أنا مش مهم/ محمد محمد على جنيدي


أنا مش مهم

أنا دمي سم

أنا ماشي افرط مش بلم

كان نفسي أنصب أو أخم

كان نفسي ابقى كبير يا عم

بس اعمل ايه وانا دمي سم

كل اللي عارفه ودا الأهم

إني يا صاحبي بجد غم!!!

ولأني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم

سألت روحي ف. يوم بجد

أنا ليه بقيت كدا أي حد

كان ممكن اقدر يوم أسد

وأعلّي صدري كأني سد

بس الحكايه بجد جد

كتر الهموم بتهد هد

وما التقيت روحي ف. مسد

ولا حد قللي هات وخد

وعرفت إني بجد غم

ولقتني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم

يا حمام يا زاجل روح وأقول

إني بموت ف. اللي اسمه فول

باكله بجد كأني غول

بس مَعدش اليوم نطول

غير حبتين ومنين ننول!!

ريحته وفين طعمه العسول

وما التقيت روحي ف. مسد

ولا حد قللي هات وخد

وعرفت إني بجد غم

ولقتني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم

ساكن ف.قوضه فوق السطوح

مع نفسي بتخانق وابوح

وبقول يا حظ انا ليه كسيح

ليه تملي متعذّب بَنوح

لو كان لي أهل وبيت فسيح

أو كان لي ضهر كبير صحيح؟!

كنت ابقى م.القسوه بسيح!

أو قلبي فاض بيه الجروح!!

وما التقيت روحي ف. مسد

ولا حد قللي هات وخد

وعرفت إني بجد غم

ولقتني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم

شاورت خالي قال يواد

سافر الخليج روح زور بلاد

دا السعد وعد ملوش ميعاد

بيعت الجموسه وبس عاد

ورجعت تاني مفيش حصاد

غير حلم لابس توب سواد!!

وما التقيت روحي ف. مسد

ولا حد قللي هات وخد

وعرفت إني بجد غم

ولقتني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم

قلت ف.بلادي اقدر أعيش

ربك خلقني ماينسنيش

ورجعت ادوّر ملتقيش

غير إنّي اشيل قمح وحشيش

وبمية جنيه متكفنيش

بتعشى يوم ويومين مفيش!!

آخر الحكايه بجد جد

كتر الهموم بتهد هد

وما التقيت روحي ف. مسد

ولا حد قللي هات وخد

وعرفت إني بجد غم

ولقتني حاجه تغيظ وهم

أنا مش مهم

أنا مش مهم



المصري أفندي/عـادل عطيـة



أفندى ، كلمة جاءت من اللغة اليونانية ، ودخلت اللغة التركية منذ القرن الثالث عشر الميلادى ، وهى تعنى : المالك أو السيد .
وبمناسبة أفندى ، يقال : ان فاكهة المندرين ، سُميت : "يوسف افندى" ، نسبة للمهندس الزراعى "يوسف أفندى" ، الذى ادخلها إلى مصر فى عهد محمد على .
وأود أن أذكركم بأن عبقرى الكاريكاتير ألكسندر صاروخان ، هو من ابتكر : شخصية "المصرى أفندى" .
أما أجمل ما قرأت عن أحوال أفندينا ، فهو للشاعر القدير أحمد فؤاد نجم ، الذي يقول :

افندينا أنعم علينا بعلاوة
تجيب كيلو جبنة وعلبة حلاوة
آتاري العلاوة مجرد أتاوة
و احنا علينا الكلام اختلط
*****
عشان في البداية حسبناها خير
و قلنا نواية حتسند يا زير
و حسنة حتمنع بلاوي كتير
و كنا حقيقي في غاية العبط
*****
في لحظة افتكرنا ان لينا حقوق
و نمنا و صحينا لقينا الخازوق
و قبل اما حتى يا عالم نفوق
لقينا اللي لسه حناخده اتشفط
*****
أفندينا يعني في لحظة تجلي
تعطف تلطف و قرر يخللي
مساحة الغلابة تزيد ستة مللي
و ياكلو بدال التراب الزلط
*****
أفندينا أعلن صدور القرار
و قبل اما ينجح في أي اختبار
فوجئنا بزفة و مولد و زار
قصايد.. جرايد.. برامج.. يفط
*****
تؤكد بأن الحكومة.... بذكاء
و من حزمة واحدة قضت ع الغلاء
و لابد يبقى لدينا... انتماء
و ناكل و نشرب و نلبس خطط
*****
عبال النمو اللي قالوا عليه
و حايشينه عنا مانعرفش ليه
ماتلمح مكانه في مراية عينيه
و نقدر ندوق منه... حتى نقط
*****
مادام كل حاجة تمام ع الورق
مفيش أي داعي عشان القلق
و لو مش مصدق خلاص اتفلق
ورقـنا اللي صح وكلامك غلط
*****
قاللي مواطن عليم بالخبايا
أفندينا قرر تزيد الجباية
عشان شعبه جاحد قليل الرباية
بياكل و ينكر زي القطط!
*****
اذا الشعب صدى بفعل البارومة
حاتعمل حسابه ف ايه الحكومة
وهي اللي جاهزة بكرباج وشومة
عشان لوفي واحد في عقله اتخبط
*****
تعيش مصر دايما في عز و جمال
يعيش المواطن شـديد الاحتمال
و آمن تماما من الاشــــتعال
و أقصى ما عنده.... ينكت فقط

محترف راشيا يقيم ندوة وتوقيع عن رواية عذراء قصر الشيخ





لمناسبة صدور رواية "عذراء قصر الشيخ" للكاتب اللبناني محمود شباط أقامت "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا لبنان ندوة وتوقيع للرواية في قاعة المربي ضاهر المعلولي راشيا الوادي وبحضور ممثل رئيس الجمهورية السابق الشيخ أمين الجميل رئيس إقليم البقاع الغربي في حزب الكتائب إيلي عجيل وممثل قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي ممثلاً بالعقيد حسان هرموش وممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الرائد كمال البعلبكي وممثل مدير عام أمن الدولة العميد مصطفى دكروب الملازم أول نبيل الحاج حسن وممثل مدير عام الدفاع المدني العميد الطيار درويش حبيقة ممثلا برئيس مكتب راشيا سلمان فايق ورئيس بلدية راشيا زياد العريان وأعضاء المجلس البلدي ورئيس بلدية عيحا الدكتور أسد شرف الدين ورئيس الجمعية شوقي دلال ووفد من تجمع البيوت الثقافية في لبنان وإتحاد الكتاب اللبنانيين وحشد من الفعاليات الدينية والإجتماعية والعميد المتقاعد مروان زاكي وهيئات المجتمع المدني .

بداية مع النشيد الوطني اللبناني وإلى كلمة رئيس "جمعية محترف راشيا" شوقي دلال حيث قال " نلتقي اليوم حول الرواية الرابعة للكاتب اللبناني محمود شباط بعنوان "عذراء قصر الشيخ" حيث تقع أحداثها في لبنان أيام الإحتلال العثماني وتبين الفجوة الإجتماعية في قرية ريفية بين عائلتين مشايخ آل الجوري وفلاحي آل الشميساني وكيفية إستغلال المحتل التركي لتلك الفجوة واللعب على التناقضات بين العائلتين ومناصرة التركي لمشايخ آل الجوري ليس حباً بهم بل لإزكاء نار الصراع والفتنة بين العائلتين ، من ناحية أخرى هناك نفوذ عنصري من الأمن العثماني عبر شخصين يفوق نفوذهما شيخ تل الباز نفسه ويعيثان فساداً في القرية دون حسيب أو رقيب ، كما يتناول المؤلف بكثير من الإدهاش إستقواء المشايخ آنذاك بالمحتل ، ومحاولة تغيير الواقع "...

بعد دلال تكلم الكاتب محمود شباط عن ظروف ولادة هذه الرواية في رؤية تشبه إلى حد بعيد ما يدور اليوم في لبنان وكأن الزمن لم يتغير مطلقاً بحيث لا نتعلم من عبر الماضي وما سبب لنا من تشرذم وإنقسام ، وأعلن الكاتب شباط عن صدور رواية قريبة يستكمل فيها سلسلة رواياته الأربعة ، وتقدم شباط بالشكر والتقدير لجمعية محترف راشيا ورئيسها الفنان شوقي دلال على الرعاية الدائمة لنتاجه ولجميع الأدباء والشعراء والفنانين ليس فقط في منطقة راشيا بل على مستوى كل لبنان .

وفي الختام وقع الكاتب الرواية للحضور بعدها جولة على سوق راشيا الأثري وقلعة الإستقلال .
شوقي دلال - رئيس الجمعية

وردتى الوحيده/ عيسى القنصل


بعطرك انت اضحى العمر ُ اغنية ً

اغنيها مدى الايام فى طرب ِ

فانت الفجر ُ حين الصبح ُ يوقظنى

ومسك الليل بعد الجهد والتعب ِ

وثغُرك ِ اذ يخاطبنى

فيحملنى ..

هنيئا بين الريح والسحــــــــــب ِ

انا قلبى يقتالنى

ويبغى نسمة تاتى ..

فمن عينيك للقلــــــــــــــــــــــــب

انا اهواك ِ فاتنتى ..

فكونى دائما قربـــــــــــــــــــــــى

وهاتى العطر يغسلنى

فمن درنى ومن المى ومن كربى

فانت الورد سيدتى

ونهدك ثورة تغلى ..

فلا خوف ُ من البركان فى كتبـــــى

كعطر ٍ من سماء الفجر تاتينى

كدالية ٍ من الانجاس والعنـــــــــــــب

اسيدتى ..

شربت ُ الكاس من عينيك فاقتربى

وكان الكاسُ مملواً

بطيب جاء من ربــــــــــــــــــــــــى

فسبحان الذى اعطى

لسحر العين اسيافا من الهـــــــــدب ِ

>؟؟؟<>؟؟؟><>؟؟؟؟؟><>؟؟؟

احبك انت سيدتى

فحبك ِ مثل غابات من الامـــــــــــــل

فاشجار ُ من الفرح ِ

واغصان ُ محملة ُ بطعم اللوز والعسل ِ

وساحات ُ من الرؤيه

بلا خوف ٍ من الاجل ِ

عيونك شعلة ُ تهدى

خطى قلبى خطى عقلـــــــــــــــــــى

تعالى وامنحى حرفى

مباركة ً .. وكونى بؤبؤ المقــــــــــــل ِ

فما غيرالعيون السود تقتلنى

مصادفة ً سوى عينيك يا املـــــــــــى

انا قلب ُ وانت الصدر فاقتربى

فهذا القلب دون الصدر محترق ٌ على عجل ِ


><><><؟؟؟><><><؟؟؟>>

متى القاك ِ سيدتى ..

لتسقينى ..من الاحلام انهــــــــــــــــارا

فليل البعد ِ جلاد ُ

يعذبنى . .

فلا القى لهذا القلب اوطــــــــــــــــــارا

صحارى العمر تخنقنى ..

فلا حب ُ يحيل ُ الشوك ازهــــــــــارا

تعالى وامسحى عرقى ..

وغطّينى ..

فوردك عطره الانسان ُ ينعشنى

ويرجعنى ...شبابا قل ما صــــــــــارا

تعالى واسكنى قلمى ...

وغذّينى تفاعيلا واشعـــــــــــــــارا

تعالى ان باب القلب مفتوح ُ

لعطرك ِ سوف ابقى العمر منتظرا ً

فعطرك انت يشيع ُ الليل ُ انـــــوارا

قمقمـــــــة/ سيد ماجد مجدلاوي

قصة


كَان الْحِوَار بَيْن اوَلِّي الْأَمْر الْعَرَب صَرِيْحا وَهَادِفا لِأَوَّل مّرَّة مُنْذ تَأَسَّسَت جَامِعَة الْدُّوَل الْعَرَبِيَّة ،وَهَذَا الْأَمْر يُثْلِج الْصَّدْر وَيُثَبِّت مَا قَالَه الْرَّسُوْل الْعَرَبِي مُحَمَّد:" كَمَا انْتُم يُوَلَّى عَلَيْكُم ".
الْرَّئِيْس الْأَكْثَر لَمَعَانَا فِي الْقِمَّة اسْتُهُجِّن عَدَم وُجُوْد رَئِيْسَات دُوَل عَرَبِيَّة ، فَالقِمّم جَافَّة مُمِلَّة بِلَا رَائِحَة الْعِطْر الْنَّسَائِي وَالْوَان قَوْس الْقُزَح الَّتِي تُزَيِّن الْنِّسَاء مِن قِمَّة راسِهُن الَى أَخْمَص أَقْدَامُهُن . رَد عَلَيْه الْرَّئِيْس الْأَقْدَم وَالأَخَبّر بِالْقِمَم :
- الْنِّسَاء شَر كُلُّهُن وَشَر مَا فِيْهِن الْحَاجَة الَيْهِن .
وَأَضَاف
- لِذَا فَرَضْنَا عَلَيْهِن الْلَّوْن الْأَسْوَد ، وَابْعَادَهُن عَن الْإِخْتِلَاط بِالْبِشْر .
سَالَه مُتُفَاجِئا :
- وَهْن الْسِّن بَشَرا ؟
أَجَابَه
- يَبْدُو يَا سَعَادِة الْأَخ الْشَّقِيق انَّك نُصِبَت رَئِيْسَا مُبَاشِرَة مِن نَوَادِي لَنْدَن او بَارِيّس . نَحْن الْعُرْب حَبَانَا الْلَّه بِالْغَيْرَة . فَهَل نَتَمَثَّل بِاهْل الْنَّار ؟
فَصَمَت مَنَعَا لِوُقُوْع خِلَاف سِيَاسِي .
كَان جَدْوَل الْأَعْمَال مُكْتَظَّا بِالمِلَّفَات الْمُؤَجَّلَة وَالمَلَفّات الْطَّارِئَة ، وَيَقُوْل عَلِيّمْو الْأَمْر ان أُقَدِّم هَذِه الْمِلَفَّات يَعُوْد الَى زَمَن الْجَاهِلِيَّة ، وَاحَدَثُهَا يَبْدَا مِن الْعَام 1948 وَطَالِع ، حَيْث لَم يصَل الْعَرَب بَعْد الَى اتِّفَاق حَوْل الْكِيَان الَّذِي قَطَع طَرْفَا مِن اوْطَانِهِم . وَلَكِن لِكَثْرَة الْأَعْمَال وَعُمْق الْمَوَاضِيْع الَّتِي تُنْاقَش ، يُقَرِّر الْرُّؤَسَاء تَاجِيل بَعْضُهَا حَتَّى تَحِيَّن سَاعَتَه الْمُنَاسَبَة. . وُصُوْلَا الَى ايَّامِنَا هَذِه .
كَان عَلَى رَأْس الْأَعْمَال الْطَّارِئَة الَّتِي لَم تَعُد تَحْتَمِل الْتَّأْجِيْل بَحْث الْخِلَاف الْعَرَبِي الْدَّمَوِي الَّذِي مَضَى عَلَيْه عَهْد كَبِيْر ، وَلَم يَعُد بّالامَكَان تَأْجِيْلُه حَتَّى لَا يَقَع مَا لَا تُحْمَد عَوَاقِبُه. وَهَذَا مَا أَكَّد عَلَيْه رَئِيْس الْمُؤْتَمَر الّدَوْرِي لِلْقِمَّة ، وَجَاء شَرْحا وَافِيا لَه مِن الْمُخَابَرَات الْعَرَبِيَّة الَّتِي قُلِبَت ، بِعَمَل عَرَبِي مُشْتَرِك ، كُل رِمَال الْصَّحْرَاء بِمَا فِيْهَا الْرُّبُع الْخَالِي لِفَهْم كَيْف تَقَع الْشُّرُوْر بَيْن ابْنَاء الْأُمَّة الْوَاحِدَة الَّتِي انْزَل الْلَّه الْقُرْآَن بَلَغْتُهَا ، الَا وَهِي الْحَرْب الْضَّرُوْس بَيْن الْأَشِقَّاء الَّتِي عُرِفَت فِي الْتَّارِيْخ بِاسْم "حَرْب دَاحِس وَالْغَبْرَاء " . وَلَكِن الْمُشْكِلَة كَيْف يَعْقِدُوْن رَايَة الْصُّلْح الْآَن وَيُنَظَّفُون الْتَّارِيْخ الْعَرَبِي مِن هَذَا الْصِّرَاع ، وَهَل بَقِي مِن ابْنَاء الْمُتَحَارِبَيْن مِن يُفْتَرَض دَعَوْتُهُم لِلْصُّلْح الْعَشائِري؟
الْمُخَابَرَات فَشِلْت فِي الْعُثُور عَلَى وَرِثَاء ، وَتَقَرَّر تَحْوِيِل الْصُّلْح الَى بَنْد يُنْهِي اسْتِعْمَال الْسُّيُوْف وَالْخَيْل وَالْقَصَائِد فِي الْمَعَارِك بَيْن الْعَرَب ، يُوَقِّع عَلَيْه الْرُّؤَسَاء وَالْمُلُوْك وَالْأُمَرَاء وَالْسَّلاطِيْن بِاحْتِفَال رَسْمِي قَد يُدْعَى لَه قَادَة الْدُوَل الْغَرْبِيَّة وسْكِرْتِيّر عَام الْأُمَم الْمُتَّحِدَة ، حَتَّى يَكُوْن مُلْزِمَا وَرَسْمِيا.

بِالْطَّبْع هُنَاك اشْكَالِيّة سِيَاسِيَّة تُصِر الْهَيْئَات الْدِّيْنِيَّة الْعَرَبِيَّة عَلَى حَلِّهَا فَوْرا قَبْل ان يُضِيْع الْعَرَب ويُفَقَدُوا انْتِمَائِهِم الْأَصِيْل.وَالْمَسالَة تَتَعَلَّق بِفَضِيْحَة قَدِيْمَة لَم يَعُد بّالامَكَان الْسُّكُوْت عَنْهَا ، اذَا تَسَرَّبَت الْمَعْلُوْمَات لطَوَيلَي الْلِّسَان ، وَوَضَعُوَا اوَلِّي الْأَمْر الْعَرَب بِمَوْقِف حَرَج .
الْمَوْضُوْع يَتَعَلَّق بِأَن الْسُّلْطَان قَابُوْس اتَّخَذ خُطُوَات مُعَادِيَة لِلتُقَالْيد العُرِيبَة الْأَصِيلَة لِدَرَجَة ان شَاعِرا صايٓعا اسْتُغِل الْخَطَأ الَّذِي وَقَع فِيْه جَلَالَة الْسُّلْطَان و كْتُب عَنْه :
- وَقَابُوْس هَذَا سُلْطَان وَطَنِي جَدَّا
لَا تَرْبِطُه رَابُطَة ببِرِيْطَانيّا الْعُظْمَى
وَخِلَافا لِأَبِيْه وُلِد الْمَذْكُوْر مِن الْمَهْد دُيِمُقْرَاطِيَّا
وَلِذَلِك تُسَامِح فِي لَبْس الْنَّعْل .. وَوَضَع النَّظَّارَات .

لِذَا جَاء فِي الْبَنْد الْطَّارِئ ، مِن أَجْل اقَفَال فَم الْشُّعَرَاء مِن كُل الْأَصْنَاف :
- " يَجِب عَلَاج مَوْضُوْع لَبِس الْنَعْل وَوَضَع النَّظَّارَات الْمُعَادِيَة لِلتُقَالْيد الْعَرَبِيَّة وَالَاسَلامِيّة وَالَّتِي تَجْعَل الْعَرَب يَتَشَبَّهُوْن بِالْغَرْب الْكَافِر ويُقَلِدُونَه فِي زَنْدَقَتُه".

