صدر اليوم كتابان جديدان لأصغر كاتبة عربية الطفلة السورية هيا قره كهيا، وهما إصداراها السادس والسابع للأطفال وذلك للمشاركة فيهما مع بقية مجموعة قصص الأطفال التي أصدرتها سابقاً "حكايات هيا" في فعاليات معرض الكتاب في الرياض الذي يفتح أبوابه غداً الثلاثاء في الأول من آذار، إصدارها الأول الجديد تحت عنوان الكلب الذي يريد أن يبقى كلباً، والثاني تحت عنوان القنفذ الشجاع، وكانت إصداراتها السابقة التي صدرت منذ عام 2009، حملت العناوين التالية: امرح ولون مع هيا 2009، من أرسم 2010،اهرب قبل الفجر 2010، الكنز الذي معك2010، صديقتي الفضائية 2010، وهي جميعاً من اصدارات دار وجوه للطباعة والنشر ضمن مجموعة "حكايات هيا"، عدا امرح ولون مع هيا، وستقوم الكاتبة الصغيرة بتوقيع اصداراتها ضمن فعاليات المعرض إن شاء الله..الاصدارات الجديدة لأصغر كاتبة عربية ضمن فعاليات معرض الكتاب
صدر اليوم كتابان جديدان لأصغر كاتبة عربية الطفلة السورية هيا قره كهيا، وهما إصداراها السادس والسابع للأطفال وذلك للمشاركة فيهما مع بقية مجموعة قصص الأطفال التي أصدرتها سابقاً "حكايات هيا" في فعاليات معرض الكتاب في الرياض الذي يفتح أبوابه غداً الثلاثاء في الأول من آذار، إصدارها الأول الجديد تحت عنوان الكلب الذي يريد أن يبقى كلباً، والثاني تحت عنوان القنفذ الشجاع، وكانت إصداراتها السابقة التي صدرت منذ عام 2009، حملت العناوين التالية: امرح ولون مع هيا 2009، من أرسم 2010،اهرب قبل الفجر 2010، الكنز الذي معك2010، صديقتي الفضائية 2010، وهي جميعاً من اصدارات دار وجوه للطباعة والنشر ضمن مجموعة "حكايات هيا"، عدا امرح ولون مع هيا، وستقوم الكاتبة الصغيرة بتوقيع اصداراتها ضمن فعاليات المعرض إن شاء الله..غربة/ ماهر طلبه
لا أدرى .. ينتابنى هذه الأيام أحساس غريب لا أفهم له مغزى ولا سبب وبالتأكيد يغير كثيرا من داخلى ويزيد من غربتى فى هذه الحياة
****
سألتنى : لماذا تبحث فى داخلك دائما عن تفسير للخارج ؟
- لأننى أعرف ما بداخلى ولا أدرى عن الخارج ..
- لكن ألا ترى أنك بحصر الخارج فى داخلك تفقد الخارج خارجيته وتحمل داخلك فوق طاقته ؟
- سؤال لم أفكر فى إجابة له من قبل ربما لأنه لم يخطر ببالى ألا الآن حين ألقيته على مسامعى ، وصدقينى إنى أحس بغربة شديدة كلما نظرت إلى الخارج وداخلى هو الذى يحمينى من السقوط .
****
لا أدرى .. كيف تسلل هذا الإحساس إلى الخارج وأضفى على ملامحى الحزينة علامات متزايدة من الحزن جعلت من حولى يسألوننى كلما رأوا هذه الهيئة التى اكتسيت بها .. ما بك ؟
****
سألتنى : لماذا لا تنزل إلى بحر الحياة وتبحث فى قلب محاراته عن الحلول ؟
- أنا محاصر بأمواج البحر فكيف استطيع الهبوط إلى المحار القابع فى القاع ؟
- أنت دائما تبحث عن الأسهل ولا تحاول أن تجتهد ، وأنا أرى أن بحثك الدائم فى داخلك وتجاهل الخارج هو هروب
- هروب ؟!! .. لولا أن السماء مطبقة على الأرض لا تسمح لى بالحركة لأخترقت حُجبها وانعزلت .
****
لا أدرى .. نعم .. لا أدرى .. لكن صديقى الوحيد المسافر دائما ، عندما التقيته فى زيارته الأخيرة آكد لى هو الآخر أننى تغيرت ... مرت سنوات العمر دون أن انتبه ... غزا الشعر الأبيض فروة الرأس .. وتساقطت الاسنان .. ليس هذا فقط .. بل أن أكثر ما أثار حيرته هو ميلى الذى اشتد إلى العزلة حتى أنه أحس أنه غير قادر على أن يصهر ذاته المشتاقة فى ذاتى – كما اعتاد أن يفعل فى رحلاته السابقة – ليسترد الوطن ويعود من غربته
****
سألتنى : لماذا لم تساعده وتساعد نفسك ؟! ... لماذا لم تحكىِ له ما حدث ؟!! .. لماذا لم تحاول أن تفسر له ذلك وتركته يرحل دون وطن ؟
- لم أعد أقدر أن أفسر .. أنا الأعزل فى مواجهة الدنيا .. الحصار الذى أرفضه يزداد .. لو أملك أن أقول لما ترددت
- أنت تسلم للمقادير بأكثر مما يجب ، أحس أنك فى طريق الإنعزال الكامل .. أنا الآن أشعر أننا اثنان ، وأن الأمر إذا استمر على هذا الحال قد تنتفى علاقتنا ....
- منذ متى تسرب إليك هذا الإحساس الذى صار يحتوينى ؟ .. كم من المرات شعرت به ؟.. إننى أشعر أن علاقتنا قد انتهت منذ زمن .. انظرى .. حاجز الوحدة ... أحس وأنا انْظُركِ من خلاله أننا غرباء .. غرباء.. غرباء
- مصر
تحفة شعرية وجمالية تنتابها انفعالات/ وجدان عبدالعزيز
الجمال يعني (الأشياء التي تنتظم هذا الكون الفسيح ، إما أن تكون أجساما ، لها طول و عرض و عمق كالإنسان و الحيوان ، و السماء و الأرض ، و الشمس و القمر ، و نحوها ، و إما أن تكون معان ، كالأقوال و الأفعال و الأسماء و الصفات و نحوها و على هذا ، يمكن تقسيم الجمال إلى قسمين:- حسي ومعنوي) وهو بحث عن نقاء الذات وبحث في المحيط عما هو هادئ وعما هو عطاء الهي عظيم .. وهو ارتباط وثيق بالبحث وتكوين حياة مفعمة بالحب ، وقد يتصور الإنسان .. هل ان الحياة بدون حب تستقيم وتتعاشق جزيئات الكون ، أبدا بلا ريب ان العصفور مثلا لايرقص على الشجرة إلا ان يكون عاشقا متبتلا وهو يداعب اللبلاب الربيعي الأبيض من اجل انثاه وهي تغريه على التكاثر وإدامة النسل أي من اجل استقامة الحياة .. فالفتاة حينما تطل من نافذة وسط اشتباك الأغصان ، تطل بنظراتها المغرية من اجل ذلك الحبيب المنتظر أسفل النافذة ، وتكون اطلالتها ، إطلالة فجر جديد يمسح ظلام الكون ويفرش بساط البياض عليه .. ويكون الخبز والماء والحب .. وذلك الناسك يتبتل في محرابه لأجل الإشراق الروحي والنقاء ، كي يكون بقرب الإله ، فتكون روحه محلقة بأجنحة بيضاء ، وهي تشق دياجير الظلمة ، هكذا أشياء الكون تسبح بألطاف الله وتحث الخطى نحو الحب والجمال نحو عذوبة العيش ولهذه الخطى تُركل الظلامات وتركل القباحات ..........
كانت هذه الأفكار تداعب مخيلتي حينما تجولت في حديقتي الشاعرتين سمر الجبوري وميمي احمد قدري المتجاورتين في مداد الحب الذي تبحثانه في مساحات الشعر وكلماته المتكورة بحثا عن الصدق والحب في قصيدة أسمياها (حلم الجمال) ، فكنت اشرب من ترعة الحكمة والكلام العذب عند سمر الجبوري وهي تائهة في أتون الفقدان في الأعلى لأواصل النزول إلى حديقة أخرى مترعة بأحضان الدفء والمحبة لتكون هناك ميمي احمد قدري حيث النهر العذب المنهمر بكلمات الشعر التي تحلق هي الأخرى بألوان الجمال وهكذا يعلمنا الله أن نغفر للآخرين خطاياهم ونحن في نشوة الحب ، لنكون والهدوء الروحي الذي يسبق عواصف الذات المنفعلة رافعين شعار الحب الصامت كرذاذ المطر بين أشياء الكون .. أشياء الطبيعة المتآلفة المتحابة بين أجزائها وهي تنصت لموسيقى العشق الإلهي ..
بعدها شكلت الشاعرة سمر خط الغياب الذي سرعان ما التقى بخط الحضور عند الشاعرة ميمي ، حيث كان البحث المنفعل عن جماليات الحب في غياب حبيب سمر وحضور حبيب ميمي .. وبهذا فان الاثنان صنعن تحفة شعرية جميلة كان المتلقي فيها بين خطين تنتابه انفعالات اللقاء والحب بكلمات شفيفة تداعب القلب تقول سمر :
(حبيبي......
لم أجد حين نزع روحي من قربك...غير التعجب أرحل به مكتومة الأنفاس......
أعرف كم يخذلك الحق....وكم كنت تصبر حتى تأتيك تلك لحظات السفر....
.......وهاهي جاءت وشاءت .....أن أكون كما عودتني الأيام......
...أسافر وحدي.......لأرجع للأوراق والقلم...
....ثم أخطك وشاحا يكمل ماسكن من صراخ شوقي )
فهي أي سمر لم تجده حاضرا فتسافر وحدها لتخطه في أوراقها وشاحا يهدأ من انفعال الغياب الذي تعانيه وصراخ الشوق الذي يعتمل في دواخلها وتخاطبه أنا هنا وحدي يكفيني أن ارصّ حروف اسمك ...
(لكنني هنا حبيبي.....
وحدي أرص حروف اسمك من اليمين مرة....
ومرة من اليسار نحو ابهر دمي
ومرة: من الأعلى حيث ارجوها السماء لتنصفني بك ومنك وعليك )
إذن هذا الحبيب سكن في قلب الشاعرة حروفا محفورة من الشوق والوجد بينما الشاعرة ميمي مثلت الحضور برنة الهاتف حيث تقول :
(عادت الروح....
...
رن الجوال .... سمعت صوته .... ارتجفت خطوط يدي....)
إذن هذا الحبيب حاضر معنويا لا حسيا عند ميمي بينما حضوره لدى سمر لامعنوي ولا حسي فقط هو حروف تتخطى شريانها المتصل بقلبها وهو يرتجف من الشوق ثم تقول ميمي :
(وعندما تكلمت.. صرخت بوجه ذاكرة الوجع
أطلقت سراح عقلي...فتحسست ظله الغائب
خجل مني الصمت.... وانفلت من بين أناملي الصبر)
وهنا الشاعرة ميمي تماهت مع الصوت وكأنه حضور حقيقي للحبيب غير ان هذا الحبيب ليس له وجود حقيقي سوى صرخة بوجه ذاكرة الوجه (أذعنت لوريقات من عسل الشوق) اذ تقول
(رحبت برماح صخبه...في خصر النسيان
شيدت بيتا"من أحلام الحروف والقوافي
في لحظات الجنون الساكن خلايا أعماقي
نبتت جذور نظراته البكر...
