ماذا في كتاب " المُلهِمات"؟/ د. عدنان الظاهر

( رواية لفاتحة مرشيد ) *
عالجت فاتحةُ في كتابها الجديد هذا أموراً وظواهر شتّى منوّعة خطيرة الشأن في حياة الرجل والمرأة في أيامنا هذه . ولامست موضوعات بجرأة وجسارة وقدرات أدبية ومعرفية وطبية ـ نفسانية تراكمت لديها عَبرَ السنين شاعرةً وروائية متميّزة ثم طبيبة إختصاصية . لم أرها قبلاً جريئة إلى أقصى الحدود كما وجدتها في كتابها الجديد " المُلهِمات " . كشفت الحُجب وأزاحت السُتُر وسلّطت الأضواء ساطعة على سلوك عناصر روايتها من كلا الجنسين دون مجاملة أو حذر أو تردد . كان العصب المركزي والعمود الفقري الذي يجمع بين فصول روايتها [ 29 فصلاً ] هو فكرة أو فرضية قريبة أنْ تكون نظرية تؤمن فاتحة مرشيد بها ، كما قد يتهيأ لي. الفرضية ـ النظرية هذه ليست جديدة بشكل مطلق إذْ عالجها عالم التحليل النفسي سيكموند فرويد حين فسّر سلوك البشر جميعاً سلوكاً جنسياً حتى أنَّ عملية إرضاع الطفل من ثدي أمّه لا تخلو من الجنس إذْ يتلذذُ الطفل الرضيع بإرتشاف ما في نهد مُرضعته وملامسته ومداعبته والضغط عليه بين آونة وأخرى . حتى عملية مضغ الطعام ـ حسب فرويد ـ لا تخلو من هذا الدافع وإلاّ لكفَّ البشر عن تناول طعامهم اليومي . ما الجديد في الفرض النظري الذي قدّمته فاتحة في طول وعرض كتابها الجديد ودافعت عنه بدون تحفظ أو مواربة أو مداراة دفاع الطبيب الخبير والعالم البصير ؟ خلاصة هذه النظرة ـ وفيها شيء من التطرف والمبالغة ـ أنَّ الإبداع هو ممارسة جنسية وأنْ لا إبداع بدون هذه الممارسة . كباحثة أدبية واجتماعية وطبيبة نجحت في عرض نموذج مجسّم بأبعاد ثلاثة متحرك في جميع الإتجاهات وعلى جميع الصُعُد إختارته أستاذاً جامعياً وكاتباً ناجحاً هو السيد إدريس . أنقل مقتطفات مما قال إدريس في موضوع علاقة الجنس بالإبداع :
(( قصتي مع الكتابة ممزوجة بقصتي مع الحب / الصفحة 25 ))
(( عادت إليَّ بجسدها الذي يمنحني متعة الحب ومتعة الإبداع / الصفحة 27 / مع زوجته هناء ))
(( سَرعانَ ما اعتادت هناء على طقس الكتابة الذي يكمل طقس المعاشرة الجنسية. إستطعتُ بلباقة أنْ أجعلها تحسُّ بالفخر كطرف فعّال في عملية الإبداع ، طرفا أساسياً وضرورياً مما جعلها تجتهد في إنجاح العملية الجنسية حتى أستمتع أكثر وأكتب أغزر / الصفحة 28 ))
(( بحيث كلّما انتهينا من ممارسة الحب ، موظفين الخيال العلمي والفنتازيا، وجلستُ إلى المكتب، إلاّ وتنهالُ عليَّ الأفكارُ من حيث لا أحتسب . فمع كل لقاء بها أخطُّ قصة بأكملها .. أكونُ أول من يُفجأ بالبناء المتماسك لأحداثها / الصفحة 69 / مع طالبته الجامعية ياسمين ))
(( بعد هذا العراك الحيواني اللذيذ ، جلستُ مباشرةً ، في عريّ تام ، على المكتب وشرعتُ بمتعة عارمة في الكتابة / الصفحة 87 / مع الخادم الأمازيغية زينة ))
(( كانت تُسعد كلما كتبتُ شيئاً بعد مضاجعها / الصفحة 114 / مع ثريا ، زوج صديقه )) .
لا تختص فرضية فاتحة بالكتاب المبدعين حسبُ ، إنما تعممها فتجدها صحيحة حتى بالنسبة لفناني التصوير الفوتوغرافي [ الفصلان 17 و 18 / صبري الفلسطيني وأمينة ] ورسامي اللوحات بالألوان [ الفصل 19 / الأستاذ الجامعي إدريس مع الرسامة الألمانية رجينا في برلين ] .
كيف أجد الأستاذ إدريس ؟ لم تكشف فاتحة لنا شيئاً ذا بال فيما يخص عمله الجامعي والأكاديمي وكيف كان بين زملائه في قسمه وكليته وما هي خصائصه الجسدية وكم كان عمره وأي وجه يحمل أكان دميماً أو وسيماً وغير ذلك من الأسئلة . لم نعرف عنه إلاّ مغامراته في عالم الجنس مع نساء شتى لم يتعفف حتى عن إستدراج وممارسة إحدى طالباته في الجامعة بل وحتى ممارسته الجنس مع قرينة أحد أصدقائه . أيُّ رجلٍ وحشٍ هذا وأيُّ أستاذ جامعي ؟ لا أراهُ إلاّ جذعَ نخلةٍ خاوياً ورجلاً مريضاً بائساً عقّدته علاقة والدته المِثلية مع إحدى قريباتها إذْ شاهدهنَّ في وضع مريب تتبادلان القبل عارياتٍ في الفراش وما كان قد مضى على وفاة والده في حادث سير إلاّ وقت قصير وكان يومذاك طفلاً في السابعة من عمره. هل أدريس هو هاملت آخر ؟ يغلب على ظني أنَّ الطبيبة فاتحة مرشيد حاولت تفسير سلوك إدريس في مقبل أعوامه تفسيرات نفسانية فرويدية فعزت شبقه الفائق للجنس وتقلباته الحادة بين النساء وفقدانه للإستقرار إلى تأثير ما قد رأى ذات ليلة مظلمة بأم عينه . نقرأ ما كتبت هي أو على لسانه هو :
(( كان هذا الحدثُ أول زلزال في علاقتي بالنساء / الصفحة 180 / حول علاقة والدته المثلية بقريبتها السيدة دادة الغالية ))
(( إنقلبت طباعي بين ليلة وضُحاها، أصبحتُ عنيفاً لا أسمع الكلام ، أنفعل لأقل سبب، لا أقبل نصيحة وأجتهدُ في جعلي محط عقاب من قبل الجميع كأنني ألومُ نفسي على رؤية شيء مُحرّم عليَّ / الصفحة 181 )) .
(( بعد أنْ صرتُ بحاجة إلى النساء بدأ التمزّقُ في علاقتي بهنَّ ... علاقة مضطربة وغير مستقرة تملأها التناقضات. كثيراً ما سمعتُ منهنَّ بأنني غير عادي وكذلك كنتُ . كنتُ في علاقتي بالمرأة أعيش ازدواجية كمن يعاني من إنفصام في الشخصية .. بداخلي رجلان أحدهما عاشق من نار ... والرجل الثاني مراوغ لئيم يطمحُ إلى المخادعة ، يتضوّر جوعاً للنساء ولا شيء يُشبعُ شهيته إلاّ مؤقتاً . لكنْ يعصره الشكُّ في صفائهنَّ ونقاء سريرتهنَّ فيستغلهن لمصلحته ويرمي بهنَّ كعود ثقاب أُشعل وانتهى / الصفحتان 182 و 183 )) .
اليس في الأمر الكثير من المبالغات والتضخيمات ؟ أيصلح إدريس نموذجاً للتحليل النفسي وقبل ذلك أستاذاً جامعياً ؟ أين نجد الإبداع وتأثير الممارسات الجنسية عليه صعوداً وارتقاءً ؟ أكان ممكناً أنْ يكون كاتباً مُبدعاً بفضل تأثيرات الممارسات الجنسية دون الحاجة لذكر [ أو افتعال ] حادثة رؤيته لوالدته تمارس الجنس مع قريبتها دادة الغالية ؟
صباح والسعودية رجاء / الأختيار ، حرية الإختيار
في نموذجين إثنين تعرّضت السيدة فاتحة لموضوع حرية المرأة الجنسية . صباح سيدة مغربية تعمل في حقل الإخراج السينمائي . رجاء سيدة سعودية مطلّقة تعمل في حقل الصحافة . ماذا قالت فاتحة عن صباح ؟
(( ... إختارت عن قناعة ألاّ ترتبط بعقد زواج وأنْ تعيشَ حياتها العاطفية والجنسية بكل حرية / الصفحة 31 )) . وما قالت فاتحة في السعودية المطلّقة رجاء ؟
(( ... وعندما نزعت تُبّانها ، أو ما يشبه ذلك ، ظهر وشمٌ في أسفل البطن على شكل فراشة بألوان زاهية يمتدُّ من صرّتها إلى منبت الشعر فيما ينحدر الجناحان جانبي عضوها. لأول مرّة أرى وشماً بهذا الشكل وبهذا الموضع. سألتها ونحن نسترجعُ أنفاسنا ورأسي على بطنها عن سرّ هذا الوشم . قالت إنها رغبة في المصالحة مع منطقة من جسدها كانت سببُ كل مصائبها . أليس هذا المثلث سبب زواجها المبكّر الذي جعل منها أمّاً قبل الأوان ليتمزّقَ وينكمش كقماش بالٍ وهي لا تزالُ في ريعان شبابها ؟ أدركت بعد طلاقها أنه لا بدَّ أنْ تتصالحَ مع هذه المنطقة بالذات ، فزيّنتها لتصبحَ روضةً للفراشات ، تفتحُ أبوابها متى قررت هي وبمحض إرادتها نكايةً في كل الوجع الذي سبّبهُ لها هذا المثلث / الصفحات 162 و 163 / إدريس ورجاء )) . ثم قالت :
(( منذُ أنْ وضعتُ " التاتو " على المثلث أصبحتُ أحبُّ جسدي ولا أخجلُ من عضوي. أصبحت الإفرازات رحيقاً، ودم الحيض نبيذاً أحمرَ يسيلُ من جداولي مرّةً في الشهر ليذكّرني بالأنثى التي اخترتُ أنْ أكونها / الصفحة 163 )).
كان إدريس ــ حسب فرويد وفاتحة ـ ضحية مركّب لتعقيدات نفسية سببها ما رأى ذات ليلة من ممارسة جنسية بين والدته وقريبتها ولكن كيف تفسّر الكاتبة وقبلها فرويد سلوك ومواقف كل من صباح ورجاء ؟
طيّب ، صباح ورجاء سيدتان متحررتان من كافة القيود تمارسان الجنس مع من يرغبن ممارسته من الرجال بملء حريتهنَّ ووفق كامل رغباتهنَّ ومتى شئنَ. الأولى لم تتزوج أصلاً لأنها ضد الزواج ، أما الثانية فإنها مطلّقة تركت أطفالها الأربعة مع والدهم. الآن أتوجه للكاتبة بسؤال بسيط نابع من سياقات الرواية : أين موضوعة الإبداع وتأثير الجنس عليه وما أبدعت صباح ورجاء ؟ لا شيء. لا علاقة لهنَّ بالإبداع علماً أنَّ صباح هي مُخرجة تلفزيونية والأخرى مراسلة جريدة محلية . ما الذي حدا إذاً بفاتحة أنْ تفرد فصولاً لهاتين السيدتين المنفلتتين من كل عقال وعرف وتقليد ؟ نفهم ظاهرة صباح ورجاء إذا افترضنا أنَّ أطروحة فاتحة الأساس ومجمل مواقفها من الجنس موضوعة أصلاً في إطارها الأعم والأشمل : حرية ممارسة الجنس بالنسبة للذكور والإناث كحق طبيعي بدهي لا يحتاجُ إلى تبريرات ومسوّغات ودوافع وعوامل كيميائية مساعدة [ كاتاليزاتورات ]. الجنس قوة في الإنسان مفروضة عليه ما دام هو عنصر مواصلة وإدامة الحياة على سطح الكرة الأرضية. الإنسانُ ( وكافة الأحياء ) عبدٌ للطبيعة الكونية وواسطة تكرير الجنس البشري فإذا كفَّ عن ممارسة الجنس انقرض هذا الجنسُ. هنا لا نحتاج إلى نظريات فرويد وتنظيرات وتطبيقات دكتورة فاتحة مرشيد. يظلُّ فضلها الكبير في أنها طبّقت أقوال فرويد العامة على حالات بشرية خاصة كان أكثرها وضوحاً وإثارة مثال الكاتب الناجح السيد إدريس. هل وجدتِ يا فاتحة إبداعاً في سلوك وممارسات صباح ورجاء الجنسية ؟ أنيري أمامنا الطريق رجاءً ! قد يسألُ سائل : هل فاتحة مقتنعة بما قالت وكتبت وهل تسلك وتنهج عملياً مسلك ومنهج بطلات قصّها وما تروي؟ وهل هذا السؤال مقبول أم مرفوض ؟
الحب المِثلي بين النساء/
(( ... إتجهتُ وسط الظلام إلى غرفة والدتي أستجدي بعض الحنان .. لأجدها بين أحضان دادة الغالية في وضعية تفوقُ الحنان . كانت الواحدة تُقبّلُ الأخرى بشغف وقد تحررتا من ملابسهما / الطفل إدريس / الصفحة 179 . كان هذا الحادث أول زلزال في علاقتي بالنساء / الصفحة 180 )).
أفردت فاتحة فصلاً كاملاً ( الفصل 26 ) لهذا الموضوع تركت إدريس فيه يصولُ ويجول وكانت بارعة حقاً فيما كتبت عن تأثيرات ما كان الصبيُّ إدريسُ قد رأى من فعل جنسي غير مألوف تمارسه والدته مع قريبتها . هل ثمّةَ من إبداع في ممارسة هذا النوع من الجنس وما هو وما تفسير فرويد له ؟ لماذا تحب المرأةُ المرأةَ والرجلُ الرجلَ ؟ هل هو شذوذ أم شكل آخر من أشكال الطبيعة ؟ رأيت في أحد متاحف العاصمة الدنماركية كوبنهاكن منحوتة من حجر البازلت الرصاصي الغامق وبالحجوم الطبيعية لإمرأتين تمارسان الفعل الجنسي لفت نظري قناع وضعه النّحات على وجه الفارسة التي تركب رفيقتها وجهاً لوجه. إحترتُ في تفسير سبب وجود هذا القناع حتى اهتديتُ لبعض الحلول كان أقواها أنَّ العملية من حيث الأساس ليست طبيعية تتضمن تزييفاً للطبيعة وتنكراً لنواميسها وأسس دوامها . وأنَّ الراكبة تخجل من مثيلتها وهي تمارسها ركوباً لذا لا تجرؤ على أنْ تنظر في عينيها . ما تفسيرُ القارئ الكريم ؟
كنا صغاراً تلاميذَ مدارس إبتدائية وكان بعضنا يروي لنا ما كان يحدث بين أبويه ليلاً حيث تعيش عائلة كاملة في حجرة متواضعة واحدة يعيشُ وينام تحت سقفها الأب والأم والأخوة والأخوات وحتى بعض الأقارب. لم ألحظْ أي تعقيد أو شذوذ على هؤلاء الأطفال حتى بعد أنْ كبرنا وأنضجتنا الحياة فغدا البعضُ منّا يقصُّ علينا أحاديثَ مثيرة أخرى مغايرة من قبيل المغامرات الرومانسية وما يرتادون وما يكتشفون من عالم المرأة وممارسة الجنس. أتذكر إبن الخبّازة الخالة حسنة
الزميل " جاسم " حيثُ قصَّ علينا ذات يوم كيف أنه لم يعدْ يُطيق صبراً على ما كان يتحسس ويرى تخيّلاً تحت جنح الظلام وما كان يسمع من أصوات وحسرات وتنهدات وما يحدث خلال الممارسات الجنسية بين أبويه . قال الزميل جاسم : رفعت حجراً كنتُ أضعه تحت مخدّتي لتزداد ارتفاعاً ووقفت على رأس والدي وهو يهتز ويرهزُ وينفخ مثل ثور هائج وأمرته أنْ يكفَّ ويترك والدتي على الفور وإلاّ حطمت رأسه بهذا الحجر . كفَ المسكين بالفعل ونهض ممتثلاً لأمري وتهديدي . دأبتُ كلما رأيته بعد ذلك بسنوات أنْ أذكّره بهذه القصة فكان يُضحكني بقوله : إنتقلنا بعد حادث التهديد الحجري ذاك إلى بيت فيه أكثر من حجرة واحدة واستقل الوالدان عن باقي أفراد العائلة . رأيته رجلاً حكيماً يدير مقهى خاصاً به وله العديد من البنات والأولاد لا يعاني من أية عقد وتعقيدات جرّاء ما كان يحدث بين أبويه زمان طفولته المبكّرة . أما الزميل " كريم " فكان بارعاً في تصوير وتمثيل ما كان يجري بين أبيه وأمّه وكان مرحاً متفائلاً ساخراً منكّتاً بارعاً لا أثر للعقد النفسية عليه نتيجة ما عايش من حوادث وأحداث كانت تجري أمامه أو في حضوره في كل ليلة بل وحتى كانت تجري نهاراً أحياناً كما كان يقول . العيش في حجرة واحدة أو في كوخ بسيط واحد أمر مألوف جداً في قرى وأرياف العراق .
الأستاذ إدريس والفنانة رجينا / في برلين / الفصل 19
(( ها هي فنانة تشكيلية من بلد آخر وثقافة أخرى تمارسُ طقوسي .. تجعلُ من ممارسة فنها امتداداً لممارسة الجنس / إدريس / الصفحة 136 )).
مع نظرية فرويد وتفسيراته للجنس مددت فاتحة مرشيد دراستها النفسانية وأخضعت الفن والفنانين لها وقد أحسنت بجمعها الأنموذجين المتطرفين معاً : إدريس المعقّد الذي رأينا والرسّامة البرلينية رجينا [ رجيكنا ] التي لها عالمها الفني الخاص وأمزجتها الخاصة وطريقتها الخاصة في فهم الفن وطرق الإبداع فيه . لا أميلُ إلى تصديق كل ما قالت الروائية فاتحة عمّا كان يجري في مرسم الفنانة هذه بينها وبين الكاتب الناجح إدريس . التطرف والمبالغة واضحتان أمام عيني لكنَّ فاتحة أحرزت أعلى درجات النجاح في رسم الصور وشرح ما كان يجري بين مبدعة ـ لا تعاني من عقدٍ من أي نوع كان ـ ومبدع جاء برلين ليقضي فيها فترة شهرين له نظرياته في الجنس ووسائل ومحفّزات الإبداع . أنقل ما رأى السيد إدريس في مرسم الفنانة رجينا ثم أضيف تعليقاً طريفاً له علاقة بما حدث :
(( ... وإذا بها تأخذُ قماشاً وتنظّفُ يديها، ثم ترفعُ قميصها الأبيض بكل تلقائية وكأنني غير موجود لتخرجَ نهدها الأيسر، تُلطّخ حلمته بلون أحمر قانٍ وتطبقه أسفل اللوحة.. موقِّعة إياها بأروع بصمة عرفها تأريخ الفن التشكيلي / الصفحة 135 )).
كنتُ يوماً في زيارة لقريب لي ضابط شرطة فدخل فلاّحٌ قروي في يده عريضة
