دعوني أنام عراء الإحتمال
الأوحد لعودتي الخرساء،
فالموت قابع في حانة العدم
يرثي ضريح فاجعتي بك و بنفسي...
ظلال الروح تنفر العشق،
ثم تتوسل إعجاز سؤال،
يلملم أحشاء نهاية بلا لون...
آآآآآآآه ....
وجع يهندس خلاص الألم
فينا
إعتلال قلق يدفن خرابه
في عنق حاضر يثمل بظلم أمانينا،
عناقيد وعود تقطف فوضى الروح
الخابيه،
لترسمنا دوائر شفقة
تبدد ترقبنا المنكوب
...
دعوني أنام عراء الإحتمال،
بحق لعنة الذنب.. لا توقظوني،
لا تفسدو حماقة العقاب
دعوني...
أترنح بين جدران الباطل،
لتكتمل قوارير دمي الفاسد فيك
فأدمن تبغ كلامك الأعمى ،
حين تغمده بأتقان
في أقاصي ذاكرة
تبحث عن منفى غبار،
تدثره بسخرية الإبتسامة...
لتكررني هيكل فراغ لأستفهامي الأول،
سحابة خضراء تحمل جثمان الحب
لجنازة حضورك الغائب
في وحولة الجسد...
يا أهرام أجلي...
أني إقترفتك شريعة
تحلم ضد التيار
فغرقتُ في زمن متأخر للغاية
كفراشة تخض ضفاف التناقض
لبحر راكد حد الأنحراف...
فدع لحظة واحدة منك
تكحل حقولي حين يجففك المطر
الأصفر في زاوية الجفن...
كم تصفعني العودة لجنوني بك،
كلما أتسعت جدولا، يصب في وعود الروح،
لفصول بكائي المبحوح...
أهمس خلاصي
سألقاك هناك
ترصع خواتمي...
تضمُ خيط الفصل،
بين الضحكة والبكاء
لكل صباحاتي
هناك في بئر الروح
سنلتقي
بين الشك واليقين...
لنطلق ذاكرة اللو تتذوق
طعم حبنا النيء
هناك سنلتقي
عندما يحن البكاء لأحضاننا...
بين شهب الوقت المتساقط ،
سنلتقي..
لنحتسي غصة خساراتنا القادمة،
لفصلنا الخامس في شهرنا الثالث عشر
...
بين
لهفة أنفاسك لرائحتي
وانتحاري في قصيدة تتسكع
الخلاص بك،
في تقويم أعوامنا الميتة سخرية،
حين نرتمي جثة، لهاوية رغبة
تحدق الأصابع الباردة
في لحظة تتنهد الحسرة
سنلتقي...
فدع الوداع ينحني راضخاً،
لأنتظار أيمان الشك
بنا،
لأننا في قدر الخليقة لن نلتقى
فقط في معترك الأحلام
ربما...
سألقاك...في همس خلاصتي/ أفين إبراهيم
تلوين/ ماهر طلبه
أبيض
للوجه اختار اللون الأبيض .. غمس فرشاته في اللون وبدأ يضرب به صفحة الوجه حتى بدت في عينيه سطح قمر .. قال لها .. اغمضي عينيكِ حتى لا يصيبهما بياض اللون ففعلت ، عندها أظلمت حياته وفقد الرؤية
أخضر
لعينيها اختار اللون الأخضر .. توسل لها أن تفتحهما ليسترد رؤيته... وكان ... فعادت بفتحهما ألوان الطيف .. غمس فرشاته في أخضره وبدأ العزف .. كانت السهول والغابات تمتد كلما توغل في عينيها حتى وصل إلى غابة القلب \ قلب الغابة المتشابكة الأغصان.. أصابه القلق عندما أحس أنه على وشك أن يضل طريقه بها ، فارتد عن عينيها ساحبا فرشاته ... في طريق عودته أخذ في تعليق لافتات تعين المتوغلين في أدغال عينيها على الاهتداء لقلبها...
أزرق
مريح هو اللون الأزرق يحملني دائما إلى العمق والاتساع والصفاء حيث السماء وحيث البحر .. لهذا قرر أن يجعل منه إطارا لخضرة عينيها حتى لا تندغم خضرة العين في بياض الوجه .. كان هدوء الأزرق الآن يسحب من الأبيض برودته فيتشرب بحمرة الخجل ويسحب من الأخضر عنفوان النمو وحب السيادة والانتشار كان كسماء تفصل بين عالمين التقائهما يعني الموت...
قرمزي
للقرمزي فورة الدم المتدفق في شرايين الشفتين وسخونته .. لهذا عندما التقت سخونة اللون بسخونة الشفتين اشتعلت اللوحة .. حاول أن يقلل من سخونة اللون فوضع شفتيه فوق شفتيها وقبلها .. قبلها حتى انتقلت سخونة اللون إلى شفتيه وزادت حرارته فرفع الوجه عن اللوحة تاركا شفتيها بلا رفيق عندها كانت شفتاه محتقنتين يترعرع فيهما القرمزي وينمو
أسود
خلع معطف الليل ولف به شعرها لم يكن بحاجة لأن يضيف بالفرشاة أى إضافات فلطالما حافظ على معطف الليل نظيفا وجديدا لهذا اليوم حتى يستطيع أن يكمل اللوحة .. وقف يتأمل سواد الليل ويبحث في ذاكرته عن المكان الذى احتواه فيه كل هذا السواد .. وبعد جهد جهيد تذكر ...
"نعم عندما أغمضت عينيها في بداية التلوين "
أحمر
ادخلها في ألوان عدة لكن الأحمر هو الذى فرض عليه أن يلقي بها من لوحته إلى السرير ويعاشرها .. كم سرها أن اختار لقميصها لونها المفضل .. وكم سرها أنه قد كشف منه الكتفين ومفترق الصدر والفخذين .. فكم كانت مغرمة بالعري ولولا عشقها للون الأحمر ما ارتضت أن تغطى كنوزها بقطعة قماش قط..
http://mahertolba.maktoobblog.com
رحلتي الى الجنان/ د. نوري الوائلي
النفسُ تزهو والفؤادُ منارُ = والروحُ ترقى والجبينُ وقارُ
وتألقت حين الرحيل يشدني = ذاتي كانّ بطلعها الأقمارُ
فجمعتُ بعضَ حوائجي متلهفا = وشددت خصري والدموع إزارُ
وحضنتُ طفلي مشفقاً , ودموعنا = تجري كأن بلونها الأخبارُ
وأملتُ طرفي نحو سيدة لها = في النفس أفقٌ ريعه أزهارُ
وحملت نفسي واثباً وحقائبي = ورحلت عنهم والشجى مزمارُ
في كلّ بعدٍ ملزم، فالروح تبـ = قى في الديار يزفها استقرارُ
لكنّ روحي غادرت صوب المنى = والجسمُ خلف خيالها طيّارُ
وصعدت في وهج الحماس مكائناً = تعلو السماءَ تُجيبها الأمصار
وتجوبُ أطباق السماء كأنّها = برقٌ وقلبي فوقها إنذارُ
روحي كأرواح المئات تعلّقت = فوق الغيوم تسوقها الأقدارُ
لكنّ شوقي طاف خوفي وارتقى = كوناً لمن قلبي لها مضمارُ
ما كنت أشعرُ في السماء بأنني = للفاجعات وقودها وشَرَارُ
اللهُ يمسكُ علوها ومسيرها = نحو الجنان يشدها الستّارُ
عبر المحيط كأنني البحّارُ = فقطعتُ آلافاً لبيتك قاصداً
وتركت أهلي في حماك كأنهم = أفراخ طير ما لهم أستارُ
ونزلتُ جدّة ثمّ مكة والهوى = صوب الصفاء كأنّني إعصارُ
وبدأتُ أجري نحو بيتك لائذاً = ودنوتُ منه فالمسيرُ عثارُ
وتلعثمَ النطقُ المتوّج بالحيا = وتبلّلت من مقلتي قفارُ
واهتزَّمن حولي المكانُ لرجفتي = واهتزّ من قدمي الذرى وذمارُ
كيف اللقاء وعشت دهري لاهياً = والقلبُ كاد من الدّجى ينهارُ
ورأيت كتفي في الشمال محمّلا = بالمنكرات تزيدُه الأعمارُ
ورأيت كتفي في اليمين كأنّه = غصنُ الشتاء وما علته ثمارُ
فتحيّرت قدماي أين مسيرها = وتصارعت في مهجتي الأفكارُ
أنت الحليمُ وخير جودك نافذٌ = وأنا الجهولُ وملبسي الإنكارُ
ونسيتُ عند المفرحات كريمها = وكأنّها من قدرتي أزرارُ
ورجوتُ عند أُساءتي متضرّعاً = عطفَ الجليل ومظهري استغفارُ
فتسابقت نحوي المكارمُ جمّةً = وكانّها غيثُ الشتا ينهارُ
فأجبتها بالموبقات تجاهلا = فأمدّها من فضله الجبّارُ
ودخلتُ بيتك والذنوب كبائرٌ = والظهرُ قوسٌ والمشيبُ صفارُ
ودخلتُ أحبو والجبين ملطّخٌ = والرأسُ أرضٌ والعيونُ جمارُ
وجلستُ أنظرُ للسواد كأنّني = في عالمٍ قد حاطه الأنوار
وبكيتُ حتى بُلّلت جدرانها = ودعوتُ حتى هدّني الإكثارُ
وجلست عند جدارها وقصيدتي = تحكي اللقاء وحرفها إبحارُ
وسعيت في خجل أدور بروضها = وكأنّ فيها للوجود مدارُ
حاشاك أخرج من مقامي مذنباً = ويدومُ بعد الضارعات ضرارُ
وخرجتُ من باب الرجاء يسوقني= للموت حشدٌ ما لهم أعذارُ
وخرجتُ أبكي والرجاءُ يزفني = والعينُ من قِصر اللُّقا مدرارُ
أملي بانّ الله يكفلُ عودتي = ولقاءُ من رُفعت بها الأوزارُ
وخرجتُ والبشرى بوجهي راجياً = أرضَ الرّسول تسوقني الأسفارُ
ودنوت من خير الأنام مقاربأً = فكإنّ قربي للهدى أشبارُ
وجلستُ أقرأ للرسول قصيدتي = فتعيدها من بعديَ الأسحارُ
وخرجت أنظر للبقيع فضمّني = طوقُ الضياء بأرضه ومزارُ
وركبت أقصد في المسير حدائقا = تعطي الدماء لريّها الأبرارُ
وتبعت عطراً رائقا فإذا بحمـ= زةَ يستقيم كأنّه الجرّارُ
ووقفتُ أقرأ في عُلاه قصيدةً = تحكي الفداء فشاقني التكرارُ
يا أرض يثرب قد ملكتِ معالماً = ومآثراً قد صاغها الأنصارُ
وحملت أعباء الرسالة قدوةً = فتوهجتْ من صانعيك كبارُ
وفتحت أبواباً لسيّد آدم = فإذا بك للعالمين فخارُ
ورأيتُ فيها كالآلئ حاضراً = أحداثُ نور قادها الأخيارُ
بعض من الأيام كان مدادها = مثل الكواكب ما طواه مسارُ
لو كان ظرفي في الحياة مواتياً = لبقيت فيها والقبابُ جوارُ
ندوة تراثيّة عن أصحابِ الحِرَفِ التّقليديّةِ وأدواتِ أعمالِهم/ آمال عوّاد رضوان

منتدى الحوار الثقافي في مركز تراث البادية/ عسفيا الكرمل، أقام ندوة تراثيّةً في "بيت التراث الدرزي" في جولس الجليليّة، حول كتاب الأديب سعيد أحمد نبواني، (أصحاب الحرف التقليدية وأدوات عملهم)، وذلك يوم الخميس الموافق 27/05/2010، من منطلق أننا أمّةٌ تراثيّةٌ بامتياز، وقاطرةُ اندفاعاتِها مأهولةٌ بالحداثة، نحفظ تراثنا ونحافظ عليه معطفًا يطردُ عنّا قرَّ التّردّي والتّخلّف والضياع.
رحّب بالحضور البروفيسور نجيب نبواني في بيتِ التّراثِ الدّرزيّ، شاكرًا هذه اللّفتة البهيّة المتعاونة لإحياء هذه الأمسية التّراثية الخاصّة، ومتمنّيًا التّواصلَ الدّاعمَ الدّائمَ بين بلادِنا ومثقّفيها وآهليها.
جاء في خُطاطةٍ تمهيديّةٍ للشّاعر رشدي الماضي:
التّراثُ خميرةُ ذاكرةِ تاريخ الأمّة، ذاكرةٌ أصبحتْ هي الرّحم التي تُحفَظُ وتُحافظ على إرث الأجيال من زمن إلى زمن، لِتَحُولَ دون تشويهِ وجْهِهِ الحضاريّ، أو إبقائِهِ في قاع النّسيان مُغيَّبًا ومطمورا، إنّما ليبقى تراثنا مأهولاً بكلِّ عناصر الحياةِ والدّيمومة.
التّراثُ كما هو معروفٌ يُعتبَرُ الإرثُ الذي نُقِلَ شفويًّا، وورثتْهُ الأجيالُ مِن حكاياتٍ وقصص... وإذا عُدنا إلى دلالاتِهِ لغةً، نرى أنّ كلمةَ إرث مأخوذةٌ في الأصل من (ورث يرث إرثا)؛ مِن مُخلّفاتِ الآباء والأجدادِ للأجيال اللاّحقة، وبقراءةٍ فاحصةٍ لِما هو معروفٌ بالإرثِ الثّقافيّ، نرى بأنّ احتواءَهُ على الآدابِ والفنون أدّى بالنّتيجةِ إلى تطويرٍ، إرث بحيثُ صارَ تراثًا، له معانٍ كثيرةٌ مختلفة وشاملة، وكمفهوم؛ صارَ يعني كلّ ما خلّفَهُ الإنسانُ السّابقُ للجيل اللاّحق، فاكتسبَ صفةَ الشّعبيّةِ، وراحتِ الأممُ تتداولُهُ جيلاً بعدَ جيل، وتفخَرُ به كعملٍ شعبيٍّ مُعبِّرٍ عن ثقافتِها، ولأنّهُ مِنَ الشّعب وللشّعب، قام أفرادٌ من هذه النّخبة المميّزة، كأديبنا المعروفيّ سعيد نبواني، الذي وعى بعمقٍ ما للتّراثٍ مِن أهمّيّةٍ، وفهمَ ببصيرةٍ ثاقبةٍ دلالةَ التّراثِ التّاريخيّة، لذلك شقَّ طريقَهُ واحتلَّ حيّزًا مرموقًا في ديوان تراثِنا، فسجّلَ في أكثرِ مِن مُنجَزٍ لوحاتٍ تراثيّةً إبداعيّة، جاعلاً منها صفحاتٍ أمينةً صادقةً نقرؤُها بمتعة لنسترشدَ بها، ونعرفَ طبيعةَ الحياةِ التي عاشَها آباؤُنا وأجدادُنا البررة، لنظلَّ نرتدي التّراثَ زيًّا عربيًّا بطارئِهِ وتليدِهِ، ولنُواصلَ مِلْءَ مستودعِنا التّراثيِّ موروثاتٍ نابضة لأجيالِنا الآتية.
مداخلةُ د. فهد أبو خضرة:
هو كتابٌ توثيقيٌّ يوثّقُ ناحيةً مهمّةً مِن تراثِنا في غايةِ الأهمّيّة، وخاصّةً في عصر العولمة التي تحاول طمْسَ كلّ الخصوصيّات، ولَمِّها وتذويبِها في قرية صغيرة، فالمحافظة على تراثِنا مهمّةٌ ضروريّةٌ جدّا في خصوصيّات شخصيّة وهُويّةِ بلادنا، والكاتب سعيد نبواني بتخصّصِهِ عن الحِرف أعطانا الكثيرَ مِنَ المعلومات عن أصحاب الحِرف والأدوات، وقسمٌ كبيرٌ يكادُ يكون منسيًّا، وذلك مِن خلالِ معلوماتٍ مُدوّنةٍ، وقسمٌ آخر نُقل عن شهود عيان، وروايات شفويّة لا بدّ مِن تدوينها، فهناك مَن حاولَ توثيق الرّواياتِ والحكاياتِ الشّعبيّة كتاريخ، نعم هذا صحيح، إذا طبّقتْ عملَها بأصول البحث بأمانةٍ ومقارنةٍ بينَ الأقوال المختلفة. في الكتاب مفرداتٌ لغويّة كثيرة، أعتقدُ أنّه يجب أن تدخلَ في قواميسَ خاصّةٍ بالتّراثيّات في قواميسِنا المعاصِرة، لأنّ كثير من المختصين يجهلون كثيرًا منها رغم أنّها أساسيّة. إنّ اهتمامَ المختصّينَ بالتّراثِ بشكل عامّ يجبُ أن يفتحَ الباب، لأنّ عددًا قليلا يتّجهُ إلى هذا الجانب، فيجبُ دراسته بشكل مُوسّع ومُعمَّق، وأمّا بخصوص المتحفِ التّراثيّ الموجودِ في هذا المركز ومراكز أخرى فأقترحُ توسيعَه، ليضُمَّ الكثير مِن المجتمع التّراثيّ الكبير، على مستوى وطن وليس على مستوى بلد، ليكونَ متحفًا وطنيًّا قطريًّا، وهناك فكرةٌ مدروسةٌ في بلادِنا من أجل إقامةِ هذا المشروع الضّخم، ليضمّ كلّ تراثِنا في البلاد.
جاء في مداخلة د. منير توما:
صدرَ مؤخرًا الكتابُ جديد القيّم للأستاذ سعيد أحمد نبواني، تحت عنوان (أصحابُ الحِرفِ التقليديّة وأدواتُ عملِهم)، حيث لمستُ فيه مدى اهتمام الأستاذ بالجانب الفولكلوري مِن تراثِنا الشّعبيِّ العربيِّ في منطقتِنا عامّة وبلادِنا خاصّة، عن طريق إبرازِهِ للكثيرِ مِن المصطلحاتِ والتّعريفاتِ لأصحاب المِهن المختلفة، مقرونةً بالعديدِ مِن التّقاليدِ والصّناعاتِ الشّعبيّة، التي كانتْ وما زالتْ شائعةً في المدن والأريافِ العربيّةِ في بلادِنا، ممّا أضفى على الكتاب شموليّةً فولكلوريّةً على الموضوع جديرةً بكلّ تقدير واهتمام، ولا سيّما وأنّ الكاتبَ أرادَ مِن ذلك، أن يجعلَ مِن مادّةِ الكتاب توثيقًا مرجعيًّا لكلِّ دارسٍ وقارئٍ ذي ميلٍ، إلى الاطّلاع على هذه الجوانبِ الفولكلوريّة مِن حياةِ مجتمعِنا العربيّ، والعودةِ الى استرجاع المضامينِ الشّعبيّةِ عبْرَ ذاكرةٍ ثقافيّةٍ، تهدفُ إلى إفادةِ الجمهور بكافّةِ قطاعاتِهِ، والأجيالِ النّاشئةِ التي لم تعايشْ مثلَ هذهِ الأمور، لكنّها تسمعُ بها دونَ أن يكونَ لديها معرفةً أو درايةً كاملة بها، وبالتّالي جاءَ هذا الكتابُ لأداءِ رسالةٍ ثقافيّةٍ شعبيّةٍ، طالما افتقدتْها مكتبتُنا العربيّة.
