تأسيس وكالة الانباء الفلسطينية "وفا" ، واوكلت مهمة تحريرها للشاعر الشهيد كمال ناصر ، وبعد استشهاده تولى حنا مقبل رئاستها لفترة من الزمن ثم تسلمها احمد عبد الرحمن.
وعند اندلاع حرب تشرين صدرت المجلة يومية لتتابع وتواكب أخبار المعارك في الحرب ،كما صدرت يومية خلال حصار بيروت سنة 1982تحت اسم "صدى المعركة". وعندما استولت قوات الغزو الاسرائيلي على مركز الأبحاث الفلسطيني انتقلت المجلة بكوادرها الى قبرص ، حيث أقام الاعلام الفلسطيني الموحد مؤسسة عصرية اطلق عليها اسم "بيسان" وأخذت تصدر "فلسطين الثورة" بحلة جديدة ومستوى فني ملحوظ وخطاب اعلامي مميز، ما جعلها تحقق قفزة نوعية شكلاً ومضموناً ، مع الحفاظ على رسالتها . وراحت تضاهي الصحف العربية الأسبوعية ، وتحولت الى منبر ثقافي لادباء ومثقفي الأرض المحتلة.
وكان عمل في تحرير "فلسطين الثورة" عدد من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين أبرزهم:محمد سليمان ، حسن البطل، سميح سمارة، محمود الخطيب، سامي سرحان وغيرهم.
اهتمت مجلة "فلسطين الثورة" بالأدب والثقافة ونشر ثقافة وفكر وأدب المقاومة ، والتركيز على الشؤون الفلسطينية ،وتبني سياسات ومواقف منظمة التحرير الفلسطينية تجاه القضايا الفلسطينية ، وغلب عليها الطابع السياسي والثقافي والأدبي ،ولعبت دوراً أساسياً في المواجهة والصراع كرأس حربة على الجبهة الثقافية من أجل صيانة الهوية الفلسطينية والحض على الثورة واستعادة الارض والتشبث بالجذور الفلسطينية ورسم ملامح المستقبل .وظلت المجلة أمينة ووفية للوطن وللبرامج السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
واستقطبت المجلة اهتمام الكتاب والأدباء والصحفيين الفلسطينيين، الذين رفدوها بالابداع الشعري والقصصي والأدبي والمعالجات السياسية والفكرية والتقارير الصحفية .
وواصلت المجلة صدورها حتى عودة كوادرها والقائمين عليها الى الوطن سنة 1994 في اطار اتفاق اوسلو .
ويمكن القول ، ان مجلة "فلسطين الثورة" كان لها اسهام كبير وفعال في تعميق الوعي والتعبئة الجماهيرية ونشر الثقافة الوطنية التقدمية والديمقراطية والانسانية والشعبية الفلسطينية ،والدفاع عن الهوية والانتماء، والحفاظ على التراث الوطني وحمايته ،وخلق علاقة جدلية بين الانسان الفلسطيني وواقعه الراهن . وقد حافظت على مستواها وأدائها واحتلت مركز الصدارة بين المجلات الفلسطينية المهاجرة ، وشقت طريقها بين صفوف الجماهير وهي تستلهم مضمونها الكفاحي التقدمي في النضال ضد الاحتلال وفي سبيل الحرية والاستقلال.

جِنِّيٌّ مِن الإنْسْ/ محمود شباط

كانت مجيدة في التاسعة حين توفي والدها ولم يبق لها ولأمها وشقيقيها الأكبر منها قليلاً من معين أو مصدر رزق. عرضت عليها جدتها التي تعمل خادمة في منزل آل البسكويتي في المدينة أن تحل محلها لأن الجدة كبرت ولم يعد وضعها الصحي يسعفها. ترددت والدة مجيدة في البداية خشية ضياع ابنتها في لجة المدينة في ذلك السن المبكر، ولكن الجدة طمأنتها وأقنعتها.
