أنين اللقاء/ ميمي احمد قدري


أطالوا الحديث أن الحب مات وكفن لكنما هو الحب :بالعقل أم بالقلب!! فالحب يملأ حنايا الوجود ويرسم خريطة الروح قالوا أين روميو وجولييت أين كثير وعزة ؟؟أين قصص الأمس؟؟
حينئذا" أرحبت سهول الحب وبدأت تخط قصة اليوم

في إحدى غرف المستشفيات التي اقل ما يقال عنها مستشفى خمس نجوم,, تقع غرفة احمد بالدور العاشر في قسم من أقسام المستشفى ,, بها كل ما يحتاجه خلال فترة إقامته ,,,عندما ينظر للفراغ الآتِ من بعيد وهو يطيل النظر لجدران الغرفة المطلية باللون الأزرق السماوي التي تحجب عنه الحياة بالخارج يتذكر الكثير والكثير ,, هنا بهذه الغرفة التي تعتبر الحاجز الأساسي لحياة ملؤها الضجيج والصخب
يرقد الشاب على سرير يتوسط الغرفة ,,, لم يتعد عمره العقد الثالث، متوهج نشاطا وحبا للحياة... وعلى يمين السرير توجد منضدة يضع عليها تليفونه المحمول ،هو دائم الحذر منه,, فبرغم مرضه الشديد لا غنى له عن التليفون فهو رجل أعمال وله شركته الخاصة فلا مانع أن يقوم موظفو الشركة بالإتصال به للمشورة وأخذ الرأي فهو صاحب المال ,, وأيضا هناك صديقة مقربة من العائلة تحمل على عاتقها هموم العمل في غيابه و قد فازت بثقته,, فبسبب هذه الثقة حجبت عنه نور الشمس وعلى هامش الحلم أسقطته,,, فهي كالأفعى تقترب من الهدف دون أن يشعر ,,, خطّطت لكسب ثقته وثقة عائلته بأساليب شيطانية والصبر على تجاهله لمشاعرها,, فهي سيدة لا يمنعها شيء من الوصول لهدفها,, فهدفها الأول والأخير هو الزواج منه لهذا تقربت من العائلة و انتزعت ثقتهم غير المشروعة وحاولت بشتى الطرق لفت نظره بتصرفاتها المدروسة جيّدا,, فخطتها قديمة جد"ا والتمهيد لأمر الزواج بدأ من البداية كانت تشاهده وهو بين ذراع غيرها وقلبها يمتلئ بالغيرة والنار المشتعلة بقلب لا يعرف الا تحقيق أغراضه,, فهي لا تحسب للكرامة مكان ولا تشيد للكبرياء صرحا"...تريد أن تجتث من قلب أحمد كل ما هو جميل...
يتململ الشاب بفراشه فهو يجلس نصف جلسة ويسند رأسه على ذراعيه للوراء فهو دقيق الملامح أسمر اللون شعره ناعم خفيف ,, متوسط الطول ويملك عينان عسليتان,, أجمل ما فيهما بريق الذكاء الحاد والطيبة التي لم يتخلى عنها على أبواب انغماسه في حياة اللهو واللذة المؤقتة وصوته يحمل الدفء والسحر المغلف بالحنان ,,,يحرك رأسه يمينا" ويسارا" يبحث عن مخرج من دوامة الفراغ هذه,, ويتعجب على حال الدنيا ,,كيف حاله من خمس سنوات معدودة وحاله الأن , كانت حياته ممتلئة بالحفلات والجولات في عالم الشهوة التي تحكمه.,, فحياته كانت نساء وعمل ومجاملات,, تدور عينيه بالغرفة تارة لسقف الغرفة وتارة أخرى لستارة أسُدلت على الشباك الوحيد بالغرفة الذي يطل على حديقة المستشفى يسرح بعقله ويطلق العنان لخياله ويتذكر صهيله في دنيا كانت كبوتها مرضه وعشق بدون أمل,, مرضه لم يكن بالحسبان فهو وحيد أمه وأبيه وكل ما تشتهيه عينيه قبل أن يطلب تكون بين يديه.,,وحبه كان صدفة لم ينتظره ولم يتخيل وجوده ,,فكل النساء بعينيه وقلبه واحد ,,لايميزهن الا قضاء ليلة بفراشه ومن منهن تمتطي بقوة فائقة صهوة المتعة ,,هي المميزة وتتميز لليلة واحدة إلى أن ينتهي منها وتنتهي هي عنده,,عندما عشق ولأول مرة بحياته تمخضت سماء حياته عن أحلام من الصعب تحقيقها ولكن يدور فيها ويحلم كيفما يشاء ويهب لروحه ولروح حبيته مساحة واسعة من الأحلام المتراكمة في غيمة السحب تنتظر إقامة صلاة اللقاء

أحمد شاب يملك أشياء لم يشعر بها طوال حياته,, الطيبة والخير التي استنهضهما مرضه وإقتحام الحب الحقيقي لحياته,, نعم أحب بعد كل جولاته وصولاته في عالم لا يعترف الا بالمنفعة والمال ولا يوجد دور حقيقي للروح بين العوالم تلك,, عشق إمرأة غيرت حياته فحبها أجهض بداخله حب الاستمتاع المؤقت بالحياة تحول استمتاعه الوحيد إلى الحديث معها وسماعها وهي تنشد بعض الكلمات العفوية الصادرة من قلب لا يعرف إلا الحب ,, والسعادة المتوفرة لديها

,, يحلم ويشحذ تفكيره في كيفية اللقاء وكيف يتم لقاءه بالحبيبة كيف يهرب من بين القضبان التي صنعتها يديه كيف يتم التحام الروح بالجسد؟؟!!,, عندما يعانق طيف الحبيبة تفور عيناه بالدموع ,المنفذ الوحيد لأنين قلبه,, يشعر بقهر الروح,, فحياته لم تكن وأبدا" فيها ما يمنع أي حلم من تحقيقه,, فكل أحلامه مع صعوبتها تحققت إلا حلم لقاء من أحب,, فهذا هو الحلم الوحيد الذي لم تستطع خيول القوة وفرسان المال تحقيقه ,,,عندما أكرمتهم الدنيا باتحاد روحيهما كان في شدة مرضه كان يستعد للقاء ربه ولكن الحبيبة كانت تعلم أنه سوف يعافى ويعود لها,, كانت مثله تحلم وتحشد تفكيرها في كيفية لقائها به ,, يطلق احمد لخياله العنان ويتذكر ليالي سهره مع الحبيبة وعزفهم على أوتار القلب للصباح
ما وضعهم الأن؟؟!! هو أُجُبر على الأرتباط بغيرها ,,ارتبط بغيرها لكي يكسب رضاء الجميع بمن فيهم (صديقة العائلة) التي تدعي أنها تحبه من زمن وهي تعلم مدى عشقه للحبيبة ألتى ظهرت أخيرا" بحياته ولكن كل ما تهتم لأمره هو التهامه والعبور إلى حياته أعتقد من أجل ماله(( ,, المال!!! سحقا" له ,, يفرق الأحبة ويدمر حصون الرضاء ))
ينهض من الفراش ويسير بتأن إلى أن يصل لشباك الغرفة ويرفع الستار بيديه وينظر بعينيه التائهتين إلى الحديقة الممتلئة بالزهور ومنهم زهرة الياسمين معشوقة حبيبته فحبيبته تعشق الياسمين وهو يعلم هذا,, يستند بظهره على جدار الغرفة ويفكر بالهروب من كل شيء يفكر كيف يهرب من مشاعره وتعلقه بالحبيبة كيف يهرب من حياته ,,الواقع الذي يعيشه من وجهة نظره ونظر حبيبته واقع مر
كُتب عليهما بدون أن يكون لهما يد فيه,,,فهي بقلبه كالنخلة الممتدة جذورها في كل مسام جسده,, تقتحم خياله وتطفو فوق خبايا أحلامه,, روحها تنفذ من روحه,, كيف يتخلص من كل هذا ؟؟!! ويحيا حياته السقيمة التي غرق فيها,,,,حياته التي تكرر نفسها تكرارا" عقيما",,فهو يهرب ويهرب حتى من أحلامه الجاثمة على صدره,, أم هل ينسى أو يتناسى(حلم اللقاء) هل ينساه؟؟؟أم يتركه يئن ويستبيح نزف الحبيبة؟؟!!هل يستطيع أن يقتلع زهور الحب من قلبه؟؟!!يهز رأسه كأنه ينفض عن خياله ما علق به من أفكار صعب تحقيقها .,, وهنا علا صوته وتحدث كأنه أمام كل من يعرفهم من البشر,,
كل من مروا بحياته احتشدوا لسماع قراره وقرار قلبه وروحه,,,((فأنا عاشق وسوف أظل بالرغم مني عاشق وحياتي ملك لمن أحببت,,)) نعم سوف أهرب ولكن هروبي منها إليها سوف أختبأ في مسام جسدها وتتوارى روحي بين ثنايا روحها وعندما أعبر على معبر الحياة وأمر من بوابة الحياة إلى لقاء ربي ,, سوف أمد لها يدي لتعبر معي وهناك الحلم يتجسد ويصبح هو الحقيقة ,, فأنا لها وهي لي............

حين نكتبه الحبيب من وحي قصة.......نوَثقه وروحه بقلوبنا بل :بكل القلوب.......فأي موت سيأخذهُ وقد كتبنا له الخلود في الحب.....بل هَزُل الموت حين نرقاه وقلبهُ في نبضات الأفئدة الحرّى......بكل شموخ

ساعة الخشب/ محمود شباط



بعد أن غزت الساعات الرقمية الحديثة سوق منطقة "الخشيبية" كسدت بضاعة الساعات التقليدية ذات العقارب في محل منذر الساعاتي. انعدم الطلب على تلك الساعات فخزنها منذر في صندوق خشبي في الجزء الداخلي من دكانه آملاً أن تأتيه بثروة يوماً ما متوقعاً وآملاً أن تصبح ذات طابع أثري.
تـَـفـَـقـَّـدَها ذات صباح كعادته كل شهر فهاله مشهدها. رآها مغمورة بالمياه المتسرب من سقف الدكان. راعه مشهد مجزرة قصمت ظهره. إذ كان يعتبر تلك الساعات جزءاً أساسياً من رأسماله المتواضع جداً.
حـَـكَّ رأسه بيسراه، تناول ساعة، تأملها، جففها، فكها فوجد مـُسـَنـَّـنـَـيـْـنِ صَدئـَيـْـنِ يحولان دون حركتها. هو يعلم بأنه لا يوجد في السوق مثيل لهما. صفق كفاً بكف. فكها جميعها فاكتشف بأن في كل ساعة مـُسـَنـَّـنـَـيـْـنِ صَدئـَيـْـنِ. صـَـنـَّـعَ مسننين من الحديد وثبتهما في الساعة فكانا ثقيلان على الساعة ولم تتحرك عقاربها. لم يكن متأكداً من السبب وأرجع فشله في التجربة إلى أنه لم يتعامل مع ذلك النوع من الساعات منذ زمن طويل ونسي كيفية تركيبها.
جمع أجزاء الساعة من جديد وثبت مسننين من الخشب في الساعة بدلاً من المسننين الأصليين الخربين فصارت الساعة تدور عكس عقارب الساعة. دهش واستغرب وحاول كي تدور العقارب بشكل طبيعي ككل الساعات. لم يوفق . حاول مثنى وثلاث ورباع وفشل ، وظلت الساعة تدور عكسياً . شكى همه لشقيقه عميد مخاتير المنطقة كي يساعده في حل ولكن الأخير من هواة سير سهم الزمن إلى الوراء فأجابه ساخراً بلامبالاة:
- طالما أنت أعسر لـِـمَ لا تجعلها كلها عسراء مثلك ؟ اجعل منها صرعة العصر فتعود عليك بثروة تنتشلك من فشلك وخيباتك .
غضب منذر من أخيه وانصرف من مجلسه بألم وخيبة ، ندم لاستشارته وهو يعرف بأنه لن ينصحه بما يفيده. مشى وهو يتفكر بحل لمشكلة خسارته في الإثنتين والعشرين ساعة من ذلك الطراز القديم . حك رأسه بيسراه . عاودته نقمته على أخيه حين تذكر النصيحة الساخرة ثم قال لنفسه : لـِـمَ لا أجربها ؟ وإن فشلت سأحـَـمـِّـل ذلك الطاغية المتشاوف نتيجة تبعات نصيحته .
صَنـَّـعَ منذر مسننات خشبية وركبها في الساعات الإثنتين والعشرين فصارت تدور عقاربها عكس عقارب الزمن. تمتم لذاته : والآن ! كيف سأبيعها ؟ وراح يتساءل ويفكر.
اهتدى إلى فكرة التخلص منها دون أن تنكشف أعطال الساعات بسرعة أثناء بيعها. طلى بلور ميناء الساعات بدهان يصعب إزالته بسهولة وأعلن على باب دكانه بأنه سيبيع اثنتين وعشرين ساعة ملونة بسعر رخيص عصر يوم الخميس التالي. وفي اليوم المحدد باع الساعات الإثنتين والعشرين وأقفل دكانه وغادر بلدته "الخشيبية" قبل أن يزيل الشارون الطلاء ويكتشفون دوران عقارب تلك الساعات عكس دوران عقارب الساعات العادية.
في اليوم التالي لمغادرة منذر منطقة الخشيبية هرع زبائنه المخدوعين صوب محل منذر يهددون ويتوعدون ولكن أملهم خاب حين وجدوا باب الدكان مقفلاً .
اقترح أحدهم : فلنأخذ حقنا من أخيه عميد المخاتير !
ارتفعت الأصوات : هيا إلى دار عميد المخاتير !
حين عرف العميد الخبر قال لنفسه : لقد فعلها ذلك المجنون. فـَـكـَّـر العميد في حنينه إلى زمن الماضي الظلامي والجهل والأمية وثقافة القطيع والرأي الواحد وعبادة الفرد. ابتهج في سره لجنون أخيه وراقت له فكرتة التي ستسير بالزمن إلى الخلف. عـَدَّلَ ملامح وجهه المنشرح إلى التجهم الكاذب ليخفي على مواطنيه ما يضمره لهم. ثم اقترح عليهم عرضاً :
- سأدفع لكل منكم ضعف ما دفعه لأخي ثمناً لساعته شرط ألا تخلعوها من معاصمكم .
تبادل المخدوعون، أو ما صار أهل المنطقة يسمونهم "مجموعة الساعات الخشبية" نظرات تشي بالدهشة والإرتياب من ذلك العرض الغريب ثم وافقوا عليه.
بعد مضي أسبوع من ارتداء المخدوعين لتلك الساعات بدأوا يتصرفون بغرابة ، استقال منهم عدد من أساتذة المدرسة وموظفي الكهرباء والمياه والهاتف. طالبوا العميد بحل المجلس البلدي وتحريم التعامل مع الدولة وتجريم كل من يستفيد من خدمات الكهرباء والماء والهاتف ويشاهد التلفزيون ويسمع المذياع ويركب السيارة. صاروا يـُـكـَـفـِّـرُون من يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة. جذبتهم قاعة دار العميد فصاروا يتسكعون فيها . وكقناديل البحر المنجرفة مع التيار أضحوا يمتثلون لأوامره وتعليماته دونما أي اعتراض أو نقاش.
أدرك أهل المنطقة خطورة مؤامرة العميد وقرروا إنقاذ الضحايا المخدوعين من مخالب ذلك الذئب الشرس. سارعوا إلى إقناع "مجموعة الساعات الخشبية" للتخلص منها ولكن دون جدوى لأن المخدوعين اعتادوا عليها وهي تهدهدهم في خدرهم وتسير بهم إلى الخلف.
بحث الأهلون عن منذر، عثروا عليه بعد أسبوع في منطقة نائية وسألوه عن الحل. قال لهم بأن ينصحوا مستخدمي الساعات بغسلها إذ حين تصلها الماء سوف تتعطل المسننات الخشبية وتتوقف الساعة عن الدوران. أردف ضاحكاً : ومن يدري ؟ قد تسير إلى الأمام. قد تسير مع الزمن وتعوض ما فات .
حاول الأهلون إقناع أفراد "مجموعة الساعات الخشبية" بفكرة تنظيف الساعات بالماء ولكن المجموعة رفضت. حينها قرر الأهالي تنفيذ خطة اتفقوا عليها سراً فيما بينهم. جلس بجانب كل فرد من المخدوعين رجل قريب له وفي لحظة واحدة متفق عليها أمطروا الساعات بالماء فتوقفت وصحا المخدرون من غيبوبتهم فأغمي على عميد مخاتير المنطقة. وسارت عقارب الزمن إلى الأمام.