أفرغت جسده من أمواجه العطشى للغياب)
وهنا التقت الشاعرتان في حالات الغياب بعدما كنا نعيش مع قصيدتيهما حالتين منفصلتين الأولى هي الغياب ومثلتها سمر الجبوري وحالة الحضور ومثلتها ميمي احمد قدري وهذا اللقاء أجلى لنا ان هذه القصيدة مكتوبة برؤيتين اثنين لكنها تلتقي في النهاية برؤية واحدة .. لذا تقول الشاعرة ميمي :
(عانقتني الذكرى .... تذكرت وعوده ... هاتفتني عهوده!!
أسكنني السحب...أهداني القمر .... مهري ..يوم عرسي
دثرني بوشاح الأمل .... ارتفعت فوق جراحي
ضمدت بالعبرات نزفي...أبتسمت للشجر النابت من العودة
أشتعل البريق بمقلتي...... تلونت وجنتي بحمرة الانتظار
في لحظة خاطفة ملثمة بالهيام .... حملت قناديل غافلة
عما تجرعته من ألم
نعم ... نعم .... هاهو صوته يهمس لي.... يعزف ويردد
أحبك .....أحبك...أحبك)
إذن عاشت لحظات الحب مع صوته وبهذا بقيت تعيش حالة الغياب كزميلتها ..
/ قصيدة (حلم الجمال) قصيدة مشتركة للشاعرتين سمر الجبوري وميمي احمد قدري
جماعة الباب الأدبيّةِ الثقافيّة تعقد لقاءَها السّابع في بيت ساحور
باستضافة الشّاعرتيْن الجليليّتيْن آمال عوّاد رضوان وهيام مصطفى قبلان
عقدت جماعة الباب الأدبية لقاءَها السّابع يومَ الخميس الموافق 24-2-2011 في مركز التقارب بينَ الشّعوب في بيتِ ساحور، وامتاز اللّقاءُ باستضافةِ أديبتيْن مِنَ الجليل، وهما الشّاعرة آمال عوّاد رضوان والشاعرة الرّوائيّة هيام مصطفى قبلان.
تنوّع الحضورُ ما بين الكُتّاب الأستاذ جمال بنورة، الكاتب أسامة العيسة، الصّحفيّ جميل حامد، والشعراء أحمد مسلم ومحمد الحميدي، والفنانين سمر غطاس وحسن اللّحّام، ومسرحيّين د. هالة اليمني ود. عبد أبو سرور، ومفكرين د. نورما مصريّة ود. مازن قمصيّة، وعن رابطةِ الخرّيجين منى عتيق، وعن وزارة الثقافة الأستاذ محمّد الدّيري والأستاذ وجيه عوينة والسيدة سمر بنورة، وعن مركز التقارب الأستاذ ميخائيل رشماوي، وعن الفينيق الأستاذ ناجي عودة والسيد أيسر، وكذلك السّيّد محمّد عوّاد والأستاذة كفاح مناصرة ناشطة نسائيّة، والأستاذ صليبا الطويل والعديد من المهتمّين.
افتتح اللقاء د. مازن قمصية الذي رحّب باسم مركز التقارب بالحضور، واستعرض تاريخ مركز التقارب كمنارة مهمّة في العمل الوطنيّ والمقاومة السّلميّة، وكذلك تاريخ مدينة بيت ساحور في الثورة البيضاء في الانتفاضة الأولى، وعن استعداد المركز لاستضافة مزيد من اللقاءات.
ومن ثمّ رحّب منسّق جماعة الباب الأدبيّة الرّوائي نافذ الرّفاعي بالحضور، مُقدّمًا الشّكر لمركز التقارب بين الشعوب على استضافته هذه، وأكّد على شكر المؤسّسات المستضيفة للجماعة في لقائها الشّهريّ، بدءًا من وزارة الثقافة ورابطة خرّيجي جامعة بيت لحم، والاتحاد النّسائيّ العربيّ في بيت لحم، ومركز التراث للسّيدة مها السّقا، ومركز الرّوّاد في مخيّم عايد، ومركز جدل في بيت ساحور، ومركز الفينيق في مخيّم الدّهيشة، واللّقاء الحالي في مركز التقارب بين الشعوب، وأشار إلى أثر ذلك في دفع الحركةِ الأدبيّةِ والثقافيّة وخلْقِ تفاعلاتٍ مهمّة. أشارَ الرّفاعي إلى أنّ الدّعوة القادمة لجماعة الباب الأدبيّة والثقافيّة هي من مكتبة أريحا، وأنّ باصًا سيحمل الجماعة إلى أريحا في لقائها الثامن الموافق يوم الخميس 24-آذار-2011،
وسيتمّ دعوة المهتمّين بالأدب من محافظة أريحا ومحافظات أخرى للقاء، والذي سيستضيف الأديب المتوكّل طه" وشاعر ورسام.
ومن ثمّ رحّب الرّفاعي بالشّاعرة آمال القادمة من الجليل متحمّلة أعباء السّفر، واعتذر عن تغيّب الرّوائيّة هيام قبلان، والتي ألمّت بها وعكة صحّيّة حيث تمنّى لها الحضور الشّفاء العاجل،
ومن ثمّ استأذن الشّاعرة آمال أن تبدأ الحلقة بنقاش رواية "رائحة الزّمن العاري" للأديبة هيام قبلان.
قامَ بعرضِ مجموعةٍ من الأسئلةِ لمناقشة الرّواية، واعتبر أنّ هذه الرّواية بما تعالجُهُ مِن أزمات داخليّة لشخصيّتها المحوريّة "هزار"، وما بين زوجها المفروض عليها وحبيبها المُقصى وعشيقها وأبيها وأخيها العميل، وامتدادها في ابنتها ومكانة الرسم، وكذلك رؤية الميلاد والموت واكتشاف الذات.
أشار إلى لغة الرّواية التي تتّسم بأنّها قد تكون نثرًا شعريًّا أو شعرًا نثريًّا، واصفًا أنّ هذه الرّواية تتقدّم مكانتها وترتقي إلى أبعد من الأدب المحلي لتأخذ مكانة عالميّة.
أمّا السّيد ناجي عودة فعلّق قائلا: أنا أستطيع أن أتكلم مدّة يومين كاملين عن الرّواية، لِما لها من تأثير كبير في نفسي، لقد هالتني الرّواية، ولم أستطع أن أرفع رأسي قبل أن أتم قراءتها، وبعد ذلك أعدت قراءتها لأتذوّقها من جديد. نعم إنّ لغتها شعريّة ومتينة، وكذلك معالجتها الرّوائيّة تمتاز بأنّها في مصاف الأدب العالميّ وأدعو إلى ترجمتها.
استعرض النّصّ الأستاذ القاصّ جمال بنورة، مشيرًا إلى مكنوناته، تماما، وكذلك الشّاعر أحمد مسلم والأستاذ صليبا الطويل والفنانة سمر غطاس ود. مازن قمصية والأستاذ ميخائيل قمصية.
علّق الأستاذ محمد الدّيري على الرّواية: بأنّها ذات أسلوب متميّز في خط داخليّ متواصل ولغة شعريّة، ومن حيث الموضوع كانت جريئة في تناول قضايا حسّاسة، وتعتبر خطًّا أحمر في مجتمعنا، كتصوير أحاسيس المرأة وتناول الجسد وأعضائه، وتناولت موضوع الحبّ والجنس والوطن، ومزجت بين المواضيع الثلاثة كطرفيْ صراع تحالف التقاليد مع الاحتلال ضدّ الحبّ والمرأة.
ومن ثمّ رحّب مُنسّق الجماعة الرّوائي نافذ الرفاعي بالشّاعرة "آمال عوّاد رضوان"، لتقرأ أربع قصائد من ديوانها الثالث "رحلة إلى عنوان مفقود"، بمصاحبة تقاسيمعلى آلة العود.
بدأت الشاعرة آمال حديثها، بأنها تكتب الشعر النثري، وهو نوع صعب قد لا يفهمه كثير من الجمهور، وأن قراءة الشعر هذه تحتاج إلى تركيز غير عاديّ.
قرأ ت قصيدتها "فستانُ زفافِكِ اعشوشبَ كفنًا"
كَوْكَبَةٌ مِنْ وَسَائِدَ ضَبَابِيَّةٍ
تَغَشَّتْ أَمْوَاجِي بِأَشْوَاكِ الشَّمْسِ
وَلَمْلَمَتْ بِتَوْبَةٍ هَادِرَةٍ حِبْرًا
وَسَمَتْهُ أَلْوَانُ فَرَاغِكِ بِمَوَاعِيدَ رَخْوَةٍ انْطَفَأَتْ صَامِتَة!
مهداة إلى فلسطين
ثمّ قصيدة "نقشٌ في عتمةٍ حافيةٍ"
عَلَى شُطُورِ الْهُوَيْنَا رَكَضْتِ.. رَقَصْتِ
بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ زَيَّنْتِ جِيدِي
وَمَزنْتِ بِتَفَاصِيلِ فَرَائِضِكِ دُونِي!
رَغْوَةُ نَدَاكِ الْمُمَلَّحَةُ
جَ فْ فَ تْ
عَلَى نَسْغِ قَلْبِي النَّازِفِ
فتَكَمَّشتْ بُطُونُ أَيَائِلِي بَيْنَ هَاوِيَتَيْنِ!
مهداة إلى القدس
والقصيدة الثالثة "عينُ إبرتي تتثاءبك"
كَم تُشْقِينِي أُذُنٌ صَمَّاءُ تَلْتَمِسُ تَمْتَمَةَ خَيَالٍ
تَ رْ ش قُ
عَجِيجَ ذَاكِرَتِي الْعَاجِيَّةِ
لِتُنَمِّشَ وَجْنَاتِ يَقَظَتِي بِدَلَالِكِ!
مهداة إلى بيروت
والقصيدة الأخيرة "مرّغوا نهْديّ بعِطرِهِ الأزرق"
عَلَى عَنَانِ بُشْرَى جَائِعَةٍ
تَ مَ ا وَ جْ تَ..
وَبليْلٍ لاَئِلٍ اقْتَفَيْتَ فَيْضَ ظِلِّي الْمُبَلَّلِ
بِضَوْضَاءِ أَصْفَادِي
أَرْخَيْتَ مَنَادِيلَ عَتَبٍ مُطَرَّزٍ بتَعَبٍ
تَسْتَدْرِجُ بِشْرِيَ الْمُسْتَحِيل
وفِي تَمَامِ امْتِثَالِي الْمُتَمَرِّدِ تَوَرَّدْتَ!
مهداة إلى بغداد.
قدّم نافذ الرّفاعي عرضًا تحليليًّا لقصيدةِ الشّاعرة آمال، وقال إنّ آمال ليست إلاّ طفلةً خضراء، تحملُ حلمَ المستحيل مع طائر الفينيقي الناهض مِن مرقده، تعشق الموسيقى، وشهوتها للقراءة نوع من التبتل الصّوفيّ، وحضورها اللاّئق إلى لقائنا شعرًا وصخبًا جليليًّا، رغم ما تحمله قصائدُها مِن عمق فلسفيٍّ وتصوّفيّ صعب الاكتشاف، لا يحتاج إلى جهدٍ مكشوفٍ بل عميق.
وعلّق الرّفاعي أنه قرأ لشعراء ميتافيزيقيين أندرو مارفل ووردز ورث، وأن الشّعر متنوّع، وأنّ الشاعرة من منطقة الثبات داخل الخط الأخضر، وإنهم يملكون سمات الحفاظ على البقاء، وأنّ هناك رمزيّة عالية، وأن جمهور الضفة يختلف، لأنه خاض انتفاضيتيْن خلال أقلّ من عشر سنوات، وهذا ينعكس على الأدب واستخدام الرّموز.
إهداءاتها لفلسطين والقدس وبيروت وبغداد نبوءة بطرابلس وما بعدها؟!