بعد سنوات من الخدمة في بيروت تفتحت براعم الملاحة في قوام وعيني الفتاة الناضجة قبل أوانها ما زادها سحراً وجمالا وألقا. شكت لسيدتها همساً بأن بكر العائلة زاهر يتحرش بها فزجرته السيدة ولكن زاهر لم يرتدع إلى أن أوقع بالفتاة رغماً عنها في غياب أهله عن المنزل، واستغل جهلها بالقراءة والكتابة لـتبصم له على ورقة تبين بأن ما حل بها كان برضاها وقبولها. وزاد في الطين بلة استيلاؤه على بطاقة هويتها ورميها في مكب النفايات.
حين بدت بوادر الحمل على مجيدة هربت من منزل مخدومها . التقتها في الشارع سيدة أربعينية تسير برفقة زوجها الخمسيني الذي عرفت عنه مجيدة لاحقاً بأنه من ألمع المحامين في البلد. استوقف الزوجين مشهد الفتاة المنكمشة على نفسها التي كانت تنتحب بصمت على رصيف الشارع. سألتها السيدة عما بها وهل تحتاج لمساعدة ؟ لم ترد الفتاة. ألحت عليها السيدة، نظرت مجيدة إلى وجه السيدة فاطمأنت لها وأخبرتها بقصتها. عرضت عليها المجىء معهما إلى منزلهما وبأنهما سوف يساعدانها في حل لمشكلتها.
في تلك الأمسية كانت مجيدة تتناول عشاءها في المطبخ القريب من الصالة حيث كان الزوجان يتسامران. سمعت السيد والسيدة يتباحثان خلال سهرتهما بخصوص حل لقضية تلك المظلومة الحامل التي يرغبان في مساعدتها دون أن تشكل عليهما عبءاً مادياً وقانونياً . أكد السيد لزوجته بأنه كان من الممكن مساعدة الفتاة لولا ذلك الإقرار الذي مهرته ببصمتها لمغتصبها، ولو لم يكن لدى المغتصب أقارب بمناصب نافذة في الدولة، وبأنه سوف يتوسط لدى أحد أصدقائه لوضع الفتاة في أحد المراكز الخيرية المخصصة لفتيات في مثل وضع مجيدة .
قالت له زوجته : أليس من الأفضل أن تبحث لها عن عمل في إحدى الشركات أو أحد الفنادق.
رد بجدية: من الذي سيقبل باستخدامها دون بطاقة هوية ؟ إلا إذا تدبرت أمر الحصول على هوية مزورة بطريقتها وعلى مسؤوليتها . أردف : وهذا ما لن أفعله كرجل حقوقي. تصوري ذهابي إلى المختار وطلبي منه أن يساعدني في الحصول على هوية مزورة لغريبة لا أعرفها . رغم أن مختارنا العتيد يستطيع وهو يفعلها بالتقسيط حسبما سمعت.
في اليوم التالي كانت مجيدة تبحث عن دار المختار في ذلك الحي. دخلت مكتبه ودخلت في الموضوع مباشرة . استنكر المختار سؤال غريبة لا يعرفها وتظاهر بالعفة والنظامية وحاول طردها. حينها رأت بأنه لا بد من الكذب فقالت له بأن المحامي أرسلها إليه وهو يعرف "الأستاذ" جيداً. تفرس بوجهها ملياً ثم سألها عن منطقتها واسمها الأصلي فأخبرته. مد يده وطلب دفعة على الحساب على أن يتم تقسيط الباقي لمدة سنة بفائدة فاحشة، على أن لا يسلمها الهوية إلا بعد أن تسدد كامل المبلغ.
في الأسبوع التالي كان المحامي قد أدخل مجيدة إلى المركز الخيري وظل يرسل لها بمبلغ من المال كل آخر شهر كانت تسدده كقسط شهري للمختار.
