حوار: أنا والسرطان/ ميمي أحمد قدري


أنا: ما بالك أيها السرطان اللعين!!؟؟
تقتحم أجساد الأحبة وتعشش فيها ولا تغادرها إلا بعدما تسلب أرواحها!! مااااااا بالك تُفقدنا حلاوة الدنيا وتقصينا عنها!!
السرطان: أنا داء من الله خلقنى ربي ... وخلق دوائي.
أنا: دواؤك ... تقول دواؤك!!!... أين هو؟؟... تدخل فتعذب وتنهك من تستولى على جسده... تدخل فتستعبد خلايا الدم .... تستوطن أعضاء الجسد...تؤلم من يستقبلك... تموت بسببك الزهور والزنابق الصغيرة..... حتى ريحانتى الجميلة تموت بسببك.
السرطان: أنا ضيف ....في دمائكم وأجسادكم ... كما أنتم ضيوف في الدنيا.
أنا: أنت ضيف ثقيل قاتل ...فتااااك ... يفترس أغلى ما نملك... لا نريدك ... ابتعد لا تقترب.
السرطان: ها ها ها!!
أنا: أعجب منك كل العجب .... تضحك!!؟؟
السرطان: نعم أضحك أنت لا تفهمين ..... ولا تستوعبين.
أنا: أنت مثل الأفعى ترقص على صدى صراخنا ودوي آلامنا وتقترب بدون أن نشعر ... وفي لحظة تلتف حول أجسادنا وتضغط بكل قوتها لتخنق بداخلنا الروح.
السرطان: أنا مخلوق أمرنى ربي أن أتقرب من بعضكم وليس كلكم ..أقول لك أنت لا تفهمين ....هاهاها!!!
أنا: يا ويلي ... كيف تقول هذا ؟؟.... الله هو العدل لا يرضى بعذاب عباده ونحن عباد الرحمن.
السرطان: الله يحبكم ... يريدكم طائعين.... مستغفرين ....ذاكرين.
أنا: أعلم ....أعلم ...أعلم.
السرطان: انصتي لي ياسيدتى الجميلة... أشرح لك.
أنا: تكلم فكلي أذان صاغية.
السرطان: أنا مخلوق مثلكم... الله يأمرني أن أنعم على بعضكم بوجودي... بدمه ... وجسده وأعضائه..أنت تعلمين يا سيدتى .أن الدنيا بوابة مرور.....والأخرة هي المستقر وهي الدار الدائمة..... كلكم تموتون...... منكم من يموت بدون أن يشعر أو يستعد لأن الساعة بيد الله سبحانه وتعالى.... ومنكم من يلاقي ربه خالي الوفاض ... لا زاد ولا زواااااد....
من يختاره الله لكي أجالسه وأكون ونيسه في الدنيا يعلم أن ساعته قد حانت ولا مفر منها.... فيستعد ويملأ حقائبه بالتقوى والعمل الصالح .... يا سيدتى ..... هل أنا نعمة أم نقمة؟؟
من قال لك اني لا أتعذب لعذاب من يستقبلنى ..... أتعذب ولكن عذاباً مؤقتاً لأنى أعلم أن من يموت بي ومن يموت بسببي فهو شهيد .... شريطة أن يرضى بقضاء الله ولا يتذمر أو يتبرم.....وهنااااك في الدار الآخرة سوف ينعم بالراحة ... سوف يتمتع بكل ما حلم به وما لم يحلم به...أعترفي الأن اننى نعمة لا نقمة...اعترفي أنني بلاءعظيم ومن يبتلى بي له غفران أعظم.
أنا: صدقت ... صدقت ... حقاً لم أفهم ولم أستوعب...
فأنت بلاء من الله والصبر عليك اشتهاء للجنة والشهادة.

شوقي مسلماني ... قصيدة أفق نرسم نحن نجومَه/ وديع سعادة

يجب أن نقرأ قصيدة شوقي مسلماني أكثر مِنْ مرّة، وفي كلّ مرّة نقرأها نكتبها نحن من جديد، ذلك أن قصيدة شوقي قصائد لا قصيدة واحدة، القصيدة الواحدة منفتحة على تأويلات عدّة، وكلّ تأويل قصيدة في داخل القصيدة. إنّه يطلق أفقاً ويدعنا نحن نرسم نجومه وكائناته، أو يضع كائناً في أفق ويدعنا نحن نحدّد وجهته. الشاعر يكتب القصيدة والقارئ يكتبها أيضاً. إنّها القصيدة المنفتحة على آفاق عديدة، وكلّ قارئ يختار أفقه. هكذا تتّسع القصيدة أكثر، فلا تعود كائناً واحداً ذا ملمح واحد، ولا إملاءً من الشاعر على قارئه. هكذا تصير القصيدة عالماً تجوز فيه حريّة إختيار كائناته ومسالكها، تصير القصيدة رديفاً للحريّة، وتبطل أن تكون ديكتاتوريّة الصوت الواحد الذي هو صوت الشاعر.
إذن يمكن القول إن قصيدة شوقي مسلماني هي قصيدة الحريّة، الحريّة بمعنيين: الشكل الكتابي والمعنى المضموني. بالمعنى الأوّل أشرنا إلى آفاق الحريّة في قصيدته، وبالمعنى الثاني المضموني فإنّ قصيدة شوقي تحمل الكثير من قلق البحث عن الحريّة والتمرّد على العبوديّة ومِن طلب العدالة والتمرّد على الظلم ومِن رثاء غياب الحقّ وإدانة الباطل، وإن لمسنا عدميّة في هذه القصيدة فالعدميّة هنا ليست سوى توق إلى الوجود.
ويصحّ القول أيضاً إنّ قصيدة شوقي سياسيّة، نعم سياسيّة، ولكن في المستوى العالي للكلمة. فكلّ شعر هو سياسي بمعنى ما، تماماً مثلما أن حياتنا كلّها بمعنى ما تسير جنباً إلى جنب مع السياسة، فالسياسة بمفهومها العميق لا تعني تلك التي يمارسها السياسيّون، السياسة بمعناها العميق هي رؤيتنا للأشياء والحياة ومفهومنا لها وتعاملنا معها، السياسة هي مفاهيمنا النظريّة وممارساتنا الحياتيّة. وشوقي يجسّد في قصائده هذا المفهوم العميق للسياسة، فلا ينخفض إلى السياسة العاديّة، وإنّما السياسة ترتفع على يديه.
شعر شوقي مسلماني يحمل همّاً كبيراً، هو لا يكتب كي يدبّج قصيدة، بل يكتب مدفوعاً بالهمّ الكبير الذي هو همّ الإنسانيّة ومصيرها، الإنسانيّة حاضراً ومستقبلاً. ولأنّ هذه الإنسانيّة تتّشح بالسواد نرى عتمة في شعره. إنّه الصدق وليس تدبيج الشعر ما يكتبه شوقي، فلا يكفي في الشعر أن تكون مدبِّجاً بل أن تكون صادقاً، ولا الصدق كذلك يكفي وحده في الشعر بل أن تتمرّد على المجحف في هذا الصدق الذي تراه، فالشعر همّ إنساني ووجودي وليس مجرّد كلمات منمّقة أو موسيقيّة ترنّ في فراغ، وشعر شوقي هو أبعد ما يكون عن التنميق وعن الرنين.
شعر شوقي لن يُرضي بالتأكيد الذائقة العامّة، وأظنّ أن قيمته تكمن في عدم إرضائها. الذائقة العامّة جماد، موت، والخروج عليها محاولة لبعث الحياة، وإنّ شعر شوقي هو هذه المحاولة لبعث الحياة من جديد والخروج على القبيلة النائمة في ظلمتها، وإذا كنّا سنرى ضوءاً في الظلام فلن يأتينا إلاّ من قنديل الخارجين على القبيلة والمتمرّدين على الذائقة العامّة وشوقي واحد منهم.
في ما يأتي مختارات مِنْ مجموعته الجديدة:

1 ـ ظنون
تقف على ثغرة
فترميكَ ثغرة
تقول حسناً
فلا يردّ صدى

أهروبٌ، وعلامةٌ في المكوث؟
أمكوثٌ، وعلامةٌ في الهروب؟

تقف ولا تقف
ترمي ولا ترمي
تقول ولا تقول
إلاّ ظنّاً.

2 ـ النسِر
له كلُّ الفضاء
وعيناهُ على نقطة.

3 ـ أمثولة
مِنَ النمل تعلّمْ
قالَ
وضحكَ حتى نبتَ وكْرٌ
في رأسِه.

4 ـ طريق
تمتدّ في الظلام
عالقة بضوءٍ مُتعَب
وفي العمقِ يرفعُ التجويفُ عتمتَه الأخيرة

أزرعُ في الدروب خطايا
حرائقَ
وأتلفُ شجراً

ما يقعُ مِنْ يدي
ما يُضيء في عيني:
هو الطريق

أمشي على أهداب قمر شاحب
وفي العمق من الصورة يسقطُ غريبٌ
فحمة.

5 ـ ظلالنا
خلف كلّ شمس
مواكب أرواح.