بِالْطَّبْع الْقِمَّة الْعَرَبِيَّة لَا يُمْكِن ان تننْسَى هُمُوْم الْشُّعُوْب الْعَرَبِيَّة ، اذ بِسَبَب الْغَرْب الْكَافِر امْتَلَأْت الْمُجْتَمَعَات الْعَرَبِيَّة بِمَشَاكِل لَا حَصْر لَهَا. بِسَبَبِهِم تَخَلَّفْت جَامِعَاتِنَا . بِسَبَبِهِم تَأَخَّر اقْتِصَادِنَا . بِسَبَبِهِم فَسَدَت أَخْلَاق الْشَّعْب وَصَار يُقَيِّم الْأَحْزَاب وَالنِقَابَات تَمَثَّلَا بِالْغَرْب الْكَافِر مُبْتَعِدِيْن عَن اوَلِّي الْأَمْر الَّذِيْن كُلِّفُوْا بِأَمْر رَبَّانِي بِقِيَادَة الْأُمَّة. وَالْخَطَر الْدَّاهِم عَلَى هَذِه الْأُمَّة ، وَالَّذِي لَم يَنْتَبِه الَيْه الَا شَيْخ ضَرِيْر مِن الْسُّعُوْدِيَّة ، ان الْعَرَب بَاتُوْا يَتَمَثَّلُون بِالْغَرْب وَيَنْقُلُون عَنْه عَادَات سَيِّئَة مِثْل جَمَاهِيْر الْتَّشْجِيْع فِي مَلَاعِب كُرَة الْقَدَم ، وَأَيْضا يَتَمَثَّلُون بِالْغَرْب الْكَافِر اذ يَتَبَادَلُوْن الْكَرَّة بِاقُدَامِهُم ويَرْكُضُون وَرَاءَهَا وَالْجَمَاهِيْر تَصْرُخ ، بَدَل ان يَذْهَبُوْا لِتَقْوِيَة أَجْسَادِهِم اسْتِعْدَادَا لِيَوْم الْجِهَاد.
بَل وَالْبَلِيَّة انَّهُم صَارُوْا يَحْتَفِلُون بِعَيْد الْحُب بِلَا حَيَاء وَيَجْرِي تَبَادُل الْوُرُود الْحَمْرَاء بَيْن الْنِّسَاء وَالْرِّجَال ، أَبْعَد الْلَّه شُرُوْرِهِم عَنَّا . وَهَذَا كُلُّه يَجِب اتِّخَاذ قَرَارَات وَاضِحَة فِيْه ، حَتَّى لَا تَتَفَسَّخ الْأُمَّة ، وَتَرْتَد عَن دِيْنِهَا .
وَالْأَكْثَر غَرَابَة وَاسْتِهَجّانَا انَّهُم صَارُوْا يُشَارِكُوْن الْنَّصَارَى الْصَّلِيْبِيِّيْن بَعِيْد الْمِيْلَاد بِالْتَهَانِي ، بَل وَهَنَاك ظَوَاهِر أَخْطَر يَجِب ان تُقْلِق الْأُمَّة مِن الْمُحِيْط الْهَادِر الَى الْخَلِيْج الْثَّائِر اذ بَدَأ بَعْض الْابَاء يَدْعُوَن لِزِيَارَتِهِم فِي بُيُوْتِهِم شَيْخ ذَلِك الْعِيْد الصَّلِيبِي الَّذِي يَأْتِي بِمَرْكَبَتِه مِن بِلَاد الْثَّلْج الَى الْرُّبُع الْخَالِي فِي الْصَّحْرَاء وَالَّذِي يُسَمَّى بَابَا نُوَيْل ، وَالَّذِي تُمَيِّزُه لِحْيَة طَوِيْلَة بَيْضَاء كَالْثَّلْج ، تُضَلِّل الْأَوْلَاد وَتَجْعَلُهُم لَا يُمَيِّزُون بَيْن الْلَّحَى الْشَّرْعِيَّة وَالْلِّحَى الصَّلِيْبِيَّة الْكَافِرَة ، وَيُبَرَطِلَهُم بِتَوْزِيع الْهَدَايَا وَالْحَلَوِيَّات . الْوَيْل لِمُسْتَقْبَلَنَا اذَا اسْتَمَر هَذَا الْفَسَاد الْأَخْلاقِي ، وَالْكُفْر بَقِيَمِنَا وَمَبَادْئْنا، انَّه لِرَبِّي أَخْطَر مِن قِيَام عَشَر دُوَل اسْرَائِيلِيّة فَوْق ارَّاضَيْنا.
وَانْشَغَل الْمُؤْتَمَر ايْضا بِخِلَاف طَارِئ حَوْل الْوَجَبَات الَّتِي يُفَضِّلُهَا اوْلُو أَمْر الْعَرَب .. وَطُرِح سُؤَال هَام لَخَّصَه رَئِيْس مُؤتر الْقِمَّة كَمَا يَلِي :
- هَل يَجِب الْتَّشَبُّه بِالْغَرْب بِاسْتِعْمَال الْشَّوْك وَالْسَّكَاكِيْن وَالْمَلِاعِق لِتَنَاوُل الْطَّعَام ؟ هَل مِن الْضَّرُوْرِي اقَامَة دَوْرَات تَعْلِيْم الْقَادَة اسْتِعْمَال هَذِه الْأَدَوَات الْكَافِرَة الْمُسْتَوْرَدَة مِن بِلَاد أَهْل الْنَّار؟ الَيْسَت كَف الْيَد ، وَالَّتِي فِيْهَا خَمْس اصَابِع تَتَحَرَّك بِكُل الْأَشْكَال وَالاتِّجَاهَات ، أَفْضَل مِن الْاخْتِرَاعَات الْغَرْبِيَّة الْكَافِرَة لِلْشَّوْك ذَوَات الْأَرْبَع اصَابِع الْغَيْر مُتَحَرِّكَة ، وَالَيْست أَيْدِيَنَا الَّتِي خَلَقَهَا الْلَّه عَلَى أَكْمَل وَجْه ، افْضَل مِن المَلَاعِق الَّتِي لَا تَتَّسِع لِمَا تُتَسِّعه كِفَّة الْيَد مِن الْأَرْز وَالْهَبْر الْمَضْغُوط ، وَالْشَّوْكَة يَسْتَعْمِلُهَا الْف شَخْص بَيْنَمَا كِفَّة الْيَد اسْتِعْمَالِهَا وقف عَلَى صَاحِبِهَا فَقَط . وَمَا ضَرُوْرَة الْسَّكَاكِيْن عَلَى الْمَائِدَة الَا زِيَادَة فِي الْتَّشَبُّه بِالْكُفْر الصَّلِيبِي ؟ وَلْنَفْرِض انَّه وَقَع خِلَاف بَيْن رَئِيْسَيْن حَوْل مَن يَمُد يَدَه اوَّلَا لَطُبِّق الْأَرْز وَالْهَبْر ؟ هَل تَقْدِر الْمُخَابَرَات الْعَرَبِيَّة الَّتِي تُعْرَف كَم حَبَّة أَرُز فِي وَجْبَة كُل مُوَاطِن ، ان تَتَوَقَّع مَعْرَكَة حَامِيَة الْوَطِيس يِنّشِغِل بِهَا الْعَرَب وَالْمُسْلِمُوْن شَهْرَيْن قَمِرِيِّين قَبْل ان تَتَدَخَّل الْأُمَم الْمُتَّحِدَة لِفَرْض الْصُّلْح ؟
النقاس احْتَد وَكَادَت تَقَع مشَابَكَات بِالْأَيْدِي .وَلَوْلَا تَدَخُّل رَئِيْس مُسْلِم لَا يُرِيْد ذَكَر اسْمُه ، لَمَّا انْتَهَت الْقِمَّة عَلَى خَيْر ، وَقَد اقْتُرِح تَقْسِيْم اوَلِّي الْأَمْر الَى فِئَتَيْن ، الْأُوْلَى تسْتَعْمَل كِفَّة يَدَهَا فِي الْتِهَام الْأَرْز وَالْهَبْر وَالْثَّانِيَة تسْتَعْمَل ادَوَات الْغَرْب الْكَافِر ، وَذَلِك نُزُوْلَا عِنْد حُرِّيَّة الْرَّأْي وَحُق الِاخْتِلَاف وَاظْهَارّا لِلْعَالَم ان الْعَرَب لَيْسُوْا أَعْدَاء للدَّمُقَراطِيّة كَمَا يُقَال عَنْهُم ، وَهَذَا وُجِد فِيْه كُل رَئِيْس مَجَالَا لِتَلَاشِي الْخِلَاف الْطَّاحِن حَوْل المَلَاعِق وَالْشَّوْك وَالْسَّكَاكِيْن . لِذَا جَرَى تَجَاهُل هَذَا الْمَوْضُوْع مِن الْمُدَاولَات فِي الْجِلْسَة الْخِتَامِيَّة لِلْمُؤْتَمَر وَانْقَسَم الزُّعَمَاء الَى مِلتَّهَمِين بِالْيَد ومِلتَّهَمِين بادَوَات غَرْبِيَّة كَافِرَة. وَاتَّفَق عَلَى مَبْدَأ دِيِمُقْرَاطِي هَام ، هُو حَق الِأَلْتَهَام حَسَب مَا تَعَوَّد عَلَيْه اوْلُو الْأَمْر!!
وَاعِيدَت صِيَاغَة الْبَيَان الْخِتَامِي لِلْقِمَّة ، بِنَاء عَلَى صَفْقَة وَافَقُوْا عَلَيْهَا بِالاجْمَاع ، حَتَّى لَا يَقَع الْخِلَاف ، بِأَن يَُعْتَمِد بَيَان الْقِمَم الْسَّابِقَة مَع اسْتِبْدَال تَعَابِيِر بَاتَت قَدِيْمَة بِتَعَابِيْر لَامِعَة جَدِيْدَة ، وَالَأَهَم تَغْيِيْر الْتَّارِيْخ الْمِيَلَادِي وَالْقُمْرِي عَلَى رَأْس الْبَيَان ، لِيَتَلاءَم مَع تاريخ وَقْتِنَا الْرَّاهِن .
هَذَا وَاضَيف بَنْد اتَّفَق عَلَيْه الْجَمِيْع فِي الْلَّحْظَة الْأَخِيْرَة ، بَان يَتَوَجَّهُوْا بِقَافِلَة الَى الْسَّمَاء لْمُشاوَرة الْرَب سُبْحَانَه وَتَعَالَى ، حَوْل مَشَاكِلِهِم وَمَتَى يُمْكِن ان تَبْدَأ بِالْظُّهُور الْحُلُول الَّتِي وُعِدُوا بِهَا الْشَّعْب مُنْذ نُصِبُوا قَبْل نِصْف قَرْن ، وَالَّف الْشَّعْب الْأُغانِي حَوْل وَعُوْد اوَلِّي الْأَمْر وَمَحَبَّتُهُم الْمُتَزَايَدَة فِي قُلُوْب الْجَمَاهِيْر الْغْفُورَة وَالْغَفيرَة ، وَاقِيْمَت كُلِّيَّة خَاصَّة لِتَعْلِيْم الْشَّعْب نُظُم الْقَصَائِد وَتَلْحِيْن الْأَغَانِي لِيَسْهُل عَلَيْهِم الْتَعِبِيَر عَن حُبِّهِم الْطَاغِي لِأُوْلِي الْأَمْر ، بُؤْبُؤ عَيْن الشعوب العربية .
وَقَد فُوْجِئ الزُّعَمَاء الْعَرَب ان اوْلِي أَمَر فِي الْغَرْب الْصَّلِيبِي يُنَظِّمُوْن ، هُم الْآَخَرُوْن ، قَافِلَة ، لِطَرْح قَضَايَاهُم امَام رَب الْعَالَمِيْن .
كَان اوْلُو الْأَمْر الْعَرَب يَعْرِفُوْن انَّهُم مُفَضِّلُوْن عَلَى الْكُفَّار عِنْد رَب الْعَالَمِيْن ، اذ كَان دِيْنَهُم خَاتَم الْدِّيَانَات وَأَفْضَلُهَا وَبُلْغَة عَرَبِيَّة فُصْحَى .. فَاسْتَعِدُّوْا لِلْيَوْم الْمَوْعُوْد .
وَبِسَبَب ان لُغَة الْسَّمَاء هِي الْعَرَبِيَّة الْفُصْحِى ، كُلِّف بَعْض الْخُبَرَاء الْعَرَب بِلُغَات الْكُفَّار بِأَن يَقُوْمُوْا بِمَهَمَّة الْتَّرْجَمَة مِن لُغَة الْكُفَّار الَى الْعَرَبِيَّة الْفُصْحِى .. حَتَّى لَا يَجْرِي تَضْلِيْل الْسَّمَاء .
فِي الْيَوْم الْمَوْعُوْد صَعِد رُؤَسَاء دُوَل الْعَالَم وَبَيْنَهُم اوْلُو أَمْر الْعَرَب .. فَنَزَلُوا أَهْلَا وَسَهْلَا بِضِيَافَة الْمَلَائِكَة وَدَارَت حَوْلَهُم الْغِلْمَان بِمَا لَذ وَطَاب مِن طَعَام وَشَرَاب يُقَال انَهَا الْخَمْر الَّتِي لَا تُسْكِر ، حَتَّى تَمَنَّى الْبَعْض ان يَبْقَى حِيَت وُصِل مُتَخَلَّصَا مِن هُمُوْم الْسَّلَطَة وَوَجَع رَأْسِهَا.
بَدَأ الزُّعَمَاء الْغَرْبِيِّيْن فِي الِاسْتِفْسَار مِن رَبِّهِم عَبَّر الْمُتَرْجِمِيْن الْعَرَب ، عَن مَشَاكِلِهِم وَسَنَوَات حَلَّهَا ، وَفَعَل الْعَرَب حَسَنا بِمُرَاقَبَة مَا تُسْفِر عَنْه تَسَاؤُلَات اهْل الْنَّار ، وَجَلَسُوا مَبْسُوْطِين فِي بَاحَة وَاسِعَة امَام بَاب الْجَنَّة انْتِظَارِا لِدورهُم ،يَضْحَكُوْن عَلَى الْوَاقِع الْبَائِس الَّذِي يَسْمَعُوْنَه مِن الْكُفَّار ، مُقِرِّيْن بِتُخَلْفَهُم وَمَشَاكِلَهُم مِمَّا يَعْنِي ان حَال الْعَرَب لَيْس أَسْوَأ .
تَسَاءَل الزُّعَمَاء مِن أَهْل الْنَّار مِن رَبِّهِم عَن عَدَد الْسَّنَوَات الَّتِي تَحْتَاجُهَا دُوَلِهِم لِزِيَادَة رَفَاهِيَّة الْسُّكَّان وَمَدُخُوَلَاتِهُم وَاحْرَاز الْتَّقَدُّم وَالْرِّفْعَة الاقْتِصَادِيَّة وَالْخَلَاص مِن الْعُنْف وَالْعَيْش بِدُوْن مَشَاكِل الْنِّزَاع وَالْخِلَاف فِي عَالَم بِلَا حُرُوبَات وَلَا يَعْرِف غَيْر الْحُب وَكُؤُوس الْرَّاح وَالْصَّبَايَا الْمَلِاح ..?
وَكَانَت اجَابَة رَبِّهِم تَتَرَاوَح لِكُل دَوْلَة بَيْن 100 و 200 سُنَّة ، فَبَكَى زُعَمَاء دُوَل الْفِسْق وَالْنَّار بُكَاء مُرّا ، سَأَلَهُم الْرَّب الْأِله :
- لِمَاذ تَبْكُوْن ؟
اجَابُوا:
- لَأَن ذَلِك لَن يَكُوْن فِي ايَّامِنَا .

وَحِيْن جَاء دَوْر زُعَمَاء الْعَرَب سَأَلُوْا رَبَّهُم بَعْد ان سَجَدُوْا عَلَى شَرَفِه عِشْرِيْن سَجْدَة وَصَلُّوْا التَّرَاوِيْح امَامَه ، وَقَدَّمُوْا أَطْفَالُهُم حَافِظِي الْقُرْآَن بِأَنَّهُم شِيُوْخ الْمُسْتَقْبَل ، وَاسْتَرْضَوْا فَصَائِل الْمُنْتَحِرِيْن المَوْعُوْدِيْن بِالْحُوْرِيَّات وَالْغِلْمَان ،وَسَأَلُوْا مَتَى يَتَغَلَّبُون عَلَى اسْرَائِيْل ، وَتُصْبِح امْرَيَّكَا صَاغِرَة امَامَهُم ، وَتَسْجُد لَهُم اوْرُوْبَا بَعْد ان يَفْتَحُوْا رُوْمَا بِالْسَّيْف ، وَيَقْضُوا عَلَى الْفَقْر وَالْأُمِّيَّة وَالْبَطَالَة وَتَخَلَّف الْجَامِعَات وَالْتُعْلِيْم وَالْأَمْرَاض الْنَّاتِجَة مِن الْتَّخَلُّف وَالْفَقْر ، وَيُصْبِح لِكُل طَالِب مَدْرَسَة غُرْفَة صَف وَبَنُك لِلْجُلُوْس عَلَيْه ، وَيُصَرِّح لِلْمَرْأَة ان تَبْكِي اذَا ضُرِبَت ، وَتَشْكَر رَبِّهَا وَالْرِّجَال الْعِظَام انَّهُم لَم يُخْفِضُوْا قَيِّمَة شَهَادَتُهَا الَى عُشْر شَهَادَة الْرَّجُل وابِّقُوْهَا نِصْف الْقِيْمَة . وَأَن تَشْكُو لِرَبِّهَا تَصْنِيفُهَا مَا بَعْد الْحَيَوَان الْأَلِيف فِي الْمُجْتَمَعَات الْعَرَبِيَّة ، وَكَانَت قَائِمَة طَوِيْل طَوِيْلَة طَوِيْلَة تَبَادُل الْرُّؤَسَاء الْعَرَب قِرَاءَتَهَا بِسَبَب الْإِرْهَاق مِن طُوَلِهَا ، وَذَلِك بِحُضُوْر الْرَّب مُسْتَمِعا ، وَفَجْأَة بِمُنْتَصَف قِرَاءَة الْمَشَاكِل الْعَرَبِيَّة وَالامْنِّيَات الْعَرَبِيَّة ، بَدَأ الْرَّب يَبْكِي بُكَاء شَدِيْدا مُرّا ..
ذُهِل الْرُّؤَسَاء الْعَرَب مِن بُكَاء الْرَّب .وَسَأَلُوْه بُحَيْرَة كَبِيْرَة :
- لِمَاذَا تَبْكِي أَيُّهَا الْعَلِي الْقَدِيِر الَّذِي ايّاه نَعْبُد وَبِه نَسْتَعِيْن ؟
فَرَد الْعَلِي الْقَدِيْر:
- أَبْكِي لِأَن مَشَاكِلَكُم وَتَخَلُّفُكُم لَن يَكُوْن حلُّهَا بِأَيَّامِي !!


• كاتب فلسطيني من مجدل غزة ، يقيم في اللد مؤقتا.
saidmajdalawi@gmail.com

حوض النعناع/ ناصر الريماوي



قصة قصيرة
إلى الصديق زياد جيوسي …مع خالص الحب

قبيل الفجر، في ذلك المكان يتلفظ المدى بأبجدية ساحرة، تحجبه المباني العالية المصطفة عن عيون الناس في تلك المدينة، وقبل أن ينبثق الصبح الرمادي من عتمة الفجر ليغمر الطرقات وشرفات المنازل النافرة وهي تنفض عن مقاعدها الفارغة ما علق بالأمس من بقايا همس ليلي ، يستفيق في شغف - هذه المرة - على غير عادته ليشرع النافذة، ليطل منها على حوض النعناع، ليقف في مجرى نسائم البحر البعيد، يسخر وهو يغمض عينيه على لظى نفحة عابرة ممزوجة برحيق بيارات البرتقال في يافا: كيف يحتجز "الصهاينة" كل ذلك البحر؟! رام الله تغفوا بأكملها هنا، ترتمي في سرير الشارع الخلفي لقاع المدينة، النافذة المشرعة على القاع تختزل كل الميادين والمحال الموصدة باكراً وحاراتها المتناثرة في إطلالة ضيقة، وحده مسرح القصبة يتوارى عن النافذة على الرغم من وجوده الأزلي هناك، يتكئ "زياد المغني" بمرفقيه كآخر السهارى، يتخلص من نبرته الساخرة في حرقة وهو يرى أسراب الحمام تهرع نحوه من جديد، كل الحمام هنا… على حافة النافذة، لم يبق في رام الله حمام إلا وحط هنا!!