( عرض حال ) يتظلم فيها من أمر ما . قرأ الضابطُ العريضة وطلب من القروي أنْ يوّقع على الطابع أسفل عريضته. إرتبك المراجع المسكين ولم يتحرك فرفع الضابطُ صوته وكرر الأمر . رفع الفلاّح ثوبه [ والناس في القرى والأرياف لا يرتدون ملابس داخلية بل ويستنكفون منها ويعتبرونها من فنطازيا وبُدع أهل الحضر أي الحضريين سكنة المدن ] ... رفع ثوبه ووضع رأس عضوه الذكري فوق الطابع. كاد أن يموتَ الضابطُ من الضحك ، وحين هدأ وبرد وتماسك نهض غاضباً وصفع القروي المسكين صارخاً مهدداً بالويل والثبور. كيف رد هذا الرجل المصفوع ظلماً وسوءَ فهمٍ ؟ قال للضابط : سيدي ، دخل الله ودخيلك ... نحن في القرية هكذا نواقع حريمنا بما أعطانا الرب من سلاح وأنا نفّذتُ أمرك وهو أمر الحكومة. لم يميّز المسكين بين معنيي الفعلين (( وقِّعْ )) و (( واقعْ )) فحسب ذاك الفعلَ هذا وتورّط. هكذا وقّعت الفنانة رجينا لوحتها دون أنْ تدري أنَّ قروياً عراقياً أميّاً مارس قبلها بعقود هذا الضرب من التوقيع فناله من الضرب ما ناله ولم يقل له أحدٌ إنك مبدع يا رجل. كلٌّ يوقّع بطريقته الخاصة وأسلوبه الخاص وثقافته الخاصة. يا فاتحة ويا رجينا تعلما من تجارب بسطاء الناس ففي تجاربهم ثراءُ وغنى. هذه مقدمة للأمر الأكبر الذي لا يتوقعه بشرٌ ولم يدر في خلد أحد على حدّ علمي. أنقله حرفياً لأنَّ فيه من المغازي والمعاني ما لم يدركه أحدٌ قبل السيدة فاتحة ذات الثقافة العميقة المتعددة الجوانب والخيال الواسع والعميق واترك التقدير للقرّاء الكرام :
(( جهّزت لوحة كبيرة بحجم سرير مُريح، ناصعة البياض، وضعتها على الأرض وأحاطتها بشموع صغيرة. وحده شوبان كان شاهداً على نواياها. خلعت عني ملابسي وخلعتُ عنها ملابسها ثم أمسكت بفرشاة في صمت مطلق وأخذت تغمسها في عُلب الألوان وتصبغ كل قطعة من جسدي بلون مختلف. ثم أمدّتني بالفرشاة وطلبت مني أنْ أفعل الشئ نفسه مع جسدها. أنا الذي دفن حلمه يوماً في رسم اللوحات ها أنا أرسمُ على جسد حيٍّ : النهدان بالأحمر، الذراعان بالأبيض، البطن بالأزرق، الردفان بالأسود .. و ...
وما أنْ أصبحنا كفراشات الربيع حتى دعتني لأتمددَ فوق سرير اللوحة التي على الأرض وتمددت بجانبي... ومارسنا الحب بكل ألوان الطيف. غادرنا اللوحة السرير لندعها تجف كما هي وبدون إضافات من الفنانة التي علّقت وهي تقرأ تساؤلاً بعيني : " ليس من اللائق إضافة شيء للكمال " )).
كيف يفهم القارئ هذه اللوحة الواضحة المغزى والمعقدة الطروحات ؟ وضوح سطحي وسوريالية عميقة توحي لكنها لا تبين. تقول اللوحة هذه إنَّ الفن من الجنس ( آيروس ) ورسم لوحة فنية هو ممارسة جنسية ينفّذها الرسّام بالألوان فالألوان هي وسيلة وأداة الممارسة الجنسية أي أنها أداة الذكورة لدى الفنان. الفنان هو الذكر واللوحة هي الأنثى. النساء تحب الألوان لذا تهوى الزهور وتهوى الأطياف اللونية فيما تختار من ملابس فالألوان إحدى نقاط ضعفها يعرف الفنان الأصيل المبدع كيف ومتى يستغلها لترويض المرأة حتى تقتنع وترضى بمشاركته الفعل الجنسي . الفعل الجنسي في لوحة رجينا الطبيعية الأخيرة أدّته وأدريس المغربي بالألوان لتقول لنا إنَّ الرسمَ ـ والفن عموماً ـ هو ممارسة جنسية طبيعية مارساها متداخلين في قلب اللوحة وبما قد اختارا من ألوان.
لله درّكِ يا فاتحة مرشيد ! إقتحمتِ ميداناً تطبيقياً جريئاً ما سبقك إليه أحدٌ من الأدباء. قال قبلك فرويد نظريات لكنك أفدتِ منها بذكاء ووضعتيها موضع التطبيق الحار الحي. ليس لديَّ قناعةٌ ما أنَّ خبرتك الطبية قد ساعدتك في خوض هذا اليم الجليل لكني على قناعة تامة أنَّ ذكاءك وقدراتك الإبداعية الأصيلة والمتأصلة فيك ومعايشاتك اليومية للناس كانت هذه جميعاً دافعك ومساعدك والمعين الذي لا ينضب تغرفين منه ما تشاءين بمُكنة واقتدار. هل نفترض أنَّ إدريس نفسه أو أحداً سواه كان قد قصَّ عليك هذه القصة فسقتيها بأسلوب أدبي ناجح ومُغرٍ وشديد السخونة ؟ أشكُّ كثيراً في هذا الفرض !
ما دام الشيء بالشيء يُذكر فلا أرى بأساً من ذكر ما كنتُ قد قرأتُ وما عرفتُ حول علاقة الفن بالجنس وتأثيرات هذا على ذاك. قيل إنَّ الفنان الأشهر الإسباني الأصل بيكاسو ما كان يرسم لوحة أو بورتريه لسيدة إلاّ بعد ممارسة الجنس معها برضاها أو حتى إغتصاباً . كان يزعم أنْ لا معنى ولا من مذاقٍ ولا من إبداع في رسم صورة لإمرأة دون أنْ يجامعها ويكتشف ويختبر ويجرّب جميع عوالمها وزوياها وخفاياها وما ظهر منها وما بطن. معنى هذا أنَّ الوجود الحقيقي والطبيعي للمرأة في ممارستها الحب وهي مخلوقة أصلاً لهذه الممارسة ما دامت هي حاملة أجنّة الحياة وووعائها ثم حاضنة المواليد الجدد أبناء وبنات الحياة وآباؤها وأمهّاتها مستقبلاً . كنت ذات يوم على ساحل بحيرة [ شتانبرك ] في ضواحي مدينة ميونيخ حيث تعرّفت على سيدة رومانية قالت إنها فنانة مختصة برسم الوجوه. قلت لها مازحاً هل تنوين رسم وجهي ؟ قالت بكل جديّة إنها لا ترسم وجه كائنٍ من كان ، إنما ترسم وجه الرجل الذي تشعر بإلفة قوية تجاهه تتطور إلى حب شبيه بالتوله وبدون هذا الحب هي عاجزة عن الرسم. طبيعي كانت تقصد ممارسة الجنس مع مّن تنوي رسم صورته. يبدو أنها كانت على علم بفلسفة سلفها بيكاسو !
فاتحة والمحيض / إدريس ورجاء / الفصل 23
(( وفي الليلة الأخيرة جاءت غرفتي قائلةً بغنجها المُعتاد إنها حائض. ظننتها كمعظم النساء سوف تمتنع عن ممارسة الجنس، لكنها على عكس ذلك كانت أكثر تألقاً . قالت : منذُ أنْ وضعتُ " التاتو " على المثلث أصبحتُ أحب جسدي ولا أخجل من عضوي. أصبحت الإفرازاتُ رحيقاً ودمُ الحيض نبيذاً أحمرَ يسيلُ من جداولي مرّةً في الشهر ليُذكّرني بالأنثى التي اخترتُ أنْ أكونها. في كل حيض إجهاض يحررني من أمومة استعبدتني. أصبح اللونُ الأحمرُ لونَ الحريّة .. لون المتعة التي لا يُنتظرُ منها شيء سوى أنْ تتحقق / إدريس ورجاء / الصفحتان 163 و 164 )).
هذا الكشف والإنفتاح الصريح جديد على الدكتور فاتحة مرشيد. بلى، كانت جريئة فيما كتبت سابقاً من أشعار وروايات ولكن لم تتخطَ حدوداً معينة حافظت عليها والتزمتها بصرامة وجد ووعي كامل فما الجديد الذي جرى لفاتحة وغيّر مواقفها ومجمل نظرتها في الكتابة ومن أين أتتها هذه الدفعة [ السونامية ] الجديدة التي لم أكنْ أتوقعها من العزيزة فاتحة ؟ عزا صديقٌ السببَ إلى تجاوز فاتحة لسن الخمسين أي سن اليأس وانقطاع حيضها وحنينها لأعوامه ولشهور الحمل ثم ، أضاف الصديق ، متى ما تجاوز الإنسانُ سن الخمسين تساوى ليله ونهاره ، هزله وجّده ، خفّته ووقاره ...
وليس إلى أية تطورات أو تغييرات في هندسة ومعادلات حياتها البيتية والعائلية الخاصة. ما زالت في عصمة زوج محترم وما زالت الأم المثالية لبنت وولد وما زالت تمارس مهنة طب الأطفال في عيادتها الخاصة في الدار البيضاء الكائنة في زنقة إبن بطوطة مقابل سوق الخُضار المركزي. واضح أنها عالجت أو مسّت موضوعَ ممارسة الحب في فترة المحيض أو [ القروء بالعربية القديمة ] من زاوية طبية وقررت أنْ ليس من خطر في هذه الممارسة ولا من ضرر. قالته ولكن بلسان الرجل المعقَد اللاهي [ بلاي بوي ] الأستاذ الجامعي إدريس :
(( ... خطاب كهذا لا يمكنُ إلاّ أنْ يُسعدني، أنا الوحشُ الذي قضّى عمره في إقناع النساء بأنَّ ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية مسألة طبيعية . كنتُ قد اجتهدتُ في الموضوع حيث بات باستطاعتي إقناع كل عشيقاتي بالإستمتاع بأجسادهنَّ طوال أيام السنة، وبأنَّ هذه الأفكار غير صحيحة علمياً / الصفحة 164 )). قالت لي سيّدة متزوجة ـ ولا أعرف الدوافع ـ إنها تسيغ ممارسة الحب في زمن دورتها الشهرية بل وتستمتع به للحدود القصوى. وكان ذاك أول بوح أسمعه من نوعه حتى قرأتُ ما كتبت الطبيبة السيدة فاتحة في كتابها الأخير " المُلهِمات " . هل كان هذا مسعى مقصوداً من لدن الكاتبة لتثقيف الناس رجالاً ونساءً ودعوتهم لممارسة الحب 365 يوماً في السنة وبدون توقف [ نونستوب ] ؟
رسالة الأدباء والكتاب والمتنورين من كلا الجنسين أنْ يثقفوا القرّاء وأنْ يعلموهم ما لم يعلموا ويعرّفوهم على ما لا يعرفون من حقائق وبيانات يقف العلمُ وراءها. وهي لا ريبَ رسالة نبيلة لا تختلف في جوهرها عن رسائل الرسل والأنبياء . ففي القرآن نص صريح لا يُحرّم ممارسة الحب بين الرجل وامرأته في زمن المحيض لكنه يحضُّ على تجنب إتيانه لأنَّ فيه أذىً [[ ويسألونك عن المحيضِ قلْ هو أذىً فاعتزلوا النساءَ في المحيضِ ولا تقربوهنَّ حتى يَطهُرنَ فإذا تطهّرنَ فاتوهنَّ من حيثُ أمَرَكم اللهُ إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابينَ ويُحبُّ المتطهرين / سورة الققرة الآية 222 ]].
أين الإبداع في هذا الفصل ( 23 ) يا فاتحة ؟ مارس صاحبنا الكازانوفا المغربي إدريس الحبَ مع المطلّقة السعودية أسبوعاً كاملاً لم يستطع خلاله كتابة أي نص أو قصة ! فلماذ سكت صوت الإبداع القصصي في قلم إدريس وهو واحدٌ من قلمين لديه ؟ ضاعت جهوده الجنسية هباءً ! قد يقول هو إنَّ السبب الأول والأخير في أنه مارس ما مارس مع ( السيدة ) رجاء بدون حب ! كانت علاقة سياحية قصيرة طارئة ما جاءت عن حب ولا أدّت إليه وأرى هذا تفسيراً معقولاً. إذاً ليس كل ممارسة جنسية تقوي الإبداع وتبعث الحياة فيه وترفعه وترفع الكاتب أو الكاتبة درجاتٍ . قال إدريس :
(( تصوروا : لقد كانت أول مرّة أمكثُ فيها بين أحضان إمرأة بعد ممارسة الجنس ولا أُحسُّ بأدنى رغبة في الكتابة ... أحسستُ معها بسَكرة الأقاصي وجذبتني لذّةُ الضياع / الصفحة 163 )).
كان الختام أكثر من رائع حيث امتزجت عبقرية فاتحة الطبيعية بموهبتها الكتابية المكتسبة بالمران والممارسات الكثيرة الدؤوبة وكثرة ما نشرت من كتب الشعر والروايات فجاءت لوحة سوريالية الوضوح وواضحة في سورياليتها ولا أعرف من أين تأتي مثل هذه اللوحات لخواطر فاتحة :
(( بعد ليلة حمراء على جميع المستويات تبوّلتُ دماً. ظننته في البداية من مُخلّفات دم حيضها، لكنه تكرر بعد عودتي إلى المغرب مما أقلقني وجعلني أستشير الطبيب الذي شخّصَ سرطان البروستات لديَّ / إدريس / الصفحة 164 )). خلطت الكاتبة دم داء السرطان بدم طمث رجاء في اللقاء الأخير بين هذه وصاحبها الأستاذ فجاءت النتيجة مأساوية جداً . دمُ محيض رجاء غدا نذير موت إدريس فهل هذه هي الحرية الحمراء التي تريدها رجاء حيث قالت على نفس الصفحة (( أصبح اللونُ الأحمرُ لونَ الحرية ... لون المتعة التي لا يُنتظرُ منها شيء سوى أنْ يتحقق )). في حريتها تلف مَن يشاركها متعتها الجنسية . هل قرأت رجاء بيت أحمد شوقي يقول فيه (( وللحرية الحمراءِ بابٌ // بكل يدٍ مُضرّجةٍ يُدقُ )) ؟
هل الإفراط في ممارسة الجنس يتسبب في الإصابة بسرطان البروستات ؟ نورينا يا طبيبة !
أمينة غير الأمينة / هي زوج الكازانوفا الآخر الغائب عن الوعي.
أفردت السيدة فاتحة لأمينة ثمانية فصول كاملة لكنها غيّبت زوجها عمر بأن جعلته يرقد في المستشفى فاقد الوعي بعد تعرضه لحادث تصادم أودى بحياة عشيقته كوثر ونجا بحياته لكنه فقد وعيه . هل كان هذا جزاء خيانته لزوجه أمينة التي لم تخنه في مجرى حياتهما الزوجية الطويلة رغم علمها بكثرة عدد مغامراته وعدد عشيقاته ؟ هل أقدارنا تثأر لنا ممن يوجعنا ويتسبب في أذانا خاصة إذا كنا عاجزين عن أخذ الثأر ؟ لماذا أزاحت الروائيةُ السيد عمر وأبرزت قرينته بدلاً منه ؟ لم تزحه بالكامل إذْ كرّست له أوقاتاً عرفنا منها أين كان وكيف كان ومن هم زائروه في مستشفاه . كانت فاتحة بارعة بتوظيفها آلية [ تكنيك ] إخفاء أحد عناصر الرواية وتسليط الضوء على البديل. عانت آمنة الكثير قبل حادثة إغماءة زوجها ولم تخنه وظلت وفية أمينة حتى عرّفتها على مصوّر فلسطيني صديقتها صباح التي لا تؤمن بالزواج ولا بقدسية الروابط الزوجية وتمارس الجنس مع إيّما رجل يعجبها تختاره هي (( إختارت عن قناعة ألاّ ترتبطَ بعقد زواج، وأنْ تعيش حياتها العاطفية والجنسية بكل حرية / الصفحة 31 )). نتابع الحوار التالي بين أمينة وصديقتها صباح (( ما هذه المقارنة ؟ أظن أنَّ هناك فرقاً بين امرأة متحررة مثلك ومومس. ما هو الفرق في نظرك ؟ الفرق أنكِ أنتِ لا تبيعين جسدكِ ولا تعيشين من ممارسة الجنس. أجلْ، لكنَّ الفرقَ الأساسي يمكنُ اختصاره في كلمة واحدة : " الإختيار ". أنا أختار عشّاقي بينما هي يختارها زبائنها. حريّة الإختيار هي التي تجعلُ مني امرأة حرّة / الصفحة 80 )). هذه هي فلسفة صباح في الحب والجنس والعلاقات بين المرأة والرجل وقد نجحت في توريط أمينة في علاقة رومانسية قصيرة الأجل مع رجل فلسطيني بعد أنْ تمنّعت واستعصمت سنينَ عددا وترفّعت عن خيانة زوجها مثلما كان يخون . لكنها استسلمت أخيراً تحت ضغط الحرمان والوحدة في بيتها وقناعتها الجديدة بما قالت لها مرّةَ إحدى النساء (( قالت لي مرة إحدى السيدات المجرِّبات إنَّ الشيء الوحيد الذي يُشفي المرأة التي يخونها زوجها هو أنْ تخونه هي أيضاً ولو لمرة واحدة. بل مرة واحدة تكفي لتغيير نظرتها إليه وإلى الحياة وتكسر صورة " سي سيّد " الزوج المستبد الذي يسمح لنفسه بكل شيء ويمنع عنها أي شيء / الصفحة 168
)). جمعت صباح بين أمينة ومصور فلسطيني إسمه صبري ( الفصلان 17 و 18)).
ملاحظات ختامية /
أثبتت الدكتور فاتحة مرشيد مرة أخرى أنها تختزن قدرات هائلة منوّعة مختلفة الأعماق والألوان والمستويات وأنّ لغتها دوماً طوع يدها وفكرها تجول معها وتسيح حيثما جالت وساحت. عرضت في كتاب " الملهمات " أموراً في غاية الأهمية والخطورة في حياتنا في هذه الأيام وأثبتت أنها قادرة على معالجة أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيداً بأساليب فنية تجعل القارئ لا يصدّق ما يقرأ لفرط قوة فاتحة في تخدير وأسر قارئها بالأفكار والصور والمجازات والإحالات الكثيرة على شعراء وكتاب كبّار وأدباء عالميين. كانت في كتابها هذه جريئة وغير مبالية وقد عرفتها فيما سبق من كتبها غير ذلك. سيغضب منها الكثير من الرجال لكنْ ستقف معها غالبية النساء الكبرى مصفّقةً مشجعةً معجبة بها أيّما إعجاب. لها قدرات مشهودة في تقمص أي دور رجولي أو نسائيّ تغوص فيه حتى الأعماق السحيقة. وما أروعها حين تتكلم بأسلوب المناجاة الروحية الصوفية كما هو الحال على الصفحة 43 إذْ يتكلم إدريس مع زوجه الراحلة هناء. أو في محادثات أمينة مع زوجها الفاقدِ وعيَهُ حيث كانت تقرأ عليه رسائلها المتبادلة مع عشيقها العابر صبري. لم تفرض هذه المحادثات على السياقات جزافاً وتعسفاً بل قدمت لها ومهّدت لبريرها من حيث أنَّ محادثة فاقد الوعي مسألة ينصح بها الأطباء ولديهم حدس أنه يسمع الكلام . إنها بحق سيّدة التمهيد والتسليم وربط الحدث بما سبقه بأشكال وأساليب سلسة منطقية كبيرة الإقناع. في الصفحة 83 نموذج ممتاز لقدرات فاتحة على التمهيد ثم الربط .
أحصيت في كتاب الملهمات 15 إحالة واستشهاداً أعجبني فيها خاصة ما اقتبست من لورد بَيرِن وهي العاشرة وردت في الصفحة 91 .
*
الملهمات / رواية لفاتحة مرشيد . الطبعة الأولى 2011 . الناشر : المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء – المغرب .