يستهلُّ الكاتبُ كتابَهُ بإلقاءِ الضّوءِ على نظرةِ عامّةِ النّاس إلى المهن أو الحِرفِ تاريخيًّا، مُبيِّنًا أنّ الشّعورَ العربيَّ العامَّ إبانَ الفتوحاتِ الإسلاميّة كانَ يزدري الحِرفة ويُقدّسُ الفروسيّةَ والجهاد، كما كان أيضًا مِن جهةٍ أخرى يعكسُ الاطمئنانَ إلى الوظيفة المُريحة، كمهنة الخطيب والإمام وشيخ الجامع، البعيدة عن عناءِ العمل في الأرضِ والحِرف الأخرى.
يُذكّرُنا الكاتب أيضًا بمدى أهمّيّةِ الحِرفة أو المهنةِ في حياةِ الإنسان، حيثُ يسوقُ لنا أمثلةً مِن تاريخ الأنبياءِ والأتقياءِ والعلماء الّذين مارسوا مِهنًا وحِرَفًا مختلفةً في مسيرتِهم الحياتيّة، كالرّسول العربيّ الكريم (صلعم) الذي عملَ في التّجارةِ المبرورةِ بشكلٍ ناجحٍ وموَفّقٍ، وموسى الّذي عملَ راعيًا على مدارِ عشر سنوات، ونوح الّذي كانَ نجّارًا، وإبراهيم الخليل الّذي عملَ إبان إقامتِهِ في مصر بالتّجارة، وإسماعيل الّذي عملَ بصناعةِ السّهام، وشُعَيْب الذي كانَ حكيمًا واعظًا وخطيبًا، وغير ذلك مِن الأمثلةِ التّراثيّة.
ويستعرضُ بعضًا مِنَ المِهنِ والحِرفِ ومَن نُسِبَ إليها، كالآجريّ والأدميّ والإسكافيّ والبصّال والبطّيخيّ والتّوحيديّ والجزّار والجوزيّ والرّمانيّ، وغيرها مِنَ المِهنِ والحِرفِ الّتي كانتْ شائعةً آنذاك، ويتحدّثُ عن المِهنِ والصّناعةِ والتّجارةِ في الماضي، كصناعةِ الغذاءِ الّتي تشملُ المربّياتِ وصناعةِ السّكّر والزّيت والصّابون في القدس ونابلس، بالإضافةِ إلى إنتاجِ ملح الطّعامِ مِنَ البحر الميّت، وصناعةِ الأقمشةِ وموادِّ البناء التي اشتهرتْ في فلسطين، علاوةً على مزاولةِ سكّانِ البلادِ صناعةَ الدّباغةِ والصّيرفةِ والصّباغة، ولا يفوتُهُ أن يتناولَ بالدّراسةِ حِرفةَ البائع المتجوّل ونداءاتِ الباعة، ويتبعُها بالحديث عن أصحاب الحِرفِ الغذائيّةِ البيتيّةِ التّقليديّة وهدفها في تأمين التّموينِ السّنويّ للمنزل، مِنَ الفواكهِ المجفّفةِ ومُخلّلاتِ الزّيتون والخضروات والألبان والأجبان وغيرها، مثل القطين والشّريحة والزّيتون الأخضر والأسمر والمكابيس، وميّة البندورة والمربّيات وصناعةِ الألبان كالجبن واللبن الرّائب واللبنة وغيرها.
يفردُ الكاتبُ سعيد فصلاً عن القهوجي وأهمّيّةِ تقديم مشروب القهوة المُرّةِ للضّيوف، مُرفِقًا ذلك بالحديث عن أدواتِ القهوة وإعدادِها وآدابِ شُربِها، وواجبات الشّارب وتقاليد القهوة في الأفراح والمناسبات.
بكثيرٍ مِن الطّرافةِ يُخبرُنا عن صانع قمرالدّين وأنواع المشمش المعروفة، كالبلديّ والعجميّ والحمويّ والكلابيّ والحموريّ والسّنجابيّ واللّوزيّ وغيرها، مُضيفًا إلى ذلك تفصيلَ زخرفةِ وتزيينِ القمرالدين وولادتِهِ الأسطوريّة، ويأتي على ذِكرِ بائع العِرْقْ سوس الذي يتكثّفُ حضورُهُ في ليالي شهر رمضان، ويُضمِّنُ حديثَهُ هذا بالتّطرّقِ إلى صانعِ ماء الوردِ والدّبّاس وصناعةِ الدّبس، والطّاحونة والطّحّان والخبّاز الفرّان.
ويتطرّقُ في بحْثِهِ إلى أصحابِ الحِرفِ الطّبّيّة الشّعبيّة، كالدّاية القابلة والبيطري والمُجبِّر والعطّار، وأساليبِ ممارسةِ كلٍّ منهم لمِهنتِهِ، مُتْبِعًا ذلك بالحديث عن الحِرفِ اليدويّةِ التّقليديّة، كالصّناعاتِ الخشبيّةِ والحجريّة، وغزل الصّوف وصناعةِ السّلال والمكانس والصّابون والجلودِ وغيرها.
ويتحدّثُ بشيءٍ مِنَ التّفصيلِ عن كثيرٍ مِنَ المِهن الشّعبيّةِ التي كانتْ سائدةً في الماضي القريب، كالمكوجي والمُبيِّض والكُندرجي – الإسكافي، والحلاّق والصّايغ – الصّائغ وندّاف القطن وصانع الطّرابيش، كما يذكرُ في دراستِهِ الحِرفيّينَ في شؤون الأرض والفلاحة والحصاد، كالحرّاثِ والحصّادِ والأجير والشّكرجيّة - صاحب الشّكارة، والشّلاتي والقطروز والمُخضِّر والنّاطور والمِشحَرْجي، والسّقّا - مُسوِّقو الماء، علاوةً على حديثهِ عن المُنجِّد وصانع البُسُط والسّجّاد، ومهنة التّطريز وغزْل الشّعر ونسجه والنّسّاج والخيّاط وألبسةِ النّساءِ والرّجال، ولباس الرّأس عند الرّجال، وصناعة الحرير من دودة القزّ، والحُصَرْجي صانع الُحصُ والبساط.
يتابعُ دراستَهُ الشّاملةَ بالحديثِ تفصيلاً عن أصحابِ المِهن المتعلّقةِ بالحيواناتِ والطّيور والصّيد كالبيطار - حاوي الخيل، والسّروجي والدّبّاغ والجَمّال والصّيّاد ومُعِدّاته والرّاعي، وما إلى ذلك مِن حيثيّاتٍ عمليّةٍ في مجال هذه المِهن، ويتناولُ الكاتبُ بالتّفصيلِ أيضًا أصحابَ المِهن المتعلّقة بالمُعدّاتِ والأدواتِ والأواني المنزليّة، كالّسمكريّ والنّجّار والفاخوريّ والحجّار والقزّاز والحدّاد والنّحّاس.
ويتطرّقُ إلى منصبِ المختار ومكانتِهِ المرموقةِ بين قوْمِهِ، ويُخبرُنا عن الحَدّاء مطرب الغناء الشّعبيّ من الحدادي والعتابا والميجانا، مُتبِعًا ذلك بالحديث عن المكاييل والأوزان والحِرفيّين في الأمثال الشّعبيّةِ العربيّة، مضمّنًا ذلك بأدواتٍ وأمثالٍ مختلفة ومتنوّعة، وممّا يسترعي الانتباهَ في هذا الكتاب، أنّ الأستاذ سعيد نبواني، قد وضع في الصّفحاتِ الأخيرةِ منهُ صورًا توضيحيّة وملوّنة.
وتحدّث د. محمّد خليل /عن عراقةِ الماضي وأصالةِ الحاضر وإشراقةِ المستقبل:
أنوّه بداية، إلى أنّنا إذا كنّا نحتفي اليوم بكتاب (أصحاب الحرف التقليدية وأدوات عملهم)، فإننا نحتفي أيضًا بمؤلِّفِهِ الأستاذ سعيد نبواني؛ صاحبِ الباع الطّويل والتّجربةِ الغنيّة في مجال الإبداع والتّأليف والإصدار، حقًّا إنّها لمناسبةٌ سعيدة أن نجتمعَ في هذا الاحتفال المبارك بالمؤلِّف والمؤلَّف معًا، وفي هذه البادرة الطّيّبة ما يؤكّد على أنّ مجتمعَنا ما زال بخير وعافية. وبالنّظر إلى أهمّيّة التراث، فإنّ لكلّ ثقافةٍ في هذا الكون الصّغير قِيمَها الفريدة والأصيلة التي لا بديلَ عنها، ذلك لأنّ تراثَ كلِّ شعبٍ، وأشكالَ التّعبيرِ الخاصّةَ به هي من أمضى وسائلِهِ للإفصاح عن وجودِهِ وحضورِهِ في النّسيج الحضاريِّ لهذا الكون، فالتّراثُ يُسهمُ في تأكيدِ الذّاتِ والهُويّةِ، ففيهِ ثروةٌ حقيقيّةٌ للمجتمع وأبنائِهِ على حدّ سواء.
يُشكّلُ التّراثُ لكلِّ مجتمعٍ في منظورٍ ما وجهًا إبداعيًّا حقيقيًّا كانَ يُعَدُّ جديدًا في عصْرِهِ، وإن يُنظر إليه اليومَ على أنّه قديم، وهو إلى ذلك يُساهم في كوْنِهِ أحدَ المركّباتِ، وجزءًا لا يتجزّأ مِن التّراثِ المشترَكِ للإنسانيّةِ جمعاء، ما يعني؛ ضرورةَ أن يُعترَفَ لكلِّ شعب ولكلِّ مجتمع بحقِّهِ في تأكيدِ ذاتِهِ الثّقافيّةِ والحضاريّة، وفي صوْنِها وكفالةِ الاحترام الواجب لها، الأمر الذي يستلزمُ منّا جميعًا وعيًا ثقافيًّا، يكفلُ حمايةَ هذا التّراثِ وصونَه، فكانَ مِن واجب المجتمع وأفرادِهِ لدى كلِّ أمّة المحافظةُ على هذا التّراثِ مِنَ الضّياع والنّسيان، لكي يظلَّ حيًّا في مخزون الذّاكرةِ والوعيِ الجماعيّ، تتناقلُهُ الأجيالُ جيلاً بعدَ جيل .
إنّ أهمّيّةَ هذا الكتاب تكمُن في قيمتِهِ المُضافة، وبأنه يعرضُ لجانب مهم من جوانب حياة الإنسان أينما كان ولا شكَّ أيضًا في مجتمعِنا العربيّ، وذلك مِن خلال الحفظ والبحث والتوثيق، كما يهدف إلى تعميق الوعي بالذّات والتّعريف بتراث الآباء والأجداد، بُغيةَ استمرارِ التّواصل المادّيِّ والرّوحيّ فيما بين الأجيال، ولاسيّما مع الأجيال الشّابّة بشكل خاصّ، لأنّ في ذلك شرطًا أساسيًّا، للتّمكّن مِن مواجهةِ التّحدّياتِ ومستوى التّحوّلاتِ التّقنيّةِ والعلميّةِ حاضرًا ومستقبلاً.
لقد جاءَ الكتاب ليحفظ هذا الموروثَ العزيز على قلوبنا جميعًا، كيف لا وهو مِن رائحةِ الآباءِ والأجداد، هذه الرائحةُ الطّيّبة التي تنضحُ مِن عبق العراقة وشذا الأصالة، ما لا يمكنُ أن ينقطعَ إلى أبد الآبدين، فهُم الجذعُ والأصلُ لِما قدّموهُ وأبدعوهُ في إنتاج التّراثِ الإنسانيّ الخالد، وهو ما ساعد على تبلوُرِ الهُويّةِ الثّقافيّةِ والاجتماعيّةِ لأهلنا في حينِهِ وعلى مرّ العصور والدّهور .
الإنسانُ توّاقٌ بطبعِهِ إلى الجذور وبه حنين إلى الماضي الغابر؛ عهدِ طفولةِ الأمم والشّعوب، وهذا الكتاب منهلٌ عذبٌ في موضوعِهِ ومضمونِهِ لكلّ طالبِ عِلمٍ أو معرفة، ومرجعٌ يوضع بين أيدي الآباء والأبناء على السّواء، لينهلَ الجميعُ مِن مائِهِ الزّلال، فضلاً عن كوْنِهِ رافعةً قويّةً في مواجهةِ محاولةِ التّزييفِ والتّزوير والتّشويه، تلك التي تهدف في نهايةِ المطاف إلى طمس الهُويّةِ العربيّةِ لمعالم مجتمعِنا وبلادنا، وتقديمِ بدائلَ هزيلةٍ لا تمُتُّ إلى حقيقة الواقع بصِلةٍ، وهو ما يؤكّدُهُ المؤلّفُ نفسُهُ في مقدّمتِهِ إذ يقول:
"باتت المحافظة على الحِرفِ والصّناعاتِ التقليديّة وتطويرِها تمثِّل مطلبًا، تسعى إليه الكثيرُ مِن الدّول تأكيدًا لهُويّتِها الوطنيّة، وما تتّسمُ به مِن مميّزاتٍ يُكسبُها خصوصيّةً تمنحُها الاعتزازَ والافتخار"!
تلكَ الحِرفُ وكذلك الأدوات تؤكّدُ بما لا يدَعُ مجالاً للشّكِّ وجودَ حضارةٍ نشأتْ وازدهرتْ، ولو بمفهومٍ محدودٍ، ضمنَ الإمكانيّاتِ المتاحةِ وقد قيل: النّاس بأزمانِهم أشبهُ منهُم بآبائهم، فهُم أبدًا مشاكِلون لعصرهم! هكذا جاءت الحِرفُ اليدويّةُ مرآةً عاكسةً في ربوع بلادنا، على سبيل المثال لا الحصر، حيث كانتْ نتاجَ البيئة التي يعيش فيها أصحابُها، بما تحويهِ مِن مواردَ طبيعيّةٍ وموادَّ أوّليّةٍ .
لقد آلَ المؤلّفُ على نفسه أن يقومَ بمهمّتِهِ الشّاقّة على أكمل وجه، مدفوعًا بحُبِّهِ لمجتمعِهِ وتَرفُّقِهِ به وإخلاصِهِ وتفانيهِ في عملِهِ، وذلكَ مِن خلالِ جمْع الموادّ وتبويبِها وتنسيقِها، وتوظيفِهِ للكلمةِ تمامًا مثلما يُوظّفُ الصّورة، إضافة للمقابلاتِ الشّخصيّةِ وإلى ما هنالك، فالجهدُ المبذولُ والأسلوبُ الحاني واضحان للعيان لا يختلفُ فيهما اثنان، الأمر الذي يؤكّدُ على رغبةِ المؤلّفِ الصّادقةِ ودقّتِهِ الموضوعيّةِ، في نقلِ صورةٍ أمينةٍ وحقيقيّة لذلك الواقع دونَ تزيينٍ أو تزييف، وهو ما يُؤهّلُهُ لأن يستحقَّ الثّناءَ والتّقدير. وقد يرى القارئ أنّ مضمونَ الكتاب هو الذي فرضَ على المؤلّف طريقةَ العرض، مع الاتّكاءِ على الكلمةِ والصّورة كما سبق أن أشرنا، بطريقةٍ آسرةٍ ساحرة ، مع ما تضمّنَهُ مِن مفرداتٍ وتعابيرَ رائقةٍ تلامسُ شغافَ القلب والوجدان، وهو مكتوبٌ في الأغلب الأعمّ بأسلوبٍ مباشر، يبدو فيه الكاتبُ مراوحًا بين الموضوعيّةِ والحياديّة وبعيدًا عن الذّاتيّة، فهذه كلّها جهودٌ مباركةٌ على طريق احترامِ التّراثِ والمحافظةِ عليه !
يعرضُ الكتابُ في ثناياهُ صفحاتٍ مشرِّفةً ومشرقةً ناصعةَ البياض، لِما بذلَهُ هؤلاءُ الصّنّاع مِن قصارى جهدِهم، وما أبدعوهُ وأنجزوهُ وقدّموهُ للآخرينَ في مختلف أوجهِ النّشاطاتِ الاجتماعيّة، وأنماطِ الحياة التي عاشَها الآباءُ والأجدادُ، سعيًا إلى تحصيل لقمةِ عيْشِهم بعرَقِ جبينِهم وبكرامةِ وعزّة نفس، ولأجل رفعةِ وراحةِ المجتمع الذي ينتمون إليه، على الرّغم ممّا كانوا يواجهونَهُ في طريقهم مِن ضيق ذاتِ اليدِ وضنكِ العيش وشظفِ الحياة. لقد أثبتَ هؤلاءُ الصّنَّاعُ بأنّهم كانوا يمتلكونَ القدراتِ والمواهبَ التي تُمكّنُهم مِن مواجهةِ صعوباتِ الحياةِ تلك والتّغلّبِ عليها، ما يؤكّدُ على أنّ مجتمعَنا كانَ يعجُّ بالنّشاطِ والحركةِ والعمل وحُبِّ الحياةِ! لقد سعى الكاتبُ لكي يكونَ مؤثّرًا فينا ومفيدًا لنا أفرادًا ومجتمعًا وشعبًا، وفي ذلك أيضًا نجحَ الكاتب أيما نجاح، وللإشارة فقط، فقد خصَّ ابنُ خلدون هؤلاء الصّنّاع بأحدِ فصول مقدّمتِهِ المعروفة، وسمّاهُ بعنوان (فصلٌ في أن الصّنائعَ تحتاجُ إلى العلم)!
يمكنُ تصنيف الكتاب ضمنَ المؤلّفاتِ التّراثيّةِ، وغنيّ عن القول مدى الأهمّيّةِ لمثلِ هذا الكتاب، الذي يتّصلُ اتّصالاً مباشرًا بحياتِنا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، إنّهُ وثيقةٌ تراثيّةٌ اجتماعيّةٌ تاريخيّةٌ بامتياز، تؤكّدُ على حضور أولئك الصّنّاعِ اليومَ بيننا وإن غابوا عنّا، إذ فيهِ ما فيهِ مِن دلالةِ الشّاهدِ على الغائب، ويلحظُ القارئُ كذلك، أنّ الكتابَ لا يتكلّمُ عن الأشخاص بقدر ما يتكلّمُ عن أفكارهم وإنجازاتِهم ونشاطِهم، فجاءتْ جلُّ موضوعاتِهِ مُعبِّرةً وناطقةً من تلقاء نفسِها، بما قيلَ في هؤلاءِ الصّنّاع وفي أدواتهم أو ما نُقل عنهم، ولا أجدُني مبالغًا إذا ما قلت:
إنّ الكتابَ الذي نحتفي بهِ اليوم لهوَ عملٌ ثقافيٌّ مِنَ الدّرجةِ الأولى، فهو جزءٌ مِن المكوّناتِ الأساسيّةِ لحياة الشعوب أفراًدا وجماعاتٍ، في مرحلةٍ محدّدةٍ مِن مراحل تطوّرِها وتقدّمِها ومواكبتِها للحياةِ على مرّ العصور، ويظلُّ الكتابُ وسيبقى أهمَّ مستودَعٍ لهذهِ الكنوز، ناهيكَ بأنّه المصدرُ الأوّلُ للأفكار والمعاني، وهو وعاءُ العلم والمعرفةِ والثّقافة؛ الذي يمكنُ الوصولُ إليه بسهولةٍ أو دون عناءٍ بالغ. بأيديهِم صنعَ هؤلاء الرّجالُ وسائلَهم وأدواتِ عملِهم، لتلبّيَ احتياجاتِهم واحتياجاتِ المجتمع الّذي يعيشونَ بين ظهرانيه، فجعلوا لأيّامِهم معنًى وطعمًا ورائحةً بفضل جهودِهم وإرادتِهم، فهُم الذين أسّسوا وهم الذين أبدعوا وغرسوا وزرعوا وأنتجوا.