فيفا نيفا/ د. عدنان الظاهر


صورتها ، كما رأيتها أخيراً في القاهرة ، هيَ هيَ : فيفا نيفا . أراها صباحَ مساءَ أمامي في مرآة شاشة الكومبيوتر حيناً وفي شاشة التلفزيون أحيانا . كتبتْ تحتجُ . قالت لستُ مَن ترى أنا . أنتَ واهمٌ . أنت اليومَ في نوفمبر وكنتَ رأيتني في شهر أكتوبر . علامَ غضبها ، وما فرقُ أكتوبر عن نوفمبر ؟ الفرقُ كبيرٌ ، أجابت نيفا. أنت لا تدركُ الفرقَ لأنكَ فارقتَ عهود الفتوة والصبى . طأطأتُ رأسي المُثقل وهمستُ : نعم يا نيفا ، كبرتُ ولكنَّ الزمان لا يكبر . ليس للزمان عمرٌ لذا لا أرى فرقاً بين ( أكتو ) و ( نوفو ) .إبتسمت ربّة النيل والنصر وساحة طلعت حرب وميدان التحرير وشارع شريف . ما الذي جعلكِ تبتسمين يا أيتها السيدة الرزان الصموت ؟ وسّعت إبتسامتها ثم قالت : أراك سعيتَ إلى مداعبتي باختصارك نوفمبر إذ جعلته ( نوفو ) ! وأين عنصر المداعبة يا صموت ؟ مسّت كتفي بلطف حقيقي وقالت : هل نسيتَ أنك تسميني نيفا حيناً وفيفا أحيانا ؟ أطرقتُ وفكّرتُ : نيفا ... فيفا ... نوفو ... نيفا ! إهتديتُ . وجدتها . نوفو أخت نيفا وهذه أخت فيفا . والحاصل ؟ الحاصل [ جَمَلٌ ] لا أكثر .عدتُ بجدٍّ لصورتها في مرآة التلفاز . إنها ليست صورتها . طيّب يا آنسة ، أين أنتِ إذاً وأين صورتك الحقيقية ؟ قالت أنا هناك ، أشارت بأصبعها نحو الجهاز . إلتفتُّ فالفيتُ الجهاز مُطفأ والشاشة سوداء كسواد بَشرة وجه عنترة بني عَبْس الأخشيدي . لكني لا أرى شيئاً يا سيدة . قالت من الطبيعي ألاّ ترى . صورتي ممنوعة عليك . محجوبة محرّمة رغم أني كما تراني لستُ مُحجّبة . كيف السبيلُ إليك إذاَ يا نوفو ؟ حطّمْ حهازك تجدني ، قالت . إحترتُ في الأمر . أين وكيف أجدها إذا ما حطّمتُ التلفاز ؟ إذا كانت أصلاً جزءاً منه فلسوف تتحطمُ لا شكَّ معه . وإنْ لم تكنْ جزءاً فيه منه فما جدوى تحطيمه ؟ حيرة ، حيرة كبيرة . لاحظتْ حَيرتي فقالت : ألمْ أقلْ لك إني الحاضرة الغائبة وإني الهُنا وإني الهُناك وإني الليلُ في نهارك ونهارك في الليل ؟ ما هذه الفلسفة يا نوفو ؟ لا من فلسفة فيما أقولُ . إنما قصدتُ أني وصورتي الحقيقية قابعتان خلف شاشة جهازك . وظلُّ صورتي يتراءى لك على وجه عنترةَ الأخشيدي . اللوح الفوتوغرافي السالب لوجهي هو ما ترى على الشاشة . هذا إستحقاقك وليس لك في حياتك غيره ولا تطمع بزيادة واتعظ بقول المتنبي :
وإذا كانت النفوسُ كباراً
تَعِبتْ في مُرادها الأجسامُ
طريقك مقفلٌ مُغلق مفاتيحه في جيب رداء والدتي . تساءلتُ في سرّي : تُرى ، أين أجدُ والدتها ومَن عساها تكونُ . هل أجدها كوالدتي الراحلة مُتشّحة بالسواد ؟ مثقفة ؟ جميلة وعصيّة كإبنتها ؟ كانت نيفا النوفونية تقرأ أفكاري فقرةً فقرة مكتوبة أمامها على شاشة كومبيوتر ركّبه طبيبُها الخاص لها في مركز دماغها لا يراه أو يحسُّ به غيرها . كانت قادرة على قراءة أفكار وخطط عصافيرها وقططها بل وحتى دُببها التي احتفظت بها منذُ صغرها عاماً بعد عام هدايا ميلادها ومُشتراة . إنها تهوى دُببة الأطفال حتى قلت لها يوماً مُداعباً ليتني كنتُ أحد هذه الدببة التي تشغلُ أمكنة كثيرة في حجرة نومك . أجابت بل سأضعكَ مع مجموعة عصافيري في القفص . الدُببة دُمى لكنَّ العصافيرَ أحياء يُرزقون ورزقك اليومي معهنَّ من أفضل أنواع الحبوب كالفستق والبندق والجوز واللوز . ألا من لحوم ؟ قالت إذا لم تطق الحياة بدون لحوم فسأضعك مع مجموعة القطط . تساءلتُ هل الحرية مع القطط واللحوم أفضل أو الحياة في قفص مع جيد الحبوب ونادر العصافير الآسيوية ؟ إحتجت العصافيرُ في القفص وزقزقت وهاجت ورفرفت قالت ( نوفو ) إنها تريدك أنْ تبقى معها لأنها لم ترَ آدمياً من قبلُ في قفص . ستهتم بك وستداريك مثل والدتك وتطعمك حصتها مما أضع لها من فستق حَلَبي وجوز هندي ولوز باكستاني وبعض الحلوى . وماذا عن الماء يا صاحبة العرش الروماني ؟ انا لا أشربُ إلاّ الماء المعدني المُعبّأ في أوعية بلاستيك لأنَّ ماء النيل يُسبب لشاربه إسهالاً كما أفادني بعض الناس . كما تُحبُّ ، قالت . سآتيك بالماء معدنياً مستورداً من ينابيع وعيون جبال الألب الألمانية ـ النمساوية ـ الإيطالية . إذاً سأبقى معك في بيتكِ مسجوناً وحيداً في قفص خاص يتدلى من سقف حجرة نومك يطرد وجودي عنك سأمَ ووطأة برد الشتاء ولياليه الطويلة وإنها كما تعلمين ثقيلة على فتاة فاتنة مثلك تحمل في قسمات وجهها الكثير من سمات جميلات روما وعلى رأسهنّ [ فَنِسْ أو فينوس أو فينوسة ] . مُحال ، قالت ، ذلك أمر مُحال . ترفضه أمّي . إنها تخافُ منك عليَّ وانا وحيدتها منذ رأت النورَ عيني . مُحالٌ مُحالٌ مُحال ... يا سماء ! متى اتخلص من محالات الدنيا وما تجرّهُ عليَّ من مشاكل وتبعات تُبهض كاهلي ، متى ؟ ظللتُ أفكّرُ طويلاً فيما عرضت [ نمف ] نيل مصر عليَّ : لحوم مع القطط أمْ كَرَزات فاخرة ومياه معدنية في قفص ، تلك هي المُعضلة . هي تعرفُ أني لستُ نباتياً ولستُ بالطبع هندياً . غيّرتُ مسارَ الحديث فسألتها هل والدتك مُحجّبةٌ وتلبس مثل والدتي السواد وهل تمدُّ يدَها لتصافحَ الرجال ؟ قالت إنها تلبس الألوان وتصافح الرجال لكنها نصف مُحجّبة ، تُغطّي رأسها لتُخفي شعر الرأس كاملاً . ما دامت تصافح الرجال فليس لي من مشكلة معها ، طمأنتُ نفسي مُخادعاً . من خلال يدها أستطيعُ التفاهم معها ومع وحيدتها مليكة عروش إهرامات الجيزة وأنْ أمدَّ جسور الحديد لعلها تلين فتخفف من شدة غيرتها ورقابتها على مليكة الجميع . بقيتُ لأسبوعين أُمنّي النفس ولكنْ لا من أملٍ يلوحُ في الفق . لا من نصرٍ في مدينة نصر القاهرة . بقيت الرقابةُ على ( نوفو ) كما كانت من قبلُ على ( فيفا ) بل وأكثر شدّةً وصرامة . فيفا نوفا فيفا نوفو فيفا خوفو ! لم أسمع إلاّ الصدى يدقُّ أذُنيَّ ولا سيّما اليسرى لأنها الأضعف بين الأختين . حضرني السؤالُ اللعين إيّاه : هل أعيشُ حُرّاً مع قطط أو أعيشُ مقفوصاً مُعلّقاً مثل المشنوق الذي تعرفون مع عصافير أجنبية مستوردة ؟ تلك هي المسألة ! حرية مع حيوان يدبُّ على أربع أم سجن مع
طائر له جناحان يطيرُ بهما إنْ سنحت الفُرصة ؟ قبول الأمر الواقع أو مواصلة الحياة مع أمل في الحرية والتحرر ؟ أدبُّ كالقطط على أرض غريبة أو أُحلّقُ طليقاً في سماوات الكون الواسع ؟ غازلتني قططها ـ وليتها ما غازلتني ـ تُحببُ لي البقاء معها فما قيمةُ الحريّة الواسعة إذا كانت الحياةُ ضيّقة والعمر محدود ؟ إبقَ يا رجلُ معنا وكلْ ما نأكلُ من لحوم مُعلّبة لا أحدَ يعرف لأيّ حيوان تنتمي وأخرى طريّة لعلها لحوم بغال أو حمير أو خنازير وتمتعْ في ليالي الشتاء الباردة بدفء أحضان نوفو بل وبعضنا يشاركها سرير نومها وأغطيتها فالدنيا حظوظ . رايته عرضاً مُغرياً حقّاً ولكنْ ماذا عن الرقيب العسكري ذي العينين الواسعتين تريان حتى المخبوء في الظلام ؟ صرخت القطط جميعها إبقَ معنا ولا ترحلْ . إبقَ معنا واصبرْ فالصبرُ يحملُ في جيوبه مفاتيح الفَرَج . لا تدومُ الدنيا لأحد . كلُّ مَنْ عليها فانٍ . إبقَ إبقَ وإلاّ ستندم . الأمل ! الأملُ في أنْ أحظى في الشتاء ، وهو على أبواب دورة الزمن ، بحرارة صدر وفراش وأغطية الملكة الفرعونية الرومية التي خانها مارك أنطونيو فانتحرت وما زالت على قيد الحياة . إنها مجرّد حرارة مُتاحة لكنَّ مصدرها مُحرّمٌ عليَّ . يفيدُ البشرُ وغير البشر من حرارة وضوء الشمس ولكنْ مَنْ ذا الذي يمدُّ لها يداً للإمساك بها ؟ ثم إني مجرد قط في أفضل أحوالي وما يفعلُ قطٌّ مُدجّنٌ لإمرأة ؟ صاحت القطط النيلية وماءت : لا تطلْ التفكير ولا تعكّر مزاجك . < بُكرة الدنيا تروق / من أغنية مصرية لشادية > . اترك الأمر لها ، نوفو ، هي التي تتصرف مع قططها دونما مراقبة عيني الرقيب الثاقبتين كالنجم الثاقب . هي التي تملك في عَتمات ليالي فراشها مفاتيح الدنيا قاطبة وتعرف سبل بلوغ الغايات الخاصة بمتطلبات الجسد الأنثوي الناضج بهدوء تحت حرارة نيران دورات الزمان والمواسم والفصول والشهور القمرية والشمسية . دعها تفيد منك قطّاً بشرياً في أقطان وحرير وصوف فراشها والملاحف والأغطية . قطّاً في النهار ورجلاً في ظلمة الليالي بعيداً عن أشعاعات الليزر الخارقة في عيني والدتها .
أفقتُ في السادسة صباحاً من نومي فالفيتُ نفسي ثانيةً في ألمانيا لا نيلُ ولا قطط ولا عصافير . كانت جميعاً أحلام عصافير حالمة سجينة في قفص . وكانت رؤى قطط تموء في رأسي المُتعب .

مؤتمر دولي حول الرحلة بالدوحة


تشهد العاصمة القطرية الدوحة أيام 6 و7 و8 و9 دجنبر 2010 مؤتمر "العرب بين البحر والصحراء"، يشارك فيه قرابة 85 باحثا من العرب والأجانب المهتمين بأدب الرحلة، ويجمع "لأول مرة" مترجمي الرحالة العربي الأشهر ابن بطوطة، ويلقي أضواء على إنجاز الرحالة العرب خلال ألف عام.
ويقام المؤتمر بالتعاون بين "الحي الثقافي" بالدوحة و"المركز العربي للأدب الجغرافي: ارتياد الآفاق".
وسيرصد الأدوار الثقافية والحضارية للعرب والمسلمين في علاقتهم بجوارهم الشرقي وبالآخر الغربي، من خلال نصوص أدب الرحلة ورؤى الرحالة وكتابات الجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين، في جلسات تستمر أربعة أيام.

ويشارك فيه باحثون عرب وأجانب من الهند وإيران وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وألمانيا وجنوب أفريقيا وكينيا والصين. ويشارك فيه وفد مغربي هام على متكون من عبد الهادي التازي ،شعيب حليفي، عبد الرحيم بنحادة، عبد المنعم بونو، بوشعيب الساوري، عبد النبي ذاكر، محمد رزوق، محمد بوكبوط، محمد الظريف، سليمان القرشي، خالد بن الصغير.

ويسلط الضوء على مضيق هرمز والشواطئ العربية والآسيوية والأفريقية والرحلات عبرها والغزوات البرتغالية والهولندية والبريطانية للمنطقة وانعكاس الوجود العثماني في نصوص السفر ودور العرب في تاريخ العلوم البحرية والفلكية وريادتهم في التأسيس لعلم الجغرافيا ولأدب الرحلة ودور رحلات الحج في نقل العلوم والمعارف والأفكار الجديدة.
كما يتناول المؤتمر أيضا العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين العرب وكل من الصين والهند وفارس وتركيا وأفريقيا وأوروبا.