غاوية/ ضحى عبدالرؤوف المل


أين البقية يا تُرى؟.. لا أرى سواك هنا!.. وحيدة أنت ستكونين بين أناملي.. لامَسَها بأصابعه التي امتدت اليها وهي صامتة تنتظر شعلة من نار كي تنطلق في الأجواء برقصة كونية لا خلل فيها إلاّ أنها صُنعت لتكون مومساً بين الشفاه..

يبدو كل شيء سهلاً، كي يبدأ ثورة جنونه التي لا تنتهي إلاّ حين ينتهي من إغوائها كي يربح الرهان ويستريح من توتر أعصابه، بفقدان رجولة لا يعي أنها رهان نفس أمّارة بالسوء، ولكنه يرافقها برغبة قوية واشتهاء، لكنه اشتهاء عابر مُتنقّل من طبيعة الانسان التي امتلكها بسلوكيات مشوّهة جعلته يطوف عكس خليقته..

على خوف وضعها أمامه تأمّلها!.. تساءل!.. لماذا تغار منها زوجتي؟.. لا أفهم غيرتها هذه، فقد أصبحت بعمر لا يقبل النصائح والجنون، ربما جنون النساء يتخطى حدود العقل..

بدأت تَشتعل، فلونها الأرجواني المثير بدأ يُشعرني بالسعادة، وهي تُلامس شفاهي بقوة!.. برغبة!.. بدفء غريب تجعلني أستريح هذه «الملعونة»، فأهدأ من توتر أصابني، اسمعِ لحظات وسأعود إليكِ..

سأفتح النافذة كي لا تشعر زوجتي بعطرك الأخّاذ الذي يشدّني إليكِ كل مرة، لا تخافي حبيبتي لن يجرؤ أحداً ان يأخذك مني ولو صرخ بنا عالياً، هيا تعالي إليّ صغيرتي، يُعجبني صمتك، يثير عطرك حواسّي فأنتِ في كل مرة تشتعلين أشعر أنك مختلفة عن كل مَنْ عرفت...

حين ترتعشين!.. تتراقصين!.. ترتفعين وتتمايلين بطيفك الذي أتأمله فيغريني، وأنا أشعر بشفاهي مُخدّرة كلما أحاطت شفاهي بقوامك الطويل...

رافقيني قليلاً لأكتب ما بي من شغف واشتياق لها، لحبيبتي التي دائماً تجعلينني أشعر بغيابها أشعر باشتياق لها يخنقني!.. يحرقني كما تحترقين أمامي، عطّريني أرجوك ماذا حدث؟.. سأجعلك تستريحين هنا أمامي، لكن أرجوك لا تتراقصي بعطرك أمامي.. لست مُنافقاً أحبّك لا تخافي!. لكن هي لامست قلبي وأنت تلامسين شفاهي، هي حاضرة بغيابها عني وأنت غائبة بحضورك الدائم معي، هي تملؤني حبّاً وأنتِ تمتلكين فن الغواية، فتغويني!.. وترافقيني في كل مكان وفي خلوتي. أعرف أنك تثقين بي، أشعر أنك ستنتهين.. ستصبحين رماداً عما قريب سأكتب برمادك لحبيبتي رسالة أجعلها تعشقني أكثر. ما رأيك؟؟.