ولا يفوتُنا في هذا المقام أن نذكر، بأنّهم كانوا أوّلَ من خلّدوا أنفسَهم بأنفسِهم وذلك مِن خلال حضورِهم الدّائم، بما قدّموهُ للمجتمع من حِرَفٍ وأدواتٍ وبما صنعتْ أيديهم، فعلى الرّغم مِن بساطتِها، لكنَّ فائدتَها كانتْ كبيرةً ومهمّةً، إنّها ثروةٌ حقيقيّةٌ للمجتمع، فما زالتْ تلك الحِرفُ وتلك الأدواتُ تردِّد الصدى قويًّا في مختلفِ مجالاتِ الحياة، فهي تحكي تاريخَ الآباء والأجداد، وتدلُّ عليهم وعلى حضورِهم وعلى فضلِهم، في محاولاتِهم أن يُخفّفوا من عناءِ الحياةِ، أو يجعلوها أكثرَ سعادةً وجمالاً، سعيًا إلى مجتمع متكافلٍ يبحثُ عن الاكتفاءِ الذّاتيّ، في مواجهةِ أعباءِ الحياةِ وتحمُّل تبعاتِها. بهِم يكبرُ المجتمعُ وينمو ويتطوّر، لنذكرَ ونتذكّرَ دائمًا أنّ هؤلاء صنعوا أدواتِهم بأنفسِهم، بمنأى عن تقنيّاتِ العصر الحاضر وآلاتِهِ الحديثة، صحيحٌ أنّ تلكَ الأدوات ليست أيقوناتٍ مقدّسةً يمكنُ أن تحجُبَ رؤيتَنا عن الحقيقة، ولا قناعًا قد يَحُولُ بيننا وبين الحداثة أو دونَ رؤيةِ الواقع المتسارع والمتطوِّر في عصرنا، بل فيها عبارةٌ وعِبرة فيها صورةٌ وفكرة، ومعروفٌ أنّ صورةً واحدةً قد تُغني عن ألفِ كلمةٍ! إذاً؛ لِنَدَعِ الكلماتِ والصّورَ نفسَها هي التي تتكلّمُ وتُفصحُ عن مكنوناتِها.
طوبى لمثل هؤلاء وطوبى لمن خلّدهم وخلّدَ ذكراهم، والمُحتفى به اليومَ في هذا الكتاب هو أحدُهم، لأنّه يُنصفُهم ويَرُدُّ إليهم بعضَ ما لهم علينا مِن جميل، لأنّهم يستحقّونَ التّقديرَ والاحترامَ والتّكريم، وإني لمنتهزٌ الفرصةَ، لأتقدّمَ للمعنيّينَ باقتراح لإنشاءِ متحفٍ يُجمع فيه ما تبقّى، أو لإنقاذِ ما يُمكن إنقاذُهُ مِن أدواتِ الحِرفيّين، حتّى يتمكّنَ أبناؤُنا وبناتُنا مِنَ التّعرّفِ على أدوات الآباء والأجداد عن قرب، وتأكيدًا على العروة الوثقى التي تربط بين الأجيال، فليسَ مَن سمِعَ عن الشّيءِ كمَن شاهدَه!
يُقال إنّ رضا الناسِ غايةٌ لا تُدرَكُ، وكذلك هو رضا القرّاء، فالكمالُ ليسَ مِن سماتِ البشر، مع ذلك سوف نظلّ نصبو إليه ونسعى إلى تحقيقِهِ، وإن كنّا نعلم مُسبقًا، بأنّنا مهْما حاولنا وبذلْنا مِن جهدٍ فلن نبلغَه! لذلك كنت أودّ أن أرى في قابل الأيّام، طبعةً جديدةً منقّحةً ومُصحّحةً لهذا الكتاب. ومهما يكن، فهذا كتابٌ جديدٌ ينضافُ إلى أقرانِهِ في مجال التّراثِ والتاريخ والاجتماع والحضارة، فعلى ما يبدو ما زالَ الموضوعُ يستهوي الباحثَ والدّارسَ وكلَّ مُهتمّ.
وأخيرًا وليس آخرًا، لا يسعُنا مرّةً أخرى، إلاّ أن نشدّ على يد المؤلّف مهنّئينَ ومبارِكين لهُ ولنا، وداعينَ له بالتّوفيق والنّجاح في طريق الآلام طريقِ الإبداع، ونحن بانتظار المزيد والمزيد، فقُدُمًا إلى الأمام وشكرًا.
وفي مداخلة ناظم حسون جاء:
منذ سنواتٍ طويلة، والزّميلُ سعيد أحمد نبواني يبذلُ الغالي والرّخيصَ مِن وقتٍ وجهد، في سبيل مشروع جمْع التّراث، الذي خلّفَهُ الآباءُ والأجداد خشيةَ الضّياعِ والنّسيانِ، وتدوينه بصياغةٍ جماليّةٍ جديرةٍ بمادّتِهِ القيّمةِ،لإضفاءِ المزيدِ من الوضوح على التّراث، وعرْض جوانب كثيرة كانتْ مُهمَلة، فكتبَ وأجادَ بحدسِ مبدعٍ، واستطاعَ أن يفتحَ زوايا مقفلةً بدراسةٍ نقديّةٍ وشرْح وافٍ موثّق بالملاحقِ والصّورِ النّادرة.
بجهودٍ مباركةٍ جابَ القرى والمدن، وأوغلَ في أغوارِ الجليلِ والجولان والضّفّةِ والقطاع، بصبر ٍ وتحَدٍّ وإصرار، لجمْع هذا الإرث الثّمين، والحصول على الوثائق والمعلوماتِ مِن الأهالي والمعاصرين لمواضي حقبة زمنيّة، فقطفَ مِنَ الرّوضةِ الفيحاء، ونقّبَ في الأرض البوار، وقبسَ من مواقدِ هذه الأرضِ الطّيّبة شُعَلَ نورٍ ساطعة مِن تراثِنا، وشرّعَها للشّمس سنا ضياءٍ لتُضاف للمكتبةِ التّراثيّة، لتضيءَ جدرانَ معتمة، وتمنح المُطّلعَ والباحثَ مرجعًا صادقًا، يجمعُ أصالةَ القديم المُشرّفةَ الملقاة في سراديب الصّمتِ والنّسيان.
إنّ دراسةَ أدبنا الشّعبيّ إضافةً أنّهُ واجبٌ تاريخيٌّ، فهو أيضًا مهمّةٌ قوميّةٌ نضاليّة، لأنّها انعكاسٌ لمجتمعِنا بكلّ أشكالِهِ وصُورِهِ الحيّة، وهو نبضٌ لعواطفِنا، وتأكيدٌ لتمسّكِنا بتقاليدِنا وتلاحمِنا الأُسَريّ، فلكلّ شعبٍ خصائصُهُ التي تتجسّدُ في ثقافتِهِ، وهذهِ الجداريّاتُ الّتي تحتضنُ تراثَنا الفلسطيني والرّيفَ بمِعوَلِهِ ومِنجلِهِ والأزياءَ الشّعبيّة، ومقتنياتٍ أثريّةً وعملاتٍ قديمة، كلُّها معًا تربطُ ذاكرةَ شعبِنا بتاريخِهِ وثقافتِهِ، فالرّقصُ الشّعبيُّ وأغاني المناسبات والزّغاريد ومناجاة الأطفال والحكاية الشّعبيّة، كلّها عواطفُ وأحاسيسُ تربطُنا بانتماءاتِنا القوميّة، وتُوجّهُنا نحوَ الخيرِ والوفاءِ للّذين سبقونا، والنّماذجُ التي بينَ أيدينا، إنّما تدلُّ على الشّعورِ بصدقِ الكلمةِ الحُرّة، والإحساسِ المُتدفِّقِ مِن معينٍ طيّب، وبرؤى مكتنزةٍ بالمعرفةِ العميقةِ، للحفاظِ على الجذورِ التّراثيّةِ الأصيلة والرّجوعِ إليها، إذ تُشكّلُ إرثًا تعودُ جذورُهُ لسنينَ طويلة، إرثٌ يخطو نحو الأصالة، ويساهمُ في المحافظةِ على هُويّةِ هذه البلاد وتقاليدِ شعبِنا العربي وجوهرِه النّقيّ منَ التّشظّي والضّياع.
أضفت مداخلاتُ الشّعراء والأدباء والضّيوف ثراءً وإعجابًا، ليختتم المُحتفى به الأستاذ سعيد نبواني بكلمةِ شكر للحضور والقائمين على هذه الأمسيةِ المميّزة الحافلة.
مقومات التجربة الفنية/ زهير الخويلدي
"لا ينبغي أن نطلق اسم الفن إلا على ما نتج عن حرية أي بصفة اختيارية تجعل العقل أساسا لأعماله."[1]
لئن ارتبطت الفلسفة بالعقل وتكلم العقل لغة المفاهيم وصورت لنا المفاهيم أحداث الواقع ولئن انغمست العلوم في التجربة وتكلمت التجربة بلغة الرياضيات والأرقام والمعادلات ونقلت لنا هذه المعادلات العلاقات بين الأشياء وصاغت قوانين الظواهر فإن الفنون ترتبط بالأحاسيس الدافئة والمتوترة والخيال الخلاب والمنتج وبالذاكرة العميقة والجماعية وستتكلم لغة الأهواء وستعبر لنا هذه المشاعر عما يدور داخل الذات من جموح نحو المطلق وثورة على السائد وإرادة لتجاوز الحدود نحو اللانهائي.
ربما كان مصطلح الفن غامضا بعض الشيء وآيتنا في ذلك أنه يطلق على التقنية وعلى الفنون الجميلة على الرغم من الاختلاف الكبير بين عمل الحرفي الموجه من قبل أهداف نفعية أداتية وعمل الفنان الممارس لذاته والهادف إلى قيمة نوعية متعلقة بالجمال أساسا. لذلك يشير الفن في معناه العام إلى الإنتاج الانساني الذي يجمع بين الحرية والعقل والإبداع. على هذا النحو يشير لالاند في معجمه إلى أن:"الفن أو الفنون تعني كل إنتاج للجميل بواسطة الآثار التي يبدعها كائن واع." وبالتالي يتميز الفن على الطبيعة تميز الفعل عن الحركة والحرية عن الضرورة من حيث أنه كما يقول فرنسيس بايكن "الشيء الذي يضيفه الإنسان إلى الطبيعة".
كما يتميز الفن عن العلم تميز المعرفة النظرية عن المعرفة العملية إذ لا يعرف الإنسان بالضرورة كل ما يقدر على فعله ولا يصنع بالضرورة ما يقدر على معرفته، وقد برهن كانط عن ذلك بقوله:"الفن هو العمل الوحيد الذي لا نملك مهارة صنعه حتى وان كنا نعرفه على الوجه الأكمل." زد على ذلك أن الفن متميز عن المهنة لأن الفنان هو الصانع الذي يمتلك فكرة عما سيبدعه ولكنه يتحرر من كل غرض مادي.
كثيرا ما يقع الناس في الخلط "بين الفني والاستيطيقي والجميل فيستخدمون الواحد منها محل الآخر...غير أن هذا الاستخدام يدعو إلى الأسف، لأنه يخلط بين ثلاثة أنواع يختلف كل منها تعن الآخر...فلفظ "الفن" يشير إلى إنتاج موضوعات أو خلقها عن طريق نوع من الجهد البشري. وهكذا نتحدث عن "الفنان الخلاق" وعن نتاج نشاطه وهو "العمل الفني". والجمال يشير إلى جاذبية الأشياء أو قيمتها. أما الاستيطيقا ...فهو يحتفظ في الكثير من الحيان بمعنى اللفظ اليوناني الذي اشتق منه Aisthesis إذ انه يشير إلى إدراك موضوعات طريفة والتطلع إليها."[2]
بيد أننا لو عدنا إلى اللسان اللاتيني فإننا نجد اللفظ اللاتيني Ars وقد اشتق منه مفهومBeaux arts الذي يرتبط بالنشاط المهني والتقني.ونستنتج من هذا التحديد الإتيمولوجي أن الفن هو مهارة في الصنع وتقنية للعب وقدرة على الإنتاج والمعرفة الصانعة Savoir faire. لكن ما سر اشتهار تعريف الفن على أنه محاكاة للطبيعة؟ وما قيمة مثل هذا التحديد؟
يركز التصور السفسطائي منذ الإغريق على أن جذور الفن متأصلة في أعماق الذات بما أن الإنسان هو مقياس كل شيء وبالتالي يكون الفن مواضعة واصطلاح وجهد منصب على تقليد المناظر والحركات والأصوات الطبيعية والجميل الفني هو مرآة عاكسة للجميل الطبيعي ولكي يصبح الإنسان فنانا عليه أن يتجول في الطبيعة ليستنسخ مواطن الجمال ويستلهم أسرار الإبداع . غير أن أفلاطون نقد هذا التصور بقوله:" الفن محاكاة للمحاكاة أو محاكاة مضاعفة" لأنه يتراجع عن الحق ثلاثة مرات الأول عن الجمال في ذاته (المثال) والثاني عن الجمال الطبيعي (المثيل) والثالث عن الجمال الفني (الممثول)، ويستدل على ذلك بقوله:"إن هذه الأعمال تنتمي إلى المرتبة الثالثة بالنسبة إلى الحقيقة وأنه من الممكن الإتيان بها بسهولة حتى لو لم يكن المرء يعرف الحقيقة، إذ أنهم لا يخلقون إلا أوهاما لا أشياء حقيقية"[3]. وينتهي إلى الإقرار بأن الفن القائم على المحاكاة هو بعيد كل البعد عن مثال الحق بماهو جمال في ذاته وخير أسمى.
لهذا السبب يكشف أفلاطون عن وجود عروة وثقى تجمع الجمال والحق والخير ويعمد إلى تفسير الفن بوصفه تعبيرا عن الحقيقة ويتعالى به عن مجرد المحاكاة للمظاهر الخادعة ويرى أن مصدر الإلهام لدى الفنان هو المثال المعقول للجمال، وآيته في ذلك ما خاطب به هوميروس في محاورة ايون:" إن براعتك في الكلام عن هوميروس لا تعزى إلى الفن... ولكنها تأتيك من قوة إلهية تحركك"[4]. ويقصد أن علم الإنسان مأخوذ بالسماع بينما علم الآلهة مأخوذ بالعيان ولذلك ينبغي أن تعلم آلهة الشعر الشاعر ويجب أن يعتصم هذا الأخير بالحب لكونه محرك الفيلسوف نحو الحق ودافع للفنان نحو الجمال.
غير أن نظرية المحاكاة قد مثلت عائقا ابستيمولوجيا أمام تطور الفنون ونشأة علوم الجمال لذلك حاولت مدرسة الفنون الجميلة في عصر النهضة استبدال نظرية المحاكاة التامة البسيطة بنظرية المحاكاة المنقوصة والتي تعمد إلى القيام بتحريفات وإضافات على ماهو طبيعي تبرز من خلالها قدرة الفنان على إنتاج الجمال بمعزل عن التصوير المطابق للواقع، وقد عبر أرسطو من قبل عن هذه الرغبة في تخطي عتبة الطبيعة فنيا بقوله:"إن الإنسان الذي زودته الطبيعة باليد أقوى الأسلحة يستطيع أن ينتج من الفنون ما يكمل به الطبيعة ويقومها " واليد هي الأداة التي تخلق غيرها من الأدوات وبها يصنع الإنسان ما شاء من فنون"[5]. لكن أنظر كيف طوع هيجل هذا المفهوم الأرسطي ليتماشى مع فكرته الشاملة بقوله:"يكمن الهدف الأساسي للفن في المحاكاة وبعبارة أخرى في الاستنساخ البارع للأشياء كماهي موجودة في الطبيعة."[6]
إن فنون المحاكاة عند أرسطو تستخدم الإيقاع واللغة والوزن وتلجئ إلى الحبكة والعبارة وهي متحررة من أغراض الفائدة والاستعمال وتحدث في النفوس عملية تطهير وتتفرع إلى الملحمة والملهاة والمأساة والشعر والموسيقى والغناء. عندئذ يحدد أرسطو مهمة الفنان في رواية ما يمكن أن يقع من الأحداث وليس في روايتها كما وقعت فعلا مثلما يفعل المؤرخ، ولذلك يطلب منه ما يلي:" ينبغي أن نفضل المستحيل المحتمل على الممكن الذي لا يقبل التصديق."
هذا الدرس انتبه إليه ليونارد دي فينشي حينما ساهم في بناء مدرسة جمالية تحررية تحاول أن تنعتق من المدرسة القديمة الميتافيزيقية ومن اللاهوت المسيحي بقوله:"الرسام سيد خلقه والعين تخطئ أقل مما يخطئ الفكر"[7]. فكيف أدى تعاظم دور الذات في نشأة الاستطيقا؟ ألا ينبغي أن ننتقل من فن يحاكي الطبيعة إلى طبيعة تحاكي الفن إذا ما رمنا الانخراط في الثورة الكوبرنيكية في دنيا الجماليات؟ وكيف ارتبط ميلاد الذاتية بالخلق الفني وتشكل الوعي الجمالي؟
"إن الفنون لا تتولى محاكاة المواضيع التي تمثل أمام أنظارنا وإنما ترتقي إلى الأسباب العقلية التي تنبثق منها طبيعة الأشياء. وأخيرا، فإنها تخلق كثيرا من الأشياء بنفسها وهي تضيف إلى الشيء ما ينقص كماله لأنها تملك في ذاتها الجمال."[8]
يعبر بول كلي عن صعوبة إيجاد حد جامع مانع للفن لأن هذه التجربة التي يعيشها الفنان ويختلط فيها الانفعال بالخيال والإشراق بالإحساس تظل لغزا غامضا لا يمكن فك رموزه ومعرفة آليات إنتاجه. والغموض مرده تحول الفن إلى مواد معدة للاستعراض والاستهلاك ولكن الطريق إلى تذوقه والحكم عليه والاستمتاع به عسير ووعر نظرا لأن طريق العقل والمفهوم ليس المدخل المناسب لذلك نظرا لأن عالم الفن هو عالم العاطفة والشعور والوجدان والإبداع وفيض الخاطر. إن الفن ليس فقط تركيب بين أصوات وألحان ورسوم وأشكال وكتل بل هو امتزاج بين هاته الأشياء وأمر آخر ينضاف إليها ويصبغ عليها سحرا ما غير معروف عبر عنه بول كلي بقوله:" الفن يرمز إلى الخلق مثلما ترمز الأرض إلى الحياة" ويصرح أيضا:"الفن لا يسمح بإعادة إنتاج المرئي بل يجعله مرئيا"[9].
كما يرى أن جوهر الفن يقوم على الإبداع والحرية ويتجه نحو التعبير عن اللامرئي بواسطة ماهو مرئي وعماهو مألوف ومعتاد بأشياء غير مألوفة وطرق غير معتادة بقوله:" الفن يخترق الأشياء إلى ماوراء الواقع وما وراء الخيال"[10]. إن تذوق الآثار الفنية يفضي إلى نوع من التربية الجمالية التي تساعد كل إنسان على إطلاق العنان للذاتية لكي تمارس العمل الإبداعي وتنخرط في تجربة كاريكاتورية أقرب إلى الهزل منه إلى الجد تلعب بالموجودات وتعبث بالمصنوعات لا تكتفي بالتكرار والمعاودة بل تولد التنوع والمختلف وتحرر الخيال من ألنماط وتهذب اللغة وترتقي بالإحساس وترتحل نحو المجهول واللانهائي.