وعلّق الأستاذ الدّيري على ذلك: بأنّها لأوّل مرّة تعرض في الجماعة قصيدة نثريّة، وجدت صعوبة في تقبّل الجمهور لها، وهي بالتأكيد مثار جدل ما بين الشعراء والنقاد في الوطن العربيّ، مع أنها تعطي مساحة أكبر في التّحرّر من فيود قصيدة التفعيلة والشّعر العمودي، وتتيح المجال لعرض الحالة الصّوفيّة والصّور المكثّفة.
هنا تساءلت د. نورما عن الفئة التي تستطيع إدراك هذا الشّعر؟
وعلق د. عبد الفتاح أنّ هذا شعر صعب، وهالة اليمني حضّت بضرورة الصّعود بالقرّاء دائمًا وكذلك الفنّانة سمر، والأستاذ ناجي ود. مازن قمصيّة، لقد أثار اللقاء عديد الأسئلة، وأجابت الشّاعرة آمال، إنّها قد أخبرت الحضور أنّ الشّعر النثريّ هو من النّوع الصّعب، وإنّها تكتب مشاعرها هي بلغتها، وأنّ هذه ليست مقالة تقريريّة ولا تفعيلة وليست سجع.
ولكنه عاد .../ محمود شباط
على تلك الجمجمة الصلعاء الملساء العريضة اللامعة أسفار عذابات كان جدي سلامة يرويها لنا في دكانه المتواضع جداً . بحس روائي فطري كان يسرد. يختلط في حكاياته السوسن بالدم والخبز وأجنحة السنونو. ينفث زقوم ذكرياته عن الحكم العثماني الذي قذف به للهجرة سراً للفرار من "خدمة السخرة في عسكر السلطان". في أمسية خميس زمهريري مثلج تحلقنا حول المجمرة في دكان جدي سلامة كما كنا نفعل عصر كل يوم حين نعود أنا ومعروف وجواد وأنيس من المدرسة الإبتدائية الوحيدة في قريتنا. ابتعنا بقروشنا قطع حلوى نلتهمها بيد بينما ندفىء الأخرى فوق المجمرة. نعلم منذ عرفنا جدي سلامة بأنه ليس لديه زوجة وأولاد وأحفاد في القرية. نسمع عن رسائل ترده من ابنه كريم في الأرجنتين ومبالغ مالية مع القادمين من هناك وصور للشاب. كان يروي لنا الحكاية نفسها مرات ومرات ولا يتذكر بأنه فعل. أكثرها ترداداً حكاية سفره إلى الأرجنتين وهو يعرف بأننا نفضلها .
سأله "معروف" بصوت عال كي يسمعه : ما هو اسم زوجتك يا جدي ؟
عرف العجوز بأننا نرغب في سماع تلك القصة . رسم على محياه ابتسامة خفيفة ورد عليه : عن أية زوجة تسأل ؟
- زوجتك الأرجنتينية .
- روزاليتا
- وهل كان لديك زوجة أخرى ؟ سأله معروف بخبث رغم أننا نعرف بأن جدي سلامه كان لديه في لبنان زوجة اسمها علياء وطفل اسمه كريم.
هز العجوز رأسه حسرة وببطء عدة مرات.
سأله أنيس بمكر أيضاً وهو يعرف بأن علياء وكريم ماتا : أين هما ؟
لم يرد جدي سلامه. أنزل قبعته الصوفية الكحلية السميكة على عينيه وشد عباءته الخشنة وفروته السميكة بألم. كان الثلج حينها قد سد الطرق بين منازل القرية والمدرسة الراتعة على تلتها بجانب المنزل الكبير الفخم الذي بناه جدي سلامه منذ سنوات ويقيم فيه بمفرده.طلب منا الهدوء وعدم المقاطعة ثم بدأ يروي :
كان ذلك منذ زمن بعيد، زمن الحكم التركي. فتحت عيني على الوجود في منزل عمي سعيد ولم أكن أدري في حينه بأني يتيم الأبوين. تحملت صلافة وظلم وقساوة زوجة عمي ومحاباتها لأولادها . كان عمي ضعيفاً حيال غطرستها وسلاطة لسانها. ولطالما سمعتها تصرخ بوجهه بأنها تصبر علي وتتحملني لأني يتيم . ولكنها كانت تكذب. إذ أن سبب بقائي في "منزلها" هو مساعدتها لجمع الحطب وتنظيف الأواني والمنزل وجلب الماء من العين وحمل أولادها وتلبية طلباتهم الكثيرة الصعبة ورعاية الماعز.
توقف عن الكلام مع اشتداد عويل الريح وتعاظم حجم ندفات الثلج. طلب مني أن أطل على الباب لأتحقق من الطقس في الخارج. تطلعت صوب طريق الضيعة المفضية صوب المطل والقرى الأخرى فلم أر سوى اللون الأبيض المبهر فقلت له بأن الطرق قد سدت مع الضيع المجاورة. أخرج ساعة الجيب الفضية من عباءته وأدار ميناءها نحوي وسألني : " قديش صارت الساعة؟ "
- أربع ونص !
أعادها إلى جيبه واستأنف السرد :
اجتاح البلاد وباء الجدري فابتلي عمي سعيد به وصار ضريراً . هجرته زوجته إلى جهة مجهولة مصطحبة الأبناء والمال والحلال. بقيتُ مع عمي ولم أتركه لقمة للوحدة والمرض. آليت على نفسي أن أكون معه ضد غوائل الدهر وليس مع غوائل الدهر عليه كما فعلت زوجته. لم يتزوج بعدها. بقيت معه أقوده إلى الحقل والكرمة نعمل ونعود معاً. وحين شبيت سعى لتزويجي من علياء ابنة خالتي . رزقنا بمولود ذكر سميناه "كريم". لم أنعم باحتضانه سوى أشهر قلائل إذ جاءنا المختار وبلغ عمي بوجوب التحاقي بعسكر السلطان. رجاه عمي أن يقنع "البكباشي" بضرورة بقائي إلى جانبه لأنه ليس له من معين له في شيخوخته سواي.
أكمل جدي سلامه : لم يكن الحس الإنساني لدى المختار بأفضل من حس التركي. إذ طلب من عمي أن يهبه حقل "الصوانة" مقابل حذف اسمي من قائمة المطلوبين، وأن يقنع "البكباشي" بأني لا أصلح للخدمة. وافق عمي على مضض. وبعد شهر عاد المختار بطلبي للعسكر فسجل له عمي حقل "وادي الملولة" . تكررت طلبات المختار فوهبه عمي سعيد قطعة الأرض الوحيدة المتبقية لديه وسعى لسفري سراً إلى الأرجنتين.
يوم سفري أخفاني مسؤول وكالة السفر في صندوق خشبي أخرجني منه أحد البحارة بعد أن أقلعت السفينة التي أبحرت بنا من ميناء بيروت عند أصيل يوم ربيعي. بلغنا "بواناسيرس" بعد شهر من أهوال الأزرق الغدار . كان ذلك قبيل حرب "الأربعتش" بموسم واحد.
بدأت هناك بالعمل من الصباح الباكر ولغاية آخر سويعات المساء. أحمل صندوقاً كبيراً نسميه "الكايِّي" يحتوي على ملابس وأدوات زينة وعطور، وبعد أشهر تزوجت من زبونة اسمها "روزاليتا" رزقت منها بطفل سميته "كريم" أيضاً، لطالما أحببت ذلك الطفل وأحبني، وما يزال. بقيت أراسل عمي سعيد وأرسل إليه وإلى علياء بالليرات الذهبية دون علم "روزاليتا" ، وطلبت منهم أن يراسلوني على عنوان أحد أبناء العرب كي لا تعلم روزاليتا وتغضب مني وتحرمني من طفلي وتنعتني بـ "التوركو الخنزير" كما تفعل حين نتشاجر .
بعد انتهاء حرب الأربعتش وصلتني رسالة من عمي ومعها صورة لكريم. أشبعتها لثماً وتقبيلاً ولم أرتو. ناجيت طفلي البعيد بكل لغات الشوق. بدا لي نحيلاً، أصغر سناً وأقصر قامة مما توقعته. خمَّنتُ وتساءلت : لعله الجوع ؟ لعله المرض؟ . لم يصلني رسائل بعدها طوال أربع سنوات. دغدغني سوسن العودة وأخذ طفلي الأرجنتيني معي ، بل "خطفه" لأن لا أمل لي بتخلي روزاليتا عنه. إذ كانت ترفض بشراسة اصطحاب طفلي في زياراتي إلى أبناء العرب ، لم تكن تؤمن عليه معي.
حين عرفت بأن الأتراك قد غادروا بلادنا ، وكنت حينها قد جمعت من الليرات الذهبية ما يكفي لشراء أرض وقطيع ماعز والعيش بكرامة مع عمي سعيد وعلياء وطفلي كريم. قررت الرجوع إلى الوطن دون علم روزاليتا لأني متيقن بأنها ستهددني بالقتل إن فعلت. استنجدت باثنين من أصدقائي من "أبناء العرب" فساعداني بالعودة سراً إنما دون طفلي. ائتمنا البحر علي وأقلعت السفينة على وقع نشيجي وحرقتي على كريم في بويناسسيرس وشوقي وحنيني إلى كريم في لبنان . وحين بلغنا عرض البحر صار الموج يتراقص على أفراح مهجتي الذبيحة المنشطرة بين "الكريمين" ويرنم أنغاماً شجية أكاد أبصرها. رسونا على بر بيروت عند شروق شمس نهار صيفي. استأجرت حنطوراً وصل بي إلى القرية في الهزيع الأخير.
ولجت ثغر الزقاق المفضي إلى دارنا. جذبتني الدار فرحت صوبها، طفقت أنادي أهلها : عدت إليكم يا عمي ! أين أنت ؟ عدت إليك يا علياء ...أينك يا علياء ؟ عدت يا كريم . ناديت ثانية وثالثة وأخيرة ولم أر قبس السراج . بقي الباب موصداً والنوافذ ساكنة ميتة مغلقة. تحسست طين جدران الدار براحتي وبوجنتي فوجدتها حيادية باردة متلفعة بصمت حزين. بقيت انادي واتحسس إلى أن صاحت ديكة القرية دون أن يطل أهل الدار.. حينها أدركت بأنهم رحلوا .. قد يكون الجوع هو السبب. ثم مسح عينيه بمنديله . أجل ! رحلوا .. و أشار بيده صوب السماء .
وبينما هو يزرر عباءته ويحمل عكازه إيذاناً بانتهاء الجلسة أطل على الباب خمسيني هرع نحوه فارداً ذراعيه كصقور الجبال يكلمه بالأسبانية وغمره بعاطفة الإبن لأبيه.
دعوة ثقافية لحضور ندوة للكاتب زياد جيوسي
لجنة متابعة المدارس /عنبتا جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني / عنبتا
تتشرفان بدعوة حضرتكم لحضور الندوة الثقافية بعنوان:
التراث والأماكن الأثرية في عنبتا
واللقاء مع الكاتب الفلسطيني
زياد جيوسي
نائب رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب
وأمين سر فرع فلسطين
وذلك في تمام الساعة الثالثة والنصف عصرا بتاريخ 26/2/2011 في ديوان آل الفقهاء
الشارع الرئيسي- مقابل محطة البنزين
تشريفكم دعم للثقافة وإحياء التراث
برنامج الندوة:
عريف اللقاء : الأستاذ فايق مزيد
1- السلام الوطني
2- القرآن الكريم
3- كلمة لجنة متابعة المدارس وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فرع عنبتا تلقيها السيدة سوسن نجيب
4- تعريف بآثار عنبتا تقديم الأستاذ الأديب: أديب رفيق محمود
5- شرح عن المواقع الأثرية والتاريخية في عنبتا يقدمه الدكتور عدنان ملحم والدكتور عامر الأحمد
6- حديث لضيف الندوة الكاتب والأديب زياد جيوسي حول سلسلة صباحكم أجمل التي تتحدث عن المكان.