جميل صمتك هذا!.. حبيبتي تعالي إليّ لأضمّك بين شفاهي وأقبّلك قبل ان تنتهي، لكن أعدك سأضع البقايا في منفضة سيارتي لتصبحي في ذكرياتي أجمل من راقصني وأجمل من اهتز بين أناملي وجعل الوحي يأتيني فأكتب أجمل كلمات الحبّ لحبيبتي...

تغارُ منكِ؟ نعم هي تغار منك إن رأتكِ بين شفاهي، ستقتلك، ستنفيك، سترميكِ، ستنتقم منك لن تسامحك أبداً..

لهذا سيكارتي حبيبتي سأخفيك بمنفضة سيارتي فسامحيني...

حقوق النشر محفوظة للأديبة ولجريدة الأنشاء طرابلس

رجل أعمال محترم!!/ نبيل عودة

- هل هناك أمم غنية وأمم فقيرة؟!
فاجأهم أستاذ الفلسفة كعادته، فما أن يضع ملف المحاضرات على المنضدة، ألا وسؤاله ينقلهم بلحظات سريعة من عالم قاتم ملموس، إلى عالم يبدو بعيداً عن توقعاتهم ، أحيانا يسعدهم لأنه ينشط فكرهم وحماسهم ، ويتنافسون في إيجاد المميزات الجديدة من الفكرة المطروحة، وأحيانا يصابون بالتصحر العقلي، ولا يدركون مرامي المحاضر من سؤاله، أو جمله الافتتاحية..
كانت أسئلته، أو جمله الأولى، تشغلهم دوما، ولا تتركهم لساعة راحة حتى أثناء الاستراحة بين المحاضرات. وقد اكتشفوا أن ابتعاد أستاذ الفلسفة عن إعطاء جواب شاف وواضح لما يطرحه، هي خطوة تكتيكية مدروسة ومحسوبة، ليجعلهم حتى في أوقات فراغهم، يجدون ما يختلفون حوله وما ينقلهم من أجواء الدرس الصارمة، إلى أجواء الحوار الحماسي، والنشاط الذهنين الذي لا يعرف الكسل، غارقين في ما درسوه حتى اليوم، لعل الإجابة بين السطور، فكل النظريات كما يؤكد المحاضر متماسكة ، ولنقدها أو تأكيدها يجب اكتشاف الخطأ فيها، أيضا في العلوم ، الوصول إلى حقيقة علمية يتم عن طريق نقضها ونقدها، فإذا ثبتت أمام النقض والنقد، تصبح لها شرعية علمية.
بعد فترة من سؤاله، تأمل في وجوههم بنظراته اللامعة الذكية، وابتسامة، أو خيال ابتسامة، يلوح فوق شفتيه. وأضاف:
- اليوم سندخل إلى أحد المواضيع التي تحتاج إلى انتباه خاص، أحذركم أن ما درسناه كان مدخلاً. ربما شدتكم الأفكار التي لا حدود لها، واليوم أمامنا موضوع يعالج قضية محددة آمل أن تستطيعوا من دراسة هذا الموضوع فهم الأسس التي ارتكز عليها النظام الرأسمالي في تطوره. أو ما يسمى "السوق الحرة".
استصعب الطلاب الربط بين سؤاله الذي طرحه فور دخوله، وبين الجمل الأخيرة.. فلسفة... اقتصاد ، سوق حرة.. ما العلاقة ؟!
السؤال ظهر لعدد غير قليل من الطلاب، بسيطاً جداً، ولكن استمرار الشرح، جعلهم يعيدون التفكير ويبحثون عن صيغ جديدة للسؤال، مثلاً: ما الذي يجعل شعباً ما غنياً وشعباً آخر فقيراً؟!
كان الجواب السهل جاهزاً ولكن لم يجرؤ أحد أن يعرض نفسه للسخرية من أستاذ الفلسفة. فهو يتقبل السؤال شكليا ، ولكن رده إذا لم يعجبه جواب ما، يحمل لسعة عقرب مؤذية لصاحب الجواب، تثير الضحك في القاعة ، ورغم ذلك ، يمتدح صاحب الإجابة أيضا لأنه استعمل مادته الخام( أي عقله) ولم يصمت مثل الضاحكين الذين يظنون أنفسهم أعلى مرتبة وفهما.. فيضحك الطلاب مرغمين على أنفسهم.
كان دائماً يصر أن يشغلوا عقولهم وليس آذانهم وألسنتهم فقط... ويقول السمع ظاهرة هامة، إذا عرفنا كيف نغربل الثرثرة، واللسان عامة، ظاهرة حاسمة في تشكيل مكانة الإنسان. اللسان بدون عقل ، يجعلكم أشبه بالمختلين، فاحذروا بأقوالكم. انتم اليوم طلاب الموضوع الأكثر اكتظاظا بالمنطق العقلي.
شريف قال لنفسه: العالم مقسم شرق وغرب، وشمال وجنوب.. أغنياء وفقراء شعوب غنية وشعوب فقيرة، لماذا صارت غنية وتلك ظلت فقيرة؟! هل هي مشكلة الأرض؟ الثروات الطبيعية؟ كثرة المياه أو شحتها؟! هل نشأت الحضارات في التاريخ على ضفاف الأنهر أم أيضاً في الجبال بعيداً عن الأنهر؟! نحن نملك ثروات طبيعية هائلة، حكامنا أغنياء حتى التخمة،ولكننا شعوب فقيرة، ثروتنا لأصحاب الجلالة والسيادة والسعادة ، بينما شعوب لا تملك ثروات طبيعية، ولكن غناها اسطوري، هل هي مشكلة الجينات؟... جيناتنا تعشق الفقر والظلم والحرمان، وجيناتهم تعشق الرفاه؟! هل السبب يتعلق بنوع النظام؟! أو ربما بنوع الدولة؟! أم يتعلق بالأشخاص الذين يديرون السياسة والاقتصاد؟! وهل للتعليم والتقدم العالمي تأثير حاسم في تصنيف الشعوب بين فقراء وأغنياء؟!
ولو استعرضنا ما تراكم من أفكار في رؤوس طلاب الفلسفة بعد سؤال المحاضر الذي بدا بسيطاً،لوجدنا مئات كثيرة من الأفكار الجديدة أيضا، ولكن التوجس من مقلب يحضره لهم أستاذهم ليختبر قدراتهم على صياغة التفسيرات، أصمتهم ، رغم النهر الجارف من الأفكار والكثير الذي يقف على حافة اللسان.. ولكن يضبط قبل التورط !!
وفجأة قال الأستاذ بحدة:
- يجب أن تفهموا أنه لا توجد شعوب غنية وشعوب فقيرة. أعرف أن الموضوع أشغلكم. توجد شعوب تطورت وشعوب ابتعد التطور عنها. هناك أسباب عديدة وأكاد أجزم أنكم لم تبقوا سبباً بدون أن تفكروا به. ولكن ما يهمني ليس أجوبتكم وتحليلاتكم وإلا فقدنا موضوعنا الجوهري وهو "فلسفة الاقتصاد"، أجل للاقتصاد فلسفته، وأنا أقول أن شعباً لم يطور فلسفة، لا يمكن أن يتطور اقتصادياً،أو سيتأخر تطوره لدرجة تضعه خارج مسيرة الشعوب التاريخية. لا أحد ينتظر المتخلفين في عالمنا المندفع بسرعة البرق تطورا واكتشافات ومآثر علمية وتقنية نقلت الإنسان إلى مرحلة نجد صعوبة في استيعابها، فنذمهم بدل أن نندفع وراءهم ، أو نجد المتشاطرين الذين ينشرون الوهم أن ما أنجزه الآخرون موجود في كتبنا، وكفانا شر المنافسة. هذه قمة السادية العلمية والفكرية، وتبرير قاتل لتخلف مجتمعاتنا وليس إنساننا، تبرير للفساد الذي يمنع رقي المجتمعات. تبرير للقصور الذي يمنع تطوير التعليم والعلوم، تبرير للنهب الذي يصب في جيوب حرامية النظام بدل أن يوظف في إحداث نهضة يستفيد منها الجميع.
تعالوا اليوم نركز على فلسفة الاقتصاد كيف جعلت بعض الشعوب غنية،وشعوب أخرى تعاني من التوقف وكأن التاريخ قد نسيها.
- مثلا اسمعوا هذه الحكاية عن فلسفة الاقتصاد . التقى زميلان الأول غني جداً والثاني مستور الحال.
الغني اشتغل كل حياته بتربية حمام البريد، والثاني اشتغل بالتجارة، اشترى وباع وسافر وتجول في نصف دول العالم، والغني لم يغادر سطح منزله حيث حماماته....
التقيا في مطعم وتذكرا أيام المدرسة... وسأل مستور الحال:
- قل لي يا صديقي، جمعت في حياتك أموالاً طائلة، كيف فعلت ذلك وأنت لم تتحرك من مكانك؟!
أجاب الغني:
- ربحت كل أموالي من تجارة حمام البريد.
- حمام البريد...؟ جميل جداً، يبدو أنك بعت ملايين الحمامات لتصبح مليونيراً؟
- لا، أبداً، لم أبع إلا حمامة واحدة، ولكنها كانت دائماً ترجع إلى قفصها، كما دربتها. لذلك ربحي كان كاملاً...
إذن يا طلابي البواسل، فلسفة الاقتصاد نحتاج إلى عقل اقتصادي.... عقل يفكر كيف لا يخسر، بل ويحول كل صفقة خاسرة إلى صفقة رابحة... ومن لا يملك مثل هذا العقل... سيظل ملتصقاً بالأرض.
مريم تشجعت وقالت:
- اسمح لي أن اروي حكاية تناسب الموضوع. الآن أفهمها من منظار فلسفة الاقتصاد.
قال لها تفضلي بإشارة من يده!
القصة حدثت بين السيد سامر والسيدة أزهار. سامر تميز بتفكير اقتصادي يحول الخسارة إلى ربح والفقر إلى ثروة. وأزهار التي تملك الشيء لا تفكر إلا بمردود بيعه وليس بجعله مصدراً للثروة أو للربح أكثر من ثمن الشيء..
أي نحن هنا أستاذي أمام ما سماه أرسطو العقل الفعال لسامر والعقل المنفعل لأزهار. وهذا الفرق بين شعوب غنية وشعوب فقيرة.. كما أظن.. ولكن لنتابع القصة.
السيد سامر بحث عن حمار لينقل بواسطته الحطب للزبائن، فالحمار تكلفته أقل من تكلفة السيارة. لا يحتاج إلى تأمينات، ولا تصليح أوكزوزت، ولا تغيير رادياتور، ولا تجليس ولا دهان،إنما بعض الشعير والماء ويعمل بالنقل خمسة عشر ساعة يومياً دون أن يعترض أو يشتكي.
أخبروه أن السيدة المحترمة أزهار عرضت حمارها للبيع، فسارع سامر لشراء الحمار.
- كم تطلبين ثمنا لحمارك؟!
- 500 شاقل.
وبعد نقاش على السعر، اشترى سامر الحمار من صاحبته أزهار ب 400 شاقل فقط.
دفع سامر لأزهار ثمن حمارها ووعد بأن يعود في اليوم التالي لاستلام الحمار من أزهار.
حضر في اليوم التالي، ولكن كانت له مفاجأة غير سارة، قالت له أزهار:
- آسفة يا سيد سامر، الحمار مات.
- إذن أعيدي لي نقودي.
- من أين لي صرفتهم أمس في عشاء فاخر!!
- بعد تفكير عميق وحسابات اقتصادية وتحليل فلسفي قال:
- إذن أعطيني الحمار.
- ولكنه ميت... ماذا ستفعل به؟
- سأتخلص منه بسحب يانصيب.
- كيف تطرح حماراً ميتاً لسحب اليانصيب؟
- ولما لا؟ سترين أن ذلك ممكناً، ولكن لا تقولي لأحد أن الحمار مات.
ومرت الأيام والتقى سامر وأزهار بعد شهر في أمسية كان سامر يبدو سعيداً، وقد استبدل ملابسه الرثة السابقة بملابس جديدة.
- ماذا فعلت بالحمار الميت؟ سألته أزهار.
- نظمت سحباً على الحمار... وبعت 500 بطاقة يانصيب ب 10 شواكل كل بطاقة وربحت 4590 شاقل.
- ولم يشكو أحد من كون الحمار ميتاً؟!
- فقط ذلك الذي فاز باليانصيب، ولأني رجل أعمال محترم وأرفض الغش، أعدت له أل 10 شواقل ثمن بطاقة اليانصيب التي دفعها.


ضحى عبدالرؤوف الملّ توقّع رسائل من بحور الشوق

جمعية العزم والسعادة الإجتماعية

و

إنــــــــــــــــــحاد الكتاب اللبنانين

يتشرفان بدعوتكم لجضور حفل توقيع رسائل من بحور الشوق

للأديبة ضحى عبدالرؤوف المل

الزمان: الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم السبت الواقع في 9 نيسان -2011

المكان: الرابطة الثقافية – طرابلس

 

نبيل عودة يحاور الشاعر المخضرم جمال قعوار


 
حديث صريح مع الشاعر الفلسطيني، ابن الناصرة، جمال قعوار* عن الشعر وتجربته الشعرية

جمال قعوار(81 عاما) من رعيل الشعراء الأوائل الذين برزوا بعد نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وبسبب ظروف العمل الصعبة وفرض الحكم العسكري الإرهابي على الجماهير العربية، ومن ضمنها كانت ظاهرة طرد المعلمين من جهاز التعليم بشكل إرهابي وعشوائي، اضطر الكثيرين من الأدباء والمعلمين الى الابتعاد عن معترك الفعل السياسي، لضمان لقمة الخبز التي كان الحصول عليها صعباً ومليئاً بالقيود العسكرية، والعمل الحذر وبصمت واخلاص لخلق جيل مثقف مرتبط بلغته وانتمائه القومي. جمال كان غزير الانتاج الشعري، وقد لفت انتباهي لأمرين، شعره الذي يتميز بالغنائية وسهولة اللفظ وجمالية المعاني، وتجاهله الاعلامي والثقافي، في فترة الانفتاح التي كسرنا فيها قيود الحكم العسكري وانطلق شعرنا ليشكل رافداً أساسياً وهاماًُ في الشعر العربي. ولكن عددا من الشعراء جرى تجاهلهم، وكان الانتماء السياسي الحزبي، يشكل نافذة اساسية، وأكاد أقول إن المكانة الحزبية شكلت ايضاً رافعة ثقافية للكثيرين. من هنا ما شكل الظاهرة الثقافية في ثقافتنا، لم يكن في الكثير من جوانبه ثقافياً..

