العدد الرابع من مجلة السايح للزجل وللشعر باللغة المحكية‏

صدر العدد الرابع من مجلة السايح للزجل وللشعر باللغة المحكية , وفيه قصائد مميزة ومقالات أدبية لشعراء وكتّاب من سوريا ولبنان وفلسطين .
يرافق القصائد المكتوبة موسيقا جميلة وصور خلابة من طبيعة بلادنا الساحرة .
نشكر الشعراء والكتّاب على مشاركاتهم ونقدّر عاليا الملاحظات التي تردنا من روّاد المجلة , ونعلمكم بأن الإدارة تأخذ بالإعتبار كل نقد بنّاء وتسعى جاهدة لإرضاء جميع الأذواق .

كما نود لفت انتباهكم إلى الأعمال الكثيرة التي تصل بريد المجلة والتي تأخذ الكثير من الوقت والجهد قبل إخراجها بشكل لائق ومناسب . ولهذا أيضا نعتذر عن عدم نشر كل مايُرسل إلينا مالم يكن بالمستوى المطلوب, وننوّه بضرورة إرسال الأعمال منقّحة ومكتوبة بلغة صحيحة مع مراعاة التشكيل عند الحاجة لتسهيل القراءة السليمة .
وكلنا ثقة أننا سنستطيع معا أن نجعل من مجلة السايح مربط خيل الجمال .
يمكنكم مطالعة العدد الرابع على هذا الرابط
لابد أيضا من التذكير بالعمل الجبار الذي يقوم به السيد جورج حنا(أبو اسبر) لإخراج أعداد المجلة بشكل لائق .

إدارة مجلة السايح




عند خطّ الإستواء/ شوقي مسلماني

1ـ صدى
لا مكان
لمن لا رأس فيه.

2 ـ صوت
الأنياب والمخالب
أحد لم يعد يستطيع أن يلحق بها
أبيدتْ شعوب
وتباد أمم.

3 ـ جنون
نهض يرمي شباك الصيد على الناس عند الشاطئ وفي ظنّه أنّهم سمك كبير
بعضهم وقع وبعضهم فرّ مذعوراً
عبرت سفينة لصيد السمك، رأى الريّس انهماك الصيّاد، علم أنّ في الجوار سمكاً كثيراً
وعيناه تلمعان صرخ بالمعاونين الصيّادين:
عجّلوا إرموا الشباك
وطوّقوا المنطقة.

4 ـ غياب
أخيراً
دخلوا إلى الحكاية
لم تكن حكاية

وقعوا في الأسر
مع الصخور

والسمّ.

5 ـ فجر آخر
البلاد ليست الشمس الرقيقة
ليست الخضرة، ليست ينابيع السكّر
البلاد أهلها: الفجر الآخر.

6 ـ تحيّة
خرجوا في زمن الحلم مع الماء والأشجار والطيور والزهور والفراشات
تحدّثوا مع الريح، نظروا إلى الرمل، أصغوا للنهر
قمرٌ كبير، قمرُ البلاد الشاسعة. القلبُ كبير للنمل وللأجنحة
أسماؤهم! قوس قزح. الرئة: كينا ..
خرجوا في زمن الحلم:
الأبوريجنال، سكّان أستراليا الأصليّون.

7 ـ حبّ
عند خطّ الإستواء
الأقرب للشمس
القلبُ مفعمٌ .. بالحبّ.


الحلاق الماهر/ نعمان إسماعيل عبد القادر

العيادة التي زارها بصحبة صديقه، ضيقةٌ لكنّ الطبيب صيته قد بلغ ما لم يبلغه سحر أمهر العرّافين.. ما من مريض دخل عيادته إلا وكان شفاؤه على يده بعد إرادة الله. الفرق بينه وبين الدكتور "غزال" المعروف عند القرويين حينما كانوا قرويين، واعتبروه نبيّ الطب في العصر الحديث بعد أن ترك معظمهم جميع العيادات ووضعوا كلَّ ثقتهم فيه، كما هو الفرق بين الماء والهواء.. مع تطوّر الطب والتقنيات العالية فالمقارنة بين الدكتور أمين أحد أطباء القرن الحادي والعشرين مع الدكتور غزال رحمه الله ليس لها أي اعتبار.. يقول البعض منهم إن ثلثي العلاج منوط بالقناعة الذاتية والعامل النفسي ولا علاقة له بالدواء نفسه. تسلّح بالابتسامة فاستقبل زبائنه بروح البشاشة.. نادى بالمسامحة فانتهج منهج الصفح. الأمانة والصدق والتحلّي بجوامع الكلم، خيرٌ عند الناس من قنطار علاج، وهذه كلّها صفات تناقلتها الأفواه في صبّ عبارات الثناء والمديح. مقاعد الانتظار ملأتها النسوة وبعض الشيوخ. واختار الشباب والفتيات إما الوقوف وإسناد أكتافهم على الجدران أو الانتظار على أطراف درجات المدخل من الجهة الشرقية والمقاعد المحيطة بها. واختيار عبد الكريم وصاحبه الجلوس على أحد تلك المقاعد لم يكن عبثيًّا إنما من باب استحياء الدخول على أناس لم يكن لديه معرفة سابقة لهم أولاً وإلحاحه على صديقه بالجلوس في الهواء الطلق ورغبته في إشعال سيجارة ولا يرغب في مضايقة أحد منهم ثانيًا..
الحديث بينهما تمحور جلّه حول مدينة لندن، ضواحيها والجالية العربية فيها، تخلله أسئلة واستفسارات عن مدّة المكوث في هذه البلاد وعن أسباب العودة إليها بعد قضاء سنوات طويلة في الغربة.. المقارنة تشير إلى صالح الغرب.. آداب الحديث، النظافة، احترام الغير، الحرية الفردية، حرية التعبير والفكر، أمورٌ يسمع الناس عنها شرقًا، في المدارس ومن على المنابر وصفحات الكتب والجرائد والمجلات، ولا يطبّق منها غير القليل. كان صوتهما مسموعًا في مكان ساد فيه الصمت وبدا على البعض في الجالسين أنه مثقف حقًّا بثقافة القراءة في أوقات الفراغ وساعة الانتظار في أيّ مكان بغية قضاء الوقت في أمور فيها من الفائدة أشياء وأشياء.. ثمّ تطرّق عبد الكريم إلى مهارته في الحلاقة، شهرته، صالونه الذي افتتحه في وسط لندن، نجاحه في العمل فيه واختلاف الزبائن إليه منذ ساعات الصباح حتى الساعة السادسة مساءً وعدم التزام العرب بالوقت اضطر في كثير من الحالات على العمل ساعات إضافيّة. الحديث اللافت للانتباه شيّقٌ لمن أحبّ السفر من بين الجالسين على أطراف الدَّرج وحوله وودّ لو أن تأخذه السبل إلى أماكن بعيدة لم يصلها بنو قومه من قبل.
فتاتان في عمر الزهور إحداهما تلبس ثوبًا فضفاضًا مزركشًا طغى عليه الطابع الشرقي والأخرى ارتدت بنطلونًا أشبه ببنطلونات الشباب جعل منها فتاةً عصريّةً تحاكي فتيات الغرب في سناها وبهائها. الهمس بينهما ظلّ شديدًا، والنظرات المختلسة أشبه ما تكون بحكاية الشمس مع الغيوم في فصل الربيع. ابتسامات خفيفة وضحكات خجولة أثارت غضب ذلك الرجل الوقور لكن لم يكن في مقدوره استهجانها أو التفوه بكلمة قد تأتي بأمور عسيرةٍ يصعب حلّها. ما له وتصرفاتهما.. إذ ليس من شأنه أن يؤدّب الناس في عصرٍ يصعب فيه حتى الحديث معهم. وتأديب الناس صار أصعب من ترويض أسد متوحشٍ جائعٍ في قفص حديديٍّ. وكلمة الحق لا تقال في كل مكان أو زمان.
حين همّ يوسف بالدخول إلى غرفة الطبيب قال له مازحًا:
- إما أن يعالجني الطبيب أو أن أعالجه أنا نفسي..
قهقهات "عبد الكريم" تبعته حتى عتبة الباب فأجابه وهو يشير إليه بسبابته:
- أما زلت على طبعك يا يوسف. أنت كما عهدتك أنت، لم تتغير ولم تتبدل منذ أن التقيت بك أول مرّة.
تقدّمت إحداهما تمشي على استحياء وقالت:
- عفوًا! أظنّ أن اسمك عبد الكريم. أهذا صحيح؟
- نعم ولكن كيف عرفتِ هذا؟
- لقد سمعت صديقك يناديك بهذا الاسم. ولكن هل من الممكن أن أستعير جوّالك قليلاً لأني أريد الاتصال بأمي ومحادثتها في أمرٍ ضروريٍّ..
- بالطبع.. تفضلي.
- شكرًا.
رأس الزبون صار مثل خارطة الشرق الأوسط. فيه اليابسة والجزر والبحار.. والحلاق الثرثار يقص من الشعر بعضه حينًا ويرفع المقص والمشط قليلاً فيحادث زبائنه عن المباراة الوديّة التي يشاهدون وقائعها عبر شاشة التلفاز والمعلقة أمامهم حينًا آخر. وفي أحايين كثيرةٍ يحاول إسكات جوّاله الذي ما انفك يرنّ رنينًا متواصلاً، واضطر في النهاية بعد أن فرغ من حلق جميع الرؤوس على الاستجابة لنداءاته فأجاب مازحًا كعادته:
- مرحبًا بك وصلتَ إلى صالون عبد الكريم للحلاقة.. اترك رسالتك!
- مرحبا.. هل أستطيع محادثتك قليلاً..
- عفوًا من معي؟
- تتحدث معك سوسن، تلك الفتاة التي أخذت منك جوالك حين كنت في عيادة الطبيب قبل يومين. هل تذكر ذلك؟ وهل أستطيع محادثتك..
- نعم.. ولكن ماذا تريدين؟ وكيف حصلتِ على رقم هاتفي؟
- المسألة في غاية البساطة لقد خدعتك ولم اتصل يومها بأمي إنما اتصلت على جوّالي حتّى يتسنى لي الحصول على رقم هاتفك، لأني كنت معجبة بك وبحديثك فاستحييتُ أن أطلب من الرقم مباشرة وهذا كل ما حصل..
- وماذا تريدين مني؟
- أريد مقابلتك وسماع صوتك والتعرّف عليك وقد يكتب الله لنا الزواج.. وإذا وافقتَ على ذلك نلتقي الساعة الواحدة في مطعم الفرندز...
مطعم الفرندز قرب ناصية شارع يوحنا المعمدان في الناصرة، زبائنه من الطبقة الراقية. يتردد عليه السياح لقربه من الكنيسة. ما إن جلسا على طرفي طاولة خشبية، سطحها من الرخام الأبيض اللامع حتّى هبّ النادل واقفًا على رأسيهما يحمل دفترًا صغيرًا يستعدّ تسجيل الطلبات فاكتفيا بالعصير المثلَج في الوقت الراهن.. تبسّم في وجهها وقال:
- من أين لك هذه الجرأة.. الاحتيال على إنسان غريب مثلي لا تعرفينه.. الاتصال به وطلب مقابلته في وضح النهار. جرأتك غريبة يا سوسن..
- هل نحن نسرق؟ أنقترف ذنبًا؟ هل هذا حرامٌ؟ والقلب لا يحب إلا مرّة واحدةً.. ولقد تعلّمتُ هذا الأسلوب من صديقتي مع الشاب الذي أصبح زوجها الآن.
- فعلاً لقد نجحتِ أنت أيضًا في مهمتكِ كما نجحتْ صديقتكِ.