لكن ما الفرق بين خبرة الخلق الفني على مستوى الإبداع و خبرة الإدراك الجمالي على مستوى التذوق وخبرة النقد الفني على مستوى التقبل؟ وهل يقتضي ذلك الحصول على درجة معينة من الوعي؟ وماذا نعني بالوعي الجمالي؟ ثم "ما الذي يجعل البصر يدرك الحسن في الجسام والسمع يستجيب إلى الحسن في الأصوات وكيف يتم الحسن في كل ما له علاقة مباشرة بالنفس؟ وهل للحسن في كل تلك الأمور أصل واحد لا أصل سواه أم الحسن شيء أن يكون في الجسد وشيء آخر أن يكون في غير الجسد؟"[11]
ارتبط ميلاد علم الجمال بميلاد الذاتية وارتبط اسم الاستيطيقا باستقلالية الفن وتحرره النسبي من الميتافيزيقا والدين والأخلاق وكان الفيلسوف الألماني كانط خير معبر عن هذه النزعة الجديدة في التذوق الجمالي، إذ يعود إليه الفضل في إحداث تمييز بين الفن والطبيعة والعلم والتقنية بقوله:"الفن مهارة إنسانية متميزة عن العلم تميز ملكة التذوق عن الملكة النظرية والعملية"[12].كما تصور كانط العمل الفني على أنه بعيد كل البعد عن النشاط الغريزي المسجون داخل الخيال التكراري ورأى أنه منبعث عن ذوق جمالي يمارس عن حرية ووعي ولذاته وأن "الجمال هو ما يروق للجميع دون فكرة"[13]. زد على ذلك أن كانط أكد على فكرة الفن للفن والتي تعني الانغماس في التلقائية والعفوية وغياب التوظيف الأداتي بالنسبة للآثار الفنية وكونها غائية دون غاية وبالتالي لم يعد الفن يعرف بوصفه محاكاة للطبيعة ولا تمثل الشيء الجميل بل التمثل الجميل للشيء".
اللافت للنظر أن الحداثة الفنية التي تم تدشينها مع الذاتية تميزت بالانتقال من تعريف الجمال على أنه معطي ميتافيزيقي جميل في ذاته ومرتبط بالكمال والتساوق والانسجام مع نظام الكون إلى تعريفه بالنظر إلى الانطباع والتأثر والتوقيع والتمثل والاستقلالية والتلقائية والقابلية وبالتالي تنسيبه ووضعه في التاريخ.
إن التجربة الفنية هي تجربة إبداعية والإبداع يتمثل في الانفصال عن السائد وامتلاك قدرة على الاستكشاف والتنبؤ وتسليط الضوء على الحياة البشرية الخفية والتعبير عن الباطن بواسطة لعبة الصور لاسيما و"أن هذا النوع من القوة الافتراضية للصور ستبحث في عمق الفكر عن الإمكانيات التي لم يقع استخدامها إلى اليوم"[14]. إن ديدن الفنان هو إعادة خلق العالم وانتقال إلى عالم مافوق الحقيقة وهروب إلى مملكة الحرية وانفلات إلى دنيا الحلم وان غرضه هو التعبير عن فرديته وتميزه وعبقريته من خلال حبكة حية من الأحداث والمشاعر وكلما كان أثره الفني الذي أبدعه أصيلا اقترب من قيمة الحقيقة وعبر بجلاء عن مطلب المعنى. وكما قال ديينس هويسمان:" لا يمكن أن نكون مبدعين إلا في الحقل الذي نستطيع فيه أن نعمل دونما التعرض لخطر السخرية"[15].
إن الفرق بين الجميل والجليل هو فرق في الدرجة وليس في النوع بما أن الجليل مثير وعظيم ويؤدي إلى الدهشة والقسوة والفزع والرعب والرقي والعظمة والروعة بينما الجميل ساحر وممتع وحسن ورائق للجميع دون مفهوم. وبالتالي يكون الجليل الحسن الخلاب والجميل بامتياز.
لقد بين كانط "أن الذين يملكون إحساسا بالجليل يحملهم صمت ليل صيفي نحو مشاعر راقية عن الصداقة وعن الأبدية وتفاهة العالم"[16]. كما أن التذوق الجمالي ليس مجرد متعة حسية وإنما غبطة روحية تدعو إلى النظر بانتباه واللعب مع الوجود وممارسة التفكير بحيث يشعر المرء أنه أدرك الديمومة وشارف على الاكتمال ويكاد يتحد بالمطلق.
إن ماهية الفن هي الحرية وان حرية الفنان هي أساس إبداعه وإلهامه وان ضريبة الحرية هي المغامرة في المجهول والمخاطرة بالحياة من أجل التضحية في معبد الجمال الفتان. وكما قال كانط:"لابد من ذوق حتى نحكم في شأن شيء جميل لكن لابد من عبقرية لإبداع شيء جميل"،[17] وآيته في ذلك أن الذوق ملكة حكم وليس ملكة إبداع وهو حكم تأملي بحت يحقق الرضا النزيه الحر دون أية مصلحة حسية أو عقلية.
لكن لماذا يظل الجمال لا قيمة له إلا بالنسبة إلى الإنسان؟ وكيف يستعمل الفن في غير محله ويساهم في إفساد الذوق وتنميط الوعي؟
[1] Kant E. critique de la faculté de juger .traduit par Alexis Philonenko, librairie philosophique Jean Vrin, 1993.
[2] حسن علي، فلسفة الفن، رؤية جديدة، الدار المصرية السعودية، القاهرة، طبعة أولى 2005. ص.25.
[3] أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، دار الكتاب العربي، القاهرة، طبعة أولى 1968، ص.554
[4] أفلاطون، محاورة أيون، أو عن الإلياذة، ترجمة محمد صقر خفاجة و سهير القلماوي، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة ، 1956، ص 37.
[5] أميرة حلمي مطر، فلسفة الجمال،دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1998، ص.67.
[6] هيحل، المدخل إلى علم الجمال، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص.34.
[7] Léonard de vinci, Carnets « Perceptes du peintre », trad, Servicen, Gallimard , 1942 .
[8] Plotin, Les Ennéades, traduction d'M.-N. Bouillet. (Édition Hachette, 1857).
[9] Paul Klee, théorie de l’art moderne, éditions Gallimard, Paris 1998.
[10] Paul Klee, théorie de l’art moderne, éditions Gallimard, Paris 1998.
[11] أفلوطين، التاسوعيات ،التاسوع الأول، الفصل6 في الحسن والجمال، ترجمة د سعيد جبر، مكتبة لبنان ناشرون،الطبعة الأولى 1997. ص87.
[12] Kant E. critique de la faculté de juger .traduit par Alexis Philonenko, librairie philosophique Jean Vrin, 1993.
[13] Kant E. critique de la faculté de juger .traduit par Alexis Philonenko, librairie philosophique Jean Vrin, 1993.
[14] Antonin. Artaud, œuvres complètes, Tome3. Gallimard, Paris, 1978.
[15] Denis Huisman, L’esthétique, Que sais je ?, N 635.
[16] Kant E. critique de la faculté de juger .traduit par Alexis Philonenko, librairie philosophique Jean Vrin, 1993.
[17] Kant E. critique de la faculté de juger .traduit par Alexis Philonenko, librairie philosophique Jean Vrin, 1993.
رجــل السياســة / نبيل عودة
طلب استاذ علم النفس من طلابه ان يحضر كل منهم عملا حول فهمهم لشخصية الشباب الناشئين وخياراتهم المستقبلية ، وكيف يستطيعون عبر امتحان معين ، يحضرونه ويمتحنون به الشاب ان يعرفوا خيارات المستقبل لكل شاب.
وأوضح انهم الآن في مرحلة متقدمة من فهم ادوار الانسان في الحياة وما يؤثر عليها ، وانه يريد ان يختبرهم في قدرتهم على معرفة خيارات ابنائهم في المستقبل مثلا.
عمل الطلاب ، قرأوا المراجع ، استشاروا طلابا عبروا نفس الامتحان وحضّر كل طالب ملفا تحليليا كبيرا عن نفسية الشاب وما الذي يتحكم بخياراته ، واعتمدوا على تشكيلة واسعة من الأبحاث النفسية ، ومن المدارس المختلفة في علم النفس والتربية .
في اليوم الموعود سلموا دوسيات العمل للمحاضر.كانت كلها دوسيات ضخمة ومطبوعة ومرتبة بشكل جيد. الا دوسية واحدة لا يوجد فيها غير ورقة واحدة مكتوبة بخط اليد قدمها طالب اسمه سمير ..
- فقط هذا ما اعددته ؟
تساءل الطلاب بسخرية . رد سمير باستهزاء وعدم اهتمام :
- وهل من الضرورة لملفات ضخمة ، لن يقرأها استاذ علم النفس؟
- ولكننا قمنا بتحليل علمي ؟
رد الطلاب .
- اصطلاحاتكم مضحكة .. "تحليل علمي" ، و "دراسة علمية" ، هل نشتغل في مختبر ام في عالم البشر المفتوح والمليء بالتراكيب المتناقضة ؟
- نحن طلاب علم .
- العلم بدون فهم اساليب تطبيقة ، يصبح سحابة دخان.
كان استاذهم ينصت للحوار وهو يبتسم . ثم قال :
- طلابي الأعزاء .. نحن ندرس العلوم لفهم أكثر التطبيقات ملائمة لعالم الانسان ، وليس لنحفظ نظريات فقط ونكرر ابحاثا ولا نعرف استعمالها ولا كيف يمكن تطبيقها في نشاطنا العملي. ما قصدته ليس ان تستعرضوا النظريات التي نتعلمها ، بل ان ارى قدرتكم على جعل النظريات آليات تستعملونها في نشاطكم العلاجي.
وأضاف بعد ان تأمل الدوسيهات الضخمة:
- تخيلوا ان مريضا دخل لعيادتكم يعاني من مشكلة نفسية ، هل ستحضرون دوسية ضخمة لتحليل شخصيته واستعراض نظريات علم النفس عبر التاريخ ؟ ام ستكونون مؤهلين لفهم ما يعاني منه وتسجيل ملاحظات تفي بالغرض العلاجي؟
اصيب الطلاب بالصمت الكامل ، واختفت ابتساماتهم . سال أحد الطلاب :
- أذن هل تقول ان ما حضرناه كان عملا بلا فائدة ؟
- نسختم ما جاء في الكتب ، هذا مؤكد ، وآمل ان بعضكم وضع فكرة عملية . القصد من التمرين الذي طلبته ، ان تتوصلوا ، بناء على ما درسناه حتى اليوم الى فكرة يساعد تطبيقها في معرفة ما قد يختار الشاب في المستقبل؟
- وهل ورقة زميلنا سمير تعرض خطة ؟
- لا أعرف .. ساراجع دوسياتكم . في الدرس القادم سنكون أكثر نورا بما أعددتموه .
بعد اسبوع دخل استاذ علم النفس وبيده دوسية واحدة . سال أحد الطلاب استاذهم :
- لم تحضر دوسياتنا .
- نفعتني لمدفأة الحطب. كان الطقس باردا كما تعلمون ، واضطررت لأستعمال الدوسيات بسبب نقص الحطب.
كانت السخرية والمرارة واضحة في كلماته . وأضاف:
- فقط دوسية سمير انقذت نفسها من الحرق.
كانت الاشارة واضحة :" فشلتم في الامتحان ".
ولكن ما الذي يجعل دوسية سمير بصفحتها الواحدة اليتيمة أفضل من الاف الصفحات سهروا الليالي يراجعون وينقلون ويطبعون وينقحون .. ؟
كانت دوسية سمير تشد انظارهم بنوع من الاستفزاز .
توجه المحاضر لسمير :
- اريد ان انوه بأن سمير لم يقدم أي تحليل ، بل قدم فكرة حول كيفية فحص شاب لمعرفة ما قد يختار مستقبلا. وطبيب النفس لا يكتب تحليلا بل يطور اساليب عملية لمعرفة ما يعاني مرضاه وكيفية علاجهم ، ولا تهمني الفكرة هنا بقدر ما اثارني التفكير بطريقة معينة. المادة العلمية ضرورية لتصبحوا على معرفة علمية ومؤهلين في تطبيقها وتطوير خبراتكم وليس في اعادة تسجيلها ، ونسخها من الكتب .
- سمير تفضل واشرح للصف فكرتك التي صغتها بالصفحة اليتيمة .
تقدم سمير لمقدمة الصف ، وقف وجال نظره بزملائه الطلاب . وقال:
- قلت في ورقتي انه لمعرفة ما يختار الشاب من مهنة في المستقبل ، نقوم بتجربة بسيطة . نطلب من والده ان يضع في غرفته ، اثناء غياب ابنه عن البيت ، كتاب دين ، ورقة مالية من فئة المائة دولار، منظارا فضائيا ، زجاجة ويسكي ومجلة جنس ... ويراقب الأب ماذا يختار ابنه.
اذا اختار كتاب الدين سيكون في المستقبل رجل دين.
اذا اختار المائة دولار سيكون رجل أعمال .
اذا اختار المنظار الفضائي سيكون رجل علم .
اذا اختار زجاجة الويسكي ، سيكون سكيرا لا فائدة منه .
واذا اختار مجلة الجنس سيكون رجلا مليئة حياته بالخطايا ومطاردة النساء.
وصمت سمير . سال استاذ علم النفس :
- يظل ينقص اختبارك أجوبة كثيرة .
- ما هي ؟
تساءل سمير.
- اذا اختار الشاب شيئين مثلا ؟
أجاب سمير :
- الأمر واضح اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار تعني انه سيجعل الدين تجارته المربحة.
واذا اختار الدولارات ومجلة الجنس سيكون راعي دعارة..
واذا اختار الويسكي وكتاب الدين سيكون ملحدا بهيئة رجل دين. واذا اختار المنظار وكتاب الدين سيصاب بانفصام في شخصيته .
- ولكن لم تقل لنا ماذا سيكون اذا اختار الأشياء الخمسة ؟
ضحك سمير وأجاب :
- اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار والمنظار وزجاجة الويسكي ومجلة الجنس ، فهو بالتأكيد سيكون رجل سياسة !!
نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com
ضيف جريء/ فاطمة فناني
قالت:
مـا هنالك و من تكون ...؟!!
قال:
جئتك يا مولاتي لأجعلك أميرة الأحلام ...
وعلى عرشي تتربعين...
فلا تسأليني...ولا تتساءلين...
أنسيتي أنك تعشقين!...؟
فأنت من دعتني...لطرد الغربة...
من مدن قلبك...
مع كـل استفاقة فجـر...
وغفـوة غـروب.............
دون أن تشعرين.........
فالانتظار لبدء الرحلة قصير
و مشاعرك..حتماً ستحلق بك
قبل الرحيل...
تعالي ...
تعالي لأخذك إلى جزر المغرمين...
كريشة في الهواء...يحملها النسيم ...
بين زرقة الموج ...و عطر الزهر
و تغريد العصافير ...
آتيكِ لحناً يتسلق أوردتك
أجعل روحك...في أوطاني تهيم...
فأنا من يفرض الحلم..
في شطآن الهديان ...
حيث أحط الرحيل...
و أنا من سيجعل أصابع العمر...
تعزف على أوتار روحك.
وإحساسك الدفين...
لأراك على نغم لحن بديع
بهدوء تتمايلين...
حين ألبسك من التيه و الجنون
ما يجعلك تكادين لصوابك...
تفقدين...
حيث لم تعودي..تعرفين المستحيل...
ولا الوجود...تدركين....
فترسمينني صورة على وجه القمر
وحتى الصباح تسامرٍين...
تكتبين...........وتكتبين
عني القصائد... والأساطير...
دون أن ترين من الورود...
ما يختبي خلف الخيال...
حيث اشواكها بين الأغصان
عمداً...ستتجاهلين...
هل عرفت الآن من أنا؟
ومن أكون...؟
أنا من يدمرالكبرياء...ثم أقف راسخاً..
صامداً...لتحديد المصير
أنا الحب على الدوام...
أنا دائم الاحلام....
من قواعدي:
مزج الكيان....بالكيان...
ذوبان عطر اللهيب...
في كؤوس نبيذ الغرام...
ألبس الوجدان عباءة الهيام...
أنامن يجعل قلبك
تارةً عبداً...تارةً سيداً...
وتارةً................أمير
مصباح/ ماهر طلبه

1
آه لو أن له عينين لكنه هكذا خلق عين واحدة لا تدور
2
كان معلقا على بابها رأسه إلى الأرض، ليل نهار، لم يرفعها أبدا .. تنيره فينار ، تطفئه ينطفئ ، لم يرد لها أمرا حتى أمن الجميع أنه عبدها .. كان يظن أنه بهذا يمتلكها ، حتى كان ذاك الصباح الأخير ، فيه دخل هو من الباب ، كان يرتدى حلة سوداء ورباط عنق – تمنى فيما بعد لو أنه صار حبلا يشنقه – لم يعرف له لون ... دخل ثم خرج مصحوبا بالأصوات العالية والمشروبات المراقة .. فى المساء جاورته مصابيح آخر أنوار عدة ، لم يعد وحيدا ، لكنه وبالعادة لم يستطع أن يرفع الرأس ليرى ... كانت هى فى فستانها الأبيض قمرا فى سماء سوداء ... فى ليل حالك ، فى يوم مثل هذا اليوم .. حزنه حوّل ضوءه – المختفى فى مهرجان الأضواء – إلى اللون الأصفر .. فى نهاية اليوم اختفت الأضواء وبقى وحيدا وحيدا وحيدا...
3
منذ أن اختفت – هى – لم يعد – هو – ينار .. هذا الصباح قذفه الولد الصغير بحجر صغير حطمه ، لم يبكه أحد ولم يدفنوه ، فقط ظل معلقا على الباب دليلا على أن هذا البيت الذى هجرته – هى - يسكنه فقط الظلام.
mahertolba@yahoo.com
أمير لبناني/ ايلي معلوف

بعدما أهدى السماء صفاءً ، و المروج خضاراً
كاد أيار أن يشرف على نهايتهِ،،
فأهداني هديتهِ ،،
أعطاهُ مِن الزهورِ عطرها،،
ومِن النجومِ سحرها،،
ومِن الشمسِ دفئها يومَ وِلادتهِ ،،
أميراً،،
رائعَ الجمالِ في الغربةِ كانَ مولدهُ،،
لَكن لبنان هويته ،،
سالت دموع الفرحةِ ابتهاجاً ،،
بِولَدي ، بِكري،،
و قلبي تغيرت دقَته،،
موسيقى العالم كلها،
ما عادت جميلة
ما عادت أجملَ مِن صوتهِ،،
مِن بِكيتهِ
هذا الصغيرُ
هذا الأميرُ الصغيرُ ،،
زرع البهجة في أغوارِ نفسي بابتسامتهِ
بلونِ شعره ،،
بلون عينيهِ ،،
بِنعومتهِ ،،
يا عصافير السماء زقزقي،،
ويا أجراس الكنائس هللي،،
ويا أزهارُ عطري الكون بِرمتهِ
ها قد أتى الأمير المنتظرُ،
و الشكرُ للرب و لأيار،
ولوالدتهِ ...