يسترد التفاتة خاطفة أرسلها نحو حوض النعناع، أوراقه الخضراء تنبت من جديد، تظلل الحوض بأكمله، كأن أحداً لم يمسسها بالأمس، تجرّع ما رآه في صمت بعد أن فقد الدهشة بتوالي الصباحات، لم يعد للدهشة إزاء ذلك وقع البدايات، لكنه لم ييأس في العثور على تفسير مقنع لما يحدث، هناك سر غامض يلف الصباحات وحوض النعناع والحمام بما فيها تلك الحمامة البيضاء في هذا المكان "ذلك الحوض هو سر آخر… يضاف إلى أسرار الأرض الطيبة في فلسطين" كان ذلك خلاصة بوحه في المرة الأخيرة لضيوف "الصومعة" لكن أحدا لم يصدق… "يا عزيزي أنتَ تبالغ… فالنعناع لا ينبت هكذا بين عشية وضحاها" يرد احدهم في تبسيط غير لائق مما يثير حنق "المغني"… ليتمتم بصوت غير مسموع: والحمامة البيضاء….؟

يصفق بيديه في الهواء، فيتفرق الحمام في فضاء الشارع المعتم ويبتعد، لتظل نفس الحمامة البيضاء، تحط على حافة الحوض، الحمامة ذاتها تتخلف عن أسراب الحمام في إصرار غريب، في هديلها المتقطع حزن عميق يفهمه المغني وحده، أضاف على أسماع رواد الصومعة في تلك الليلة: أحسها تطلب الإذن مني بالبقاء في كل مرة… لا بل أنها تستعطفني لأجل ذلك…

في ذلك الصباح، آثر التلصص إلى تلك الحمامة من خلف الزجاج، لمحها وهي تنتقي خطاها بعناية بين الفراغات في حوض النعناع باتزان، لم تؤذ أو تطأ أية خصلة أو ورقة منه، بدت حائرة تحوم وسط الحوض ثم تضرب بمنقارها أطرافه، تدفن نصفه المدبب في الرمل لبرهة، ثم ترفع رأسها نحو السماء كل ذلك قبل أن يطغى على هديلها تصفيق جناحيها وهي ترفرف مبتعدة، هز رأسه وهو يلتقط قصفة من نعناع الحوض ويردد: ما الذي سيرونه؟ على أيّ حال فلن يصدقني أحد…

تناوب "رواد الصومعة" على اجتثاث أوراق النعناع من جذورها، كان ذلك تحت إصرار "المغني"، وقبل أن تنفض الأمسية ألقوا نظرة أخيرة على الحوض، كان خالياً تماماً إلا من رمله المرصوص، رددوا أمام المغني وهم يجارونه في تنفيذ رغبته: "هل هذا ما تريده؟ كما تشاء، ننتظر حتى الصباح وسوف نرى…" ثم غادروا تحت جنح العتمة.

تنسل العتمة سريعاً أمام وهج باهت للصباح، يرصدها "المغني" مع أول رشفة شاي حتى ينكشف الندى وراء النافذة، ومن خلف الزجاج يواصل الوهج الرمادي إتساعه وانحداره عن رؤوس التلال المحيطة، يواصل غسل الواجهات الإسمنتية للبيوت في رام الله، يطلق زقزقة العصافير في وجه أشجار الصنوبر الحافية، ثم يغمر قاع المدينة قبل أن تلفحه الشمس، يترجل "زياد المغني" إلى الشارع الخلفي كي يصطاد الحكايا في غبش الصبح، ويحدثَ العصافير في الطرقات الخالية وقبل أن يطير النعاس عن الجفون المثقلة، تطلع للأعلى نحو الصومعة، شمل المباني المجاورة بنظرة أكثر إتساعاً، أحس باعتزاز… وهو يرى نافذته الوحيدة من بين كل النوافذ و قد إستأثرت بحوض مميز من النعناع الخالص، كان ذلك الحوض بمثابة العلامة المميزة والدالة على الصومعة، لم يكن ليواجه عناءً خلال وصفه لعنوان إقامته: حين تعبر الشارع المؤدي إلى مسرح القصبة، ما عليك إلا أن تتبع حوض النعناع الوحيد…حتى تصل.

ميدان الساعة لازال خالياً، وشارع "السهل" بأشجاره الكهلة يحتكر الهدوء ورائحة الياسمين لرواد الصباح، دوريات جيش الاحتلال في ظهورها المحتمل عدو وحيد للتأمل وللصباحات معاً، لكن "الخفافيش" لا تنشط إلا في العتمة… هكذا علق ذات يوم مبرراً تجواله الباكر من وقت لآخر دون تنغيص أمام البعض في مركز خليل السكاكيني الثقافي، واصل سيره بمحاذاة أشجار الصنوبر العالية مأخوذاً "بزقزقة " العصافير، اختار محطته التأملية الأولى على مقعدٍ حجري تحت شجرة "كينا" وحيدة، معمرة، حوض النعناع يقفز إلى ذهنه في حضور قسري يعكر صفو المساحة التأملية، رواد الصومعة ورهان الليلة الفائتة أيضاً، واللقاء المسائي المنتظر بهذا الشأن، سؤال بديهي يتردد : ما الذي سيجنيه من كسبه للرهان إن صدقوه… وما الذي سيخسره إن لم يصدقوه؟ ففي الحالتين سيظل السر مدفوناً يؤرقه… ، "حوض عادي يرمم ما تحصده الأيدي خلال فترة قصيرة"، ومع خيوط الفجر… ظاهرة بلا تفسير.

- ما الذي يثير حفيظتك بالتحديد في ذلك المسكن، أقصد الصومعة؟ باغته الصوت والسؤال على حين غرة.

حانت منه التفاته عاجلة، نحو مصدر الصوت، كان خلفه تماماً، إنتفض "المغني" وراح "يبسمل"، وقعت عيناه على شاب ملثم يعتمر كوفية تقليدية ترمز للوطن تنسدل عن عينينه بعض الشيء، يتجذر بقامة شامخة، قوية، كبقية الأشجار، وراءه… لم يدرك على وجه التحديد في تلك اللحظة الخاطفة هل قذفت به الأرض أم ألقت به السماء، في لباسه " الكاكي" هيبة العسكر… تحدث إلى المغني في صرامة وجدية: هل أفزعتكْ؟

- لا … فقط فاجأني وجودك … رد " المغني" باضطراب.

- أعتذر… لكنك لم تجبني… ما الذي يثير حفيظتك في تلك الصومعة؟

أطبقت حيرة جديدة إلى جانب الدهشة، عقدت لسان " المغني" إزاء ذلك السؤال، … حاول أن يتماسك، استطلع الشارع الممتد، وجده خالياً، فأيقن أنه بمفرده مع ذلك الشاب يراه وينصت إليه برفقة الأشجار فقط…

- حوض النعناع الذي يرمم ما تحصده الأيدي في كل ليلة مع انبلاج الصبح… والحمامة البيضاء التي تنقب رمله عند الفجر في كل يوم!!! كان "المغني" يرد باستلاب بلا إرادة على الرغم من آلاف الأسئلة المحيرة في ذهنه…

بدرت عن الشاب تنهيدة عابرة، وهو يميط لثام "كوفيته" عن وجهه، تأمله "المغني" جيداً، لم يكن قد إلتقاه أو رآه من قبل، لمح على جبينه ندبة مستديرة بدت كختم صغير، عرّف الشاب عن نفسه: يدعونني " بأبي كفاح"… تشرفتُ بالتعرف إليك، رد " المغني"… بينما واصل الشاب حديثه بنبرته الجادة والهادئة في آن معاً: فيما يخص النعناع، فإن النبتة هي سر الرمل، والرمل هو سر الأرض… لا أدري على وجه التحديد كيف أفسر لك… لكن عليك أن تجد "وازن" …

- وازن… من هو "وازن" هذا؟!

- بائع جوال وفتى نازح إلى مخيمات الشتات… يقطن مخيم "قلنديا"، يجوب الطرقات والأزقة في "رام الله" بين القصبة و دوار الساعة نهاراً …يبيع "الذرة المسلوقة" على عربة من الخشب ذات صندوق واسع.

- لم أصادف أحداً يبيع الذرة منذ انتقالي إلى القصبة… لكني سأفعل؟

أطرق الشاب، وهو يدنو في ثبات من "المغني" ليقول: أما الحمامة البيضاء…فهي تبحث عن شيء ما، يعنيها، يخصها، شيء إما أنه ظل مدفوناً في ذلك الحوض حتى اليوم، أو انه في حوزة ذلك الفتى "وازن" … لك أن تعتبر ذلك الشيء بمثابة الأمانة… وقبل أن يتم جملته، علا نفير حاد لسيارة عبرت مسرعة، أعقبها دبيب خافت لأقدام قريبة تحث الخطى، لتنبعث الحياة على إثرها من جديد، وقبل أن يندلع الصباح من بين أغصان "الكينا"، كان "المغني" يتلفت حوله باحثاً عن ذلك الشاب، بحث عنه خلف الأشجار، على امتداد الشارع والطرق الفرعية القريبة… لكنه لم يعثر له على أثر، ولم يلمحه وهو يبتعد،… كان قد تلاشى على الفور، تماماً مثلما قذفت به الأرض…أو ألقت به السماء…بغتة، منذ قليل.

يطوي بهو القاعة المتخمة بشعر الندوات نحو ردهة الأحاديث الجانبية بمهارة، كان ذلك في مركز خليل السكاكيني الثقافي، حيث يفيض الحوار ويمتد قبل أن يتشعب، عينا السيدة "اليونانية" تطفحان بإعجاب وهي تصغي لمن يحدثها عن "جيانيس ريستوس"، والمئوية المرتقبة لمولده… لاحقاً كان يستحث الذاكرة المشوشة ويصغي لمن يستفزه في مودة: هذا الشيب عشش باكراً يا "زياد" … فأنت لم تتجاوز الثانية والخمسين بعد… يرمق محدثه بنظرة عتاب لاذعة… بينما يواصل الآخر في إصرار: ولأن السيدة تتقن العربية فقد أطلقت عليك ذلك اللقب "المغني" …كان مقالك النثري عن "ريستوس" الشاعر وقتها شعرا يغنى! يرد زياد: ربما… ربما.

عاد يستحث من حوله مجدداً بالسعي إلى جانب بحثه الموصول عن مسكن ملائم، صالة تتسع لكتبي ولأريكة واحدة… ليس أكثر، مر بشارع "النزهة" فعرج على بهو المكتبة العامة، بحث في ذاكرة "رام الله" الحية عن السيدة "نهلة" أمينة المكتبة، فلم يجدها، في آخر الدهليز الضيق بين أرفف معاجم اللغة، لمح "المغني" موظف الاستقبال يلوح له بيده، ثم يسعى إليه عن قصد، استبشر خيراً وهو يصف له مسكناً ملائماً في قاع المدينة، عثر عليه بالأمس.

لم تكن سوى صالة صغيرة، مستقلة، ملحقة ببيت منفصل، طلاؤها قديم لكنه لا يحتاج إلى تجديد، رحبة بما يكفي كي تتسع لأكثر من أريكة، ولأرففٍ عريضة اصطفت فوقها كتب المغني للمرة الأولى، لتكون المكتبة، لم يصدق بأنه طوى صفحة العزلة والشراكة في تلك الفنادق، وأن عالمه الخاص ككاتب قد تحقق.

استدرجته الرائحة نحو النافذة، في تطاير أوراق الكتابة من فوق النضد المجاور، اشتم نسيم البيارات البعيدة وشذى بحر يافا، وقبل أن يُعيد غلق النافذة، أطلعه حوض النعناع على سر الرائحة، كان يراه للمرة الأولى وهو يتمدد تحت النافذة كالرَصَدْ، هل هناك من يتعهده بالعناية؟ العجوز صاحبة النزل في زيارة الترحيب الأولى يلجمها السؤال ويضع حداً لثرثرتها، لا … لا أحد… هو مورق على الدوام. يعقبها صمت ثقيل، قبل أن تكمل: منذ سنوات وهذا الجناح لا يشغله احد… بدا الاهتمام على وجه المغني: منذ متى تحديداً؟ ترد في ضيق وهي تجر قدميها ببطء نحو الباب… منذ الاجتياح الإسرائيلي الأخير لرام الله.

يهبط المساء على الشرفات والنوافذ الخلفية، يسارع الناس للّحاق بآخر الحافلات المتجه نحو القرى المجاورة، تقفر الطرقات باكراً بعد أن تغلق المحال أبوابها، "احتلال بغيض يفرض واقعاً صعباً يطال الجميع…" كان ذلك جزءً مما أفضى به "المغني" لعامل "البوفيه" وهو ينتظر شطيرة الفلافل، حين جذبته الرائحة نحو ذلك الركن الوحيد في الشارع الخلفي وهو يتلقف المارة من خلال ضوء باهت ينبعثُ من جوفه، تجاذبا أطراف الحديث في مودة… لم يجد عناء في توصيف مسكنه الجديد والقريب، حين إستبقه العامل ليشير لحوض النعناع في الاستدلال عليه… لقد عرفته… نفض يديه، تأمل " المغني" لبرهة، ثم قال: لا زلتُ أذكر جيداً تلك الجريمة، والتي ارتكبها جنود الاحتلال في ذلك المكان… استحوذ الحديث على اهتمام "المغني" بتلك النبرة الجادة فأصغى بانتباه شديد، أحس بذلك مُحدثه مما حدا به للمواصلة… كان ذلك خلال الاجتياح الإسرائيلي الأخير لرام الله… بعد يومين من قتل ذلك الفتى سمحوا لطاقم الإسعاف بنقل جثته … قتلوه بدم بارد… ذلك الفتى لم يكن مسلحاً… قال بعضهم بأنه بائع جوال يجوب الشوارع بحثاً عن لقمة عيشه، يأتي في كل يوم من أحد مخيمات الشتات القريبة … وقال آخرون بأنه فتى متشرد… لكن أحداً لم يعرف كيف انتهى به الأمر إلى تلك الشقة السكنية… ثم عاد إلى تحضير الشطائر، علق "المغني" باهتمام: وهل لهذه الحادثة شأن في عزوف الناس عن هذه الشقة… لا أظن ذلك… رد العامل… فهناك من أقدم على ذلك بالفعل… لكن إقامة البعض –أغلبهم- لم تدم لأكثر من أسبوع واحد أو إثنين… تضاعف اهتمام "المغني" فأصر على معرفة المزيد…

- لكن ما السبب؟ هل تعرف أحداً منهم؟ وما قصة حوض النعناع؟

- أذكر جيداً أن احدهم تحدث عن سماعه المتكرر لأنين لم يعرف مصدره، وصدى لصوت خافت يتردد من خلال حشرجات في النزع الأخير…" هذا لأجل المقاومة… لأجل فلسطين"… أما أكثرهم غرابة فهو ذلك المدرس الذي حدثني وهو يرتجف، أقسم لي بأنه قد رأى -لثلاث مرات متتالية- جنود الاحتلال وهم يطلقون الرصاص على ذلك الشاب أمام عينيه… أما حوض النعناع فقد حيرني أنا… لكن أحدا منهم لم يأتِ على ذِكره.

- وكيف ذلك… وما المحير في أمر الحوض؟

- اخضراره الدائم، يشدني دوماً لأنظر إليه كلما مررت بالمكان، على الرغم من ثقتي بعدم وجود أحد يرعاه…

بين سكون الليل ورشفات منقوع النعناع إصغاء وتحفز يلفان رواد الصومعة، عقد "المغني" ذراعيه وأسند ظهره للأريكة، وختم حديثه: هذا ما قاله العامل… بلا زيادة أو نقصان. لم يلبثوا أن عادوا للمناكفة، تبدد السكون في مودة أمام تندر الجميع، انبرى شاعر الحداثة "عبد الودود" ممهداً لطرفة جديدة: وأنت أيها العزيز… ما الذي سمعته أو رأيته في هذه الصومعة خلال الشهرين الماضيين؟ أم أن خيالك الجامح ككاتب فذ… لا زال يبحث عن شيء آخر مميز ومختلف…

- أنا عني لم أسمع ولم أشاهد…، أشار للنافذة… لكن حوض النعناع محير بحق، فقد حيرني أنا الآخر…

- هل تحاول إقناعنا بقدرته على ترميم ذاته في كل ليلة…؟ ماذا لو أننا اجتثثنا شتلات النعناع من جذورها… أتراها تنبت من جديد؟

- نعم… قالها المغني في تحدٍ… هل تراهن على ذلك، نظر في وجوه البقية… وأنتم…هل تقبلون بالرهان؟.

بعد الظهيرة، يمضي الوقت ببطء مشحون، كلُ الذين رأوه أجمعوا على مسايرته للوقت فحسب، وبأن خاتمة مثيرة لمقال ما تستعصي على ذهنه، لذا فهو مشوش… السيدة اليونانية في "مركز خليل السكاكيني" تذكره بنفسها، يلطم جبهته ويرحب بها من جديد، يستعيد نزهة الصباح ولقاءه المحير بذلك الرجل الغامض، ثم يعود ليحملق في وجه تلك السيدة ولا يراها… في التغطية لمهرجان القصبة السينمائي عصراً، يقتله الحضور المقتضب للنخبة، فيستعيض عنه بصور بديلة، حوض النعناع يناوش المسافة الفاصلة بين "المغني" وبين الحضور، تغمره الحيرة، تستأثر بكل ملكاته، يجيرها بلا إرادة لتفكيك لغزه الجديد، يتململ في ضجر فوق مقعده حين يعجز، يلمح عيونهم وهي تقفز نحوه في فضول حين يخرج عن صمته : أية أمانة مدفونة هناك… هل يعقل ذلك؟

يغادر مسرح القصبة برفقة مساء يتهيأ، يحث خطاه في تثاقل نحو الصومعة، يلمح حوض النعناع كالرَصَدْ يتربع أسفل النافذة، أما في الصومعة ومن خلال النافذة، فقد راح يرقب ظلال المباني وهي تزحف مسرعة نحو شتلات النعناع، الحضور المرتقب لرواد الصومعة ورهان الليلة الفائتة يمنحانه لذة خفية، هبط الظلام دفعة واحدة على المدينة تلاه سكون عميق حط فجأة ، وحشة وصمت مريبان… تفشيا في زوايا الصومعة أيضاً، توجس "المغني" للمرة الأولى، أحس بانقباض لم يعهده وهو يلقي بجثته في تراخ على الأريكة، لكنه غير واهم فهو لم يعتد على هذه الظلمة في مثل هذا الوقت… "المكان معتم أكثر مما يجب…" حدث نفسه، تنبه لمصباح الإنارة المخفي لم يكن يرسل نوره الخافت كالمعتاد في تلك الزوايا، قفز باتجاهه متثاقلاً، أدار المفتاح، حركه في الاتجاهين لمرات عديدة، جرب مفتاح "الفلوريسنت" على الجدار المقابل ومفتاح "لمبة" الطاولة قبل أن يدرك عبث المحاولة… رجح أن يكون عُطلاً كهربائياً، عزم على تبديد وحشته، فاسند مرفقيه إلى حافة النافذة، وراح يرمق الشارع الخلفي، بدا له مظلماً أيضاً أول الأمر، خالياً يشاطر المدينة وحشتها في صمت مماثل، على الرغم من مصابيحه المضاءة، شيء ما يعبر الشارع على امتداده، ويدنو ببطء، على ضوء شحيح لمصباح الإنارة السفلي، تبين القادم بوضوح، عربة خشبية مدولبة يدفع بها بائع جوال، توسطها قدر معدني، خفق قلبه وهو يستعيد ما قاله الرجل الملثم صباحاً عن بائع الذرة المسلوقة، اعتراه فضول جارف وهو يراه فتى صغيرا، أوقف عربته، ثبتها أسفل الصومعة تماماً، رأى المغني باباً صغيرا، ينشق ليقذف برجل من جوف العربة، نحو الطريق، تبينه "المغني" بوضوح أكثر، رجل ملثم بكوفية تراثية، يرتدي "الكاكي"، غاب في مدخل البناية، ولم يعد.