بعد سنة من وجودها في المركز الخيري صار لديها هوية وولد. أنجبت صبياً سمته ماجد دون أن تسجله في دوائر النفوس. غصة أخرى اقتحمت حياتها حين تبين لها بأن طفلها أصم أبكم. أغدقت عليه بحنانها ما استطاعت وأحضرت له الألعاب. لاحظت بأنه كان يفضل اللهو بقفلي حقيبتها السمسونايت. وحين صار في الثالثة أدخلته مدرسة للصم والبكم بمساعدة من مديرة المركز الخيري.
بحثت عن عمل كعاملة تنظيف في الفنادق فوُفِّـقـَتْ بوظيفة في فندق " المرجان الأزرق" . الذي كان يعلم الجميع بأنه ملك السيدة الثرية وفاء المقدوني، ولكن لا أحد يعرف بأنها الزوجة الثانية سراً للسيد زاهر البسكويتي الذي هو في الحقيقة المالك الفعلي .
مرت سنون على مجيدة خلال عملها في الفندق. لم تزر أمها وأخوتها رغم شوقها إليهم. تقضي كل أوقاتها مع طفلها ماجد. همهم الصبي الأبكم يوماً وأشار لها باصبعه إلى قفلي الحقيبة . فهمت منه بأن تضع رقماً سرياً آخر وبأنه سوف يفتح الحقيبة خلال لحظات. لبت طلبه ففعل . استغربت موهبته وسعدت لذكائه ولكنها زجرته ألا يفعل ذلك أبداً .
دارت الأيام والسنون إلى أن جاء يوم أسود آخر في حياتها ، يوم لَمَحَها صدفة زاهر البسكويتي في أحد ممرات الفندق . فوجىء بها وفوجئت به. عرفها على الفور وأشاح بوجهه بسرعة عن الأربعينية الحلوة بينما كانت عيناها ترشقه بسهام الكراهية والبغض والحيرة والدهشة، إذ حسب علمها فإنه قد سافر إلى أميركا اللاتينية بعد فعلته الشنيعة معها، ولن يعود. هكذا قال لها أهله حين ذهبت يومها لتخبره بأنها حامل ولكي يتدبر أمر تسجيل المولود. بقيت تلاحقه بنظراتها إلى أن انعطف يميناً في آخر الممر . لحقت به فكان قد سبقها ودخل المصعد، ركضت نحو باب المصعد كي تدرك زاهر ولكنه كان أسرع منها فدخل المصعد الذي انطلق به. وقفت عند باب المصعد وتابعت أرقام الطوابق التي يمر بها المصعد إلى أن استقر في الطابق الواحد والعشرين حيث مكتب زاهر. قررت مطاردته. تابعته. حاولت دخول المكتب فحالت السكرتيرة الأولى دون دخولها. توسلتها مجيدة بأنها بحاجة ماسة لرؤية "الأستاذ" فرقَّتْ لها السكرتيرة ودخلت مجيدة إلى السكرتيرة الثانية التي رفضت سماع أي كلمة وطردتها.
بعد مشاهدته مجيدة في ممر الدور الأرضي من الفندق وفراره منها وصل زاهر إلى مكتبه. دخله وصفق الباب خلفه بغضب لاعناً ذلك اليوم النحس وجلس يتفكر في كيفية التخلص منها كي لا ينفضح ماضيه الأسود معها وتعكر صفو حاضره ومستقبله.