تراتيل عاشق‏/ محمد نجيب الرمادى

أحُبُّكِ وَأنتِ بَعيدة
جمـلةٌ خــاطئةٌ
منذ متى كُنتِ بعيدةً
ياحبيبة؟!..

"لا تتجسسوا"
قالَ الله
فاذْهبى
أو تقربى
أنا أرُاقِبُكِ مِنْ بعيدٍ
أنتِ داخلى..

منذ ألف عامٍ أحاولُ أنْ أنظرَ فِى عينيكِ
متى ترفعينَ رأسكِ
وتحولينَ بَصركِ ناحيتى
افْْعلى..
أنتِ عينىَّ

تنظرينَ إلى الأرضِ
وتظلينَ صامتةً
ما لاتقولينه صدقينى
قلبى يَسمعهُ

ألغيتُ كلَّ الإتجاهاتِ
أصبحتِ أنتِ إتجاهى الوحيد الجلي
لأنكِ حُبُّى الحقيقي
السَّرمدي
العـُـــذري
الرومانسي
الحــريــري
هل وصلتْ الفكرة؟..

الله يحبنى
وأنا مُسْتجابُ الدعوةِ
جَربتُ ذلك عشر مرات
فانْهضى واحضرى
مِسبحتى
وسجادةَ الصلاة
أصلى وأدعو اللهَ
أن أظلَ حياً حتى ألقاكِ
ثم أموت

أريدُ أن أموتَ فيكِ
وأكُفنُ فيكِ
وأدُفنُ فيكِ
وتأكلنى الديدان فيكِ
وأتَحللُ فيكِ
لتبقى بقاياى فى دمكِ وأوردتكِ
وشرايينكِ
لأظلَ حياً بعدَ الموتِ
كَما الشهداء

ياصديقى
اخْلعْ نعليك
ولا تقرأْ قصيدتى وَأنتَ تدخنُ
أرجوك
هذه قصيدةٌ حقيقيةُ
وأمامَ القصائدِ الحقيقيةِ
يُمْنَعُ التدخينُ والكلامُ
ألا يكْفيكِ الدخانُ المنبعثُ فِى المكانِ
مِن القلبِ المُشتعلِ
ومِن البخورِ
أمامَ النار ياصديقى
يُصْبحُ الصراخُ
هَوَ كُلُّ مَالدينَا لِنقدمَهُ
معَ قطرةِ ماءٍ
وَأمامَ الموتِ
يُصبحُ الصمتُ
هوَ كلُّ ما لدينا لنقدمَهُ
مطأطئو الرأسِ
لِمَن يسمع


سماح الشيخ: الطفلة التي ترتدي لبـاس الراشدين في منولوج متأرجح بين الصغر والكبر/ هدلا القصار

نستذكر قول الروائي والناقد "جبرا خليل جبرا " انه في مرحلة ما لا بد أن يشعر الكاتب أو المبدع أو المفكر وحتى السياسي أنه أصبح بإمكانه تقديم سيرة حياته للناس أو تجربته الثقافية والفكرية أو الإنسانية " . وهي تجربة كانت في السابق تأخذ شكل مذكرات يومية، أما فيما بعد أصبحت هذه الرسائل تأخذ شكل الاعترافات استشهاداً بــ طه حسين، في رواية "عصفور الشرق" وحكاية بحار" لحنا مينا، وقصة "نفسي" لنجيب محفوظ، و "اعترافات" لجان جاك روسو، وأخيرا الروائي جبرا خليل جبرا في روايتين " البئر الأول، وشارع الأميرات" .

من هذا المنطلق ندعو المرأة الكاتبة المبدعة من الجيل الجديد الدخول إلى هذا العالم كما سجلت الفنانة المسرحية الكاتبة سماح الشيخ، المتمسكة بقلم الفنتازيا، كما في أدوارها المسرحية التي تهدئ من روع الكبار قبل الصغار بصوتها الناعم، وحركاتها المتنقلة بقفزات طفولية بهلوانية .

سماح الشيخ، الطفلة التي اكتشفنا عمقها وتمردها الشعوري واللاشعوري، وهويتها من خلال مجموعتها القصصية الأولى في "الشكل المستطاع" المحملة بأسئلة كثيرة تدور حول ما استوقفها منذ الطفولة حتى الآن . بدء من اختيارها لهذا الاسم، وتحليلها وفلسفتها للأشياء، وسخريتها للأفكار التي جمعتها في 49 قصة، لا تتجاوز قراءة كل قصة منها دقيقتين، تحمل حواراتها الخاصة مع الأناة، والآخر، والأشياء، والكائنات، بصوتها ولغتها وحميميتها ورؤيتها، مما أعطاها حق التنقيب في باطن المجتمع وممارسته .

في بداية هذه المجموعة القصصية نجد حقيقة (الدّمى) لطالما لعبت دورا خفيا في بلورة شخصيات الإنسان مُنذ الطّفولة، وواقع ما تخبئه تلك الشخصيّات وما تحتويه من مبادئ، وأفكار، وقيم، ... بأثواب ملوّنة، لتتسلل صورها مختلف تفاصيل حياتنا حتى الدقيقة منها المحملة في دفاترنا، وأقلامنا، وملابسنا، وحقائبنا......

تطرح الكاتبة في مجموعة "الشكل المستطاع" أفكارها القديمة المستحدثة، كي نعايشها رؤيتها في تلك القصص القصيرة المستحضرة من كنز فضائها الذي يحمل فضاء كيانٍ أنساني اجتماعي، على شكل شخوص تعكس كل منها حقيقة الآخر وتشكيله وتكوينه .

وربما من خلال هذه القصص حققت الكاتبة شيئاً من التوازن الداخلي الذي يفتقده الفرد داخل قبح النفس البشرية الذي سرعان ما يخرج منه بمجرد أن يجد العامل المحرك له، مستفيدا من كل ما مر به الكاتب بأبعاده الفكرية والفلسفية، كروايات البريطاني " جورج أرويل" وهو من أهم أدباء القرن العشرين، التي تحمل خيال الواقع كما حدثتنا الكاتبة عن أناة فكرة الطفل المشعة في مخيلتها وذاكرتها، المتنقلة بأفكار تعكس حوارات الطفل مع الأشياء ومسائلاته، في منولوج فكرة طفلة، بعد أن أصبحت في سن الرشد، وما زالت تستفزها تلك المحادثات والمسائلات من وقت لأخر مع تلك الدمى، المتمثلة بشخوص قد كانت تعرفهم أو لم تكن تعرفهم، لكن لا يمكننا أن نتجاهل صوتها، "صوت الطفلة" التي أصبحت ممثلة مسرحية وكاتبة، تحاول تفسير كل ما مرت به بلغة تتجاوز منطق الطفل!

لنقرأ في البداية قصة سماح الشيخ الأولى بعنوان "استنساخ" وإبعادها النفسية والاجتماعية لدي الطفل :
"كان الأسبق في الميلاد هو الأصغر عمراً ، فاجأني بهذا اصغر الأبناء سناً، فهو أول من ولد . كانوا كلهم يحملون شكل وجهي بأجسام مختلفة وأطوال متباينة . حتى الذكور منهم، اللذين كان عددهم خمسة . الأنثى هي السادسة، وهي أنا الطفلة ."

هذا ما جعلها تفكر باللاوعي بشكلها الأنثوي المنجب، والأكثر ظاهرا في جنسها "المرأة" كما راودتها الفكرة :
"ما جعلني أوافق على فكرة الإنجاب هو .. وعدهم لي "
هي اختصار لفكرة راودتها وطرحها احد الأبناء الخمس وهم أخوانها الذكور، الذين يحمل كل منهم صفة من أخيه، بعد جمعهم تصنيفهم وفرزهم .
"اذكر جيداً ذلك المتعصب برأيه المتشدد المتزمت، كم جادلته وعاركته وأنكرته، لكنه كان يعيرني بأنه مني واني هو على أية حال، وعندما أوشكت على التبرؤ منه، صار وجهه يتحول ويأخذ شكل أخي لقد بليت بنسب هؤلاء الأبناء، ولم أكن أحب سوى الفتاة الأنا، لكني تمردت معهم وأصبحوا لي آباء وصرت أنا ابنتهم الضالة) .

تؤكد سماح نظرية فرويد عن "عدوانية عفوية الطفل" عندما يمل من أفكاره ورسم صوره، يفكر باللجوء إلى رمي لعبته بعيدا عنه، أو يحاول تكسيرها لتحطيم تلك الأفكار الناتجة عنها، رفضه ان يكون كائننا ممسوخا الملامح، كما فعلت سماح حين حسمت أمرها بعد تحميض الصور في مخيلتها بتحطيم تلك الدمى ومعاقبتها "بعدوانية براءة الطفل"، التي انتهت (بتمتمات) صوت منخفض .

من نقدر سعي الكاتبة إلى تطوير أزمة الفرد من خلال تلك القصة التي استوقفتها في طفولتها، وتفاعلها مع موهبتها التأملية والساخرة، وقدرتها على تلخيص القصة على هذا الشكل الذي وضعت فيه بيوض أفكارها في شرودها كأي طفل حين يجالس نفسه، ويختلي بمخيلته، نسمع دمدمات صوته المنخفض، المتماشية مع رسم مخيلته إلى أن يصل للشكل الذي يريده ... فيبتسم تارة ويتمرد تارة أخرى على لعبته . كما نقلت لنا سماح قصة " استنساخ " وهذا ما يثبت وجهة نظرنا بلحظة تلك الذات في محاورة الأصابع الذين تحولوا إلى دمى، وسادسهم كانت هي نفسها كما أشارت في نهاية القصة إلى إحدى أصابعها الذي يختلف عنهم جميعا . في نظر الكاتبة عندما كانت طفلة ...

الكاتبة تعي جيدا ما تريد أن توصل للقارئ ؟ وما هو مدى الصدق في دمياتها المتحركة آدميا . ونحن على يقين لو طلبنا من الكاتبة أن تقرأ لنا هذه القصة، أو بعضا منها بصوت مرتفع، فإننا سنجد الكاتبة تضحك تارة وتدمع تارة أخرى لسماع صوت نضوجها في طفولتها ذلك الوقت .