أحس بطرق خفيف على باب الصومعة، تخلى عن النافذة مرغماً، جحظت عيناه لتلك المفاجأة وهو يراه للمرة الثانية، صاح المغني بلا تردد: أبا كفاح…!!! أومأ الرجل ولم يرد، دلف إلى وسط الصومعة بقامته الفارهة، رمق المكان بنظرة تأملية، قرأ فيها "المغني" لوعة دفينة وشوق لمكان مألوف…رحب "المغني" بارتباك ضاعف من إحساسه بالوحشة، لم يجلس الضيف، بل آثر الوقوف والنظر إلى حوض النعناع وهو يقول: افترقنا هذا الصباح قبل أن نكمل… المعذرة.

- لا بأس… (رد المغني)… لكن أرجو منك أن تطلعني على سر الحوض ولغز الأمانة المدفونة.

- لا عليك… فقط ننتظر حتى ينضم إلينا "وازن"…

استحال السكون إلى جلبة في لحظة، طرق حثيث متواصل يبعث على الفزع، تسارع في لمح البصر على باب الصومعة، امتقع وجه "المغني"…وهو يرى ذلك الفتى يدخل مسرعا بأنفاس متلاحقة، لاهثة، ووجه شاحب، تلقفه "أبا كفاح" مستوضحاً ما الأمر… ما بك؟ نطق الفتى بصعوبة: عليك أن تغادر هذا المكان على الفور… وسأعمل على إعاقة العسكر… هيا.

- لكن ما الأمر…

- عساكر الاحتلال… يبدو أنهم قد تعقبونا… المكان لم يعد آمناً وعليك أن تغادر.

وسط الصدمة والذهول رأى " المغني" ذلك الملثم وهو ينزع من عنقه سلسلة فضية علق فيها مفتاحاً قديماً ينتهي بحلقة مستديرة، توحي ضخامته بأنه لبيت من بيوت "العقد" القديمة في فلسطين، قال للفتى وهو يفتح زجاج النافذة ليثب منها: ورثه أبي عن جدي وأنا سأورثه لولدي، سلمه له إن لم أعد… ولم يعطه للفتى بل دفنه في حوض النعناع قبل أن ينسل من النافذة متشبثاً بجدران البيوت الخارجية في هبوطه نحو الشارع الخلفي…

مضت لحظات من الصمت تلتها جلبة منظمة، إلى خارج الصومعة، انخلع الباب أمام ضربة قوية، عبر جنود مدججون بأسلحة حديثة، صوبوها في جميع الاتجاهات، رفع "المغني" يديه وهو يلقي بجسده على الأريكة مشدوها، كذلك الفتى… رفع يديه وأدار ظهره للنافذة… سرد الفتى قصة مبتذلة للجندي المسئول، حتى أنهى بقية الجنود تفتيش الصومعة، لم يتنبه أحد لوجود "المغني" والذي تسمر جالساً في مكانه غير مصدق لكل ما يجري، صاح احدهم بلغة عربية ركيكة : لا تصغوا إليه… إنه يخدعنا فما حاجته لفتح النافذة في هذا الطقس البارد… انطلقت صلية من الرصاص نحو الفتى… رأى "المغنى" بأم عينيه كيف نشب الدم من الجسد الممزق، و تناثر في كل الاتجاهات، وكيف امتزج الدم الحار بلون النعناع الأخضر واختلط برمل الأرض في ذلك الحوض …

أفاق "المغني" بعد أن تلاشت الجلبة ورحل العسكر، سار بخطوات عاثرة نحو النافذة، أصغى وسط العتمة لأنين مخنوق، وكلمات مألوفة تشق طريقها بوضوح من بين حشرجات الفتى في الرمق الأخير: " هذا لأجل المقاومة… لأجل فلسطين"…

إيقاع احتجاج المثقفين يرتفع بالدار البيضاء: دينامية ثقافية جديدة بالمغرب

وسط إحدى أشهر الساحات الشعبية بالدار البيضاء ، ساحة السراغنة ، والمفتوحة على أحياء ودروب درب السلطان العريقة بالحياة الصاخبة ...وسط كل هذا وبين خيمات الكتبيين انعقد في نهاية الأسبوع لقاء حول اختلالات المشهد الثقافي بالمغرب والذي أشرفت عليه الهيئة التحضيرية المصغرة للمرصد المغربي للثقافة ، هذا اللقاء الذي استقطب العديد من المتتبعين للشأن الثقافي من مثقفين وباحثين وقراء وصحافيين ، و"مخبرين" أيضا .

وقد جاء هذا اللقاء ضمن معرض مغاربة الهامش، بعد فشل المعرض الدولي 16 للكتاب والنشر في فبراير الأخير والذي أشرفت عليه وزارة الثقافة ، وعرف مقاطعة الأدباء المغاربة لأنشطة الوزارة، وانطلاق شرارة الاحتجاج على سلوكاتها التحقيرية للكتاب المغاربة الذين تعتبرهم هامشا غير مربح ( وهي التي عقدت تلك الدورة تحت شعارات كبيرة منها مغاربة العالم !!!).

وقد انعقد هذا اللقاء للحديث عن وضعية الثقافة بالمغرب والاختلالات التي يعرفها مشهدنا الثقافي ،عن غياب إستراتيجية واضحة المعالم في تدبير الشأن الثقافي ، وسياسة التفكيك والتفويت التي تعرفها العديد من القطاعات الحيوية في التراث والمتاحف والإعدام المباشر لمديرية التنمية الثقافية والمجلات الورقية، والإفلاس على مستوى التعليم الموسيقي وتدهور بنياته ،وفشل سياسة الدعم المسرحي ودعم الكتاب ،والهيكلة الكارثية على كافة المستويات مركزيا وجهويا ؛بالإضافة إلى ضبابية دور صندوق الوطني للعمل الثقافي في تفعيل الحركة الثقافية ، مقابل تنامي المهرجانات الطفيلية والحلقات والندوات الفولكلورية التي ميعت المشهد الثقافي وانتعاش لوبيات الريع الثقافي قطاعيا ووطنيا .

وقد نسق أشغال هذا اللقاء شعيب حليفي. الذي قدم ورقة عن المرصد وسياق التفكير فيه، مؤكدا أن فكرة المرصد نابعة من قيمة الاحتجاج؛ وتتمثل في موقف المثقف من السياسة الثقافية والتدبير الثقافي بالمغرب عموما. مؤكدا أن المرصد جاء ضد سياسة ثقافية، وليس ضد شخص بعينه، أو جهة معينة. وقد تولد عن أسباب موضوعية؛ تمثلت في فشل الوزارة في تدبير الشأن الثقافي. وكخير مثال على ذلك هو وضع الكتاب المغربي وسوء توزيعه، ناهيك عن المركزية الثقافية المتمثلة فيما اسماه بتقسيم المثقفين إلى فئتين المركز والهامش. لذلك دعا المرصد إلى مقاطعة كل أنشطة وزارة الثقافة.

وبين أن الهدف من هذا اللقاء هو فتح حوار مثمر سيكون في خدمة الثقافة والمثقفين بالمغرب. وأيضا فرصة لالتقاط أفكار مثمرة يمكن أن تغني التصورحول المرصد للتقوية من فعاليته.

أما رشيد الإدريسي فقد أكد أن هذا اللقاء يدخل في إطار سلسلة يعقدها المرصد بالبيضاء وخارجها، مؤكدا أن المرصد ما زال فكرة افتراضية، كان لها صدى طيبا في عدة منابر إعلامية بالمغرب وخارجه، وثمن ردود الفعل الايجابية التي رحبت بفكرة المرصد.

وأكد أن من أهداف المرصد خلق حوار بين المثقف والوزارة، وإثراء الحقل الثقافي، وإطلاق سياسة ثقافية جديدة تعيد للهم الثقافي مكانته الاعتبارية، وتغيير تصورنا عن الثقافة التي ليست حصرا على جهة بعينها، والتشديد على أن يكون للوزارة دور ويتمثل في التعريف بالتراث الثقافي المغربي والاهتمام بالثقافة والمثقفين المغاربة.

وانطلق جمال بندحمان من مفهوم الثقافة وتساءل عمن هو المثقف؟ وهل تعد المهرجانات التي تنظم بالمغرب مهرجانات ثقافية؟ ومن المسؤول عن التدبير الثقافي بالمغرب؟ وأجاب بأن المسؤول هو وزارة الثقافة بالإضافة إلى قطاعات أخرى كوزارة الداخلية والمجالس الجماعية، ووزارة الأوقاف، ووزارة الشبيبة والرياضة، فهناك نسيج مؤسساتي مسؤول.

وأوضح أن المرصد غير تابع لأي جهة معينة، وإنما ميلاد فكرته نابع من سياق معين له أسبابه الموضوعية فرضها التدبير السيئ للشأن الثقافي. هدف المرصد انجاز محاسبة موضوعية بخلفية ثقافية. وأكد أن المبادرة ملك لكل المثقفين المغاربة .

وتحدث عبد اللطيف محفوظ عن التباس مفهوم الثقافة، مؤكدا انها ليست في بلادنا من اختصاص وزارة الثقافة، بل هناك عدة قطاعات فاعلة في هذا الشأن. ثم تحدث عن مشكلة النشر في المغرب ومشكلة توزيع الكتاب بالمغرب، مشيرا ان الكتاب المغربي غير موزع، لا داخل المغرب ولا خارجه، وذلك ناتج عن غياب استراتيجية للكتاب والقراءة ببلادنا.

وشددعلى ان من بين مسؤوليات وزارة الثقافة هو القيام بدور الموزع وتيسير تداول الكتاب، وقدم نماذج لعمل وزارات الثقافة في بلدان عربية، مصر مثلا. وتحدث من مشكلة الجائزة التي تتمثل في غياب معايير لشروط منح الجائزة وبين اختلالاتها.

وأكد في الختام أن المرصد هو تفكير في علاقة الوزارة بالثقافة ومسؤولياتها عن القراءة وأمام العقل المغربي وتنميته.

***
وقد عرف النقاش الذي استمر إلى وقت متأخر من الليل ووسط خيمة مضاءة بنور عمومي بعد رفض الجهات المسؤولة إمداد المنتدين بالنور بحجة انتمائهم إلى اليسار...عرف تدخلات ومقترحات افتتحها محمد الفلاح العلوي بالحديث عن سياق المبادرة وغياب البنيات الأساسية لاحتضان الثقافة ، كما تحدث أنيس الرافعي عن الصيرورة الثقافية منتقدا التدبير السياسي للثقافة المغربية مقترحا بدائل جديدة لإعادة الاعتبار للكاتب المغربي عبر إجراءات تنظيمية ؛ أما محمد كويندي فأشار إلى ضرورة إعادة الاعتبار للعمل الجمعوي الجاد ، فيما جاءت صرخة شريشي لمعاشي (رئيس نادي القلم المغربي) بضرورة محاسبة السياسة الحكومية والوزارة الوصية على ما وصلنا إلية من عبث .ومن جهته تدخل أحمد بنالصديق عما وقع في ذكرى الاحتفال بفاس في 12 قرنا ؛ وعاد إبراهيم أبويه إلى واقع الجمعيات في علاقاتها مع الجهات الوصية على الثقافية والمعاناة التي تجنيها الجمعيات الجادة .

وفي تدخله، أثار يوسف بورة( رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين) مسألة تكريم الكاتب المغربي ؛ وذهب الطاهر المحفوظي إلى انتقاد الذين يحاربون الثقافة الوطنية ..ودعا إلى شراكة حقيقية .أما عبد اللطيف حبشي فقد ركز على ضرورة بلورة خطاب موحد لمواجهة الخطاب المناهض للثقافة الوطنية .

وفي التدخلين الأخيرين لكل من سعيد أرجضان وطارق شهير ، ثمنا المبادرة ودعيا إلى مواصلة الدفاع عنها عبر إشراك الجميع .

قصة: هل هذا حل؟/ أنطوني ولسن

أستراليا

جلسا يتناولان العشاء الذي اعداه معا بعد الرجوع من العمل. لقد تعودا ان يفعلا هذا منذ الزواج.
انهما يجدان لذة في المشاركة، ويستمران خلال اعداد الطعام بالمداعبة والقبل، قبلة هنا، ضحكة هناك، لمسة هنا لك.. وحكايات.. وحكايات.
ولا ينتهي كل منهما في سرد ما حدث اثناء النهار، في العمل وخارجه، في البيت، في الطريق.. ولا يزالان يتحاوران بكل ما ينوي كل واحد خلال النهار. وحين يعود يخبره بما اعتمل به من شكوى وأحاسيس وذكريات.
لم يرزقا أطفالاً منذ ثلاث سنوات، وليست لديهما الرغبة في الإنجاب، أقلّه بعد تسديد ثمن المنزل الذي يوفَّران ثمنه، سنتاً سنتاً من معاشهما كل يوم، لكنهما قد يفكران في الأمر، بعد أن تتفرَّغ الأم للتربية ويستطيعا ان يجدا عملا لإعالة البنين.
الزوج، وصل هذه المرّة مشتَّت الافكار على غير عادته، وشرع يعاون الزوجة في اعداد الطعام.
ضحكا.. تعانقا.. تساجلا في شتى المواضيع.. وكان حوار على اتم حرارة وانسجام.
لكن الزوج عندما جلس الى المائدة، انتباه شيء من الهم المفاجئ فأخذ يرشف الشوربه بصوت مرتفع ووجهه في الطّبق، كما اعتاد كلما يشغل باله هم وغم.
أحست به الزوجة ورأت على وجهه علائم الهم والغم، فهرعت تشجعه وتضاحكه وتسرف في مداعبته حتى انها ركلته بقدمها من تحت الطاولة، فابتسم ابتسامة عريضة بلهاء، وعاود الكرَّة في رشف الشوربة بصوت مسموع، ممّا جعل الزوجة تفقد شعورها وتطلب منه التوقف عن الرشف، أو البوح فورا بما يعتمل به من مشاعر وهواجس تقطع عليهما سعادة البيت.
كلّ رشفة، تعذيب يصفعها بلا هوادة وبقساوة لا تحتملها، وكل نظرة يرشقها بها، مخرز غضب ينحر به ضلوعها. ومع ذلك لم يرد، لم يرفع رأسه عن الطبق. وما استطاعت ان ترفعه بصوتها الحاد الذي كان ينتهره بقساوة والحاح. وما كانت تدري اذا كان شبع أم شبعت هي، كل ما تدريه هو انها اخيرا استطاعت ان تخلصّه من المأزق لتتجنب رؤيته وسماع صوته بالبعد عنه.
توقف.. وراح يُغيّب وجهه بين يديه، مركّزاً منكبيه فوق الطاولة محملقا في سقف الحجرة بلا حركة ولا كلام، يفكر ويفكر، لعلَّ حلا يأتيه من الغيب، يستسرق النظرات من حين لحين، والزوجة المتربعة فوق الأريكه تتململ محاولة الوصول إلى معرفة ما بزوجها. ماذا حدث له.. لقد كنا أسعد الناس.. ضحكنا كثيرا وتعاونا في اعداد الطعام.. لم يكن يبدو على وجهه اي ضنى.. ما الذي جعله ينقلب على نفسه فينغّص علي وعليه الحياة؟!.
تُرى ما الذي دخل في حياته وحياتي؟! هل صرت امرأة أخرى؟ هل تبدل جمالي؟ هل فتر الحبُّ العاصف الذي عشناه معا أثناء الخطوبة وبعد الزواج؟!
لا وألف لا.. انها تعرفه جيداً.. إنها حُبه الوحيد.. ولن تستطع أية امرأة مهما كان جمالها أو ثقافتها أن تأخذه منها.. الحبّ الذي جمعهما لن يفرقه شيء سوى الموت، وحتى الموت نفسه مستيحل أن يحول بينها وبينه.
هكذا كانت الهواجس والأفكار تعتمل بها.. فجأة قالت بصوت مسموع «لو أصابه مكروه ومات قبلي، لا سمح الله، لالتحق به ونموت معاً كما فعلت كيلوباترا ومارك انطونيو.

لم يكن قرارها لحظة شعرية أو شطحة واهمة، لكنها حقيقة.. انها تحبه حتى العبادة حباً يفوق كل العاشقين. لكن ماذا اذاً؟!
فجأة خطرت لها خاطرة، لا بدّ أن يكون السبب هو عدم وجود اطفال يملأون عليه البيت.
تعجبت في نفسها.. أهذا هو حقاً السبب؟!
هي نفسها احياناً كثيراً تحنّ الى وجود اطفال.. ولكن كيف؟ لقد اتفقنا على هذا معاً ريثما نسدد ثمن المنزل، بعدها استقيل واتفرّغ لتربية البنين.. ونحن في العشرينات والعمر مديد والوقت امامنا طويل.. طويل..
ومع ذلك، رأت ان تتحدث اليه..
لقد غضبت هي وغضب هو، وهذا طبيعي ولكنه لم يفعل ما يغضبها وما يسيء اليهاّ فلا بد ان يكون ما يعتلج به شيئاً مهماً رّبما كبيراً ومهماً، ولكنه يأبى ان تشاركه حمل هذا الضني..
فاذا كان الأمر موضوع الأطفال، فستقول له.. إنها على أتم استعداد للإنجاب، اجازة بدون مرتب في الفترة الأولى، تودع الطفل والدتها التي ربتها.. تتكل على رعايتها له كطفل نازل من احشائها، تفديه بكل غالٍ ونفيس.
وقبل ان تتحرك نحو رجلها السابح في عالمه، توقفت ثانية وفكرت أيكون ربّ العمل قد استغنى عن خدماته لأمر ما..؟ فإن كان ذا ، فكارثة رغم ان الشركة لا تستغني عنه.
لكننا في أستراليا، وفي أستراليا، كل شيء ممكن تجاه القانون.. لا مراعاة لخواطر، أو لأقدمية في العمل..انها مصلحة العمل وربالعمل.
أما هوفقد كان يحدث نفسه .. ما ذنب هذه المخلوقة البريئة لتتحمل عذاب الصمت؟!.
لماذا لا اقول لها كل ما في نفسي وأفرغ كلَّ مشاعري؟ أنها شريكة حياتي التي احب. قاتلتُ لاجلها الدهر لأصل الى قلبها.. انها حتما تساعدني على إيجاد حل..
لا شك أنها لاحظت كل خواطري، فحاولت مداعبتي واخراجي من الصمت بهذه الركلة المستحبَّة من تحت الطاولة بقدمها الحلوة.. تلك مداعبة الرفق والحنان..
انتهى من المناجاة، فقرر.. فنهض.. وتوجه نحوها يناقشها الأمر، بينما هي في ذات اللحظات، تفكر تفكيره وتعاني تخميناته وتسرح بالخيال.
نهضا معاً وتلاحظا، ثم ضحكا وجريا في الممر فتشابكت ايديهما.. فتماسكا بحب وحنان وأخذا يتناجيان.. هي تسأله عمّا به، وهو يغمغم محاولاً أن يقول لها، كل شيء.. تلعثما.. ضحكا ثانية، كل يفضى بكل ما عنده مسابقاً الآخر في البواح.. اخذت تطوقه بذراعيها ولهة وتقبله قبلة طويلة متمادية.. تم صحبته الى الأريكة تخاطبه.
- طفلي الكبير، ما يشغلك؟ قل لي حبيبي.. أنا لك..
- انت شاغلي، شغلت عن الناس، بك.. الا تعلمين؟!
وغامت على شفتيه الكلمات.. شجّعته بقبلة أخرى، ضغطت بيدها على يده، تعاود السؤال، فأخذ يقول أشياء، أشياء مبهمة، كان في غنى عنها، لو دخل صلب الموضوع. لكنه كان يخشى غضبها ورفضها فكرة قد تنسف حياتهما الزوجية الى الأبد.
لقد وصله خطاب من والده الى محل عمله، يطلب منه ارسال تذكرة سفر الى «أستراليا» وتحويل الزيارة الى هجرة دائمة في هذا البلد الجميل فيكون اجدى له لأن الحياة في وطنه لا تطاق، وولده هو الوحيد الذي يُقدر الظروف والمحنة التي يمر بها والده في مثل هذه السن وهو يريد قضاء البقية الباقية قربه، من العمر..
لم يكن وقع كل هذا الشيء هيناً عليه.. قرأ الخطاب مرة ومرتين، وفي كل مرة كان كالأطفال، ينتحب، والده يعاني الاهمال والوحدة، لكن ما العمل؟!
لم يرد ان تشاركه زوجته الحزن.
عادت وقالت له مشجعة..
- ما بك يا حبيبي، انا احمل كلّ هم معك.. قلّ.. تكلم..
- ما عليك يا حبيبتي.. انا في احسن حال.. لا همّ لي.
بعد الحاح منها.. أخبرها بخطاب أبيه ورغبته في المجيء والهجرة لأستراليا.
سادت بينهما فترة صمت مرة أخرى، سرحت هي، فأسرتها وفدت كلها إلى أستراليا، والكل متزوجون ويعيشون مستقلين.. والدها قضى نحبه على اثر نوبة قلبية حادة منذ سنتين، ووالدتها تعيش وحدها في بيتها الذي هو بيت العائلة.
وغاب هو عنها مفكرا في من سيكون برعاية الوالد؟! إلى اين يذهب لو شعر بالضجر؟ لا جار يتحدث معه، لا صديق يشكو اليه همَّ الحياة.. لا مكان يقصده لقضاء فترة ترويح عن النفس.
فإن كان عاجزاً ان يكيف نفسه وسط الأهل والجيران والاصدقاء فهل يستطيع ذلك في جو آخر، مثل أستراليا الغريبة عنه مشرباً ومسلكاً وروحاً ولغة؟
قد يصعب عليه في مثل هذه السن، الاندماج بالناس والمشاركة في الافراح والأتراح، وقد تقسو العزلة عليه.. فمن يفرَّج عنه؟
هل الأنانية تجعل الأبن يتنكر لأبيه.. في الحاجة والضيق وحين يكون مفتقراً الى رعاية في الشيخوخة؟ هل يسمح له بتحويل معاشه؟
هز رأسه صائحاً:
- لا.. لا سيعيش بكرامة ويشعر بقيمة نفسه فلن يكون عالة على أحد.
آفاقت زوجته على صوت صياحه وحديثه مع نفسه.. لكنها عادت إلى صمتها.. كما عاد هو إلى نفسه..
فجأة نهضت مصفقة مهلّلة:
- لقد وجدت الحل.. وجدت الحل..
- قولي بالله عليكِ ما هو .. ماهوالحل ..؟
- أن يتزوج والدك من أمي فكلاهما أرمل .. وكلاهما بحاجة لرعاية الآخر ..
- تمت ..