تيّمني هواه وشجاني.. رسائل من قلبي إليك/ ضحى عبدالرؤوف المل

تيّمني هواه وشجاني من وجْد ما شجاني، فمن ذا يُبشرني بلقائه كي أحيا وأرقى بالروح ليعلو مَقامي؟!.. دندنت شفاه القلب حُبّك فهيّجت حروف القصيد والمعاني، فعشْ بالحُبّ مُزهراً مزداناً وقلْ ضُحاي كي تبعث في الروح الوحي والإلهام، قد ثار الوجد توّاقاً إليك، فتفتحت الخدود لقبلة تروي عُروشاً والثغر تبسّم صامتاً بأشجى نغمة ذواقة الهوى مُضنية التنهّدات...

إسمع صوتي الذي يهواك نبياً لبّى نداء فردوس قلب هائم والنفس ريّانة نشوى لمُهجة أطويها طي الرمال للكثبان...

حبيبي... كُن لكل مدنف صبّ به حرقة نورساً يلامس القلوب بأنّات، فمتى رغبت برؤيتي!.. أشعل ذاك الماضي وتذوّق نشوة مستقبل يحاكي نهج قلب تمنّى رضاك، وابتعد عن أطلال لسنا فيها إلاّ نقشاً سرمدياً غنّى تاريخ العشاق...

في الأهداب رسمتك كُحلاً ملوناً سناه بريق جَفنيك ورحيقاً مُطيباً مختوماً على شفاهي، إن غفا الموج يوماً على شطآنك فاقرأ لي سورة «الأنفال»، فالبصيرة تراك والقلم يكتبك في أعماق أوراقي، عانق خطوات المجد في كلمة تنشدها شفاهك شعراً مُرسلاً مع الأطياف في الأسحار...

حبيبي... حَنَّ القلم وجنَّ الهوى في رسائلي، فاهنئي يا روحي وغرّدي شوقاً لمحارب ضَحّى ومحا كآبتي وزاد آهات أنثاه بحروف غنّيتُها بصوت يمدُّ ظلال نغمة تخفف لوعتي، فمن ذا يُنجدني من رؤياي وحرف لظاه جمر يكوي حنيني...

إلهي أزِحْ عن مُهجتي اللوعة، فالشوق يَعصف بقلب شجونه شك ورجاؤه يقيني فلنحيَ بودٍّ مغمور، بعهد ولفظ يؤرخ حكايا ما لها حدّ، فإن عاد ربيعنا ستراني مزهوة كفراشة قد زادها الوداد نجوى.. تتعشق ضوءك وتسامر كل هزار شاد، فها أنا أشدو لوصل قد جفا روحاً تيّمتني بالهوى وجفاها من السهاد ما جَفاني، فابتهج يا قلباً يعشق الطهر قد اصطفاك الهوى العذري وتناهى وشاح الحُسن في عينيك فجراً مشرقاً وقلائد يلثمها العفاف وينثرها الزمان ورداً ليحيا كل لحن حب شجاك في قصائدي...

حبيبي... بورك حبّنا ونحن على درب الصبابة نردّد صدى همس يُحاكي حرفاً طروباً يسكب الوحي في قلب ذاق الهوى واشتكى مر البعاد...

رويدك حبيبي فالحُبّ وديعة كل نفس صابرة تودّع رذائلها بصفعة لدهر جعلنا نقاسي ما نقاسي فانتظر ولا تكن كئيباً واكتم حبّاً أكيداً في لواعج روح لم تدع نجواها وئيدة بأضلع امرئ عفّ واستعفف وقاسى من ألم النوى ما يقاسي الصبّ الهائم المغرم...

آه حبيبي... أنا هنا وأنت هناك والحياة مدّت كفيها لنا لتمنحنا زماناً يحلو ويخلو من أطياف مُثخنة تخفق قلوبها من جوى ومن ولَهٍ يؤمن به إحساسي..

أ نظلُّ هكذا نناجي القلب والروح برسائل يا خير حبيب يهواه فؤادي؟!..
ملاحظة....
حقوق النشر محفوظة لجريدة الإنشاء طرابلس وللاديبة ضحى عبدالرؤوف المل