وفي ساعة سكينة أخرى، تنقلنا الكاتبة بمخيلتها للغز قصة جديدة في هذا " الشكل المستطاع" وهو عنوان الكتاب كما أوحي للكاتبة حين وجدت نفسها مع زميلاتها في أحدى الغرف التابعة للمدرسة:

"انتشر كل منا في زاوية أو بقعة تمسح المكان الواسع وننهي المهمة في الوقت المحدد، لنصحو بعدها على كارثة الوقت قد فات منه ما فات، ونحن في زاوية واحدة، قد تكون خطة محكمة اضطررنا لاختبار الزاوية نفسها نحن جميعا، ليضيع الوقت دون أن نعثر علي ذاك الشكل المستطاع في تحرك الأصابع، كأنها ستصطدم بالشكل العملاق دون أن نعرف أين يقبع ذلك الشكل ! الذي لا نعرف إن كان يقبع حقا في بقعة ما أم أننا نحن من يعيث في جوفه ! "

هكذا نكتشف عمق تلك الطفلة التي أخرجت مخزونها الفكري وتساؤلاتها التي لم تجد لها شكلا :
"انقضى الوقت، وسمح لنا بسنين إضافية يرتع فيها غباؤنا في هذا البراح، وكان أن عثرنا على الشكل المستطاع، هلاميا سخيفا نحيلا هزيلا، ضعيفا نحيفا" ثم نتساءل أننا لم نعثر على شيء، وكان الأمر محض فسحة ومحاضرة في رحلة عن الشكل المستطاع، الذي لم يستطعه احد!" .

في كل قصة من قصص "الشكل المستطاع" يمكننا بسهولة اكتشاف شخصية الكاتبة المصحوبة بصور الأمكنة التي شغلتها قبل وبعد نضوجها، كما في قصة " المرايا تفرح" تعبر لنا عن ما استوقفها في تغيير أو تحول تلك الطفلة إلى المراهقة في أعين الناس باتجاه تغيير جسدها وما يراوده من متطلبات ورغبات الشباب، داخل ثمانية مرايا :
في المرآة الأولى: تصف لنا ملاحظاتها وتأملها الأول في شكلها عامة، شارحة لنا شعاع الوجه و شعر الجسد الزائد وثقل الثديين وتفاصيل أخرى .....

أما في المرآة الثانية: كان تأملها أكثر دقة في وصفها واندهاشها بتلك المرآة بدء الحاجب ودبدبة أنف الأمس الجميل وتحول تفاصيل الموجه كاملة لشكل غير مرضي و...
مسترسلة تنقلات النظر إلى المرآة الثالثة: وبما تبقى من تفاصيل فجاجة أعضائها الأنثوية المتحولة حديثا، ولم تنسى أن تسجل ملاحظات تلك المرايا التي "تنعم بنظرة واحدة إلى أماكن خصوصيتها، المختبئة من انعكاس الصورة وهي ترتدي ملابسها كما يختبئ اللص من خيال الشرطي" .

أما في المرآة الرابعة: ترسم الكاتبة مكاشفات مرايا نفسها، مرورا "بمرآة السيارة، ومرآة الحمام ...، وتصورها "لكشف الزوج ذلك الجسد في عيون كل آخر"، وكذلك مراياها الحزينة التي ترصد كل تمردها الغير مبرر، وبكائها لحساسية المراهق وانقلاب الشكل لدي المراهق عامة، وغضبه لموقف قد لا يستحق البكاء..، ومن تلك المرايا ترسم لنا شكل "المرايا الفرحة" واستعدادها لموعد غرامي حسب معطيات المراهقة وفق نسق الزمن المتغير حيث استخدام مرحلة تغيير الجسد واستعداه .

ليبقى السؤال: ماذا كانت تتوقعه الكاتبة غير ذلك؟! من أعضاء تلك الطفلة وتحول جسدها إلى البلوغ التام ؟!.
لعلنا نلاحظ كيف استعادت الكاتبة سماح بخفة متناهية، عالم طفولتها المشع بروح مفهومها الساخر ومنولوجها النابع من تأملاتها بما يدوي بين الطفولة والمراهقة، والنضوج بعين امرأة .
حيث يتم تغير عمر الإنسان كفصول السنة ونشأة أزمة الإنسان وقدره الوجود، إنها تجربة التكوين والانشغال، والانكشاف الذي يتحول فيه الخفي الظاهر، باستحضار الكاتب قيمة تلك اللحظات التي تخدم تقييم الإقناع النظري في القصة . أنها في أنها تغرد داخل السرب وخارجه في ضمير المتكلم ما يجعل القارئ يصنفها صمن التجربة الخاصة في التضاريس الذاتية البعيدة عن القيود .

هكذا تعود إلينا الكاتبة من جديد بعد كل قصة إلى صورتها، وطبيعتها لتبدو كأعواد ريش الطاووس، لتترك بين أعين القارئ ريشات أسئلتها الملغزة في فلسفة البوح، وحرية الوصول إلى قضايانا الشخصية والإنسانية في سطور قصصها القصيرة . ليبقى المتلقي يسال عن هروبها الساخر من الإجابات لصعوبة تغيير الموقف....

كما في قصة (بحث عابث) تفرش لنا معرض صور ذاكرتها الممتدة من إفرازات هرمونية تمردت.. لعدم جدوى إعادتها للحياة، أو لعدم رغبتها بخلط الحلم بالواقع، والممكن بالمستحيل، والإحساس بوجود الأمل، والسعي خلفه من جديد.. من وجهة نظر الكاتبة، بما أن قصص حياتنا لا تحتمل خيالا واسعة، بقدر ما تحتاج إلى الواقعية والنوعية التي تدخل في تنمية الوعي الإنساني، والمشاركة المجتمعية في مفهوم الواقع، وتحرره من الذي نعيشه في مجتمعنا وبمن نحيط به .
على عكس قصة (دفاع الكتروني) الساخرة من إمكانية حماية أسماء البشر وملفاتهم الشخصية من القرصنة الالكترونية، المرتبطة أسمائهم بذاكرة جهاز الكمبيوتر في برنامج "الدفاع عن النفس" الاتوماتيكي، ودهشتها من نقطة النهاية المقارنة بالواقع الفرد:

"لم يعننا هذا الرعب المتوقع من تكوين برنامج ذكي كهذا، لكن ما أرعبنا بعد الفراغ من العمل هو أننا نسينا تسجيل أسمائنا ضمن من نريد الدفاع عن أنفسنا منهم ، بل نسى كل منا أن يسجل في برنامجه اسم الآخر ليحمي نفسه منه! "

أما في قصة (سروال) وهو سروال القصة، نقلت لنا تفاصيل قصة البواب وترصد التقاط عدسة كاميرا الكاتبة ليصبح السروال قصة لدي الكاتبة بطريقتها بخفتها الممسرحة الساخرة ليتم نقلها للقارئ !
" حارس شجاع مهذب، شديد سواد اللون شديد بياض الثياب، يهرب مني كلما حاولت التقاطه بكاميرات القصة. يفلت بجبهته العريضة التي تغري الطفل بالرسم عليها، له طاقية بيضاء تشبه طاقية الإخفاء، كم تساءلنا متى ينام، لم يعلم أن هناك من سيكتبه على أزرار لوحة المفاتيح الالكترونية المصاحبة للحاسوب، ويحاول استراق بعض منه . وما زال يصر علي ألا اصعد بنظري أكثر، ولا أطال وجهه الرحيم وألا انزل إلى قدميه المكشوفتين، وان ابقي معلقة مع السروال الأبيض، معلقة في البياض حتى يترنح الساعدان باستمرار لطيف حول سروال القصة." لهذا أطلقنا عليها صاحبة " القلم الفنتازيا " لاختيارها مثل هذه القصة .
أما في قصة (لـغـة) تصف لنا الكاتبة سماح، قصة الحروف التي فقدت أثار معناها وسقطت فكرتها من سوء استعمالها من قبل بعض ناقلي مبادئها بغير الحقيقة، مما افقدها تواصل الحروف النبيلة بين مجتمع متواطئ على سوء استعمالها .
لهذا نقدر تمرد الكاتبة الأقدر على التعبير عن كل ما يدور في النفس ومع من حولها من أفكار وفرضيات غير متوازنة مع الحياة والمجتمع، ما أنتج هذان النوعان من الأمزجة في قصص سماح الشيخ، وهما وجدانية المجتمع، وسيرته الحياتية المبللة بالسجع الطبيعي، الذي أتى على غير المألوف في القصص "الشكل المستطاع".

لم تمر حالة من حالات الفرد إلا واستوقفها تسجيل بعضا من حياة المجتمع الفلسطيني بعمومه كما في قصة (شيخوخة) في حياة الزوجين/ ورهبة موروثات الزوج/ وأسباب عدم التوافق/ وفراغ المودة بينهما/ وعن سوء حظ الأبناء/ وتآمر القدر/ وتدخل الفرد المؤثر لزيادة الأذى والقلق إزاء الوضع القائم في مجتمعها .
لم تترك الكاتبة قصة مرتبطة بها وبنا وبالمجتمع إلا أظهرت خفاياه، وأبرزت فراغاته المؤثرة، كما في "قسوة الطقس"، "وسادية الظروف المعادية"، "ومراهقة الطفولة لدي الرجل"، وعن أطفال الشوارع في الطقوس الباردة، وحتى معاناة المواطن أثناء خروجه من الوطن في قصة (قبل أن تبدأ) حيث في الخروج تعرف النفس والعقل على الكثير من أحوال الحياة والثقافات، وحضارة الوجود، وصناعة الرأي، مما يمنحه سلوكا مختلفا في تعامله مع الحياة .
واضطهاد العودة إلى الوطن، وما يتخلله من مشاهد متناقضة بين من تسافر إليه، ومن يستقبلك في وطنك، ولم يفوت الكاتبة في نهاية عودتها، السخرية من الشتاء في الوقت العصيب الذي وصفته بـ "بول السماء الذي سيتحول يوما ما أو فيما بعد إلى حيض السماوات السبع .

وفي قصة (فوبيا) المنفردة باللمسة التسجيلية للموظف في مؤسسة، أو المؤسسات الحكومية، وسط تنظيمات وفئات متعددة والتي لعبت دورا في تحويل حركة الموظف النشطة منذ خروجه من المنزل قاصدا عمله في سيارته أو سيارة أجرة على إيقاع أغاني فيروز، وتفاؤله بنهار لا باس به من الحيوية، وسط حركة المراسلين وأصوات آلة التصوير وضرب السكرتيرات على الطابعات، مرورا بفناجين القهوة والشاي المتحركة على طاولة الموظف، وفوضى ارتباط الفرد بالعمل الذي تحول إلى مؤسسات دينية "بيروقراطية"، محاطة بالكثير من الألغاز أو الكهنوت...؟! وما اتضح بين ثنايا الموظف، واللعنة من العادات الجديدة الخاوية التي تم اقتراح حلها على طريقة الكاتبة الساخر كعادتها:

"وعندما يتم اقتراح حل لتلك الفوبيا الغير المبررة، تكون النتيجة أدوية نفسية باهظة الثمن، تثقل الخطوات وتضعف التركيز وتقلل من اليقظة . هو ذا الحل: عدم الوعي بالأشياء يقلل الخوف منها ."