يريد زاهر أن يتأكد أولاً بأن التي رآها هي مجيدة وليس إمرأة تشبهها . استدعى مدير شؤون الموظفين وطلب منه كشفاً بأسماء موظفي قسم التنظيفات. لم يجد أثراً لاسم مجيدة. احتار في الأمر، هو متأكد بأن تلك التي رآها للتو هي مجيدة التي اعتدى عليها منذ عشرين سنة وأكثر وظن بأن تلك القصة طواها النسيان والسنون. أصر على حل اللغز فطلب ملفات موظفي ذلك القسم وبحث بنفسه في الملفات واحداً واحداً . وجد في أحدها صورة لمجيدة ملصقة على استمارة توظيف ولكن باسم آخر . دقق أكثر فعرف بأنها تحمل هوية مزورة. تنهد الشرير بارتياح لاكتشافه ذلك "السلاح" وأضافه إلى سلاحه السابق "إقرار مجيدة الممهور ببصمتها" . شكر مدير شؤون الموظفين ولكنه لم يفصح له عن سبب اهتمامه بالملفات. وبعد انصراف مدير شؤون الموظفين استدعى مجيدة وهددها بأنه سيشكوها للسلطات المختصة بتهمة حيازة هوية مزورة إن لم تتقدم باستقالتها ثم لوح لها بتشف بالإقرار وحذرها : إياك والتلاعب معي ! أتذكرين هذا الإقرار ؟
قالت لنفسها في ذاتها كيف لي أن أنساه ؟ . هزت برأسها ورجته بانكسار أن يتركها وشأنها لتعمل كي تعيل نفسها وابنها الذي هو ابنه وبأنها ستتكتم على الأمر. صرخ بها بغطرسة ولؤم: عن أي سفاح تتكلمين ؟ ألا تخجلين ؟ اذهبي وابحثي عن أبيه الحقيقي.
أكدت له بأن الصبي ماجد هو ابنه من لحمه ودمه. تهمته الظالمة لها أغضبتها فذكَّرَتْهُ بأنه هو نفسه الجاني عليها وعلى ابنها.
- حسناً ! إن كان إبني فأنا أولى به ولن ترينه بعد الآن .
ارتجفت كلها رعباً من احتمال هبوط ذلك الكابوس على رأسها حين تفقد أعز ما لديها . رجته ثانية ولكنه أصر على طلبه منها لتقديم استقالتها فبكت وتوسلته ولكنه لم يلن. تجاهل توسلاتها بينما كان يطوي الإقرار ويضعه بحرص وأناة في ملف ووضع الملف في خزنة خاصة به بجانب مكتبه.
لم تعد تخشى الأسوأ ، لقد سلبها ذلك النذل شرفها والآن سيسلبها ابنها . قالت لنفسها بأن الروح ليست أغلى منهما فأمسكت بأداة حادة لفتح المغلفات وهجمت عليه فتفادى طعنتها وردها عنه وكبل يديها خلف ظهرها بقبضته. وبدلاً من ضربها دفاعاً عن نفسه صار يراضيها ويهدئها وهو يتساءل عن السر الذي حَوَّلَ تلك الذليلة البائسة إلى نمرة جريحة . صرخت به : إن أصريت على إلحاق الضرر بي سوف أضرك أكثر ولم أعد أبالي بابتزازك لي. ليس لدي ما أخسره بعد الآن . لن أخسر أكثر مما خسرت .
مال حينها إلى تسوية، هو الآن زوج لامرأة تزوجها بالسر وسجل باسمها فندقه. هو رجل محترم بعين المجتمع وزوج لأبناء كبار وسمعته في الميزان وأي خدش لصورته البراقة سوف يحرمه من الترشح للإنتخابات النيابية القريبة جداً. راح يسترضيها على مضض وطلب منها أن تخفض صوتها قليلا. أغلق باب المكتب ودعاها للهدوء كي يتفاهما. قالت له ما من سبيل للتفاهم مع غادر ماكر مثله، وأفهمته بأنها ستبقى في العمل رغماً عن أنفه، وليس ذلك فقط ، بل على الوالد أن يسجل للولد نصيبه من الفندق.
وقف من مقعده بغضب راسماً على فمه ابتسامة سخرية وامتعاض ونفاد صبر ونهرها : هل جننت ؟ اطلبي المعقول وسوف أفكر في تلبية طلبك.
أدركت بحدسها بأنه، ولسبب تجهله، في طريقه إلى التسليم بتلبية طلباتها . ولكنها لم تعرف الحدود بعد. نهرته بلهجة الآمر : أريد توظيف الصبي في الفندق ، وفي مكتبك أنت بالذات لأن الغريب لن يقبل بأصم أبكم.