بيروت القصيدة والملحمة الخالدة..!/ شاكر فريد حسن

في حزيران عام 1982 تحركت قوات الغزو الاسرائيلي بدعم من الامبريالية الأمريكية ، وشنت عدواناً بربرياً ووحشياً شاملاً على لبنان، استخدمت فيه طائراتها ودباباتها وبنادقها واسلحتها الفتاكة المحرمة دولياُ . واستهدف العدوان محاصرة الوجود الفلسطيني وضرب القرار الفلسطيني المستقل وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة القائد الخالد ياسر عرفات.
وقد تحولت سماء لبنان في ذلك الحزيران الى لهب أحمر يصب الحمم والقذائف ، وتحول البحر الى بركان يقذف الموت للأبرياء العزل ، وتحولت الأرض الخضراء وينابيع لبنان الى محرقة تنشر الدمار والخراب والهلاك ، وتحول الجنوب اللبناني النازف الى موت كامل . في حين وقف أبطال المقاومة الفلسطينية وأبطال الحركة الوطنية اللبنانية كالمارد في وجه العدوان الغاشم ، وحولوا النيران الى أمجاد ، والدمار الى عزة وكرامة . وحولوا البراكين الى كبرياء وشموخ ، وعلّموا العالم العاهر الداعر كيف تصنع الملاحم الأسطورية ، ملاحم الصمود والاباء والتحدي . وقلب المقاتلون حسابات وخطط الغزاة والمتآمرين ، الذي أخطأوا في حساباتهم وتقديراتهم وظنوا أن حربهم الهمجية عبارة عن نزهة قصيرة تستغرق ساعات معدودة ، ولكن الحقيقة أن القتال استمر زهاء ثلاثة شهور ، ولم تتحقق الأهداف السياسية والعسكرية الاسرائيلية المعلنة وغير المعلنة.
وبيروت التي لا ولن تموت ،هي عاصمة وقلعة الصمود الفلسطيني واللبناني في الزمن العربي الرديء . انها ستالينغراد الفلسطينية ، التي وقفت أمام جحافل الغزاة تبتسم للموت وتنشد الأغاني والهتافات لأبطال المقاومة ، الذين سطروا بدمائهم الذكية الطاهرة صفحات مشرقة، وكتبوا تاريخاً مجيداً ناصعاً في الصمود والمواجهة ، وتمرّدوا على الموت والظلم والقهر والإذلال والسقوط والانهزام العربي.
وطبيعي أن تتحول بيروت من مدينة عادية الى معبد للمعاني ، وموتيف للشعراء والكتاب وعشاق اللغة والكلمة الادبية ، وكيف لا تتحوّل الى ملحمة جلجامش والى قصيدة حب وعشق يتغزلون بها ، وهي المدينة الصامدة الصابرة الشامخة البطلة ، التي أضحت اسطورة الصمود الذي سجله التاريخ الفلسطيني واللبناني والعربي بأحرف من نور ومداد لن يجف أبداً ، وظلت أمينة لمعانيها ولدم مقاتليها الأشاوس .
ان تجربة بيروت استلزمت كتابة ثورية جديدة بلون آخر من نوع آخر ، لأن ما جرى فيها هو أكثر من تجربة عادية في تاريخ شعب ذاق العذاب والمرارة والتشرد ، انه أكثر من زلزال . وكما قال الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش ، الذي عاش تجربة الحصار ونجا من الموت ، وأحب بيروت وكرهها في آن، لأنها أحيته وقتلته : " كل شبر في بيروت مقدس الآن .. بيروت هي مريم المجدلية الجديدة ، كل تفاصيل بيروت ومعانيها السابقة لها قداسة ولم تتمتع بها مدينة من قبل. وبيروت أيضاً تطهرت ولم تعد عاصمة ".
أو كما قال الشاعر والكاتب والصحفي الفلسطيني المرحوم عفيف صلاح سالم :"بيروت لا تستحم في البحر .. ولم تستجب لغزل البحر ذي المياه الزرقاء والشمس الحزيرانية اللافحة .. رفضت بيروت أن تعرض مفاتنها على رمال شواطئ العري العربي الممتد من الخليج الى المحيط ، واستبدلت ثيابها الناعمة كالحرير بثياب المقاتلين المموهة ، وتحولت زجاجات العطر و"البرفان" في يد ابنائها وأطفالها الى قنابل آر.بي. جي.. وخطت يد بيروت ، المدينة التي لا تموت ولن تموت ، أولى أحرف المقاومة الشعبية العامة في ظل حصار يتوئمها مع ليننغراد وستالينغراد".
لقد وضعت معركة بيروت المثقف والمفكر والمبدع الفلسطيني واللبناني والعربي أمام تحديات جديدة ، وطرحت دور الثقافة والأدب في المعركة . وفي حينه قال طيب الذكر محمود درويش انه "يكتب صمته" ولكن سرعان ما تخلى عن ذلك وقدّم لنا قصائد ونصوص شعرية رائعة وجميلة ذات نفس ملحمي وروح قتالية بقالب فني وأدبي راق وجديد. وكان قد اجتمع في بيروت تحت القصف وهدير المدافع وازيز الطائرات أكثر من خمسين مثقفاً وأديباً وكاتباً وشاعراُ فلسطينياً ولبنانياً وعربياً ، وقرروا إصدار نشرة "المعركة" التعبوية التحريضية بهدف بث روح القتال والمقاومة والصمود والتحدي والأمل والتفاؤل الثوري في نفوس وقلوب المقاتلين والمحاربين الأبطال الصناديد ، المدافعين عن كرامة وشرف وحرية بيروت ولبنان . وعلى صفحات "المعركة" تجمعت أروع السمفونيات واللوحات الأدبية ، وأبدع الشعراء وأصحاب القلم في كتابة ملحمة بيروت من خلال المعايشة اليومية للحصار والحرب العدوانية الهمجية الشرسة ، التي خلفت المآسي والدمار والخراب .
وخلال معركة بيروت استشهد الشاعر الفلسطيني المتمرد النقي والتقي الصافي كالزلال والماء ، شاعر الفقراء والصعاليك والمهمشين والمعذبين والبسطاء ، وصاحب "الرصيف" ـ علي فودة ، الذي امتزج دمه بالشوارع والأرصفة والأزقة التي عرفته وعرفها ، وعشقته شاعراً مقاتلاً يجوب ويطوف من حي الى حي، ومن زقاق الى زقاق، ومن متراس الى متراس آخر ، حاملاً أعداد "الرصيف" ليوزعها على المقاتلين في قلب المعركة.
وخلال معارك بيروت الدامية سقطت أيضاً الشهيدة الإعلامية الجنوبية نعم فارس ، صاحبة الصوت الحريري الملائكي المشبع بالانسانية وحب الحياة والحرية ، والمعطر برائحة برتقال يافا وزعتر الجليل والدم الفلسطيني القاني.هذا الصوت الذي كان ينبعث من أمواج "صوت فلسطين" التابع للاعلام الفلسطيني الموحد ، ليمد المقاتلين بروح النضال والمقاومة واكسجين الحياة وعبير الحرية . وكان نبأ استشهادها، بشظية قذيفة،هزّ كل من يحب فلسطين و"صوت فلسطين".
وفي أوج الإجتياح الاسرائيلي كذلك أقدم الشاعر اللبناني خليل حاوي على الانتحار في غربته، احتجاجاً على الصمت والتواطؤ العربي وتآمر أنظمة الذل والعار والانكسار.
وحين كانت قوات الغزو الاسرائلي تحاصر بيروت الوطنية أصرّ الكتاب والأدباء الفلسطينيون في الأراضي المحتلة على عقد المهرجان الوطني للادب الفلسطيني تحت شعار "الأدب في المعركة" تعبيراً عن التحامهم العضوي والتزامهم العميق بقضايا شعبهم الفلسطيني ، وتمسكهم بدور حركتهم الادبية على الجبهة الثقافية ، وتأييداً للمقاتلين ضد حرب الإبادة الجماعية، وتأكيداً لطليعية المثقف الفلسطيني ودوره المؤثر في المعركة الحضارية والثقافية الكبرى ضد الاحتلال والعدوان ، وفي سبيل الحرية والاستقلال.
ومن قلب هذا المهرجان انطلق صوت المهندس والمناضل الفلسطيني ابن القدس الجريحة والذبيحة ـ ابراهيم الدقاق هادراً مؤكداً أن "الصوت الفلسطيني من خلف حصار بيروت يعلن أنه حمل الرسالة وأضاء الطريق، وصراع الكلمات في الأوزاعي وبرج البراجنة وصيدا وشاتيلا ، يحقق اصابات. مات نيتشة ، وعاش الانسان الفلسطيني ليردد "الحق قوة". وان دمنا البيروتي يلتقي بنهر الدم الذي تفجر في دير ياسين وقبية وكفر قاسم ويوم الأرض ويعمد طريق الخلاص. وانتم جنود الكلمة ، وانتم امناء الأبجدية تعلمون أن الأبجدية لن تهزم في ساحة الرايخستاغ ولا امام مكتبة ليننغراد ولا على درج الكونغرس الأمريكي. فلماذا يريدونها أن تهزم امام مبنى جامعة بيروت العربية؟ لن تهزم الابجدية ولن يهزم الانسان ".
وفي الواقع ان الكثير الكثير من القصائد الوجدانية والنصوص الشعرية والادبية كتبت في أثناء معركة بيروت وبعدها ،وتناولت أيام الحصار والبطولة في بيروت عام 1982 . ومن أبرز هذه الكتابات التي خطتها الأقلام ما أبدعته ريشة الروائي والقاص الفلسطيني يحيى يخلف في "عن العصافير الحنونة" ، وما كتبه الكاتب والشاعر الفلسطيني سامي الكيلاني الناهض من يعبد "من يوميات أحد عشاق بيروت" ، وكذلك رواية "آه يا بيروت" للروائي الفلسطيني رشاد أبو شاور ، المعروف بين الاوساط الشعبية الفلسطينية بأنه الاكثر التصاقاً بالشارع والمخيم والمكان الفلسطيني ، ويسجل في هذه الرواية يوميات الحصار في بيروت من خلال معايشته للاحداث .هذا بالإضافة الى ما جاد به الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل معين بسيسو ، شاعر السنبلة والقنبلة والثورة ، الذي أعطى الشعر مع غيره من شعراء الطليعة النضالية مفهومه النضالي الطبقي من خلال الإبداع الشعري الحقيقي المقاتل ، الذي قدمه مع رفاقه وهو في الحصار ، ولم تنل من صوته الغارات الوحشية ، وأثبت بأشعاره ان القصيدة يمكنها أن تلعب دورها الرئيسي الهام في تطوير وعي الجماهير الفني ، وتطوير وإثراء وجدانها الذي يأتي المقاتلون من ضلوعهم أكثر فأكثر.. فيقول مخاطباً الغزاة في قصيدته "لن تدخلوا بيروت":
لن تدخلوا بيروت
لن تدخلوا بيروت
ستموتون تحت شبابيك المدينة
التي لا تموت
ستسقطون تحت سقوفها متاريسها
لن تدخلوا بيروت
كل كيس رمل
كل صخرة
كل موجة في بحرها
تابوت
أما عندليب الجليل الذي صمت ، الشاعر الراحل شكيب جهشان فغمس قلمه في الجرح وفاضت روحه بقصيدة رقيقة صادقة لبيروت الصمود والحصار ، يقول في مطلعها :
بيروت ، أنزف من جرحي ومن خجلي
وتصمدين على الأشواك في المقل
يا أخت صنين يبكي في يدي قلمي
ويخرس الحرف في دوامة الدجل
كل الخيانات شد في مدى عنقي
والمارقون اكتظاظ في مدى نزلي
أليت ، أبصق في وجه بلا شرف
اعييت ، كل وجوه العار من جبلي
الى حين يقول في خاتمتها:
يا تاجر الموت خلف البحر من عصر
جرب سلاحك في لحمي ولا تسل
عمي نواظرنا ، صم مسامعنا
غشى بصائرنا في المأزق العجل
يا عزوتي ، مزقوا في التيه أشرعتي
وزرعوا الموت في خطوي وفي سبلي
صار الصديق عدواً من حماقتنا
وأتقن الذئب افكاً لعبة الحمل
يا طغمة وكعت دهراً وما تعبت
هذا أوان رجال الجيد، فاعتزلي
وقال الشاعر الفلسطيني عبد الرحمن عواودة ، القادم من بلد الرمان كفر كنا ـ بلد عشيقة ابراهيم طوقان الذي كتب فيها أجمل قصائد الحب والغزل ، في قصيدته "أهلاً بأيام الصمود":
لبنان مثل جباله ورجاله صلب مجيد
ثواره اسطورة الذود العنيد
وهتاف صبية يسد الأفق في هذا النشيد
أهلاً بأيام الصمود
أهلاً بأيام الصمود
يا شعبنا يا قصة الأحياء يا أغلى رصيد
انا رسمنا دربنا بدم الفدائي الشهيد
بدم الصغار مع الكبار ليبزغ الفجر الجديد
كما تفجرّت مشاعر الشاعر النصراوي فتحي القاسم في قصيدة رقيقة ناعمة بعنوان "صبرا عشقتك ظبية" يقول فيها:
بيروت كانت بيرقي
وعلى مرافئها أرحت زوارقي
واجتزت بحر الموت في عمان..
منطلقاً لفجر البدء والحلم الشهي المورق
أه من الأشواك
في ليل الحصار
أخيراً ستظل بيروت الفرح والانتصار ، رغم الآلام المستمرة ، والمخاض الذي يلد كل لحظة جيلاً جديداً يواجه الغزاة وآلات الدمار . وستبقى بيروت القصيدة والملحمة الأسطورية الخالدة مثلها مثل جلجامش ، ولنردد مع الصوت الملائكي فيروز :"لبيروت من قلبي سلام".