أمل المستقبل/ خليل الغفاري

جئت ُ أطرق َ أبواب مملكتك ِ

أبحث ُ لوجودي عن مكان

أبحر ُ في عينيك ِ

وأدخلُ روض الجنان

بين ضفاف العينين

يانبع التمنى والحنان

جئتك ِخالعا ً معطف الشوق

لأسقى ِ فى جدورك ِ عود َ الريحان

تعالي صلي في محرابي

وادعي قد حان الأوان

فأ نتي حياتي وملاكي

وعشقى فى هذا الزمااااان

تلحقني أطيافك دوما ً

وأبث ُ أحلامي أشجان

تعالي نودع أهات

ودنيا مليئه أحزان

وإذا تهت ُ عن بيتي

ففي قلبك ِ عنوان

فإذا نسيت ُ إسمى يوما ً

سأجده في عينك ِ رغم النسيان

أمل المستقبل أنتى

زنبقة ٌ وسط َ بستان

صدور العدد الثاني من مجلّة السّايح


صدر العدد الثاني من مجلّة السّايح وفيه قصائد شعر وزجل لشعراء من فلسطين ولبنان وسوريا .

مجلّة السّايح أول مجلّة ألكترونية لادوريّة تهتمّ بشؤون الشعرباللغة المحكيّة وبالزجل

إلى عاشقة خطيرة/ محمد نجيب الرمادي



تَعَـالِـى فَعِشـقِى رَآهُ الجـميعُ..

مَـنْ كَانَ أَعْمَـى أوْ كَانَ يُبْصـرْ..

تَعَالِـى أكْـتُبـكِ للسحـرِ قصـيدة

تُبهـرُ حَبِـيَبتِـى مَنْ كَـانَ يُشْـعِـرْ..

تَعَالِـى فَـأنْتِ آيتِــى الأولــى

فِـى عُمـرٍ حَـواهُ العُشبُ الأصفـرْ..

تَعَـالِـى تَخْـضـرُ بِـكِ السـنَابِـلُ

مـا أجملَ حَبيبتـى قَـلْبك الأخْضـرْ..

أَنْتِ إِنْ جِـئتِ زَارنـا القَمــرُ

وَجَــاءَ إِلينا وَنــورهُ يَحْضــرْ..

تَعَالِــى أَرِتَـشُفـكِ فِنجــانَ قَهْـــوة

لايحـتاجُ حَبيبتى أبـداً لسـكـرْ..

تََعَالِــى أكْـتُبـكِ بالقلبِ تَـقْـوى

فَقَلبى حَـبيبتِى يَهْـوى التَطَهُــر..

تَعَالِـى إِلىَّ عـزاءً وَسَـلوَى

لعُمْـرٍ ضــاعَ بسَطــورِ دَفْـتر

تَعَالِـى لأرْقُصَ عَلَـى نَهْـدَيِــكِ

أَنَـا إِنْ رَقـصتُ لا أَتَـعَثْـرْ

تَعَالِـى لأنــامَ فِـى عَـيْنـيكِ

أَنَا إن نمتُ بَعيـنيكِ ســأكبرْ..

تَعَالِى قَدْ طَــالَ الصَبْرُ بِى

مَنْ فِى هذا الــزمــانِ يَصْبِرْ؟..

أَنـا لوْ كُنتُ عَلَى البُعْــدِ أقــدرُ

مَاعُدتُ حَبِيبتى عَلَى البُعْدِ أقْـدر..

تَعَالِى وكـونى ملكةً بقلبى

قَدْ فَرِشْتُ قَلبى وَرْداً وَعَنْبرْ..

تَعَالِى نَامِى عَلَى ذَرِاعِىّ

فَرِشْتُ ذَراعىّ يَاقوتاً وَمَرْمَرْ

تَعَالِى فَإنِى برَغْمَ حُروفى

أَشْعرُ بأنِى فِى حُبَّكِ مُقَصِرْ..

تَعَالِى أَصْنَعُكِ لَحْنَ الهوى

اشتاقَ الهَوِى للحنٍ مُخَـدْر..

تَعَالِى لأَكْسبُ بِكِ الحـَياةَ

إِنِى بَدوْنِك اُهْـزَمُ وأَخْسر..

تَعالِى فَإنِى زَرَعْتُ الهَوى

فصارَ الهَوى فِى القَلبِ مُثْمرْ..

تَعالِى وسيرى عَلى شَرَايينِى

خُلقتْ شَرَايينِى لَتَكُونَ مَعْبر..

تَعَالِى اشربِى مِنْ خَمْرى فَإنِى

شَرِبتُ خَمْرِكِ وَمازَلتُ أَسْكرْ..

تَعَالِى ازْرَعِى وَرْداً بَأرْضى

لينْبِتَ الــوردُ ورداً ويُزهــر..

فقَدْ كُنْتُ أَشكوُ مِلحَ الحياةِ

اليومُ أَشْكو سَـحْراً مُــؤثرْ..

تَعَالِى إِنْ شِئتِ يوماً مَســاءً

بِثَـوْبٍ أبيض أوْ ثـوبِ أحْمَــرْ..

كَفَـاكِ إِرْسال سَهَامِك فَإنِى

بغيرِ الســهامِ أحُبُّك أكْــثرْ

كَفَاكِ تَسَائُلاً إن كنتُ أهـواكِ؟

مِنْ غَيرِ هَــواكِ إنى سأُصْهــرْ..

إنى أَحِببتُّك روحاً وَسحــراً

مَاســألتُ عنَّكِ ؟ وَلا أتَصورْ..

إن الحياةَ فِى جَـفاكِ عَسِيرةٌ

وَالحَالُ فِى قُربكِ سيدتى مُيّسَرْ..

ولوْ أنَّ التبذيرَ فِى الدينِ حَرامٌ

فِإنِى فِى حُــبكِ أكْـبرُ مُـبَــذْر..

فَتعَالّى فِإنِى والحنينُ إليكِ

نَعيشُ العذابَ وَفيهِ نَسْهـرْ..

وما كُنتُ قَبْلكِ أَهْــوى الكتــابةَ

ويقولــونَ عنى الأنَ أُشْعَـرْ..

وكنت أشُفقُ على العشاقِ دومــاً

اليومُ إِنى فِى العَشَّــقِ مُــجْبر

فَكَيفَ أَرَى الجمالَ أَمِامِــى

وَأغُضُ البَصَرَ عَن جَمَالٍ مُعَبْر؟

أَنَا لا أرْسمُ كَلاماً جَمِيلاً

لَكنْى أُترجمُ قَــدَراً مُقَـدرْ

فَأنْتِ أملى و حبيبتى الأولى

هلْ جاءَ مِنْ قَبلى حَبيباً يُقـدِرْ..

وَأنْتِ سَيدتِى ، سيدتى وسحرى

وَمَا كنتُ قَبْلكِ بِالسحرِ أُسْحرْ..

وَلقـدْ سَطَرْتُك فِى القلبِ نوراً

ونـــوراً ونـــوراً لكلَّ مُبْصرْ

فَقُولِى جُنوناً أوْ مَا شِئْتِ قولى

يُلقبنى الجــنونُ بِجنٍ مُصَوَّرْ..

فتعالَّ فِإنى بِدونكِ أذوبُ

كَقطعةِ ذَهبٍ والذَهبُ يُصْهر..

وإِنِى رَفَعْتُ رَاياتـــى وإنى

نَكْسِتُ أَعْلامِى وَقلبى تقعرْ..

وَسَحَبْتُ جِيوُشِى وَرَضِيتُ الهَزِيمَةَ

مَادَامَ قَلْبُكِ أتـــى يسْتثمرْ..

فَتعالى إلـىّ عَاشــــقةً خَـــطيرة

مَعَـــاً سَـــيكُونُ العَشَقُ أَخْطَرْ..

وَاغْـزلى قَميصـــاً يُدفـــأُ فــؤادى

تنالى ثــــوابــاً وَرَبــكِ يَغْــفِـرْ..

عَــذاباً كبيراً عَــانَيّتهُ وقلبى

بزمنٍ طَويلٍ َتَحَسْيهِ أقْصَـــرْ..

تعالى حبيبتى تـعالـى أحـــبك

تعالى أحــبك وأحــبك أكثرْ

جميلة من حلب/ ايلي معلوف

جميلة1


سمراء تخطى الغيم سحرها ،
نور الصباح مِن وجهها يغارُ ،
لملمت جمال الكون باسمها ،
جميلة..
سر جمالها أنوثتها و دلالها ،
و كل ما فيها أسرار ،،
إذا الشمس أشرقت ، تشرق مِن أجلها ،،
لأجلها يصبح الليل نهار ،
و تختفي كل النجوم في شعرها ،
و تختبئ بعينيها أقمارُ ،
تصبحُ سيّداً في العشق إن رأيتها ،
مِن سحرها يصعب الفرارُ ،
كالحمل تدنو إليها
و مصيرك بيديها
هي الحبيب و هي الجزارُ ،،
إن همست يُلبّى مرادها ،
إن ظمئت تهطل الأمطارُ ،
إن نظرت إلى البحر عينها ،
تحلّت مياه البحارُ ،،
ليست كالنساء مِن صنفها ،
مليكة.. لا قبلها ولا بعدها ،
رقيقة ،هادئة و صديقة ،،
لكنّ الحذر واجب ،
فإن حرّكت حاجب ..
قد يولد إعصارُ...

2007 انت والحب وبيروت

....................................

جميلة من حلب 2


في الماضي وصفتك كما رأيتك ،
جميلة
ظننت بأنني أدرك أمور الجمال
خدعتني ظنوني حينها ،
بحيلة
عدم قدرتي على رؤية الكمال.
وبالأمس عندما شاهدتك ،
رأيت فيك أشياء
أشياء أبعد من الجمال و أقرب للكمال،،
قرأت حقيقة عيناك
إكتشفت سحر بسمتك،
وروعة قامتك،
وأشياء في الذوق و الرقة
واللطف و الخطورة
فسألت نفسي،،
أهي ملاك أم حورية
أم انها أسطورة؟؟
لا ، فأنت أجمل من تكوني ملاك
ولا أنت حورية توقعها أفخاخ الشباك
أنت إمراة،،
مجرد إمرأة بقلب من ذهب،
جميلة من جميلات حلب،
ناعمة،
طيبة،
حلوة
أحلى من سكر القصب،
رائعة الجمال
فائقة الدلال،
سارقة قلوب ، بالحلال
باختصار،
أنت رقي أصابه الاكتمال....

اهداء خاص الى جميلة
جيما...

2009 قولي نعم

قائمة جديدة من أعضاء اتحاد كتاب الانترنت العرب

كشف رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب مفلح العدوان عن قرار مجلس إدارة الاتحاد بقبول مجموعة متميزة من الأعضاء الجدد في الاتحاد من عدد من الدول العربية الذين يمثلون كافة الاتجاهات الإبداعية، في مجالات القصة والرواية والشعر والفن التشكيلي والنقد والإبداع الرقمي والإعلام الإلكتروني.

وقال العدوان: "إن هذه القائمة تأتي ضمن سياسة الاتحاد برفده بدماء جديدة تعمل على تنشيط عمله، واستقطاب الكفاءات الإبداعية النشيطة في مجال الثقافة الرقمية في سبيل خلق حالة كتابية إبداعية متقدمة، تشكل رافدا للثقافة العربية، في ظل وسائط الاتصال المعاصرة".

ولفت العدوان إلى أن الاتحاد يشهد انطلاقة جديدة في وضع البرامج المستقبلية لعمل الاتحاد خلال العام الحالي والعام 2011م بحيث تشتمل فعالياته على عقد المؤتمر العام الأول للاتحاد في الأردن خلال العام القادم، لمناقشة واقع المحتوى العربي على شبكة الانترنت، وتجليات الثقافة الرقمية في ظل التحولات الثقافية والإعلامية الجديدة التي تعتمد على الملتيميديا وشبكة الانترنت والتواصل عن بعد.

وأشار رئيس الاتحاد إلى أن برنامج الاتحاد الجديد وفعالياته العربية والدولية فرضت أجندة جديدة في آليات العمل داخل لجان الاتحاد التي سيتم الإعلان عن أعضائها قريبا.

وتابع أنه تم قبول أعضاء جدد في الاتحاد لتشكل حالة ايجابية، لدخول آفاق جديدة في أنشطة الاتحاد، وبرامجه، وتحفيز بقية أعضاء الاتحاد من أجل مزيد من النشاط، والبرامج الفاعلة، في كافة الدول التي يتواجد فيها أعضاء الاتحاد في الوطن العربي، والمهجر، ليكون هناك برامج وأنشطة وتفاعلا في إطار الإبداع، والثقافة الرقمية".

وكان اتحاد كتاب الانترنت العرب قد وجه رسائل قبول عضوية القائمة العاشرة التي تضم كل من: الشاعر عبد الكريم أحمد أبوالشيح/الأردن،

الشاعر محمد محمد محروس المخزنجى/مصر،

الكاتب والإعلامي محمد بن سعيد القطيس/سلطنة عمان،

القاص احمد إبراهيم الحارون/مصر،

القاصة والباحثة نجمة خليل حبيب- فلسطين (مهاجرة إلى أستراليا)،

الكاتبة والفنانة التشكيلية الدكتورة ديانا النمري/الأردن،

الشاعرة وداد بلموس/المغرب ،

الكاتب محمد صالح مجيد،

الكاتب الباحث محمد برهام محمود المشاعلى/مصر،

الشاعرة سهير عبد الحفيظ عبد الجواد عمر/مصر،

الكاتب المسرحي مشعل عبد الحميد الموسى/الكويت،

الشاعر والباحث عدنان عبد الكريم الظاهر/ العراق(مقيم فى المانيا)،

الباحث في الدراسات التربوية والفكرية أحمد الفراك/المغرب،

الكاتب الإعلامي وليد خالد عبدالرحمن المجنى/الكويت،

القاص نور الدين عيساوى/المغرب،

الشاعر جلال برجس القليلات/الأردن،

القاص محمد عباس على/مصر،

القاص محمود عبد الوهاب نوفل/مصر،

الكاتبة رائدة عدنان زقوت/ الأردن،

الإعلامي والمسرحي توفيق محمد توفيق العيسى/فلسطين،

القاصة والباحثة راوية جرجورة بربارة/فلسطين،

الكاتب وخبير الانترنت المهندس علاء الدين الراضي/العراق،

الباحث سامح عبد الرحمن عبدالله عودة/فلسطين،

الشاعر فراس عمر حج محمد/فلسطين،

القاصة وكاتبة السيناريو أروى أبو طير/الأردن،

الشاعر سامى مهنا/فلسطين،

الشاعر نزيه حسون/فلسطين،

الكاتب والمبرمج مهند المجالي/الأردن،

الشاعر عقاب إسماعيل بحمد المغربي/لبنان،

الشاعر والناقد لطفي عبد اللطيف زغلول/فلسطين،

الكاتبة والمخرجة المسرحية مجد القصص،

الروائية دينا سليم/فلسطين مقيمة في استراليا،

الكاتب والناقد المسرحي عباس الحايك/السعودية.

بحبـــــــــك كـــــــــــده/ ايمن يحيي‏

بحبك كده

بطيبتك وعندك...تواضعك وكبرك

ولما جنونك يغازل ظنونك

بحبك كده

ولما تزيدي في غيرتك عليه

ولما شقاوتك تسهر عينيه

ولما سلامك يعطر ايديا

بحبك كده

بحبك بريئه واحبك جريئه

واحبك في كدبك

ولما باحسك تقولي الحقيقه

بحبك كده

بحب الجنون اللي باين عليكي

واحب الهدوء اللي ساكن عينيكي

ولما تغيبي بنادي عليكي

بحبك كده

بحبك في صمتك وباعشق كلامك

ولما عيونك بترمي سهامك

في ثانيه عيوني ترد الندا

بحبك كده



أخي العربي/ محمد محمد على جنيدي

أخي العربيُّ في أمرٍ
يُحاذرُ سطوةَ الشَّرِّ
يُغالبهُ وقد أبقى
رهانَ القتلِ والنَّحرِ
يحومُ الذِّئبُ بالبئرِ
ويقضي الليلَ في أمرِ!
على أرضي يطاردُني
ويجمعُ كلَّ ذي غدرِ
لأيِّ البرِّ يدعونا
ربيبُ النَّارِ والجمرِ!!
قناعُ البرِّ مفضوحٌ
بقبحِ الغزوِ والأسرِ
وداءُ المرءِ لو يدرى
بهذا الكيدِ والمكرِ
إذا ما الليلُ أضنانا
ستدنو طلعةُ الفجرِ
تُكسِّرُ في مضاجعِنا
قيودَ العجزِ والعسرِ
فقمْ يا أيُّها العربي
وسِرْ بالماردِ الحرِّ
بدينِ اللهِ قمْ نسرِي
بكلِّ الدِّينِ للأمرِ
بهِِ لم نخشَ مِنْ موتٍ
ونلقى الظُّلمَ بالبترِ
على أعتابِهِ نحيا
ونُوقظُ صحوةَ النَّصرِ
فقلْ للعاقِ لن نرضى
بهذا الذُّلِّ والقهرِ
فيا ساعٍ لمصرعِنا
ملأنا الكأسَ بالصَّبرِ
غداً يُشقيك موعدُنا
فتدري نقمةَ الثَّأرِ

لا عليكَ.. حبيبي/ فاطمة فناني


تتلاعبُ بنا الأقدار...
بين الزوايا والأركان...
تبعثرُ ضياءَ الحياةِ ...
حيثُ الشعورُ بوحدةِ الأيام ...
وتجمدِ الغيوم ِعن الحراك
و تهمدُ أصواتُ الأشجار ...
فمهلاً..عليك... مهلاً ...
توقف قليلاً...ولا تعدَّ الأيام...
الليلُ يمتصُّ النهار...
والنهارُ ساعاتٌ من الإبهام...
تروحُ حيثُ تهدرُ الثواني...
بهدوءٍ وإطمئنان..