- حسناً ! لا تزعلين ! أحضريه غداً. هل يرضيك ذلك ؟
- إنه أصم أبكم ، يجب أن تتذكر ذلك وتعرفه منذ الآن .
ضغط صدغيه براحتيه و لبث يشد عليهما فعرفت بأنه صار في قمة ضيقه وغضبه ولكنه لن يجرؤ على مواجهتها بهجوم مضاد. كَزَّ على أسنانه وقال لها : لا بأس . سوف أستخدم الصبي في مكتبي لتصوير المستندات والعقود وبراتب جيد. هل يكفيك ذلك؟
- أريد أن تضع باسمه مبلغاً من المال لتعليمه.
- كم تريدين ؟
- ما يُمَكِّن الصبي من شراء بناية كبيرة .
- ما الذي حل بعقلك ؟ قولي لي ؟ ما بك تهلوسين وتتكلمين بملايين الدولارات مرة واحدة. نبرها بعصبية وبصوت عال ثم خفض نبرة صوته وابتسم : لنبدأ خطوة خطوة وامنحيني الوقت الكافي للتفكير في كيفية حل الموضوع .
- قالت له : الموضوع هو موضوعنا ، موضوعنا نحن الإثنان . إن فكرت في إغراقي سنغرق معاً . تذكر ذلك جيداً .
هز برأسه وقال لها : دع الصبي يحضر غداً إلى مكتبي كي يبدأ عمله ، واتركي لي مسألة حل القضايا الأخرى.
غادرت غاضبة مستخفة كما لو كانت هي السيدة وهو الخادم دون أن تشكره أو تستأذنه.
بدأ الفتى في العمل. أخبرته أمه بأن في خزنة زاهر مستنداً مهماً بل مصيرياً بالنسبة لها، أخبرته عن طبيعة المستند وخطورته بقدر ما تستطيع الأم إخبار ابنها في تلك الحالات. وطلبت منه أن يفكر في طريقة للحصول على أصل ذلك المستند مهما كلف الأمر. أفلح الفتى في فتح الخزنة وسلم المستند إلى أمه . دسته في حقيبة يدها وقصدت مكتب زاهر. عبرت مكتب السكرتيرة الأولى والثانية دون أن تتوقف عندهما وأكملت دون الإكتراث بهما. دخلت المكتب وأشهرت بوجهه سلاحها : صورة الإقرار . وأفهمته بأنها تحتفظ بالأصل لتدينه به وبأنه يستطيع أن يُزَوِّرَ كل مستندات العالم ولكنه لن يتمكن من تزوير قطرة من دم ابنه : أريد سيارة جديدة للصبي. نبرتها بلهجة الآمر الناهي .
جحظت عينا زاهر ليس لطلبها السيارة بل لرؤيته صورة الإقرار المسروق من خزنة ظن بأن فتح قفلها عصي على الخبراء. فتح الخزنة بسرعة كالمجنون وأخرج الملف منها .بحث في الملف فلم يجد الإقرار. صرخ بها : أين هو ذلك الجني ؟
- إنه جني من الإنس وأنت سبب آلامه وآلامي . ردت عليه بصوت عميق متهدج مترع باللوعة والنصر في آن.
- صرخ بهستيرية : سأذبح ذلك المسخ بيدي .
- المسخ يخلف مسخاً ولكنه مسخ شريف وليس نذلاً كأبيه. ولئن تجرأت على مس شعرة من رأس ماجد سوف أشرب دمك حتى آخر قطرة منه .
عاد زاهر إلى رشده يهدىء نفسه وفي باله هواجس انفضاح أمر زواجه السري ومستقبله السياسي وسمعته فاعتذر منها وقال لها بأن العبارة انفلتت من فمه غصباً عنه وبأنه كان سيرمي بذلك الإقرار على أي حال ووعدها بأنها ستحصل على السيارة خلال أسبوع.