1- الشاعر جمال قعوار أحدث في شعرنا المحلي اتجاهاً خاصاً ومميزاً غير أنه لم يحظ بالأضواء بما يتلاءم مع قيمة نصوصه الشعرية. كيف تفسر الموضوع؟


جمال قعوار: مع أن تفسير الموضوع يتعلق بالأضواء نفسها وليس بالشاعر إلا إنني أحب أن ابدي بعض الملاحظات، فالشعر في بلادنا مرتبط بالحياة ارتباطاً وثيقاً كما انه مرتبط بالسياسة، فان الأحزاب التي بيدها تسليط الضوء لا تعني بتسليطه على من لا يساعد في إكسابها بعض الأصوات، أذكر أنني مررت بعدة تجارب احدها أن المرحوم إميل حبيبي (من قادة الحزب الشيوعي، اديب مرموق) قال مرة في إحدى محاضراته لدى طلاب جامعة حيفا: الشعراء لدينا هم أربعة لم يذكر غيرهم، وعندما سأله أحد الطلاب ألا يوجد غيرهم؟ قال بالنسبة لنا لا يوجد سوى هؤلاء الأربعة.
وهكذا كان في مقالات المرحوم الدكتور أميل توما (مؤرخ وناقد ومفكر شيوعي بارز)، فالشعراء الذين لا يدورون في فلك حزبه غير موجودين، وليس هذا فقط، كان بعض أصحاب تسليط الضوء لا يدعون فرصة دون أن يحاولوا تجريح غيرهم. الأمر الذي هو مستمر حتى الآن فإن بعض محرري الصحف المحليين لدينا يتخذون من صحيفتهم وما ينشر فيها وسيلة لتسليط الضوء على رئيس تحريرها والتعتيم أو عدم الإفساح للآراء الحرة أن تنشر في تلك الصحيفة. أنني لا أحب أن أذكر كل ما يجري من صراعات أدبية في بلادنا وتطبيق الأدباء للقول العامي القائل:"شحاد ما بحب شحاد" إلا أنني أود أن يساند الأدباء بعضهم للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي ليعبر عن تطلعاتنا في الحياة الحرة الكريمة.

2- في السنوات الأخيرة ظهر في شعرنا عشرات الأسماء الشعرية وعدد من المجموعات الشعرية من الصعب إحصاؤها، ومع ذلك فإنه من الصعب الإشارة إلى نسبة صغيرة من الشعر الجيد، فهل هناك انقطاع في التواصل الشعري بين الأجيال؟

جمال قعوار: قديماً قالوا: كثر الشعراء وقل الشعر، وهذا لا يتعلق بما يجري في بلادنا الان إلا أن ظاهرة زوال القيود الشعرية واللغوية عند مروجي فضل التجديد وإمكانية الطباعة المتيسرة لكثير من الناس، ودعم دائرة الثقافة العربية في وزارة الثقافة والعلوم لكتب دون النظر إلى مستواها الإبداعي ساهم كثيراً في انتشار هذه الظاهرة التي تسأل عنها. ولكنني أقول أنها ليست ظاهرة مرفوضة فكثير من هؤلاء الشعراء الجدد واعدون وربما أصبحوا شعراء عظاماً وأما غير الواعدين فينتهي أمرهم سريعاً.
أما عن التواصل الشعري بين الأجيال فإن بعض شعراء الجيل الجديد متواصلون، ومازالوا يحترمون شعراء الجيل السابق وشعرهم ويستمتعون بهذا الشعر ويتمنون أن يصلوا إلى مستواه ولكن معظم الشعراء الشباب انصرفوا إلى ما اعتبروه تجديداً ورفضوا قيود الشعر من الوزن والقافية والنحو وغير ذلك واستسهلوا الكتابة بغير قيود، وذهبوا إلى أبعد من ذلك فقد اعتبروا الشعر العمودي من مخلفات العصور السابقة، وأنه لا يتناسب مع العصر الحديث، وأنا أعتقد أن هذا الإدعاء غير منصف لأن ما يسمونه "بالتجديد" في هذا الشعر لا يستمر طويلاً وبعد فترة يصبح قديماً فأي تجديد سيجرونه على هذا التجديد؟ ثم لماذا يصرون على تسميتة شعراً ما داموا يرفضون أصول الشعر التي نعرفها؟

2- ربما هناك هبوط في دور الشعر السياسي كما كان الحال في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟


جمال قعوار: في تلك السنوات كان العرب الفلسطينيون في هذه البلاد يناضلون معاً ضد الحكم العسكري، واستملاك الأراضي وضد العدوان الامبريالي على الدول العربية، وكان شعرهم في هذا المجال يستقبل بصدور ظمأى كما تستقبل البراعم قطرات الندى وكان حماس القوم لاستقبال هذا الشعر عظيماً وكان الشعراء على منصة الشعر في المهرجانات الشعرية آنذاك يشدون على أيدي بعضهم وكلهم في تطلع واحد نحو الأهداف الواحدة.
اما اليوم فقد انقسم الشعب الفلسطيني في هذه البلاد حسب الاختلافات الحزبية المحلية، وتكونت حركات محلية مغرضة من أجل كسب بعض الأصوات للوصول إلى عضوية الكنيست لا للنضال من أجل يوم الأرض، وإن كان يوم الأرض هو وسيلة لأهداف أخرى، فكان المهرجان الذي تقيمه هذه الحركة أو تلك تقتصر على مؤيديها وتناهض من الحركات الأخرى، لكنني أرى أن الشعر السياسي إن لم يكن وطنياً، ليس شعراً والشعر ينبغي أن يكون إنسانياً أولاً يعرب عن الحب ويدافع عن الحرية والكرامة ويناصر الحق ويعادي الظالمين.

3- يتميز شعرك بالوضوح والشفافية والرقة وتدفق الصور والمعان دون أن ترهق القارئ في فهم المعنى بينما بعض ما ينشر من شعرنا (وأحياناً ممهور بشهادة أحد الأسماء الشعرية العربية الكبيرة) هو عبارة عن نصوص لا أظنها مفهومة بل وفي شدة الغرابة ولا أستطيع حتى أن أضعها مع الشعر الرمزي الذي عرفناه في نهاية الستينيات. إنها نصوص مبهمة وتفتقر حتى للوزن أو للموسيقى الذاتية. ربما مفهم الشعر يتغير ويتركنا في الخلف؟


جمال قعوار: نحن نعرف أن شخصية الشاعر ونفسيته تنعكسان في شعره فالشاعر الصادق الذي لم يعرف "مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب" كما يقول المتنبي، يكون شعره شفافاً ينمّ عن شخصيته بوضوح دون محاولة لإخفاء أمر أو صبغ أمر آخر بغير لونه الحقيقي، ولكن هناك ظروف تضطر الشاعر لأن يلجأ إلى الرمز كما فعل خليل مطران في قصيدة "نيرون" أو قصيد "مقتل بزر حجهر" في أثناء الطغيان العثماني، وكما فعل معظم شعرائنا في ظل حكومات إسرائيل المختلفة وخصوصاً في أثناء الحكم العسكري، أما هذا الشعر السريالي أو ما هو بعد السريالية أو بعد الحداثة فأمر لا ينتسب إلى طبيعة شعرنا الذي نشأ تحت سماء الشرق الواضحة. ربما كان أصحابه لا يعرفون ما يريدون فيقولون ما لا يفهمونه، أذكر نكتة حدثت مع أحد هؤلاء الشعراء عندما سأله قارئ أن يفسر له قصيدته وقال: أنني لا أفهم ما تقول؟ أجاب الشاعر: وأنا أيضا لا أفهمه. أقول ربما كانت نكتة ولكنها تعبر عن الإبهام في بعض شعرنا، أقول الإبهام وليس الغموض، لأن الغموض مستحب في بعض الأحيان وتستطيع أن تفهمه بمجرد التعمق فيه. مفهوم الشعر لم يتغير ولم يتقدم ويتركنا في الخلف، ولكن هنالك بعض مدارس شعرية جاءت من الغرب يظن متبعوها بأنها أكثر حضارة من أصولنا الشعرية العريقة.

5- - ألا تظن حالة اغتراب، اغتراب فكري ولغوي ونصي وربما اغتراب سياسي واجتماعي أيضاً.؟

جمال قعوار: ذلك هو حالة اغتراب لا شك في ذلك، وإن هذا التحول عن الشعر الأصيل إلى هذه النماذج الجديدة ليس تجديداً كما يدعون، لأن التجديد في نظري ليس هدفاً إلى أن يكون تحولاً إلى الأفضل. لقد كان التجديد الذي جاء به أبو تمام في العصر العباسي يعتمد اختراع المعاني وتوليدها فأعجب به رجال عصره، وأنا لا أرى الإعجاب على وجوه أبناء عصرنا بهذه النماذج من الإنتاج الشعري الجديد.

6- هل لدينا مشروع ثقافي وطني أم أن الثقافة لم تعد جزءاً من مشروعنا الوطني، دورها السياسي تقلص ودورها الثقافي أصبح محصوراً في حلقات ضيقة؟

جمال قعوار: إننا نعيش في أوضاع شاذة قاسية وليس لنا تخطيط واضح طويل الأمد، فأحياناً ينصب اهتمامنا على النشاط السياسي والمحاضرات السياسية التي تهدف إلى توعية الناس سياسياً وربماً حزبياً، وفي غمرة البحث عن أصوات أو مقاعد ينحسر الاهتمام بالثقافة الوطنية، وتنحصر هذه الثقافة في حلقات ضيقة، وأعتقد أن هذه الحلقات الضيقة من شأنها أن تتسع وأن تغتصب الاهتمام من مشاريع أخرى، فالناس اليوم وبتأثير الإعلام الغربي ينصرفون إلى مواكب الرياضة والألعاب الأولمبية ومباريات كرة القدم والمصارعة وغيرها منصرفين بذلك عن الثقافة الوطنية، وبعضهم يلاحق مسابقات ملكات الجمال المحلية والعالمية وبعضهم ينصرف إلى معرفة الفائزين في الأورفزيون أو مهرجان السينما في "كان" كل ذلك وكثر غيره وبتأثير العولمة والإعلام الغربي أصبح شغل الغالبية العظمى من الشعوب بما فيهم شعبنا الذي يجب أن تحمله ظروفه الصعبة إلى نبذ هذه المسابقات الرياضية أو الفنية والانصراف إلى همومنا الوطنية.
وفي اعتقادي وكما أقول دائماً أن الشعر خاصة والأدب عامة سيعرف طريقه إلى قلوب الشعب، فيشحنه بشحنات كهربائية تجعله يعود إلى الثقافة الوطنية التي هي الآن ليست في الأولويات لتحتل مركز الصدارة في اهتمامات الشعوب وخصوصاً شعبنا.

7- ما هو دور الثقافة العربية بشكل عام في عصر التطبيع السياسي العربي الإسرائيلي ولماذا غيبت الثقافة الإستراتيجية العربية؟

جمال قعوار: ما أعرفه وما لمسته أن المثقفين وخصوصاً رجال الأدب يحاربون التطبيع ويمارسون شتى أنواع الضغوط لمحاربته بما فيها طرد الأدباء الذين يتعاملون مع التطبيع من اتحادات أو روابط كتاب في الدول العربية، وحتى في مجال الأدب فعندما كان اتحاد الكتاب الفلسطينيين يعقدون المهرجانات أو المؤتمرات الأدبية أو الثقافية كان الأدباء المدعوون من الأردن أو مصر أو مختلف الدول العربية يقاطعون ولا يشاركون.
أما الجهاز الرسمي الذي يقيم علاقات دبلوماسية في إسرائيل فإن أعضاءه يشاركون فهم ملزمون بذلك.

8- جيلنا يواجه مشاكل غير قليلة في اللغة، رؤيتي أنه تنشأ لغة معاصرة جديدة من الممكن تسميتها "الفصحى السهلة" أو "الفصحى الحديثة" أو "لغة الصحافة" وهي كما أرى اللغة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع. جمال قعوار كلغوي كيف يرى الموضوع؟

جمال قعوار: يصح القول أن اللغة كائن حي تتطور مع العصور كما تتطور مختلف الكائنات الحية، ونحن نعرف أن لغة الجاهليين كانت أقرب إلى خشونة الصحراء من لغة الحضر في دمشق أو بغداد التي أصبحت أكثر رقة، فكانوا يفاضلون بين جرير والفرزدق فيصفون شعر الفرزدق بأنه أقرب إلى البادية خصوصاً وأنه أحيا الألفاظ المستهجنة بالنسبة للحضر فقالوا: لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة، بينما يصفون "جرير" بأنه أقرب إلى الحضارة الحديثة.
أما نحن اليوم فقد فقدنا السليقة اللغوية السليمة وأصبح أهلنا يجهلون الكثير من مفردات اللغة وقواعدها وأساليبها، وأصبح التحدث بلغة العصور القديمة مستهجناً، وأنا لا أرى غباراً في ذلك ما دامت أصول اللغة محفوظة وقواعدها سليمة، لأن الخروج عن علم المعاني أو علم النحو يفقدنا الوسيلة الصحيحة للاتصال.

9- حول نفس الموضوع، هل هناك قداسة للغة؟ أو هل يجوز أن تحول اللغة إلى غاية بحد ذاتها؟ أم أن اللغة هي وسيلة للتخاطب وتبادل المعرفة والتطوير وبالتالي لا قدسية لها. ألا تشعر معي أننا نتعامل مع اللغة العربية بصفتها ديناً آخر؟

جمال قعوار: اللغة العربية ليست مقدسة بالطبع ولكن المقدس هو لغة القرآن الكريم التي لا يجوز انتهاك حرمتها وتغيير كلماتها أو حروفها أو حركات إعرابها. ومن حرص العرب على لغة القرآن الكريم اهتموا باللغة بصورة عامة وحافظوا على أساليب استعمالها وقواعدها وأنا أعتقد أنه لا يجوز التلاعب باللغة كيفما شاء الأديب أو الكاتب باعتبار التغيير الذي يحدثه نوعاً من التجديد، إن هذا المنطق الجديد الذي سيحدث تغييراً جذرياً في اللغة مرفوض، لأنه ما دامت اللغة وسيلة الاتصال فيجب أن تبقى مفهومة لدى المتلقي أو المخاطب فإذا غيرت في قواعدها فقد غيرت في المعاني التي يمكن أن يفهمها المخاطب فيصبح الفاعل مفعولاً به أو المفعول به فاعلاً. أما ما عدا ذلك فيجب أن تمر اللغة بمراحل التطور والتجديد بشرط أن لا تفقد كونها وسيلة اتصال يفهم بها المتلقي ما يريده الكاتب أو المتحدث.