30 أيار 1993
تاريخ مولد جوزيف ايلي معلوف
تحولات المكان في رواية الإماراتية فاطمة المزروعي/ مفيد نجم

إضاءة حادة على الزوايا المعتمة
تعد فاطمة المزروعي من أكثر الكاتبات الإماراتيات غزارة في الإنتاج، وتنوعا في أشكال الكتابة التي تجمع فيها بين كتابة الشعر والرواية وكتابة السيناريو والمسرح والقصة... ما يدل على الرغبة الواضحة عندها في التجريب. وتشكل روايتها الجديدة “زاوية حادة” الصادرة مؤخرا عن دار العين إضافة جديدة إلى رصيدها الأدبي، حيث تحاول من خلالها أن تستعيد تجربة الطفولة القاسية التي عاشتها بطلة الرواية التي تتولى سرد وقائعها وأحداثها بضمير المتكلم المؤنث، ما أضفى على السرد نوعا من الحميمية في العلاقة مع المتلقي. وسواء كانت الراوية التي لم يذكر اسمها هي التي تتولى سرد هذا الجانب من السيرة الذاتية للكاتبة، كما قد يتبدى من خلال عدد من الإشارات التي تتحدث عن ولع بطلة الرواية بالكتابة والكتاب منذ تلك المرحلة المبكرة، أو هي تتحدث عن تجربة امرأة أخرى، فإن الرواية تظل مشغولة بالكشف عن تلك القسوة التي تسم حياة المرأة وشرطها الاجتماعي والإنساني منذ طفولتها في مجتمع ذكوري تتحول فيه المرأة إلى ضحية للعنف والاستبداد وحتى للاعتداء الجنسي عليها، حيث تشارك الأم لأسباب اجتماعية ونفسية معقدة في اضطهادها والتعامل القاسي معها.
تلعب العتبة النصية دورا مهما في الإيحاء بعالم الرواية وهواجس السرد الحكائي فيها ما يجعلها تؤثر في أفق توقع القارئ وتسهم في توجيه فعل القراءة. ومنذ العنوان الرئيس الذي يحمل معنى هندسيا تتضح الغاية التي تتوخى الكاتبة تحقيقها من خلال اختيار هذا العنوان ذي البنية الرمزية التي توحي بالحدة والقسوة. وتتوضح تلك الدلالة أكثر مع العتبة الثانية التي يمثلها التصدير الذي يتحدث عن علاقة الراوية بذكرياتها عن الزمن القديم الذي هو زمن الطفولة، وعن موت الذكريات. وتكشف عتبة السرد ذات البنية المجازية عن الرغبة في التحرر والانعتاق، في حين تتخذ الرواية على غرار ما هو معتاد في الرواية الواقعية من وصف المكان الذي ستجري في أحداث الرواية التي تستحضرها بطلة الرواية من زمن مضى من خلال استرجاعها لتجربة الطفولة بداية لها “ما أذكره اليوم هو حارات قديمة تنبعث منها في ليالي الصيف المعتمة والساخنة الروائح الكريهة التي تختلط برائحة الأطعمة الشهية التي تعدها الأمهات بعد صلاة المغرب لأزواجهن العائدين من المسجد”.
إذا كان المكان يعاش على مستويات عدة ولايمكن أن نفصله عن رؤية الشخص الذي يعيش فيه، فإن الصفات التي يظهر بها المكان في العتبة السردية، تضعنا في صورة العلاقة التي تنشأ بين بطلة الرواية والمكان الذي يتسم بالقدم والبيوت المتلاصقة من جهة، وبالتداخل العجيب لروائحه من جهة أخرى، ما يجعل هذا الوصف يسهم في تحديد صورة العالم الذي عاشت فيها بطلة الرواية طفولتها وعلاقتها به، إذ يستدعي هذا الوصف علاقته الجدلية بالزمن الذي يتصف هو الآخر بالرتابة والبطء في حركته وفي تحولاته. وعلى الرغم من تلك الصورة التي ترسمها لذلك العالم الذي ينغلق على أسراره، فإنه يبقى عالما أليفا لكونه يمثل عالم الطفولة الذي كانت تحتمي به البطلة من المجهول. ولأنه عالم مغلق على ذاته بسبب طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تحكمه، يغدو التلصص على العالم الخارجي من ثقب الباب أو الفتحات الأخرى الممكنة هو وسيلة التعرف الممكنة على هذا العالم واكتشافه من قبل بطلة الرواية لكونها أنثى، في حين يتمتع الأطفال الذكور بحرية الحركة واللعب واختراق المكان على أساس القسمة الاجتماعية التي يفرضها واقع القيم الاجتماعية السائد بين الأنثى والذكر. لذلك تبدو البطلة منذ طفولتها مقيدة بشرطها الاجتماعي ومحكومة بالفرز الذي يفرضه الواقع بحيث يجعلها ذلك تدرك مبكرا معنى اختلافها كأنثى عن الذكر الذي ستكون فيما بعد ضحية لما يمنحه الواقع له من سلطة وحرية وقوة. لاشك أن هذا التداخل في صورة المكان يعكس بصورة غير مباشرة موقف البطلة منه، إذ ينطوي على تناقض واضح تكشف عنه أثناء حديثها عن تجربتها التي عاشتها فيه، والتي تحاول ألا تحتفظ بشيء يذكّرها بها، ورغم ذلك نجدها تحاول في هذه الرواية أن تستعيد تلك التجربة بكل أسرارها وتفاصيلها، وإن كانت تروم منه تعرية ذلك العالم والكشف عن قسوته في علاقته مع الأنثى وموقفه منها.
يوغل السرد الذي يتميز بلغته المجازية في ذاكرة الماضي مستعيدا ذكرياته ووقائع أحداثه، ومستدعيا عددا من الشخصيات الأخرى اللواتي يشكلن جزءا من الحدث، حيث تتميز تلك الشخصيات بصفات مختلفة تكشف عن التنوع والتباين في طبيعتها ومدى فاعليتها، ومن تلك الشخصيات شخصية صديقتها سعاد التي تكون من حيث النضوج والثقة بالنفس والوعي متقدمة على شخصية البطلة. في حين تتباين الشخصيات الذكورية في الغالب عن الشخصيات الأنثوي على هذا المستوى بسبب ما الامتيازات التي يمنحها لهم الواقع. وإذا كانت شخصية الأب التي تكره البنات قريبة في سلوكها من شخصية الأم من حيث قسوته وعنف سلوكها مع البنات، فإن شخصيات الذكور تتسم هي الأخرى بالسيطرة واستغلال المرأة واضطهاد بل يصل الأمر إلى حدود التحرش الجنسي كما حدث مع البطلة التي تواطأ أخوتها في مرة ثانية مع شباب آخرين على اغتصاب شقيقتهم/ بطلة الرواية التي لم تستطع حتى البوح بما حدث لها، ما يكشف عن طبيعة المعاناة الصارخة التي عاشتها المرأة في هذا الواقع الذي وجدت بطلة الرواية في المدرسة والقراءة ملاذا تهرب إليه من قسوة عالمه ورعبه. يطغى الجانب الحكائي على السرد من خلال حكايات الشخصيات التي عرفتها في طفولتها وأثناء الدراسة ما يجعل أحداث الرواية لاتنبني على السببية والاتصال بقدر ما تتصل بعمل الذاكرة واستحضار لشخصيات الماضي، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى تقديم مشاهد من الحارة التي عاشت فيها مقترنة ببعض شخصياتها التي غالبا ما تتسم بالعجز الجسدي والضعف، أو الظلم الاجتماعي وكأنها ترسم لوحات من ذلك العالم لكي نتعرف إلى عالمه وحيواته وصور الظلم القابعة فيه.
ولاشك أن القارئ للرواية سيجد ثمة تباينا واضحا بين موقف البطلة من المكان والماضي الذي عاشته، فإذا كانت العلاقة كما لاحظنا تتسم بالتداخل في مشاعر الحب والكراهية، فإنها في نهاية الرواية تتخذ بعدا واحدا هو القباحة والقسوة والخوف وكأنها في استعادة ذكريات هذا الماضي وصوره قد انفتحت على عذاباتها التي عاشتها وعلى رعبها ومرارتها التي كانت ثاوية في أعماق النفس بفعل الزمن وهاهي توقظها من جديد لتكتشف مرارته وألمه وفجيعته “لقد امتلأت الذاكرة بالمياه الآسنة، عالم قبيح من الصور أمامي، صور قاتمة، أرى نفسي بين حشود تحاصرني، وأنا ضائعة، عارية مجردة من ملابسي يمارسون تعذيبهم عليّ ينتزعون شراييني بقسوة ويسبون دمي، هذه الصور المتكررة أراها دوما أخفيها بين تقاطيع هذا الوجه المتعب المنكسر”.
http://www.alittihad.ae/details.php?id=30806&y=2010
ولســـــه بلادنـــــــا ولاده/ ايمن يحيي
ولسه بلادنا ولاده ولا بتموت اراضيها
ومهما بتدبل الورده بيفضل عطرها فيها
ومهما يطول عليها الليل
بيجي النور يصحيها
ومهما يكون في صوتها نشاذ
بيحلوا الغني فيها
ولو ضاقت علينا ساعات
بتفرج تاني بعديها
وتيجي القسوه من ناسها
تقوم حراسها تحميها
تعدي الازمه والتانيه
وبرده خيرها ماليها
وتبقي ارضها غابه
وترجع جنه بعديها
ويسكنها حدا وغربان
وينتهكوا حقوق الانسان
وينسوا الحق والميزان
وتيجي الثوره تنقذها ومن تاني بتبنيها
ويشهد نيلها وتاريخها
علي صدق الكلام فيها
ولو روحي تعيد مجدك
في حجرك هاجي وارميها
واموت والبسمه في شفايفي
ومين غيرك اموت فيها
ولسه بلادنا ولاده ولا بتموت اراضيها
الجيزه
Dr.ayman44@yahoo.com
الوطن البديل في عين الحقيقة/ محمد محمد على جنيدي
أنت قطعة من وطنك، ولا يمكن أن يكون لوطنك بديلاً - هذه حقيقة - قد يعاني الإنسان في وطنه، وقد لا يحقق فيه أحلامه، قد تضغط عليه أسقف كثيرة، قد يسقط أو يفشل - ولكن - يبقى الوطن هو الأم الحانية وبات من عاش مغترباً عن ثرى وطنه كالذي حرم سكينة الحياة وطمأنينة الروح.
لماذا نقسو أحياننا على إخواننا الفلسطينيين؟!حينما يعبرون عن مأساتهم بألفاظٍ قاسية.. ألا يكفي المعاتب ما هم فيه!، ألم نتجرع مر الاحتلال يوماً مثلهم حتى نلتمس الأعذار لهم!.
إن فكرة الوطن البديل لا يمكن أن يكتب لها النجاح أبداً وإن فرضوه فرضاً وكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى - مكة المكرمة (الوطن الأم ) فاتحاً - وذلك عند تمكين الله تعالى له، وقد يبدل الله أقواماً بأقوام وأحوالاً بأحوال وتصبح لأهل الحق يوماً الكلمة العليا ويعود حينئذ الابن إلى أحضان أمه المفترى عليها ولما لا! أليس الله على كل شيء قدير!!.
فكيف آمنوا هؤلاء مكر الله وسلطانه سبحانه أبقى وأمنع!.
نعم - تبقى الأردن ومصر ودول الخليج وجميع بلدان العروبة لأبناء فلسطين كعماتهم وخالاتهم وأخواتهم - ولكن - لن تكون أبداً غير فلسطين هي ( أمهم الأسيرة ) التي لا ولن يقبلون لها بديلاً أبداً وإن طوى الله الأرض والسماء طياً.
علينا أن نواجه الاحتلال بقلب الواثق من حقه.. على كل من أراد أن يكتب له شرف المحاولة أن يفكر في الوسائل ويطرح جميع الحلول والبدائل التي تضمن لأهلنا وإخواننا حق العودة يوماً مهما طال انتظاره
أما طوي الحق وطمس الهوية فأمرٌ لا يجدي وغير مقبول على أي وجه، بل أرى أن على الإسرائيليين أنفسهم التراجع عن استخدام مبدأ غرور القوة فهو لن يوفر لهم أمناً حقيقياً مع طول الزمن، فإذا كان اليوم لهم فهل ضمنوا أن يأتي عليهم الدهر كله غداً!.
نحن في النهاية لا نحرض لقتال ولا ندعو إلى معركة ضروس يكون حصادها مزيداً من الدماء - ولكن - نحتكم إلى صوت المنطق والعقل، فلا المستوطنات ولا الاعتقالات ولا تبني فكرة التوطين ولا حل إلا في العودة المشرفة والتي لابد أن يحققها الله يوماً، لأن الحق هو صفة الله جل وعلا وحينما يعجز الآخرون عن الدفاع عن حق الله، فلا ريب في أن الله عز وجل سيزود وينتصر لصفته بذاته، ولكم شهدت محكمة التاريخ نهايات مخزية لطغاة جبارين!.
فبدلاً من أن تكون عودة الفلسطينيين على أشلاء الأبرياء هنا وهناك، فلتكن بمرادنا معاً وبأيادينا جميعاً
ولا أشك في أن فرضية هذا الاعتقاد هو في صالح الإسرائيليين أنفسهم على المدى البعيد
فهل تراهم فاعلون!! أم يظل تحقير ردود الأفعال هو الفخ العميق الذي ينتظر سقوط المتغطرسين فيه يوماً!!.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. اللهم آمين
رسالة ليست شخصية فقط: عقليات الحوار ومطباته في ثقافتنا/ نبيل عودة
اثارت مقالتي " رؤية مشوهة للقصة القصيرة في ندوة القاسمي" حمية بعض حرافيش الثقافة ، وكان يبدو في بداية التعقيبات ( خاصة في موقع دروب ) ان الحوار سيكون عقلانيا يتناول طروحات المقال ، وهي ارائي الخاصة ورؤيتي الخاصة ولم اكتبها لألزم فيها أي طرف ، الا ان كاتبة باسم انوار سرحان حاولت التعربش على الموضوع لتعرض نفسها ثقافيا ، وهي حالة غير مستهجنة في أي ثقافة تعاني من الركود والخلل وضياع الثوابت .
في مقالي استهجنت أمرا اساسيا ، لا أظن انه يوجد مختل عقليا يستطيع ان يقول اني بالغت في طرح الصورة، خاصة توجيه نقدي الى مقدم البحث الدكتور، الناقد ، بطرس دلة ، حول نسبه كتبا قصصية لكتاب معروفين الى كتاب آخرين. مثلا مجموعة الكاتب رياض بيدس " باط بوط " نسبها الى اديب فلسطيني (الأديب خليل بيدس) المتوفي قبل عدة عقود وقبل ان يكتب رياض بيدس " باط بوط " او أي قصة أخرى. ونسب ثلاثة كتب أخرى للكاتب المعروف حنا ابراهيم ، وهي: "صوت من الشاغور"، و"نشيد للناس" و"ذكريات شاب لم يتغرب " للشاعر الأديب حنا ابو حنا. ونُشر تقرير عن الندوة لم تصلح فيه هذه البدعة الغريبة. واقول بدعة لا لوما بمن نشر التقرير ، الشاعرة آمال رضوان ، فمن حقها ان لا تعرف ، انما من المستحيل ان يدعي ناقد للقصة القصيرة ومنظر لكتابتها جهله باسماء كتاب القصة القصيرة البارزين في ثقافة " يشملها برعايته ".
وسؤالي ، هل بسبب هذا التصويب استحق نبيل عودة تهجما شخصيا قاسيا( وأمتنع عن استعمال تعبير آخر رغم ان دقته أكبر ) بشكل لا يمكن ان يتلاءم مع روح الثقافة والرأي والحوار ؟
وسؤال محرج آخر: ما الذي اثار قلق أديبة وقاصة هي أنوار سرحان ، التي لم تحضر الندوة ولا اعرف من أين استقت معلوماتها وغضبها من نقدي لهذا الخلل "الثقافي الأكاديمي" ، حيث ان المحاضرة قدمت في معهد اكاديمي ، ولطلاب اكاديميين وليس في ناد او جلسة غير رسمية ، وهناك أيضا لا يمكن ان نحتمل وقوع خطأ من هذا النوع .
وسنأتي للنقاط الأخرى ...
لا أعرف من هي انوار سرحان ولم أقرأ لها سابقا وقد تكون كاتبة مبدعة حقا ، واستصعب فهم اسباب تهجمها الشخصي وسخريتها المتثاقفة من قدراتي الكتابية ، رغم اني كاتب معروف ومتمرس قبل ان يكون لها رقم هوية !! والأهم ما دخل قدراتي الكتابية ، او معرفتي بكتابة المقال ، وبين الحقائق التي طرحتها في كلماتي ( كما وصفت مقالي بسخرية؟ ) هل تستطيع سعادتها ان تشهد بأن ما جاء في كلماتي ، التي لم يعجبها كاتبها ، ولم تعجبها قدراته على صياغة المقالات، بأن الكتب المذكورة هي لمن ذكرهم الناقد بطرس دلة، وليس لمن يصر نبيل عودة انهم أصحابها؟
حتى تعقيبها الطويل جدا تجاهل الإشارة لهذه السقطة الثقافية على الأقل ، فهل هذا يعني انها تدافع عن الخطأ ؟ ام مجرد قلم مستأجر يقوم بمهمة مدفوعة الأجر الثقافي ؟
لها الحق ان لا تعجب بشخصي ، وان لا يعجبها اسلوبي الكتابي وآرائي الثقافية ، ونقدي ، وقصصي ومقالاتي السياسية والفكرية .
لها الحق ان لا تعجب بمواقفي ورؤيتي الفلسفية للثقافة، وان تكتب مداخلة ترفض فيها مواقفي ، وتنتقد قدراتي الكتابية ، هذا كله متاح ومشروع ، وحتى لو أصرت ان " باط بوط "هو كتاب لخليل بيدس ، وليس لرياض بيدس اطلاقا. او ان كتب حنا ابراهيم هي بالتأكيد وباصرار منها تضامنا مع الناقد بطرس دلة، هي للشاعر حنا ابو حنا وليست للكاتب والشاعر حنا ابراهيم ، وان نبيل عودة هو الخطأ ولو صدق المنجمون !! .
كنت ساقول لها شكرا لا اضافة لدي ، مع مثل هذا الاصرار انتهى الحوار.. لأنه من نوع الإصرار على حلب الثور .
ولكنك تماديت الى المستوى الشخصي جدا يا انوار ..
انوار لجات الى لهجة لا أنصحها ان تكررها مع الآخرين. فهي لا تعرف قدرات نبيل عودة الكتابية ، او قدرات الآخرين .. ولا جاهزية نبيل عودة وقدراته للرد على التطاول المستهجن وغير الضروري ..
ألم يكن الأجدر أن تحاوريني على طروحاتي في المقال ، وان تتركي نبيل عودة بشكله الذي لم يرقك وقلمه الذي سخرت منه ، جانبا ؟
لماذ قمت من نومك تحلمين بأنك قادرة على القفز من فوق نبيل عودة..؟ السابقون كانوا أشطر منك وقد أخرستهم .
هل كتبت لحساب أشخاص حمسوك وحملوك " هرطقتهم الثقافية "؟!
انا لم أكتب من أجل ان توافقني انوار او أكسب ودها، او اتخايل أمامها كالطاووس. كتبت لأني أغار على ثقافتنا من التضليل، واغار على واقعنا الأدبي من الإستخفاف الثقافي ، بل ودفاعا غير مباشر عن مستقبل انوار الأدبي ومستقبل كل مبدعينا وكل ثقافتنا من الهرطقة النقدية .
مرة أخرى قد تخونني الرؤية وأجد نفسي باقلية ، ولكن هذا لا يمكن ان يعني ان الردح ضد نبيل عودة هو ثقافة. هذه حرشفة وسقوط، والذي يسقط بخيارة يتحمل الثمن لوحده.