7- نقاش وحوار مع الحضور حول كتابات الكاتب الضيف .
نشكر حضوركم ودعمكم للثقافة والمعرفة وتقبلوا منا فائق احترامنا وتقديرنا
يندلق البوح و ينفلت من قبضة الاختناق/ اشراف شيراز
واقف هناك...ظلي يتلحف بالعراء و يتآمر علي....... هكذا أنا الآن ...مثل نهر غارق في شمسه....حد الحصى... مثل سراب عند اكتمال العطش... يأكل أوهامه و يمضغ كذبته في المهارق... ويختنق بالرمل...
أنا النائم في غفلة حين استيقظت على سواكِ... مستلقيا على الوحل...آثامي تشير إليكِ ... ووقاحتي تتبدد في الندم... وأرسم على جسد غيابك جرح قان يمتهن النزف...
حين كنت من العقلاء في الماضي القتيل...اعتبرت الاخلاص لإمرأة إهانة للذات... فما كنت أطلب عوضا عن ضميري التالف في عمائه التام... حينها كانت تقتات حريتي من سباته... كنتُ آنذاك بين الأغنيات كنغم مارد... كعكازة تهش في كل اتجاه...
هكذا يمكنني وصف سنوات عمري المكتظة بالعثرات و بحماقات تعوي في كل ليلةِ من ليالي قمركِ التمام... متعبـة... واهنـة.... بالكاد تحمل على ظهرها أثقالي... من بعدك طالتني العواصف حتى كلَّتْ....
أما آن أن نمزق مناديل البكاء...أن نشعل جذوة اللقاء...أن نمتنع عن الذبول...
أما حان أن تستفيق على نورك...الصباحات...يميط ضياءك أذى الصمت الباهت من حنجرة الهديل...
ذاكرة جســــدي... مبتلة بك لا تجف... قطيع من القشعريرة...حنجرة لا تتعرى من همساتك...يقين الألم...أجراس...أمواج من شعرك الغجري...عطر مساماتك...يراودها جريانك في الدم...قوافل خطواتك في الشريان...ورقصاتك على أطراف أصابع سعادتك.. في الركن المتسع لطيرانك...هنا في الخافق...
كم انتِ...مغروسة فيها...لا عواصف بعثرتك...وتضاريسك لم تتعرض لعوامل التعرية إلا في مخيلتي....تتلحفين بي و كلي يتآمر على مفاتنك..
ذاكرة جســــدي...سبابةٌ تشير إليكِ... كعشبٍ يشْكُو عطشهُ للريح...في صيفك الأكثر حرارة كنت فيكِ قبلة مبللة ..انهمرتْ في عطشك المارد كل الهطول...قولي متى ...متى...متى تعودين ...و.نكون في ابتهال إثنين...وسجدة تطول
ماجستير في ادارة الأعمال
تونسية الجنسية
كاتبة مقالات...شعر و رواية
مذيعة و معدة برامج تلفزيونية
نادي حاملات الطيب النصراوي استضاف الشاعرة هيام قبلان/ آمال عوّاد رضوان
بتاريخ 17-2-2011 تعطّرت الشّاعرة والأديبة هيام مصطفى قبلان بأريج مدينة البشارة وبعبق عين العذراء في النّاصرة، وسطَ لفيفٍ نسائيٍّ راقٍ، وبترحيبٍ مُفعمٍ بمحبّةِ عضوات نادي حاملات الطّيب النّصراويّ المضياف، في مقرّهِ العتيق في حارة الرّوم بجانب كنيسة البشارة، ووسط جوٍّ حميميٍّ تسودُهُ الألفة والانسجامُ والتشوّق، وجدت الشّاعرة هيام نفسَها أمامَ لهفةٍ عارمةٍ لنساءٍ ينتظرنها بتشوّق وفخر لسماعها والإنصات لحديثها العذب.
افتتحت اللّقاءَ المُثمرَ السّيّدة مارتيكا الحاج مسؤولة حاملاتِ الطّيب في النّاصرة، بكلمةٍ ترحيبيّةِ بالشّاعرةِ القادمةِ مِن جبلِ الكرمل تلبيةً لدعوتِها، بعد صدور روايتها "رائحة الزّمن العاري"، والّتي تمّ نشرها في دار التلاقي للنّشر في القاهرة.
تحدّثت الشّاعرة هيام إلى أنّها مِن مواليد قرية عسفيا في جبل الكرمل سنة (1956)، وقد ترعرعتْ في كنفِ عائلةٍ دافئةٍ تتكوّنُ مِن أمٍّ لبنانيّةٍ وأبٍ سوريّ الأصل، وبالرّغم مِن أنّها ابنة ثلاثة أوطان، إلاّ أنّها لا تحملُ هويّة أوطانها الرّسميّة، بل جنسيّة إسرائيليّة!
وقد أشارت إلى حوارٍ طويلٍ أجرتْهُ معها "آمال عوّاد رضوان"، ورَدَ في بدايةِ كتابِها الشّعريّ "لا أرى غير ظلّي"، وهذا الحوار المُطوّلُ يوجزُ المسيرةَ الذّاتيّة بكاملِها، إذ تحدّثت فيهِ عن رحلتِها الشّخصيّةِ والعائليّةِ والأدبيّةِ المليئة بالأحداثِ والمواقف؛ وعن نفسِها كإنسانةٍ وشاعرةٍ وكاتبةٍ وناقدة، وعن الشّام حيث موطن أبيها، وعن أمّها ولبنان، وكيف تتجلّى الشآم ولبنان، والزّمن؛ مِن حيث أنّها إحداثيّاتٌ تُشكّلُ مُحصّلاتٍ عدّةً في شِعرِها وحياتِها، تقول:
"الشام: لها في قلبي مكان.. وطن الجدود.. وطن أبي الرّاحل الّذي ووريَ تحتَ التّراب، ولم يقابلْ عائلتَهُ بعدَ أن فرّقهم الزّمن. الشآم هي العزة، والكرامة.. أشمُّ رائحةَ أرضِهِ الطّيّبة، وأفتّشُ في السّهول والجبال عن أقحوانةٍ ليلكيّةِ العينيْن، تتمايلُ على كتفِ قصيدةٍ مِن شِعر نزار قباني، فيطيرُ الفؤاد مُعلنًا الرّحيلَ والسّفر. هو تاريخ أبي ورحيله عن الوطن.. وللرّحيل قصّة، وأبي الذي دافعَ عن سوريا بجسدِهِ وروحِهِ، لم يعُدْ مأواهُ غير البراري والجبال أثناءَ تشرّدِهِ، فوصلَ إلى نهر الحاصباني في لبنان بالقرب مِن محافظةِ حاصبيا، والتجأ إلى أهلِها الّذين حمَوْهُ لمدّةٍ طويلة. هناك تعرّف إلى أمّي؛ فتاة في مقتبل العمر، جميلة، بريئة، خجولة، مطيعة، خفق قلبُهُ لأوّلِ مرّةٍ وهو الشّاب العازب المغامر. بادَلتْهُ الحبّ وعُقدَ قرانُهما في لبنان. لكن الوضعَ أصبحَ خطيرًا.. ماذا يفعل؟ قرّرَ الهربَ والعودة إلى فلسطين ثانية ليعيش فيها مؤقتًا، لكن مساعيَهُ باءت بالفشل وبقيَ هنا، بعيدًا عن عائلتِهِ لمدّةِ خمسين عامًا. رحلَ أبي قبل فترةٍ وجيزةٍ دونَ كلمةِ وداع، ودون أن يحتضنَ وجهَ أختِهِ الباكي عليه، ودون معانقةِ إخوتِهِ الذين انتظروهُ بفارغ الصّبر.. تدثّرَ والدي بثوبِهِ الأبيض الفضفاض.. أغمضَ عينيْهِ وبين شفتيْه: "سلامٌ للشآم الوطن.
غربة أبي، الوحدة، السّفر، التشرّد، الظلم، خيبة الأمل، الشّوق والحنين في عينيه.. انتظارُهُ الطّويل في هضبة الجولان في منطقة (تل الصراخ)، منتظرًا أهله ولم ينتظره أحد حتى بُحّ صوتُهُ، والتحفَ بالصّمتِ إلى يوم وداعِهِ الأخير ورحيلِهِ. ولأنّنا نؤمن أنه سوفَ يولدُ مِن جديد، نُصلّي بأن يرى في جيلِهِ القادم مَن بقي من عائلته، وربّما بولادةِ الطفل الصّغير تعودُ الضحكة إلى بيتهم القديم مرتعَ طفولتِهِ وزمرّد شآمه.
تحدّثت عن لبنان: الغربة والرّحيل والسّفر أراهم في عينيّ أمّي التي هجرت وطنها الأم لبنان، وتركتْ قطعةً مِنَ السّماء هطلت على الأرض لتعيدَ للحدائقِ ألوانَها. أمّي والغربة وليالي الفراق والسّهر، هي التي يخيّمُ عليها السّكون، وتجتاحُها نوبةٌ مِن البكاءِ لفراقِ الأحبّة.
لبنان الأرز، لبنان الصّمود والنزف، والنفوس التي ضاقت بهم الأرض فرحلوا، وهوت نجمة الصّبح صريعةَ الدّمارِ والحروبات. لبنان هو البحرُ الذي رسمَهُ محمود درويش في قصائدِهِ، وهو بيروت العروس التي تغنّى بجمالِها الشّعراء.. بيروت المقاهي، وفناجين القهوة التي كانتْ تنتظرُ في عَتب، ورائحتُها المختلطة برائحةِ الجثث في الجنوب وفي الشوف تخترقُ فوّهة الغضب. من الجنوب اللّبنانيّ أتتْ أمي؛ الفتاة اليافعة التي لم تدْرِ ما ينتظرُها في هذهِ البلادِ الغريبة، عانتْ مِنَ الويلاتِ والغربةِ والحدودِ الفاصلة، وعاركت الحياة مع أبي بحُلْوِها ومُرِّها، ولم تعُدْ سرًّا حكايتها مع أبي؛ الحبّ العارم الذي من أجلِهِ تركت أهلَها ولحقته. لأمّي حكاياتٌ عن الخوف، والصّبر، والعشق، ومحاولة إنكار الذات، وكذلك الحرمان، والشّوق، والانتماء إلى الوطنِ لبنان.
ثمّ سردت الأديبةُ هيام مصطفى قبلان نبذةً تاريخيّةً عن مسيرتِها ورحلتِهاالأدبيّةِ ومشوارِها مع الحرفِ قائلة: مِنَ الطّبيعيّ أن تخلق الظروفُ مِن أبي رجلاً عصاميًّا وحُرًّا، وقد ورثتُ عن أبي الكثيرَ مِن خصالِهِ، مع أنّني ألومُهُ لترْكِهِ وطنه، ما أدّى إلى عدم رؤيتنا أحبابنا، ولم نعرفهم أبدًا. وعن أمي ورثت الأنوثةَ والرّقّةَ والمشاعرَ الجيّاشة، كلّ هذا التّاريخ أثّرَ على كتاباتي المليئة بالعتب، والشوق، والرّحيل، والغربةِ، والسّفر.
وعدّدت إصداراتِها الشّعريّة: آمالٌ على الدروب (1975). همساتٌ صارخة (1981). وجوهٌ وسَفر (1992). اِنزعْ قيدَك واتبعْني (2002).
كذلك الأعمال الأخرى: بينَ أصابع البحر نصوص أدبيّة وفلسفيّة (1996). طفل خارج من معطفِهِ قصص قصيرة (1998).