شربل بعيني الرجل الموسوعة/ رأفت محمد السيد


   مهما تحدثت عن هذا الرجل فلن اعطيه جزءاً ضئيلاً من حقة ، بل لن أنكر أنا وغيرى من الكتاب فضل هذا الرجل العبقرى فى تبنى ورعاية كل الاقلام الواعدة وتشجيعهم بصفة مستمرة على مواصلة الإبداع وتحقيق النجاحات المختلفة.
   واهم ما يميز الاستاذ شربل بعيني، الذى لم اقابلة ولو لمرة واحدة، كما أننى لم أسمع صوته ولم اره حتى هذه اللحظة ولكنى احببته واحترمته من خلال معرفتى به من خلال كتاباته بل إبداعاته المتنوعة فى شتى مجالات الادب، فشربل بعينى الذى قد لا يعرفه أغلب المصريين هو موسوعة ثقافية تمتد جذورها شعرا وتنبت نثرا وتستقيم أدبا. فكم هو رائع ومتميز ومثقف.
    لقد شعرت فى لحظة اننى مدين لهذا الرجل بالكثير، فاردت أن ارد له جزءا من هذا الدين، فقررت أن أكتب عنه ليعرفه من لم يقرا له أو لم يسمع عنه حتى ينهلوا من علمه وثقافته الكثير الكثير، والسؤال من هو شربل بعينى ؟ هو شاعر بمعنى ما تحمل الكلمة من معنى ، فلا أجامله إذا قلت أنه ولد شاعراً، وصدق من قال عنه "شربل والشعر توأمان حتى أصبح تجنياً ذكر أحدهما دون الآخر، خمسة عشر عاماً في المهجر، وعشرة دواوين شعر، وكتابان مدرسيّان، وسيرة حياة. هذا هو شربل بعيني وكفى".
فهو شاعر متنوع ما بين الفصحى والعامية ولا تستطيع أن تصنفه من كثرة إبداعة ضمن شعراء الفصحى أم شعراء العامية.
  شربل بعينى ليس شاعرا فقط وإنما هو ناقد وصحفي وإعلامي معروف.
    شربل بعينى كاتب متميز أطلقوا عليه لقب الكاتب المحبوب والمميز: شربل بعيني بعين الكل مثل الكحل وزر الفل وهو من مس ومسح ؟!
   فهو المتميز في اسلوبه والسهل الممتنع في تعرجات دروبه، إنه شربل بعينى الرائع الذى ولد عام 1951 في بلدة مجدليا ـ قضاء زغرتا، لبنان الشمالي. ما اروع اهل لبنان وما اجملهم ، كم أتمنى أن أحظى بزيارتها يوما لاتعرف على شعبها الجميل الذى منه كان شربل بعينى.
   إن رحلة شربل بعينى لم تكن رحلة بسيطة أو يسيرة بل كانت شاقة ومليئة بالاشواك لكنه ثابر وتحمل حتى أصبح كما اراد وتمنى. فقد هاجر إلى أستراليا عام 1971 بعد أن تعرّض لاعتداء من قبل أشباح المكتب الثاني اللبناني يومذاك ـ ألقى العديد من الأمسيات الشعرية في الوطن والمهجر، ترجمت بعض مؤلفاته إلى الانكليزية والفرنسية والاسبانية والاوردية. كما ترجم الشاعر العراقي نزار حنا الديراني بعض قصائده الى السريانية ، حصل على شهادتين جامعيتين في التعليم الإثني وطريقة طرحه في مجتمع يتكلم لغة أخرى، مارس مهنة التعليم في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك ـ سيدني، منذ عام 1980. ويعتبر هذا المعهد من أكبر الإرساليات اللبنانية في الخارج، وأكبر المعاهد الأسترالية، إذ يضم بين جدرانه أكثر من 1300 طالب وطالبة.، تبنّت وزارة التربية في ولاية نيو ساوث ويلز مؤلفاته المدرسية، وعملت على طبعها، وما زالت تدرس في معظم المدارس العربية والأسترالية.ـ ينشر مقالات أسبوعية في مجلة (إيلاف الإلكترونية)، وموقع (قدموس) ومجلة (دروب) أيضاً، وقد تناقلت مقالاته وأشعاره معظم المواقع والجرائد العربية في الوطن والمهجر.
كتبه الأدبيّة : له الكثير الكثير من الكتب الأدبية نذكر منها:
ـ مراهقة، ـ قصائد مبعثرة ، ـ مجانين، إلهي جديد عليكم ، مشّي معي ، رباعيات ، قصائد ريفيّة ،
ـ من كل ذقن شعرة ، من خزانة شربل بعيني ، الغربة الطويلة ، كيف أينعت السنابل؟
ـ أللـه ونقطة زيت، كي لا ننسى بطرس عنداري، ـ معزوفة حب ـ أحباب، مناجاة علي ، قرف ، ـ أنا وليلى
ـ أغنية حب لأستراليا، ظلال، غنوا يا أطفال ، عالم أعمى ، فنان، وريقات اعتراف ، وحش المذاهب،
ـ مناسباتي، زغاريد الفرح ، دموعي ، أعراسنا ، خواطر ، ـ وريقات اعتراف ، يوميّات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط، ، عندما يموت الشعراء؟ إضحك ببلاش ، كتابات على حائط الغربة ، أقوى من الجنس
ـ قصائد مسليّة ، لبنان بس ، بلابلنا ، كبارنا ، إبن مجدليا ،
ـ
أعمال شربل بعيني الكاملة
: يحتوي على الكتب التالية :
ـ أللـه ونقطة زيت ـ مناجاة علي ـ مجانين ـ الغربة الطويلة ـ أغنية حب لأستراليا ـ عالـم أعمى
ـ معزوفة حب ـ مراهقة ـ مشّي معي ـ رباعيات ـ أنا وليلى ـ أحباب ـ قرف ـ فنان ـ غنّوا يا أطفال
ـ زغاريد الفرح ـ وحش المذاهب ـ دموعي ـ قصائد مسلية ـ مناسباتي ـ خلصت اللعبة ـ المدرسة
ـ جارنا أبوردجيني
مساهماته فى مجال العلم والتعليم
يدين له بالفضل أغلب التلاميذ الذين إستفادوا وتعلموا من خلال إصدارته العلمية لاسيما تلاميذ المدارس
كتبه المدرسيّة Charbel Baini School Books ـ القراءة السهلة The Easy Reader
ـ سامي وهدى Sammy and Houda ـ قاموسي My Dictionary
1988 ـ القراءة الشاملة ـ الجزء الأول ـ Comprehensive Reading 1
1988 ـ القراءة الشاملة ـ الجزء الثاني ـ Comprehensive Reading 2
1990 ـ القراءة الحديثة، Modern Reading
1990 ـ دفتري السادس My Arabic easy reader workbook
ـ دروب القراءة، 1991 Reading Routes
ـ نعم، أنا أقرأ العربيّة 1992 Yes.. I can read Arabic
1996 ـ تعالوا نكتب Let's write
1997 ـ قراءتي الثانية My second reading
ـ كتابي الأول، 1998
ـ مناجاة علي: إنكليزي، فرنسي، إسباني، طبعتان: 92، 1995
IN PRAISE OF ALI
بالفرنسية
INVOCATION D'ALI
بالأوردية Urdu
ترجمة شبير بلكرامي
ـ رباعيّات، إنكليزي، 1993
QUARTETS
ـ أللـه ونقطة زيت، إنكليزي، 1997
GOD AND A DROP OF OIL
ـ أغنية حب لأستراليا، إنكليزي، 2005
A LOVE SONG TO AUSTRALIA
ـ عالـم أعمى، إنكليزي2005
A BLIND WORLD
مسرحياته المصوّرة Charbel Baini Plays
ـ خلصت اللعبه The Game is over
ـ فصول من الحرب اللبنانية، 1987 Episodes from the Lebanese war
ـ ألو أستراليا 1988 Hello Australia
ـ الطربوش 1989 The Hat
1990 ـ ضيعة الأشباح Gost town
ـ هنود من لبنان، 1991 Indians from Lebanon
ـ يا عيب الشوم 1993 Shame on you
1995 ـ أللـه بيدبّر God will help
1996 ـ المدرسة The school
1997 ـ شارع اللبنانيين Lebanese street
1998 ـ جارنا أبوردجيني Our neighbour is Aboriginal
2000 ـ طلّوا المغتربين Here come the migrants
2002 ـ عصابات وبس Gangs only
ـ يا مار شربل 2004 O, Saint Charbel
ـ الكنز المسحور 2005
الصحف والمجلات التي أصدرها
ـ جريدة (صوت الأرز) 1973
ـ مجلة (ليلى) 1995
ـ مجلة (ليلى) الإلكترونية 2006
ـ مجلة (الغربة) الإلكترونية
جوائزه التقديرية التى حصل عليها
ـ جائزة الأرز الأدبيّة، 1985، من قنصل لبنان العام في سيدني جان ألفا
ـ جائزة تقدير الكلمة، 1986، من الأستاذ سامي مظلوم، مالبورن
ـ جائزة جبران العالميّة، 1987، من رابطة إحياء التراث العربي
ـ درع جمعيّة رأس مسقا الخيرية، 1988، سيدني
ـ جائزة كتابة الأغنية، 1990، من جمعية الفنون والتراث العربي، كانبرا
ـ درع مجدليا، 1992، من مختار بلدة مجدليا الياس ناصيف أبي خطار
ـ درع مغتربي بلدة مجدليا في كندا، 1992، من المغترب طوني أنيسة
ـ جائزة الشاعر الأديب جورج جرداق، 1992، بمناسبة تكريمه على ديوانه مناجاة علي
ـ لوحة زيتية تمثّل كتاب (مناجاة علي)، 1992، من الجمعية العلوية، سيدني
ـ درع المركب الفينيقي، 1993، جمعية بنت جبيل الخيرية، سيدني
ـ لوحة جلدية تمثل الشاعر حاملاً ديوانه الأول (مراهقة)، من الجالية اللبنانية بمناسبة يوبيله الفضي
ـ جائزة التقدير الأولى للأدب المهجري، 1994، من مدرسة الشرق الأوسط الداوديّة، سيدني
ـ جائزة أمير الأدباء اللبنانيين في عالـم الإنتشار، 2000، من المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافيّة في العالـم،قارة أميركا الشمالية، الذي يرأسه الدكتور جوزيف حايك
ـ لوحة تقديرية بمناسبة تكريمه عام 2001، من قبل إتحاد الجمعيّات اللبنانيّة في منطقة السانت جورج، سيدني
ـ لوحة تقديريّة بمناسبة تكريمه عام 2001، بعيد تأسيس جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، سلمته إياها رئيسة معهد سيّدة لبنان الأخت إيرين بو غصن
ـ جائزة أمير الشعراء اللبنانيين في عالـم الإنتشار، 2002، من المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالـم، قارة أميركا الشمالية، الذي يرأسه الدكتور جوزيف حايك
تكريمه
ولانه يستحق التقدير والتكريم فقد كرمته جهات عديدة على النحو التالى
ـ عام 1987، كرّمته وزارة الثقافة العراقيّة بدعوته للمشاركة بمهرجان المربد الشعري في العراق
عام 1987، كرمه السفير لطيف أبو الحسن في السفارة اللبنانية في كانبرا بحضور السلك الدبلوماسي العربي وفعاليات الجالية الأدبية والإجتماعية والدينيّة
ـ عام 1991، كرّمه مغتربو بلدة مجدليا في أستراليا
ـ عام 1992، كرّمته الجمعيّة الإسلاميّة العلويّة، بالإشتراك مع الأديب جورج جرداق وفعاليات الجالية الأدبيّة والإعلاميّة، على ديوانه العالمي مناجاة علي
ـ عام 1992، وزّع معهد الأبجديّة في جبيل ـ لبنان، لصاحبه الدكتور عصام حداد، جائزة شربل بعيني، وفي العام 1994، وزعت الجائزة في أستراليا وما زالت توزّع
ـ عام 1992، نشرت جامعة ديكن الأسترالية لمحة عن حياته ومؤلفاته في كتاب أسمته
A BIBLIOGRAPHY OF AUSTRALIAN MULTICULTRUL WRITERS صفحة 18
ـ عام 1993، احتفلت الجالية العربيّة في أستراليا بيوبيله الفضي
ـ عام 2001، كرّمته رابطة الجمعيات اللبنانية في منطقة السانت جورج سيدني
ـ عام 2001، كرّمته راهبات العائلة المقدسة المارونيات في معهد سيّدة لبنان هاريس بارك، برئاسة الأخت إيرين بو غصن
ـ عام 2001 كرّمه مختار مجدليا السابق الياس ناصيف أبي خطّار، بمناسبة رجوعه إلى لبنان، بحضور فعاليات القرية
ـ عام 2002، خصّته لجنة معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين بالصفحتين 670 و 671 من المجلد الثاني، الطبعة الثانية، الكويت. ونشرت له ثلاث قصائد بالفصحى: أديب غريب، ظلال، وحنان المكتوبة بخط يده
مهما تحثنا عن هذا الرجل الموسوعة فلن نعطيه حقه ولا قدره العلمى والادبى ولكننا اردنا أن نعطى نبذه مختصرة لمن اراد ان يعرف هذا الرجل جملة وتفصيلا من خلال التعمق فى كتاباته ليعرف اننا لم نجامله فى كلمة أو حرف فهو يستحق من قرائه ايضا التكريم وما اجمل ان يكرمه من يدينون له بالفضل من تلاميذه – ادام الله عمرك ياعزيزى وصديقى شربل بعيني الذى عرفته من سطوره وكلماته وابياته – حياك الله


سيميائيات النصوص من إنجاز الباحثين: أسماء نافع وعبد العزيز الضيف


في إطار أنشطته الثقافية المتواصلة نظم "مختبر السرديات" بتنسيق مع ماستر "الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب"، لقاءا ثقافيا تمحور حول قراءة في كتاب:" سيميائيات نصوص عزوز بكاك" لمؤلفه جمال زمراني، يوم الجمعة 27 ماي 2011 في الساعة الثالثة بعد الزوال بقاعة المحاضرات بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك – الدار البيضاء، و قد أدار د/شعيب حليفي أشغال الندوة، التي عرفت مشاركة د/عبد الرحمن غانمي، و الباحث عبد الإله الكلخة، و تأتي هذه القراءة في سياق مقاربة التجارب النقدية المغربية المكتوبة باللغة الفرنسية، كما تندرج ضمن انشغال المختبر بالاجتهادات النقدية في مجال السيميائيات و قراءة النصوص.

الورقة الأولى في هذا اللقاء قدمها د/عبد الرحمن غانمي الذي عنون مداخلته ب:"جمال زمراني في مقاربة سيميائية للتخييل الروائي عند الكاتب الجزائري عزوز بكاك"، إذ يرى الباحث أن الناقد جمال زمراني قد استند في معالجته لنصوص عزوز بكاك على خلفيات نظرية سيميائية تتغيا البحث في الوظيفة السيميائية العامة داخل النص، و كيفية إنتاج المعنى في الخطاب الروائي، أي إبراز الشفرات و الآليات السردية، و فحص نظام الشخصيات ورهانات الفضاء، و كذلك توليد الدلالة و هيآتها و مكوناتها؛ و يبدو للباحث أن الناقد يتكئ على رؤِية اختارت بقصدية مبادئها المنهجية، في نفس الوقت الذي عملت فيه على استدعاء المرجعيات المرتبطة بها، تعلق الأمر بأعمال الشكلانيين الروس أو الشعرية أو البنيوية أو الأبحاث السيميائية المعاصرة، خصوصا مع كريماص و مناقشتها، أي أنه لا يكتفي بعرضها و إنما يتوخى توظيفها تبعا لما تمليه عليه خطواته و رؤاه المنهجية، كما ركز الناقد حسب د/غانمي على عملية إنتاج و بناء المعنى نصيا، مما يختزل سيرورة الكتابة بكل آلياتها و تطبيقاتها و أشكالها الجمالية، وينتصر للمفهوم الجديد للنص ، و للكتابة الجديدة أيضا، كما يري الباحث أن الناقد جمال زمراني قدم قراءة نقدية تبحث في البنيات العامة الفاعلة التي تؤطر سيرورة النصوص، بموازاة الغوص في تفاصيلها، وانتبه إلى تقديم تأويلات تجمع بين المرتكز السيميولوجي و المرتكز التاريخي لفضاءات بعينها.

و في الأخير فإن الناقد جمال زمراني في معالجته و تمثله لنصوص عزوز بكاك الروائية قد اعتمد على المنهج السيميائي، غير أنه طبقه بطريقة سلسة و مرنة من خلال الانفتاح على مقاربات منهجية أخرى كالتصور السوسيولساني عند باختين أو المنهج النفساني، و بذلك فإن هذه المقاربة لم تكن منشغلة بتبرير صلاحية و سلامة المنهج بشكل آلي، و إنما توخت إغناء التطبيق السيميائي على نصوص لها خصوصياتها لكاتبها الجزائري الذي يعيش في بلد آخر، و المنشغل بإشكالية الهوية المتعددة و الغيرية كما يتنفسها الشخوص.

أما المداخلة الثانية فقد جاءت بعنوان : "تفعيل المنهج السيميائي في مقاربة الرواية قراءة في كتاب سيميائيات نصوص عزوز بكاك لجمال زمراني"، قدمها الباحث عبد الإله الكلخة، الذي ركز في بداية مداخلته على تأكيد مدى قيمة الشخصية في النظرية السيميائية ، هذه الشخصية التي اتخذت بعدا حداثيا يبرز تحولا منهجيا ألغى كل المقاربات التقليدية التي تتعامل مع مقولة الشخصية من موقع علم النفس أو التاريخ بمعناه التوثيقي الصرف، و لذلك تتحدد المقاربة السيميائية للشخصية من خلال ثلاثة محاور: أولها يتعلق بمدلول الشخصية و ثانيها بدال الشخصية و ثالثها بمستويات التحليل، فالشخصية وفق تصور الباحث لا تكتمل ملامحها إلا مع عملية التلقي (القراءة)، و نهاية مختلف التحولات التي كانت سندا لها وفاعلا فيها.

و يرى الباحث أن العمل السردي عند عزوز بكاك خليط دلالي متعدد الأصوات، وموظف بشكل نسقي ؛فهناك السير الذاتي و رواية المغامرة و الرواية الأطروحة و الرواية العجائبية .و كلها تعكس الهوية المتعددة للكاتب.

وعقب انتهاء المداخلات ، فتح باب نقاش عميق انصب حول مجموعة من الإشكالات المرتبطة بتعدد المناهج، و بالتداخل بين السيميائيات و السيميولوجيا.