هكذا تحقق سماح الشيخ، بسخرياتها النابعة من موهبتها .. نقد الحياة والمجتمع، لأجل أن تخفف من ضريبة تلاعب الموقف الظاهر في أعين الكاتبة .
أما في قصة (تهجين) أجادت الكاتبة سماح الشيخ وضع رموزا تصويرية موسيقية معبرة بحسب دارسو نظم الكتابة التصويرية التي تندرج تحت تسمية " الهيروغليفية" كحيلة فنية في الإبداع، على الرغم من ميل الكاتبة لتوزيع الأدوار بالإضافة إلى التفاصيل الدقيقة .

كما في قصة (بذاكرة مزيفة، اكتب قصة) المسجلة بأسلوب غير مباشر معتمدة على الإيماءات والإيحاءات، والتأثيرات النفسية والإنسانية والاجتماعية بأبعادها الواضحة في مجموعة "الشكل المستطاع" الذي وجدنا فيه أكثر من عمل فني وإبداعي، فضلا عن لفتاتها الإنسانية تجاه الأشياء الصغيرة واهتمامها الملحوظ بالحبكة ذات الإشارات والإيماءات، تاركة التفسير والتحليل للقارئ حسب تقديره ومفهومة للجانب الإنساني في القصة ! مقارنة الأناة بالآخر، وتحويلها إلى أفعال تخدم المجتمع واستنهاضه .

ومن المؤكد أن ثمة مستويات رمزية تلوح في قصص الكاتبة سماح الشيخ، المدونة بكل عنصر من عناصر شخصيات القصص، ومدى ارتباطها بالعناصر والرؤية التي تتسم بالعبثية .
وهناك العديد من العناوين تحمل قصص الفرد في مجتمع غزة التي جاءت نتائجه على هذا التوظيف للشكل المستطاع، لترمي قذائف تلك الأسئلة الساخرة في ملعب المتلقي، ليحرره من قيود مساحاته، وتطوير ما يحتاجه الإنسان من تغيير لظروفه المعيشية، والسياسية، والاجتماعية، لتتجدد الحركات الفكرية في مجتمعنا من جديد .
ورفضها لكثير من أشياء ربما لم تعلن عنها صراحة لحساسية الكتابة وسط اختلاف الوعي المتناقض الرؤى المحيطة بمجتمعها، ورفضه تحديث الفرد وتشكيله ديالكتيكيا بما يتلاءم مع كل طموحاته وانطلاقته الأكثر حداثة، وتحريك المجتمع الصامت والكشف عن معانات شرائحه المتمثلة في جوهر الحياة....

ولا تفوتنا ملاحظة: أن عالم سماح الشيخ الذي أدارته وألقت الكثير من الضوء عليه من خلال قصصها الإنسانية ومعاناة الفرد اليومية فيه، وشوقه الدائم لإعادة صياغة حاضره وما ضاع من حقوقه كإنسان حر، ليتناسب الوطن مع طموح الفرد، بدل أن يغادر الأرض التي نشأ فيها بحثا عن قيمته ليغدو معادلا مع يناوئه الواقعي، ليبقى كالجبل له في التاريخ ذكرا .

بهذه القصص المتمركزة على المواضيع المكتظة بتصوير الحالات، والأحاسيس المؤثر، والمسيطر علية قوة الظلام والقهر الاجتماعي، معلنة تحريضها الذاتي على المكاشفة والتحدي..
اذا استطاعت الكاتبة المسرحية سماح الشيخ، بطاقتها الدفاعي الإنساني ان تصرخ بوجه المجتمع، بآليات هذا الشكل الفني، والاقتراب من أعمال "ديستويفسكي" و" تولوتسوي" التي تمثل حالات مجتمعية تحمل لفتات إنسانية مطلقة تجاه أشياء كثيرة، وهنا يكمن سر جمالية قصص سماح الشيخ وقراءتها المستقبلية التي تتعدى حدود الورق المليئة بالحس المرهف والسخرية ومفهومها للواقع الاجتماعي .

فبرأي إذا كنا نريد أن نسجل مخطوطات روائية أو قصصية، يجب علينا أولا أن نكون كهنة الاعتراف ... ويجب أن نضع القوانين، والأسرة والمحيط والمجتمع، والسلطة، في فكرة البوح ليصبح الواقع ملموسا، متصلا بذات الجسد والروح، وبملامح الصوت، واللباس، والحركات، والإحساس، التي يلزمنا استعراضها، كما سجلت الكاتبة سماح الشيخ، تأملها بالأشياء ومحاكاة ما استوقفها وألزمها إيصال ما أمكن إيصاله رغم الإحباطات والعوامل الغير مساعدة، بدل أن نبقى جالسين خلف الستائر .
وهذا ما أعطانا مادة التعقيب على هذه القضايا لما لها من أهمية في الواقع الإنساني والاجتماعي، لا يستنفذ أهميته كثرة الحديث عنه، في وقت نحن بحاجة فيه إلى أن نصل إلى الجميع .

تأملات خالد خريس/ زياد جيوسي


(نبض) اسم جميل يحمل في داخله معاني كثيرة، فهو يختصر الحياة وسريان الدم والروح ودقات القلب بثلاثة حروف، تشعرنا أن وراءها مفاهيم كثيرة. أثناء تواجدي في عمّان تناهى إلى مسامعي عن معرض للفنان خالد خريس في صالة العرض التي تحمل اسم (نبض)، فلم أتمالك نفسي عن سؤال السيدة سعاد عيساوي مديرة مركز رؤى، الذي لا يمكن أن أزور عمّان ولا أزوره، عن صالة العرض وكيفية الوصول إليها، فأفادتني عن عنوان (نبض)، مضيفة كلمات طيبة عن الفنان والمركز الذي يضم لوحاته في جنباته.

سمعت عن الفنان خالد خريس كثيراً في السابق، ورأيت لوحات له عبر الصحافة والشبكة العنكبوتية، لكن لم يتح لي حضور أي معرض خاص له، فكانت زيارة معرضه (تأملات) فرصة كبيرة لي أثناء زيارتي عمّان، فرصة شكرت الله بعد ثلاث ساعات من التجوال في المعرض أني لم أضيعها، رغم انشغالي بلقاء الأصدقاء والأسرة والإعداد لحفل توقيع كتابي (أطياف متمردة).

(تأملات) كان أربعة وثلاثون لوحة حملتني في عالم غريب، كان الوقت مبكراً حين وصلت صالة العرض، مما أتاح لي التجوال وحدي بهدوء، أتأمل اللوحات لوحة إثر أخرى، وأسجل بعض الملاحظات، لأجد نفسي في نهاية الجولة أعود من جديد، فلوحات الفنان حملت سحراً غريباً شدني بقوة للتحليق في داخلها وفي فضائها، فليس كل لوحة تشكيلية يمكنها أن تمسك بكلتا يديّ وتشدني إلى داخلها، فأشعر بنوع من حالة انعدام الوزن، وأحلق في داخل اللوحة بحالة من الصمت الذي يجعلني أعيش لحظات من الذهول وكأنها لحظات تصوف، فليس غريباً أن يحمل المعرض اسم (تأملات)، فهو يدفع المرء للتأمل، ويحمله في عالم التأملات بين الروحية والمادية.

منذ اللوحة الأولى يشد المعرض المتفرج، فاللوحات التي حملت أرقاماً ولم تحمل أسماءً، تجعل المرء يعيش حالة تأملية نادرة يعيشها من خلال الفنان وإبداعه، ولا يتسع المجال للحديث عن كل لوحة من لوحات المعرض، فكل منها حكاية متصلة باللوحة التي تليها، ومجموع الحكايات تمثل رواية مفتوحة النهايات، وفي كل لوحة نجد صلة متصلة باللوحة التي تليها، بحيث شعرت أني أمام لوحة كبيرة واحدة متعددة الأشكال والأفكار، ففي اللوحة التي حملت الرقم (1) كان اللون الأزرق ببرودته المعتادة يطغى على اللوحة مع تدرجاته اللونية، متمازجاً مع اللون الأبيض الذي يعطي انطباع الطهارة فوراً، وفي منتصف اللوحة رموز من خلال شكل يوحي برجل وأنثى، يقفان بتأمل، بينما في يسار اللوحة وفي وسط إبداع تلويني كأنه ضباب، نجد رمزية واضحة، وكأنها تمثل شخصين متقابلين، بينما في أسفل اللوحة يتكون شكل أبيض يوحي أنه بيضة، فكأن اللوحة تعطينا أن الحياة تبدأ من بيضة لينتقل الإنسان إلى مرحلة التزاوج في المنتصف أو المواجهة في يسار اللوحة، واللون الأزرق إلى اتساع الكون بين البحر والسماء.

بينما ينتقل في اللوحة رقم (2) إلى زيادة حدة اللون الأزرق، وكأنه ينقلنا من صفحة إلى صفحة بين اللوحتين، بحيث تكون اللوحة الثانية استكمال للأولى في الفكرة، فنجد في منتصف اللوحة مشهداً وكأنه تجريد لشخوص ومباني وشجر، ويتداخل اللون البرتقالي في اللونين الأزرق والأبيض بنسبة قليلة، فتمنح اللوحة القليل من الدفء، وكأنه ينقلنا من فكرة الشخصين في اللوحة الأولى، إلى فكرة تكون المجتمع في اللوحة الثانية، لينقلنا مباشرة إلى اللوحة رقم (3) التي كانت مستطيلة الشكل مقارنة مع أن أول لوحتين اعتمدتا الشكل المربع.

وفي هذه اللوحة اعتمد الفنان اللون الأبيض كقاعدة في ألوان اللوحة، تدرج به إلى مشتقات الأبيض وتدرجاته اللونية بهدوء وسلاسة، مازجاً إياها ببعض من اللون البرتقالي الذي أضاف بعضاً من حرارة للهدوء السائد، وفي منتصف اللوحة نجد مربعاً أبيض، تحيط زواياه نقاط سوداء، وتتناثر باللوحة رمزية الشخوص إضافة إلى أشباه الدوائر والتي يلمس المشاهد أنها تتكرر في اللوحات، والمربع الأبيض مع النقاط السوداء التي تلامس زواياه تثير في نفس المشاهد الكثير من التساؤلات، فهي أشبه بالقلب في الجسد، نقاء القلب وبعض من نثار أسود يشوه النقاء، وهذه اللوحات الثلاث شكلت مجموعة متصلة من ضمن لوحات المعرض.