- وماذا عن ضمان مستقبلي ومستقبل الصبي ؟ وعن ثمن معاناتنا لعشرين سنة ولما سيأتي من السنين؟.
عند ذلك الحد فكر بأنه لا مجال للمناورة والتهرب من دفع الثمن ، وبأنه عليه أن يعوضها خسارتها ويقفل ملف مشكلته معها كي يريح ويرتاح . تساءل : ولكن ما الذي سيضمن له عدم استمرارها بابتزازه بعد أن يدفع لها ما تريده. اتصل بمحاميه فحضر الأستاذ بعد ساعة . لم يكن المحامي سوى ذلك السيد الذي أحسن إلى مجيدة منذ سنوات عديدة. تقابلت عينا مجيدة بعيني المحامي فعرفها وعرفته. تظاهر المحامي بعدم معرفتها، حياها بابتسامة وغمز لها بعينه فعرفت مقصده بأنه سوف يساعدها ولكن دون أن يشعر زاهر بالعلاقة بينهما. وبعد تباحث ونقاش صريح واعتراف زاهر بفعلته اقترح المحامي أن يدفع زاهر لمجيدة خمسمئة ألف دولار ومخصصا شهرياً للصبي بقيمة ألف دولار مقابل تنازلها عن حقها وتوقيعها للإتفاقية بحضور المحامي . اعترض زاهر وحاول المساومة ثم اتفقا في النهاية على مئتي ألف دولار.
- حسنا ! هل انتهينا الآن ؟ سألها زاهر
- أنت من سينتهي وأنا سأبدأ وعليك أن تعلم بأن ما سلبته مني لا يعوض بمال ولكني أعدك و أؤكد لك بأني أصيلة تلتزم بوعدها وعهدها وبأني اكتفيت بما رددت لي ، لا تخف ! لن أطالب بأكثر رغم ما سأتحمله أنا وإبني من وصمة الإبن المجهول الأب.
بعد شهرين من إقرار الصفقة بين زاهر ومجيدة كانت قد تركت العمل وتعلمت قيادة السيارة وعادت بها إلى أهلها لتخبرهم بتفاصيل محنتها.

ثبات (التوحد) وإيذان الثوراة الأبدية: نقد وقراءة روحية لقصيدة مواجيد إبراهيم للدكتور الشاعر هشام المعلم/ سمرالجبوري‏



سائلَ الترب بأيان الوجيد......شدوه الاحرار بالوحي استوى
لملم الحق بأيدِ لاتحيد....عن ذرى السامق من وحي الثرى
ثم اودانا خضيبين الوقيد......حين يستل الحروف بالروى
صحوة الباشق من أمر المجيد......عز من آتيَهُ النصر حوا

اعزتي وال حرف النوروالحق.....
كتبَ ماكتب...وكتبنا مالنا وماعلينا حين لانعرف أنّ وجودنا هنا بينكم قيد لجة اعتبارِ تأخذ بخواطرنا وروحنا حيثما تشتهي القصائد...أم ترانا نحن من وجدنا لنأخذ غرر القصيد نحو النور.......هذا السؤال هو ماحيرني فعلا حين وبصراحة....كل مرة أكتب شيئا بآال المعلم:أقول لن اكتب أخر...فقد مايأتون بمثل هذا أبدا.....ويمر القصيد....والايام.....والطرق ...والاقلاااام.......:وهاااا::ويخيب ظني.....
وأعود لإشعار كل كتب الكون وصليل الاقلامم حين يتجلى لهم حرف جديد أكاد أعجب بنفسي وحق ربي حين اقرأه ...أنسى ماقبله....واعيش بالجديد ::من جديد...