يا فارسي ... يا ملكَ أشعاري ...
وحبري... ودواوينَ الأسرار
تعال نسافرُ برحلةِ الحبِّ والأمان
واليقينِ والصلواتِ و الإيمان...
نقتلعُ ثوبَ الحزنِ و الأوهام
نرتدي رداءَ الدعاءِ...
ننسى العذابَ..والمرار...
حيثُ نرمي الجراح...
بسهمِ الحبِّ والسلام ...
ونقدفُ أمواجَ الأوهام...
وعبءَ الحياةِ وقهرَ الزمن

نقطنُ كوكبَ الرضا .....

نقتني من بنعمة النسيان


فلا عليكَ.... حبيبي...
سوفَ أجعَلُكَ تتهادى...
على عزفِ الأوتار...
أرحلُ بكَ... الى بلادِ الحنان
وكملاكٍ.... أحلقُ بك...
فوقَ سقفِ الجبل...
جبلُ ....ثمالةِ الأحلام...
وجنانُ أشجارٍ وارفةُ الظلال...
أراقصكَ على نغمِ حباتِ الندى..
ولحن العشقِ وعزف المطر
نرتوي بعطرِ الشهد ...
من أحداقِ الجنونِ والهديان..
نحتسي رحيقَ هلوسةِ اللحظات...
وبكل النكهةِ.. نرتشِفُ طعمَ الغرام ...
لمساتِهِ...هَمَساتِهِ....وطُقوسه...
من عالمِ الغجرِ إلى بلادِ اليونان

عند وداع الشمس ...
نستلذُّ السكون....
بهمسِ القوافي ونبضِ القصيد..

نبحرُ في انهارِ الشعر...
و النثرِ والغزل...
وَنَتأملُ عليلَ النسيم
حيثُ الليلُ بابتسامتهِ يودِّعُ الغروب ...
بالهدوء......في طاعة الرحمااااان
ويغازلُ النجومَ بهمسات...
ويُداعِبُ القمر...
فَنَجوبُ وراءَ الغيوم ....وأمُدُّ يدي...
وأقطِفْ لكُ عيناً
من عيونِ السمااااء
أُنيرُ لكَ بها النفَقَ المُظلم
ونُطفئُ الهُمُومَ والأحزان....
نَرسُمُ بسماتٍ على ضفافِ الشفاه
نُشعلُ لهيبَ الشوقِ بكل الألوان
أنا... وأنت... والليل..
بفنونِ الهمسِ... وبسحر الكلام
وأضواء الشموعِ ...ولآلئِ الأفكار

سيمون عيلوطي الشاعر الملهم/ نورعامر



من أين نبدأ مع سيمون عيلوطي ، وكل أشعاره العامية رشيقة معتقة كبنت الحان . لذلك لا غرابة أن تستحوذ علينا لذة تتداخل فيها عناصر الحس والذهن حين نقرأ :
" انْتي المَرا اللي بْشوفها / بكل الصّور / بْهبّ الهوا يقطر الندى / يْموج البحر / انْتي الصبح وشروقو / حبّات المطر / لمْنعْنفه هيك بْهداوي / عالشجر / انتي اللي جوا القلب / وَرْدات القمر / قنديل مَحبّي ضاوْيي / ليل السّهر " .
انه يمنح المرأة قيمة معنوية ، خصبا وبعدا ، عبر قالب جميل من الألفاظ المعبرة عن الفكرة ، إذ ليست الفكرة هي المقياس ، إنما التعبير عنها ؛ والتعبير الأفضل والأكثر ثراء هو ما يتقن عملية كيمياء الشعر المتمثلة باللفظة والموسيقى والعاطفة والحدث والخيال . وهذا جلّي عند سيمون ، كما في هذين المقطعين من قصيدته الموسومة تطاير الدّروب :
" بوّابة الأحلام فِ وجّو سَكّرَت / وتطايرت من دون دَعْساتو الدّروب / عم يركّضوا عَ الشمس / يمكن أشرقت ؟ !! / يا شقشقت في وَعد أنّات القلوب " .
المقطع الثاني :
" فِ فُنونو هآلأشعار ياما يْصدحو / وْينسو أسى وَيلات / ما إلها حدود / عاطريق الألم ياما تْجرّحو / حَفْر قَنا دمْعاتْهن فوق الخدود / رَغْم السّحق .. / قِِِِِِِِدْرو معانا يفرحو / بْوجه العواصف صارو وَردات الورود / حِصَارو تَزْيف العواصم / يْفضحو / تْحِلّ العداله عَ الأرض / كِذْب وْوعود / وتطايرت من دون دعساتو الدّروب"

نلحظ ان العاطفة تمتزج بالعنصر الأخلاقي والفكري ، تتمخض عن موقف وطني وإنساني تجاه قضية أو أزمة ، وتحديدا أزمة القائد عرفات عندما حوصر . والعاطفة عند سيمون تختلف باختلاف الظرف والحدث ، فتارة تتولّد بفعل الواقع المؤلم كما في حصار عرفات ، وطورا هي نزوع فطري أكثر من ميل ورغبة ، كما سنرى في هذه الطفرة من قصيدة خمرة معتقة :
" يا رايحه بمنديل أويا مبشنقة / لا تبعدي روحي معاكي معلقه / بتتذكري لما التقينا عَ الندى / بكرم الهوى قديش طال الملتقى / مشينا سوا وما كان شايفنا حدا / غير الشجر والطير بَلش زقزقه / لما لقانا نموج مثلو عا هدى " .
يستمرئ الشاعر عبق الزمان والمكان ، يستعير من الطبيعة حركتها وصوتها . وهو مولع بالمفردات المميزة يضعها بدقة في أماكنها الصحيحة ، لم أجد في العربية مفردة أكثر جمالا وأفضل ملاءمة في موقعها من كلمة " نموج " المقطع الأخير من خمرة معتقة . لا أعرف إن كانت هذه المفردة وغيرها من المفردات المتألقة تأتيه طيعة مشرقة كعشيقة ابن زيدون ، أو يجد الطلب خلفها كالأمير " هان " في الأسطورة الصينية . بيد أن الموسيقى لها وقع أكثر جاذبية بانسجامها ونعومتها المغذية بمخيلة شاعرنا الملهم :
" شايف جَفْرا / رَغم البعد ، الغيم ، الصحرا / تِمْسك ناي وغِنْوَه وْزهره / تِحْمِلْ جَرّه / تِسْقي ناري الظهر الحمرا / شايف جَفْرا / عْيون السّودا / خْدود البيضا / وْقَمْطَا الخَضْرا / ترجَعْ مِنْ هالغّربه / الحَسْره / تصبْ القَهْوه الحلوه .. المُرَّه / تغَنّي جَفْرا " .
" جفرا " في الأساس هي أغنية فلسطينية كانت تصدح فرحا وبهجة يوم أن كانت فلسطين في عزها . والآن جفرا بزيها المتطور الجديد هي في وجدان الشاعر أمنية تنداح الى الشتات ، ومن ثمة ترتد مفعمة بأمل العودة وانتهاء الإغتراب .
إن ما يميّز اشعار سيمون عيلوطي بالمجمل ، أنها متحررة من حالات التكلف والمبالغة ، خاضعة لمعايير وشروط الشعر العامي ، والتي منها السلاسة وجمال الصورة ، عدم الإبتذال وعدم فصحنة اللغة . وهذا يحفزنا لقراءة هذه النماذج بغبطة ، رافعين تحية كبيرة الى هذا الشاعر المبدع والأصيل .

***
ناقد وقاص / الجليل

قصة: في السينما/ أنطوني ولسن

التحقت بالعمل بإحدى المؤسسات العربية في سدني، وكان مكتبي مواجهاً لمكتبها. شابة في السابعة والعشرين من عمرها، مرحة، تحب الضحك وتكره العبوس، تشعر بالارتياح اليها منذ اللحظة الأولى التي تقع عليها عيناك.

وجودها يملأ المكان مرحاً وسعادة، وأصبح لغيابها تاثير على كل العاملين . نما بيننا هذا الشيء الذي نسميه الالفة، ولا أعتقد أن شعوراً آخراً كان يربط بيننا.

حقيقة اننا عازبان، ولم تكن فكرة الزواج تراودني، ولا أظنُّ انها راودتها أيضا. فأنا أكره القيد ولو كان في قفص من ذهب. أحبُّ الحرية وأحبُّ أن اكون سيد نفسي. على الرغم من انني أكبرها بحوالي أربعة أعوام، الا انه كان يحلو لها دائماً مناداتي بالختيار أو العجوز.

ذات يوم بعد الغداء، احضرت لي فنجان القهوة ووضعته امامي فوق مكتبي، قبل ان تغادرني متجهة الى مكتبها، أمسكت بيدها وقلت لها:

- ميرنا. مارأيك في العشاء معاً هذا المساء ومشاهدة إحدى الأفلام؟

فجاء ردُّها مرحاً متهكماً.

- عجوز وختيار.. واسَّاك «قلبك أخضر».

- أخضر، أحمر، أصفر.. ليس المهم، ما رأيك؟

- افكر..؟

- اريد جواباً الآن..

انت هكذا دائماً طلبك..( حامي ).


ضحكت.. التفت اليها وما زالت يدي ممسكة بيدها «اكملت حديثها»

- اوكي .. اوكي.

في المساء توجهت الى منزلها واصطحبتها إلى إحدى المطاعم ( الصينية)، حيث تناولنا العشاء، وتبادلنا أحاديث كثيرة متفرعة بلا هدف. نتحدث ونضحك.. نضحك ونصمت.. لم تختلف العلاقة التي بيننا، ما زالت هي امامي «ميرنا» الزميلة في العمل، وأعتقد انني بالنسبة لها، لم اكن اكثر من «سام» الزميل في العمل.

بعد أن انتهينا من العشاء بنفس الروح، خرجنا إلى الطريق نضحك ونتابع احاديثنا. إلى أن وصلنا إلى أحدى دور العرض السينمائي الكبرى التي تضم أكثر من صالة عرض.

لم نفكر مسبقا أي فيلم نشاهد، أخذنا قرارا خاطفا للخروج والعشاء ومشاهدة فيلم معا. أي فيلم؟ ليس مهما. لذا عندما سألتني (الآنسة المختصة) في حجز التذاكر، أي عرض أريد أن اشاهد.. أشرت بأصبعي دون تحديد معيّن. فجاء الحجز عشوائياً، سواء من حيث اختيار الفيلم الذي سنشاهده او من حيث المقاعد، ذلك ان لدى دور السينما مقاعد مخصصة للمحبين بعيدا عن انظار الفضولين من الناس. لكن كوننا زميلين، فليس من المهم اختيار المكان، حتى لو كنا رجلاً وامرأة.

خُففت الأضواء، وتدريجياً بدأ الظلام يزحف ويغطيِّ المكان كله. وبحركة لا شعورية، تلامست يدانا وتماسكت وانفرجت الاصابع لتتلاحم الكفّان، ثم تحركت الأصابع في دغدغة خفيفة وكأنها موسيقى كلاسيكية خافتة تأخذ المشاعر والاحاسيس وتُطهرَّها وترتفع بها عالياً في سماء اللانهائي حيث لا مكان لتفكير أو تدبير.

بدأ العرض، وتنازعتني افكار واهواء. الزمالة في حدِّ ذاتها شيء مقدَّس، لكنني تمنيت في هذه اللحظة ان يكون العرض رومانسياً يأخذني في سيمفونية الحب، وقد بدأت اصابعنا عزفها دون اوركسترا.

أرخيت جسدي فوق المقعد، ونظري معلَّق على الشاشة الكبيرة وفكري سارح بعيداً عن السينما وعن الفيلم. عدت الى عهد «الصبا والشباب» عندما كنت شاباً في الثامنة عشرة من عمري، حيث كان آخر عهدي بالسينما، بصحبة فتاة، ما تجرَّأت بعدها أن ادعو فتاة للسينما مرة أخرى.

كان ذلك بعد نجاحي في السنة الثانية من التعليم الثانوي، وكانت فرحتي كبيرة أني بعد عام سأنهي دراستي الثانوية لالتحق بكلية الشرطة وأصبح ضابط شرطة.. قد الدنيا، يهابه الناس ويخافونه، وترتمي الفتيات تحت قدميه راكعات طالبات الحب والحنان.

نادية «بنت الجيران» عرفت بنجاحي، فقد كانت تتابع تحرُّكاتي دون أن أشعر بها، وكانت كما قالت لي مرَّة معجبة بي، تبهرها خطواتي وأنا «أتمخطر» على حد تعبيرها في تيه وكبرياء يشعل النار في قلبها، ولم تجد ما يطفئها لأنني في واد آخر بعيد عن واديها، وان لم يفصلنا سوى اتساع حارة صغيرة من حارات حي شبرا بالقاهرة.

هذا ما قالته لي عندما انتظرتني في ذلك اليوم عند نهاية شارع الأهواني وتلاقيه مع شارع شبرا، حيث يقع محلّ والدي على بعد خطوات.

كنت قد خرجت من عند والدي بعد أن اخبرته بنتيجة نجاحي واخذت منه «المعلوم» الذي لم يبخل به علي.. أعطاني «جنيه بحاله» وفوجئت بها تناديني باسمي.

- سام..

التفتُّ ناحية الصوت، وجدتها واقفة في حياء وخفر.. عرفتها، فهي جارة العمر. ولدنا في نفس المنزل ونشأنا وتربينا في نفس الحارة. لعبنا في طفولتنا وصبانا المبكر معاً مع بنات وصبيان الحي. الحقيقة انني كنت دائماً مُترفعاً عن اولاد الحارة لا التحم بهم، ولا ألعب معهم كثيرا. والدي تاجر والعائلة اكثر يسراً من اي عائلة، في الحارة. تمنيّت دائماً ان نترك الحارة إلى مكان آخر أفضل. لكن والدي كان متمسكاً بالسكن في المنزل الذي ورثته أمي ضمن ما ورثت عن والدها.

التفت اليها وأتجهتُ نحوها وقلت لها:

- نادية.. أهلاً وسهلاً.. ماذا تفعلين هنا؟

- انتظرك..

- أنا؟؟

- نعم..

- خير..

- خير.. اريد فقط أن أهنئك على نجاحك.

- في هذا المكان؟ الا تخشين أن يراك احد؟

- وماذا افعل وانت لا تلتفت اليّ!..

أشرتُ اليها ان تصمت وتتبعني، سرت ناحية «مخزن الترام» ثم عبرت شارع شبرا متجها إلى شارع المقسي، بعدها عرجَّت يساراً في حارة صغيرة اخذتني الى شارع روض الفرج، عبرته الى محطة الترام.

تبعتني دون ان التفت اليها. جاء الترام. ركبنا. وعندما وصلنا قرب سينما «دولي» أومأت اليها بالهبوط. كانت الساعة تقريبا الثانية والنصف بعد الظهر. انتابني زهو غريب، أنّني ناجح وتسير ورائي «ناديه» أجمل بنات الحارة، كجارية تتبع سيّدها ولا هم لها سوى ارضائي..

بترفع وكبرياء نظرت اليها وقلت:

- والآن ما هي قصتك؟

- لا شيء، أردت فقط ان اهنئك بالنجاح.

- وما الذي يمنعك من ان تأتي الينا في المنزل؟

- عندما سأجلس مع شقيقاتك البنات، لن استطيع أن اراك أو أتحدّث اليك.

- ماعلينا.. قلتها في غلظة وجفاء ، والآن ماذا؟

- لا شيء، اريد ان اقول لك «مبروك» على نجاحك.

- شكراً.

توقّفت عن السير.. كنت أسبقها بخطوات. التفت اليها، فإذا هي تبكي بصوت مسموع، فاجاتني بهذا التصرُّف.. رقّ قلبي.. توجهت اليها، اقتربت منها، احتويتها بين يدي، هدّأت عن روعها، ثم اكملنا السير جنباً الى جنب دون ما كلمة.

وصلنا الى حيّ «جزيرة بدران» وعند مثلّث التلاقي بين شارعي شبرا والترعة البولاقية عرّجنا الى شارع الترعة البولاقية وفي طريق العودة كان كلٌّ منا يُحدّث نفسه.

بالنسبة لي، مجرد سيري في الطريق العام مع ابنة الجيران، كان شيئاً غير مالوف لدي. لم أُفكر ابدا في مصاحبة الفتيات والسير معهن امام الناس. كان الابتعاد عن الجنس الآخر في تلك الفترة من حياتي، شيئاً مقدّساً، او قل.. كان ضرورياً لنجاحي في دراستي وتحقيق احلامي. لذا مجرد السير مع ناديه، اثار عندي مشاعر ومخاوف جديدة، مشاعر لذيذة وجميلة، فلأول مرة اشعر برجولتي، واشعر انني نضجت وكبرت واصبحت رجلاً تتهافت عليه الفتيات ويسعين الى التعرّف اليه ولقائه.

أما المخاوف، فكانت من احتمال ان يراني احد اقاربي أو أحد أصدقاء الأسرة، وأنا سائر جنباً الى جنب مع نادية، ابنة حارتنا.. والمصيبة، ان رأنا احد اقاربها، فلن انجو عندئذ من «علقة محترمة»، ارتجفت أوصالي لمجرّد هذا الخاطر.

كنا قد وصلنا الى سينما «شبرا بالاس» فخطر لي أن اتحاشى السير في الطريق ونتوارى داخل السينما حيث لا يرانا احد.. عندها استطيع أن استمع الى ما تريد ان تقوله، واقول لها ما اريد قوله.

طلبت منها الابتعاد عني، توجّهت الى شبّاك حجز التذاكر، فتناولت تذكرتين، انتظرنا فترة الى ان فتحت الأبواب وبدأ الناس يدخلون الصالة، في الداخل أمسكت بيدها وأجلستها على أول مقعد في الصف الأخير.

بدأ العرض السينمائي، تشابكت ايادينا، نادية وأنا تماماً كما يحدث الآن مع ميرنا.

ضغطُ أصابع ميرنا على أصابعي، أعادني الى واقعي بعيداً عن الذكريات. واحداث الفيلم تدور حول حرب أهلية في اميركا الجنوبية.

مدنيون يهربون رجالاً ونساء واطفالاً، فتاة في عمر الربيع مُتسخة الوجه، بان جسدها الغض من خلال ثوب مهلهل تجري فزعة.

ازدياد ضغط اصابع ميرنا أعادني مرة اخرى الى حيث كنت مع نادية في سينما «شبرا بالاس» في القاهرة. أصابع نادية متشابكة بأصابعي، موسيقى فريد الأطرش وصوته لعبا على اوتار قلبي.. التهب جسدي شوقاً اليها. سحبت يدي من يدها، مددت ذراعي خلفها، مالت نحوي، اسقطت رأسها على صدري، عبقت رائحة شعرها في انفي. رفعت عينيها.. تلاقت الشفتان.. لن أنسى طعم القبلة الاولى ما حييت.. لا أحمر شفاه ولا «ماكياج» بل شفاه بكر لم يعبث بهما اغراء المساحيق.. أغمضت عيني ايضا، وحسبت نفسي في جنة تغمرها السعادة وتمنيت ان تدوم.

الهدوء يملأ المكان، الكل مشدود الى قصة الفيلم، أنا في سمائي هائم. فجأت قفزت صارخا، فقد هوت علي من خلف كف غليظة أعقبها سيل من الشتائم يا ابن ... انت فاكر نفسك فين يا وسخ يا ابن ...