المجموعة الثانية تمثلت باللوحات التي حملت الأرقام (4و5و6)، وفيها كانت التغير الهادئ في الأسلوب والفكرة، ففي اللوحة رقم (4) نجد لوحة تشعل الدفء في الروح مباشرة من اللحظة الأولى للمشاهدة، فهناك تدرج متميز باستخدام اللون، وفي أعلى منتصف اللوحة ومن خلال تداخل الألوان نجد كلمة (حب) على شكل هندسي وفوقها مباشرة سبعة أشكال وكأنها غيمات، اعتمدت تدرج اللون بين الأبيض والأزرق والبرتقالي، إضافة إلى شكل القلب المتداخل وكأنه قلبان، باللون البرتقالي الحار في أعلى يسار أسفل اللوحة، فكان مشهد القلب مع اللون يشير إلى حالة ولادة جديدة، بينما في الجهة المقابلة كان هناك رمز اعتمد الخط المنكسر بثلاث ألوان، وفي اللوحة بشكل عام اعتمد الفنان الشكل الشاقولي المدبب من أسفل والمنفرج من أعلى، بإشارة رمزية إلى حالة التأمل التي تصل إلى درجة التحليق، فأوحت هذه الأشكال وترتيبها وكأننا أمام النصف العلوي من جسد بشري، لا يمكن أن يحلق في الفضاءات السبعة بدون الحب والسكينة والتصالح مع الذات.

ليواصل الفنان مسيرته باللوحتين التاليتين، بإسقاط العديد من الرموز والتحليق والتأمل، من خلال اللون الأزرق بتدرجاته في اللوحة (5) والتي توحي بشكل عام بالضياع في وسط الضباب، بينما ينتقل إلى اللون الأزرق الداكن في اللوحة (6) التي هي أشبه بغمامة يسودها صراع في داخلها، بينما اعتمد خلفية اللوحة باللون البرتقالي بتدرجاته، فلم يكن حاراً بمقدار ما أثار تمازجه مع الأزرق شعور الخوف.

كما أسلفت في بداية حديثي، لا تتسع مساحة البوح عندي للحديث عن كل لوحة بشكل مستقل، فكل لوحة تمثل كما أسلفت حكاية، تاركاً المجال لمن يريد التحليق أن يبحث عن اللوحات والتحليق في فضائها، مكتفياً بالإشارة إلى أن كل عدة لوحات في المعرض مثلت مجموعة متصلة، ومجموع اللوحات روت لنا حكاية رحلة الفنان خالد خريس (التأملية في الكون والطبيعة والنفس)، يسير بنا بها بدون أن نمل أو نكل، حتى نصل إلى المجموعة التي تختم المعرض، وأكتفي بالإشارة فيها إلى اللوحة الأخيرة رقم (34) التي تعود بنا إلى البدايات.

لنبدأ رحلة التأمل من جديد، فكان المعرض كما تحدث الفنان (تأملات هو حصاد سنوات من الزهد والترفع، هو تأمل في الظاهر والباطن، بعيداً عن التفاصيل المملة)، وبالنسبة إليّ كانت رحلة في فضاء صفاء الذهن، والتحليق الروحي في عالم الجمال، تركت الرحلة أثرها في روحي.

عدت إلى رام الله وانطباعات (تأملات) في الروح، و(نبض) كأنه من نبضات القلب، آملاً أن يتاح لي حضور معارض أخرى للفنان تتيح لي التحليق من جديد.

السبحـــة/ حسن لشهب


تأمل أسراب السيارات التي تمرق عبر الشارع الطويل، تناسب كما لو أنها كريات صغيرة. لم تكن لها ألوان ولا أشكال مميزة، مجرد كريات مستديرة تتدحرج بسرعة في اتجاه مجهول.
الناس أيضا يتحركون مثل كريات في خيط سبحة، تتقاطع اتجاهاتهم كأنها مرسومة سلفا، ومحددة خارج اختياراتهم.
يعلو الغبار في الأفق، فتزداد ملامح الأشياء قتامة، فتصبح هلامية. تذكر سبحة جده، كان يحرك خرزاتها ما بين السبابة والإبهام بسرعة مذهلة، يعلو محياه خشوع، وتتحرك شفتاه متمتمة في همس غير مسموع. كان يشعر أن هذه السبحة تملك قوة سحرية لا يدرك كنهها إلا صاحبها، لم يشاهدها قط إلا مع الشيوخ، فكان يجلس قبالة الجد بصمت يتأمل حركاته، وتمتماته، حاول قدر الإمكان تبين حقيقة ما ينطق به بلا جدوى، سأل الأطفال عما يقوله الكبار وهم يحركون خرزات السبحة، فكان النقاش يفضي إلى مواضيع تعجز عن فك رموزها عقولهم الصغيرة.
تذكر يوم نسيها الجد فوق "الزربية" فنط بحركة بهلوانية إلى مكان جلوسه، حاول تقليد حركاته وتحريك حبات السبحة، فكان يفشل كل مرة، ولما اعتراه اليأس حولها إلى لعبة يرمي بها في الهواء تارة، ويضعها حول عنقه تارة أخرى، ومن حيث لا يدري انفرطت السبحة، تناثرت خرزاتها في كل الاتجاهات، باءت محاولاته لإعادة جمعها بالفشل، فكانت ليلة نال فيها عقابا اختلط فيه الصفع والضرب على الأيدي ... وبقي سر السبحة مكنونا، بلا تفسير.
ومن فرط اندهاشه بسر الكريات، تعلم الحساب في المطبخ، بجانب أمه وهي تفسخ حبات الحمص وتفصل عنه الجلد بحركاتها السريعة وكذلك فعل مع حبات البازلاء، والعنب، والطماطم... وما شابه ذلك.
وعشق الكرة لحد الجنون، كان يقضي يومه مع الأطفال سعيدا، مزهوا بإصاباته الرائعة، ولما يحين موعد غروب الشمس يجلس وحيدا يتأمل قرصها وهو يختفي ببط في الأفق ويعود إلى المنزل، مدركا أن زردة العصا في انتظاره.
وفي الفصل كان يقضي وقته في تأمل رؤوس أصدقائه، مدققا في تضاريسها، فلا يعود إلى الواقع إلا بعد أن تهوي عصا المعلم فوق رأسه. أما درس الكواكب والنجوم فكان لحظة متعة بلا حدود، الأرض تدور والكواكب تدور ...
والرأس، يدور، ويدور، ... والزمان يدور ...
انتبه إليها تجلس بجانبه، أسبلت عينيها بغنج ودلال، نظر إليها بإمعان، الرأس العينان، الثديان كل شيء مدور ومكور ... . وابتسم، ...
ردت له الابتسامة وسألته عن عمله، ابتسم وقال:
-أنا كاتب.
عقدت المفاجأة لسانها وقالت:
-كاتب عمومي
فقال:
-لا ... أنا أكتب الروايات والشعر، والقصص ....
فانفجرت ضاحكة وقالت:
-هل لك أن تحكي لي واحدة من قصصك.
أجابها قائلا:
-قصصي تقرأ ولا تروى.
فردت والابتسامة لا تفارق شفتيها:
-وأين أجدها؟.
وبجدية واضحة، أخبرها أن لديه منها الكثير في منزله، ولا يحمل معه إلا قصة قصيرة لا زال لم يكمل كتابتها بعد، أعطاها ورقة أخرجها من جيبه، وأحس بالدوار، يده ترتعد ... أصوات تتقارع في رأسه، آلام حادة ... ثم الظلام والسكون.
لما استيقظ في الصباح، وجدها ممدة إلى جانبه، ثوب نوم شفاف، تضاريس جسدها أعادته إلى فكرته، إلى هوسه برؤية الأشياء مدورة مكورة، والرأس يدور ويدور ... والزمان يدور...
عاد إلى النوم من جديد، بينما استغرقت هي في قراءة قصته:
"تأمل أسراب السيارات التي تمرق عبر الشارع الطويل ... .
انتبه إليها تجلس بجانبه ...".
تساءلت بعد الانتهاء من قراءتها:
-ترى متى كتب هذه الأشياء؟
نهارا أم ليلا؟ قبل اللقاء، أم بعده؟.

قمة عربية ( ليبية أردنية )/.أسماء سريبة

رايتهم في منامي مجتمعون

في ورق أ بيــــض يكتبـــــــون

اقتربتُ منهــــــــم في سكون

سألت عنهم - - -

فقالوا ليس بإمكانكِ الدخـــول

نحن لا نقـــــــــدم الحلـــول

نجتمع لنكتب صفحات وفصول

خرجـــــتُ وأنا في حالة ذهول

أ بحت عنهم خلف الجدار يتوارون

لِم تهربون ؟ ألستم أهــل دار؟

فأجابوا بلهجة يكسوها المرار

طردنـــــــــا مند أعوام - -

لأننا بضع كلمات تقال في كل مكان

في الحواري والأزقة الظلمــــاء

نكتب في ورقه ونرمى في سلة المهملات

وإن كنا على جدول المناقشات

كثيرا ما نسقط من الملفات

فهم لا يقدمون إلا قرارات

صماء بكماء…………….!

فقلت..ألا تمثلون شعوبكم في هدا المكان

فقالوا..نحن صوت الضحايا في….

القدس غزه رفح والنجف وكربلاء

في رام الله بيت لحم وفى الأنبار

واستيقظت من حلمي فزعه

وأدركتُ أن أمتي العربية

تستحق جائزة أوسكار

لهز الأكتاف والخنوع والإذلال

فكل شئ يقف حتى قلمي يقف

إلا أمتي العربية في ظل ما نحن فيه لن تقف






نعمة الحباشنة تقول :-

من قال لكِ أسماء أنهم لا يقفون ….

طوابير علي عتبات البيت الأبيض ينامون ….

في أروقة الحانات وبين أقدام الغواني يتراقصون …

خبزنا وملحنا يسرقون ….

بكرامتنا أقداح خمرهم يشربون ..

وعلي فراش الزاني مقدراتنا يضعون …

أسماء لا تظلميهم أسماء …

هم لا ضمير ولا منهم رجاء …

فلم الوقوف أسماء ؟؟؟؟؟؟؟؟

وماذا سيفعلون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

هل بقي عندنا شيء إياه يبيعون ؟؟؟؟

باعوا الضمير وباعونا بسوق نخاسة لعبده قارون …

لا ..لا نريدهم واقفين ….

بل نريدهم صامتين ..

يخرسون ولا يتكلمون …

يلفهم الموت وتقتلهم السنون …

لعل وعسي غاليتي أن يكون هناك من يعيدون …

تاريخ مجد لأمة العرب معطرة بريح زيزفون …

هم همنا ولهمنا همه…

فليتهم أسماء ينامون ولا يستيقظون …

وليتهم يشلون ولا يقفون …

وليت باب الشر فتحوه يغلق عليهم …

شو بشر استراح فلا قهر ولا يحزنون …

يا أسماء العروبة نخلة استطالت …

علي أرض ليبية الحب تنامت …

تكتبين وتكتبين وفي القلب تسكنين ..

همومك هموم عربية لا تستكين …

ترتجين ما ترتجين ويبقي الأمل برب الرحمة والحنين …

أن يبدل الحال بخير منه ….

وأن ينزع من ظهر هذه الأمة السكين …

تفرح عروبتنا بأصلها وفصلها المكين ….

تلوح بغرور سلاطين الكفر الماكرين …

عربية أنا ورب عيسي وموسي وياسين ..

سيعيدني للمجد طفل يحبوه وبنت نسيتها السنين …

شجرة عروبة جذورها ممتدة من يمن خير إلي محيط خير الأولين …

ثمارها أبناؤها وزهرها عربي يزين هامات المستجيرين …

ستعود العروبة يوما بمثلك أسماء …

فلا تفقدي اليقين ....