كما يشهد المؤتمر "للمرة الأولى لقاء يضم عددا من مترجمي رحلة ابن بطوطة إلى لغات أوروبية وآسيوية مختلفة سيقدمون شهادات حول تجاربهم في نقل الرحلة إلى لغاتهم"، إذ ترجمت رحلات ابن بطوطة إلى نحو 50 لغة.

عرس عقد الياسمين: ديوان ميمي احمد قدري(عزة فتحى سلو)/ سمر الجبوري


في جمال الحرف أمسيت تراتيل المعاني:

زاهي الكلمة ممزوج تصاريف زماني

فخر (عقد الياسمين) دررا  تلهمني روحك ياعطر الزمان

جل من سواك ياروح القلم منك شجاني........

حين ابكاني القصيد

ولمست الحُرّ مكنون بطيات المعاني

أعزائي وأصدقاء روحي.............وصلني البارحه مجموع قصائد الاخت الصديقة المتألقة (ميمي قدري) والتي إختارتها لإنشاء ديوانها(عقد الياسمين) ولا أبالغ لو قلت إنني عشت أجمل فصول الجمال والزهو حين أقرأها سطرا وكلمة ومعنى كان من أروع ثبات وحي الكلمة ولمضي على مبدأ التميز والاخلاق العاليه.....فأحببت أن أعطيكم ماشعرت به بكل ثقة وصدق.
أفخر بك ميمي قدري ومبارك وليدك الالق يتلألأ في سماء نجوم الادب العربي .......ولكل الاصدقاء أقول: ديوان عقد الياسمين ببساطة هو مجموعة زهور لملمتها كاتبتنا الشاعرة لتعطينا اجمل فصول الحب والوطن إحساسا ووجدا.

ثقافتنا تغير شكلها/ نبيل عودة


حادث إعلامي ثقافي صغير، ولكنه يحمل مضامين هامة عن حالة الثقافة في المجتمع العربي داخل إسرائيل.
حقاً لفت الخبر- الحادث الذي وزعه الإعلامي نادر أبو تامر عن حديث ضيفه " أوراق"، برنامجه في راديو إسرائيل بالعربية ، الكاتبة والشاعرة ركاز فاعور من شعب، انتباهي حول ما قالته في برنامجه بوضوح نادر في ثقافتنا، قالت: "الأدباء والشعراء والكتاب كاذبون".
هذه الجملة لم ترق للعديد من المبدعين فاتصلوا يحتجون، والأجمل أنها قرأت في نفس البرنامج الذي ألقت فيه قنبلتها قصيدة ترثي فيها نفسها.
خبر عادي قد يتجاوزه القارئ، أو المستمع ، ولكنه خبر يعبر عن واقعنا المأزوم ثقافياً.
ركاز فاعور، قد تكون عبرت بشكل مباشر وبسيط عما نعيشه من أجواء مرضية تحبط ثقافتنا المحلية.
ركاز لم تلجأ إلى الأسلوب "الدبلوماسي الثقافي" وهذا يشير إلى عمق الظاهرة المرضية، التي تجعل مثقفة شابة تفجر السكون بهذا العنف.
لم أتردد حين قررت أن أجعل من حملتها موضوعاً لمقالتي، وليس من طبيعتي أن أخفي آرائي حول حال الإبداع في مجتمعنا.. رغم ما سببته لي صراحتي من مشاكل وتهجمات شخصية.
حقاً، قد تجد ركاز نقاداً جاهزبن شخصياً، وبنصوص جاهزة على رفوفهم، لنقد ما تكتبه،ومسبقاً أعرف صيغة المقدمة النقدية، وكلمات المديح وربما تجد "خيمة ثقافية" تنظم لها أمسية بمشاركة عدد معروف ومحدد مسبقاً من الأسماء، ومعروف نوع الجمل سلفاً أيضاً.
لم أقرأ كتابات ركاز للأسف، ولا أكتب لأقلل من شان ابداعها، فانا لا يمكن ان أحكم على ابداع لم أقرأه،كما يفعل الشاطرين- المخربين في ثقافتنا. إنما أكتب لأدعم موقفها وألمها الذي عبرت عنه بمصداقية كبيرة وبكلمات مباشرة بسيطة.
أبناء جيلي تجاوزوا أزمة التجاهل، التي كادت أن تشل نشاطنا الإبداعي، واليوم، لا أحمل السلم بالعرض بالصدفة، بل بسبب معرفة عميقة للبضاعة النقدية على وجه الخصوص، وحالة الإبداع بشكل عام، وما يسود ثقافتنا اليوم من أجواء ثقافية مريضة .
أحدهم ينتفخ وراء ألقاب مضحكة تجاوزها الزمن. آخر يتربع بعناد على حمار النقد ، يسقط الحمار أرضاً من ثقل أوراق النقد الجاهزة للكتب التي ستصدر خلال القرن الحادي والعشرين كله، وهذه ظاهرة سبقنا فيها كل الآداب العالمية، وكل حركات النقد من مختلف مدارسها. ثالث صمت وهراً، خوفاً من الحكم العسكري في البداية، ثم خوفاً على وظيفته المدرسية، وعندما تقاعد صار شيخ الوطنية، ولا يقلي بيضة إلا بالشعر الوطني!! مؤسسات تقام، تجني الأموال باسم الثقافة، والثقافة تنعي نفسها، تماماً كما نعت ركاز فاعور نفسها قبل أن ترمي قنبلتها الثقافية: "الأدباء والشعراء والكتاب كاذبون" .
حتى الندوات أضحت حلقات مغلقة، لكل مؤسسة زبائنها. لا يا ركاز، ليسوا كاذبون، الكذب أكبر منهم، أخالفك فقط بأنك لم تضيفي أنهم "أميون" أي لا يقرأون. ولا تصابي بالمفاجأة أنهم "يكتبون". الكتابة لم تعد رد فعل على القراءة!!
وأذكرك أن أحد التافهين تساءل إذا كنت سأنجح بامتحان الإملاء، محاولا الرد غير المباشر على توصيفي للحالة المرضية التي يشكل حضرته صورة كئيبة منها!!
واقع ثقافتنا يذكرني بحكاية ذلك الإنسان الذي وصل جيل التقاعد (منتهى الإبداع) وقرر أن الوقت قد حان لمرحلة التمتع بما أبدع في حياته العملية، فها هم الزرازير الثقافية،التي توهمت انها صارت شواهين الثقافة، تتناوله كتابة وخطابه، حتى كارهيه صاروا يتحذلقون ويربطون أنفسهم بما أبدعه، لعل ذلك يكسبهم الشرف الضائع.
وهو إنسان عاش بالظل وسره أن آلاف المتحذلقين وجدوا به ضالتهم، وصاروا يفسرون ما لا يفهم من طلاسمة لذا قرر أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته، بتمتع بما أنجزه، يعطي صياغة جديدة لحياته، وصياغة جديدة لشكله.
أولا ذهب إلى الحلاق وطالبه بقصة شعر شبابية، ثانياً ذهب إلى الخياط، وأصر على بدلات ذات تفصيلات رياضية تظهره أصغر بعقد أو عقدين من السنين. ثالثاً قفز في طريقه إلى محل العطور باحثاً عن عطر يكثر استعماله الشباب ويترك أثره على الأديبات. رابعاً نظاراته الطبية باتت مزعجة وتثقل على أرنبة أنفه فسارع الى استبدالها بعدسات لاصقة، خامساً رأى أن بطنه بدأت تميل للانتفاخ بسبب الراحة من العمل، والأكل الطيب، فانضم إلى نادي رياضي، وبدأت عضلاته تقوى وبطنه تنخفض ثم تختفي تماماً مما أسعده وطمأنه أن حياته الجديدة باتت قاب قوسين أو أدنى من الانجاز، ولكنه أخيراً انتبه أن أحذيته التي يستعملها تختلف عن موديلات الشباب وذات "البوز" الرفيع، فأسرع إلى محل الأحذية، ليتخلص فوراً من الحذاء الثقيل، محلياً قدميه بنوعية فاخرة من صناعة الأحذية الايطالية، مما يجعل كتبة النقد يضيفون إلى شعره صفة الحداثة ، وما بعد الحداثة!!
ماذا تبقى لتكتمل المعادلة؟!
سأل نفسه مفكراً متأملاً شكلة المنعكس في المرآة.
وفجأة انتبه الى أنه ما زال يحمل نفس قلم الحبر القديم فسارع الى قذفه بسلة المهملات، وطار راكضاً الى أقرب مكتبة يبحث عن قلم حديث ملائم لمرحلة حياته الجديدة، لأن للقلم قيمة ثقافية، تضفي نفسها على حامله حين يظهر في الندوات.
وهكذا أيقن أنه أنجز كل التغيير المرجو في حياته، وأصبح نجماً للمنابر والمجلات، أسوة بجميلات لبنان... مما يضفي سحراً على مظهره الثقافي الجديد من بوز حذائه حتى شعرات رأسه المصبوغة بالأسود تأكيداً على شبابه. ولكن الفرحة انقطعت في ساعة سوء نادرة.
كان خارجاً لتوه من محل تصفيف للشعر، حيث انتبه أن شعر حاجبيه يحتاج إلى قص للشعرات النافرة، حتى بدون إذن من وزارة الزراعة.
وهو يخطو بسعادة وثقة في الشارع، شعر بصدمة قوية وآلام شديدة عنيفة تخترق جسده وتحيله كومة دامية أمام عجلات سيارة، لم تنتبه إليه وهو يقطع الشارع ..
عاد إليه وعيه للحظة فنظر إلى السماء متسائلاً:
- لماذا يا الله... الآن تقتلني وأنا في قمة سعادتي؟!
وجاءه صوت من السماء... لم يسمعه ألا هو:
- آسف يا عزيزي، لم أعرفك بشكلك الجديد!!
أجل يا ركاز أنا أيضاً لا أعرف ثقافتنا بشكلها الجديد!!

nabiloudeh@gmail.com

حوار مع الدكتور حبيب بولس

استطلاع جريدة المساء

رأي الأدباء حول واقع الثقافة العربية في المجتمع العربي داخل اسرائيل

تشهد ثقافتنا العربية داخل اسرائيل أزمة تتفاقم في جميع مجالات الابداع. وربما يكون أبرز ما يميز الأزمة الثقافية، إضمحلال النقد وحالة نسبية من التسبب الأدبي، ومن ظاهرة الحلقات الأدبية المغلقة، التي لم تفرزالا المزيد من الضحالة النقدية. وغياب جسم تنظيمي نشيط للأدباء .
جريدة "المساء"( www.almsaa.net ) تفتح صفحاتها أمام جميع المثقفين، أدباء وقراء للتعبير عن رأيهم بحرية، شرط الحفاظ على مستوى نقاش ثقافي بدون تجاوز الى الطعن الشخصي.
الدكتور حبيب بولس، محاضر أكاديمي وناقد له مساهماته الجادة، كان لنا معه اللقاء الأول .