القسم الثاني من مقالي تناول المداخلة حول القصة القصيرة المحلية، وتحليل الناقد دلة للقصة ، وشرحه لمضمونها وكيفية كتابتها.
هنا قد اقبل منك أي رأي مخالف ونقيض لمواقفي وقناعاتي. ولكن باطار يرفض مواقفي ، ويطرح رؤية بديلة او يصر على رؤية صاحب المداخلة. وبالطبع الحذار من جعل الرفض والنقض توجيه حقد دفين وتهجم شخصي ،ضد صاحب الرأي. هذه تسمى حرشفة ثقافية.وسقوط يُرد عليه بما يتناسب مع عنفه ، وربما أعنف .. لأن البادي أظلم دائما !!
اتوجه للكاتبة انوار بدون ضغائن، ساعتبر ما كان صفحة مغلقة . لا اريد اعتذارا، ولا أبحث عن الاعتذارات . لا تقعي مرة أخرى في خانة ليست لك ، ولا تدخلي في حذاء غيرك . حافظي على شخصيتك ورأيك . دفاعك لم يكن رأيا ، بل حقد اوكل اليك تفريغ سمومه من عجزة فكريا يخافون ردي . والمضحك ان صاحب رأي ( دكتور هو الآخر ؟؟ ) لا أعرفة ولا يعرف ثقافتنا ومشاكلها وكتابها ، تحمس لك ، وكان واضحا وضوح الشمس ان حماسه بلا ثقافة ووراءها دافع ذكوري ليس غريبا على مجتمعنا . ومثل هذه المواقف تثير غضبي لأني أرى بالمرأة ، بمن فيهن انت ، انسانا مساويا ، بالعقل والرأي والابداع والكرامة ، وليس مجرد امرأة قاصرة عقلا ودينا !!
كلمة أخيرة:
تقلقني ثقافة الحوار بيننا . حتى اليوم لم أواجه بحوار ثقافي أو سياسي جاد . كلنا ديوك جاهزة للانقضاض ونتف ريش الآخرين. وهذا يجعل المشهد الثقافي العربي المحلي مليء بحالات التكلس .
الثقافة ، ابداعا او نقدا ، هي فعل اجتماعي وفعل معرفي علمي( ابستيمولوجي ). والنقد هو احدى الادوات الهامة في هذا الفعل . اما نقدنا المحلي في السنوات الاخيرة ، فيتميز بأكثريته المطلقة بالعلاقات العامة ، والتشريفات الاجتماعية والدهلسة والنفاق .. ويفتقد للقيمة الثقافية كمعيار هام للعملية النقدية .
والكبار بالوهم يورطون الصغار بالتجربة !!
نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com
مفيد نبزو وتوأمة قريتين في مشوار الحلا/ شربل بعيني

أخي وشقيق روحي الشاعر المهجري الكبير الاستاذ شربل بعيني المحترم
من لبنان الأرز الذي أنجب عمالقة الغناء والابداع، ليس بعجيب أن ينجب صنوك من عباقرة الحرف والكلمة والنبوغ.
مشوار الحلا.. وتوأمة محردة ومجدليا لم تكن لولا تقديرنا ومحبتنا لأمجادك وعطاءاتك السرمدية.
محبة مفيد نبزو والأهل والعائلة
17/4/2010
سوريا ـ حماة ـ محردة
**
بهذا الاهداء المحب من شاعرنا مفيد نبزو، بدأت مشواري مع (مشوار الحلا)، المكوّن من 100 صفحة من الحجم الوسط، والصادر عن دار الينابيع ـ دمشق.
فكيف لي أن لا أعجب بالديوان وكل قصيدة به تتشاوف على الأخرى، ما عدا قصيدة (توأمة) التي خص بها قريتي مجدليا، فلقد سرقتها من صفحاتها، وأخفيتها في الجهة اليمنى من القلب، لأن مفيد يسكن الجهة اليسرى، ومن يدري فقد يعيد القصيدة إلى حيث كانت، وهذا ما لا أسمح به، فلنسمعه يقول:
خطفوني الغجر من تحت خيمة مجدلية
مطرح ما شمس معانقة الفيّة
مطرح ما في عصافير ع الميّة
مطرح ما في همسات وغناني
مطرح ما في نجمات سهرانة
وشلال حب ونبع حنيّة
والقصيدة مستوحاة من مقال كنت نشرته في مجلة الدبور اللبنانية عام 1970، أي قبل هجرتي أو تهجيري لا فرق، بعام واحد فقط. ومن المقال أنقل الآتي:
كثيرون هم الذين سمعوا اغنية فيروز الاخيرة التي يقول مطلعها:
يا بياع العنب والعانبيا
قول لامي وقو لبيا
سرقوني الغجر
من تحت خيمة مجدليا
وكثيرون هم الذين يجهلون ان لهذه الاغنية قصة واقعية، جرت حوادثها في بلدة واقعة شرقي طرابلس، تدعى مجدليا.
وبالطبع، فلقد سردت في المقال قصة هذه الفتاة المخطوفة مع الأغنية الكاملة التي غنتها، وهي من التراث المجدلاوي.
والظاهر أن شاعرنا المحرداوي المثقف، قد أعجبته تلك القصة، فاستوحى منها قصيدته الرائعة (توأمة) التي توأم بها بلدته محردة بمجدليا.. فأجاد وحلّق.
وبما أن شاعرنا مفيد نبزو ابن أصل، كما يقول المثل، فلم ينسَ صداقة عمرها عمر القصيدة، جمعت بيني وبينه، وتوأمت بين الوطن والغربة، وجعلت قريحته تنزف قصائد ولا أجمل، خصّني بها، وقد نشرت في كتب عديدة صدرت حول شعري: شربل بعيني بأقلامهم، شربل بعيني قصيدة غنتها القصائد، وأجمل ما قيل بأدب شربل بعيني.
ولهذا نراه يلمح بقصيدته الى عطاءات بلدتي مجدليا في مجال الشعر. فلنسمعه يقول:
هونيك والعشاق والاشعار
ترقص ع صوت الناي جنيّة
هونيك شلحت شالها الازهار
ولبست قميص الفجر حورية
مطرح ما في ع غصون ارز حمام
وكروم للحسون غنية
مطرح ما طل الوحي وتجسّد الالهام
غط الفجر بعيون خضرا ونام
واحلام يغزل نول هالاحلام
طلعت عروس الكرم بالنور مضوية
ومعها عروس الارز كانت مجدلية
ألف شكر لك يا أخي العزيز مفيد على هذه التوأمة، وألف شكر على محبتك الغامرة التي لم تتمكن السنون ولا بعد المسافات، ولا أنانية هذا الزمن المادي من محوها. إنها، والحق أقول، ثروتي الكبرى.
صورة حقيقية من الغربة/ محمود شباط
بتاريخ 11/11/2008 ، وفي الغرفة التي كنت أخضع فيها للعلاج في أحد مستشفيات مدينة الخبر في المملكة العربية السعودية، نـَظـَمَتْ هذه الأبيات ذاتها بذاتها ، و لا فضل لي سوى بتدوينها على الورق. إذ كان الأسى ينبجس من الروح بصورة شعر يسابق وقع انبثاق الدم من رئـَتـَي ، عانيت يومها إلى أن رأيت شبح المنية ولكنه لم يرني في حينه.
كنت ممدداً على سرير ناصع البياض وسط ترقب حالك السواد، أعوم وحدي في خضم تلك الوحدة القاتلة بعيداً عن دياري و أهلي، ترقرقت عبرات حارة من عيني المجهدتين حين طـَفـَتْ على شاشة البال العبارة المأثورة "الموت بين الأهل نعاس" ، تمنيت لو يصح لي أن "أنعس" بين أهلي و لا هـَـمَّ إن يكون ذلك النعاس نعاسي الأخير ، ابتهلت لتحقيق تلك الأمنية ولكنها بقيت ضمن شرنقة التمني ما زاد في معاناتي ، سيما حين دار في خلدي تجرعي لمرارة 30 عاماً في الغربة لم أذق خلالها طعم الحياة كما يتنعم بها خلق الله ، بل كنت اعاني تحت ضغط رحى أوضاع صعبة حتمتها الحاجة ، و لا زالت.
مع ازدياد الوجع الروحي وتحليق غربان اليأس وانقطاع الأمل من البقاء حياً ، تسرب أول الأبيات فدونته بلهجتنا العامية :
يا غربتي !! لما طال غربة قدها
تلاتـيــــــن عام وبعد غايم حدها
تلاتين عام بجمر جمر الإغتراب
هيني على اللي ما اكتواها يعدها
استمر مسلسل الذكريات الأليمة يرش الملح على الجرح . تذكرت بأني أسهمت في بناء دار أهلي ولم أقم فيها سوى أيام ، وبنيت منزلي في وطني ولم أقم فيه سوى أشهر على فترات متقطعة في إجازاتي ، وكذلك شرائي لشقة بالتقسيط ولم أقم فيها أبداً .
عـَمـَّرت دار الأهل وسكنت الخراب
عـَمـَرت داري ، السفر مني شدها
قسطت شـقة بعـدها مسكن غـراب
مـن دم قلبي ... ويـَدّ كـَلـِّت كــدّْها
تـَمَرْمَرْتُ متذكراً كيف كبر أولادي وأنا بعيد عنهم ، أتحرق شوقاً لرؤية قاماتهم تنمو كل يوم ، ولم انعم بمتابعتهم يطولون و يترعرعون :
الأطفال كبرو ، تحولو رماح وحراب
مـَرّو بـطـفـولة ..مـا نـعـمـت بـْمـَدّهـَا
تذكرت عدد المرات خططتُ فيها للعودة إلى لبنان ولم أوفق فكتبت الأنامل المرتعشة :
كل ما افتكرت بعودتي بشوفا سراب
بظروف تتفاوت بمزحا وجـَدّهـَا
وكل ما ظـَنـَنـْت اقترب يوم الإقتراب
الأقدار بـتـعـود الطـريق تسدها
وكل ما حـِلـِت بالكاد كاسات الشراب
بيرجع مرار الصبر يقطر ضدها
تذكرت خطورة وضعي واحتمال وفاتي فراودني القلق حيال فرضية مغادرتي الدنيا لأرتاح بينما أترك أياد وطارق بحاجة لدعمي لزواجهما، وخلدون للتخرج وافتتاح صيدلية، وأسامة لإكمال تعليمه و معيشته ، وأم العيال ووضعها المتوقع بعد وفاتي.
عبر ذلك السديم الرمادي كان بصيص أمل يتسرب كشعاع شمس في أواخر الخريف ، كان ضعيفاً واهناً ولكنه يومض بتصميم مرتبط بقرار الأقدار ونجاتي من براثن الردى .
من بؤرة العدم والذوبان والتلاشي تعلقت عيناي ببقايا الحياة إذا ما كتبت لي ، تزيدني تصميماً لإكمال ما بدأت ، وترفدني بإصرار أكبر وعزيمة أقوى كي أقاوم تسلل الذل والهوان إلى حرم كرامتي فكتبت مختتماً :
ولما مرضت واشتاق لعظامي التراب
وشفت المنية تمد صوبي يـَدْهـا
رَنـَّمْ أنيـن الروح مـن قـلبي اكـتـراب
إن ألله عافاني وصحتي ما هدها
بصبر بـَعـْدْ عا غربتي تلاتيــــن عام
أفضل ما إيدي بـْذلّ لحظة مدها
عربٌ عبريّون صهاينة/ شوقي مسلماني
مئات القتلى
وأكثر مِنْ ألفي جريح يا غزّة
40 كلم طولاً
و10 كلم عرضاً
مليون ونصف مليون فلسطيني
أعلى كثافة سكّانيّة في الأرض
غبارٌ
هذا "المجتمع الدولي"
350 كلم مربّع
واحة كرامة في 14 مليون كلم مربّع من الرمل
يا مليوناً ونصفاً
موتوا جوعاً وعطشاً ومرضاً وقتلاً
يا مليوناً ونصفاً
موتوا من أجل عظْمةٍ لمسعورٍ ومسعورة
عرب عبريّون صهاينة
حرب بلا هوادة
يشنّونها ضدّكِ يا غزّة
يشترك فيها عرب عبريّون صهاينة
"أونصة" دمكِ يا غزّة
تُحسَب بالدولار الأميركي
يا غزّة غيفارا غزّة
يا غزّة الفجر الآتي
أمّةُ العرب
أسافلُها أخسّاؤها
أراذلُها متحجّراتها
يتشهّون دمك
يا غزّة
العربي الجيّد
هو العربي الميْت
يا مومياءات العرب
يا غزّة
مِنْ أقصى هذه العتمة
عليكِ السلام
يا شهداء غزّة، يا شهداء فلسطين
عليكم السلام
يا غزّة هاشم
دمكِ منارة.
إحلمي فيروز/ أكرم رمضان
بصوتٍ حَزينٍ لهُ نَدْمَعْ غَنَّتْ فيروزٌ ما نسمعْالآن الآن وليسَ غداً أجراسُ العودة فلتُقرعْ
إحلمي فيروزٌ ما شئتِ فالحُلُمُ خيالٌ فيه نَرتَعْ
في الحُلُمِ جيوشٌ قد زحفت ودويُّ مَدافِعها يُسمعْ
وهاهي قُدسُنا قد عادتْ وراياتُ النَّصرِ بها تُرفعْ
أَفِيقي فيروزُ من الحُلُمِ فلا جيشٌ في الأفُقِ ولا مِدفعْ
قد ولَّى الجيشُ الأدبارَ كأنَّه أرنبٌ رأى المصرعْ
وشعوبٌ ضاعت كأنَّها أيتامٌ على أبواب اللِّئامِ.. بل أضيعْ
فَيَا أُمَّةَ المليارلا تَغْتَرِّي بكثرةٍ إنَّ غُثَاءَ السَّيلِ لا ينفعْ
أفيقي فيروزٌ من الحُلمِ فأجراسُ العَودة لن تقرعْ
أجراسُ العودة ساكنةٌ لا يدٌ تحركها ولا إصبعْ
قد مَضى زمان المعتصمِ حُكَّامُنا اليومَ لا تسمعْ
وأوغادُ العرب قد إجتمعت مع الصهيوني في مَجْمَعْ
جعلوا أدْبَارَهم له مَطِيَّةً فلا عينٌ تستحي ولا قلبٌ يخشعْ
كعاهرةٍ تمرَّست في عهرها فلم تعد تبالي بما تصنعْ
فرعون الجيزةِ إزداد طغيانُهُ جِدارَ الفولاذ بيديه يَزرعْ
للعدوِّ.. يُعطي غَازَه بلا ثمنٍ وعن أهلِ غَزَّةَ.. الزَّادَ يَمنعْ
ذيولٌ لا أمل في إستقامتها كذيلِ الكلبِ ولو في قَالبٍ يُوضعْ
والكلبُ وفيٌ تابعٌ لصَاحِبِهِ والوغدُ وغدٌ لِعدُوِّه يَتبعْ
في فلسطين دارَ الزَّمان دورتَه فَتَقَيَّء من الجَوفِ أنجاساً خُنَّعْ
من عباس إلى حلان ومن عزام إلى الأقرعْ
عِصابةٌ من أربعين قد نهبت الشعبَ والأرضَ والمصنعْ
بيادقٌ " جديدةٌ " بخسةٌ أثمانُها للمُحتلِّ أعناقُها تخضعْ
يَعْبَثُ "النَّتِنُ" بها كيفما شَاء يُهينها تارةً.. وتارةً يَقمعْ
ورَكِبُوا مع " إيهود " في دُروعه وقالوا..غداً لَنَا إلى غزَّة مَرْجَعْ
ولكن خابَ فَأْلُهُم عند الصباح وفي المساء رُدَّ كَيدُ مَنْ تَدَرَّعْ
هُم إسم ٌللموبِقات وعُنوانٌ حُثَالَةٌ لا أحّطَّ منها ولا أوضعْ
قد أُهِينَتْ كلمات الهِجاء بِوَصْفِهِم ومزابلُ التاريخ عن أمثالهم تترفعْ
إركعوا لبني صهيونَ ما شئتم نحن لغير الله لا نركعْ
مَن طابت له بالذُّلِّ نفسٌ فذاك الحقير بالمهانة يقبعْ
وخِتاماً.. هذا هو الحالُ فيروزٌ فلا قَرَّت عينُ الجَبَانِ بِمَهْجَعْ
زمان الخِسَّةِ وإن طَالَ لَيلُهُ فإنَّ فَجْرَ العِزِّ لهُ مَطْلَع
مجاهد .. إنما .../ محمود شباط
ومضت في عتمة الخلاف بين "عبد المحسن" و شقيقه الأصغر "غيث" نجمة هدنة حين تـَدَخـَّـلَ عمهما بعد أن انتهيا من صلاة الجمعة في أحد مساجد بغداد.
بعيد مبارحتهم لباحة المسجد أفلت النجمة، خـَفـَتَ وميضُ الهدنة ، الهدنة رقم ألف ربما بين الشابين المؤمنين بالعقيدة السمحاء، و كذلك بالنهج الجهادي و مقاومة المحتل، و لكنهما يفترقان بحدة حين ينبجس الدم البريء من أجساد مدنيين و عسكريين، حيث يكون المقاوم الذي يفجر نفسه انتحارياً ضالاً بنظر عبد المحسن ، و بطلاً استشهادياً بنظر غيث.
مرة أخرى يتأجج أوار الخلاف بين الشابين ، و مرة أخرى تـَدَخـَّـل عمهما و دَوَّرَ زوايا التباين، نحت تسمية من قاموسه التسووي : " استنحاري" ، مفردة استولدها من كلمتي الإستشهادي و الإنتحاري في محاولة منه للحؤول دون تحويل الصراع مع المحتل إلى صراع بين الأخوين .
تلك المفردة المركبة الهجينة لم ترضِ عبد المحسن و لم تقنع غيث ، بـَرَّدَتْ حرارة الخلاف غير أنها لم تخمد جمره. جمدت وحش الفتنة ولكنه بقي ينفث فحيحه عبر دعاة مدعين و شاشات تحور النصوص و تحرض النفوس. انبهر بها عقل الغر غيث و لم تنطلي ترهاتها المضللة الزائفة على عبد المحسن .
استمرا على مضض في العمل معاً تحت سقف واحد ، في محلهما المتواضع الذي ورثاه عن والدهما الشهيد في حرب الخليج الأولى. عبد المحسن يخط يافطات و يصنع لوحات إعلانية صغيرة في الجزء الخلفي الداخلي من المحل، و غيث يبيع كتباً دينية و شرائط تسجيل دعوية في الجزء الأمامي المواجه للشارع. و ظل الحاجز الخشبي ذو المليمترات القليلة السماكة الفاصل بينهما في محل عملهما بمثابة فجوة تتسع يوماً بعد يوم . لم يعودا يـُصَلــِّيـَا معاً ، لا يكلم أحدهما الآخر إلا في أمور العمل ، لم يعد غيث يقضي طوال يوم الجمعة في بيت أخيه ، و لم يعد يزوره كل مساء ليحتضن سوسن ابنة أخيه و يغمرها و يلاعبها و يغدق عليها ألعاباً و دمى و يمطرها بوابل قبله و حنانه كما أدمنه فيما مضى، إبان أيام الوفاق وقبل حلول موسم اليباب و الجفاف و الجفاء بين الأخوين.
أحس غيث بأن حياته ينقصها عنصر مهم ، افتقد لابنة أخيه ، يكاد يصاب بمس لحرمانه من رؤية سوسن و سماع تغريدها و احتضانه لها و احتضانها له . عبر الحاجز-السد الخشبي الفاصل بين محل عمله و محل عمل أخيه . شعر عبد المحسن بدخوله ، واصل عمله و لم يلتفت نحوه ، تعمد تجاهله لاكتشاف الدافع من تلك "الزيارة الغريبة" .