تحدّثتْ عن إيمانِها بأنّ المُبدعَ مِنَ المفروض أن يكونَ ابنًا للحياةِ والعالمِ بعيدًا عن العنصريّةِ والتّعنّتِ الطّائفيّ والدّينيّ، وكان لصوتِها الرّخيم أثرُهُ على الآذان الصّاغية، حيث خيّمَ الهدوءُ والسّكينةُ على الحضور النّسائيّ، وبكلّ شفافيّةٍ وانسيابيّةٍ تحدّثت عن علاقةِ الأرض بالوطن والمرأة، وعن التّضحيةِ مِن أجل المحافظةِ على الأرضِ رمزِ الهُويّةِ والبقاء.
تطرّقت إلى روايتِها "رائحة الزّمن العاري"، وتناولت محوريْن أساسيّيْن دارتْ حولَهما: موضوعُ المرأة الأرملة في مجتمع ذكوريّ، وموضوع التّجنيد الإجباريّ وتأثيره على الإنسان العربيّ في البلاد، وتحدّثت عن شخصيّاتِ الرّوايةِ وربْطِها بالأحداثِ الّتي تُعيدُ نفسَها عبْرَ الأجيال.
ثمّ قرأت هيام مِن مجموعاتِها الشّعريّةِ القديمة النّصوص: انزع قيدك واتبعني، وجوهٌ وسَفر، لا أرى غير ظلّي، وبين قصيدةِ النّثرِ والتّفعيلةِ ترنّمَ الحضورُ على صوتٍ تهادى بينَ أروقةِ معبدِ النّساء، اللّواتي يحملن في نفوسِهنّ الأملَ بغدٍ أفضل، وشرْقٍ يُطلُّ بالخيرِ والمحبّة والسّلام.
ومِن خلال محاورة النّساء لها تطرّقتْ إلى دوْرِ الرّجل في حياة المرأة، والعنف والتّهميش اللذان ما تزال تواجههما المرأة داخل الأسرة والعمل والشّارع، ومعاقبتها ومحاكمتها عند الخطأ وقتلها تحت مسمّى شرف العائلة، وحول إيمان المرأة بحقوقِها، وسعْيِها من أجل التّغييرِ للحصول على فُرَصِ التّعلّم والعَمل، مِن خلال جمعيّاتٍ ونوادٍ تفسحُ لها المجالَ بالتعرّف والمساعدةِ والمُشاركة، لتُحرّرَها مِن الكبتِ وتُجدّدَ نشاطها وحيويّتها.
انتهى اللّقاءُ والنّساء عدنَ لبيوتِهنَّ يحملْنَ "رائحة الزّمن العاري"؛ كتابًا مِن زمنٍ عسى تسقطُ فيهِ ومنهُ جميعُ الأقنعة.
أكذوبة – هيام مصطفى قبلان
أن تطيلَ إليّ النّظرَ أكذوبة
أن ترفضَ الخوفَ مِنَ المجهولِ أكذوبة
وأن تسافرَ في جسدي
إلى أبعدِ الحدودِ أكذوبة
أيّها البعيدُ القريبُ
دعْوتُكِ لي على كلِّ الوجوهِ مرفوضة
وليالي العناقِ مرفوضة
وكتاباتُ العِشق مرفوضة
فبيْني وبينَكَ يطولُ السّفر
وتحترقُ المسافاتُ
وينخسفُ القمر.
اعتذار – هيام مصطفى قبلان
إنّهُ وقتُ الاعتذارِ يا سيّدَ الحُلم
سقطَ الحُلم ...
يَكتبُني حبرُ القبيلةِ فوقَ الرّمل
فتغيبُ عن البحرِ النّوارس
وتحترقُ اللّيلة أكذوبةُ العرّافة ...
عفيف سالم في روايتة "الخمس العجاف السمان"/ نبيل عودة
الكتاب: الخمس العجاف السمان (لوحات من حياة مدينة الناصرة)
الكاتب: عفيف سالم
إصدار: مطبعة فينوس (1999)
الكاتب عفيف سالم، بالنسبة لي، أكثر من مجرد زميل أو كاتب آخر، إذ تكونت رؤيتنا الثقافية والسياسية الشاملة بترابط وموازاة، منذ جيلنا المبكر، وعبر سنوات عديدة ممتدة وفاصلة في تكوين نظرة الإنسان لعالمه، بجوانبه المختلفة والمتشعبة. وأظن أن قدرتنا الإنشائية وعشقنا للأدب العربي، برزت في الصفوف الابتدائية، لنجد عبر ذلك ما يشدنا إلى هدف أدبي مشترك، وشاءت ضرورات الحياة وتكون وعينا الثقافي، أن نلتقي أيضاً تحت مظلة الفكر الماركسي، ولتتحول السياسة إلى النصف الآخر من تكويننا الشخصي، وليس الأدبي فقط.
السنوات، التي مرت منذ بداياتنا السياسية والأدبية، أكسبتني ميزة، بأني حين أقرأ نصاً لعفيف، أكاد أعيش تفاصيل أكثر مما استطاع عفيف أن ينقله، بالحبر الأسود... للقارئ العادي، وهنا لا بد من ملاحظة اعتراضية، بأني أعني النصوص النثرية، وليس نصوصه الشعرية التي لي معها ومعه مشكلة أخرى، قد أعود إليها في مناسبة لاحقة.
هذه العلاقة الخاصة مع النص وصانعه جعلتني أتردد كثيراً في تناول عمله الأدبي الأخير (رواية "الخمس العجاف السمان")، وذلك خوفاً من الحماسة التي ستقودني للمبالغة، وهو أمر أرفضه كما لا شك لدي أن عفيف يرفضه أكثر مني، أو العكس الذهاب لاتجاه لم يرده عفيف، وتكون النتيجة نفس النتيجة رغم اختلاف الحال.
الكتابة عن أو "نقد" عمل لأديب لا أعرفه و لا تربطني به أواصر صداقة ووحدة فكر رغم وجهات النظر المختلفة (أحياناً) أسهل كثيراً، وتتيح لي الحرية المطلقة في التعبير عن رأيي، حتى بتسرع. أما الوقوف والتأمل ومحاولة فذلكة موقف، للتحايل على ترددي في تثبيت رأيي، فهو حالة سمجة لا تتلاءم مع طبيعتي المندفعة في أغلب الأحيان، وتكمن الصعوبة أيضاً بكون تجربة عفيف الأدبية، وخاصة ذاكرته الأدبية، تشكل بالنسبة لي نوسطالجيا، فهل أستطيع أن أتجرد من كل ما ذكرته لأكتب بموضوعية؟! لأكتب بطريقة لا يشتم منها أني "آكل العنب وأقاتل الناطور"؟! إذا أعجبني العمل سيقول البعض: "لا أحد يقول عن زيته عكر" ، وإذا لم يعجبني فقد "تورطت" ليس مع صديقي الكاتب فحسب، وإنما مع بعض المتربصين، مع أن أمرهم لا يعنيني كثيراً.
هذه هي أجوائي وأنا أقرأ روايته الأولى " الخمس العجاف السمان" ، وهذه التسمية، حتى لو لم يكن اسم عفيف كدلالة عليها، كنت نسبتها بشكل من الأشكال لأجواء عفيف.
ما حسم أمري للكتابة أمران، أولاً غياب النقد أو صمته أمام هذا العمل، وأعمال كثيرة أخرى.. مما يطرح إشكاليات غير نقدية وغير مهنية.
لكل الحق أن يقيم "الخمس العجاف السمان" حسب فهمة، وعلى رأسها سؤال (ربما هو استفزازي) عن المعايير الذاتية، وغير الأدبية إطلاقا... في المعالجة النقدية لنص ما، وثانياً منذ ولجت هذا الباب لم أعد أستطيع التراجع، ولم يعد هناك أي منطق في الكتابة عن نصوص لأدباء لا أعرفهم، وتجاهل نصوص لأدباء تربطني بهم علاقات صداقة خاصة وأحياناً مميزة.
وهكذا أوكلت أمري للقلم.
رواية عفيف سالم "الخمس العجاف السمان"، لم تنتظم في ذهني في باب الرواية.هذه الملاحظة لا علاقة لها بالنص، وقدرة النص على إيصال الدلالات التي يبتغيها الكاتب.
وقفت حائراً أمام تصنيفها، ومتردداً في طرح وجهة نظري، وكما أقول دائماً، أنا لا أصدر حكماً نقدياً، إنما موقفاً ذاتياً، انطباعاً ذاتياً.
عفيف في روايته/ نصه يستعرض، عبر خمس لوحات، جانباً من تاريخ الناصرة وأجوائها المميزة، بتآلفها الاجتماعي والوطني، وشخصياتها الشعبية الفولكلورية إذا صح هذا التعبير.... وقد نجح بشدي إلى هذه الأجواء التي كادت تختفي من ذاكرتي، تحت ضغط الأحداث المخجلة التي شهدناها في السنوات الأخيرة. في نصه " الخمس العجاف..." أعادني عفيف ما يقارب خمسة عقود إلى الوراء. أعادني إلى "سدر هريسة أبي حافظ،" و "ترمس فول" أبي الياس وغيرهما من الذين ذكرهم ومن الذين لم يذكرهم. وكنت أسمع مجدداً النداء الأوبرالي "ترمس فول" لأبي الياس، الذي يشد لبسطته الزبائن أكثر من ترمسه وفوله المميزين حقا. وأعادني لأجواء الفران القديم في السوق، وعماله وناسه وتآلفهم وأجواء أعيادهم. وعلاقاتهم وطرائفهم، من هنا نجح بجعلي أغرق مع نصه، وأغضب مع نهاية كل فصل، أو لوحة.... راغباً بالمزيد. المزيد من إحياء الذاكرة، من إحياء شوقي لأيام شبابنا الباكر، وقد بحثت عن نفسي داخل النص، فوجدتني في مواقع كثيرة، أحياناً مع الحدث، وأحياناً مع مسجل الحدث. كثيرة هي الأحداث التي كنا مساهمين في جعلها محطة تاريخية مميزة في سجل أيام الناصرة وأيامنا. دورنا يوم كنا طلابا ثانويين في تنظيم وقيادة مظاهرة الطلاب الجبارة التي بدأناها من مدرستنا، الثانوية البلدية (قرب العين وقتها) وصولاً لمدارس مفتان والأمريكان ثم التيراسانطة، متوجهين لمدرسة المطران الرابضة على قمة جبل من جبال الناصرة، محررين الطلاب من صفوفهم، بإضراب ومظاهرة طلابية صاخبة ضد مقتل الشباب العرب الخمسة، ثلاثة من حيفا واثنين من عرابة وسخنين، وليس خمسة من حيفا كما جاء في النص، وهذا يظهر أن الجريمة مخططة وليست وليدة الصدفة، ولا زالت صورهم المشوهة تزعجني حتى اليوم، وتصعب عليّ تصديق المستوى الحيواني للقتلة ولمخططي برامج القتل والتهجير ومصادرة الأرض والحكم العسكري، ولا زالت قصيدة محمود درويش في رثاء الشباب العرب الخمسة تهز مشاعري حتى اليوم، وكنت آمل لو أن عفيف ثبت أحد مقاطعها في نصه:
"يحكون في بلادي
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن".