المساء : كيف تقوم واقع الحياة الثقافية داخل المجتمع العربي في اسرائيل اليوم؟
د. حبيب بولس: سؤال قاسٍ قسوة المرحلة، والإجابة عنه تَتطلّب جرأة وتأنياً في آن معاً.
لا يخفى على أحد أن واقع الثقافة عندنا واقع مأزوم، فكل شيء معطّل تقريباً، والمشهد الثقافي أشبه بالمستنقع الآسنة مياهه. من هنا يأتي السؤال في محلة. لماذا؟ وبقدر ما للسؤال من أهمية بقدر ما للإجابة عنه من أهمية أيضاً.
الإجابة لا تتطلبّ توصيف الحالة فقط، إنما هي بإعتقادي إذا أردنا لها أن تكون موضوعية، يجب أن نفتش عن الأسباب، ِأعني أسباب الأزمة، وبقدر ما نجتهد في ذلك، علينا أن نجتهد في إقتراح الحلول أيضاً. من هنا أقول: في حمأة هذا الزمن الرديء وفي ظل انقلاب المفاهيم والقيم. في هذا الزمن العربي السيء، ونحن نجتاز مفازة لأهمبة مليئة بالحصى وبالبثور، في ظل هذا الزمن المثقل بالهم وبالوجع وبالفقر، زمن الانكسارات والتشرذم والفرقة وانتشار الغيبيات، وفي ظل ما يجري على الساحتين الفكرية والثقافية من فوضى وتسيب، في ظل فقدان البوصلة وانهيار السقف الذي كان يظلّنا في كفاحنا من أجل العيش بكرامة، والسعي الحثيث لبناء مستقبل أفضل يبشر بالعدل وبالمساواة وبالحرية. مستقبل زاهر ترتفع معه ثقافتنا وينهض معه أدبناً. مستقبل ننفض معه الغبار الذي تَطَيَّن على ساحاتنا الادبية والفكرية، لتسطع وتشع وتؤج مستقبل نرج معه أعمدة القهر والعهر، ونهز قدراتنا المشيأة لتضج بالحركة وتنطلق فوارة حارة خلاقة مبدعة في ظل كل ما ذكر وهو واقعنا الراهن، طبيعي أن تكون الثقافة في أزمة ولكن كيف يمكن أن نصل إلى ما نصبو اليه؟ ما من رأي عندي إلا، أولاً بالعودة الى تراثنا العربي الثري لنغربله ولنستمد منه النزعة البناءة الوضاءة كي نوظفها في بناء صرح ثقافتنا وحضارتنا المتقهقرتين ما من حلّ إلا بالعودة أيضاً الى الفكر الماركسي إلا بستمولوجي الثوري الفكر الذي يغلب العقل على النقل لننير به الطريق وليحمينا من الألغام الكثيرة والأشواك المتراكمة التي تعيق تطورنا. ولكنها ليست عودة آلية ميكانيكية ننسخ معها ما كان استنساخاً مرآوياً، بل عودة تري الى التراث العربي والفكر الثوري بعين ثاقبة- تعرف كيف تغربل القمح من الزؤان، وكيف تنتقي الصالح من الشوائب، لنغرسه في أرض ثقافتنا، كي تنمو وتنبت وتشمخ وتصير مدعاة للفخر والاعتزاز.
فبواسطة تراثنا وبواسطة الفكر الماركسي المعرفي الثوري، وبواسطة النبش فيهما للعثور على البؤر الوهاجة، وبواسطة المزاوجة بينهما، المزاوجة القائمة على ثوابت وتجارب راسخة، بواسطة توظيفهما في كتاباتنا ونهجنا وأدبنا وفكرنا ورؤيتنا للحاصل وتحليلنا للظواهر، ننتشل فكرنا وثقافتنا وأدبنا من المستنقع الآسن ونقضي على النزعات الفردانية والفئوية والطائفية، النزعات التي تهدد بإنهيار كل ما استطعنا إنجازه بشق النفس لغاية اليوم.
وكي تعطي هذه المزاوجة أكلها، علينا أن نصرخ في وجه مؤسساتنا الوطنية كي تعي خطورة المرحلة وكي تتجند من أجل إعلاء شأن الثقافة وتفضيلها على أمور ثانوية وعندنا منها الكثير، فهي إذا اقتنعت ووعت الخطورة وتجندت أوصلتنا الى الواحة التي نشتهي على سياسيينا أيضاًعلى شتى مشاربهم أن يولوا هذا الأمر الأهمية الكبرى وأن يلتفتوا الى انحسار المد الثقافي وأن يسعوا بكل ما يملكونه من آليات متاحة الى ضخ الدماء فيها. ولكن كل هذا لن يحصل إلا إذا تجندنا نحن الأدباء والكتاب لإقامة اتحاد ادباء ديموقراطي يعي المرحلة وخطورتها، علينا أن نطلق اللا مبالاة فالعبء الأكبر يقع على كواهلنا. فبإقامة اتحاد كتاب وأدباء متنور يكون هدفه انتشال ثقافتنا من هذا الركود والرقي بأدبنا والدق على جدران المسؤولين من اجتماعيين وهيئات ومؤسسات وسلطات محلية وسياسيين ومدارس وكليات ونوادٍ وإعلاميين، مع اتحاد كهذا يدعو ويصرخ أن كفوا عن اللهاث وراء الماديات والغيبيات والسطحيات وأعطوا الثقافة حقها إذ بدونها سنخسر كل شيء وسنضيع كل ما أنجزناه، لن نصل، لذلك إذا اتحدنا جميعنا، عندها فقط نخرج من الأزمة ونصل الى ما نصبو اليه فهلا اتعظنا وهلا فعلنا!!
وعلى ميعاد...
د. حبيب بولس – drhbolus@yahoo.com

بلاغة الإمتاع في قصائد محمد حلمي الريشة/ أحمد الدمناتي


في قصيدته التي تخرج من غيمة القلب مبتلة برعشة الذاكرة المسافرة إلى أقصى عزلة في المخيلة ما يجعلك تنصت لهدير النهر الشعري العميق الذي يمر بين الكلمات والحروف، وكأنك تنصت لمعزوفة" بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، إنصاتًا محكومًا بطقوس الدخول في عالمه الجمالي والإبداعي.
لقصيدة محمد حلمي الريشة بابان؛ باب الشهوة، وباب الدهشة. في باب الشهوة تتساقط اللغة كدالية العنب بهدوء، متمسكة بخطيئة المعنى في حفر أنفاقه المغايرة لبناء الصورة والمتخيل والرؤية. الشهوة شهية مفتوحة حين تشهد على شعرية قصيدة حلوة وعذبة كتفاحة طرية يقضمها المتلقي بمحبة نادرة. في باب الدهشة قصيدة تفتح المجال لاسترجاعات واستحضارات تستيقظ فجأة من عمق المخيلة لتساهم في تخصيب اللغة الشعرية.
مفتونًا بمملكة شعرية باذخة، متألقة، ممتدة في القلب كما في النص، لها المحبة الصامتة حين تغادر يُتم الرغبة في اتجاه فلوات الغبطة المسكونة بدم المعنى.
استئناف لرحلة ملغومة لها المغامرة في الكتابة، والتزود بوجع العزلة كلما أطلت حرارة القصيدة في فتوحاتها الأنيقة على هدوء مخيلته، أو زوبعة إبداعية تنبت في ركن قصي من منفى سحيق لها الدُّربة، والخبرة، والمراس، والاحتراف، والاختراق، والاحتراق في غابة شعرية أسسها بصبر، وصمت، وتضحية، ومعاناة، ووجع، ليجعل من الكتابة هدية حقيقية للكائن البشري يُنتجه الكائن الشعري هِبة لكينونة الإنسان والكون والحياة.
سيرة الهواء والهباء والبهاء يؤسسها من خلال لغته التي تحس في أرخبيلاتها الملغزة برجفة مشرعة على سعة الذاكرة، وحنين الطفل الذي يعيش في أعماق الشاعر. أصابعه تحترق كلما راود البياض عن فتنته وخلوته. موعد مؤجل لسيرة الكتابة يَهَبُ للروح ما تبقى من ألفة مفتقدة.
في شعره طوفان من الخيالات مزروع في جسد اللغة. يعرف مكامن الحرب مع النص، وعنفوان الدهشة مع وحشة البياض. يكتب بوجع، وانكسار، وافتتان ، كأنه يسترق طفولة الظل من رحم شجرة اللوز، أو يؤثث جنونه بانهيار عميق في أرخبيلات المعنى، وبانبهار أنيق في فلوات الروح. يراهن على الحرية والإبداع والحياة من خلال الكتابة، لأنه بها يعيش في الوجود، يتنفسها، يصاحبها، يؤانسها ببلاغة الإمتاع إذا ضاقت رؤية القلب الآهلة بفصاحة الغبطة والمتعة.
تجربة الكتابة الشعرية عنده تنبع من الذات والمعاناة، وتنطلق من صداقة الكائنات لبلورة ثقافة تعي قيمة كينونة الإنسان. قصيدته باستمرار تحارب بشكل جميل فظاعة العالم. طقوسه في الكتابة متوترة جدًّا، لا هو يركض وراءها ليغازلها أو يعاكسها، أو يراودها عن فتنتها في حديقة عمومية، ولا يحب الانتظار لأنه يزرع الملل في القلب والنص. يلتقيان معًا على حافة الخطر بدون استئذان لتبدأ لعبة الخفاء والتجلي بعنف الهدم والبناء بقوة. حرب فيها الحب يربح رهان انحيازه للغة محمد حلمي الريشة.
تقوم قصيدته على ثلاث أسس أساسية في بناء معمارها الفني: ما هو حسي وعقلي ورمزي، لقدرته ومهارته الطويلة في الغوص في خلجان العمل الشعري المسكون بكنوزه وغرائبه وألغازه.
بجرأة العارف العرّاف في اقتحام متاريس الكلمة العصية على الاستسلام، تجد في شعره سلالات من كائنات واقعية، ومتخيلة، وخرافية، وأسطورية أحيانًا. هكذا هو الصانع العميق الذي يجمع في مهنة واحدة جميع المهن، فمعاشرة القصيدة أعذب المهن حين تهين كبرياء القلب، وتحمل حقيبة سفرها في اتجاه المجهول بدون استئذان، ولا حتى ورقة صغيرة ينام فيها العنوان بهدوء تمنحها لك لتدير ظهرها للريح، والهباء، والخواء، والفراغ. نحن أيتام حقيقيين بدون القصيدة، واليُتم يقاس أيضًا بأمومة اللغة، حنانها باذخ، ومكرها لاذع. احزمْ حقائب عزلتك وسافِر إلى داخلك، فالداخل جنة آهلة بالذكريات المفتقدة. الحنان والمكر سيتعاركان هذا المساء قرب باب المخيلة بتوقيت الحيلة، فاصنع نافذة للقصيدة من كوة الضوء لتتمتع بهواء المتخيل الذي يستلزم الحنكة والدربة في اختيار المواد الأولية لتأسيس مسكن باللغة وعبرها.
عنفوان قصيدته اليقظة باستمرار تهاجر مسكونة بالرغبة والشهوة إلى ضفاف قصية يتعب الجسد كما القلب في اقتفاء آثارها. ضجر يعتري الذات الشاعرة من ملل الانتظار، وزرقاء اليمامة النائمة في جُب الخرافة والأسطورة لن تساعد الشاعر محمد حلمي الريشة في العثور على سره المحجوب.
القصيدة سيرة السر في الكشف عن أسراره. لها اليد الطويلة في تأجيل موعد الالتقاء حسب رغبتها ومزاجها. تمتحن قدرة الشاعر حتى يستنفذ صبره، لتهجم عليه بكامل أناقتها وهو طريح سرير اللغة إمّا مجنونًا، أو مسحورًا، أو مندهشًا، أو مصدومًا. اللغة سرير لأنها تحفظ سِر المخيلة، وتجعل المعنى يرتاح في مكان آمن بعد طول سَفَرٍ.