وحينَ :(مواجيد إبراهيم)
تلك المدينة التي أركز محواها طبيب العظام:::وشاهق القلم.....أختلج من مواويلها خيوط لا أجد لها تفسيرا قيد نقدِ اكاديمي مخنوق( بسوسيل )أو غيره ممن سجنونا او سجناهم ضمن أطار للان لا يفي حتى الوصول لماخلف ابواب الجامعات الادبية العربية.....بل أستشعر( المدى بمواجيد المعلم) التي وصلتني(كَقصيدة) قبل قيام الثورة البيضاء في اليمن باربعة اشهر::ك وائل بلا حدود لكل الحدود......ومثل ذلك:
قل لي 00
سألتك بالذي أفناك في محراب عشقك ما وجدت00
وفي وجودك هل وصلت00
واذ دنوت00
هل واصلت حبوك ام سكنت؟00
ودنوت00


حين يرينا موضع الحساب من المسافة والوقت(بقرار منه:شاعرنا)إن من يعنيه انما( تجاوز فتوقف حين جوازه )ذالك المدى...فراح يسألة عن الموازين العامة الدارجه بثقة إنه يعلم ان من يعنيه قد تخطى وأرسى الضمان للموازين الاخرى:::والتي أخذتني حيث لا استطيع الجدال من انه تم زمام إبتداء ملحمته لتكون ضمن الفقه الروحي والأبعاد المتقاطعة للكونين......
(قال الشيخ أبو جعفر اعتقادنا في الحساب أنه حق.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: الحساب هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها، والمواقفة للعبد على ما فرط منه، والتوبيخ له على سيئاته، والحمد له على حسناته، ومعاملته في ذلك باستحقاقه. وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات والموازنة بينهما على حسب استحقاق الثواب والعقاب عليهما، إذ كان التحابط بين الأعمال غير صحيح، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت، وما اعتمده الحشوية في معناه غير معقول.
والموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها، ووضع كل جزاء في موضعه، وإيصال كل ذي حق إلى حقه. فليس الأمر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو، من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا، لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها، إذ الأعمال أعراض، والأعراض لا يصح وزنها، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب. )بالله عليكم هل تتصورون ماكان يرمي اليه؟؟؟؟؟
ثم هذا من جهة الفقه بالمسائل:::::
أما الجهة الاخرى وهي الضاهرة للعموم:::والتي تتمثل بالعاشق والسؤال حيث لايفي كل جواب بين حبيبين ان تم للعشق ان يكون حب :::لابغاء.......
حيث يلزمنا هنا ...قيد الأمر من العتاب الناضح وجدا وأملا بجوابِ .....مع إدراك ووعي كبير...بعدم الوصول للجواب.........مع اليقين بالامتزاج بتفاصيل ملزمة المسافة والمسافة ::::بكل ثقة وقرار إن الحبيب هو الحبيب....بمعنى:::أن الحبيب هو السائل والمجيب حين يكونان بقلبه الشاعر (واحد).
ثم وياويله من ثم:::يسبق الوجد ليقيد الافئدة حيث كان يقصد من صميم القصد........أترفنا بماتقدم ليجعلنا مهيئين للاتي الامض والأعمق.....حيث يقول::
هل زاغت قوى الإبصار منك ام انتهيت؟
جلى الحق عن قلب
قل لي
سألتك بالذي جعل الحقيقة
نصب عين العبد فستولت عليه
وفي قلبِ تُجّلى الحق
يالله ياشاعر......
وهنا اصدقائي يأخذنا الى مرامي البرزخ ومابينه وبين الأن من الدنيا.....يصف رواحل الفكر لينتقي طرقا لايجيدها غير دم أزل التطهر بعطر اللاهوت والايمان حيث زين وتانق ليتلو ماكان بد منه هذا الوقت الحتمي من مرور الروح بازمات الوطن والقضاء الدنيوي العاق......وماتخيره لذلك الا لنتثبت مما يريده من قرار سنأتي بمثل عنه بعد شرح توحده بذات الشهيد (علي حسن المعلم (رح))وهو والد الشاعر......