لخضر: رواية للكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح (1)/ د. عدنان الظاهر

هذه هي الرواية الثالثة للكاتبة الجزائرية الشابّة ياسمينة صالح . روايتها الأولى " بحر الصمت " [ 2001 ] والثانية " وطنٌ من زجاج " [ 2006 ] . تقرأ الروايات الثلاث فتراها مسلسلاً أوفيلماً مُتقناً ملوّناً شديد الكثافة منوّع المناخات مختلف الأجواء نفّذه وأخرجه خبير مزوّدٌ بعالي الخبرات التقنية وأحدث أجهزة التصوير والإثارة . رغم كل هذا التنوع والإختلاف وشدة التكثيف وبلاغة الأداء يجد القارئ في هذا المسلسل الناجح عموداً فقرياً واحداً يربط أحداثه بقوة يتوزع على محورين رئيسين متوازيين مترابطين بإحكام عضوي وجودي لا ينفصم يُفسَّرُ أحدهما بالآخر وقد أجادت الروائية أيّما إجادة في هذا الربط حتى بدت فيه وخلاله كأنها تقدّمُ إستعراضاً أو بياناً توضح فيه فلسفتها الخاصة فيما جرى وما زال يجري من أحداث في بلدها الجزائر أو في سواه كعراق اليوم مثلاً . المحوران المتوازيان بدون إنفصام هما الحرب والدم من جهة والحب والتزاوج من الجهة الثانية . الوطنية والسلام الإجتماعي ثم إدامة الحياة بالحب والزواج ثم الإنجاب حيث لا من إنجاب دون زواج . المواليد الجُدُد يعوضون ما يسقط من القتلى من ضحايا الإرهاب والحروب الأهلية الدينية أو العِرقية أو الطائفية .

" لخضر " حسب لهجة أهل الشمال الإفريقي هو [ الأخضر ] وهو إسم علم معروف في تلك البلدان . الأخضر هو بطل هذه الحلقة الرئيس جرت حوله معظم أحداث الرواية وساهم فيها بنشاط فصعد في الحياة من مجرد شخص مُعدَم ، حمّال إبن حمّال ، إلى شخصية مرموقة في الدولة برتبة جنرال فكيف حصل ذلك؟ تتبعت ياسمينة صالح حياة " لخضر " يوماً فيوم وبصبر عجيب ورؤية ثاقبة تحلل فيها ما يقع من أحداث بقدرات غير عادية لكأنها كانت هي نفسها ضابطَ جيش أو شرطة . وحين تتكلم عن الحب والعشق والعاشقين وتفاصيل الزواج يُخيلُ للقارئ كأنها هي العاشقة المحروقة . قامت بالدورين ـ ممثلةً ومُخرجةً ـ بكفاءة عالية وقدرة تثير الإعجاب فمن أين أتتها هذه المواهب ؟

يجدها القارئ في كل مكان إنْ ضوءاً مُتحرّكاً أو ظلاً ساكناً . يجدها في أوساط الفقراء والصعاليك ورجال العصابات والقَتَلة كما يجدها متألقة بين رجال الجيش والشرطة وينحني أمام قدرتها على تقمّص شخصيات ومواقف العاشقين وتصوير مشاعرهم وأدق عواطفهم بتلوّناتها العنيفة حيناً والهادئة أحيانا . تلتزم بصرامة مرنة خط سيرها على أو بمحاذاة العمود الفِقْري لسردها الروائي فتثيرُ إعجاب القارئ بقدرتها على التركيز ، أعلى درجات التركيز ، بحيث لا تفوتها صغيرة أو كبيرة وهي تعالج الأحداث وتتابع مساراتها السردية وخفاياها مُمسكةً بأعنّة الزمان مسيطرة على جغرافية الأمكنة بتخطيط يبدو فطرياً أو جبلّةً فيها فُطرتْ عليها مُذْ ساعة مولدها .

ياسمينة والوطن

إنْ بدّعتْ ( أو أبدعت ) ياسمينة وأجادت في التحرك على متوازيي العمود الفقري لأحداث وتفصيلات رواياتها الثلاث : الإرهاب والحب ، فإنها تنخرط في موضوعة مُعقّدة عرفها تأريخ البشر وثورات البشر منذُ أقدم العصور . أعني الخيانات . خيانات بعض الثوار لمبادئهم وانكفائهم حرصاً على مصالح ومنافع دنيوية وامتيازات ومال وعقار وما شابهَ ذلك من زينات الحياة المعروفة وزخرفها . كما لم يفتها موضوع آخر طريف رصدته ياسمينة صالح بذكاء بمجسّات تبدو أكبر من عمرها ... أعني صعود بعض النَكِرات والشقاوات إلى أعلى المناصب بالقتال ضد المستعمرين أو بالمشاركة مع عناصر مأجورة مُدرّبة لإغتيال الخصوم السياسيين وتأجيج الصراعات بين مُختلف قطاعات الشعب كيما يفيدُ من ذلك مسؤولون كبارٌ في الدولة وأصهارهم والمقرّبون إليهم من تجار أسلحة ومضاربين وسواهم من تجار السوق السوداء . أقتبسُ ما قالت ياسمينة عن الصنف الأول [[ بلقاسم ... اللقيط الشقاوة ... الخادم ... الحوذي يُصبحُ واحداً من سادة وقادة الثورة في الجزائر / من رواية بحر الصمت لياسمينة صالح ]] (2) . كيف تسنّى لهذه الشابة المشتعلة وطنية وغيرةً على بلدها أنْ تلتقط هذه الظاهرة وما الذي لفت نظرها إليها وما سبب إبرازها ؟ إنه الإحساس الإنساني الفائق السموّ . إنه الموقف النقدي الصريح الذي يكشف الخفايا ولا يتردد في الجهر بقول كلمة الحق . أمّا النموذج الثاني الذي أبدعت الكاتبة في ملاحقة دقائق تأريخ حياته وتصويرها بالظلال والألوان فهو " لخضر " بعينه . والده حمّال في الميناء إلتحق ، ما أنْ كَبُرَ قليلاً لخضر ، بوالده يمتهن مهنة والده ذاتها . تدرّج لخضر في الحياة ودرجت به عاماً بعد عام ليجد نفسه واحداً في عصابة من القتلة المحترفين ثم قائداً لمثل هذه العصابات حتى غدا شخصاً مرموقاً يحملُ رتبة جنرال في الجيش ! الناس الأبرياء يُقتلون ويُحرقون وتُفصلُ رؤوسهم وصاحبنا لخضر يترقى نجمةً نجمةً ليغدو الآمر الناهي في بلد إنتصر على مستعمريه بدماء وتضحيات وأرواح مقاتليه البررة .

{ أعراس الدم }

لفت نظري أكثر من سواه موضوع الربط بين الإرهاب وما يسيلُ من دم بريء في مختلف بقاع الجزائر وشغف الكاتبة بملاحقة أحوال العاشقين صبايا وصبيان وناضجين . فتارةً تتم صفقات الزواج لتنتهي بمصرع الزوج على أيدي قتلة مأجورين ممن لا همَّ لهم إلاّ إشاعة أجواء الرعب والخوف . وتارة أخرى تتمُّ فيها إجراءات ومراسم الخطوبة لكنَّ صفقة الزواج لا تتم : يُقتلُ بسيارة مفخخة ضابط الشرطة خاطب الطبيبة الجزائرية المتأهبة للدخول في عش الزوجية . يحولُ الموت غيلةً دون بلوغ الغاية والهدف . نسمع قول صحافي صديق للعائلة المفجوعة [[ خبرٌ وقع أمام عينيَّ كالصاعقة. خبر سيارة مفخخة انفجرت على مقربة من المديرية العامة للأمن . هالني عشرات القتلى . شعرتُ بالفظاعة وقتها. خُيلَ إليَّ أنَّ الأمر صار فوق الإحتمال. كانت الحربُ في ذروتها بين اليأس والرعب والقتل العمدي . أجلْ ... شعرتُ بالرعب وصور القتلى تصلنا إلى مقر الجريدة لنشرها تباعاً . كنتُ بلا صوت حين وقع نظري على صورة الضابط الرابع الذي كان ضمن الضحايا / رواية وطن من زجاج . الصفحات 168 ـ 169 ]] (3) . الطبيبة التي ترمّلت قبل زواجها كان هذا الصحافي الوطني الشاب يتمنّاها زوجاً له فلقد كان صديق شقيقها وزميله في تحرير جريدة بعينها طالته هو الآخر يد القتل الإرهابية . هو ضحية حب عاصف لم يكتمل ولم يبلغ هدفه المأمول . أما هي ، الطبيبة ، التي أحبها وتمناها فلقد نُكبت بزواج لم يتم وبخطيب أحبته وفضلته على الصحافي . لنسمع تفاصيل قصة مأساوية أخرى مما أبدع خيال وقلم ياسمينة صالح " حياة " شابة جزائرية وهي خطيبة " حُسين" الذي فقد أمَّهُ رضيعاً وضاع منه أبوه الجنرال الأخضر بل تركه في رعاية جده وجدته لأمه وضاع أثره عليهم . قتل إرهابيون أباها الضابط في سلك الشرطة . أما نجاة ، والدة حياة ، فقد سبق وأنْ أحبّها الأخضر في صباها وأوائل شبابه وعرض عليها الزواج لكنها رفضته بتكبّر وغرور لأنه كان يومذاك حمّالاً إبن حمّال [[ رواية لخضر ]] (1) . ما هذا التوافق الغريب ؟ ضباط أمن وشرطة يقتلهم الإرهابيون يتركون زوجاتٍ أو فتياتٍ مخطوبات كان المفروض أنْ يكونَ نصيبُهنَّ لرجالٍ آخرين .

لقطات من صور الإرهاب التي أبدعت ياسمينة صالح في رسمها ووضعها أمام أنظار العالمين تضع أمامي ما جرى ولمّا يزل يجري على أرض الرافدين في العراق . تقول ياسمينة بلسان الصحافي إياه عاشق الطبيبة المنكوبة قبل خطوبتها [[ ... قبل سنوات كان يُخيلُ إليَّ أنَّ القلمَ أقوى من الرصاص ... لكنْ ... اكتشفتُ أنَّ الرصاصَ أقوى من كل شيء وأنَّ الحربَ التي تنفجرُ لا يمكنُ أنْ يهزمَها قلمٌ ... وأنَّ القلمَ لن يحمي أمّاً من الفجيعة في غياب أبنائها . وأنَّ القلم لن يحمي فقيراً يجرّه الإرهابيون من بيته لينحروه كالشاة دون أنْ يعرفوا اسمه حتّى ...يجرّونه لحاجةٍ في نفس الجريمة التي تعني بقاءهم على صدر الصحف اليومية لأجل الإطاحة بمعنويات الناس . لهذا يقتلون لأجل أنْ يقتلوا أولئك الذين يعتقدون أنهم ما زالوا أحياءً . يقتلون لأنَّ القتلَ زادهم اليومي في قتال غامض يتغذّى من جثث الفقراء والبسطاء والمقهورين والمغبونين / رواية وطن من زجاج ، الصفحات 162 ـ 163 ]] (3) .