شاعر وناقد من المغرب.
Demnati__ahmed@yahoo.fr


الشاعر والناقد المغربي أحمد الدمناتي يُمثل المغرب بمهرجان الشعر العالمي برومانيا

تلقى الشاعر والناقد المغربي أحمد الدمناتي دعوة رسمية للمشاركة في المهرجان الشعر العالمي برومانيا الذي سينعقد بين 6و12 يونيو 2010 من مؤسسة الثقافة "الأكاديمية الدولية الشرق والغرب"، في رومانيا، وهي المؤسسة الثقافية ذات الطابع الخاص، التي بادر إلى تأسيسها الشاعر دوميترو أيون (الرئيس)، والشاعرة كارولينا أليكا (المدير الفني).
وتقدم أكاديمية «شرق غرب» أربع جوائز شعرية إلى جانب الجائزة العالمية الكبرى للشعر: جائزة البلقان للشعر، جائزة شرق ـ غرب للفنون، الجائزة الوطنية للأدب، والجائزة الأوروبية للشعر.. كما تُصدر أكاديمية «شرق ـ غرب» بالمناسبة أنطولوجيا شعرية دولية تضم مختارات من قصائد الشعراء المشاركين في المهرجان.

عصافير الحب/ ايمان حجازى


فى عيد الحب الماضى جاءنى صديق بزوج من عصافير الحب راجيا ان تؤنس وحدتى, تشجينى بزقزقتها الجميلة المبدعة ... وربما كان يرجو أن تشجعنى على إنتهاج طريقتها فى الحياة ... على إتباع منهج القلب والمشاعر والأحاسيس بعيدا عن عالم المنطق والعقل ولم أنكر أن عصافير الحب قد وقعا فى قلبى فإرتبطت بهما كثيرا وكنت إذا خرجت سرعان ما أعود لأجلس بالقرب منهما وأسمع حديثهما ... فلهما جمال غير عادى ... هى خضراء بلون المروج النقية ... وكانت هادئة لا تتكلم كثيرا ... تنظر على إستحياء وكأنها تخفى شيئا أو تخشى شيئا ... أما هو فأصفر اللون زاهى مشع ... يوحى للناظر إليه بأنه الحياة كثير الشدو متنوع العزف معتد بذاته فخور بكيانه... فوجوده يمتع النفس , يسر العين وما أجملها من أمسيات قضيتها فى صحبة هذين الملكين ... وما أروعها من صباحات أقوم فيها على صوت صداح يشفى الجراح ... وكنت كثيرة الإمتنان الى من وهبنى هذه الجنة

يوما من الأيام ... أقيظنى صوت فظيع ... كأنها صرخة مكتومة ... أرعبتنى ... فأسرعت إليهما معتقدتا أن سوءا قد حدث لهما ...
ولكن لم أجد شىء ... أو هذا ما بدى لى ...تفحصت الأكل و غيرت الماء وتركتهما ... لكن ما إن دخلت للسرير حتى سمعت الصوت مرة أخرى ... فقلقت جدا و إعتقدت أن بأحدهما مرض ما ... وبسرعة إتصلت بصديقى وأعلمته ... فإذا به يسألنى سؤال أضحكنى كثيرا فى البداية ... سألنى هل مازالا إتنين ؟؟؟ ... ولم يكن صديقى يعنى أن أحدهما قد ذهب ... ولكنه كان يقصد السؤال عن الأبناء ...
فقلت بلى... فأجاب وكأنه خبير حقيقى ... ربما يكون هذا السبب ... وضحكت من أعماق قلبى ... ولكن صديقى طلب أخذ الموقف
بجدية أكثر ... و محاولة إمتاعهم بشىء من الخصوصية .... ايه ؟؟؟؟؟؟؟؟ ... ههههههه

وتركتهما ... ولم أعد أزورهما إلا لوضع الأكل وتغيير الماء وتنظيف القفص .... ومرت مدة طويلة ... وكنت أسمع خلالها أصوات
ليست زقزقة وليست عزف وإنما هى كصوت مكتوم مؤلم مخنوق ... لا أدرى ... وقلت لنفسى لعله يكون الحب ... وعلى الرغم من طول المدة لم تظهر الأولاد ... ولم تختفى الأصوات ... فشكوت إلى صديقى حال الجنة وسكانها ... فقرر عمل جلسات مراقبة علاجية ...
نرى فيها ما يحدث عن قرب حتى نقرر العلاج بعد معرفة المشكلة

وقد كان ... كنا نجلس عصر كل يوم فى الشرفة وكأننا نتحدث ولا نعيرهما أى إهتمام ... غير أننا كنا نختلس النظرات لهما ونتابعهما
بكل دقة ... فوجدناه عاشق متيم معذب فى غرامها ... يشكو للعالم كم تجهل حبه ... وكم تتعمد هجره ... وكم يقتله تجاهلها ورفضها ... مثلما أعلن من قبل عن غرامه و هيامه ... وهو لم ييأس ... فى كل مرة يعقد العزم ... يضع إبتسامته على شفتيه و يظهر لها الود محاولا التقرب منها ولمس رأسها بمنقاره ... فلا يكون منها غير تحاشى النظر اليه ... بل وتتعمد النظر الى الجانب الآخر ... يقترب فتبتعد...
يتحدث فلا تسمع ... يهمس فلا تحس ولا تجيب ...فهى عاندة رافضة لا مبالية قاس قلبها

وظل الوضع هكذا كثيرا ... حتى ذاب و إنفطر قلبه ...وذبل جسده ... وخبى بريق عينيه ... وإنكسر صوته ... فأصبح لا يغرد ولا ينشد ...
بل يئن ... وعزفه أصبح أشبه بالإستجداء ... مرض وكاد أن يموت ... إنكمش فى ركن من القفص ... ولا يأتى بحركة ...
بكيت عليه كثيرا وكم كرهتها حتى إنى حادثتها ... لم كل هذه القسوة ... لم الرفض ... الحب نعمة ... ومقابلة من يهوانا الى
درجة الموت حال إنعدام وجودنا ضرب من الخيال من الجنون مستحيل فى عالم البشر .... بكيت كثيرا على هذا العاشق الملتاع ...
وحقدت كثيرا على هذه الغبية القاسية القلب المتعالية

ولكن لأن الحب دنيا لا تخضع لمنطق ولا عقل ... وليس له مسببات ولا مبررات ... ذات صباح ذهبت أطمئن عليه ... فوجدت ...
ويالعجب ما وجدت ... وجدتها بجواره وقد أخذت رأسه بين جناحيها ... ووضعت عليه رأسها ... كانت تحتضنه ... وتعزف له بصوت
خافت قيثارة همس عاشق ... فقلت فة نفسى سبحانك ربى من تزرع الحب فى البوار ... من تروى بالشفقة ظمأ العطاشى... من تذيب باللين جليد الإنتظار ... وعدت أدراجى كى لا أشعرها بالخجل ... وتابعهما متابعات دورية ... وكنت أقف أنظر إليهما وأبتسم فرحة بهما ... وسرعان ماتم شفاؤه

إستيقظت يوما على لحن أعرفه تماما وعلى صوت غاب عن أذنى كثيرا ... إشتقت إليه ... فجريت أحييه تحية الصباح ...
ووجدتهما يقفان بجوار بعضيهما وكأنها نوبة حب صباحية ... تعلن للعالم أنه يحيى الحب وصباح الحب ودنيا الحب الوردية

ولكن دوام الحال من المحال ... بعد مدة ليست بالطويلة ... قمت من نومى على صوت نحيب بكاء يفطر القلوب ... إتجهت فورا
إليهما فوجدتها تبكى دونما إكتراث منه ... عجبا فقد كانت تقترب منه فيبتعد ... ويطير بعيدا ...ولا يريد لا التحدث معها ولا رؤيتها ...
يعاملها بقسوة ببرود ...كيف ذلك !!!... ولإحساسها بكرامتها وعزتها ... ربما لخجلها منى ... ذهبت بعيدا عنه ولسان حالها ينعى حبها
... ويتحسر على ما كان

فسألت نفسى ماذا حدث ... ولما تبدلت الأحوال هكذا ... فى الماضى القريب كاد يموت عليها ... كادت أن تنتهى حياته بسبب
هجرها ... وبعودتها إليه عاد للدنيا ... حنت عليه وإليه ... أسعدته وسعدت به ومعه ... كيف تكون هذه هى النهاية؟؟؟؟

وتعجبت كثيرا ... وقلت فى نفسى لما الحيرة ... وهذا حال البشر أيضا ... ربما يكون هذا ما يحدث فى جميع العوالم ... من يدرى ...
فقد يحدث فى عالم الطير والحيوان وربما النبات ... أن يظل الممنوع مرغوب ... ومتى تم الحصول عليه زهدته النفس وعفت عنه
... ربما ملت منه وهجرته

وفى النهاية خاب ظنك صديقى ... فلم تغير تفكيرى هديتك ...ولم تبعدنى كثيرا عن الواقع ... فما زال كما هو ... ليس به كثيرا من الأمان

سبحان مؤلف القلوب ... سبحانه من يغير ولا يتغير



ناصبُ شوادر الوهم/ شوقي مسلماني

قليلون جدّاً أولئك الذين يكتبون بصراخِ دمهم شعراً تتجاوب أصداؤه في أرجاء النفس القريبة والبعيدة فتتفتّح عوالم أكثر اتّزاناً وتوازناً. والشاعر اللبناني جاد الحاج هو مِنْ هذه القلّة بالنار التي تنزّ مِنْ جراحِه، بالسماء الأعلى التي يتطلّع إليها على رغم السماوات الواطئة المحيطة به، بإصرارِه على الحياة وسط الموت الكثير. وكم تتجلّى نفسُ جاد الحاج الشفيفة في مجموعته: "خمسة" التي تضمّ بين دفّتيها خمسة مروج تزهو بالرياحين، وهي مجموع ما أبدعه شعراً منذ مطالع سبعينات القرن العشرين، كلّها فيض تمرّد حرّ. كتب الشاعر الراحل يوسف الخال فيه يقول: "يمكن للبعض أن يجاري جاد الحاج في الشعر لكنْ أن يتفاخر عليه، فلا". هنا قصائد مِنْ "خمسة":
1 ـ جدال
قالَ الكاهن:
في عينيكَ أنّكَ طرتَ عمراً على الأقلّ
وكان لكَ منقار
قلتُ:
صحيح،
ورأيتُ الله يسطو على كنزِ الخلود.

2 ـ جدال أيضاً
لو أنّ الموت كما يقول الكهنة
لجلستُ على قبري كأنّه عرش
وأقمتُ عيداً قربَ الشواهد الكئيبة
لكنّ الموت جسر مخلخل فوق هاوية
وكلّ كلام آخر هو صدى صراخ المعلّقين
في الهواء.

3 ـ خيل ونوافذ
منذ شتائنا الوحيد
في الفندق الصيفي
نافذتُنا لا تنغلق،
يطلّ منها رأس حصان
كلّ صباح
فكلّما تراسلنا،
بطاقاتنا خيل
ونوافذ
لذا مشكلتي حيالَ أن نبقى
مجرّد أصدقاء
أنّني لا أراكِ إلاّ عارية
ومتى أطلّ الحصان بعينيه البوذيتين
تلتفّين حولي
كأفعى.