و في ختام اللقاء تناول الكلمة الناقد المغربي جمال زمراني الذي أعاد تقديم قراءة جديدة لمؤلفه ، مضيئا العديد من الأسئلة الجديدة المستجدة ومقترحا تصوره النظري والتحليلي في مجال يتسم بالصعوبة والمتعة .

القاص الفلسطيني جمال بنورة/ شاكر فريد حسن

جمال بنورة من اعلام القصة الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967. رأى نور الحياة سنة 1938في بلدة بيت ساحور وعمل في سلك التربية والتعليم . بدأ الكتابة القصصية في أوائل الستينات ،ومن بواكير قصصه :"حرمان ،زوجة رجل آخر ،امرأة ذات قيمة،الأمل الخائب،الطبيب المناوب"وغيرها.
وقد تميزت قصصه في هذه المرحلة بتصوير واقع الحياة في المجتمع الفلسطيني ،ونتيجة قراءاته واطلاعه على الأدب التقدمي ذي الطابع الانساني النضالي والصبغة الاشتراكية بدأ بعد نكسة العام 1967 الالتزام بالواقعية الاشتراكية، وانطبعت قصصه بالواقع الجديد الذي أفرزه الاحتلال ونقل الهموم والآلام الفلسطينية والتطلعات والأماني الوطنية بالتحرر والاستقلال الوطني.
نشر جمال بنورة قصصه في الصحف والمجلات الفلسطينية نذكر منها :"الجهاد،الفجر،الشعب،الاتحاد،الجديد،البيادر،الفجرالأدبي،الكاتب"وسواها .
وفي العام 1977صدرت مجموعته القصصية الأولى "العودة"عن منشورات صلاح الدين في القدس، ثم أصدر مسرحيتي "وكأن الموت ونحن على ميعاد"و"السجين"و"حكاية جدي"وغير ذلك من الأعمال والمجموعات القصصية والروائية.
وجمال بنورة يؤمن بالادب الواقعي الذي يعبر عن حياة الشعب الكادح المسحوق ،وهو يستمد موضوعاته من مشاكل المجتمع ويصور مظاهره ويعكس بؤس الفقراء والكادحين الأشقياء،وتهمه القضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وارتباطها بحياة الانسان ،والموقف الانساني هو أهم ما تعبر عنه قصصه التي تعالج قضية الصراع الطبقي والكرامة والحرية من خلال الحياة الانسانية.
واذا كانت مجموعة "العودة"تعبر عن الواقع الفلسطيني المعاش فإن مسرحية"وكأن الموت ونحن على ميعاد" تطرح الموقف السياسي الفلسطيني من الحرب في لبنان ،الذي حاولت القوى والاوساط العربية الرجعية تشويهه لدق الأسافين بين الشعبين الفلسطيني واللبناني.
أما مسرحية "السجين" فتبرز معاناة وصمود المناضلين والمكافحين الفلسطينيين وتحديهم للاحتلال الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني.
وقصص "حكاية جدي "تطرح الصراع السياسي والواقع المأساوي الاجتماعي وهموم الطبقة العاملة الفلسطينية،التي ترزح وتئن تحت الفقر والفاقة والظلم والانسحاق والقهر الاحتلالي.
ويعتمد جمال بنورة في قصصه الأسلوب السردي الذي يغلب عليه السهولة والبساطة ،وهو يعرف كيف يختار المشاهد وصور الأحداث والكلمات والتعابير المناسبة.
وتركز قصص جمال بنورة على ابراز الجانب الايجابي للشخصية الفلسطينية والتعبير عن الانسان الفلسطيني العادي والبسيط بمشكلاته وتطلعاته،ووصف أحوال المجتمع الفلسطيني وتقاليده وما فيه من تناقض ومآسي وأحزان،ونجد معظم ابطاله من أبناء العامة والطبقات والشرائح الاجتماعية الشعبية الفقيرة والكادحة،الذين نلتقيهم في الشارع والرصيف والحارة والسوق والحقل والمصنع وورش البناء.
وفي النهاية ،جمال بنورة قاص صادق في الاستلهام والتصوير،والصدق هو الذي يهب الفن والمبدع قيمة الحياة.

رحلةٌ معَ الصّوفيّةِ في المؤتمرِ الدّوليّ الأوّل لمَجْمعِ القاسمي للّغةِ العربيّة!/ آمال عوّاد رضوان


عقدَ مجمعُ القاسميّ للّغة العربيّةِ مؤتمرَهُ الدّوليّ الأوّل في أكاديميّةِ القاسمي/ باقة الغربية/ المثلث، تحتَ عنوان "رحلةٌ معَ الصّوفيّة: التاريخ والتنظير والممارسة"، وذلك على مدارِ يومَي الثلاثاء 24-5-1011 والأربعاء 25-5-2011، باللّغتيْن العربيّةِ والإنجليزيّةِ مع توفّرِ ترجمةٍ فوريّةٍ مِن وإلى اللّغتيْن.

تمّ افتتاحُ المؤتمر يومَ الثلاثاء الموافق 24-5-2011 بكلماتٍ ترحيبيّةٍ يُرافقُها فقرةٌ موسيقيّة، وقد حضرَ المؤتمرَ المئاتُ مِن الشّخصيّاتِ والباحثين، إلى جانبِ الطّلبةِ وممثّلين عن معاهدَ محلّيّةٍ وعالميّة، وافتتح د. محمد عيساوي مدير أكاديميّة القاسمي بكلمةٍ ترحيبيّة بالضيوف، وتهنئةٍ مباركةٍ باللغاتِ الثلاث الإنجليزيّة والعبريّة والعربيّة، للمبادرة في تنظيم هذا المؤتمر المثمر، الذي يهدفُ إلى إغناءِ البحوثِ العلميّةِ بموضوع الصّوفيّة، في مختلفِ جوانبِها وتأثيراتِها وتيّاراتِها المتعدّدةِ في الثقافةِ العربيّةِ والإسلاميّة، والمسائلَ المتعلّقةَ ببحثِ ودراسةِ الحركةِ الصّوفيّةِ في الإسلام، منذُ ظهورِها في القرن الثامن الميلادي حتى الآن، والذي يسعى إلى بناءِ جسورِ التواصلِ مع مؤسّساتِ البحثِ العلميّ في مختلفِ أنحاءِ العالم، وتبادلِ الرُّؤى والتجارب التي تخصُّ اللُّغةَ العربيّة والدّراساتِ الإسلاميّة، انطلاقًا مِن الرّؤيا التي تدعو إلى خلقِ موازنةٍ دقيقةٍ بينَ الحفاظِ على الإرثِ الحضاريّ العربيّ والإسلاميّ، وبين الانخراطِ الفاعلِ في حضارةِ القرن الواحد والعشرين للحوارِ العلميذ والإنسانيّ، كما يشكّلُ نقطةَ استقطابٍ والتقاءٍ بينَ الباحثين ورجالِ الفكرِ على الصّعيديْن المحلّيّ والدّوليّ في التصوّفِ الإسلاميّ، ومجالاتٍ أخرى تتّصلُ بالتصوّفِ مِن مختلفِ أنحاءِ العالم، إسهامًا في خلق إطارٍ حواريٍّ مُعاصرٍ يعرضُ لجوهرِ المشروع الصّوفيّ في الإسلام، وتتمثَّلُ الغايةُ الأساسيّة للمؤتمر في التأسيس لفهمٍ عميقٍ وشاملٍ للفكرِ الصّوفيّ، مِن خلال الرّبطِ بينَ ماضي هذا الفكر وحاضرِهِ، ومقاربةِ جملةِ التّحوّلاتِ الدّينيّة والحضاريّة والنّصّيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، التي وسمت تاريخ الحركة الصّوفيّة في الإسلام. وعليه؛ فإنَّ المحاورَ الأبرزَ للمؤتمر ستكون الإرثَ الصوفيَّ في أطوارِهِ التّاريخيّة المختلفة، والاتّجاهات النّظريّة، والبُنى المؤسّساتيّة، وجملة الممارساتِ التي أفرزها هذا الإرث منذ نشأتِهِ وصولاً إلى يومِنا هذا.
الجلسةُ الأولى حول "التّصوّفُ الإسلاميّ في الطّوْرِ ما بعدَ الكلاسيكيّ"، ترأستها بروفسور سارة سفيري، وتحدّث فيها كلّ من بروفسور يوحنان فريدمان (الجامعة العبرية)، حول "ارتباط التّصوّف بالنشاط العسكريّ، وسيرة محمد أحمد، ومهدي السودان (1844-1885) ورؤيته الجامعة!

وبروفسور بيرند رادتكه مِن جامعة أوترخت وجامعة هامبورغ، حول "تاريخ دراسات التّصوّف الإسلاميّ في الغرب".

أمّا بروفسور يتسحاق فايسمان من جامعة حيفا، فقد تحدّث عن "التصوّف في عصر العولمة".

وختم الجلسة بروفسور إدوارد بدين من جامعة زيورخ، فتحدّث عن "التّصوّف بين السّلفيّة والوسطيّة في عصر القنوات الفضائيّة".

وقد تناولت الجلسة الثانية موضوعَ التنظير الصّوفيّ ومكانة الرّسول فيه، فترأست الجلسة: د. عرين سلامة-قدسي، وناقش الموضوع كل من:

بروفسور سارة سفيري من الجامعة العبرية، حول "أهل الليل: الملامَتِيَّة من نيسابور إلى الأندلس".

بروفسور كارل إيرنست من جامعة نورث كارولينا، الولايات المتحدة، حول "الذات في شعر الحلاج المكتوب باللغة العربية.

وبروفسور جمال جودة من جامعة النجاح، حول "النبي محمد إمام الزهاد والمتصوفين: دراسة في كتاب الزهد لأحمد بن حنبل".

ومويزيس جارسيا من جامعة مدريد المستقلة، حول "حالة ما بين النوم واليقظة، الأحلام، الرؤى والتأملات كعناصر صوفية في تجربة الوحي النبوية".

والسيد خالد أبو راس من جامعة بار إيلان، حول فكرة "التخلّق بأخلاق الله" في التصوّف الإسلاميّ.

أمّا الجلسة الثالثة فتحدثت عن ابن العربي، فترأس الجلسة بروفسور بيرند رادتكه.

تحدّث بروفيسور بنيامين أبراهاموف من جامعة بار إيلان حول "تفسير القرآن عند ابن العربي.

والسيد ميخائيل إبشتاين من الجامعة العبريّة، حول "ابن العربي والفكر الإسماعيلي: نقاط الترابط والتشابه". ود. خالد سنداوي من أكاديمية القاسمي وكلية عيمق يزراعيل، حول "تأثّر الشيعة الإماميّة بالصّوفية.

والسّيّد مهمت فاتح أرسلان من جامعة إسطنبول، حول "تجليات فكر ابن العربي في القرن الخامس عشر للميلاد، جلال الدين الدوّاني نموذجًا".

أمّا يوم الأربعاء 25-5-2011، فكانت الجلسة الاولى حول التصوّف الإسلاميّ في الطّوْر الكلاسيكيّ، عناصر التنظيم والتأثير.

ترأس الجلسة د. علي جبارين، وتحدث كل من:

بروفسور دفنة إفرات من الجامعة المفتوحة، حول "شيوخ الطريق، الورثة الرّوحيّون للرّسول، مشايخ التصوّف في مشرق العالم العربيّ في القرنيْن الثاني عشر والثالث عشر للميلاد".

والسيد ستيفان سليمان شفارتز من مركز التعدّديّة الإسلاميّة – نيويورك، تحدث عن "العلاقات بين الطريقة البكتاشيّة، والفكر العلويّ في كردستان التركيّة، جماعة "أهل الحقّ"، والعقائد المسيحيّة، اليهوديّة، والبوذية".

وبروفسور ناحم إيلان من معهد لاندر في القدس، تحدّث عن "أفكار حول نشأة الأدب الصّوفيّ اليهوديّ".

وعرين سلامة قدسي من جامعة حيفا وأكاديمية القاسمي، تحدثت عن "مَن كثَّرَ سوادَ قومٍ فهو منهم: مفهوم "التشبُّه بالصّوفية" في الأوساط الصّوفيّة البغداديّة في القرنيْن الثاني عشر والثالث عشر للميلاد".

ود. مشهور الحبازي من جامعة القدس، حول "الحكيم السُّهروردي: نظرات في حياته ونظرية الإشراق عنده".

الجلسة الثانية تناولت موضوع حول الطريقة الخلوتية، وترأس الجلسة بروفيسور خليل عثامنة، وتحدث:

د. خالد محمود من أكاديمية القاسمي، حول "آداب المريد مع الشيخ في الطريقة الخلوتيّة".

بروفيسور شموئيل موريه من الجامعة العبرية، حول "المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي وموقفه من الطريقة الصوفية الخلوتيّة في مصر".

د. بهلول دوزنلي من جامعة سلجوق، حول "الخلوتية على ضوء فتاوى شيخ الإسلام أبو السّعود أفندي".

السّيّد عوني مصاروة من أكاديميّة القاسمي، حول "دور الطريقة الخلوتيّة في نشر الإسلام".

الشيخ عمار بدوي مفتي طولكرم، حول "الشيخ مصطفى البكري الصّديقي" (محاضرة عبر الفيديو).

الجلسة الثالثة تناولت "النزعة الصّوفيّة في الأدب العربيّ"، وترأس الجلسة د. فهد أبو خضرة. تحدّث فيها: بروفيسور فاروق مواسي من أكاديمية القاسمي، حول "البعد الصّوفيّ في شعر صلاح عبد الصّبور".