وكيف أنسى سحجة العذراء مريم (عيد البشارة الذي يعتبر عيدا لمدينة الناصرة حيث بشرالملاك جبرائيل العذراء مريم بأنها ستحمل وتضع ولدا هم المسيح ) تلك السحجة التي كانت تتحول الى عرس نصراوي، حيث تبدأ السحجة من كنيسة الروم، مع السيافين وزجاجات العرق، التي تدور على صفوف السحيجة من كل الطوائف، متجهة الى دير المطران (كنيسة القلاية) ويدب الحماس بصفوف السحيجة، وتتفجر أحاسيسهم، ويتفجر غضبهم على السلطة العنصرية، وحكمها العسكري وتصاريحها التي تتحكم بلقمة خبز الشعب، وسياسة التمييز والاضطهاد بأبشع صورها وأكثرها حدة وسفالة، وبمصادرة الأرض، وحرمان الآلاف من العودة لقراهم على مرمى حجر أحياناً من لجوئهم، فتنطلق الشعارات والهتافات الوطنية، المناسبة للاحتفال بعيد البشارة ، مثل " يا عدرا يا أم المسيح، ارفعي عنا التصاريح". حقاً صلاة من نوع جديد، صلاة غاضبة متفجرة لشعب يرفض الذل والاستسلام والضياع، ويرفض أن يسمح لظالميه أن يقسموه بين مسلم ومسيحي، فها هم جمعت بينهم المأساة والهم الواحة من الواقع الجديد،يسحجون سوية ويهتفون بمطالبهم سوية، ويواجهون البطش السلطوي سوية، جمعت بينهم وحدة الحال والمصير وقنينة العرق والسحجة والنضال الوطني والسجن بعد كل احتفال شعبي وطني لا يبقى من إيماءاته الدينية، إلا رموز نصراوية عامة ومشتركة، وموحدة.
ويواصل عفيف جولته في الذاكرة الثرية لشعبنا، وصولاً للحرب اللصوصية الاستعمارية ضد العراق، ولمشكلة أرض مدرسة ما يعرف ب"شهاب الدين" وكم يبدو مثيرو الفتنة والقلاقل "أقزام" أمام هذا الدفق المتجلي من تاريخنا، من سجل أيامنا، من تاريخ الناصرة الموحدة المتماسكة بالاحترام المتبادل والمحبة ووحدة الحال، بل وحدة الأعياد.. والكثيرون من أبناء الناصرة من طوائفها المختلفة رضعوا من نفس الصدر، من نفس الحليب، فكم هم تافهون أولئك المتشاطرون والمشغولون على تقسيمنا وعلى اثبات أن الناصرة صفتها الدينية كذا وليس كذا، متناسبين أن الناصرة مدينة عربية قبل أن تكون لها أي صبغة دينية أو لوثة طائفية.
هذا هو المحور الأساسي للرواية... وهو محور غني بعشرات الأفكار القصصية. عفيف اختار شخصيتين رمزيتين ولا أعني برمزيتين إنهما من نسيج الخيال فقط... وهما "أبو عماد" (المختار) وصديق عمره اللاجئ الطبراني " أبو كمو" الذي فقد صلته بعائلته بعد عاصفة مأساة التشريد، وهو رمز واضح لفقدان الشعب الفلسطيني لوطنه وتشتته .
أبو عماد استقبل " أبو كمو" ووجد له غرفة ملائمة، وتطورت العلاقة بينهما رغم فارق الجيل، الرمز هنا لقدرة شعبنا على عبور المأساة وبناء ذاته من جديد. وعبر هذه التيمة الهامة يتم استعراض التفاصيل والأحداث والأخبار والحكايات وما يجري في كواليس النظام وحكمه العسكري.
واضح أن عفيف لا يكتب لأبناء جيلي فقط، أو لمن عاصر الناصرة منذ الخمسينات من القرن الحادي والعشرين، أو حتى قبل ذلك، ومن هنا لا أستطيع أن أقدر رد فعل من عاصر الناصرة منذ الخمسينات أو حتى قبلها، ومن هنا لا أستطيع أن أقدر رد فعل من لم يعاصر هذه الأحداث، هل نجح عفيف بإثارة دهشتهم؟
النص كرواية يفتقد لعنصر الدهشة الروائية، رغم أن الحدث التاريخي ثري بتفاصيله وأبعاده. عفيف يحاول أن يبني عنصر الدهشة على مرض "أبو كمو" الذي حير الأطباء في علاجه... وانتظار "أبو عماد" بجانب سرير صديقه، حتى يعود إلى وعيه والى الحياة، وتكون تلك مناسبة لسرد ذكريات ما جرى وما كان... وعلّ ذلك أيضاً يساعد "أبو كمو" على الشفاء.
الشخصيتان، رغم كونهما مركزيتين وأساسيتين بقيتا شخصيتين تعبران عن أفكار عفيف وآرائه وانطباعاته، دون أن ينجح عفيف بإبعادهما عن ذاته، وإطلاقهما كشخصيتين لهما كيانهما المستقل وأفكارهما الخاصة، وتعابيرهما الخاصة.
أعتقد من جهة أخرى، أن النص أقرب للسيرة الذاتية، أو للمذكرات الشخصية، وهذا الأمر لا ينتقص من قيمة النص، وليس بالضرورة أن يكون النص الرزوائي أفضل من نصوص السير الذاتية أو المذكرات.
لغة عفيف تنساب بليونة ودون مبالغة بالوصف، ورغم كل شيء نجح عفيف بتوثيق فترة هامة من حياة الناصرة وأجوائها.
اللوحة الخامسة والأخيرة، يبدو أنها تحتاج إلى إعادة "طبخ" على نار هادئة، إذ شعرت أنها كتبت باستعجال وتسرع، وكأن عفيف أنجز مهمته الأساسية ويريد أن يقفل الموضوع ليتفرغ لأمر أخر.
هناك ميل واضح للوعظ، ولكن عفيف كان حذراً بأن يوقف الوعظ قبل أن يصبح عائقاً فنياً.
"الخمس العجاف السمان" هي تجربة اولى وجديدة في مسيرة عفيف الإبداعية وهي إضافة هامة لمكتبة الأدب المحلي، ولمن يريد أن يعرف جذور الناصرة، التي لا بد أن تطلق من جديد.
نبيل عودة - nabiloudeh@gmail.com
www.almsaa.net
أين هو الخيط الأبيض؟/ محمود شباط
يتسنم مستشفى "الأمل" لعلاج الأمراض العصبية ربوة تخضوضر بأحراج الصنوبر. يبدأ دربه عند الطريق البحري ويلتف حلزونياً إلى أن يبلغ باحة المستشفى المسورة بأشجار السرو الباسقة.
هناك كان الدكتور الشاب أسامة أسامة يتصفح العناوين الرئيسية لصحف ذلك اليوم. قرأ أخبار ما بعد انتفاضة تونس وصحوة مصر، ثم راح يتنقل إلى أخبار وتعليقات حول ما بعد ما بعد ما بعد تونس ومصر، يحتسي قهوته الصباحية ويتفكر في وضع الشباب وعالمه العربي . يتساءل ويتمرمر. ثم أدار التلفاز .
إحدى الفضائيات تنقل مقابلة مع مسؤول أميركي يحث الشعوب العربية والحكام على انتهاج الديمقراطية. صرخ بذلك المسؤول بصمت : ألستم أنتم من وأد أحلام الشعوب بأي أمل بالتغيير وساندتم أعتى الأنظمة الشمولية؟ ألستم أنتم من فبرك ظروف تخلفنا كي لا نكون جاهزين لممارسة الديمقراطية ؟ غضبه من الأميركيين دفع به للتحول إلى قناة أخرى . ضغط زر الريموت منتقلاً إلى فضائية تدور في فلك أقليمي إقليمي تحيي شعبي مصر وتونس وتشعل نار الحماس بدعوتها إلى شرق أوسط إسلامي جديد ، بامتعاض واستهجان تساءل الدكتور: وما هو مصير عشرات ملايين المسيحيين في شرقكم الأوسط الإسلامي الجديد؟ هل يصبحون أهل ذمة أم مشروع هجرة ؟ ما هو مصير عشرات ملايين الليبراليين الذين انتفضوا على حكامهم من أجل شرق أوسط إنساني علماني يواكب مستجدات العصر؟
أطفأ التلفاز واتجه صوب النافذة المطلة على الباحة يراقب المرضى من أعمار متفاوتة يروحون ويجيئون على مهل ويتعابثون.
هبط الدكتور من الدور الثالث متجهاً صوب الباحة هروباً من جحيم عالم العقلاء إلى نعيم عالم المجانين . تقدم منه "عنترة" ممتطياً صهوة "خشبة" يسميها "الفرس الكحيلة" واستفسر الدكتور حول تاريخ السماح له بالخروج من المصح بعد سنين من علاجه.
تفرس به الدكتور يغبطه نعمة غيابه عن هذا العالم المشبع بضباب الخيبة والألم وسأله : إلى أين أنت ذاهب يا عنترة ؟
- اجتماع ! لدينا اجتماع لنقرر مصير أمتنا
- أين ؟ هل تسمح لي بحضور اجتماعكم ؟
- إركب !
امتثل الدكتور "وركب" على الخشبة التي حثها "عنترة" على الإنطلاق بسرعة ، يركض والدكتور مضطر لمجاراته ركضاً ممسكاً بكتفيه بثبات .
حين وصلا إلى ركن ظليل من أركان الباحة وجدا "أفلاطون" يترأس خمسة مرضى يتحلقون حول دائرة رسموها على الأرض وكتبوا في وسطها "ما بعد ما بعد تونس ومصر" . جلس "عنترة" في المكان الشاغر المخصص له فسأل الدكتور : أين أجلس ؟
رد أفلاطون: لا مكان لك ! ابق واقفاً أو أنصرف إن شئت .
- حسناً ! سوف أبقى واقفاً إن سمحت لي . رد الدكتور
هز أفلاطون رأسه بالموافقة ثم أعلن افتتاح الجلسة كونه أعقل المجانين المجتمعين ، إذ يعرف عن نفسه بأنه كان يشغل منصب أستاذ القانون الدولي في جامعة كبرى ، وقف عنترة وعرف باسمه، ثم حذا الآخرون حذوه ، وأخيراً وقف أفلاطون ثم تلا جدول الأعمال المقرر المدون في ورقة ترتعش في يده وأوضح لزملائه بأن الأسئلة يجب أن تنحصر حول ما جرى ويجري في تونس ومصر.
وقف "عنترة" ورفع يده يستأذن أفلاطون بطرح سؤال فمنحه الأخير الإذن :
برزانة قدر المستطاع . وبتأهب وجدية طرح عنترة سؤاله : بصفتي محلل سياسي أتساءل حول أسباب صحوة الولايات المتحدة وحرصها على الديمقراطية في العالم العربي . هل من سبب محدد ؟ أفدنا لا فض فوك يا فيلسوفنا العظيم!
هرش أفلاطون صلعته : أولاً المصالح ، وثانياً اللحاق بقطار الشعوب وتطلعاتها التي لم تعد تحتمل التأجيل . ثم جال أفلاطون بنظره على زملائه وسأل : غيره ؟ من لديه سؤال ؟
وقف نابوليون معتمراً حلة مطبخية بدلاً من القبعة النابوليونية الشهيرة. خلع القبعة احتراماً ثم طرح سؤاله : بعد أن انهار المعسكر الإشتراكي تتابعت انهيارات الديكتاتوريات في العالم ولكن الولايات المتحدة الأميركية حالت دون وصول ارتدادات تلك الزلازل إلى العالم العربي خوفاً من هيمنة الإسلامويين على الحكم كما قيل في حينه . هل لا زالت أميركا على موقفها ؟
تنحنح أفلاطون موحياً بأهمية السؤال وحساسية الرد ثم قال : لا أظن. إذ أن أميركا لديها تصور مختلف الآن ، وتكاد تستشرف عما ستؤول إليه الأمور بناء على متابعتها للتجربة التركية حيث رأت بأن الإسلامويين الأتراك يجيدون الرقص على حلبة "حافة الهاوية" إذ أنهم يتأطلسون طوراً وتارة يتأسلمون . ثم صرخ بزملائه : غيره ؟
وقف صدام بشاربيه الأشيبين ولحيته الطويلة : ولكن لا يوجد من العرب من هم في الحلف الأطلسي !