10- هل فكرت مرة بالتحرر من عبودية الشعر؟

جمال قعوار: نحن لا نعتقد أن أصول الشعر وقواعده عبودية، فالشاعر المتمكن من فنه ومن لغته كشوقي مثلاً، لا تقف أمامه قواعد اللغة والشعر حائلاً دون الإبداع، وفي اعتقادي أن هذه التجديدات التي طرأت على الشعر الحديث من أسلوب الشعر العراقي أو وحدة التفعيلة إلى الشعر المنثور وهي وسائل تساعد على الانطلاق، وأنا بدوري كتبت كثيراً من القصائد بأسلوب الشعر العراقي أو وحدة التفعيلة أو الشعر المنثور، ولكن معظم ما كتبته من الشعر كان بأسلوب عمود الشعر.

11- ما هو مشروع جمال قعوار للسنوات القادمة؟
أود أن أقول أنني مدمن على الشعر كإدمان بعضهم على المخدرات، لا أستطيع التخلص من ممارسته خصوصاً في هذه الأوضاع والظروف الصعبة، فأنا أكتب القصائد التي تعكس شعوري تجاه هذه الأوضاع وأنتظر المناسبة لجمعها في مجموعات جديدة. إلى جانب أن اهتمامي باللغة وقواعدها واختصاصي في هذا الأمر يلزمني أن أكتب الأبحاث في اللغة والنحو وأنشرها في مجلة المواكب علها تضيف إلى القراء فوائد لغوية أو نحوية جديدة.


 نبذة: ولد الشاعر جمال قعوار في الناصرة في 19 / 12 / 1930 وتعلم في مدارسها وما زال من سكانها. عمل معلماً للغة العربية في دار المعلمين العرب بحيفا، حصل من جامعة حيفا على شهادته الجامعية الأولى " B.A. " في اللغة العربية وآدابها والتربية ومن الجامعة االعبرية في القدس على شهادة الماجستير " M.A. " في اللغة العربية.ومن جامعة تل أبيب على شهادة الدكتوراة وكانت رسالته للدكتوراة في موضوع إعراب القرآن الكريم وعلاقته بعلمي التفسير والنحو. اصدر وحرر مجلة " المواكب " الثقافية في الناصرة، وتوقفت عن الصدور قبل فترة وجيزة. له ما يزيد عن عشرين ديوانا شعريا، عدا مشاركته في اصدار كتبا تربوية.
• ( أجريت المقابلة في حزيران 2001)

من قصائده: زينب - للشاعر د. جمال قعوار

غَذِّ انطلاقَكَ يا جَنَاحُ
واخفقْ ! فقد ضحكَ الصباحُ
واطوِ المدى , فكما تشاءُ
وتشتهي تجري الرياحُ
طِرْ بي إلى القمرِ الذي
في جوِّهِ يحلو الصُّداحُ
لا يَسْعَدِ العشَّاقُ إلاَّ
إنْ هُمُ شَرَحُوا وباحُوا
وتَكَثَّرُوا ذِكْرَ الحبيب
فذكْرُهُ شدوٌ وراحُ
***
يا زينبُ انطلقي !
جدائلُكِ السنابلُ والمَرَاحُ
وتلفَّتِي ! فوميضُ عينيكِ
الحواكيرُ الفساحُ
ورقيقُ همستكِ الغديرُ
وماؤهُ العذبُ القَرَاحُ
وكريمُ خُلْقِكِ بعضُهُ
كَرَمُ العروبةِ والسَّماحُ
فإذا تمادى الليلُ
بددهُ الصباحُ وَالاصْطِبَاحُ
جَدَّ الفجورُ فلم يحاذِرْهُ
التصدّي والكفاحُ
واعتزَّ بالأمجادِ ميدانُ الصمودِ
فلا بَرَاحُ
يا زينبُ انتظري !
إن مدَّ مدُّ الشرِّ أو جَمَحَ الجِمَاحُ
أم ننزوي إن جُنَّتِ الدنيا
فأجهشتِ الملاحُ
وذَرَتْ لآليءَ أدمعٍ
وابتل بالدمعِ الوشاحُ
يا زينبُ انتظري الربيعَ
فقد تعهدت القداحُ
ومضاءُ عزمِكِ إن أرادَ
تَهيَّأ القدرُ المتاحُ

عن ديوانه "زينب".

حوار مع ابنة الارز في زورقها الارزي/ أجرى الحوار أكرم التميمي‏


في رحلة عبر الاثير وقبل ان اتصفح واجهة صغيرة لاوقد مفكرتي بعبق تاريخ الشجرة الارزية وشدو البلابل لامزج بين اللحن الفيروزي وصوت دافيء ينساب كانسياب الشلالات وبلهجة ترافقني وانا احمل اجمل قصائد مطرزة بالود دون ازدحام للكلمات ولمحات تتجسد على حوار بيني وبين غصن اخضر راح يحمل معه حروف مصوغة بلوحة تشكيلية

ريحانة تتموج في مصدات الريح تنتظر الربيع كي تفوح بعطرها على سواحل البحر ...شامخة كشموخ شجرة الارز وهي تلقي بثمارها على مشارف لبنان كي ترسم اجمل لوحة شعرية . تحمل خصوصيتها بين الرمزية والابداع في محاولة لها ان تجسد لون الارض وعطاء الانسان . كتب عنها كثير من النقاد والكتاب العرب والعراقيين و منهم الكاتب احمد هاتف وكما وصفها سماء ترامت .. طيورا وهدلت .. حبورا وتأججت .... لتكون كلمة

لتكون حلما ... لتكون هدير أفتتان ويناع رجاءات وجلنارة خضرة

أنها ابنة الارز .. تلك المرأة التي تختزل النون والنسوة والرهافة ......

هي أمرأة في الشعر ، وشعرا في المرأة ....

وهي التي اشعلت النار تحت قدور الكلمات ليختمر المعنى .

وكذلك كتب عن الشاعرة بقلم سعدي عوض الزيدي عن ديوانها المعروف الفجر مرآتي

ابنة الأرز امرأة يكتمل فيها الشعر وتكتمل فيه ، عاشقة ، نشوى ، معتدة بإنسانيتها وراعية للأنثى فيها . الحب عندها المطلق في الحياة والعشق مملكة تنسق وتدبر إدارة أركانها حسب معطيات التجربة والماضي لتكون رؤيا الغد لهذه المملكة المترامية الأطراف بين روحها وقلبها وجسدها …

الرؤى عندها خالية من الدنس والغرام مخفي ، مكتوم ، لا تصرح به ولا تفصل عنه شيئا ولكنه مفهوم ومعلوم ومدرك .ما كان ولا يكون غير التوق إلى الانطلاق إلى النور .

تصيّر الشاعرة لمملكتها (العشق) سماء مفتوحة ، فهي دائمة الانطلاق والتحليق . أرض المملكة طرق للرحيل والعودة ، معابد ، ميدان رقص ، غابات ، أزهار ، نار تنير ولا تحرق أحدا ولكنها لاسعة لها، تحملها طي قلبها ، ينوء بهذه النار وكل الإحتراقات جسدها ، الذي صار حمالاً لما يترتب عليه الوجد والخبل والانفعال والنشوة والتطلع إلى الغد برقصة توجز كل الوجع.

أنا الشمس تناديني

تضللني

دفئا .. سلاما ..،

نار ونور

تحرق ذاكرة القلب المكسور

تنير برزخ النشور ،

اصرخ في حبور …،

في جسدي العائد من محطات السفر .( ص: 69-70).

حتى كانت تلك الصور تتفتح وتمتزج بلون خاص لشاعرتنا الارزية وهي تقود زورقها في رحلته الثانية .


السؤال الاول /

العالم العربي يموج بانواع من الادب والثقافة حتى باتت تعوم على السطح ثورات من التغيير والحداثة في الكتابة والانتاجية دون الارتداد الى الماضي أي بمعنى ان هناك طريق متجدد باستمرار فهل هناك كتغيرات في عالمك او اين انتي من التغيير ؟

ابنة الارز /

كثيرا ما يطرح هذا السؤال علي، بالنسبة لي سيدي الشعر هو بوح الروح ليأتي بعده الحرف النيرّ ،الصور البديعة،اللحن الموسيقي،وتاج القصيدة الصدق ثم الصدق ثم الصدق
الشعر بحاجة للتبتل له والاصغاء الى الباطن فينا الذي يبعث بالرسائل الشعرية تباعا ودون وقت محدد لها
لا أذكر يوما أنني عملت هندسة لبناء قصيدة
هههههههه


السؤال الثاني/

انتي صاحبة مشروع ادبي كبير وبدا في رحلتك الارزية الاولى .اين وصل هذا المشروع واين تقف طموحاتك الارزية ؟

ابنة الارز/

مشروعي انطلق من منتدى ابنة الارز على الفيسبوك وشكر كبير للشاعر والصحافي هشام الكاو من المغرب الذى يتولى ادارة المنتدى وحلقات الشعر
يضمّ المنتدى العديد من الشعراء من لبنان ومن الوطن العربي
هذا ما شجعني على إطلاق الزورق الأرزي نحو العالم وقد ابتكر الفكرة الصديق عوض الزيدي من العراق الذي واكب رحلتي من أولها وهو اول من كشف روحية شعري من خلال متابعته العميقة له كل الشكر والوفاء
الزورق الارزي
يحمل على متنه نخبة من شعراء لبنان المتواجدون على الفيسبوك على أمل أن يضم الكثير من الشعراء من الذين نفتخر بهم في لبنان
وهناك برنامج في رحاب كل ميناء بلد عربي...ان ينضم الى الطاقم الثقافي أصدقأنا من ارباب الشعر
على أمل أن يتحول الزورق الارزي الى اسطولا عابر قارات الجهل في غياهب الانسان
وشكر لمجلتكم الوقورة التي انطلق الزورق من خلال صفحاتها لتكمل الى كافة الاثير الالكتروني

السؤال الثالث/

منذ متى بدأتي الكتابة كشاعرة ومن هو المحفز الاول لك ؟

ابنة الارز /

لا أذكر منذ متى بدأت الكتابة لكن ما أذكره وأحاول الغوص فيه هي تلك الصور التي كانت تترأى لي وانا طفلة ولم أكن بعد أعرف الحرف لأعبر
الشعر يتقلب بي ويهدر في اعماقي منذ حداثتي
المحفز الاول لي كان والدي رحمه الله وما زال اهم دافع عندي للمتابعة الى حيث ارادني

الصعود بثبات في جذور الارزة والتشبث بشريانها كلمة نقية صادقة وهادفة.

السؤال الرابع /

اين يرسو الزورق الارزي ومتى سيرسو ؟

‫الزورق الارزي


نهضة ثقافيةعائمة عبر مساحات الاثير
لا ميناء له لا رصيف
رواده أصحاب الكلمة الحرة الصادقة والأصيلة
جمهوره
عطش قراء الى الأصالة


واكيد تكوني انتي الشراع والبحر هو الشعر والشعراء هم الطاقم


السؤال الخامس/

ماذا تعني لك البيئة ؟

...واقصد مدى تاثير البيئة الشعرية
او حتى الجو العائلي
او العلاقات العامة
او الاجواء ؟

ابنة الارز /
سيدي للبيئة تأثير كبير
انا من وطن الجمال لبنان بحد ذاته قصيدة شعرية من أبدع الصور
وللاسف ايضا من أحزن الصور على الاطلاق
وطني انبث نارا ونورا من أعماقي ألهب الاكوان بداخلي ففاضت الابجدية تعلن جماله اوجاعه أطماع الاخرين به والعمل على خلاصه واستقلاله
فأتى شعري حبا وجعا شامخا اذ لا يليق بوطن الارز الوجع الذليل وهو يحمل بصبر وغفران سياط اطماع الاخرين والمندسين بيننا
قرأت وطني ومنه ملحمة حياتي وبلدي يستحق هذه الوقفة ولانني احبه

ميديا نيووز .... بلدك يستحق وانتي تستحقين اجمل لقب كي تكوني ملكة الارز

ابنة الارز /.... انا ابنة الارز وليس ملكة الارز

السؤال السادس/

ماهو سر نجاحك في نظرك ؟

الصدق ....سر اي نجاح في الحياة
التواضع...سر اي استمراية في النجاح

 
السؤال السابع /

اهم اصدار لك تعتزين به وماهي اخر اصداراتك ؟
ديوان :الفجر مرآتي
هو وليدي البكر هو من عبر بابنة الارز عبر الاثير للعالم
احضر للطبعة الثانية منه واشكر الله على كرمه معي
كما هناك ديواني الثاني قيد الطبع نتحدث عنه حالما ير النور

تحياتي لك السيد اكرم التميمي
ولاهلنا في العراق الغالي
ولمحبي ابنة الارز في لبنان والعالم
أقف احتراما لهم وأؤدي
تحية الأرز

ميديا نيووز ... شكرا لك يا ملكة الارز مع اجمل امنياتنا لك بالتالق الدائم والمزيد من العطاء والابداع