د. إحسان الديك من جامعة النجاح، حول "البعد الصّوفيّ في الشعر الفلسطينيّ المعاصر".

بروفيسور يوسف سدان من جامعة تل أبيب، حول "حكاية الفقير عبد الله الأندلسيّ".

بروفيسور لطفي منصور من كلية بيت بيرل، حول "شعر الحبّ والخمرة عند المتصوّفة".

وختم اللقاء د. ياسين كتاني من أكاديميّة القاسمي، حول "الموتيفات الصّوفيّة في ثلاثيّة الخراط الرّوائيّة رامة والتنين".

رؤية نقدية للشاعر العراقي وهاب الشريف/ هدلا القصار

شاعر لا يخضع للحيل اللفظية ولا يستجيب للقوالب التشبيهية الجاهزة ...
يسرد نثرياته كناسك خارج من عالم مختلف!

يعود بنا الشاعر وهاب الشريف بمفهوم الشعر عند غوتة/ وهلدرلن/ في تجربتهم المتمردة والمتفجرة على كل ما يحجب عن الواقع المرير ، بأحاسيسه المستمتعة بملاحقة صوره الخاصة . ولعل ما دفعنا لنصب اهتمامنا في هذه الرؤية على الجانب اللغوي في الصور الشعرية التصويرية التي تبلغ الكينونة لدي الشاعر وهاب، بما أننا نؤمن أن الشعر القوي يؤثر على الفكر ويحرك الجسد كلما اخترقت النصوص مناطق محصنة في العقل ومشاعر الجسد... كنصوص الشاعر المجنحة بأشكالها الملموسة والمأخوذة من الواقع الحياتي، لتبقى كالرحم الذي يحتضن النفس ويوزع حالاته السيكولوجية والوجدانية على هدير أمواج كلماته المحلقة، في عالم ينساب كجدول من صنع طبيعة الإنسان و يقظته الحسيّة المترصدة لالتقاط الصور ونقل أحاسيسها الخفية إلى الظاهر، من خلال صوته الداخلي، ومناجاته التي تدعونا للتوقف أمام هذه السرديات الإبداعية، والدخول إلى عالم صوره ومفرداته الميثولوجية في تراكيبها اللغوية الجامعة بين فلسفة الخيال وقدرة العلم، والتناقض بينهما، لارتياد عالم الوجود المعلق بالأمر الواقع الممزوج من تجربة شعور الشاعر المنسوج من ثوب مواجعه، وأخيلته المرسومة كلوحات سريالية، كاريكاتيرية متناثرة من حكايات ورؤية ملونة، في سطور محملة بالهم الإنساني والوطني، وحزنه الذي يشغل أحلامه الآتية من أقسى الطفولة إلى حيث نجد شاعرنا وهاب الشريف، يطاردنا بسرديات نصوصه منذ اللحظة الأولى إلى أن نترجم خلجات نفسه المتوقة بخيوط إبداعه المتغلغل برؤاه العالقة بين الماضي الحر، والحاضر المغتصب، وبين الولادة والولادة، ولوعة السعادة....، في قلمه المتنقل بين فلسفة الشعر، وصوره الحافلة بالرموز، وبأشكال تناقضات الزمن وأقنعة البشر، ومحاكاة اللا مرئي في الحياة، وكأننا نعيش ملحمة جلجامش في تاريخ مستحدث .
لنقطف من سموط هذه التأملات التي تكفي لخضوع قراءة قصيدة مجتهدة بالتوصيفات والتصورات الشعرية الساخرة المحملة بموقف ولغة في "مقبلات مرة":
((هناك من يترقبني ويعيد على نفسه ما أوتيت من جنون لذيذ./ من يدري بماذا تستعين الرمال حين ترمي الشمس خسائرها اللاحقة؟/وانتهاك الطغاة لخيوطها/من يدري ربما يعتذر الإناء لكاسره؟/ فتعلمت كيف اكره السياسيين والمثاليين والكذابين والعاهرات../ كما أتذكر أنني اشتغلت عاطلاً فرأيت أبشع الصور لظالمين حفاة/ بعد أن اشتغلت مسيحاً وذقت معصية الآخرين وحلاوة الخسارة./ ذلك قبل ان ترى طفولتي الطاعنة جبال البورس وجمشيدية شمال طهران/ حيث غيّرت رأيي عند الجبل الحجري/ وأعود إلى الوراء مبتذلا، كذلك مثل أكاذيب الساسة وحسن التعليل وجبن التخلص))

بهذه المعزوفة الدرامية الشكسبيرية، نرى انعكاس الحياة على نفس الشاعر، واقتحامه الخفي والمجهول، والهم المتغلغل في الجانب الإنساني وأعماقه الظاهرة، حيث يجمع طرق المستحيل بجميع تناقضاته وانسلابه التأملي بالرؤى الصوفية في صور تخلق ذاته داخل نصا واحد ممرر بحالات تكاد أن تكون فوق طبيعية الإنسان المتجلية في عمقه، كطرف خفي وباقتراب واضح الإدراك الحسي والباطني...
لنسمع دقات قلب الشاعر، ونرى تصويره اللاشعوري في هذه الشذرات المشخصة:

((أيها المتنفس الوحيد، /أقصد مجموع الهزائم والعقد النفسية/وبإيجاز الانقلاب على السوداوية،/بما ان قطرة من سعادة مفبركة، تصنع دكتاتوريين عتاةً جدداً /مثلما تصنع فقراء يتذمرون فيما بعد/ حين يدغدغ الموت مجموعة من المغلوبين في حروب ماضية /وبعض الجنون وقارّة من المبادرات اللا مطاعة،/ او شيء من هذا الانسجام العصري بين أبناء الشعوب/التي سيغزوها الجفاف أو الجراد/ حتى جدّتي الروسية التي ماتت على طريقتها الخاصة،/حين اغتسلتْ وخضبتْ يديها وقرأتْ ثلث القرآن لم تكن تأمرني بشيء سوى ان ازور الأولياء )):
في الحقيقة أن هذا النص تحديدا لا يفرق بينه وبين أسلوب الفلاسفة اللذين تفتح لهم منافذ عقل القارئ، كما في نصوص وهاب الشريف الذي يجمع بين مكانة الشعر وفلسفة الصور والموهبة، بالحقائق المطبوعة لحين إرسالها إلى ذهنه ليكسوها من نسيم حروفه المسكوبة من أحاسيس مبهمة إلى لملمت شتاته باقتراب صحوته من نص بقول:
((لا ادري متى سأصل إلى ما أريد قوله:/ نسيت فيما نسيت كيف يضحك الأطفال بوجه جلاّد ممثل/وكيف يبكي ثري بخيل عند قبر أمير المؤمنين(ع) عليكم اللعنة،/وكيف يضحك الفاشلون على أبنائهم/ وكيف يسرق الأميون الأغبياء جهود الفلاسفة..))

أما في قصيدة "وطن على وشك التألق" :
التي تحمل 23 بيتاً، رسم الشاعر وهاب الشريف، الواقع في بلورة شعرية جميلة ومؤلمة تحمل الخيبة والسخرية في بكاء نابع من حقيقة تكشف غيظ نواحه، وبحثه عن وطن قد يضيع المجتمع فيه ... فينحت أوجاعه وتشرده النفسي الباحث عن ما يضئ له غموض العالم وتكوينه وأسراره... لنجد في تجربته الإنسانية حضوره وملاذه في تصفيف أرواح البشر، والكائنات ... فوق ارض صفائه المحلق في جمل شعرية غير معقدة .

((وطن على وشك التألقْ /ولد على وشك التألقْ/ثوب يبوّسه التمزقْ/جلد تثقـّبه دبابيس التشوقْ وقصيدة في ثغر أحرفها أناشيد التملقْ/وفراشة تسعى لسنبلة – /وطن على وشك التألقْ /مقياس بهجتها /وخلف هموم والدها تـُحدقْ((

يدرك شاعرنا وهاب، معنى عمقه وفلسفته جيداً، لهذا تنطلق سطوره كالهذيان حين تلهثه المسافة، فيومض للحظة الاشتعال في قصيدة "وطن على وشك التألق" : ينزف تألق الوطن كالنهر في حياض هموم مخيلته الخصبة، وما جال في خواطره من أخيلة وأفكار وتطلعات إنسانية سامية، حيث تدفق كلماته من مجرى هدير صوته وصدق رويته، في نعي كل ما يشبه حاضره، ببكاء ساخر وصور جميلة، مرسومة بحروق متألقة كروعة الوطن المتألق في مخيلته الزمنية :

))بنت على طول أمها - /مرحٌ عـــــلى قلــــق ذوى- /وصبابة الأشواق في أجواء غرفتها تحلقْ/بيت تواضع صافيا – /من عيد طيف يرتوي – /ويمد أعناق التشـــــدقْ/فرح على آلامه ِ
في كل أمسية يجربه التزحلقْ/صبح ٌ تمرن كلما شرخت ْ عصاه ُ – /أجابها هوس التعشقْ/هو زورق عبر التزورقْ/ولد على وشك التألقْ/وطن يدوس على التشرنقْ)) .

أما عن مسائلاته في قصيدة "قلوبنا التي في المهجر": يسلط أكثر ما يمكن من الإضاءة على معنى مسائلاته، ليضيء ظاهرة التاريخ، ويذكرنا بأن هناك من لا يستطيع العالم مقاربته... لهذا يأخذنا الشاعر في مجموعة حالات، وكائنات، وأشياء، تتكلم عن أنفسنا، فيبدأ شاعرنا بالبوح الساخر كعادته من كل ما استحضرته مخيلته، يسال الطيور، والحرية، والذكرى، وصور القدسية، والكذب، والضحك، ريشة الصباحات المزدحم ... يضع أفكاره داخل معاني لا تنتهي بسطور النهايات.
فالتساؤلات التي تطرق لها الشاعر وهاب، هي بالأساس مهمة ومطروح هاجسها بشكل قوي في مجتمعاتنا العربية المغتصبة، لا بل هي من أقوى المسائل الهرمية التي تدعونا للتفكير والتأمل مرات عدة وتصوره الواقع المعاكس، للتعبير عن وجدان المجتمع وأبعاده الغير منظور في اللاوعي، للتعبير عن حاجات الفرد الروحانية والسيكولوجية، ومتطلباته المعاصرة، بلغة منصهرة فكرياً وحياتياًُ تاريخياً . الى هنا نعرض بعض من تصويراته المتفرقة في بعض الأبيات الحوارية الناضرة من "قلوبنا التي في المهجر"

(( والسؤال حضور//ينتقي الغيب أفقا /لعلّ التقاء حيرتين /يبث في قسوة الدرب /مدخلا للتألّق/قالت الذكرى/في التصاوير القديمة /كنا مكلّفين بالكذب/والضحك على انفسن/قالت الريشة/التزمت بالصبح المؤجل/ ولقد أعددنا لك حلما لا يتحقق /هذه بلدة لا ريب فيها /بين لهجة واحدة /ونبرة للحضن واحدة /واختلاف في العيون /المواويل قديمة والظنون /تنتقي أثوابها/ كلما أخفق الذبول ))

يمكننا القول أن مثل هذا النسيج من التأملات يكفي لقلم الشاعر أن ينسج ألاف القصائد السردية الغير مملة . وهذه دلالة كبيرة أيضا على كبر أحلام الشاعر التي يريد تحققها، فهو موزع بين أحلامه وما يريد، منذ بداية عناوين نصوصه المتحولة من إيقاع فكري إلى حالة حياتية .. هذا ما يولد التنافر بينه وبين القصيدة التي تتوالد التطورات الاوجاعية، وخلق علاقة جدلية في نص يلقي فيه الشاعر عتابه على دفن الأمنيات، وأجهض الأحلام، وإحراق غصون الشجن في رواق الوطن...:

((المدينة ارتدت ْ كلّ تأوّهاتها/ /لعلها تقنع الياسمين /ان يحفظ كرنفال العناق /والعراق /وأنت انت / قلبك صخر جلمود ما حن عليّ/ /وأدري بأن الشوارع عندكم واسعة كالملل /وانّ الأزقّة عندنا ضيّقة كالخجل /وأمضيت نهرا ألوك التمنّي / امنين أجيب الخال لأبني/ كلما قلت أنسج ُ قادم الايام بالحزن/ أقبلتْ نكهة الحليب من دموع اطفالكم علينا /وهمْ يسألون عن طفولة آبائهم في العراق غير أنّ امّهاتهم الغريبات / غريبات ما يحنّن علينه)) .