ترنحت.. لم ادر ما افعل او كيف اتصرّف؟ فطلبت من ناديه أن تهرب، وأنا أحاول أن اتخلص من ناس انهالوا عليّ ضرباً ولكماً وركلاً وسباً بالفاظ ما أبشعها!

ياتي صوت صراخ ميرنا المفاجئ فيوقظني من كابوس تلك الذكريات ليضعني تحت وطأة كابوس من نوع آخر. ميرنا تصرخ في حالة هستيرية طالبة مني أن احتضنها واضمها إلى صدري.

ضممتها وحاولت أن أُهديء من روعها. اخذتها خارج المقاعد وهي ترتجف كطائر مد بوح وتشهق بصوت مسموع، مما اضطرنا ان نغادر صالة العرض وانا اتلفت ورائي خوفاً من ان يظنّ احد المشاهدين بي سوءاً فينهال علي ضرباً وركلاً ولكماً.

عبثاً أحاول أن أهدّيء من روعها، اسندت رأسها إلى صدري، وأنا في حالة ذعر أسألها ما حل بها، أو هل تتألم من شيء. وكلما الححت بالسؤال، زاد تمسكها بي وزاد ارتعاشها وقد بلّلت دموعها ملابسي.

لا ادري كم مرّ من الوقت ونحن على هذه الحال،ولا سمعت ماذا كان المارة يتمتمون وهم يمرُّون بنا ولم الح عليها بالسؤال ما جرى، مخافة أن اسكب غازاً على النار التي اشتعلت دون ما اعرف سبباً لاشتعالها. اخذت اربّت على شعرها في حركة رتيبة لابعث الطمأنينة الى نفسها وقد نجحت في هذا. فقد رفعت رأسها وفي عينيها توسل وقالت:

- ارجوك خذني الى المنزل الآن.

عندما اوقفت السيارة امام منزلها، تمالكت نفسها وخرجت بعد أن طلبت مني الا ارافقها الى الداخل، مؤكدة أنها بخير وأنها ستراني غداً في العمل.

تركت السينما في القاهرة وأنا أتألم من شدة الضرب الذي انهالوا عليّ به، وتركت السينما في سدني ومعي ميرنا تتالم من كابوس مخيف حلّ عليها فجأة دون أن أعرف عنه شيئا. انها لبنانية وأنا مصري، زمالتنا جمعت بيننا دون ما هدف معين، خروجنا جاء عفوياً، ولم اكن اعرف عنها الكثير لانها لا تتحدَّث عن نفسها. تحبّ الضحك وكأنها تهرب من شيء يسيطر عليها. هذا ما كنت المحه في بعض الأحيان، إذ كنت أشعر ان سحابة سوداء تُخيم عليها تنتزعها من جوِّها المرح ومن اجواء الحديث، فتشعر أنها بعيدة عنك.. بعيدة ، حزينة دون أن تعرف أين هي وما سبب حزنها، لم أحاول ابداً أن اقترب أكثر لاكتشف أسباب كآبتها، فللزمالة حدود احترمها وخاصة بين الرجل والمرأة.

تلك الليلة لم يغمض لي جفن، قضيت الليل كله احاورها واحاور نفسي، فما اهتديت الى امر يفسّر حزنها المرير الذي انفجر بشكل مفاجيء، بكاء بل نحيباً متواصلاً جعلني اشاطرها الحزن دون أن اعرف السبب..

ثلاثة ايام، لم تأت ميرنا إلى العمل، وفي كل يوم وساعة بل وفي كل لحظة مرت عليّ خلال الثلاثة ايام، كنت أُفكر فيها.. مشاعر غريبة تتملكني، هي مزيج من القلق والاسى.. كلما هممت بالاتصال بها، تبتعد يدي عن الهاتف وأحدث نفسي ماذا أقول لها..؟ أطمئن عليها؟ وماذا أفعل لو رفضت الحديث اليّ؟.. لا انا ما أسأت اليها، لكن قد تفسد زيارتي لها أو السؤال عنها، علاقتنا. فأنا الذي اخذتها في تلك الليلة المشؤومة خارجاً.. وكان عليَّ أن أعرف الكثير عنها حتى لا اسبب لها ما حدث.

في مساء ذلك اليوم الثالث، ازداد قلقي وصرت لا احتمل تأجيل زيارتها والسؤال عنها. طرقت الباب، وحين لم يستجب احد لطرقي، هممت بالعودة من حيث أتيت، وإذ بالباب يفتح وسيدة تظل براسها خارجاً تبحث عني، وعندما رأتني قالت:

- تفضل يا بني.. عذراً لتأخرّي..

جلست في غرفة الاستقبال، فيما غابت السيدة عني دقائق حسبتها دهراً. سألتها عن ابنتها ميرنا، فأجابت أنها بخير.

ساد الصمت بيننا فترة، ثم سألتني:

- هل لك أن تخبرني يا ولدي ماذا حدث عندما خرجتما معاً؟

- كنا يا «خالتي» في السينما نشاهد فيلماً عادياً. فجأة انفجرت بالبكاء وانهارت، عبثا حاولت تهدئة خاطرها، وعبثا حاولت أن اعرف سبب بكائها. اصطحبتها الى المنزل عندما طلبت مني ذلك، لكنها فضّلت الا ادخل، فعدت ادراجي وأنا قلق عليها.. وها هي ثلاثة أيام تمرّ دون أن تأتي الى العمل، قلت لنفسي.. أذهب وأطمئن عليها.

- كنتم في السينما.. كم نهيتها عن حضور افلام السينما.. انها حساسة جداً.. ما هي القصة؟!

- اية قصة؟

- قصة الفيلم يا ابني..

- انها تدور حول حرب أهلية في احدى دول أميركا الجنوبية.

انتفضت الأم.. امتعض وجهها ولاذت بالصمت. اختلط عليّ الأمر، لا اعرف ماذا اقول أو كيف أتصرَّف. لكني بعد برهة قصيرة سألتها:

- خالتي.. هل قلت شيئاً أغضبك؟

- لا يا ولدي. إنه قدرنا الذي لا نستطيع أن نهرب منه حتى في أستراليا.

- أنا أخشى أن أكون السبب في كل ما حدث لها.

- الذي حدث لها، حدث لكثيرات غيرها.. ونحمد الله ونشكر فضله على كل شيء. إنها الحرب يا ولدي وآثار وذكريات الحرب مؤلمة وجارحة، ولا تفارق من اكتوى بنارها وذاق مرارها وعذابها... وهذا قدرنا ونصيبنا، والله يلطف بنا. دقيقة يا ولدي لابلغها انك هنا.

تذكرّت ما وقعت عليه عيني في الفيلم، الفتاة الصغيرة التي لم تناهز الثانية عشرة من عمرها وهي تجري مذعورة خائفة في الاحراش، وذلك الرجل يطاردها، لم انتبه الى ما حدث بعد ذلك لأنني كنت غارقاً في ذكرياتي وقصّتي مع السينما في مصر.. لقد صرخت ميرنا بعد ذلك بفترة وجيزة..

قطع علي تفكيري، عودة الأم وطلبها مني ان اصطحبها الى غرفة ميرنا. فما ان دخلت الغرفة حتى حيّتني بنظرة من عينين ذابلتين،وجهها شاحب، جسدها بادٍ عليه الاعياء الشديد وكانها مريضة بمرض فتّاك يقضي على نضارة الجسم. أشارت إليّ أن اجلس فوق كرسي موضوع إلى جوار «سريرها».

جلست وسألتها عن حالها وحاولت أن أخفِّف عنها، بإن ما اصابها وعكة لا بد ان تذهب وبسرعة، فاجأتني حين اجابتني:

- حظك يا عجوز النحس.. قلنا نخرج لقضاء وقت ممتع.. لكن ما باليد حيلة.

- ميرنا.. ارجوك لا تتحدثي، اشعر بأنك تمرِّين بأزمة نفسية حادّة اثارتها مشاهد الفيلم. مهما كانت الاسباب ارجوك ان تهتمي بصحتك و..

أجهت بالبكاء، اقتربت من فراشها وهي راقدة. أطلت النظر اليها، ووجدت نفسي اقول لها:

- ميرنا هل تقبلينني ابا لاولادك؟

كانت الدموع ما زالت تتدحرج على وجنتيها كحبّات اللؤلؤ، والحزن يغلِّف وجهها، لكنها كفكفت عينيها بظهر يديها وهمّت ان تتكلَّم. فما وجدت نفسي إلا واضعاً إصبعي فوق فمها هامساً أطلب منها الاَّ تتكلم الآن، ولا تتسرَّع بالجواب.

أمسكت براحة يدي واحتضنتها بين راحتيها، قرّبتها إلى خدِّها، وفي حنان، مال رأسها وشعرت بدفء الدمع يتدفّق مبللاّ يدي التي بين يديها...

تمت ...