نقلا عن ميديا نيووز

صحيفة الشعب الجزائرية تصدر العدد 13 من ملحق صوت الأسير


أفاد المسؤول التنفيذي عن " ملحق صوت الأسير" الذي ينشر ويوزع مع صحيفة الشعب الجزائرية ، الأخ " عز الدين خالد " ، بأن صحيفة الشعب أصدرت العدد الـ ( 13 ) من ملحق صوت الأسير ، ويحمل عنوان " موت أم " وهو عنوان لمقال نشر على الصفحة الرئيسية للملحق كتبه السيد " عيسى قراقع " وزير الأسرى والمحررين بعد وفاة والدة الأسير منيف أبو عطوان " وهي في طريقها لزيارته في سجن رامون .ويتضمن الملحق تقرير شامل بعنوان " الأسرى عنوان المرحلة " شدد فيه رئيس الوزراء الفلسطيني د.سلام فياض على أن قضية الأسرى تحتل الأولوية العليا في عمل السلطة الوطنية، وخاصة فيما يتصل بتاكيد المكانة القانونية لهم، وضرورة التعامل مع الأسرى كاسرى حرب وفقا للمعاهدات الدولية ، وأن السلطة الوطنية وبالتعاون والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني تمكنت من إحداث تقدم في تدويل قضية الأسرى، وحشد المزيد من التاييد والدعم الدوليين لحقوقهم، كجزء من حقوق شعبنا ونضاله المشروع من أجل الحرية، وضرورة اطلاق سراحهم دون تمييز أو شروط .واضاف : هذا هو عنوان المرحلة والتي نعمل على أن تتوج بالإقرار التام بالمركز القانوني للأسرى وضمان حمايتهم وفق أحكام القانون الدولي .وأوضح " عز الدين خالد " بأن صحيفة الشعب ورئيس تحريرها السيد " عز الدين بوكردوس " أكدوا مراراً التزامهم بالاستمرار في إصدار الملحق ، ويبذلون قصارى جهودهم من أجل إنجاحه ويوفرون الإمكانيات اللازمة لإخراجه بالشكل الذي يستحقه .مؤكداً على أن كل من يشرف على الملحق ويساهم في إصداره من صحيفة الشعب ورئيس تحريرها ولجنة الحرية لأسرى الحرية وهيئة تحرير الملحق ، مصممون على ديمومة الملحق وتطويره بما يليق بقضية الأسرى ويسلط الضوء على ما يتعرضون له من حرمان ومعاناة وصنوف مختلفة من التعذيب .وفي هذا الصدد كشف الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة بأن العدد 13 من الملحق سيشتمل على ثماني صفحات مطبوعة بحجم صفحات الجريدة ووزع صباح الأحد الموافق ( 27/3 ) وتضمن مجموعة من التقارير والمقالات ذات الصلة بقضيتي الأسرى والقدس ، لأبرز الصحفيين والكتاب والمتابعين لشؤون الأسرى والقدس بينهم الصحفي والإعلامي المتميز علي سمودي والكاتب تامر المصري ، والكاتب سري القدوة ، والكاتب علي شكشك ، والكاتب مراد السوداني ، والكاتب جهاد أحمد صالح ، والباحث عبد الناصر فروانة .مشيراً إلى أن ( موت أم ) وهو عنوان العدد ( 13 ) من ملحق صوت الأسير قد تميز بنشر صورة كبيرة على الصفحة الرئيسية تجمع الأسير منيف أبو عطوان ووالدته التي فارقت الحياة وهي في طريقها لزيارته ، وحولها مجموعة كبيرة من الصور لـ " جنرالات الصبر " ، وصورة جمعت عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار وعميد الأسرى الأردنيين سلطان العجلوني وهما في الأسر قبل تحررهما ، وفي مكان آخر نشر تقرير عن جنرالات الصبر و اشتمل على اسمائهم جميعاً ، وتقرير آخر عن الأسرى العرب وقصة لأسير أردني لم يرَ أهله منذ اعتقاله قبل تسع سنوات ، وتقرير عن الأسيرة الوحيدة من قطاع غزة " وفاء البس " التي لم ترً أهلها منذ اعتقالها قبل ست سنوات ، وسيرة حياة الأسير عبد الرؤوف شلبي يرويها الصحفي على السمودي ، فيما سلطت الصحافية أمل أبو دياب الضوء على حياة الأسير المقدسي " عدنان مراغة " أحد عمداء الأسرى ..مضيفاً : بأن الملحق اشتمل أيضاً على رسالة مهربة من أحد قادة حركة " حماس " في سجون الإحتلال وهو الأسير " حسن سلامة " موجهة إلى أحبائه ، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد . هذا بالإضافة إلى مجموعة من التقارير الإخبارية للصحفي والإعلامي المتميز علي سمودي : عن تردي أوضاع الأسير أكرم منصور ثالث أقدم أسير فلسطيني ، وآخر عن حياة الأسير عباس السيد الذي يخوض إضرابا عن الطعام وهو في غرف العزل ألإنفرادي ، وثالث عن تمديد العزل ألإنفرادي للأسير القائد أحمد سعدات ، وغيرها .
سري القدوة
رئيس تحرير جريدة الصباح
http://www.alsbah.net
infoalsbah@gmail.com


رسالة من الأديب محمد زهير الباشا إلى الدكتور علي بزّي

الأخ الأعز الدكتور علي بزّي المحترم
تلقيت كتابكم القيّم ـ هدية كريمة ـ "كلمات سريعة عن شربل بعيني" وإني لأشكر لك هذه اللمسات الفنيّة التي جمعت وردة يانعة من كل حدائق أخينا شربل، وهي الملأى فناً وحباً وحدة وشاعرية، وما أغزرها من حدائق منمقة مزدهرة، تواقة إلى الحرية والعدالة وحب الخير، فاقتحم أغوار المتطفلين والمأجورين والمرتزقة والمشعوذين على أرصفة الظالمين، ثائراً على الأصنام الطائفية والتبعات القبلية، وأوهام السحرة وبساط الريح.
ليهنأ الأخ شربل بصداقتك ومودتك ووفائك، كحرصنا على شاعر الأحرار، وسيعود إلى محراب الكلمة، وقد صار النبيذ خلاً وفسد الملح. فشربل رجل عزيمة، كما عرفته، ليعيد إلينا فرحة الينابيع، وليمحو الأسى والأقوال التافهة، فالحب بات يباع في سوق النخاسة، ولا يفوز بالدرجة المثلى إلا شعره لأنه يرنو إلى عليين، ولا يخشى لومة اللائمين.
ومن ميزات شاعر الأحرار إخلاصه والثمن الذي يدفعه، ووفاؤه، والعهد الذي لا يغيب عنه، وأمانة الكلمة شرف لا يرقى إليه أي شاعر، إلا إذا اعتنق الحرية في معبد الكلمة، فلشاعر الأحرار ألف سلام وسلام.
الولايات المتحدة الاميركية، 9/3/2011
**

ثلاثة قصص ليست قصيرة جدا/ نبيــل عــودة


1- نرسلها لك بسعادة....
رن التلفون في آخر الليل، كان المتحدث "زامر المسلح"، فقيه الأدب، ما كدت أقول حرفاً إلا وكلماته تتدفق.
- وصلت لصانع شواهد القبور؟
- أجل، لكن ما العجلة لتتصل في هذه الساعة؟
- أريد أن تجهز لي شاهد قبر.
- حسناً تعال غداً...
- ولكن المرحومة عزيزة علي، وأريد أن أطمأن إلى أني في العنوان الصحيح.
- يا حبيبي، هل تعرف ما الساعة الآن، الصباح رباح... نحضر لك بدل الشاهد شاهدين.
- لا فقط واحد... هل أنقلك النص؟ رأيت أن الشخص بالطرف الآخر لا يسمع إلا صوته، قلت:
- هات... ماذا نكتب؟!
- أكتب: هنا ترقد الزوجة الغالية نيروز ، رجاء يا الهي استقبلها بسعادة مثل ما أرسلها لك بسعادة!!!

2- هنا يرقد رامي سعيداً

كان رامي يحب الحياة ويحب المناصب ولو على خازوق.
تقدم به العمر وهو مكانك عد.
كان ينظر حوله ويشتاط غضباً. كلهم صاروا حملة ألقاب وهو ما زال قطروزاً رغم شعوره أنه أفضل من الجميع، وشهاداته تملأ حيطان الديوان.
كان يغضب حين يقال أن فلاناً أنهى الجامعة ونال لقب جامعي وما هي إلا بضع سنوات واذا هو في القمة... وأنت يا رامي مضت سنوات عمرك بلا فائدة، رغم شهاداتك وثرثرتك.
كيف ينجح الآخرون، وانت مكانك عد؟!
قضى جل أيام عمره غاضباً. ربما لهذا السبب تعقدت دروب الحياة أمامه أكثر.
عندما تقدم به العمر، وبات يتحرك بصعوبة، فكر وقال لنفسه لا بد أن أجعل من موتي حدثا لا ينسى اخوزق به الجميع ، عندها سيعرفون ان رامي كان ذكيا جدا.
قبل موته بيومين انتهى من كتابة وصيته، ولأول مرة يشعر بالرضاء عما أنجزه، قال المعزون:
- أخيراً انتقل إلى ربه راضياً مرضياً. المفاجأة كانت في وصيته التي فتحت بعد انتهاء مراسيم العزاء. كتب كلمات قليلة:
- انقشوا على شاهد قبري كفة يدي مضمومة الأصابع إلا الإصبع الأوسط بارزاً إلى أعلى وتحتها "هنا يرقد رامي سعيداً"!!


3- احذر أن تقربه

كان الحوار حاداً حول الميت المسجى. زامر توفاه الله: وهم أهله الوحيدون فهل هم مكلفين بأجره ودفنه بسبب رباط العائلة؟
البعض اعترض وقالوا أنهم براء من زامر حتى اليوم الآخر، لقد نهب بيوتنا وسطى على أموالنا وأملاكنا، وأبقانا على البلاطة، لتأكل لحمه القطط والكلاب، الأمر لا يخصنا.
قال كبيرهم: يا جماعة الخير مهما كان في دنياه حسابه عند ربه، انه يحمل اسمنا، ونحن نقوم بواجبنا نحو عائلتنا، صحيح أنه نهبنا، ولنعتبر ان مصروفات دفنه هي سرقته الأخيرة لنا.
- بل يسرقنا حتى في مماته!!
وبتردد ، وبسبب ضغط كبير العائلة ، دفع كل فرد حصته مجبراً لتغطية مصروفات الجنازة والأجر.
دفنوه، وسارعوا ينهون أيام العزاء بأقل من يومين، لقلة عدد المعزين.كان واضحا ان
زامر لم يترك أحدا بعيداً عن شره. كانت يده تطول جميع أهل البلد .
عندما طرح كبير العائلة ضرورة إقامة شاهد على قبره استهان الأقارب بذلك وتذمروا ، قال أحدهم:
- اسمه مثل الزفت، حتى لعزائنا بموته لم يحضر إلا نفر قليل، والشاهد يوضع لمن يعز على أبناء عائلته.
أصر كبير العائلة أنه يعرف ما يعتمل بالصدور، وللعائلة اسمها وكرامتها ولا يمكن أن تتخلى عن شخص يعد من أبنائها، ستصبح سمعتنا في الحضيض.
وهكذا أقنعهم، أو ملوا النقاش، ووضع كل منهم ما يقدر عليه، وأوصوا له على شاهد لقبره، وقرر كبير العائلة حتى يبرئ ذمته أمام الخالق عندما يحين أجله أن يكتب على شاهد القبر:
- نرسل لك أيها الرب ابن عائلتنا زامر، الذي أفرغ جيوبنا وسرق أملاكنا، نحن غفرنا له ونطلب أن تغفر له أيضا، ولكن إذا غفرت له احذر ان تقربه من عرشك!!.


أنتمي إليك بالمناولة/ أحمد ختاوي

قصة
خذها من جذعها ليئن القمر ، لفظها وانتحر .
خوار السواقي كما البقر أنزل شفاعته على المعتصمين بأقصى المدينة ،كان يروي سواقي الجيران بدمع المآقي الجارف ،الساخر ، ذاك الذي انتحر
ذاك الذي تودد للقرار
19_73 .
هو ذاك الذي انتحر وهو ذاك الذي احتضر قبل أن ينتحر,شفاعته كانت ايذانا بالموت وللموت
بمعصم القرار
19_73
بساحة المدينة جاء رجل من أقصى المدينة يسعى ، يتلو ما تيسر من الذكر الحكيم ،
وبساحة المدينة أيضا جاء رجل يسعى بيده منديل أحمر وعصى يهش بها المتظاهرين
وبساحة المدينة كانت قلاقل تحتضر،
وبساحة المدينة كانت جموع تصلى صلاة الاستقساء لأن الساحة لم ترتوي بدماء الابرياء .... وأطل قوم غزاة يحملون أنين القمر ولطفه وخوار البقر وعصمة القرار(
19_73
وبعض بقايا المراعي الخصبة ، كلهم ينتمون إلى قيظ الساحة بالمناولة ،
الساحة ما تفتأ تغص بالمارة ، المشاة ، الرعاة ، المقاولون ،المناولون للصدقات ، والعاملون عليها أيضا
وبساحة المدينة كان أخيرا الاستفتاء
أعلن الذي انتحر ولاءه
قال: أنتمي إليك بالمناولة ، ثم اختفى بعدما جذبها من ناصيتها
بحثناه عنه نحن العلمين عليها ، لم نجد له أثرا , كان أنين القمر يظلل أطيافه
وسمعنا أطيافا تردد.:خوار السواقي كما البقر هو الذي عوى ....هو الذي مر من هنا .
عوى المكان ، تقيأ القمر الذي توضأ بماء القرار