4 ـ شقائق النسيان
على الرصيف مرّة أخرى
بانتظار المعجزة
يعبر جنود مأذونون
ريثما يجدّد القادة دمَ الحرب
تعبر غانيات المدينة،
يتبادلون شقائق النسيان كالقبل
يعبر قدِّيس حاضناً بجعةً جريحة
تسقطُ قطرةٌ مِنْ دمِها على جبيني
فأركض إلى البحر
شاتماً كلّ الذين يزجلون
للسنونو السابح كالنيزك
للزغاليل تفتح مناقيرها نحو السماء
للدوري ناصب شوادر الوهم
للهدهد النادر
لقبّرات القلب الوحيدة
ليمامة النهرين
للمطوق الطيفي
ينقرون الدفوف،
يرفعون الكؤوس
نخبَ حرّاس الفلَك
وقبل طلوع الفجر يخرجون
بالسلاح الكامل
إلى صيد البجع العابر
كغيمٍ مدرّج
كلاّ إنّ الغراب الأعمى
أوفر حظّاً مِن شاعِر شعبُه أصمّ،
لغتُه أصلُ الخطيئة
وبلاده بلادي
تَقتل في الصباح كلّ ما أزجلتْهُ حبّاً
في حلكة ليلها الطويل.

5 ـ ملائكة
حين كان علي بابا مراهقاً
سلبتْ لبّه الأقفال.
**
بدلاً مِنَ الغضب
يضحك العرّاف.
**
في القاع
بحر
يتجنّب الماء.


همسات قلم/ ليلى حجازى


همسات قلــــم !!
وقفت حائرة انا وترانيم قلمي.. عند زاوية الغرفة أطالعك بدقه وحذر وحرفه أراقب تحركاتك ونظراتك تصغي لنا آهات الروح.. رغم دوي الصمت الذي يسكن خلجات فؤادي!! رغم الشجن والحزن الذي تجمعه دموع محاجري!! رغم نبضات تموت وتحيا على تمتمات جروحي الدامية! واشواق باتت هامدة..بارده..بلا الوان!! بلا حدود!! أنفاسي تعد ثواني في الأيام..التي تمتطي حصان الزمان الهائج الهائم العائد للماضي أعاتبك بصمت لم تكن لحياتي زائراً عادياً حولتني قوياً كنتَ شاهداً لولادة حبي وسرعة نبضات قلبي وشوقي ! ترقب كل الأسى والشجن..الذي تدمن فيه اللحظات.. ويموت فيه العمر تحت سراب انتظار لامتناهي!!علمتني الكثير الكثير أن أكسر قيودَ الأسير وأثابر على المسير لنفسي أدوم أوفى نصير أن لا أتسرع بالتقدير وتقرير المصير ..الان بت احتار حتى مع كلماتي!!خواطري!! بت لاأفهم معنى الحب واللاحب!! تختلط علي مشاعري..وتتداخل كل مفاهيم السعادة.. مع حسرات الهموم..تختنق كل الضحكات بدموع حزينة..ورمق لاتستسيغه الحناجر!! لترتسم امامي معالم حياة غريبة..وتضع امام ناظري في حلمي..وفي خيالي..صور تتضح شيئآ فشيئآ امام حقيقة تمتزج فيها كل طيوف الذكرى.. بجراح أبى زماني أن يتجاهلها!! أو يجعلها في ذاكرة النسيان!! كان زمانآ وفيآ...لاينسى!! ليكون الوفاء احيانآ اجمل من جنون يعيشه البشر!! أتعلم يارجفات قلبي!! أتعلم ياهمسات قلم باكي!! كم اسأل نفسي..الهذه الجراح آخر!!؟ بعد ان تجمدت كل دمائي..كل دموعي!!مشاعري.. كلماتي!!صمتي!!قيود اشعر بها تتعدى حدودي.. تتخطى كل الآمال..!! تنسى كما تشاء بؤسي..! وتنسى كما تشاء فرحي!! تشهد كل ثانية من عمري..بندمها انها كانت من عمري!! تنسل من بين يدي خيوط الحلول!! أجد الضياع وطني..في غربة سنيني!! وأحاول... وتتوه عناويني!! أحاول وينهار عالم فتوني!! وتتعود لحظات حزن يعتصر فؤادي!! وحسرات تسكن روحي!! لأعود مهما تخطت بي قدماي حواجز الانكسار الى نفسي..الى عمري الذي لايريد ان يكون له ميلاد!! ولايبدي لغيره سعادة لحظات!! وأخيرآ...نتعب من الوقوف في منتصف الطريق..! ونبدأ..لننتهي..وننتهي... وننتهي

الفلماية: أحدث كتاب لنعمان عبد القادر

صدر حديثًا للكاتب والأديب نعمان إسماعيل عبد القادر كتاب جديد من القطع الصغير يحمل عنوان – الفلماية- مجموعة قصصية يضم في طياته مجموعة من القصص الواقعية القصيرة على ورق "كْريم" أصفر ثمين وقد نشرت فيه قصتان مترجمتان إلى اللغة الإنجليزية وقصة أخرى مترجمة إلى اللغة العبرية ويحتوي الكتاب على رسومات توضيحية قامت برسمها إلهام مناصرة. وبهذا يصبح رصيد الكاتب نعمان إسماعيل عبد القادر 13 كتابًا.

مع الشاعرة نيفين الجمل/ د. عدنان الظاهر

ديوانها الشعري " أحرّركَ منّي " *
1 ـ من وحي قصيدتها " نِمتُ "
أرجوحةُ النومِ
يهتزُّ المهدُ فتهتزُّ الأوتارُ
يا سارقَ نومي
يا سارقَ بوقِ الإنذارِ
ليلي في نومي
نومي في ليلي
ومحطّاتُ التكوينِ تُشاغلُ مِشكاةَ الأنوارِ
يا سارقَ نومي مهلا
لا تغرقْ في صمتي
النومُ ثقيلُ
والنومُ طويلُ
والمهدُ يقاومُ نوباتِ العلّة في إعصاري
نامت أوتاري
جفّتْ خَطَراتُ العينِ بجدولِ مجرى الأمطارِ
فسقطتُ وإيّاها رملاً بحريّا
منكوساً في سطلٍ من ماءِ
سكتَ الليلُ كما شاءتْ مخطوطةُ نوباتِ الأقدارِ
والليلُ شهودُ عَيانِ
إبّانَ الصحوِ وجرِّ حبالِ زمانَ الحرمانِ
نامي سيّدتي
نامي في قلبِ الحوتِ وقاعِ البحرِ ومكسورِ سقيمِ القُضبانِ
نامي في جمرِ مواقدِ أجفاني
كيما أصحو
وأبدِّلَ ضرباتِ القلبِ على معطوبِ الأوتارِ .