أما في نص "ما لا يقال"
نستكشف آلياته البنائية والديناميكية التخيلية علاوة على محفزها الرؤيوي الفني والفلسفي الانثروبولوجيا، لنؤكد على أن لغة الشعر الحقيقي هي لغة القلب والروح والصدق والشفافية، احيانا يحاصره بياض البوح وأحايين أخرى يكاشفه بما لا يقال، فيسرد بسملة حروفه المحمرة بدم شاعر يلامس الحاضر وضمير الغائب، حتى تشظيه المحلق في سفوح السماء، إلى أن يهبط الأرض، ليدخل القارئ إلى أمكان تسكنه مجتمعات تبتعد عن الواقع، تسبح في الإلزامي المسيطر، كما في هذه السطور المتفرقة :

))أنفقت أحلامي /دون أن تدّخر الآهة ُ مقعدا لتجارب محتملة /لذلك لم تبق ثمة فرصة لانكسار عتيق يتجدد /وتذكّرَ البعضُ أمطارا كان بإمكانها أن /تطفي دكتاتورية الفقر/لو أنصف اربابُ الجنود الجرار المملوءة بالفراغ/والتهيؤ للتشظ /وأرتّبُ بعض ما امتلك من دعابة مجروح/كي أنقذ نسلي من الهزيمة /غير أن أُمّي التي شهدتْ نزواتي/أطفأتني بالحياة/عندما احرقوني بالطلاسم والقناع/فأقفلتُ راجعا إلى محاولة أخرى في الركض واللامبالاة/هل اصنع حزنا جميلا من بلاد عرضها الاحتراق /تجري من تحتها تأملات مقحمة في جدول السعي /النهر يدرك جيدا كيف يتجعد وجه شاعر رقيق /غير ان صبية يتخاصمون يستهلكون خيبة الحروب /بيد أن جلودهم تقشعر/عندما يتذكرون صالحا /يدخل غارا يلتقي الإله فيه(( .

لنتأمل معاً هذه الأبيات أيضاً التي اكتسى فيها الشاعر، حلة المصارحة بما يؤلمه من المواجع، المتصارعة مع الذكريات، من اجل مقاومة الحياة بصور متوهجة، وجدال يدعوا القارئ للبحث في شوارع نصوصه وتمشيط حروفه مرات عدة، لنعيش لحظات توتره في قصيدة تحمل فكرته المشخصة برموز أضلاع المجتمع الفاسد الذي يجمع أغصانه المتفرعة في نص واحد :

((خلفك الآن معمعة الكثير من المفردات الهرمة بالتداول المر/أتماسكُ بالصبح الذي افترضه بائعو القصائد المستعملة/ ولكي تتماسك أعضاء الجملة ينبغي ان نتماسك بالكذب جميعا /لأنهم لوثوا الوسائد والوسائل أصبحت الطرقات مدانة/وحكايات الورد بيانات سرية/ وعمال الجوع يذرعون أضلاع يتيم كان والده شاعرا/ والشعراء المؤدبون في نواكشوط يملون من كثرة التقفية /وشمس المغرب العربي تسبح في ذاكرة البحر الأبيض المتوسط /وتطلعات الصبيان الذين تكاثروا مثل الأمل/يولدون مع صوت بلال في أزقة طهران/بينما حاسبات الغرب تعد العدة للاستسلام الى مجهول جميل/ وان مقومات الكراهية عندي ازدادت نقصا /يا أيها الذين استشهدوا لاشتموا نصب الحرية/حتى لاستسلموا أعناقكم مرة أخرى لحرية النصب/وتلك الأيام نضربها في الملح لكي لا تكون ذريعة للتافهين)) .

وفي "موسعة أحلام البسطاء/ عيد الحب" يذهب بنا الشاعر وهاب، إلى مذهب المتنبي، في هذا التزاوج الواقع بين العقل ونتيجة القدر، واستعانته بمؤثرات الحياة، وجمعها وهضمها بطريقة يتغذى به الذهن، انه فمثل هذا المشهد يمثل مذاهب الشعراء التي تنبسط من أقوالهم أطوال حجة الشعر والفلسفة التي تفتح شهية الفكر، كلما تنقل الشاعر وهاب، من الأحلام، إلى مدارات البوح، ومن الحضور الى ذاكرة تساؤلاته عن الأحلام/ والخسارات/ والأمل/ وذاكرة الطفولة في عين راشد/ وحروف الشوق المنتشية في مكانها...
ولم ينسى شاعرنا مواقفه من الأشياء الذاتية المنطبعة في بصيرته، عن الاغتيالات المبصومة على الشوارع، وانتهاز المبدأ/ والكيانات المقدسة/ والحب/ والأنثى،/وأعياد الوطن المذبوح، الذي لن تجف أوراقه بقصيدة بعد الألف .

((موسوعة أحلام البسطاء/للعصافير في منتجع الحسر /سنرتدي ثوب ذكرياتنا المحفوفة بالحضور/ونحن مَنْ منح الفينيق وهج التألق/والذي يمنحنا الدفء/أقصدُ الأمل/والإيمان باللغة الأول/ أنْتشي/بالمحبة/عندي من الضوء/ما يغطي أعياد القادمين على سعفة خبز متقد/وآيات من الذكر الجميل أنْ :/تعالوا إلى جلسة مفتوحة من الشوق إلى أنفسكم /والبوح بما لا يستطيع أحمق أن يقول/يا أيها الذين ناموا كثيرا /دعوا المرضى يهذون/وكونوا باسمين/لا نعطي ظهرا /للوطن المفتوح على موجات محبتنا/لا رأي لحاقد علينا /نحن المبتهجين /عواطفنا تكفي لنهار أجمل)):

فبهذه الكلمات يذهب بنا الشاعر إلى هدفه مباشرة بلغة بسيطة وأدوات معرفية لا ترهق القارئ . فمثل هذا النوع من الشعر ينسب إلى الشاعر الفرنسي " فيكتور هوغو" الذي أرخى أوجاعه الذاتية الإنسانية، بغاية تخليص الذات من الأزمات الحياتية والفكرية والاجتماعية والسياسية . قلما نجد إبداعات تصويرية فلسفية مثل هذا الإبداع الفلسفي الشعري وتماهيهما كما انفرد بهما الشاعر وهاب الشريف، بمعانيه كالإغريق، الذي يعايشه مثل هذا التزاوج الروحي داخل نص يمازح فيه الألم بمتعة وفكاهة وسخرية... في يستهويه استلهام أوجاع أرواح البشر، وتفكيك طلاسم حياتهم بعد استحضارهم :

((لا يكترثون بأمراض الهذيانيين المنقرضين/الشارع يحفظ عن حرص وقع أغانينا/نحن المتماهون على أرواح الرسل السمر /كخبز يبحث عن لهفة جائع/مسارات طفولتنا القادمة ببعض حمام وقصائد/من نحل وفراشات مدامع/البحر بعيد والحرف على حزن مسافر/والعشّاق اعترفوا /أنْ لا وقت بكاء لا هوس متشائم/سنقترب أمانا ونقاءً كي تبتعد الأوهام/كي لا يعطش ثقب في القلب/أيْ لابدّ لمسرّتنا أن تبقى رهن البيت/ولابدّ لبيت يجمع دمع براءتنا/نخطط للغد من أكثر ما يؤلمنا /كي لا تفرح أفعى/حانت ساعة يقظة قبّرة /آدم في موسوعة أحلام البسطاء سعيد بنقاوتهم/حوّاء انتهزت غفلة إبليس/رمتْ قبلتها في الصبح لينضح مطرا )).


أما في قصيدة "غزل عراقي":
نرى الشاعر ينحت الشاعر مرآة الزمن حتى في غزلياته ليعيد للحب قطار سريره، وكأنه يسقط من هودج الرهبان ليشعل المآذن من الم اللذة في غصة شعره المنفرد بفضائه....ووظائف فكر الإنسان المتيقظ في الخاطرة المكتظة بجوانح الإحساس كالشاعر العراقي وهاب الشريف، الذي اسقط نسل أحلامه في هذه الصور المهجنة من جنسية الوطن والساسة والحب وهزيلة الأشياء من حوله ... فيصهر المخيلة في غزله العراقي المبحوح ليكتسب هذا النص تلك الروعة في ذائقته دون تعقيد ولا غموض . يمكننا تلخيص هذه الندرة في كلمات وجيزة، " أن الحياة عبارة حروب ودروس .

أما قصيدة "رازق الروح" التي لاحت في مخيلة الشاعر، الملهمة مطر الحائق في طرق سردياته العديدة ، وبصمت نواح أصابعه وكلماته التي تركت وساوس الأطفال/ وشفاه ابتسامة الجراح/ وسحاب الضم/ وشرب الكفاح/ ويباس الأسماء /وقذرات الرياح ..... وهناك العديد العديد من نصوص الشاعر النثرية والسردية تعبر عن الهم الإنساني الذي ينير مخيلته الخصبة بخلوته الروحانية دون أن يختزل عالمه في إطار زمني محدد، لكنه يمثل الواقع المريض في محاولته الوصول إلى علاج الذات الفريسة للساسة .
وهكذا ينفرد شاعرنا وهاب الشريف بحوار الأرواح المتوحدة مع عالمه المشابه داخله، ليقودنا للبحث عن الذات الإنسانية وأوجاعه الاجتماعية المنصهرة بحشود رؤيته .
أن سرديات الشاعر العراقي وهاب الشريف لا تقارن بمن يجترون الشعر على حساب قضيتهم وعروضهم ومفاهيمهم المزخرفة في شكليات اللغة ....

فبرأينا تعود نصوص الشاعر وهاب الشريف، إلى نظرية "انشتاين" التي تنطبق على الكثير من الفلاسفة والعباقرة وهي " لا بّد أن يخرج الكاتب أو الشاعر أو حتى الفرد من المجتمع المريض ولو بشيء واحد على الأقل، إذا لم يكّن إبداعاً معيناً سواء بعلاج الذات أو لذات الآخرين" . وبهذا الرمح الإبداعي يترك الشاعر وهاب، آثاره على جلد الحياة الملموسة في مفرداته .

وهاب شريف شاعر وإعلامي وقاص وصحفي
يقيم في النجف الأشرف بالعراق
له عشر مجموعات شعرية مطبوعة
رئيس تحرير مجلة المنهال الثقافية
رئيس بيت الشعر في النجف بالعراق

أدب الحصار/ شاكر فريد حسن

أدب الحصار هو الأدب المقاوم والمقاتل والاحتجاجي الذي أنتجته وأبدعته الأقلام والقرائح الأدبية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال العدوان والحصار والطوق ألاحتلالي ، الذي لا يهدف إلى تجويع وإذلال الشعب الفلسطيني فحسب وإنما يهدف إلى محاصرة العقل واغتيال الإبداع والتراث الفلسطيني.

ويمثل هذا الأدب تجربة متطورة من التجارب الفنية الطليعية والنضالية الثورية ويتميز بالتصاقه بالواقع والبيئة الشعبية الفلسطينية ، وبجماليته المستمدة من الجذور الحضارية الفلسطينية وقنواتها المعاصرة ، وبأبعاده الإنسانية التي أغنت مضامينه وأشكاله التعبيرية ، وهما الأرض والإنسان، ويحكي عنهما، ويصور ظلم الاحتلال وعسفه ويبرز معاناة الأهل في المخيم ويلامس الجرح والألم والوجع والبؤس اليومي والقهر المر ويجسد المقاومة الجماهيرية الباسلة والتمسك بالحلم.

وأدب الحصار هو صرخة احتجاج ضد الطغاة وظلمهم، ويدافع عن حق الإنسان الفلسطيني في الوجود والحياة والحرية والتقدم، وتنغمس فيه عمق الآلام والجراح وعنف المأساة والاضطهاد. كما يتجلى في هذا الأدب الصدق التعبيري العفوي والأصالة الفنية والتجربة الواقعية وتنوع الأغراض والموضوعات والأساليب والتوجه الطبقي المنحاز لأبناء الأزقة والشوارع والأرصفة والمخيمات وللفقراء والمعذبين.

إن أدب الحصار هو ادب الصمود والرفض ، وهو أدب وطني ملتزم وملتحم التحاماً كاملاً بحركة الجماهير وصيرورتها نحو الخلاص الوطني والاجتماعي ويمتاز بنظرته الشمولية ألرؤيوية للقضية الوطنية ، التي تتخذ البعد الاجتماعي ـ الطبقي مضموناً له، وهو رافد هام من روافد النضال الكفاحي والثوري والحضاري الفلسطيني ضد الاحتلال وفي سبيل الحرية والاستقلال.

صباحكم أجمل: استلبت روحي كفر اللبد ـ الحلقة الأولى/ زياد جيوسي

كفر اللبد: منظر عام وعدسة زياد جيوسي

لقد استلبت روحي كفر اللبد. هكذا خاطبت الحضور في أمسيتي في هذه البلدة الوادعة التي تفيض حباً، وأكملت: كفر اللبد تعني في اللغات القديمة المكان المرتفع الكثيف الشجر، وقد ارتبطت كفر اللبد في ذاكرتي بعلمائها الأجلاء، ففي الوقت الذي كانت معظم البلدات والقرى في وطننا ترزح تحت سطوة الأمية والجهل، كان العلماء ينيرون الوطن والمنطقة من أبناء كفر اللبد، حتى أصبحت كلمة اللبدي نسبة للبلدة تشير في أذهان المستمع إلى أسماء العشرات من علماء البلدة الكرام، إضافة إلى ارتباطها بذهني بدورها المشرف في الثورات الفلسطينية، وما زالت اراضيها تضم مقابر شهداء من ثورة 1936، وأنا الآن، وأنا في بلدتكم وبينكم، أشعر أني أحلق فوق الغيوم، وأجول الفضاء فرحاً وبهجة، وبينكم أشعر أني فراشة تطير بين الأزهار والورود، وأعتقد أن رام الله بعد هذا العشق ستذهب بي للمحكمة الشرعية غاضبة، لكني أراهن على روعتها ورقة قلبها أن تعذرني، لأن روحي استلبتها كفر اللبد، كما عشق قلبي جنين وتاه ولهاً بعنبتا، وعشق كل البلدات التي التقاها في روابي الوطن..