همهم غيث : اشتقت لسوسن ، أتحضرها لي إلى هنا ؟
- باستخفاف من غلو و تزمت أخيه رد عبد المحسن : دعك من الكفار !
- سبحان الله ! سوسن كافرة ؟ دعك من ذلك الهراء إنها طفلة ، مجرد ملاك يقطر طهراً و براءة .
- و ماذا عني ؟ أريد أن أسمعها ؟
- أمثالك يسمونهم "مناصر أنظمة" .
- من هم الذين منحوا أنفسهم حق تسمية الناس و تصنيفهم و الفتوى بإزهاق أرواح خلق الله و تخريب الممتلكات و تنغيص الحياة و قطع الأرزاق؟
- أنا ما أعرف ، الشيخ يعرف .
زعق به عبد المحسن : شنو يفتهم شيخك هاذ غير في الهرج الخايب عالحكومات ؟ هيه؟ قل لي شنو يفتهم ؟ هاذ حاخام مو شيخ !
مع ارتفاع عقيرة عبد المحسن بالصياح أدرك غيث بأن الحديث وصل إلى آخره . غادر بغيظ موشى بحرقة لانعدام أمله في رؤية سوسن .
بينما هما يعملان كل في مكانه المنعزل عن الآخر، هز المكان دوي انفجار استهدف الفرن القريب من محلهما، هرعا لاستطلاع ما حدث. ارتعب عبد المحسن من مشهد الجثث المضرجة بالدم ، داهمته دوخة و دوار لسماعه أنين الجرحى و صراخ و استغاثات المارة، زكمت أنفه رائحة الدخان و البارود و لسع شغاف قلبه لهيب الحزن و الأسى، كوى مهجته تكور أم شابة لفظت أنفاسها بينما هي تحتضن رضيعها لتحميه من الشظايا بعدما هوت أرضاً. الأشلاء البشرية متناثرة، أصابع طفل هنا و قدم هناك و رأس هنالك، تراءى له بأن الأرض تبكي بقع دم في معمعة جحيم صغير.
لم يحتمل عبد المحسن. في تلك اللحظات كان يعتمل في دخيلته أتون نقمته على "الإنتحاري" الذي أحدث بدم بارد ذلك الجهنم. لم يكن في وضع نفسي يمكنه من مناقشة غيث حيال جدوى قتل النفس البريئة من منظور شرعي. تلفع بصمته القسري ، مسح دموع عينيه و لم يتسن له وقف نزيف دموع قلبه. أقفل عائداً إلى محله، بينما بقي غيث هناك مأخوذ بنشوة النصر بنجاح "عملية جديدة ضد المحتل"، يحدج بتشف عسكرياً شاباً ممدداَ على الأرض تـَبـَقـَّـعَ زيه الكاكي بالأحمر القاني، و قف إلى جانب جثة العسكري يرمقه بمقت و كراهية كونه بنظر غيث "يتعاون مع المحتل". تركه كما يترك المتسوق سلعة لم تعجبه و انصرف إلى غيرها ، وراح بتشاوف القاهر الظافر يجول بعينيه على النار و الدمار و الخراب الذي تسبب فيه الإنفجار في الفرن و دكان الحلاق و المصبغة و المطعم و مرافق البنية التحتية.
استمر غيث يعاين ما نتج عن "الزلزال الصغير" بشماتة كما لو كانت إشارة المرور و بلاط الرصيف و إسفلت الطريق و تلك المحلات البائسة معاقل عدو و حصون عسكرية . و كما لو أن الأبرياء الذين كانوا ينتظرون دورهم أمام الفرن لشراء ربطة خبز و قضوا نحبهم هناك كانوا لعباً بلاستيكية لا أهل لهم و لا أمهات و لا آباء و لا زوجات و لا أبناء . و لكن غيث سيأسف لمقتلهم و سيبرر سبب "استشهادهم" في سبيل "القضية" ، و بأن هذا هو نصيبهم و قدرهم ، و سينعم على كل ضحية بلقب شهيد، و هو و شيخه سيضمنان لهم بأن أرواحهم صعدت مباشرة إلى جنة الرضوان، و "الفضل" في ذلك الصعود المبكر يعود إلى صحة عقيدة و نخوة و همة و تضحية "الإستشهادي" .
بقي غيث يتجول كمن يتجول في سوق لحم. لم يستوقفه أنين و نزيف الحلاق الجريح كاظم وهو يدمدم بشفتيه المرتعشتين المصبوغتين بلون الإحتضار بأنه مع المجاهد على المحتل و لكنه لن يؤيد المجاهد حين يقتله و يقتل أولاده و يحرمه من مصدر لقمة عيشه و يقتل العسكري الذي يحافظ على أمنه و أمانه.
أدبر غيث تاركاً الحلاق الجريح كاظم يهمهم و يتغرغر بسكرات الموت و راح يجوب مسرح الحدث متفرجاً و يداه خلف ظهره، ارتج جسده فجأة بفعل انفجار آخر قـَدَّرَ بأنه استهدف روضة الأطفال القريبة من هناك. هرع ليتلذذ بنشوة نصر جهادي آخر و بنكسة أخرى للعدو المحتل.
المشهد هنا أبشع و أفظع و أكثر دموية و بربرية. عشرات الأجساد الصغيرة بين قتيل و جريح . عشرات الزهور الذاوية قبل الأوان ، عشرات الوجوه الملائكية البريئة مغمضة العينين ولن يتسنى فتحها بعد الآن. تقدم غيث أكثر و لا زال وجهه و مشاعره و نظراته تبث اللامبالاة المتماهية بنكهة الظفر. فجأة لمحت عيناه طفلة في سنواتها الأولى جثة هامدة مضرجة بدمها، أمعن النظر ولم يصدق عينيه، صرخ وهرع نحو سوسن ابنة أخيه، احتضنها و شد بلوعة على جسدها الطري يغسله بدموعه و يولول بما عساه سيبرر لنفسه و لأخيه مقتل طفلة لم تسمع بالمحتل و لا تعرف عنه ما يعرفه الكبار، و لا تعلم بأنها مجرد فراشة داهمها الفناء في فجر ربيعها ، و قبل أن تتمكن من إجادة النطق بحروف اسمها.
نفسك تاني قولي في أيه/ أيمن يحيى
نفسك تاني قولي في أيه؟؟
قلبي خلاص لعبت عليه
شاطر في الخيانه وأيه
قال راجع تقولي سماح
قلبي كان عملك أيه
بعته وجاي عشان تراضيه
فاكر قلبي قولّي أيه
ظلمك وقته عدي وراح
ايوه صحيح عشقت عينيك
لكن لو مفيش بعديك
قلبي هادوسه وانسي عينيك
ماهو صعب انجرح وارضي
قلبي اللي انتي سيبته زمان
هاقدر اعلمه النسيان
وان كان لسه باقي مكان
لعيونك انا رافضه
نفسك تاني قولي في أيه
مُضِيفَةُ التِّرْحَالِ/ محمد جنيدي
تَضْوِي مَشَاعِرَ قِصَّتِي
مَا إنْ رَأيْتُ صَفَاءَهَا
يُحْيِي رُقَادَ مَوَدَّتِي
إلَّا وََسَاد مَشَاعِرِي
لَحْنُ الْغَرَامِ بِنَشْوَتِي
وَكَأنَّما كَان الْلُقَا
بَيْنَ النُّجُومِ مُضِيفَتِي
تَهْفُو كَأنَّ بِوَجْهِهَا
نُوراً تَمَلَّكَ نَظْرَتِي
نَظَرَتْ إلَيَّ فَأسْعَدَتْ
قَلْباً تَنَهَّدَ وِحْدَتِي
وَدَنَتْ بِعِطْرِ مَقَامِهَا
فَشَمَمْتُ عِبْقَ سَكِينَتِي
مَالَتْ عَلَى الرُّوحِ ارْتَوتْْ
شوقاً بِكَأسِ سَعَادَتِي
ألْقَتْ عَلَيَّ سَمَاحَةً
فَأقَمْتُ عُرْسَ مَوَدَّتِي
وَبِرِقْةٍ طَافَتْ بِنَا
فَغَزَتْ جَوَامِعَ لَهْفَتِي
يَا نِسْمَةً تَجْلُو الْقُلُو
بَ وبَسْمَةً لِصَبَابَتِي
مَا عِشْتُ قَبْلَ لِقَائنَا
إلَّا بِآهَةِ وِحْدَتِي
واللهِ مَا أهْدَى الهَوَى
إلَّا دُمُوعَ وِسَادَتِي
قُولِي لَدَيْكِ مَشَاعِرٌ
نَحْوِي فَتَهْدَأُ حَيْرَتِي؟
مَا إنْ سَمِعْتُ حَنِينَهَا
يَشْدُو يُجِيبُ إشَارَتِي
قَدْ هَالَنِي هَمْسُ الرِّضَا
أُنْساً بِوَاحَةِ مُهْجَتِي
وَقَفَزْتُ أُعْلِي بَهْجَةً
أُهْدِي الْوُجُودَ بِفَرْحَتِي
لَكِنْ بِعَوْدَتِنَا إلَى
مَاسِ الثَّرَى فَرَأيْتُنِي
أرْوِي لِمَنْ كَانُوا مَعِي
حُلْمَ الْوِئَامِ بِرِحْلَتِي
فَتَغَامَزَوُا وَتَهَامَسُوا
ضَحِكُوا لِحُسْنِ سَجِيَّتِي!
قَالُوا كَذَلِكَ أنَّهُم
عَاشُوا مَثِيلَ حِكَايَتِي!!
الناقد د. حبيب بولس يواصل رحلاته ودراساته النقدية في كتابه: الرحلـة الرابعة/ نبيل عودة

يواصل الناقد والمحاضر الجامعي الدكتور حبيب بولس رحلاته النقدية ودراساته الأدبية عبر كتابه الجديد "الرحلة الرابعة " ( 384 صفحة من الحجم الكبير ) والذي يشمل دراسات ادبية ونقد ادبي ومتابعات مسرحية وكتب وكتاب، وهو اصدار خاص طباعة دار النهضة في الناصرة (2010 ) . وقد سبق هذه الرحلة ، ثلاث رحلات نقدية تناولت الإبداع المحلي وغيره من الابداعات العربية ، وللكاتب مؤلف هام بعنوان "انطولوجيا القصة الفلسطينية القصيرة" الذي يعتبر مرجعا لتطور قصتنا القصيرة وكتابها .الى جانب عدد من المؤلفات يصل الى ( 18) كتابا.
تابعت شخصيا كل كتابات الناقد حبيب بولس منذ سبعينات القرن الماضي ، الى جانب كتابته الأدبية ، خاصة في كتابه "قرويات " التي برز فيها ككاتب تسجيلي عن قريته كفرياسيف ، ولكنه مليء بروح ابداعية درامية ، مقدما لوحة ثقافية ، أشبه بالرواية الحية ، لقرية تعتبر من طلائع قرانا العربية في التقدم التعليمي والثقافي والاجتماعي .
نصوص الدكتور الناقد بولس فيها مميز هام ، وهو سلاسة اللغة والتعابير وابتعاده عن الاصطلاحات التي تحتاج الى تفسير او ترجمة من العربية الى عربية مفهومة.
أكاد أقول ان الناقد بولس ، الذي كما اسلفت تابعت انتاجه كله قبل جمعة في كتب ، يشكل مدرسة نقدية جادة ، تتناول الأعمال بفحص عميق وغير متسرع ، ومع أني أختلف معه حول العديد من الاستنتاجات ، ومن الفهم لبعض المسائل الثقافية ، الا انني اتفق معه حول معظم المواقف الفكرية والنقدية ولا استطيع الا الانحناء أحتراما لقدرته على الاستمرار ، رغم ما يعتري ثقافتنا ، خاصة ساحة النقد المحلي ، من وهن وهرطقة واستخفاف بعقل القراء عبر نشر مضامين نقدية تفتقد لشروط النقد الأولية ، تدفع الأدباء الشباب الى الوهم القاتل بأنهم بلغوا القمة من اول سطور خطوها.
الكتاب يشمل دراسات هامة ، كنت اود ان أدخل الى عمق المواضيع ، ولكن هذا يحتاج مني ألى أكثر من قراءة ومراجعة ثقافية ، وقد اثارت لدي بعض مقالاته ، دوافع لطرح مداخلات حولها ، خاصة دراساته حول الأدب العربي في اسرائيل ، التي اتبع فيها اسلوبا بعيدا عن الإستعراض ، متناولا المسائل الجوهرية المطروحة على الساحة الأدبية في حدود ال ( 48 ) . وهي قضايا لها اهميتها وخطورتها التي بدأنا نلمسها على جلد ثقافتنا أكثر وأكثر ، منها تواصل التهافت النقدي من اوساط فرضت نفسها بدون ان تملك الأدوات النقدية والقدرات الفكرية المناسبة.
الجميل في دراسته عن الأدب الفلسطيني في اسرائيل ، طرحة سؤال عن الدوافع الفلسفية التي كمنت وراء شعرنا ، ومكانة هذا الشعر من مجمل الحركة الشعرية العربية .
ويعالج القصة القصيرة ايضا محللا نواقصها وايجابياتها بموضوعية الباحث الذي يرصد كل التأثيرات ، وقد وضع تصوره مثلا حول عدم التوازن في الخطاب القصصي بين الخطابين التخيلي / الابداعي / القصصي من جهة وبين الواقعي / الأيديولوجي / التاريخي من جهة أخرى. حقا انا أظن ان هذه الصيغة تحتاج الى تفكير معاد ، أقول ذلك من تجربتي القصصية اذ لا أرى ان التوازن هو التعبير السليم ، بل معرفة أين نعلي خطاب على خطاب آخر.. ، الفكرة في الطرح سليمة وهامة ، ولكني ارى ان التوازن يخلق قصة دوغماتية.
وينهي دراسته بمراجعة هامة للجانر الروائي في ثقافتنا داخل حدود ( 48 ). والومه على تقصير اساسي ، عدم رصدة الواقع النقدي في هذه الدراسة ، ويبدو لي انه هرب من التورط في صراع مع ديكة غبية تظن ان النقد تسويق ذات الناقد على حساب المسؤولية الثقافية.
دراسته الهامة الثانية هي نص مبدع عن الناقد والمفكر العربي كبير ، الدكتور حسين مروة الذي اغتالته الظلامية الدينية ( 1978 ) وهو شيخ تجاوز السبعين، بسبب فكره النير ورؤيته الماركسية . يستعرض بولس في هذه الدراسة ، الى جانب حياة ونشاط الدكتور حسين مروة ، ابداعه لنظرية نقدية تطبيقية اعتمد فيها على رؤيته الماركسية . وقد شدني هذا الفصل بشكل خاص لمعرفتي الشخصية بالمفكر الكبير حسين مروة الذي كان يعد اطروحته لنيل شهادة الدكتوراة في موسكو عن كتابه " النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية" الذي اسس عمليا للبحوث العربية التراثية المعاصرة ،كما يشير الناقد بولس . وقد أسرنا حسين مروة بشخصيته الانسانية الأبوية وقدرته على شرح اكثر المسائل تعقيدا ببساطة تأسر المستمع .وبقيت سنتين مستمعا لطروحاته النيرة وفكره العميق حول العديد من مسائل السياسة والمجتمع والثقافة العربية ، وما زلت اذكر حتى اليوم رؤيته الثاقبة وتخوفه المبكر من ظاهرة الفكر الظلامي ، الذي وقع في النهاية ، هو نفسه ، ضحية له.
ومن منور ماركسي موسوعي ينقلنا الى منور موسوعي لبناني آخر هو رئيف الخوري ، وهي دراسة كبيرة قرأت قسما منها قبل سنوات وها هو يقدمها لنا كاملة في رحلته الرابعة.
تشمل هذه الدراسة التي تبلغ لوحدها حجم كتاب مستقل، ست نقاط اساسية ، سيرة رئيف خوري ثقافته ومؤلفاته، موقفه الثوري من التراث ، موقفه من القضية الفلسطينية، ابداعه الأدبي واراؤه الفلسفية.
يشير الناقد الى تأثر رئيف خوري بالثورة الفرنسية، وبالفكر الماركسي .وكان رئيف خوري قد عمل في التعليم في فلسطين بين العامين 1936 – 1938 في القدس، اثرت هذه الفترة على تكوين نظرته القومية وفيما بعد الاشتراكية، وجعلته يرى عن كثب ما يحاك من مؤامرات على الشعب الفلسطيني ، فكان من أوائل المفكرين العرب الذين تنبهوا للمؤامرة وحذروا منها ، بل وشارك نضاليا في تنظيم العديد من المظاهرات والاضرابات التي سبقت ثورة 1936.ومن نظمه في تلك الفترة:
مشينا الى الباغي نقاتله معا حتى يخلط الدم بالدم
وحتى تفك عنك يميننا وتخرجكم من قبضة المتحكم
فلا يقل الباغي نسينا بلاءكم الا اننا عن أهلنا غير نوّم
فيا ظلم لا دمنا اذا دمت ويا نير لا كنا اذا لم تحطم
ويا قلم التاريخ سطر جهادنا بنار وظلي يا عصافير تكلمي .
في القسم الثاني من الكتاب ، نقرا نقدا عن "ديوان الكوكاني"
لشاهد عبد الحق ، ونقدين لروايتين "العطيلي " لنبيل ابو حمد المغترب في لندن، ورواية " امرأة الرسالة " لرجاء بكرية .
في القسم الثالث نقرا ثلاث محاضرات في شعر محمود درويش .
في القسم الرابع متابعات مسرحية ، وعمليا يمكن القول ان الناقد حبيب بولس يتبوأ بذلك مكانا بلا منازع كمتابع للحياة المسرحية العربية داخل اسرائيل. وهناك ثماني عشرة دارسة عن مسرحيات قدمت خلال السنوات الماضيةن وهو رصد هام للحياة المسرحية والفنية .
وينهي كتابة في قسم رابع تناول فيه كتابا للمحاضر اليهودي العراقي الأصل الدكتور ساسون سوميخ :" ايام متخيلة" وكتاب سميح غنادي " المهد العربي".
لن استعراض أقسام الكتاب فهي تحتاج الى مداخلات أخرى ، آمل ان اقوم فيها في المستقبل القريب ، لما تحملة من طروحات فكرية ورؤية نقدية تحتمل الحوار، والأهم ضرورة ان تصل لكل من يعد نفسه مثقفا واديبا مبدعا ، لما تحمله من أهمية في رؤيتها التجديدية النقدية.
نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com
شئتُك...لإنهيار المهد/ أفين إبراهيم
بين الهوى والهوى
صميم هامش أعمى
يسلبني عتمة ستائرك البيضاء،
تلك التي..
تأكل رشد قناعاتي وأقنعتي
المعلنة عليك...
لأرتمي أُضحية لأصابع ليلك الماجن
وأطوف البكاء وجعاً
ينشد اللعنة غطاء
لوجه الندم الأخير...
قد لا تعلم
بأني أعبر طوائف الضوء
المغادر جدواي،
وأقايض بك إغتصاب الروح،
لأعرش في جدار مسامك،
قرنفلاً حائراً بين السماء والجذور..
ليت استفهام الحب كان فاجعتي،
لأطلقت أجنحتي للعودة وغنيت
لكننا... يا مولاي
دبق سحابة أنبجس من عنين
عمرنا المعلول،
لا يذيب لُزُوجتها جبروت
نفيٍ مفتعل...
يا قمحيّ الآتي ...