واقول...هنا يصر الشاعر على تهميش عقلية الضاهر من الموجود ...لترسيخ عملة المفسر من المخفي....وطبعا هذا هو لب القضيه حيث يعتنق الأكثر نسب الجمال من الوعي المادي على قلة منسوب الاقلية الممتزجة بالتفسير....وهذا يرجعني من جديد الى (( أناشيد الالم:للدكتور مصطفى محمود::بصاحبه الحلاج)حيث يقول :وحين يحل في الناس الضاهر دون الاصل::: لأنهم منفرطون منقسمون متباعدون كالجزر التائهة في البحر.. يضرب بعضهم بعضا.. و عزمهم مستهلك.. و قوتهم لا شيء..
يتحدثون عن الوحدة.
و لا وحدة الا بالواحد.
هو وحده الواحد لا اله الا هو. الذي يخرج به كل واحد من شتات نفسه و تخرج به الأمم من تفرقها و يخرج به العالم من انقسامه.

و القضية بالدرجة الأولى قضية ايمان.
هي قضية رؤية..
كيف نرى العالم..؟
و كيف ننظر فيما حولنا..؟
و كيف نحب..؟
هل نستطيع أن نكون ذلك العارف الذي لا يرى في كل شيء الا الواحد.. و لا يبصر الا وجه ربه في كل محبوب.
هل يمكن أن نكون مصداق الآية):(أينما تولوا فثم وجه الله.)).
ومنه وياعفا روحه الشاعر:::::الى.............أن يصل بنا الى مااتعبنا شان امته ووطنه........حيث انتصف وحقق الأيذان بالجهاد والثورة قبل أن يعي الشارع اليمني رجاله الاشراف من الباقين.......أجزل وأكمل ,أتى الحق بالحب.......ايمانا لامراد منه سوى (الواحد الحب الابدي)....وصولا الى الثقة التامة بالموارد العليا والمواثيق الواعية في كل اصدار مثل هذا النصر اللذي كتب تاريخا قبل وبعد ان يتشرفه الورق....لننظر هنا::::

قل لي
سألتك بالذي أجرى على يدك البشارة
والنذارة
وإجتراح المعجزات
هل كنت تجرأ ان تفكر
قبل ذاك الكأس حتى في السكات
أنا تائب مما إقترفت
وذاك فرض زائف
أني بحسب العلم يوما قد بلغت
هذي يداي مددتها
وأنا الذي قد كنت في يوم أناي
نفسي
حيث نصل معه الى أبعد كل شيء وبه ولكل الوجود......
(وفي الحديث النبوي تجد حديثا نبويا مشهورا سماه السيوطي و ابن تيمية و غيره بحديث الولي .جاء به الأمام البخاري في صحيحه و الأمام مسلم في صحيحه .عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله فيما يرويه جل جلاله "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .وماتقرب الي عبدي بأحب ماافترضته عليه.ولايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه.فأذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش ورجله الذي يمشي بها .ولن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه .وماترددت عن فعل شيء أنا فاعله ترددي عن قبض عبد مؤمن يكره الموت وأناأكره مساآته ولكن لابد له منه".)
فمن أيّن تراه ابتدأ الشعر ياتراه....ومن أي نبع إرتواه.....ومن اين يأتيه المداه:::مدين مالهما قرار...وتميزِ قيد انتصار.....ومعية الكونين نار.....نور على نور الهدى.........
وهذا مااحببت اصدقائي ان اظعه بين ايديكم وقلوبكم لتنظروه كما رايته بشاعركم ولله القصد ولِ بشرى الادب العربي...
نفسي
ولي من نفس نفسي كل شيئ بي ككل الآخرين
لكنني من يوم ان اصبحت أنت
وكل ما لي صار في ذكرى وكان

...ولشاعرنا:::اقول::::هل الهيبة مجزوءُ أو منقول؟؟؟؟؟بل هي تربة لايطالها شؤئب ...ولاينالها أيّن كان.....فهنيئا لك ماانت له واهله شاعرنا العلم:هشام المعلم