ملاحظات حول كتاب: حقيقة الصابئة المندائيين/ د. عدنان الظاهر

المؤلف : حامد نزّال السعودي (1)
أعارني مشكوراً هذا السفر الجميل [ 544 صفحة ] صديقٌ مندائيٌّ عزيز . سحتُ معه وفيه طولاً وعرضاً فلفت نظري صبرُ وطولُ نَفَس الأستاذ المؤلف وغيرته على قومه وديانته وطول باعه فيهما . كرّسَ الجزء الأول من الكتاب [ ثلاثة فصول ] لما قال المؤرّخون والمستشرقون الأجانب بحقهم وحقيقة ديانتهم المندائية . وخصص الجزء الثاني [ كذلك ثلاثة فصول ] لما قال المؤرّخون العربُ ـ المسلمون أو المسلمون العرب ، وما كتب الكتّاب والمؤرخون المندائيون عنهم . لقد بذل المؤلف جهداً كبيراً في جمع هذه المعلومات الغزيرة وتبويبها وعرضها بأمانة وموضوعية بعيداً عن الذاتية وضيق الصدر وبجرأة عزَّ نظيرها في هذه الأيام . لم يتردد أبداً في تدوين ما كتب خصومهم عنهم قوماً وديناً وما سطّر بعضهم من تخرّصات وافتراءات وتشويهات بحق معتقداتهم وأصول طقوسهم وشعائرهم الدينية وعاداتهم الإجتماعية . فجادلهم فيما قالوا وناقشهم نقاش المقتدر العالم بأصول دينه وقدَمه وعراقة تقاليدهم ونشأتها .
أما الجزء الثالث وهو الأخير فإنه كسابقيه مكوّنٌ من ثلاثة فصول أعطاه العنوان
(هكذا عرفتهم ) : حقيقة الصابئة المندائيين .
خرجت من قراءتي لهذا الكتاب القيّم بجملة ملاحظات حول بعض المعتقدات المندائية التي وردت في كتبهم الدينية المقدسة التي ينسبونها لآدم [ كتاب الكنزا ربّا ] مثلاً ، وتعاليم يحيى ، يحيى المعمدان إبن زكريا ، يهيا يهانا ، المسمى [ دراشة إدْ يهيا ] . ثم قد وجدتُ من المفيد أنْ أقف مع البعض من هذه المعتقدات الدينية مقارناً إيّاها بمثيلاتها في الأديان الأخرى ، ولا سيّما الدين الإسلامي ، في محاولة للوقوف على سر إختلافها عن معتقدات هذه الأديان ، خاصة والدين المندائي ـ حسب إعتقاد الأخوة المندائيين ـ هو أقدم الأديان حيث يعتقدون أنَّ آدم هو نبيّهم وإنه هو من أسّس الدين المندائي وإنه هو نفسه كان مندائياً . وهذا الأمر يخالف كلاً من تأريخ العلوم الدينية وكلَّ ما نعرف من منجزات العلوم الحديثة . لا أريد الرجوع إلى داروين ونظريته في النشوء والتطور أو الإرتقاء ولا إلى تأريخ وعمر كرتنا الأرضية ... لا أود التطرق إلى هذين الأمرين لأنني إبتداءً لا أريد الإختلاف معهم ولا مع الأستاذ حامد السعودي الشديد الإحترام لدينه المندائي. وقبل الشروع في طرح النقاط التي سأناقشها وأعارضها بما أعرف من فلسفات دينية مغايرة وأقارنها بما جاء في كتب الأديان الأخرى ... قبل ذلك كله لا بدَّ لي من التصريح أنَّ هذه الطائفة المسالمة النادرة التي وقع عليها الحيف والجور في مختلف مراحلها دونما ذنب إقترفته أو جريمة إرتكبتها ... وجدت نفسها دوماً في زواية حادة حرجة للدفاع عن نفسها بالدفاع عن دينها وتوضيحه للعالمين ولدحض الفتاوى والإتهامات والإفتراءات الزاعمة بأنهم يعبدون الكواكب والنجوم وأنهم لا إيمان لهم برب واحد خالق وبيوم آخر وحساب وعقاب. وعلى هذا أجهد الباحث الممتاز السيد حامد السعودي نفسه ليُظهر بالأدلة والبراهين والآيات حقيقة إيمانهم برب خالق واحد أَحَد . مُتهَمون وهم الأبرياء . مُحارَبون وهم المسالمون ... وقد وردت لفظة { إسلام } في كتبهم المقدسة قبل ظهور الإسلام ربما بقرون وقرون . وهناك نص صريح في القرآن يبين أنَّ إبراهيم هو مَن سمّى المسلمين بهذا الإسم [[ وجاهدوا في الله حقَّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حَرَج ملّةَ إبراهيمَ هو سمّاكم المسلمين من قبلُ وفي هذا ليكونَ الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداءَ على الناس .../ سورة الحَج ، الآية 78 ]] . لقد وجدتُ أغلب الأخوة المثقفين والمؤرخين المندائيين ينحون بقوة هذا المنحى ما عدا العزيز الأستاذ عزيز سباهي فقد حافظ على خطه الفكري { التقدمي } وعلى منهجه العلمي فلم ينزلق في خطوط اللاهوت ومتطلبات القناعات الدينية المعروفة. في نظري أنَّ موضوع أصل ومنشأ الصابئة المندائيين كقوم أو ملّة هو الأكثر أهمية من تفاصيل دينهم وما اختلفوا فيه مع طقوس وشعائر باقي الأديان . الأقوام أولاً ثم تأتي الأديان . القوم يليه الدين . الدين يتغير وأصحابه يتغيرون وينقلبون عليه لشتّى الأسباب وقد أسلم الكثير من الصابئة المندائيين [ وربما الكثير من اليهود ] خلال مسيرة تأريخهم الطويلة وتزوجت مندائيات من رجال مسلمين وإنْ على نطاق ضيّق محدود لكنهنَّ بقين مندائيات . القومَ أكثر رسوخاً وثباتاً .
أولاً / النفس والروح
أراني هذا الكتاب أنَّ الديانة المندائية تختلف جذرياً عن باقي الأديان ـ ولا سيّما الدين الإسلامي ـ في الموقف من النفس والروح خاصّةً . سأقارن المفهوم المندائي للنفس والروح بالرؤية الإسلامية لهما حسب نصوص القرآن فقط . ثم أمرُّ على هذين الموضوعين من وجهة نظر أفلاطون وربما الفيلسوف الألماني هيكل .
ينص كتاب الأستاذ حامد الجبوري على ما يلي [[ النفس هي نفحة من الذات العليا بعالم الأنوار ، لا بدَّ لها أنْ تعودَ إلى موطنها الأصلي في الملكوت الأعلى الذي هبطت منه أصلاً ... والنفسُ هي النشمة باللغة المندائية ، وتعني النسمة السماوية المباركة أو نسمة الحياة التي وضعها اللهُ ـ سبحانه ـ في جسد آدم الأرضي . فإذا أتمَّ هذا الإنسانُ قدره على الأرض تتحرر نفسه التي عرفت الإيمان الحق فتتحد بالكون الأعظم الخالد تاركةً جسد الإنسان فانياً لا أهميةَ له بدونها / الصفحة 427]] .
وماذا عن الروح ؟ نقرأ في نفس الصفحة 427 ما يلي [[ يعتقد الصابئة المندائيون أنَّ للإنسان روحاً ونفساً ، وإنَّ النفس هي هبة الله للإنسان التي فيها من سنا وجلال موطنها الأصلي ونوره وكماله وجماله وسلامه لإعانتها من شرور الأرض ومغرياتها ، تكون عُرضةً للحساب . أما الروح التي حلّت جسدَ الإنسان مع نفسه فهي التي تدفعُ الإنسان إلى الشر والفساد والمخالفة ، لأنها مجموعة من الخلايا الحية والغرائز والعادات المختلفة التي حملت معها كلَّ ما في عالم الظلام من خبث ومكر وكذب وشر ورياء وفساد وإغراء للخطيئة والمعصية ]] .
لا نجد مثل هذه التفصيلات في الدين الإسلامي بخصوص النفس والروح أبداً . فإذا عدنا للقرآن وجدنا أنفسنا مع النزر اليسير مما قال عن النفس والروح . ثم إنَّ القرآن يختلف جذرياً مع النص المندائي في مفهوم الروح . مجّد القرآن الروح في سورة القْدر ووضعها في مقام الملائكة ومستواها وعظمة قدرها عند ربّها [[ ليلة القَدر خيرٌ من ألف شهر . تَنزّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر . سلامٌ هي حتى مطلع الفجر / سورة القدر ، الآيات 3 و 4 ]] . في آيات ثلاث أخرى ينحو القرآنُ هذا المنحى ذاته في ربط الروح بالملائكة فهل الملائكة أرواحٌ حسبُ أم أنَّ الروحَ هي نفسها مَلَكٌ كريم ؟ الآيات الثلاث هي حسب تسلسل ورودها في سور القرآن [[ يُنزّلُ الملائكةَ بالروح من أمره على مَن يشاءُ من عباده أنْ انذروا أنه لا إلهَ إلاّ أنا فاتقون / سورة النحل ، الآية 2 ]] . حسب فهمي لهذه الآية أحسبُ أنَّ تفسيرها هو أنَّ اللهَ يُنزّلُ ملائكته على نبيه محمد مثلاً ليس بهيئة جسد ماديّ إنما بشكل وهيئة وطبيعة روح والروحُ لا تُرى بالطبع . المَلَك ـ الروحاني في هذه الحالة هو جبريل واسطة الإتصال الإيحائي بين محمد الرسول وخالقه ، الوسيط الذي يُلقّنُ محمداً آيات القرآن في لحظات نزولها . نقرأ في سورة الشعراء ما يلي [[ وإنه لَتنزيلُ ربّ العالمين . نَزلَ به الروحُ الأمين / سورة الشعراء ، الآيتان 192 ، 193 ]] . " نزلَ به الروحُ الأمين " توكيدٌ على إستنتاجي السابق القاضي بإستحالة الفصل بين الملائكة والأرواح : الروحُ مَلَكٌ والمَلكُ روحٌ . الروح الأمين هو المَلَكُ أو الملاكُ جبريل الوسيط الناقل لكلام الرب . لنلقي نظرة أخرى على ما جاء في سورة المعارج حول نفس الموضوع [[ من الله ذي المعارج . تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يوم كان مقدارهُ خمسين الفَ سَنة / سورة المعارج ، الآيتان 3 ، 4 ]] . أرجو ملاحظة ورود الملائكة بصيغة الجمع لكنَّ الروح دوماً في هذه الآيات تأتي بصيغة المفرد . الروح واحد لكنَّ الملائكة هم جمعٌ عديدٌ . معنى هذا أنَّ جبريل الوسيط / الروح / الأثيري / الهيولى ... يستطيع أنْ يتقمصَّ أو يتلبّسَ أو يستخدمَ هيئات ملائكة شتى حسب الظرف والحاجة وطبيعة المهمة الموكولة به لأدائها . فهناك مهمات عمومية لا تختص بشراً بعينه دون سائر البشر . لكنّا نرى في آية سورة المعارج عنصراً جديداً ذا دلالة زمانية محددة { اليوم } غيرَ أنَّ هذا اليوم ليس كباقي الأيام من حيث طوله المعروف والمحدد بأربع وعشرين ساعةً إنما يساوي خمسين ألف سنة هي ضرورية لبلوغ مقام العرش العظيم . لا تخضع هذه الحسابات لحسابات تقويمنا الزمني الآخذين به منذ قديم الزمان ، منذ زمان البابليين في العراق . إنه تقويم شمسي خاص بمنطق العروج وهو أمر مفهوم إذا أخذنا في الإعتبار مقدار السرعة الكونية الفائقة التي يجب أنْ تحلّق بها المركبات الفضائية والصواريخ الموجهة نحو القمر أو الشمس وبعض الكواكب السيارة الأخرى . تقويم المعراج الزمني هذا يضعنا وجهاً لوجه أمام السنوات الضوئية ووحدات قياس السرعات القريبة من سرعة الضوء لقطع المسافات الشاسعة والمتناهية في البعد عن أرضنا. لكنَّ القرآن يقف محايداً في سورة أخرى من مسألة الروح حيثُ لا يُعطي جواباً لمن سأل عنها النبيَّ محمداً [[ يسألونك عن الروح قل هي من أمر ربّي / سورة ؟ ]] . { قل هي من أمر ربي } كلام عام غامض لا يُغني السائل ولا يُشفي غليله . إذاً لا نجد تفسيراً محدداً واضحاً لمفهوم ومعنى وحقيقة الروح من وجهة نظر الإسلام إلا من خلال ربطها بالملائكة ، أي أنها ليست طليقة من جهة ، وطليقة من جهة أخرى من حيثُ لا من علاقة تربطها بجسد الإنسان وهي حلٌّ من وضع هذا الجسد في حالتي الحياة والوفاة . لا تفارقه لأنها لم تكن مرتبطة به أصلاً . الجسد بعد الموت يتفسخ تحت التراب لكنَّ الروحَ خالدٌ جزءاً من مملكة الرب الخالق لا إنفصام بينه وبين الملائكة أبداً . وهذا فرق كبير جداً بين موقفي الدين الإسلامي والدين المندائي من موضوع ومفهوم الروح .
وماذا عن النفس ؟ نجد في القرآن موقفين متخالفين متضادين من النفس . ففي سورة يوسف نقرأ [[ وما أُبرئُ نفسي إنَّ النفسَ لأمّارةٌ بالسوء إلاّ ما رَحمَ ربّي إنَّ ربّي غفورٌ رحيمُ / سورة يوسف الآية 53 ]] . النفس تأمرُ بالسوء إذاً . نقيض هذا النص نجد القرآنَ يُعلي من شأن النفس ويخاطبها خطاباً صوفياً يمسُّ شغاف القلوب [[ يا أيتها النفسُ المطمئنة . ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضية .فادخلي في عبادي . وادخلي جنّتي / سورة الفجر، الآيات 27 و 28 و 29 و 30 ]] . ما موقف الإنسان المسلم من هذين القولين المتناقضين ؟ فالنفسُ تأمرُ مرّةً بالسوء ، ومرةً أخرى يخاطبها ربّها أروع خطاب ويأمرها أنْ تعود إليه راضيةً مرضية وأنْ تدخلَ جنته أسوةً بعباده الصالحين الذين يستحقون دخول الجنة . سوف لا أذهبُ بعيداً فيما قال القرآنُ عن النفس لأنَّ القرآن لم يعرض تفصيلات شافية فيما يتعلق بالنفس كما فعلت كتب الديانة المندائية . وإلاّ هل نستطيع إستخلاص معنى أو مغزىً للنفس من منطوق الآية [[ يا بني إسرائيلَ اذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم واني فضّلتكم على العالمين . واتقوا يوماً لا تَجزي نفسٌ عن نفس شيئاً ولا يُقبلُ منها عَدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ ولا همْ يُنصرون / سورة البقرة ، الآيات 122 و 123 ]] . وثمّة مثلٌ آخرُ [[ وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون / سورة البقرة ، الآية 84 ]] . المقصود هنا وهناك بالنفس هو الإنسان المخاطب أو مجموعة من الناس وهم في هاتين الحالتين بنو إسرائيل . لا تجزي نفسٌ عن نفس تعني لا يجزي شخصٌ عن شخص آخرَ ولا يٌقبلُ منه عدلٌ ولا تنفعه شفاعةٌ . أما معنى النفس في الآية الثانية فتعني أنتم ، لا تتركوا دياركم . أسوق أمثلة قليلة أخرى من القرآن تتكلم عن النفس . من سورة النساء [[ يا أيها الناسُ اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا اللهَ الذي تَساءَلون به والأرحامَ إنَّ اللهَ كان عليكم رقيبا / سورة النساء ، الآية 1 ]] . فالنفس هنا هي أصل منشأ الإنسان ، منها تمَّ خلقه . وخلق من هذه النفس الواحدة زوجاً للمخلوق الأول من أجل مواصلة وإدامة دائرة ودورة الحياة . هنا يتضح الفارق الجوهري الكبير بين الروح والنفس حسب فلسفة الدين الإسلامي . الروح لا تنفصل عن الملائكة لكنَّ النفس هي حوض ورحم وحاضنة الإنسان وإنها قابلة للإنقسام مثل الأميبيا وبقية حجيرات جسم الإنسان إنقساماً تكاثرياً لا إنقساماً تدميرياً يُفضي للعدم . نجد في سورة الزُمَر شيئاً شبيهاً بهذا المعنى مفاده [[ خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجَها وأنزل لكم من الأنعام ثمانيةَ أزواج يخلُقكم في بطون أمّهاتكم خَلقاً من بعد خَلق في ظُلُمات ثلاث ذلكم اللهُ ربّكم له المُلْكُ لا إلهَ إلاّ هو فأنّى تُصرفون / سورة الزُمَر ، الآية 6 ]] . مَنْ كان الأول في عملية الخلق هذه ، الأنثى أو الذكر ؟ لا تفصلُ هذه الآيةُ في هذا الأمر لذا يبقى خاضعاً للتأويلات والتخمينات والتكهنات وقناعات بعض المفسرين الذين يميلون لتفضيل الذكر على الأنثى مٌسلحين ببعض ما ورد في القرآن من آيات تميل لكفة الرجال على حساب النساء وهي لحسن الحظ ليست كثيرة .
قد يكون للقرّاء الكرام فهم آخر لما ورد في القرآن عن النفس والروح ورأيٌ آخر يختلفون معي فيه فليتني أسمعه منهم .
الآن ، ما رأيُ أفلاطون في هذا الموضوع ؟ (2)
[[ ينبغي التخلّص من حَمَق الجسد . إنَّ إنطواءَ النفس على ذاتها وبُعدها عن الجسد إنما هو التفلسف على الحقيقة ]] . يشرح مؤلف المصدر الثاني كلام أفلاطون كما يلي [[ لكي تُصبحُ فيلسوفاً حكيماً ينبغي أنْ تمارسَ على نفسك تحويلاً ينتهي بك إلى الإنشطار إلى ثنائية متنافرة تغلبُ فيها سلطة الروح على الجسد لأنَّ الروحَ ، بإعتبار أساسها العقلي هي أساس النظر الصحيح ، أما الجسدُ ، باعتبار أساسه الحسّي ، هو مصدر العمى / الصفحة 109 المصدر الثاني ]]. حصر أفلاطون هنا فكرته الفلسفية بثنائية الروح / الجسد وانحاز للروح باعتبار { أساسها العقلي ، أساس النظر الصحيح } أما الجسد { باعتبار أساسه الحسّي ، هو مصدر العمى } . دعا بهذا أفلاطون الإنسانَ لأنّ ينشقَّ على نفسه ويُغلّب روحه على جسده للفرق الكبير بينهما فللروح أساسٌ عقلي بينما للجسد أساسٌ حسّي والحسُّ هو مصدر التشويش فالعمى . ما قال أرسطو في معرض كلامه عن " الزوجين الميتافيزيقيين " الجسد والروح ؟ قال فيهما [[ جسد ، باعتباره آلة تملك أدوات نطق ، وروح بوصفها نفساً تفكّر / المصدر الثاني ، الصفحة 60 ]] . لم يفصل أرسطو بين الروح والنفس بل جعل الروحَ نَفساً تُفكّر أي أنَّ النفسَ جزءٌ من الروح . من هذا نرى أنه مع ثلاثية الجسد ـ النفس ـ الروح . يخالف الدين المندائي كلا من الإسلام وأفلاطون الفيلسوف في الموقف من الروح فهي بالنسبة لهذا الدين سيئة وإنها مصدر الشرور والخطايا لكنه يركّز على النفس ، كما سنرى ، فإنها هي الخالدة وإنها تعود بعد الموت في نهاية أمرها للإتحاد مع خالقها الحي الأزلي أو عالم النور الأزلي حتى لو كانت قد أخطأت في فترة حياة صاحبها فمراحل التطهير السبع تكفي لتنقيتها وتزكيتها وجعلها صالحة للعروج حتى بلوغ مقام مكان النور الأزلي .
ثانياً / مراحل العروج المندائية السبع للأعلى ومراحل النزول السومرية السبع للعالم السفلي .
أقتبسُ ما ورد في المصدر الأول على الصفحة 428 ثم أقارنه بما ورد في المصدر الثالث (3) في الصفحات 133 ـ 141 وربما أتناول مسألة العروج في قرآن المسلمين للمقارنة والتذكير ليس إلاّ .
[[ لقد صار واضحاً أنَّ المندائيين يؤمنون بالله واليوم الآخر ... فهم يعتقدون بوجود الحساب والعقاب ، والثواب والجزاء ، والنعيم والجحيم ، والجنة والنار في الآخرة ... وهذه موزّعة على عالمين رئيسيين هما : (أ) عالم النور ، آلما دَ نهورا (ب) عالم الظلام ، آلما دَ هشوخا . فبعد وفاة الإنسان تصعدُ نفسهُ إلى الآخرة حيث يعتبرُ المندائيون يومَ الوفاة هو بمثابة يوم إنطلاق النفس لأنها تتحررُ من أسارها وتجابهُ بعد ذلك مرحلة غريبةً تمرُّ خلالها بسبعة عوالم هي محطّات الحساب والتطهير التي تُدعى مندائياً " المطراثي " التي تعترض سبيلَ النفس في عروجها ومحاسبتها حساباً عسيراً ... / المصدر الأول ، الصفحة 428 ]] .
يوم وفاة الإنسان المندائي هو يوم تحرر نفسه من أسار الجسد فالجسد أسرٌ وحبسٌ لهذه النفس التي تتوق في نهاية الأمر للصعود والإتحاد { بالذات العظمى في عالم الأنوار الذي إنبعثت من ذاته مما يؤكدُّ عقيدتهم بخلود النفس / المصدر الأول ، الصفحة 228 } . هذا الأمر لا يختلف عن جوهر ونص الآيات القرأنية سالفة الذكر التي قالت : يا أيتها النفس المطمئنة . إرجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي / سورة الفجر . على أنَّ رجوع النفس الإسلامية إلى ربها لا يعني الإتحاد به على الطريقة المندائية إنما يعني دخول الجنة مع عباد الرحمن الصالحين المؤمنين لا غير . لا إتحاد في الإسلام مع الخالق سوى في فلسفة المتصوفة بالحلول .
تمر نفس المندائي بعد وفاته إذاً بسبعة عوالم أو محطات من الحساب والتطهير خلال مرحلة الصعود أو العروج للإتحاد بالذات العظمى . يبدو أنَّ الرقم 7 ذو مغزى ودلالات مرتبطة بقوة بالأديان ثم إنَّ عدد أيام الأسبوع سبعة وعدد الكواكب السيّارة سبعة وعدد السماوات حسب القرآن سبع ، سبعاً طباقاً . لا أدري مَن سبق مَنْ : الأدب السومري أم الدين المندائي ؟ أسالُ هذا السؤال لأنَّ في أسطورة نزول عشتار السومرية للعالم السفلي سبع مراحل ، فما سر هذا التطابق في الأرقام ؟ لا أُعيدُ تفاصيل مراحل الأسطورة السومرية بل أوجزها إيجازاً ففي هذا الإيجاز كفاية . هبوط عشتار إلى العالم الأسفل(3) :
[[ إلى أرض اللاعودة ، مملكة أرشكيغال
عشتار ، إبنة سين ، قرَّ قرارُها
نعم ، إبنة سين قرَّ قرارُها
إلى منزل الظلام ، مقر إيركال لا
إلى المنزل الذي لا يعودُ منه مَنْ دخلَهُ
إلى الدرب الذي لا رجعةَ منه
إلى المنزل الذي حُرّمَ فيه نزلاؤه من النور
حيثُ الغبارُ قوتهم والطينُ طعامهم
حيثُ لا يرون ضياءً والظُلمةُ مأواهم
...
ففغرَ حارسُ البوّابة فاهُ ليتكلّم
ويقولُ لعشتار ذات المقام الرفيع
سأذهبُ لأعلنَ عن إسمك للملكة أريشكيغال
ثم إنَّ حارسَ البوّابة دخلَ وقال لأريشكيغال
أنظري ، شقيقتك عشتار تنتظرُ في الباب
...
وهكذا ذهبَ حارسُ البوّابة ليفتحَ لها البابَ :
أدخلي يا سيدتي فلعلَّ الكوثاه تغتبط بقدومك
لعلَّ دارةَ عالم اللاعودة يعمّها السرورُ بحضورك
وعندها أذنَ لها بدخول الباب الأول
جرّدها من التاج العظيم الذي يجللُ رأسَها
" لماذا يا حارسَ البوّابة انتزعتَ تاجَ رأسي العظيم ؟ "
أدخلي سيدتي ، تلك هي شرائعُ سيدة العالم الأسفل .
وعندما أذنَ لها بدخول الباب الثاني
جرّدها من قُرطي أذنيها
" لماذا يا حارسَ البوّابة إنتزعتَ قُرطي أُذني ؟ "
أدخلي سيدتي ، تلك هي شرائعُ سيّدة العالم الأسفل .
وعندما أذنَ لها بدخول الباب الثالث
جرّدها من قلائد جيدها
" لماذا يا حارسَ البوّابة إنتزعتَ قلائدَ جيدي ؟ "
أدخلي ، سيدتي ، تلك هي شرائعُ سيّدة العالم الأسفل.
...
وعندما أذنَ لها بدخول الباب السابع
جرّدها من المئزر الذي يسترُ جسَدَها .
" لماذا يا حارسَ البوّابة إنتزعتَ المئزر الذي يسترُ جسدي ؟ "
أدخلي ، سيدتي ، تلك هي شرائعُ سيّدة العالم الأسفل ]] .
هذا مختصر مراحل هبوط عشتار إبنة سين ، إله القمر ، إلى العالم الأسفل عالم الموتى والظلام . نلاحظ التدرّج في هذه المراحل في تجريد عشتار مما ترتدي من ملابس وما تضع على جسدها من مصوغات كأقراط الأُذنين والتاج والقلادة لينتهي الأمر بها إلى التخلي عمّا يستر جسدها ، المئزر حسب شرائع أو أوامر مليكة عالم الأموات ، العالم الأسفل . كما نلاحظُ أنْ لا مكان للموتى في الأعالي ، في السماوات أو الجنان أو في عالم النور والحي الأزلي . نظرة وفلسفة السومريين واقعيتان فالموتى يُدفنون تحت الأرض ، أسفل الأرض أي العالم السفلي حيث الظلام التام المُطبق يقابل ذلك العالم الأرضي ، حيث حياة البشر والحيوان والنبات وحيثُ نور الشمس والحرارة والضوء والنماء والخصب والتناسل وعشتار نفسها هي آلهة الخصب والجنس والتناسل . لذا توقفت الحياة على سطح الكوكب الأرضي في بلاد سومر نتيجةً لغياب عشتار آلهة الخصب والتناسل وجاء ذلك في هذه الأسطورة واضحاً جميلاً وكما يلي :
[[ وبعد أنْ هبطت السيدة عشتارُ إلى العالم الأسفل
لم يعدْ الثورُ يعتلي البقرة ، ولا الحمارُ يُسفدُ الأتان
وفي قارعة الطريق لم يعدْ الرجلُ يُلقّح المرأة
صار الرجلُ ينامُ في حجرته والمرأةُ تنامُ على جنبها ]] ... ألا ما أبلغ التعبير والتصوير في هذا المقطع : توقفُ عملية التناسل ؤدي لا ريبَ إلى الموت إذْ لا دوام للحياة بدون تناسل . إستوقفتني جملة { وفي قارعة الطريق لم يعدْ الرجلُ يُلقّح المرأة } ذاك أنَّ القرآن الكريم كان واضحاً وصريحاً في تحريم إتيان النساء في المساجد وفي التنديد وردع قوم لوط الذين كانوا { يأتون الفاحشةَ في ناديهم } ... فهل كان السومريون يمارسون الجنس عَلَناً في قارعة الطريق ؟ نص هذه الأسطورة يقولُ ذلك كما رأينا قبل قليل .
عالما الموتى المندائي والإسلامي في الأعلى ، المندائيُّ مُتّحدُ النفس مع الحيّ
الأزلي مليك الأنوار ، أما الإسلامي فلا يتحد بعد موته مع الله ولكنْ تصحبُهُ ملائكة إما في الجنة أو في النار ولا من خيار ثالث بينهما . حتى النفس المندائية الخاطئة تتطهّر ثم تتحد بالحي الأزلي ... وهذا أمرٌ خطير الشأن يدلُّ على روح العفو والتسامح في جوهر العقيدة المندائية وهو أمرٌ بيّنٌ واضحٌ تدلُّ عليه طبيعة وخُلق وسلوك المندائيين المسالمين الغفورين الجانحين للسلم وللدعة والتحاب والتواد كأنَّ شعارهم ما قال القرآن في بعض آياته [[ إدفعْ بالتي هي أحسنُ ، فالذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميمٌ ]].
ختام / لكم وددتُ أنْ أتعرّضَ بالدرس والمقارنة لعدد آخر من الموضوعات مما قرأتُ في كتاب الأستاذ حامد نزّال السعودي لكنَّ إستثنائية ظروفي الراهنة وقفت حائلاً لشديد أسفي ... ليت سوايَ يواصل البحث والمقارنات ويكملُ ما عجزتُ عن مواصلته . من هذه الموضوعات ، وليس جميعها :
1ـ الإختلافات بين المندائيين وتوراة اليهود حول قصّة سارة وابراهيم وأسباب ختانه وخلافهم معه بسبب هذا الختان .
2ـ خلاف بين المندائية والقرآن الكريم حول مَنْ كان مع نوح في فُلكه ؟ لم يكن إبنه معه في سفينته التي أنقذ بها البشر والحيوان حسبما ورد في القرآن .
3ـ خلافات حول تفسير أسباب طوفان نوح وعمار الدنيا التي أفناها هذا الطوفان.
4ـ الفروق بين تفاصيل جنّات القرآن الكريم وجنّة سام بن نوح في التراث الديني المندائي .
وكذلك في الختام لا بدَّ لي من أنْ أقدّم جزيل شكري للأخ الأستاذ حامد نزّال السعودي إذْ أتاح لي بكتابه القيّم هذا أنْ أتعرّف على الكثير من خفايا العقيدة المندائية وعلى الكثير من طقوس وشعائر وتقاليد الأخوة المندائيين . ثمَّ ، لا أقولُ إني أعترض على بعض مواقفه وقناعاته وتفسيراته وأخالفه فيها لكنني أستطيع أنْ أقولَ إني أتحفظُ على البعض منها قليلاً أو كثيراً مع إعتذاري .
المصادر
1ـ حقيقة الصابئة المندائيين " بحث في تأريخ أمّة حاضرة منسيّة " .
المؤلف : حامد نزّال السعودي . الناشر : ؟ هولندا 2009 .
2ـ هيدجر والميتافيزيقا . المؤلف : محمد طواع . الناشر : إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 2002 .
3ـ من روائع الشعر السومري . المؤلف : علي الشوك . الناشر : منشورات الجمل ، الطبعة الأولى 1990 ، كولن ، المانيا .