قصيدة " نِمتُ " للشاعرة نيفين الجمل [ شعر منثور ] :
يا خاطفَ نومي
أعده إليَّ
ماذا تُراكَ بهِ فاعلا ؟
لازمني نومي
حتى قمتُ متصورةً أنك تسألُ عني
جاءني غيرُ صوتكَ ردُّ
فاتني نومي
ولازمتني أنتَ
دقيقةً واحدةً
تصبّحني فيها على خيرٍ فأنامُ
دقيقةً تبخلُ بها عليَّ
سئمتُ بخلك
سأصبرُ
ولكنْ
هل سأنامُ ؟
(( إنتهت القصيدة )) .
ماذا نجد في هذه القصيدة الناجحة القصيرة المقتصدة الكلمات والخالية من فذلكات الغموض والتعقيدات المعروفة أو المتوقعة في أمثال هذا الضرب من التشكيلات الشعرية ؟ إنها كباقي قصائد الديوان الصغير من حيث المقاسات وعدد الصفحات وعدد ما في هذه الصفحات من سطور وكلمات ... وكيف نجد الشاعرة فيها ؟ إنها متواضعة الحضور الفيزيائي لكنها ثريّة الحضور الميتافيزياوي . وجه مرئيٌّ مقروء جمّ التواضع والوضوح ووجه آخر غير مرئي ولامقروء وعصيٌّ على اللمس والرؤية . كيف جمعت السيدة نيفين الجمل هذين الوجهين وكيف وحّدت العالمين ؟ حضورها العياني يوحي لجليسها بالبساطة وسهولة التركيب النفساني وبالكثير من عفوية وتلقائية الأطفال ولكنْ ماذا عن غيابها اللاعياني غير المقروء وغير المرئي ؟ تلك هي المعضلة ! هل عفويتها البريئة هي أساس ومرتكز عتمة النقيض وصعوبة فهمه واستحالة كشفه وإخضاعه للتحليل والنقد ؟ ماذا نفهم من هذه القصيدة وهل ما يبدو منها ينمُّ عن الذي لا يبدو ؟ هل تعاني الشاعرة من صعوبة النوم وعسرة أو نُدرة ما يأتيها من ساعاته ؟ هناك إشارات في القصيدة واضحة صريحة تُشيرُ إلى ذلك من قبيل { يا خاطفَ نومي } و { فاتني نومي } و { سأصبرُ ولكنْ هل سأنامُ ؟ } . هل سأنامُ سؤال كبير وكبير جداً فالنوم عصيٌّ على عينيها وعلى دنيا يقظتها وقلة النوم لها مضاعفات ونتائج سيّئة يعرفها الأطبّاءُ ومَنْ يعاني من ذلك . ربطت الشاعرة بين قلّة وصعوبة النوم بوضع مَنْ أحبّتْ . حين تنامُ تحلم وتتصور أنَّ سارقَ نومها يسألُ عنها لكنها تُفاجأُ أنَّ صوتَ رجلٍ آخرَ يرد عليها . زائرها شخص آخر أو أنَّ الحبيب تغيّر فما عاد ذاك الحبيب الذي عرفتْ والذي كانت تنتظر زورته في عالم الأحلام .{ جاءني غيرُ صوتكَ } . تعبير دقيق صارم يحمل في تضاعيفه كل حسرة وخيبة أملٍ وكل ألم وانكسار . كيف يتغيّر مثالها وتبقى هي العنصر الثابت ؟ هذا سؤالٌ يمضُّ المقيمين على الوفاء الثابتي الجنان المتفانين في حب مَنْ أحبّوا بل ويصرّون على الثبات حدَّ الإسراف كلما أمعن الطرفُ الآخرُ في البعد والجفاء . هل التغيّر في الحياة وقوانين الطبيعة أقوى أم الثبات ؟ هل الأصل هذا أو ذاك ؟ رجالُ السياسة قلّبٌ على المبادئ متغيّرون والثابتون منهم قلّما يربحون ونادراً ما يفلحون . فيا عشّاق تغيّروا وتمردّوا على الثبات وتعلّموا من رجالات السياسة . لا ثباتَ على الأرض ولا ثباتَ في الهوى !
2 ـ نيفين العاشقة أبداً
لا أغالي إذا ما قلتُ إنَّ ديوان " أحرركَ مني " هو أساساً كتاب مكرّسٌ للحب وينضحُ حبّاً ، لا تخلو صفحة من صفحات الديوان من هذه اللفظةُ بل وتكررتُ في بعض الصفحات مرّاتٍ عدّة . أنظر مثلاً قصيدة حب وحب / وقصيدة لا لستِ حبيبتي وقصيدة ضحية حب بل وجاء ذكر الحب في هذه القصيدة أربع مراتٍ في صفحة واحدة هي الصفحة 72 . هل تعاني الشاعرةُ من أزمة حب أو أنها نُكبت بتجربة حب فاشلة ؟ ما تفسيرُ هذا الإفراط في التأكيد على الحب وشؤون الحب علماً أنها تقف شامخةً بوجه ما أصابها وأمام مَن صدمها و صدّها ولم يكترث . تعرض مشكلتها لكنها تعرضها من موقف صلب لا يلين . تكشف قلبها ونفسها للملأ بكل شجاعة قائلةً هأنذا إمرأة تعاني من تجربة حب لا حظَّ من نجاح لي فيها وهأنذا أعاني وأداري واعترف بموقفيْ الضعف والقوة كليهما وما يدور بينهما من صراع علني أمام الناس وآخر خفيّ أعانيه وحدي في حالتي اليقظة والمنام . أنا بشرٌ كباقي البشر لي ما لهم وعليَّ ما عليهم ولا أجد عيباً أو غضاضةً في أنْ أكشف حالتي وما أقاسي من مرارات فكل الناس مثلي كثيراً أو قليلاً . عرضت السيدة نيفين الجَمَل في قصيدة " قلب " أربع حالات من حالات الحب أمرُّ عليها جميعاً لنتابعَ أحوال هذه المرأة الرشيقة الأنيقة الباسمة العينين والشاعرة القوية الشخصية . كانت رسّامة بارعة في تخطيط ووصف حالات حبها الأربع عرضتها في الأطر الجميلة التي إختارتها بعناية وذوق عالي المستوى :
صورة الحب الأول :
[[ أولُّ حبٍّ سكنَ حضانةً لسنواتٍ
أُنقذَ بصعوبة وآلام ولادة متعسّرة
محمولاً غير قادرٍ على الوقوف
حين وقف تعددتْ مرّاتُ سقوطه
وحين تخلّى عنه السقوط
وقف بمساعدة
ثم وحدهُ
ثم ذاقَ أولَّ وعكة هجرٍ
بدأ رحلة المداواة ]]
صورة الحب الثاني :
[[ طرق باباً جديداً
أُوصدَ في وجهه
وظلَّ واقفاً يشهدُ إحتلالها له ]]
صورة الحب الثالث :
[[ شهدَ حبّاً
فترَ مع الوقت
حبّاً كانَ أمْ ... ]]
صورة الحب الرابع :
[[ وقع في حب
كحفرة بعمق غير مرئي
ألَمٌ غيرُ مُحتَمل
وصعودٌ بالغ الصعوبة
إنتشلته يدٌ
أزالت عنه الغبار
أبدلت ملابسه
وأبدلته
ورحلت ]] .
تلكم أربع حالات حب في صور أربع كيف احتملتيها يا نيفين الجَمَل ؟
هذا هو نصيب وحظ الشاعرة في حياتها . كان الحب الأول مريضاً وأوصدت الأبواب في وجه الحب الثاني وفتر الحب الثالث بمرور الزمن أما الحب الرابع فلقد سقط في جب عميق إنتشلته بعض (( السيّارة / كما في قصة يوسف )) أبدلت ملابسه وأبدلته ثم رحلت . قد نفهم معنى " أبدلت ملابسه " لكنَّ الشاعرة تضعنا في موقف حرج في قولها [ وأبدلته ] أي قلبها ... كيف أبدلته اليد التي إنتشلته وأزالت الغبارعنه ؟ إلامَ آلَ حالهُ بعد تبدّله ؟ كيف كان وإلامَ صار ؟ يتبدل القلب بالحب حسب قانون أبي نؤاس ( وداوني بالتي كانت هي الداءُ ) لكنَّ المنقذ هنا لم يمكث مع المريضة بل رحل وتركها بعد أنْ عافاها وشافاها كأي طبيب محايد يُداوي مرضاه ويقول لهم مع السلامة عيادتي ملأى بالمرضى . متى تجدين الحبيب المأمول يا سيدة نيفين الجمل ؟
3 ـ نيفين السيدة العصرية الراقصة
نيفين شاعرة مصرية عصرية غير محجّبة تقود سيارتها الخاصة وسط زحام شوارع القاهرة وحواريها الضيّقة . تفهم اللغة الإنكليزية وتترجمها إلى العربية وبالعكس . لذا لا يحسُّ قارئها بالدهشة حين يجدها تتكلم عن الرقص وتمارسه ربما في بعض الحفلات أو في خلوة مع من تُحب . أفردت للرقص قصيدتين أعجبتاني كثيراً أتعرض للأولى التي تحمل عنوان " رقصة " / الصفحة 42 من الديوان . تعتبرُ الشاعرة نيفين الرقص علاجاً للجسد والروح معاً " ثيرابي " . إنها تعير حركات الجسد أهمية إستثنائية في تثقيف الإنسان سويةً مع الموسيقى ففيهما يتسامى الإنسان وربما يبلغ الكمال الأعلى :
[[ دعْ الموسيقى تغسلكْ
دعها تُنسيك إسمكْ
دعها تنثر وزنك
لتستعيدَ خفّةً تناسبها
دعها تتوغل في روحك
تحررها
تطلقها
دعها تحرك قدميك .. وذراعيك وجسدك ]] .
إنها دعوة عالية المستوى ليحرر الناسُ في الشرق خاصة أرواحهم ويتحرروا مما هم فيه من ظلام قاتم وعادات موروثة وتقاليد عفا الزمنُ عليها وبالت عليها الثعالبُ والعناكب . إذا تحررت روح الإنسان تحرر بدنه وصفا فكره وتمَّ عقله . " دعها تتوغل في روحك ... تحررها ... تطلقها ... دعها تحرر قدميكَ وذراعيك وجسدك " . الحرية وحدة متكاملة فهي حرية الروح وحرية الجسد . الموسيقى حسب فلسفة الشاعرة تحرر جسد المرء كما تحرر روحه بما فيها وبكل ما فيها من موروث وتقاليد وعادات ونواميس جاءتنا منذ قرون سخيقة وحقب متتالية متعاقبة . هذه فلسفة الشاعرة وهذه قناعتها عبّرت عنهما بلغة بسيطة واضحة لا لَبْسَ فيها ولا إعضال . إنها فتاة جريئة متحررة بل ومتحدية لجبروت وعسف مجتمعها ولعلنا نجد هنا بالضبط سبب محنتها في الحب وعسرة العثور على الرجل المناسب لها . لقد سبق نيفينَ الراحلُ جبرانُ خليل جبران إذْ أعطى موسيقى الناي أهمية إسثنائية ووصف تأثير صوته الموسيقي على نفس الإنسان كما يلي :
إعطني النايَ وغنّي
فالغنا عزمُ النفوسْ
وأنينُ الناي يبقى
بعدَ أنْ تفنى الشموسْ
الغناء عزم النفوس لكنَّ شجى صوت نغمات الناي هو شجى خالد خلود الدهر والزمان ولو أنَّ جبران وضع حداً تعسفياً غير صحيح لنهاية الكون بتعبيره [ بعد أنْ تفنى الشموسْ ] فالشموس لا تفنى باقية ما دام الفضاء والزمان والمادة باقية .
ما قالت نيفين في قضية الرقص في قصيدتها الثانية ذات العلاقة التي أعطتها عنوان
" رقصتي " ؟ نجد الشاعرة في هذه القصيدة إمرأة أخرى مترددة يتنازعها عاملا خوف المرأة الشرقي المزمن ثم جهلها بأصول وحركات الرقص وانسجامها مع نغمات الموسيقى. برعت في هذه القصيدة في تصوير حالها وهي موزعة ما بين هذين العاملين لكنها سرعان ما تنخرط في عالمي الرقص والموسيقى في اللحظة التي تقحّمت فيها حلبة الرقص وضيّعتْ نفسها بين جموع الراقصين والراقصات . عانيتُ أنا نفسي من حالة مماثلة في زيارتي الأولى للعاصمة النمساوية فيينا صيف عام 1962 . أكتب المقطع الأخير من هذه القصيدة وأجمّع الأسطر ببعضها :
[[ تحاورني النغمات ... إمتزجت الحدود ... يفاجئني جسدي بحركات مُدهشة ... لحظات تودُ لو تبيتها معكَ ... تخفت النغماتُ حولي ... ولا تخفت داخلي ... إلاّ بقبلة على جبيني ]]. كان الأولى كختام للرقصة أنْ تقول الشاعرة " إلاّ بقبلة على فمي " بدل قبلة الجبين .
أولى كبار ومشاهير الشعراء الموسيقى والرقص أهمية إستثنائية ، فهذا الألماني غوتة يقول على لسان فاوست " سأرقص الليلة حتى الصباح " . وهل ينسى العالم زوربا ورقصته في الفيلم الذي يحمل هذا الإسم ؟ وهل نتغاضى عن رقص الصوفية المولوية ومغزاه الديني والجسدي التطهيري ؟ كان أحد أئمة المتصوفة يتعرّى كاملاً ويرقص حتى يفقد وعيه ويغمى عليه . إنه جسد الإنسان يعبّرُ عن نفسه ويكشف بعض خفاياه وشيئاً من أسراره لعل صاحبه يدرك كنه هذه الأسرار . للجسد أسرار وخفايا وأسرار إذا إنكشفت بانت بعض أسرار روح الإنسان فالعلاقة وثقى بين الجسد والروح حسب فلسفة أهل التصوف . مَنْ يقود مَنْ ، الجسد يقود ويوجّه الروح أم العكس هو الصحيح ؟ إنهما يختلفان أحياناً كما ذكر الشاعر أبو الطيّب المتنبي فلماذا وعلام يختلفان ولمن تكون الغلبة بعد مثل هذا الإختلاف والخلاف . قال المتنبي :
وإذا كانت النفوسُ كباراً
تعبتْ في مرادها الأجسامُ
صحيحٌ أنَّ المتنبي تكلم عن النفوس لا الأرواح ، وتكلم عن الأجسام لا الأجساد لكني أحسب أنه ما كان ليفرّق بين النفس والروح ولا بين الجسم والجسد . البشرُ يرقصون ويعزفون في شتى المناسبات ومنذ أقدم العصور .
4 ـ نيفين وتراجيديا الزمن ـ قصيدة إنتظار
تنوّعت إهتمامات الشاعرة نيفين الجمل واستعرضت بإختصار شديد هذه الإهتمامات الوجودية من خلال صفحات ديوانها الشعري ولم تفتها محنة الزمن وثقل وطأته أحياناً على الإنسان والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يحسُّ بالزمن ويقنن حياته به منذ لحظة مولده حتى ساعة وفاته . نحن البشرُ مخلوقات الزمن فيه وبه نولد ونموت لكأنه هو خالقنا وهو الذي يُميتنا أي أنه يُحيي ويُميت . أفلم يقل المتنبي في شأن الزمان :
صحبَ الناسُ قبلنا ذا الزمانا
وعناهمْ من أمرهِ ما عنانا ؟
فحالُ الشاعرة السيدة نيفين هو حال بقية الناس وخاصةً المثقفين ومرهفي الحس الذين طالما يعانون من مشكلة الزمن وتمحنّهم به .
كرّست نيفين قصيدة " إنتظار " لمسألة الزمن ، فما قالت فيها وكيف فلسفت زمانها وما هي وجهة نظرها بالنسبة لزمان الإنتظار ؟ خالفت نيفين في هذه القصيدة ما ألِف باقي الناس بل وخالفت حتى فلاسفة الزمن . إنها لها فلسفتها الخاصة بمقولة الزمان مرتبطة بالحب أساساً كأنَّ للحب زماناً خاصاً ومفهوماً خاصاً به . أنقل قصيدة " إنتظار " كما هي ثم نرى ما قالت الشاعرة بصدد الزمن :
[[ وقتٌ لا يأتي أبداً
تحوّلَ لحُلُم يرتدي جلباب الإنتظار
والإنتظارُ وقتٌ لا يمضي أبداً
أنتظرُ ... وكلُّ دقيقةٍ من أيامي تعصرني عصراً
دقيقةٌ تؤكّد مكافأتي
وأخرى تقولُ " إنتظاركِ هباء "
أنتظرُ وكلُّ دقيقةٍ تدفعُ ما بعدها أميالاً
أنتظرُ وأشكُّ
إنْ كنتُ سأُصبحُ
أمْ سأموتُ إنتظاراً
أنتظرُ قدوماً شاهدتُ علاماتهِ
علامات لا تنفي نفيه
أنتظرُ بيقين ما أسهلَ تكذيبه
أنتظرُ
ولا أطيق إنتظاراً
أحببتُ
وأنتظرُ الحكمَ
إعتدتُ الأحكاما
واعتدتُ إعداما
تُعادُ بعده كَرّةَ ميلادي ]] .
الوقت حسب فلسفة نيفين يتحول إلى حُلُم . والوقت وقتان أحدهما لا يأتي والآخر لا يمضي ، أي إختفاء المستقبل كزمن ووقوف الزمن جامداً دون حركة وهو موت . لا من وقوف في الزمن الحاضر إلاّ بالموت . الزمن متحرك أبداً فيه ما مضى وفيه الحاضر المتحرك وهناك الزمن الثالث الذي سيأتي لا مَحالة . زمنٌ لا يأتي ـ وزمن لا يمضي ... فما الذي يتبقى من هذا الزمن وما الذي يتبقى منه للإنسان المتحرك بفعل الزمن ؟ إنها السوداوية بعينها وإنه اليأس من حب تنتظره الشاعرة ومن حبيب مُنتظر لكنه لا يأتي . دائرة حياة الشاعرة مُقفلة وهي التي أقفلتها لكنَّ الحياة ليست دائرة إنما زمانها يحركها على خط مستقيم ماضٍ أبداً نحو الأمام . إنها سوداوية متشائمة شكّاكة لشديد الأسف . " أنتظرُ وأشكُّ إنْ كنتُ سأُصبحُ أمْ سأموتُ إنتظاراً " . الإنتظار قاتل للشاعرة . فهل يقتل الإنسانُ نفسه لأنه فشل في تجربة حب أو طال قليلاً زمن مجيء الحبيب ؟ كيف نفسّرُ هذا اليأس الذي يهدد الشاعرة بالموت ؟