- محق أنت في ذلك يا عزيزي . ليس بالعلن . ولكن الإسلامويين أعقل من أن يلعبوا بالنار. غيره ؟
وقف "موسوليني" وسأل : يكاد يجننني موقف إيران التي تلهب الجماهير العربية بالخطب التحريضية على حكامهم وللتظاهر تأييداً لانتفاضتي تونس ومصر ولا تسمح لشعوبها بالتظاهر بهذا الخصوص . اكاد أجن ! أخبرنا السبب إن كنت تعرفه يا فيلسوفنا العظيم . أخبرني كي يطمئن قلبي لا فض فوك !
الجواب سهل ، ظننتك تعرفه ، ألا تعلم بأن النظام في إيران لايخضع للأحكام الأرضية والقوانين والسنن الوضعية ؟ إذ أنهم يعتقدون جازمين بأن ما ينطبق على الآخرين لا ينطبق عليهم. هذا هو السبب. ولا داعي للجنون يا عزيزي . دع الجنون لمن يسمون أنفسهم عقلاء.ثم اختتم أفلاطون الإجتماع بطرح مطالب جديده من إدارة المستشفى :
- أولاً : المطالبة بتحسين نوعية الطعام .
- ثانياً : المطالبة بتحسين وضع المهاجع.
- ثالثاُ : المطالبة بمعاملة حسنة واختبارات عادلة نزيهة تتيح لمن يتحسن وضعه أن يعود إلى منزله .
صفق له الخمسة الآخرون طويلاً. واضطر الدكتور لمشاركتهم ابتهاجهم وفرحتهم بتلك النتيجة حين حدجه أفلاطون بغضب واستنكار وحثه على التصفيق. ثم وقفوا وعاد كل منهم إلى مهجعه بمن فيهم عنترة الذي نسي أن يصطحب الدكتور وانطلق على "الكحيلة" يصرخ بها لتسرع أكثر وينادي على عبلة ابنة مالك كي توافيه لتؤازره في معاركه.
اتجه الدكتور أسامة نحو مقصف المستشفى وانتحى ركناً هادئاً. طلب من النادل فنجان قهوة ووضع سماعتي مذياعه الصغير على أذنيه واتكأ إلى الخلف مغمضاً عينيه بانتظار فنجان القهوة. وكعادته حين يكون وحيداً عند قيلولة ما بعد الظهر راح يتنقل بمؤشر المذياع من الموسيقى إلى الأخبار وهو ما يزال مغمض العينين يساوره الإجهاد والتعب. ثم تراءى له مفتش وزارة الصحة الذي يحضر بشكل دوري لتفقد أوضاع المرضى ليقرر من سيطلق ومن سيبقي،بدا له المفتش يجول في المقصف بعجلة كمن يبحث عن شخص ما. ثم اتجه صوب الدكتور بسرعة حين لمحه وقال له : " أخضع أفلاطون للإختبار الدوري و اتصل بذويه لاصطحابه إلى منزله في حال اجتيازه للإختبار! لا تنس ! اخضعه للإختبار أولاً ! "
- حسنا
هذه هي المرة العاشرة التي يقوم فيها الطبيب النفسي باختبار "أفلاطون" لتقدير حالته العصبية .
وبينما الدكتور أسامة ينتظر في عيادته دخل "أفلاطون"، إنما أشرس مما كان عليه. بدا المريض للدكتور بشكله المرعب كهلاً ضخماً كجلادي القرون الوسطى، يرتجف ويرشق الدكتور بنظرات مخيفة، يداه ترتعشان وتمسكان برأسه الكبير في محاولة لوقف اهتزاز مستمر، الرأس يثابر في اهتزازه فيضغط المريض على رأسه الأصلع الأشيب بشدة ، ثم يتفرس بصمت بوجه طبيبه ، ومن حين إلى آخر يفرك أنفه المفلطح الملتصق بوجهه الأجدر ككتلة صلصال نتأت خطأ في المكان الخطأ. دعاه الدكتور أسامة للجلوس ، مد أفلاطون يده المرتعشة وصافح طبيبه طويلاً شاداً على يده دون مبرر للضغط المصطنع المتكلف ثم جلس على كرسيه وهو يلهث ثم سأل :
- لماذا حجبتم الدواء عني ؟ متى أعود إلى بيتي ؟ لا أريد البقاء هنا ! أدر التلفاز ! أريد أن أتابع الأخبار .
قام الدكتور بحذر وهدوء وأدار التلفاز وهو يتابع نظرة غاضبة شرسة نارية تكتسح وجه أفلاطون.
جمد الدكتور في مكانه ثم قرر أن يعطيه حبة الدواء المهدئة ولكن أفلاطون رفضها و شرع يثرثر عن تونس ومصر وغيرهما من البلدان وعن مصير نزلاء المصحات النفسية وأطبائهم. ظن الدكتور بأن أفلاطون يهذر دون أن يخطر في باله بأن مريضه يتوهم نفسه بأنه ليس فقط محلل سياسي من الدرجة الأولى ، بل الطبيب الذي ينوي أن يختبر حالة الدكتور. ثم داهمه أفلاطون بسؤاله الأول :
- لدي شك بصحة شهادتك العلمية . ماذا تقول ؟
شرقطت عينا الدكتور بغضب مضغوط . تململ في مقعده ولم يرد. كاد يلكمه على أنفه الضخم ولكنه كبح جماح غضبه معتصماً بالصمت المدوي.
- اسمع يا صاحبي ! أنا أعرف بأنك لست طبيباً بل منتحلاً لصفة طبيب . و .. .
قاطعه الدكتور أسامة بزجرة ليوقفه عند حده . ولكن أفلاطون أكمل بما بدأ .لم يعد الدكتور يتحمل . هب بعصبية من مقعده وصرخ بمريضه : احفظ لسانك وإلا قطعته لك!
قهقه أفلاطون لثورة الدكتور. ابتهج لنجاحه في استفزاز طبيبه تمهيداً لمفاجأته بما لم يحسب الدكتور حسابه. عاد الدكتور إلى كرسيه وحاول تمالك غضبه ثم بدأ الإختبار بتصميم وجدية محذراً مريضه : أنا من يطرح الأسئلة ؟ ان اجتزت الإختبار ستعود إلى بيتك وإن فشلت فلا تلم سوى نفسك .
- طبعاً ! تفضل ! بهدوء رد أفلاطون
استدعى الطبيب رجلي أمن تحسباً لثورة غير متوقعة من أفلاطون . دخل رجلا أمن جديدين لم يرهما الدكتور قبلاً فعرفا عن نفسيهما. ولكن بدلاً من أن يقوما بربط يدي أفلاطون كالعادة أمسكا بالدكتور وأوثقا يديه إلى الكرسي الذي يجلس عليه وكمما فمه بشريط لاصق. ثم بدأ أفلاطون جلسته وطلب من الدكتور أن يجيب بـ نعم أو لا بهزة من رأسه ووعده بأن يطلق سراحه إن اجتاز الإختبار:
- هل تؤيد تطبيق الديمقراطية قبل أن تكون شعوبنا جاهزة لها ؟
همهم الدكتور أسامة بغضب وصار يرج رأسه يميناً وشمالاً ويحاول الوقوف ولكن أيدي رجلي الأمن تضغطه لتثبيته في مكانه .
- أكمل أفلاطون : وضعك لا يسمح لك بفرض رأيك . لذا أنصحك بالرد على أسئلتي.
التفت الدكتور إلى رجلي الأمن مستغيثاً بهما فلاحظ بأنهما خلعا القناعين اللذين كانا يتنكران بهما وعرفهما . إنهما نابوليون وموسوليني . قرر حينها أن يستكين ويرد على أسئلة أفلاطون . طلب بإشارة استغاثية من عينيه أن يزيلا الشريط اللاصق عن فمه. استشارا أفلاطون الذي بقي وجهه صخرياً . توسله الدكتور بنظرات أليفة فأزال الشريط بيده ثم فجأة وبسرعة كمم فم الدكتور براحته وحذره من الصراخ وإلا سيخنقه. استسلم الدكتور الشاب لقدره الصعب وأيقن أنه في ورطة حقيقية وخطيرة. وقرر أن يغامر بالصراخ كي لا يبقي مصيره بيد ثلاثة مجانين كانوا يتحادثون فيما بينهم بأن الدكتور أسامه استنجد بهم كي يخضع لاختبار نفسي . قرر أن يضع حداً لكابوسه المخيف وصرخ : لم أطلب . لا لم أطلب . ثم علا صراخه أكثر حين شعر بيد النادل تهز كتفه لتوقظه : بل طلبت مني يا سيدي ويكاد فنجان قهوتك يبرد.
أفاق الدكتور مرتعباً وشكر النادل. نظر حوله وارتاح نسبياً لخلو المقصف من رواد آخرين حين كان يمر في كابوس الإختبار. لم يعد حينها في مزاج يسمح له بالدوام في عيادته . استأذن رئيسه وانصرف. وبينما هو يخرج بسيارته من مرآب المستشفى كانت العصافير تهيم بين الصنوبر والسرو . خالها تشدو أناشيد الحرية . رأى أديم السماء يزدان بزرقة عيني طفل وبغمام أبيض متباعد يسبح بهدوء صوب الشمال. إنما في الأفق بقية من قزعات غيم أسود .
عدد خاص من مجلة السايح
لكنها تعبّر عن مدى الإحباط الذي أصاب الشعوب العربية .
و أتت ثورة تونس و بعدها ثورة مصر .. وبدا كأن فجراً عربياً جديداً قد لاح في الأفق .
أما لماذا العدد الخاص من مجلة السايح ؟
فالجواب بسيط , لأننا طالما انتظرنا الفرح ولأننا نعلم أن الحكّام هم الذين هُزموا في معاركنا مع إسرائيل و أما الشعوب فلم تُهزم . ولأننا نؤمن أن كل نظام عربي وقف مع إسرائيل بشكل أو بآخر في حربها الشرسة ضد فلسطين ولاسيما ضد غزّة ,و ساند بطريقة أو بأخرى إسرائيل في حروبها الهمجيّة ضد لبنان .. هو نظام فاقد للشرعية الشعبية ويجب أن يسقط .
العدد الحادي عشر من مجلة السايح هو مجموعة قصائد شعر و زجل تتغنّى بالحريّة وبالثورة و بالوطن . وهو ليس أكثر من تحيّة لأرواح شهداء الحرية .
نتمنى أن تستمعوا وتستفيدوا .
ومن السايح نختار قصيدة ثورة مصر للدكتور اياد قحوش:
صوتين دقّو ب بعضهن
متل انشحط
عود الشمس .. عاوجّ كبريت الفضا
صوت الشهيد
ل من تحت منّو زحط
سلّم سنين مطعْوَجي .. ومرضرضه
وصوت النصر
جرح العتم لمّا انقحط
نزّ القمر بكرا
و سكّر عالمضى
..
الثوره بتشعل هيك .. بالوقت الفضا
المراصدة يدعون الجمعيات المُقاطِعة إلى التّنسيق: جميعا ..نحو التغيير
في اجتماعه المفتوح ،تدارسَ المرصد المغربي للثقافة الخطوات التنظيمية المقبلة لمواجهة استهتار المسؤولين على ما آل إليه وضعنا الثقافي بعد مهزلة أخرى للوزارة الوصية في معرض الكتاب لهذه السنة بإقصائها للكتاب والمثقفين المغاربة من أنشطة المعرض؛ الأمر الذي يعكس عجز الوزارة عن بلورة أي تصوّر وطني للثقافة يراعي خصوصيتها وتنوّعها في مغرب اليوم، وانخراطها- فقط- في تأجير الأقلام القذرة للقذف والتشهير بكل من يستنكر "جرائم" وزارة الثقافة المغربية .