لا تطلقنا لمشيئة
غيم يمطرنا
فننسج التراب لهفة
لنشرب من دم الحجل
المحلق بأرواحنا الصغيرة
في سماوات اللعنة...
فلنكسر مخاض الطبيعة
ونكون التحام الماء والهواء
دون التراب والعنبر،
حتى يدركنا اللقاء المر
في زمن الياسمين ...
عند بقعة تشهق بنا
وتفرش عبق الزنجبيل الكتوم،
زحفاً يغير موازين القدر...
ألقني فيك ضريح موت
يمزق أشلاءك المتبقية
لزمن الجوع،
ويشكلك ضبابا كفيفا،
لا يهاب الضوء...
يا وحيدي..
دع أصول الليل واندلع
نحيباً لنهاري المشلول،
لتظلل أمسية رافدة،
في سرابك المنطفىء
تحت قوس ميلادي
....
وتُربك ملكوتي بلحظة
عتمتك المالحة حين تسقي جروحي
فتُقلب موازيني..
يا نجمة بحجم الحنين
آويني...
آويني في مساحة حضن
يخبىء تعب الهروب ،
في مفترق الوقت..
بعرقك غطيني،
لأتوارى لغزاً
لإنهيار المهد
في ملحمة عشق لم تُحرق
سوى أضلعي
وبعض ياسميني
في مفردات ِالذهب يرتقي الباحثون/ عبدالله علي الأقزم
جدَّتي يا زمزمَ العشق ِ
بأجزاء حياتي
اقلبي كلَّ الوجوداتِ بصدري
ذلكَ الفجرَ المُبينا
إنني أبحثُ عنْ
أيَّامِكِ الخضراء ِ
في فتـْح ِ المرايا
في ظلال ِ الباحثيـنـا
كلُّ أشيائكِ عندي
كلماتٌ حانياتٌ مورقاتٌ
تـُقـلِبُ الدنيا ابتهالاً عالميَّـاً
تصنعُ الآتي عروجاً
و هيَ في ذلكَ بحثٌ
يُبرزُ الدُّرَ الثمينا
و على مليون ِ جرح ٍ أبديٍّ
روحُكُ النوراءُ
كمْ ذا كوَّنتْ
كلَّ تفاصيليِ
دموعاً و أنينا
كوَّنتْ كلَّ وجودي
في مراياكِ
حنينا
انهضي
من لغة الموتى
و مِنْ كلِّ الحضاراتِ
جميعَ العارفيـنـا
لم تموتي أبجديَّاتٍ يتامى
لم تعِشْ فيكِ الإراداتُ
رياحاً تتعامى
كلُّ ما فيكِ محيطاتٌ
بوجهي
تـُبرزُ الوجهَ الحزينا
أنشئيني
مرَّةً أخرى بكفيِّكِ
هلالاً
حينما يهرمُ
يرتدُّ جنينا
أنا لمْ أكشفكِ
صحراءً بصدري
و على كلِّ عطاياكِ
اكتشفتُ
الحبَّ و السِّرَّ الدفينا
أنا في عينيكِ
يا سيِّدةَ الحريَّةِ البيضاء ِ
حررتُ السَّجينا
إن يكنْ عشـقـُكِ يُعطيني جنوناً
فـأنـا أُعلنُ في عينيكِ
أدمنتُ الجنونا
كلُّنا خدَّامُ عينيكِ
و مَنْ ينساكِ
لا يملكُ في محرابِهِ الأسودِ
دينا
يوم رميت قلبي على قارعة تاريخك/ فاطمة فناني
يوم رميت قلبي على قارعة تاريخك..
بعمق الصمت
قلت هل من مزيد؟؟
إنكسار...ضعف وحزن شديد
جرح عميق
جسرمن دموع
تمزق و ملل
قلم جامد وألم
***
أنت يا من أذاقني مر الكأس
كيف تجرأت..
خطوتك
على اختراق مملكتي
وعيناك
بالنظر
إلى زوايا قصري
و لقلبك بالنبض
بي...و بحرفي
ولخيالك بالإبحار
بموج عشقي
***
فأين كنت في زمن
كنت فيه سيد القلب
زمن
كنت أجالسك فيه كل ليلة
كعروس يوم زفافها
بأبهى الحلل...
وأداعبك
وأغازلك بكل لغات الحب
زمن
سقيتك فيه من هواي
و من شوقي
واستهويتك حد الإبهاربعشقي
وكنت أهمس في أذنيك
بكلمات عذبة الإيقاع
تجعلك تسافر كملاك
إلى أسرار السماء
و إلى أبعد البقاع
ذلك الزمن الذي
أحببتك فيه
حتى الثمالة
وبعد الثمالة
***
واليوم يا من كنت
حبيبي،
لم يعد جنونك يرقص أحشائي
ولم يعدقصري
من تراب و خشب
فالآن جدرانه
ذهب
وحراسه فرسان
يصدون الغريب
للأبد
للأبد
قد قالوا بان الحب قاتل/ اسماعيل الرز
قد قالوا بان الحب قاتل
و الشعور سا حق
و قالوا بأن العيون لا تقاوم
و الاحساس كالنور الكا سح
و الحروف كالبركان الصاعد
و الكلام كالدم النازف
و رغم كل هذه الخيالات
و المقالات و الاساطير
رغم كل الاشعار عن الحب
و الحبية ... و العشيقة
سأحبك....
و أحبك ........ و أحبك
رغم الهياكل المنحوتة
رغم كل ما قيل و سيقال
عن حب روميو و أدونيس
و قيس و عنتر و عبلى
سأدخل معك في أنفاق الحب
بفن القبائل الافريقية
مع الطبول و السيوف
و المقالات الاغريقية
حبا على الطريقة الصينية
و اليونانية....و اليابانية
و العربية..... وحتى التركية
و أمارس معك الطقوس الجنونية
و الجهنمية..... و الهندية
و الرومانسية و الشبقية التي كتبت
و التي لم تكتب في الصحف الاولية
محفورة في أعماق الاحساس
و قلب العطاء و حنان الاحضان
و لن أترك وردة ولا زهرة
الا و الامس بها جسدك
و أطراف نهديك ....
و أرعش بها ظهرك
الى وراء أذنيك
و أقطف ريشة من ريش النعام
أمسح بها بصماتي عن صدرك
و اغطي بها البقع الحمراء
كالعنقود تتلألآ على عنقك
و فوق كتفيك.....
و أهمس لك.......
بين كل قبلة... و قبلة
و همسة و لمسة
اني أحبك....
Polo_man60@hotmail.com
إليكَ حبيبي/ ميمي أحمد قدري
أنا مِنَ الحبيبِ أتألمُ
وأغْمِدُ سَيْفي بِقلْبِيَ
ولِلْحُبِ أسْتَسْلِمُ وأتَأقلَمْ
**
وأمُدُ يَدي إِلَيْهِ وأسترحمْ
**
أرَى الحَبيبَ بَيْنَ النُجُومِ
جُرْحَهُ مِنَ الألَمِ يَتَرَنَمْ
وأنا لَهُ أُمٌ تَحْْتَضِنُ ألَمَهُ بِتَكَتُمْ
**
أبْكِي وَأبْكِي
وَدُمُوعي تَغْسِلُ جُرْحَهُ
فَيَتَبَلْسَمُ وَيَتَبَسَمْ
وَاللَيْلُ يُناجِي النَهارَ
وَمِنْ فَجْرِهِ يُحَرَِّمْ
**
قَلْبِيْ يَبْحَثُ وَيُفَتِشُ عَنْ حُبِهِ لِيَتَعَلَمَ
وَلا يَتَبَرَمْ
**
وَعَلَى قِيْثارِ جَبينِكَ أَعْزِفُ وَأحْلَمُ
كَيْفَ تَحْيَا بِهذا الوَجْهِ المُظْلِمْ؟؟
**
تَتَكَتَّمُ حُبِيَ وَتَقْتُلْهُ وَلا تَتَرَّحَمْ
**
كَلِمَاتِي يَا حَبِيِبِيْ تَنْزِفُ دَمَّاً عَلَى الكِتَابْ
تُوقِظُ قَلَقِي
يَتَوَهَجُ عِبْرَ جِدارِ الغِيَابْ
أتَسَاءَلُ هَلْ حُبُكَ حَقَاً سَرابْ!!؟؟
**
يَا قَلْبِيْ طَهِرْنِي مِنَ العَذابْ
وَافْتَحْ لِلْشَمْسِ الأبْوابَ
واخْرِجْنِيْ مِنْ وَسَطِ الضَبَابْ
**
يَا حَبيبيْ.........
عِنْدَما أسْمَعُ صَوْتَكَ أُعَانِقُ الهواءْ
وَعَلَى جَنَاحِ التَّلاقيَ أصْعَدَ لِلْسَمَاءْ
فَيأتيْ الانْتِظارُ وَيَشُدَّني لِلأرْضِ الجوفاءْ
**
وَيَنْفَجِرُ بَيْنَ ثَنَايا قَلْبِيْ بُرْكانُ عِشْقِكْ
فَتَتَنَاثَرُ أشْلائيَ عَلَى صَفَحَاتِ صَمْتِكْ
**
أغْزِلُ الحُروفَ لِتُداوي بِها ألَمَكْ
هَلْ تَتَذَّكَرَ يا حبيبيْ
هَلْ تَتذكرْ ما أَلَّمَ بِكْ !!؟؟
**
بَيْنَ رأحَتَيْ أوْرَقَتْ سَنَابِلُ عُمْرِكْ
وَعَلَى دَفاتِري وَبَيْنَ سُطوريْ دَفَنْتَ شَجَرَةَ يَأسِكْ
بِنَبَضَاتِ قَلبِيْ أيْنَعَتْ أغْصَانُ الأمَلِ بِقَلْبِكْ
**
أنا وأنتَ تَعانَقْنَا وأخْتَرَقْنَا جِدارَ المُسْتَحِيلْ
وَلَكِني ... ضَيَّعْتُ قَلْبيْ بِجَوْفِ اللَيْلِ الطَوِيْلْ
بِدونِ فَجْرِ يَحْمِيهْ
أو واقِ يَقِيهْ
**
طُوبي لَكَ ..... فَقَدْ أحْبَبْتُكْ
كَمْ وَكَمْ أحْبَبْتَكْ
يا زمناً ... تَفَنَنَ فى خلعِ العذارِ/ يســر فــوزى
جثثٌ معفرةٌ بحقدٍ مخمورٍ
مطحونةُ الأنفاسِ
مطعونةٌ بحوالكِ الأيامِ
تدكُ بيادرً الرافدينِ
أعدمتْ المدَّ
بينَ دجلةَ و الفراتِ
يا زمناً ... تَفَنَنَ فى خلعِ العذارِ
وجهُكَ المربدُ
ترتسمُ على تقاسيمِهِ
مأساةُ ذاكَ الجدارَ
تقترفُ الذنبَ عارياً
و يعتصرُ حقدُكَ الْمُبْهَمُ
ما يشتهيهُ
مِنْ يانعاتِ الثمارِ
سَنَابِلُكِ الشقراءُ يا بابلَ العراقِ
تغرزُ جرحَها المكلومَ
على شفاهِ حدائقكِ المعلقةِ
لعلَهُ يتصاعدَ بخورُ عشتارَ
يُظَلِلُ لَهِيبَ الجُرْحِ
و يرطبُ سنامَ اللحظةِ
أرضُ أورْ تنتحبُ رمالُها
و تندبُ ريحُ الشرائعِ
بقايا جدرانِ متداعيةٍ
تنطفئُ على ذيولِها
ضياءُ المحاجرِ
و طيوفُ سومرَ
يتراقصُ الجدبُ
على مساربها
تَحِنُ إلى هطولِ ورودِ أوركاجينا
لتزهرَ شبابيكُ المسلةِ
قسطاساً وعدلاً
و خلفُ أهدابِ الفاجعةِ
جيلٌ يزحفُ
يقتلعُ نابَ السمومِ
و يهدمُ معبدَ الأرجاسِ
يحلمُ بأطيافِ ملائكةٍ
مِنَ الجنوبِ
تشِّدُ رحالها
تشعلُ فتيلَ فرحٍ سماويٍ
فى مُقَلِ زهورٍ
تضيءُ عتمةَ اللحظةِ الهاربةِ
فوقَ أشرعةِ الفُلْكِ المَشْحُونِ
تُعِيْدُ مجدَ ألواحِ طينيةٍ
تفوحُ مِنْ أكْمامِها
رائحةُ العشبِ السحريِ
وتُمْحَى مِنْ بينِ السُطورِ
ملاحمُ الفسقِ
و سجوفُ ضبابٍ أعشىْ
يحومُ على مضاربِ الماضى
وَ تُسْقِطُ بريقَ أكْذوبَةٍ
تنتشى مِنْ صَدَى
مطارقَ تهوي
فوقَ جَماجِمِ الوهمِ
لِيَشُبَ قَبَسٌ متوقدٌ
مِنْ فُوهةِ أسدِ بابلَ
يفقأُ عيونَ فتنةٍ
تَلْعَقُ غبارَ حقدٍ
غَصَّتْ بِهِ حُنْجُرةُ العمائمِ
وَ يَلْجِمُ أُغرودةَ أجراسِها
أأنتِ (امرأة في بلاد الحريم)؟/ زياد جيوسي

.. وحقيقة احترت في مفهوم المرأة، ومفهوم الحب وماذا تريدين؟ فأنا الذي عشق بصمت وألم عبر عصور ولم افعل إلا أن (عتقت روحي كي تفر إلى دمك)، وجلت العالم والمرافئ أبحث عنك (أنثر بذار الخيل)، لا لشيء إلا أن (أجنيها معك)، حلمت بلقاء يجمعنا معاً، نتوحد أرضاً ووطناً، وحلمت أن (أجراس نهديكِ مدائن قد غفا فيها الحمام)، فانتظرت يوماً يجمعنا بأرضٍ أنت وأنا (وشفاهك الحيرى بنار رحيقها)، كي نشعل الحب من جديد بركاناً، فلم أجد إلا رفضاً كأنه وفاءً (لأحلام الطغاة)، الذين اغتصبوا براعم الياسمين (منذ صار الشرق عصفوراً) لأحلامهم وطغيانهم، فذبل الياسمين على الشواطئ المغتصبة (فعرائس البحر استقالت)، ووجدت نفسي وحيداً مع (ثلوج دمعكِ التي عبأتها في قوارير الصلاة).
أغادر المكان إلى المكان، أنتظر همساتك أن تطل بكلمة من بين (شفاهك التي أجلت قبلاتها)، لأعود وأضمك وأحتضن روحك (وخصركِ الذي يغيب في ثلوج نارك)، واركض وإياك عبر المسافات حتى يتصبب العرق منا، فارتشفه من بين طيات سهوبك وتلالك، فليس لي إلاك من قصة عشق، وأنت (كقطة مشاغبة) تجتاحك شطحات الجنون، فتجعلين من روحك وروحي (غرباء في صمتنا المملوء بالكلام)، وتتركين قلبي (وحده معلقُ على النوى)، فهل يمكن للمكان أن يجمعنا وترفضين الحب؟ ألم تدركي بعد أن لقاءنا الذي كنا نحلم ليس إلا (عشقنا نلمه تفاحةً بريةً، ومن شفاهه الحياة نرتشف)، وانك كنتِ في سنوات عمري وستبقين ضوء قمر، وأني قضيت العمر أحلم (أن أنام في محارةِ الكلام قصيدة وعرسها انتظار).
تعالي وكوني معي فأنا (أريد أن أقول للعبيد أن لي قصائدي)، وان المدينة لي ورام الله لي وفيها (أراقص الغيوم في كفيكِ)، وفيها (أنام في القصيدة التي نكتبها بصمتنا)، فدعي حبك لي، قلبك لي، جسدك لي، كي (أطير من جديد)، فأنا لم أعتد أن أكون في المساء (كقطة متعبةٍ ألملم بعض النهارِ لأفرد بعضي)، فمنذ عشقتك أسطورة أنثى ووطناً وأنا (قابض على جدائل النارِ)، وكنت أرى فيكِ وحدكِ من تبتسم (وتغطي دمعَ النشوةِ برموشِ ظفائرها)، وتحلمين رغم البعاد باللقاء وأن (دم العاشق ممزوج ببياض الوقتِ)، وأنا أحلم بك وأتابع الخطى وأتساءل عن (خطوات العاشقِ كيف أخبئها؟)، فأسير إليك وإلى لقاء يمازجنا، يصهرنا، و(يفضحني المطر المتعمشق حبات العينِ).
من لي غيرك والأرض من معشوق أبذل له الروح فرحاً، فتعالي من جديد لنرقص رغم (أن الراقصين مضوا)، وأنتِ ما زلت رغم القسوة التي تنثريها في فضائي (طفلة تلهو بأشواك الثلج)، وأنا ما زلت (ألهو مع الأحلام في حديقة البراءة)، وما زلت أعشقك تربة خصبة تمنح الحب وأراك (مدينة من النساء في دمي تموج)، وأحتمل كل النار التي تشتعل ما بين الضلوع فما زلت (أنا طريد النارِ، أهوى ألم النار بين أصابعي)، وما زلتِ أنت فيء زيتونة تمتد من الناقورة لرفح، وستبقين رغم كل البعاد (قصيدتي التي..، حبيبتي التي خبأت فيها الحزن.. خبأت العسل)، وكانت روحك وما تزال (تهزني كالنار إذ تهز خصرها الثلوج، فبردها مدينتي ونارها ولوج).
تجول في فضاءك خفافيش العتمة التي استولت عليكِ بورقة وقرار، فأرادت أن تحيلك حارس الليل لدفن أحلامي، أما أنا فما زلت أرى (شفاهها مدينة يشتاقها العسل)، وأنك ستعودين من جديد (كقطة برية تخرمش الأشياء)، وأنك ستبقين أبداً (خريطة قصائدي) وأطيافي المتمردة، وأنك وحدك من بين المدائن من (تكسر المصباح كي ترى ضفيرة النهار)، وأنك لن تكوني أبداً امرأة (في بلاد الحريم)، حيث هناك (كل شيء مباح، الهوى والخديعة ُ النّوى والجراح)، وأنا أبحث عن وطن (أعتلي سيوفه لأشتري العذاب)، وأبقى أحلم بك حباً أزلياً لأن (شفتاي من عطش تجيء)، وأنا وحدي من يمتلك (الأبيض المسروق من شفةِ الندى)، ولن أتوقف عن الحب ولن أتخلى عن فيء الزيتون والصبّار الذي يحلم أن يصبح شقائق نعمان، وسيبقى (اللازورد مدينتي إن هزني بعض التعب)، ولن يصبح أبداً (تفاح قلبي يابس مما اعتراه).
أعدك أني لن أموت، وسأبقى أنا في جراحي (ساكن سفينة الرؤى يتأمل صمت المدينة)، وأنت رغم كل الجراح ستبقين (غزال قرناه قلب المدينةِ) وسيبقى بيننا (الهوى نافر كالجديلة)، وسأبقى في مدينتي (تؤويه ويسقيها ويعتب أن مضى زمنُ بغير مجيئه فيها)، وسأبقى أجول الحب والمدينة (غزالُ قد من غسقٍ)، وتبقى روحك رغم العتمة (هي العتباتُ يدخلها) حبي (فتنفتحُ وتنغلق)، فهل يمكن لروحك أن لا تضمني وهي تراني وتراه قلبي (تراه إذا ينحني للتراب الذي ينجرف).
* كل ما هو بين أقواس للشاعر جهاد أبو حشيش من ديوانه امرأة في بلاد الحريم الصادر عن دار فضاءات- عمّان 2007