ليت أهل العراق يقرأون ما كتبت هذه الياسمينة المباركة الشديدة النقاء والناصعة البياض وهم أعرف بأحوال وطبيعة ياسمين حدائق بيوت بغداد بشكل خاص . تكتب كأنها تكتب من قلب بغداد وتحلل فتصل إلى ذات الأهداف الكامنة وراء دوافع الإرهاب والإرهابيين في كل مكان على سطح المعمورة .

المراجع

1ـ رواية لخضر . المؤلفّة ياسمينة صالح . الناشر :المؤسسة العامة للدراسات والنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى 2010 .

2ـ رواية بحر الصمت لياسمينة صالح . الناشر : ( طُبع على نفقة الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب التابع لوزارة الإتصال والثقافة ) ، الجزائر العاصمة. الطبعة الأولى 2001 .

3ـ رواية وطن من زجاج لياسمينة صالح . الناشر : منشورات الإختلاف ، الطبعة الأولى 2006 ، الجزائر العاصمة ، الجزائر

ياساكن الروح/ زياد أبوخوصة

يا سائلا عني من هم من الناس سواك
ومن هو أدرى بحالي من الغير سواك

أيا من على شاطئ أحزاني بالدمع
رسمت اسمك في بحر حبك رست مركبي
وعشقت شراعاتي هواك


يا ساكن الروح
كفاني في القلب جرحا" أدمى جوارحي شجنا والعين تبكي دما"
خضب مقلتي تنتظر لقيآك


مر الفراق ارتوى
منه عليل الشوق لهفة الألم والصبر أضناني
ويا لهفي كلما حامت الروح على أطلال ذكراك


أمل اللقاء يواسيني إذا ما جال بخاطري طيفه
كطير نورس تغنى بترنيمة الحب
وقلب أنت فيه لن يسلاك

 
حبيبي هامت بك الروح على لهف
ارقب عن كثب
متى طلة البدر حنينا"لرؤيته كفاك هجرا" عن العين كفاك
***
ديوان/لحن القوافي
كلمات
شاعر البحر
زياد أبوخوصة
بحربلاحدود


رواية " الخبز الحافي "، تعود من جديد ،لإثارة الجدل، سينمائيا/ علي مسعاد


" قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف ، حتما ، طريقها ."
محمد شكري صاحب رواية (الخبز الحافي )
" لقد فاتني أن أكون ملاكا " ، هكذا أختار ، الكتاب المغربي الراحل محمد شكري ، أن ينهي روايته/ سيرته الذاتية، الأكثر إثارة للجدل ، بعد أن عرفت طريقها ، إلى القراء ، بلغتها الأصلية ، و ترجمتها لأكثر من لغة حية ، لا لشيء ، إلا لأنها ، كانت رواية " صادمة " بكل المقاييس وبالنسبة للكثيرين ، في مجتمع محافظ ، لا زالت التقاليد والأعراف ، تحكم العلاقات بين أفراده .
الرواية/ السيرة الذاتية ، التي استمدت قوتها ، من جرأتها الزائدة برأي العديدين ، ومن عريها الصادم ، في مجتمع مسلم /محافظ ومنغلق .
لنتأمل ، ما جاء في الصفحة 91 يقول " ..صرت أفكر : إذا كان من تمنيت له أن يموت قبل الأوان فهو أبي . أكره الناس الذين يشبهون أبي .في الخيال لا أذكر كم مرة قتلته ا لم يبق لي إلا أن أقتله في الواقع ."
وفي الصفحة 6 يقول "..حين يشتد علي الجوع أخرج إلى حي " عين قيطوط" .أفتش في المزابل عن بقايا ما يؤكل .وجدت طفلا يقتات من المزابل مثلي .في رأسه و أطرافه بثور.حافي القدمين وثيابه مثقوبة .قال لي :
- مزابل المدينة أحسن من مزابل حينا .زبل النصارى أحسم من زبل المسلمين ..."
ولنتأمل ، أيضا ، ما جاء في الصفحة 138 من الرواية :" ..شغلت يدها في أزرار فتحة بنطالي .أطل قائما في يدها .فسحت يدها عليه من حشفته إلى منبته .تحك به شفرتي فرجها .عانتها مثل رأسها .أنا ألح على الولوج وهي تلح على الحك .تضغطه .تخنقه .تقيس حجمه هبوطا وصعودا في يدها المكورة .أعد فقرات عمودها الفقري .أنتشله من يدها .نتداخل .نتخارج .تضمني إليها بساقيها وذراعيها .قلت له : إجعل نفسك قويا معها .كن صديقا لشيئها الأعور ." . لقد كانت بحق " صادمة " بامتياز ، ولم يزدها " المنع " و" المصادرة " ، إلا تعلقا من طرف " المتلصصين "، خلف الأبواب المواربة و الباحثين عن "الجنس " لما يشكله من "طابو" و"مسكوت عنه" في مجتمعات ، لا تسمح فيها " للشياطين "، أن يمارسوا غوايتهم.
هل ، كانت مشاهد " الجنس " ،" العنف " ، " القهر " ، " الجوع " ، " الحرمان " ، هي الكلمات المفاتيح ، وراء الإقبال على " الخبز الحافي " ؟ أم أن " العري " الفاحش ، لبطل السيرة ، وجرأته ، في البوح ، هي التي قادت القراء إليه ؟ا وهل هي نفسها التوابل ، التي سيجني من ورائها صناع الفيلم السينمائي ، الأرباح المادية الطائلة ؟ا
الفيلم ، لمن شاهده سواء عبر " اليوتوب " أو القاعات السينمائية ، لا علاقة له بالرواية ، فهو نسخة رديئة منها ، ولم يكن هم أصحابه إعادة الحياة ، لأسطورة محمد شكري ، فكان بحق فيلم " عاري " بامتياز ، وبين لقطة عارية ولقطة عارية ، هناك العديد من اللقطات العارية .
وما غاب عن صناع الفيلم ، أن ما كان ذات مرحلة ، يشكل هاجس الكثيرين ، أصبح بلا قيمة ، في زمن شرعت فيه الأبواب المواربة ولم يعد للجنس ذلك " الهاجس " اليومي ، فاليوم ، أصبحنا ، نبحث عن أفلام تلمح أكثر مما تصرح ، ولعل السينما الإيرانية ، أصبحت رائدة في المجال ، فهي سينما بلا قبلات وبلا لقطات العري والجنس ، وفي الآن نفسه ، هي سينما رائدة في مجالها وتحصد الكثير من الجوائز حيثما رحلت وارتحلت .
محمد شكري ، قال كلمته ورحل ، وآن الأوان أن يكتب الجيل الجديد ، سيرته والتي حتما سيلتفت حولها ، جيل " الفايس البوك " و " التويتر " ، جيل الحرية ،الانفتاح و" الأمعاء الخاوية " جيل كل شيء ولا شيء .

هامش :
ولد محمد شكري سنة 1935 ،.ترجم مؤلفه البارز " الخبز الحافي " إلى تسع وثلاثين لغة وتوفي سنة 2003.

أخي العزيز الأستاذ شربل بعيني: والحيف واحد/ محمود شباط

الخبر، السعودية  في : 26/06/2010

سكري المذاق كل شعرك. ولكن قصائدك : مملكة الحكي، والغربة الطويلة و مجنون يسأل لها نكهتها وعذوبتها المميزة كتميز الشهقات الأخيرة لانبلاج الفجر، وكالهسيس الناعم الذي يسبق صرخات مخاض بهير الضوء في الهنيهات التي يبدأ فيها الحائك الأعظم حبك القبة الزرقاء بخيوط من أثير.

قرأت لك خواطرك الجميلة تلك، قرأتها في المرة الأولى للإطلاع وفي المرة الثانية للتذوق حسب تعبير صديقنا الشاعر هنري زغيب.

استوقفتني في مملكة الحكي دقة تصويرك لشعور المغترب بالوحدة حين يجنح به الخيال لتشكيل بشري يناجيه ليذكره بأنه لايزال في عالم الأحياء . تعابير منبجسة من قلب القلب ترشح لوعة وتقطر شجى شبابة قصب بين أصابع راع من بلادنا :

وْصِـرْتْ بـْلـَيالِي الـْبـِكـِي
إجْبـُلْ مِـنْ تـْرَاب الحَكـِي
إنـْسَانْ ...
إسْألْ : يْجَاوبـْنـِي
إزعـَلْ : يْعَاتـِبـْنـِي

و يتصاعد احترافك في رسم المشهد عبر الخشية الخبيئة في كلماتك السبع :

وضْحِكِتْ لـِمـِّنْ قِـلـْتْ :
وْصِلـْتْ ..
لـَوَيْنْ ؟ .. مُشْ مَعْرُوفْ !!

يا ألله ! كم هي مخيفة عتمة المجهول ؟؟ حتى في الوطن ، وحري بها أن تكون أرهب حين يتسمر المغترب حائراً مشتت البوصلة إزاء سراديب النفق المعتم ، وعلى باب كل سرداب نصب دراكولي اسمه "مُشْ مَعْرُوفْ" . ولو لم أكن متيقنا من أن كبيراً كشربل بعيني هو من حبك ذلك النسيج اللذيذ لنسبته لقلمي وتوأمته ببيت من قصيدة لي :


يَا غـُرْبْتـِي لـْمَا طـَال غـُرْبِـه قـَدّها
تـْلاتـِينْ عامْ وْبـَعـْدْ غـَايـِمْ حـَدّهَا

أتساءل باندهاش عن مدى تطابق المعاناة ! و أنوه بصدق شكواك أخي شربل حين تئن بحنجرة كل مغترب :

وْقـَالـُولـِي تـَعـَبـْنـَا تـِعـِبْ
والعمر ابتلى

صَدَقـْتْ ! وهل يعود ما فات ؟ من ذا الذي سيرجع لنا تلك السنين التي راحت ولن تعود؟ وهذا ما جسدته في قصيدة لي بكلمات مشابهة :

تـْلاتـِينْ عامْ بصخب بحر الإغتراب
من العمر راحت ما حَدا بـيردّها

وفي "مجنون يسأل" تفيض عباراتك بمرارة نسغ التساؤل واليأس، استمتعتُ حقاً بقراءتها و"قـَرْقـَشْتُ" تشبيهك للغربة بفتاة دون العشرين ذات عينين سوداوين تناجيك بإشفاق وحرقة :

غـُرْبه .... عْيـُونـَا سُودْ
ما عُمْرْهـَا (عـِشْرينْ)
قالـِتْ : بـ شُو مَوْعـُودْ
يَا شَاعْري الـْمِسْكـِينْ
عَمْ تـْرْسُمْ الرَّجْعَه
عَ مْوَاجْ مِرْتـِفْعَه
وْ بَيـْنـَكْ وْ بَيْنَا سْنِينْ

مرة أخرى : نفس الألم بغير قلم ، و ما عبرتَ أنت عنه كان في بالي حين تأوهتُ في قصيدتي المماثلة :


وْ كلّ ما فْتـَكَرْتْ بْعَوْدْتي بْشوفا سَرابْ
بْظروف تْتْفَاوتْ بـِمَزْحَا وْجَدّها

وْ كلّ ما ظَنَنْتْ اقترَبْ يَومْ الإقتراب
الأقْدار بْتْعُودْ الطَّريقْ تْسدّها

وما أروعك وأنت تكمل بما بدأت :

قِلْتِلْهَا : مَا خِنْتِكْ بْهَالْعُمْرْ
وْ لاَ نْسِيتْ أتْعَابـِكْ
تْحَمَّلْتْ فِيكِي الْقَهْرْ
تَا وْفَيْتـِكْ عْذَابـِكْ
وْ يَامَا بْعَرَقْ جِسْمِي
عِطّرْتْ إجْرَيْكِي

تتعدد الأقلام والحيف واحد . سَلـِمْتَ وسلم قلمك يا أستاذ !