واعتبر المرصد أن اللقاءات التي نظمها على امتداد السنة ولقائه بالمثقفين في عدد من المدن،وقد تجاوب معها جيل الشباب الجديد ،كانت من أجل بلورة موقف جماعي، وفتح حوار وطني هادئ يشخص مظاهر الأزمة ويفكر جماعيا في آفاق المستقبل؛
وقد ثمن المراصدة المجتمعون انخراط عدد كبير من المثقفين في كل المجالات الأدبية والفنية والفكرية في مبادرات المرصد الداعية إلى جعل الثقافة والإبداع أسئلة متجددة لفهم قضايا ملحة للمغرب الثقافي، تخص إجمالا سؤال الهوية والوضع اللغوي ودعم الكتاب... كما ثمّن المراصدة الموقف المشترك لكل من اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر بالمغرب والائتلاف المغربي للثقافة والفنون – بعدَ الرسالة التي وجَّهَهَا المرصد إليهم- بمقاطعة الأنشطة الرسمية لوزارة الثقافة بالمعرض الدولي للكتاب خطوة شُجاعة ستزيد المشهد الثقافي المغربي قوة وتماسكا وتنسيقا، في أفق واقع ثقافي جديد ، مستقل لا مستقيل ، فاعل مؤثر لا تابع متأثر ، مساهم في بناء معرفة التقدم والحداثة والقيم، لا معرفة الانتهاز والخنوع؛
وفي هذا السياق ، يدعو المرصد المغربي للثقافة الفاعلين والغيورين على هويتنا الثقافية، وكافة الجمعيات إلى التنسيق الفعلي لاتخاذ مبادرات جريئة تُحرر مشهدنا من سياسة ثقافية انتهت صلاحيتها وأصبحت تُشكل عثرة وتراجعا أمام ما حققه المثقف المغربي من مكاسب فاعلة في ترسيخ قيم الحداثة والديمقراطية؛وتعزيز دوره الاعتباري المسؤول والخلاّق.
صدور الرواية الرابعة للدكتور عبدالله المدني: من المكلا إلى الخـُــــبَـر
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ومن خلال كتاب من القطع المتوسط عدد صفحاته 156 صفحة، صدرت مؤخرا رواية جديدة للباحث البحريني الدكتور عبدالله المدني، هي الرابعة له من بعد روايات "في شقتنا خادمة حامل"، "بولقلق"، "محمد صالح وبناته الثلاث: شهربان وخير النساء وفاطمة جل".
والرواية الجديدة التي تحمل إسم "من المكلا إلى الخبر"، ويحمل غلافها الأمامي صورة فوتوغرافية مدمجة للمدينتين الحضرمية والسعودية، تحاول - مثلما حاول المؤلف في كل رواياته السابقة – أن تؤرخ إجتماعيا وسياسيا لحقبة زمنية صعبة ومتشابكة الأحداث، وذلك من خلال ثلاث شخصيات رئيسية هي: بطل الرواية الشاب الحضرمي "سالمين باسامر" الذي يهاجر من مدينته المكلا في أواخر الخمسينات إلى البلاد السعودية، بحثا عن الثراء، فيبدأ بدايات متواضعة، قبل أن يقوده كفاحه ومثابرته وذكاءه إلى التحول إلى إسم مرموق في عالم المال والأعمال. والصبي السعودي المراهق "سعد الدوسري" الذي يرتبط بسالمين بعلاقة تتعدى روابط الجيرة إلى الإرتباط الفكري والإيديولوجي. والفتاة الفلسطينية "سها" التي تعيش أسرتها في الحي نفسه الذي يحتضن سالمين وسعد، مما يجعلها موضوعا للتنافس الغرامي بينهما إلى أن يظفر بها سالمين أخيرا، بفعل ثرائه.
الرواية بها الكثير من الشروحات والمعلومات والحوارات والأسماء والصور التي تساعد القاريء على تشكيل مشاهد مكتملة عن حقبتي الخمسينات والستينات في تاريخ مدينتي المكلا والخبر، فضلا عما جرى من تطورات إجتماعية وإقتصادية وسياسية للمدينتين في الحقب التالية، وإن كان التركيز على الخبر أكبر بحكم كونها المكان الذي يجري فيه معظم أحداث الرواية.
من أجواء الرواية، وبحسب النص المدون على الغلاف الخلفي نقرأ ما يلي:
"خلال أقل من عامين استطاع "سالمين باسامر" أن يعزز مركزه التجاري ، ويكسب ثقة الكثيرين ، ويبنى لنفسه سمعة حسنة ، وذلك على حساب جاره ومواطنه ومنافسه في التجارة "سعيد بادريس" الذي كان يمثل لمعظم سكان "الفريج" كتلة من الأسرار ، خصوصا وأن جسمه الممتلـيء ، وبشرته الداكنة ، ووجه المحفور بآثار مرض الجدري ، وعينيه الجاحظتين المُحـْمـَرّتين على الدوام ، وقلة حديثه ، وندرة خروجه من دكانه ، كانت تثير الشك والخوف عند كل من يتعامل معه. ولعل ما زاد من حيرة ذلك المجتمع الصغير حيال هذا الرجل الغامض هو أنه كان يغيب لفترات طويلة داخل المساحة المخصصة لنومه ضمن نطاق دكانه ، تاركا باب الدكان موارباً.
قال البعض أن سعيداً ربما يتصيد صبية "الفريج" الصغار ويغريهم بالحلويات أوالمياه الغازية أوالألعاب المجانية ليدخلهم الى مخدعه من أجل ممارسة اللواط، البعض الآخر استنكر مثل هذا الاتهام بحق رجل مسالم لم ير أحد قط منه شيئاً مسيئا ، مضيفين أن الأيام سوف تكشف سره ، انْ كان هناك ثمة سر،
لم يمض وقت طويل الا واللثام يـُماط عن السر، حدث ذلك حينما داهمت الشرطة الدينية في ظهيرة أحد الأيام دكان سعيد ، واعتقلته ، وأخرجته أمام الملأ المتجمهر وهو مكبل اليدين ، فيما تم اغلاق محله بالشمع الأحمر. تبين حينذاك فقط أن الرجل بريء تماما من تهمة ممارسة اللواط. تبين للجميع أن سبب غيابه المتكرر والطويل داخل مخدعه البائس ، المؤثث بسرير حديدي قديم ، وطاولة خشبية مهترئة ، وموقد بدائي لطبخ الشاي وتسخين الفول ، كان فقط من أجل تناول جرعات من الخمور المحلية التي كان يعدها بنفسه ، بل ويروجها بيعاً في أوساط من يثق فيهم من أبناء الجاليات الوافدة".
إنتابت سالمين مشاعر متباينة إزاء هذا الحدث. فمن جهة كان حزينا لما سوف يؤول إليه مصير سعيد، وهو السجن ثم الجلد فالتسفير إلى خارج البلاد، لكنه من جهة أخرى أخرى بدا فرحا بزوال منافس خطير من طريقه. منذ تلك اللحظة بدأ سالمين يتحرك ويخطط لوضع يده على دكان سعيد كي ينقل إليه تجارته.
حينما صدر الحكم بجلد سعيد 80 جلدة لشربه وبيعه "المنكر" تجمهر عدد كبير من سكان وصبية "الفريج" وغيرهم من الفضوليين أمام الجامع الكبير في "الخبر" لمشاهدة العملية من ألفها إلى يائها. كانت أحكام الجلد وقطع الأطراف الصادرة بحق مروجي وصانعي وشاربي الخمور، والسراق، واللصوص، وممارسي الزنا واللواط تنفذ في تلك الأيام على مرأى من الناس بعد صلاة يوم الجمعة لتكون عبرة وعظة".
خمس رقصات في اليوم
صدرت مؤخراً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع مجموعة قصصية بعنوان: "خمس رقصات في اليوم" للقاصة والروائية والشاعرة المغربية فاطمة الزهراء الرغيوي، وهي المجموعة الثانية لها بعد مجموعة "جلباب للجميع " ورواية "السيدة".
تقع المجموعة القصصية، التي صممّ غلافها الفنان نضال جمهور، وزينت غلافها لوحة الفنان المغربي المبدع محسن العتيقي، في 89 صفحة من الحجم المتوسط، وتضم 14 نصا (وقت قاتل، ثلاث نساء، حقيقة، خمس رقصات في اليوم، رجل لامرأة أخرى، لم يعد ساعي البريد يضحك، العيد، صلاة، سفر، حب أيسر، سمعت، الطعام، جوع، البهلوان يحلم وحيداً). وكما في مجموعتها الأولى تتميز القاصة في هذه المجموعة بأسلوبها المباشر، القائم على اللحظات الراهنة بحيث تقدم في أعمالها مواقف واضحة خالية من الغموض والتعقيدات اللغوية.
تعدّ فاطمة الزهراء الرغيوي (المولودة عام 1974) من المبدعات الشابات، اللائي بدأن ينقشن اسمهن في عالم القصة القصيرة في المغرب، بصبر وتؤدة، وثقة نفس... وهي لا تألو جهدا في تحديث رؤيتها القصصية، وتطوير سردها ومضامينها...
يُذكر أن لفاطمة الزهراء الرغيوي أيضاً كتاب مشترك مع الكاتبة الفلسطينية أحلام بشارات بعنوان "إذا كانت تراودني فهي مجرد أفكار" يضم رسائل متبادلة بين الكاتبتين في عدد من الأفكار والقضايا والموضوعات الإنسانية.
معلم المحبة/ محفوض جروج
يحتفل العالم بعيد القديس الإيطالي فالنتاين في الرابع عشر من شباط ، هذا القديس الذي تحول إلى أسطورة يتداولها الناس ، ويحتفلون بها في احتفالات صاخبة إحياء لذكرى هذا القديس الذي دفع حياته ثمنا ً للدفاع عن الحب النبيل الطاهر ، والإعلاء من شأنه كقيمة إنسانية أروع وأسمى .
هذه الذكرى غير موجهة لفئة معينة من الناس ، ولا لانتماء معين ، أو عرق أو جنس أو أمة بعينها ، بل هي موجهة لجميع بني البشر ، لأن الحب هو الحاجة الأساسية للإنسان في أن يكون محبا ً ومحبوبا ً، فمن الحب تنبع سائر العواطف الإنسانية التي تجِّمل الحياة وتجعلها بهية مشرقة وجديرة بأن تعاش ، لذلك فإن بولس الرسول بعد أن تحدث عن بعض القيم الأساسية قال: (( على جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال )) .
لأن المحبة هي الحاجة الملحة التي يكون لها التأثير الكبير على بقية الحاجات النفسية .
فكيف تكون الحياة يا ترى إن لم نجد فيها قلبا ًمحبا ًيحنو علينا ، وصدرا رحبا ً حنونا ً نتجه إليه بمشاعرنا ؟ ! .
لا شك بأنها سوف تصبح صحراء قاحلة موحشة لا تطاق ، فالحب هو البلسم الشافي لداء كل البشر ، ولكن مع الأسف : البشر هم من تعدوا عليه ، لأنهم لا يعيشون إلا على العداوة والكراهية ، وليس على المحبة والسلام ، على حب القوة وليس على قوة الحب .
ليتنا نعيِّد بمحبة تنمو وتزداد يوما ً بعد يوم نستمدها من أعظم معلمي المحبة ، الفادي الذي أحبنا إلى المنتهى ، وأسلم نفسه لأجلنا .
محردة –