جريس دبيات يصلّي حتى ((تظلين أحلى))/ نبيـل عـودة


حين وصلني ديوان "تظلين أحلى" للشاعر جريس دبيات لم يثر رغبتي بتصفحه، فالاسم لم "يرن" في أذني، ولا أتذكر أني قرأت له شيئاً قبل ذلك. وقلت لنفسي: ديوان آخر.... وأنا، رغم أني كتبت عن دواوين شعرية عدة، إلا أن موقفي هو أن زمن الشعر قد ولى، وأننا في زمن النثر، وكما قلت في "مداعبات" أخرى، كتابتي أساساً تنطلق من ذوقي الشخصي، وأحياناً بهدف كسر الطابو الثقيل "الرابخ" كالدجاجة على "بيضات" أدبنا، غير ان دجاجتنا للأسف عاقر، وهي حتى ليست بديك كما يظن البعض، وربما يكون "الطابو" الذي يمارس بلا تفويض، على أدبنا وحياتنا الثقافية، هو المقدمة للكثير من الغث في الإنتاج، الذي يسمى "أدبي" بالعافية، وخاصة في الإنتاج الشعري الذي يسهل جداً، في عصر سيطرة الفوضى على الشعر، إنتاج كتابة تشبه الشعر شكلاً، أو تنتسب للشعر عنوة، وتفتقد لأي حس شعري، وغني عن القول أنها أحياناً تفتقد للإنشاء البسيط.
أشعر أحياناً بالمبالغة في مواقفي، ولكني أجد دائماً الأسباب التي تجعلني أواصل هذه المبالغة، فكثيراً ما يتحول الناقد إلى هارب مطلوب للعدالة، لذا أثرت أن لا أتناول إلا ما يثير إعجابي، وأجدها مناسبة لأقول، أننا بحاجة ماسة لإعادة بناء "أسوار برلين" الأدبية.
حين حان الوقت لأتصفح ديوان جريس دبيات، "تظلين أحلى" كنت بحالة فتور تراودني مع كل عمل شعري جديد يقع بين يدي. غير أن الغلاف الأخير للديوان أيقظني من فتوري، فقرأت وأعدت القراءة مرات، مطروباً:
أريدك حباً وسراً وعيداً
يضم القريب ويدفي البعيد!
وأدعو إلى العرس أهلي الذين
أعدوا لعرسي شوق السنين
وتأتين ماء وتأتين ظلاً
وأهزوجة كم رواها الحنين
هذا ليس شعراً فقط، أنه رئة الشعر. رئة نقية من ترسبات الدخان والغبار، رئة فتية مليئة بالهواء المشبع بالأوكسجين، فأيقظني من قيلولتي الشعرية نشيطاً متيقظاً محتاراً لماذا لا أذكر هذا الاسم ؟ ربما يكون الذنب ذنبي، القراءة بحالة قيلولة بسبب الملل من بعض الغث الذي ينشر، فيضيع الجيد بمتاهات النشر، ويذهب الصالح بالطالح.
صحافتنا عودتنا في مجالات معينة، ومنها الشعر، أن نقرأ بعين نصف مغمضة، ومع ذلك ألاحظ في الفترة الأخيرة،بعض الأسماء الجيدة، وأملي بيقظة ثقافية. ولكن يبدو أن المشكلة أكبر من الأمنيات.
كنت مقتنعاً حتى اليوم، بأن التطور في شعرنا، هو تطور في الأسماء، ولكن مجموعة دواوين أخيرة قرأتها، بدأت تحول رؤيتي، ومن هنا لا أشير في كتابتي إلى ما لا يعجبني، بل أكتفي بإعطاء كتف لما أظنه على الصراط الشعري المستقيم. حتى لا يبقى الظن اني احمل السلم بالعرض.
قد أكون أطلت في مداخلتي، وضمنتها خواطر منوعة قد لا تعني البعض، ولكني ما كنت لأكتب هذه المداخلة لو لم تشدني الرئة الشعرية النقية التي تتنفس منها قصائد جريس دبيات وتملأ صدرنا بالهواء النظيف.
حقاً أن ديواناً جيدا يستطيع أن يضع صاحبه في مصاف الشعراء، ومئات القصائد وعشرات الدواوين ستبقى كتابة وهمية، لا شعر فيها إلا الشكل ولا شاعر وراءها إلا التسمية.
أنا لا أكشف هنا أمراً جديداً، وأعلم أن الكثيرين سيتمترسون وراء ذمي، أو وراء محدودية فهمي.
بروفيسور جورج قنازع، كتب مقدمة حماسية حارة للديوان، وفي الواقع جريس دبيات يستحقها بجدارة، فهذا هو ديوانه الثاني كما ألمح بروفيسور قنازع بعد ديوانه الأول "مع إطلالة الفجر". وكإطلالة الفجر أيضاً تنطلق صلوات جريس لربة الشعر أو ربة الحب، وهما في نظري سيان، حتى "تظلين أحلى" أو "تصيرين أحلى" مع الديوان القادم وبعد استعمال القطران الذي لا بد منه..
قصائد الديوان تمتد بين ما أتفق على تسميته شعراً وطنياً، وبين الغزل والوجدانيات.
يفتتح جريس ديوانه بقصيدة "حنظله" بتساؤل مرير:
"ما الذي ترجو بروج العاج من طفل
يسمى حنظله؟".
وبعد أن يرثي لحاله هذا الطفل الفلسطيني الهوية، حتى بعد أجيال كثيرة في المنفى.. هذا الطفل الذي صار رمزا للنضال الوطني الفلسطيني، مأساته تشبه بأوجه كثيرة منها مأساة سيزيف الإغريقية الذي حكمت عليه الإلهة أن يرفع صخرة كبير لقمة الجبل وأن تسقط منه بعد أن يكاد يبلغ قمة الجبل، ليعود يرفعها من جديد إلى ما لا نهاية. ولكن حنظله يصر على أن يكسر حكم الإلهة:
"كل من ولغوا في دمنا المسفوح
صاروا أبرياء
كل من باعوا بفلسطين ثرانا
أصبحوا الآن علينا أوصياء".
ويخاطب "الإلهة" بغضب:
"خاطئ من ظنكم..
أحفاد أبطال الفتوح"
وحنظله الولد الفلسطيني، الفائر بصلابة الرجولة قبل أوانه، لا ينثني:
"قد ولدنا يوم أن عزت
على الأرض الولادة.
وقضينا بعد أن عزت
على العرب ميادين الشهادة
ورفعنا صوتنا الرنان في لج الصمود
وبقيتم تنشدون الشعر للأسماك
عن لحم اليهود"
والفلسطيني الذي يكسر حكم الالهة ويوصل صخرته لقمة الجبل، ليدحرجها بإرادته في الجهة والوقت المناسبين يقول:
"أحفظوا الصوت فقد نامت على أحلامها
أم الشهيد
ودعت أولادها
شيعت أكبادها
ثم عادت – بعد طول العمر- تشتاق لمولود جديد"
هكذا هو الفلسطيني المعاصر: يتجدد من الموت، والنتيجة التي يصل إليها جريس:
"فدعوا الأمر ليعني حنظله
فهو أدرى منكم بالمسألة
وهو أوعى بمساحات الدهاء المقبلة
واستريحوا وأريحوا
نحن ولينا علينا حنظله"
وهذه الخاتمة ذكرتني بصرخة إبراهيم طوقان لملوك العرب، أن يستريحوا حتى لا تضيع بقية الأرض. والفرق هنا أننا لا ننتظرهم ليستريحوا أو يريحوا، بل نتولى أمرنا ونريحهم عنوة!؟
في القصيدة الثانية ينتقل جريس من الغضب الحنظلي، من الثورة الحنظلية، من المخيم، وثورة الحجارة، إلى صلاة حالمة لحبيبته، فيقف أمامنا بلا رتوش، عاشقاً ولهاناً، حالماً كما يحلم كل عاشق (قصيدة "تظلين أحلى") وربما يكون فعل جيدا بهذه النقلة من الغضب الحنظلي إلى الصلاة الحالمة، إلى الحب الذي لا حياة للإنسان بدونه. وقد يكون حنظلة، تلك الشخصية الفذة للولد الفلسطيني بوقفته المفكرة شابكا يديه وراء ظهره، التي استطاع فناننا الفلسطيني الراحل ناجي العلي أن يحولها الى رمز وسلاح معنوي رهيب، استحق عليه الاعدام بلا محاكمة، هو جوهر للفلسطيني في كل مكان.
وبكلمات أخرى يستطيع الفلسطيني أن يؤرخ مسيرته الحياتية بما قبل حنظلة. وبما بعد حنظلة، وأظن أن جريس دبيات هو من أوائل من لمسوا، شعريا، هذه الخاصة، أن ديوان "تظلين أحلى" يتميز بقصائده الغزلية والوجدانية بالأساس، وحتى قصائد الديوان الوطنية هي أقرب للغة الغزل، ولكنه الغزل الفلسطيني ما بعد حنظلة. في قصيدته "أضحك عندما يبكي الجليل؟".
لعينك أن تؤرقها الطلول
فلا خل يراك ولا عذول"
وافتتاحية هذه القصيدة مستوحاة من شعرنا الجاهلي، حيث تبدأ كل القصائد بالبكاء على أطلال الحبيبة.
وحقاً هذا هو حال جليلنا والكثير من قرانا وملاعب صبانا. ويواصل:
"ولكن دعك من جفرا ودعها
يغازلها سواك ويستميل
تموت بحبها والعشق جرم
عواقبه التفرق والرحيل
وغيرك ينام على جناحها
ويغتصب الجمال ويستطيل".
جفرا هي الأم الشرعية، وربما ما كنا نفوز بحنظلتنا لو لم تكن لنا جفرا.:
"علينا أن نعد ليوم جفرا
اذا لم تتبع الوعد الحلول
فلا نفس تقتصر ان دعتنا
لنصرتها، ولا جهد يعيل
ولا صمت على ما ضاع منا
ولا بيع يجوز ولا بديل"
ويختتم قصيدته بروح حنظلية:
"دعانا البيت، فلنذهب اليه
نزيل الضيم عنه أو نزول"
في الواقع فضلت القفز عن ستظلين أحلى" لشعوري ان اخراج أي مقطع منها للدلالة على جو القصيدة، لا يكفي، ان جريس يحبك قصيدته مبتعدا عن "الشبط واللبط" ملتزماً بعذوبة تدفق المعاني غير المصطنع وسهولتها الظاهرة، وانا بما أني "دقة قديمة" لا أستطيع إتمام قراءة قصيدة "ثقيلة" الوزن تشعر مع قراءتها ان كلماتها اغتصبت عنوة من قواميس اللغة العربية، بلا تدبير ولا تأويل. معانيها ترفل بثياب مستأجرة، شديدة الاتساع، حتى لو بدلت كلمة أو شطرة بشطرة، أو مقطعا بمقطع، أو قرأتها عكسية، لن تشعر ولن تفهم ما الفرق لأنه لم يتغير شيء ،على الأقل، في المعنى غير الموجود، وذلك رغم جهود "الماشطات" في بعض صحفنا، الذين لا أحسدهم على صنعتهم!!
مع التقدم بقراءة ديوان جريس دبيات، ازداد إحساسي بجمالية لغتنا وقدراتها التعبيرية إذا أحسن استعمالها، والأحرى أن نقول أذا أحببناها. هذه الملاحظة قد تدفع البعض إلى معايرتي بأني أقع بأخطاء لغوية، خاصة بالقواعد، وأقول أنني أعترف بالجرم، ولكني لا أقع بأخطاء بالحس اللغوي ولا بأخطاء الضمير ولا بأخطاء الأخلاق... وقال لي البعض أن عدم معرفتي بقواعد اللغة والإعراب لا يؤهلني للكتابة الأدبية وخاصة كتابة النقد، مع أني لست قلقا من تسمية كتابتي نقدا او نصوصا ثقافية او مراجعات ثقافية.هل سيتغير المضمون؟! ولكني انتظر من الثرثارين، ان يكتبوا نقدا او ما يستحق تسمية الأدب، بدل النق!!
جريس دبيات زادني قناعة بصحة موقفي، فهو رغم مقدرته اللغوية وتبحره بالتراث وعالم اللغة العربية،التي أغناها بدراسته الأكاديمية، إلا أن القارئ يشعر أنه لا يقرأ قصائد لغوية نحوية إنما روحاً تنطلق بخفة وسهولة لتعبئ الفراغ بدفء الكلمة وعمقها، وبتدفق الأحاسيس الصادقة غير المفتعلة، بلا تمثيل، وبلا ادعاء. حقاً نحن أمام انتاج مميز يستحق أن يسمى شعراً.
"أترى يحلوا الرجوع؟
بعد أن فر الربيع
أم ترى يا نسر تبقى
والمشاوير دموع،
تعلك الحلم القديما
تلعق الجراح الأليما
والحكايات تيع؟"
من قصيدة "ما زال النسر يبحث عن عشه"
وسؤالي هنا لجريس: هل هذه القصيدة هي جواب لقصيدة "سنرجع يوما إلى حينا"؟
"سنرجع يوما إلى حينها" فيها إصرار على الرجوع، فلماذا نتساءل " أترى يحلو الرجوع؟" نحن نتقدم إلى الأمام ولا نتقدم إلى الخلف، أم هو الوزن فرض هذا النص؟
قاتل الله الأوزان!!
قصائد جريس تتميز أيضاً بالخفة شكلياً وبالليونة، مما قد يوهم البعض انها صياغة سهلة وبسيطة. حتى قصائده كلاسيكية الشكل تتميز بالبساطة، ولكن بالعمق.
في قصيدة "أخاف على الجفن" يقول:
"الى جفنك الغض من مضجعي
حريق يؤول الى أضلعي
فأطفي اللهيب، فمن وهجة
أخاف على الجفن يصلي معي"
وهذا يذكرني بأغنية عبد الوهاب "جفنه علم الغزل" ويقول:
تريدينني كل يوم أموت
وفوق حطامي أن تركعي؟
انه الحب يا جريس. ولكن إياك أن تفعلها وتحرمها،وتحرمنا معها من شعرك، وأرجو أن تكتفي بما تقوله في نهاية قصيدتك:
تجيزين قتلي فهيا ابعثي
سهام العيون إلى موجعي
فداء لجفنك قلب هفا
ولكن أميتي ولا ترجعي"
هذا نقبله لأنه بدونه لا إبداع أدبي، وبالتالي لا مشاكس مثلي يكسب من المهاجمين أكثر مما يكسب من المؤيدين.
إن صوت جريس الشعري يشدني لأسترسل، فكل قصيدة لها نكهتها الخاصة. وانا لم استعرض أفضل ما لديه، ففي قصيدة "شفتاك"... يعترف بلا مقدمات:
من ثغرك لملت كلامي
ورشفت رحيق الإلهام
أدام الله ثغرها، ويعجبني تماماً أن يقف المبدع معترفا حتى بدون كاهن، فالديوان أو الرواية أو أي عمل أدبي هو كرسي للاعتراف "بالجنح" والنوايا...
"ضمي شفتيك على شفتي
ظمأى تستقي من ظامي
وأعيدي آهاتي الحرى
موسيقى تروي أيامي"
زدنا من هذا يا جريس ولا تبخل علينا.
أما قصيدتك الأخيرة يا جريس "جدة أنت؟" فقد وقعت في نفسي موقعاً خاصاً، حركتني من الأعماق. شعرت أنها تخاطبني مع اختلاف الحال، فأنا حتى اليوم لم أستوعب كوني جدا، ولكن ما العمل أمام حقائق الحياة، والتي بدونها لا قيمة لحياتنا ولنضالنا ولحنظلتنا ولكل ما نحلم به.
• جريس دبيات – شاعر فلسطيني من قانا الجليل – كفركنا( قرب الناصرة) استاذ سابق للغة العربية ، شاعر مقل في انتاجه، لم ينتبه اليه نقدنا المحلي للأسف الشديد. وهذا ما الزمني بالكتابة عن دواوينه الشعرية.. واعطائه حقه ومكانته الشعرية، وتعريف القارئ العربي على ابداعه.