حين زرت عنبتا في زيارة سابقة، أتيح لي أن ألتقي بعض شبيبة كفر اللبد، وزرت بلدتهم زيارة سريعة وعابرة وعلى فنجان قهوة، ووعدتهم أن ألبي دعوتهم في زيارة خاصة للبلدة، وحين كنت ألبي دعوة اللقاء مع جنين، وفي أمسيتي الأدبية فيها، أبلغتني السيدة سوسن نجيب، والتي كان لي شرف اللقاء بها حين دعتني ورتبت زيارتي لبلدتها عنبتا الحورية الكنعانية، بتحديد موعد لي للقاء كفر اللبد، في الثاني عشر من أيار لهذا العام. وافقت بدون نقاش، فبلدة وادعة وجميلة ككفر اللبد، لا يمكن لروحي الا أن تلبي نداءها، وتحلم بلحظة معانقتها.

في عصر الأربعاء الحادي عشر من الشهر كنت أمتطي مركب الريح متجهاً إلى طولكرم، فأنا الكرمي ابن جيوس تربطني بطولكرم علاقة عشق خاصة، فزرت بيت أخي الأكبر وسيم والتقيت بأسرته، وجلت الدروب الكرمية سيراً على الأقدام في المساء، لاستعد لبرنامج زيارتي لكفر اللبد في الصباح التالي، ومنذ السادسة صباحاً كنت أصحو من نومي وأحتسي قهوتي مع شدو فيروز، استعداداً لتلبية دعوة الإفطار في بيت الأصدقاء أبي فراس وزوجته سوسن نجيب، لألتقي هناك صديقي خالد الهمشري الذي سيرافقني التجوال في كفر اللبد، ومع إفطار تقليدي شهيّ أعدته السيدة سوسن، كانت مفاجئة لعلها أثمن من كل أوسمة الأرض؛ رغيف من خبز الطابون محشواً بالزعتر الأخضر، ومنقوشاً عليه بحروف نافرة اسمي، فأثارت هذه المفاجئة فرحي، فالزعتر الأخضر يرتبط بروحي وبشعبي إلى درجة كبيرة.

قلعة البرقاوي: وعدسة زياد جيوسي
أنهينا الإفطار واحتسينا القهوة وحلقنا بإتجاه كفر اللبد، وفي الطريق كنت أشعر بروحي كفراشة محلقة، وما أن دخلت البلدة حتى لفت نظري حجم النظافة فيها، ووجود حاويات القمامة في أكثر من موقع في طريقنا، إضافة إلى الأرصفة المدهونة واليافطات المرورية، كما انتبهت للاهتمام بالشوارع المعبدة، وهذه حالة مميزة لبلدة صغيرة الحجم، ولا يزورها إلا من يقصدها، فهي ليست على طريق رئيس، وليست معبراً لبلدات أخرى، وفي العاشرة كنا في المجلس البلدي واستقبال جميل أضاف إلى ما كونته روحي عن البلدة وأهلها جمالاً آخر، فكان استقبال مميز من الأخ زياد الجعبيتي رئيس البلدية والأخ عبد الفتاح أبو ليلى، ومجموعة طيبة من شباب البلدة، لنتجه بعد اللقاء الطيب وفنجان القهوة إلى بداية الجولة من قلعة البرقاوي، ووجود القلعة في أعلى البلدة يدلل كم أن البلدة كان لها موقع استراتيجي مهم، وكم كان فرحي كبيراً أن أجد القلعة تحت الترميم، فهذه القلعة ترتبط بتاريخ المنطقة منذ العهد العثماني، وهي جزء من عدة قلاع حملت الاسم نفسه نسبة لأحد المشايخ الذين حكموا المنطقة بتلك الفترة، ففي فترة الحكم العثماني ظهرت مجموعة كبيرة من القلاع التي تحمل حتى الآن أسماء أشخاص أو عائلات، وكانت تحت إشراف عائلات إقطاعية تقوم بدور الوكلاء للحكم العثماني، وارتبط قسم منها بذاكرة المواطنين بالقمع والاضطهاد، وفي جوانب أخرى برجال قاتلوا ضد المستعمرين خصوصاً الفرنسيين في عهد نابليون.

هنا سكن الأجداد والجدات وحفروا الصخر بسواعدهم.. عدسة زياد جيوسي
كفر اللبد بلدة ضاربة القدم، فهناك آثار رومانية ما زالت ظاهرة للعيان، وما زالت هناك مدافن قديمة وخزانات الماء المحفورة في الصخور، وعدد من الخرب الأثرية والكنائس والقلاع الرومانية المطعمة ساحاتها بالفسيفساء، وهذا يدلل كم أن تاريخ البلدة حفل بالأحداث التاريخية، وأن كفر اللبد تضم في جنباتها من الآثار ما يروي حكايات التاريخ، إضافة إلى دورها الثقافي والعلمي والأدبي من خلال عدد كبير من المتميزين بالعلم والأدب في تاريخها، ويكفي أن أشير إلى أن أحد كبار علماء الدين وممن لهم دور اساسي بنشر المذهب الحنبلي كان من مواليد كفر اللبد وهو الشيخ محمد بن أحمد بن سعيد عز الدين الذي ولد في العام 1370م، وهذا الشيخ واحد من عشرات من أبناء كفر اللبد الذين تركوا بصماتهم واضحة في المجال الثقافي والعلمي.

قلعة البرقاوي تحمل في جوانبها المختلفة حكايات كثيرة، وقد تجولت في كافة أرجائها، وتأملت الحجارة الصلبة والضخمة التي تروي الحكايات، وجلت قاعاتها وأدراجها وأسقفها، ولم تتوقف عدستي عن التصوير، وكنت أشعر أني شاب في مقتبل العمر وأنا أتنقل بعنفوان وأقفز من زاوية إلى زاوية ومن موقع إلى موقع، فتذكرت في سري الشاعر أبو العتاهية وهو يهمس:

"ألا ليت الشباب يعود يوماً/ فأخبره بما فعل المشيبُ"

وقلت: لو أتيت يا شيخنا كفر اللبد وتجولت فيها، لما شعرت بالكهولة ولا بالمشيب، فهنا في عبق التاريخ، ستشعر بدم الشباب يتدفق حاراً في عروقك، ولن تذكر الشيب ولا المشيب.

تاريخ يروي الآف الحكايات في كفر اللبد وعدسة: زياد جيوسي

 
من قلعة البرقاوي وبعد أن استأذن الأخ زياد الجعبيتي رئيس البلدية والأخ عبد الفتاح أبو ليلى لمتابعة شؤون البلدية وترتيبات الأمسية، أكملت الجولة مع الصديق خالد الهمشري والشباب الرائعين سامح صقر ونشأت محفوظ وانضم إلينا من القلعة شاب رائع اسمه مروان محمد حسن، وشعرت به رغم سنه وبساطته يحفظ تاريخ البيوت في البلدة، فزرنا معصرة ومطحنة قديمة كانت عبارة عن مشروع لعصر الزيتون وطحن الحبوب بوساطة الآلات، وهي الآن مهدمة، وآمل أن يحتفظ بما تبقى من آلاتها في متحف طولكرم، أو أن يتم بناء ملحق بالبلدية يضم مثل هذه الآثار التي تروي حكاية البلدة، لنكمل الطريق بكافة أرجاء البلدة القديمة، فمنها بيوت أصبحت مهدمة تماماً، وبيوت آيلة للسقوط، وبيوت ما زال يقطنها السكان، وكل بيت وكل زقاق من هذه البلدة تشعر بحجارته تروي حكايات عن الجدود والجدات، وآمل أن يتم ترميم بعض منها خصوصاً تلك التي تميزت بشكل البناء والمساحة، لتصبح مقرات ثقافية وفنية تخدم البلدة وتساهم بنشأة أجيال ينتمون لبلدتهم ويحمون تاريخها وتراثها، وحقيقة أستغرب مسألة في معظم البلدات التي زرتها، فالبيوت الجديدة مبنية بالأسمنت لأن التكلفة أقل من البناء بالحجارة، بينما يمكن الاستفادة من حجارة البيوت المهدمة لتكون أساساً للبيوت الجديدة، فنحافظ على روح التراث ونحافظ على جماليات بلداتنا بدلاً من هذا السيل الجارف من بيوت الأسمنت التي تفتقد روح التراث وتفتقد الجمال.
مع ذاكرة كفر اللبد والحاج (أبو فيصل) شاكر أبو خميش

 
جلنا الدروب والأزقة، ودخلت عشرات البيوت التراثية، ورغم تحذير صحبي لي أكثر من مرة أن أنتبه ولا أغامر، إلا أن عناية المولى كانت تحميني، وكنت أشعر بأن أرواح الأجداد كانت تحيط بي وترف من حولي، تهمس لي حكايات كثيرة، وكنت أشعر بكفر اللبد حورية فلسطينية ترتدي الثوب الكنعاني المطرز، تضمني بكل الحب، وترويني من مياه آبار تجميع المطر، فلا أشعر بالتعب ولا بالجهد، وكنت أشعر أني فقط أريد أن أسابق الزمن لتزرع ذاكرتي في تلافيفها كل ما تراه وتشاهده وتستمع إليه، وواصلنا المسير حتى وصلنا إلى بيت الحاج شاكر أبو خميش (أبو فيصل)، هذا الكهل المتوقد الذاكرة، رواي التاريخ للبلدة، وهو من مواليد اليوم الأول من العام 1924، ورغم سنه ووضعه الصحي الا أنه يحتفظ بذاكرة متوقدة، فاستمعت منه إلى أحاديث كثيرة رغم ضيق الوقت، وهو من المناضلين القدامى، وقد شارك في العديد من المعارك العام 1947، وما زال يذكر تفاصيل دقيقة عن الثوار وتاريخ البلدة منذ كان طفلاً، وبمجرد أن عرف اسمي سألني عن عمي الشيخ محمد (أبو الطاهر) أطال الله بعمره، وقال لي لقد سجنّا في عكا معاً.


مقام الشيخ صالح وعدسة زياد جيوسي

حين خرجنا من عند الحاج أبي فيصل قلت لصحبي: هذه الذاكرة الشفوية يجب أن لا تضيع، ويجب أن تسجل، وأعدت هذا القول في لقائي الأدبي في المساء، وكم فرحت حين اتصل بي أبناء البلدة وأعلموني أنه قد جرى تشكيل لجنة ستبدأ بتسجيل ذاكرة هذا الشيخ الجليل، وذاكرة الرجال الكبار الذين يحفظون في ذاكرتهم ثروة يجب أن لا تضيع، ومن بيت الحاج أبي فيصل اتجهنا إلى مقام الشيخ صالح، وهو يحمل اسمه نسبة إلى رجل من الصالحين، ودفن فيه العديد من العلماء الأجلاء ومنهم الشيخ عبد الباقي الراميني والعديد من ثوار 1936، وزرنا بئر (الخزق)، وقد أخذ هذا الاسم بعد أن قصف في عهد إبراهيم باشا، وحدث به (خزق) وهدم، وكما تعرض ومقام الشيخ صالح للقصف في عهد الاحتلال البريطاني في عمليات مطاردة الثوار، فالقائد عبد الرحيم أحمد تواجد فيه وقاد عمليات المقاومة من خلاله، وتجولنا على هذه التلة المرتفعة والتي تكشف الساحل ومنطقة (الخضيرة)، وقرأت الفاتحة على أضرحة الشهداء الثوار الذين استشهدوا في ثورة 1936 وما بعدها، وحقيقة هذه المقبرة مع المقام بحاجة إلى اهتمام كبير، وقد وعد السيد زياد الجعبيتي رئيس البلدية خلال الندوة وحديثي عن المقام بالاهتمام الفوري بالمنطقة، فأقل الواجب تجاه ثوارنا الذين قدموا دماءهم فداء للوطن أن لا نترك اضرحتهم نهباً للعوامل الطبيعية والإهمال، ومقام مثل مقام الشيخ صالح يرتبط بتاريخ تراثي قديم للبلدة وأصبح رمزاً للثورة ويمثل حكايات من تاريخ الوطن، علينا أن نوليه كل اهتمام، ومن هناك زرنا المسجد القديم وهو يحمل اسم المسجد العمري، وهذا الاسم منتشر في العديد من بلدات فلسطين، فقد وجدت مساجد قديمة وتراثية في أكثر من بلدة تحمل الاسم نفسه.
الحديث عن كفر اللبد لم ينتهِ بعد، فالرحلة في أروقة التراث وحكايات التاريخ كثيرة، وفي الحلقة القادمة سيكون حديث آخر مع روايات عديدة روتها دروب البلدة وحجارتها، وروايات أخرى رواها تل (الشومر) الجميل...

صباح كرمي جميل في هذا الصباح ويوم الجمعة، أستذكر تفاصيل رحلة الأمس وبلدة كفر اللبد، وأشعر بروحي لم تفارقها وما زالت تجول بها، وأن كفر اللبد عذبت قلبي بقصة حب وعشق جديدة. أحتسي قهوتي وروح طيفي ترافقني، ونستمع معاً لشدو فيروز وهي تشدو:

(ولي فؤاد إذا طال العذاب به

هام اشتياقاً إلى لقيا معذبه

يفديك بالنفس صبٌ لو يكون لهُ

أعزُ من نفسهِ شيءٌ فداكَ بهِ)

صباحكم أجمل مع النسمات الكرمية وعودة قريبة لاستكمال جماليات وتراث وعشق كفر اللبد.