أَوتَـارٌ مُتَقَـاطِعَة/ آمال عوّاد رضوان ـ ترجمتها للفرنسية فرح سوامس


تَحْمِلُنا أَسمَاؤُنَا إِلى أَعمَاقِ مَجهُولٍ يَتنَاسَل ..

نَحْنُ؛

فِكرَةُ خَلْقٍ يَتَكوَّرُ في رَحمِ المُنَى!

*

نُعايِنُ ظِلالَ اللهِ تَكسُو بِحَارَ الحَواسِّ؛

تُربِكُنَا أَمواجُ الرَّهبةِ .. فَنَتقوَّس

وبِتثَاقُلٍ مُهتَرئٍ

بَينَ تَعاريجِ الحُزنِ وشَظايَا الفَرحِ

نَتَّكِئُ علَى مَسَاندِ الصَّمتِ

نَنْكأُ جُروحًا تَغفُو

لِنَنْشُرَ سَوادَ الأَلَمِ حَلِيبًا

يَتعَشَّقهُ مِدَادُ الحَنِين

*

تَتَرنَّحُ قَواربُ أَحلامِنَا خَدِرةً

يَتنَاثَرُها جُوعُ عَواصفِ الوقتِ الكَافِر،

وفي دَوَّاماتٍ مُفرَغةِ الحُروفِ

وبِوَرعِ الضَّوءِ الخافتِ الخافقِ

نَرسِمُنا قِصَصًا تَتلوَّى لَوعةً

في قَفصِ البَراءَة

*

لِبُرهَةٍ؛

نُومِضُ بَسَماتٍ تَرتشِفُ دَمعًا

يَترَشَّحُ حَيرةً حَيرَى

من ثُقوبِ قَلبٍ يَتَفايضُ نُورًا

لِوَهلَةٍ؛

تَنثَني هَالاتٌ من أَسفَارِ الأَيَّام

تَتشَكَّلُ رَغوةَ تَساؤلٍ على جَبينِ الفُصُول

وبِخلسَةٍ؛

نَلِجُ أَحشاءَ العَمرِ بِشَهوةٍ

تَعزِفُنا أَنامِلُ نَيسَان أُكذُوبةً

عَلى

أَوتَارِ الذَّاكرةِ والنِّسيَانِ المُتَقَاطِعَة!

**



Cordes croisées

Par :Amal Radwan ……Traduite par : Farah Souames



Nos noms nous mènent aux profondeurs d’un inconnu propageant

Nous…….

L’idée d’une existence roulant au cœur de l’espoir

*

On lorgne les ombres divines couvrant les mers des sens

Les vagues de l’effroi nous déconcertent…on s’incline

D’une gêne usagée

Entre courbes de tristesse et étincelles de liesse

On se repose sur les supports du silence

Vexant des blessures qui sommeillent

Ressuscitant la noirceur de la douleur en lait

Passionnant l’encre de la nostalgie

*

Les barques de nos rêves se balancent engourdies

Dispersées par l’inanition des tempêtes de temps infidèles

Dans des remous vides de caractères

Et la piété d’une lumière faible et palpitante

Se dessinent des contes et se tordent anxieuses

A la barre d’innocence

*

L’espace d’un instant,

On scintille des sourires feutres de larmes

Infiltrant la perplexité

A travers un cœur perce, débordant de lueur

*

L’espace d’un instant,

Les auréoles des périples quotidiens s’inclinent

Formant une écume de question au front des saisons

Et usant de cacherie

On glisse aux tripes de la vie d’une passion

Jouée en Avril telle un mensonge

Sur

Les cordes croisées de la mémoire et l’oubli


هجوز ليه /محمد محمد على جنيدي


لو كنت اقدر أصرخ ياني

والقى الناس صاحيه وسمعاني

لشكيت من دمعه مطوعاني

وبكيت من قسوة خلاني


يا اختي على بطه وحلاوتها

ماشيه بتمرج خطوتها

واما تبص تشوف طلعتها

هتطالبك روح جيب شبكتها


هجوز ليه ما تقولي يا عم

أنا ناقص سدة نفس وغم

سين جيم وهدايا وعايزه المم

وانا وحدي وعاتل مليون هم


الأسعار حاجه تهد الحيل

والله بجد ما ليها مثيل

والناس من كتر ما ديقه الويل

ما عدتش بتسأل إيه هتشيل!!

 

سلام لأهل دمي/ هبه عياد


....سلام لكم أهل دمي
.....يا مانحيني الحمى
ماذا عليكم لو رددتم بتحيتي
علي ؟؟؟؟؟
لكن !...لا سيطرة على الرؤى
صحوا في قلبي وبسواد ليل عيناي أرخو
أمتعتهم
فقلت لهم أنا شريداً
وقلبي فيكم متيمآ
فأحاطت بهم الأهآت شوقاً وأعربت
عن حب يخلغ بأضلعهم ساكنهم في الصباح
وملهبهم في كل مسا
فأبدوا عشقهم وأومضوا لامعيين
فلست أعي من كثرة شوقى لهم
من شق نهار روحي منهما
فقلت
يكفيني أني من سكن قلبهم دوماً
وبغير حبي أبداً... روحهم لم تسكنا
فأهل دمي هموا
....
وللذل قلبهم هو من دوماً و أبداً
أبى ..... أبى

البرازيل


 

صديقي وحديث النمل/ ماهر طلبه

يوما ما حدثني صديقي عن النمل .. قال : إن النمل هو أعجب ما خلق الله وأجمل ما خلق الله ..

قلت له : كيف تقول ذلك وقد خلق الله الأنثى ...

قال : أتعرف أن النمل من أقدم الكائنات على الأرض وأنه قد عاصر الديناصورات ، ولم يندثر مثل غيره من الكائنات التى لم تتحمل ثقل الزمن . .. أنظر إليه فى حركته وتعاونه .. سوف أحكى لك قصة .... كانت لى صديقة منذ زمن طويل وكنت أنا وهى فى علاقة حميمة ، وقد غابت كثيرا ، لكنها فجأة حدثتنى ، وقد ذكرتنى مكالمتها بأيامنا الماضية ، فأردت أن أعود بها إليها .. فطلبت منها قبلة كمقدمة للقاء ، فرفضت ... أتصدق ... أن النملة الواحدة تستطيع أن تحمل أضعاف وزنها وتسير بهذا الثقل مسافة قد لا يتخيلها عقلك ... أحكى لك ... يقال أن صديقتى هذه فى زمن الفراق الأول .. تعرفت على صديق لها – صار زوجا فيما بعد – عاشت معه – كما تدعى هى – أجمل أيام حياتها ... أتذكر .. أنى كنت دائما ما أسمعها – قبل أن نفترق – تردد على مسامعى هذه الكلمات ... " الآن أعيش أجمل لحظات حياتى " .... أتصدق .. أن النمل يستطيع أن يقاتل أنواعا من الحشرات أضخم منه عشرات المرات ويهزمها دفاعا عن عشه ... سأحكى لك ... فى زمن فراقنا الأول ، فى أيام فراقنا الأولى .. لمحتها مرة فى مكانّ كنا نرتاده أنا وهى .. كانت فى نفس الموضع تقريبا لكن كان معها هو .. صار زوجا فيما بعد .. لا أظن – على الأقل فى داخلى – أنهم كانوا يفعلون ما كنت أفعله أنا وهى فى نفس المكان .. لم أحاول أن أقترب ، لم أحاول أن أظهر أمامهما .. فقط جلست مكانى صامتا حتى انتهى وحتى انتهت وانصرفا .. عندها ذهبت إلى هناك أفتش فى بقايا المكان عن رائحتها ... هل تعرف .. أن النمل يتحدث بلغة هى أقرب إلى الرائحة .. فالنمل يترك رائحته فى المكان رسالة إلى القادم من بعده .. حتى الملكة تتزاوج بالرائحة ، فهى تنشر رائحتها حتى يستدل عليها الذكر فيقوم بعمله ... .. هل شممت يوما رائحة النمل ؟ .. هل تَفهّمْت أو حاولت أن تفهم رسائله ؟.. سأحكى ... يومها جلست ، لم تكن فى داخلى مشاعر أو أحاسيس .. فقط فراغ .. تسربت إليه الرائحة .. أسرتنى فى مكانى فظللت أسيرها ما بقى من عمرى ... هل تعرف .. أن النمل يأسر بعضه بعضا وأن بعض الكائنات تعيش فى مستعمرات النمل أسيرة لكنها لا تقتله ولا يقتلها .. فقط يستنذفها أو قد تستنذفه..... ألم تسمع أنى يوم زفافها – عليه – ذهبت إلى بيتها .. وقفت على العتبات أستمع إلى الأصوات المنبعثة من داخلها وللحاضرين .. . . تبعتها حتى منزل الزوجية ، لم أدخله .. فقط وقفت أسفل البيت .. انصرف الجميع وبقيت أنا ..لعلى كنت أقتفى أثر الرائحة ، كنت أتابع رحلة البحث عن المصدر لعلى أهتدى ... تسألنى هل صحيح تموت النملة حين تقرص ؟ ... نعم ...فالنملة لا تقرص إلا حين تحس أنها قد حوصرت تماما .. انكشفت أمام من تتصور أنهم أعداؤها ولم يعد لها أملا فى النجاة .. عندها تضع آخر نقطة سم عبر شفاهها فى جسد الضحية لعلها تنجو ، لكن قرصتها تعنى موتها .. سأحكى ... يومها .. أطفأتْ أنوارها .. وأنوارى .. ظللت واقفا - أرقب النافذة - إلى أن أذن المؤذن .. عندها سألت نفسى .. " هل أذهب لألبى النداء أم أتبع شارة القبيلة ..أنتظر الرائحة ؟ " ... أصدقك القول .. كان هذا يدور فى عقلى لكنه ما كان يستطيع أن يحرك قدمى قيد أنملة – كأن سمها قد شلنى – فأنا كنت أنتظر شئ آخر غير كل ما قلته .... نسيت أن أقول لك .. أن النمل مجتمع من الإناث .. ملكة .. شغالات .. جنود ... لا يدخله الذكر إلا ليقتل .