أحررك مني / ديوان شعر للشاعرة نيفين الجمل . الطبعة الأولى 2010 . الناشر دار التلاقي للنشر ، القاهرة ، جمهورية مصر العربية .

هكذا أنت أقرب/ ايمان حجازى

ذهبت لتنام بعد يوم طويل شاق , فلم يطاوعها النوم , ولم تغلق جفونها , وكأن صوتا يهيب بها أن تقوم , فوقفت وتركت مرقدها , وذهبت إليه , فتحت نافذة تطل عليه , مازال مستيقظا , لديه عمل أكيد , يعلن ضوء غرفته بستارتها الحمراء عن إنشغاله فى شىء ما , كم أرادت أن تقفز داخل نافذته , أن تقتحم حياته , أن تزيح بيدها الستار , فتجده أمامها , تقترب منه , وتلمس يده , وتحس بأنفاسه, وتسمع صوته , تحادثه ,,,,, ولكنه مشغول , ليس مسموح لها فى هذه اللحظة إلا بالإنتظار , والإستمتاع بالنظر الى صورته الحبيبة وتطلق تنهيدة عميقة من قلبها المفعم بالحب , الصامت على الإحساس , الصائم عن الكلام , الحبيس مع الأحلام .... وفجأة ينقطع التيار الكهربى ,,,, فينقطع النت , وتغلق النوافذ , الحمراء والخضراء , فتغلق اللاب توب , وتتحسس طريقها الى سريرها , وتنكمش فى مرقدها , تضع رأسها على وسادتها , وتحتضن نفسها , تضمها بشدة إليها , وتغمض عينيها ,,,,,,, وتقول هكذا أنت أقرب لى , أنت فى عقلى , أنت بين ضلوعى , أنت الشهيق والزفير , أنت تحت جفن عيونى .............. هكذا أنت أقرب , وتطلق لنفسها العنان لتنام حتى الصباح , تنام لتحلم , فلم يكن هناك ما تتمناه أكثر من هذا.


حكايات عن البنت مادلين/ ماهر طلبه


1

مادلين يوم ما اتولدت ، اتهزت الأرض ووقعت أعلى سحابة فوق أعلى جبل فدحرجت أكبر حجر فوقع في أكبر مدينة على دماغ راجل غلبان – كان أفقر واحد في البلد – فمات ..

ساعتها احتفلت المدينة كلها ولبست زينتها لأن عدد الفقرا فيها انخفض ، كمان ارتفع مستوى دخل أفقر الفقراء ودا خلاها اتقدمت خطوتين في الترتيب العالمى إللي وضعاه الأمم المتحدة لأفقر دول العالم وللسبب دا اعتبروا يوم ما اتولدت مادلين عيد قومى يخطب فيه مسئولي المدينة وتتقدم صواني الفتة واللحم .

2

مادلين إللي رفضت إنها ترضع من بز أمها وحيرتنا وغلبتنا بعد ما رفضت كل المرضعات إللي عرضناهم عليها ما ارتحتش إلا لصدر الديب إللي فضل يشمشم لحد ما وصل عندها وإداها الضرع فمسكته وبدأت ترضع فكانت الآية الثانية في سيرة الست مادلين إللي هتكبر في يوم من الأيام وترد الجميل للديب فتحمله باستمرار فروة جلد على كتفها .

3

مادلين إللي النهاردا خطت الخطوة الأولى في الدنيا .. مدت إيدها وحاولت تكسر المرايا إللي قُصدْها علشان تخطف من البنت إللي تشبهها تماما – وإللي مدت وللصدفة هى الأخرى إيدها ناحيتها – تخطف اللعبة إللي في إيدها ، ولما غلبت وحاول بابا يفهمها إن الصورة إللي في المرايا هى .. انهارت ورفضت تصدق وقدرت في النهاية بالتصميم – يمكن – إنها تسرق لعبة البنت إللي في المرايا وتحطمها فعيطت البنت إللي في المرايا ومشيت وسابتها لما مادلين راحت ناحية أمها إللي كانت مبهورة بتصميمها ودماغها الناشف ، وكأنها كانت بتقرا في كتاب الأيام لما نطقت وقالت

: البنت ده هتكون شخصية قوية ومفترية ...

وقفلت بقها بسرعة لأن مادلين كانت بتبص لأسنانها فخافت لتشبط فيها ... حاكم المدينة وإللي كان فاتح نوته الخاصة وبيراقب كتب ملحوظة .. " لست الوحيد الذي استطيع قراءة الغيب وأقدسها ..." ووضع نقطة نهاية الجملة .

4

مادلين في المدرسة خدت الدكة الأولى لوحدها .. الناظر إللي شايف التلاميذ واقفين ماقدرش قدام تصميم مادلين غير إنه يهز إيده فيضرب الجرس وتبدأ الحصص إللي كانت نجمتها الأولى مادلين إللي قدرت ورغم صغر سنها تستوعب حركة التاريخ وعلم الأجناس وتصل إلى بديهيات ومسلمات كانت غايبة عن ناس بيتقال عليهم مؤرخين وعلماء .. زي مثلا .. إن الأرض للي يأكلها ويقدر يهضمها وإن البشر نوعين .. نوع مسدس يعني له ستة أطراف ونوع مربع يعني له أربعة أطراف وأن المسدس أفضل لأن فرصته أكبر في المسك والبلع والهضم ولإنها مش مسدسة عملت لنفسها تاج من دهب وزينته بنجمة سداسية وحطته فوق راسها ، ولما مدرس التاريخ اتجرأ مرة وحاول يقدم تفسير مختلف عنها ، ومد إيده قدامه خطفت مادلين الجزء الأمامي من الدراع فرجع وهو بيصحح التاريخ حسب الرؤيا المادلينية ، فاعترف الناظر لما شاف الذراع بالتفسير إللي اقرته الوزارة وارسلته للأمم المتحدة إللي اعتمدته كتفسير يجب ما قبله وما بعده ، فأعلن حاكم المدينة إن النبؤة الرابعة قد تحققت ولم يبق سوى أن يضرب الله لنا الجراد آية لتكون مادلين آخر المرسلين .. وكان .. فالصبح بدري قوي السما إللي كانت ليل بنجوم بقت ليل بجراد

5

مادلين إللي وصلت لسن الشباب قبل الشباب ، وإللي عرفت شباب قبل سن الشباب ، وإللي داقت طعم الشباب قبل ما تدوق الشباب ، يوم جوازها لبست فستان الفرح الأبيض – إللي كان متقسم بخطين زرق وصلت بينهم بنجمة خلت من وسطها سما يتمنى يوصل لها كل العشاق ومسكت في إيد عريسها ، إللي لبس بدلة زرقا بخطوط بيضا أو بيضا بخطوط زرقا ماقدرش أي مؤرخ ولا حتى حاكم المدينة يحسم الموضوع ، وعلشان يربط بينه وبين سما مادلين رسم هو الآخر عدد من النجوم كانت مزنوقة قوي في أخر طرف البدلة فنزفت خطوط من الدم أحمر رفيعة جدا ادت الليلة والبدلة مذاق خاص ، وخدها وطلع على البحر المتوسط يقضي شهر العسل إللي كان فعلا عسل رغم الوكسة .. يقال إن مادلين ماسبتش فيه البحر وماقعلتش – والله أعلم – فيه المايوه لدرجة إن كل دول المتوسط وإللي دايما كان بيسود فيها نوع معين من الثقافة – المايوهية – وشكل معين من النظرة المتحضرة اعتبرت إن دخول مادلين البحر المتوسط عيد يستحق إنه يكون كرسمس جديد ، تنطلق فيه الصواريخ – إللي بعضها طال العراق – وقعدت كل واحدة منهم في مكانها بعد ما رسمت على الكرسي - إللي قاعده عليه – صليب متسلط عليه ضوء مادليني متوسط أكد لحاكم المدينة إنه لا بقاء الا ... سبحان الله

6

مادلين إللي بدأت الناس تؤمن فيها ، خدت مجموعة الأتباع وطلعت ناحية البحر إللي اتشق عن طرابيزة ، واقنعت إللي قاعد على اليمين إن الجراد – لو أكل – مش ممكن ياكل الا الحتة ده – كانت بتقصد حتة معينة في قلب الوطن العربي - فليه نتعب نفسنا ونقتل بعض علشان ... ومدت إيديها عملت حلقة خلت الراجل – إللي على اليمين – نزل صباعه وسكت من الكسوف ، وفي نهاية اليوم كانت كل الطرابيزة بتتعشى عشاء رباني - من وسلوى – وبصم كل إللي على الطرابيزة فلمت الورق – الأسود – وقامت ...

الجرسون إللي جه علشان الحساب أثار أمام كل إللي قاعدين اشكالية الدفع ، لكن الكل افترض إن مادلين مش ممكن تكون ألا نسيت الحساب ، والا كانت دفعت .. واضطر كل واحد م إللي قاعدين إنه يقدم جزء من نفسه رهن لحد مادلين ما تفتكر وترجع تدفع ومن اليوم دا وكل واحد بيحاول يفك الرهنية إللي اتضح لهم بعد كدا – والحمد لله – إن ورقها كله بقى في إيد الست مادلين صاحبة الحكايات وإللي يوم ما اتولدت اتهزت الأرض ووقعت أعلى سحابة من فوق أعلى جبل فدحرجت أكبر حجر فوقع في أكبر مدينة على دماغ الناس الغلبانين